عماري
2011-12-14, 17:04
فرق كبير بين النصح والنقد البنَّاء وبين الطعن والهدم لتيارات الإسلام السياسي، تلك التي حملتْ على عاتقها نصرة هذا الدين والإعلاء من صوت الشريعة، والدعوة إلى تطبيقها بعد سنوات عجاف، فُرق فيها بين الناس وبين أحكام شريعتهم، تحت وطأة التغريب وسلطان العلمانية.
ومن هذا المنطق ننصح الإخوة في حزب النهضة وحركتها، ونقول لهم: ما هكذا تورد الإبل...، فليس من الحكمة ولا من السياسة التبرؤ من أهم مزية وخصيصة تميز بها النهضويون وغيرهم من الإسلاميين عن باقي التيارات في المشهد السياسي العربي والإسلامي، تلك المزية التي لولا وجودها ما حازوا الأغلبية ولا اختارهم الشعب.
فلقد خرج الشعب التونسي ومن خلفه المغربي والماليزي ثم المصري، خرجت كل هذه الشعوب وأعطت صوتها للأحزاب الإسلامية، لا لأنها تنادى بالديمقراطية والحرية والعدالة فحسب، فهذه لكْنَةٌ يجيدها كل مشتغل بالسياسة وهي ملعب العلمانية التي لا معلب لها غيره، لكن السبب في هذا التوجه يظهر في كون الشريعة وتطبيقها كانت أولى أولويات هذه الأحزاب، وهذا هو الفارق الجوهري والحقيقي بين تلك الأحزاب وغيرها، وهذا ما فهمه العلمانيون ويفهمه كل مراقب لأوضاع تلك البلاد.
فليس من السياسة استبدال الخطاب الإسلامي بمسخ ليبرالي شُوِّهت وسائله وأهدافه ومن ثم ضاعت غاياته، وليس من الفطنة أن تستبدل النهضة إحدى أهم وسائلها لاجتذاب الجماهير-وهي الدعوة للشريعة- بنظريات وأطروحات ثبت فشلها وأطاحت بعروش العلمانية والليبرالية في تونس وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.
ففي حواره مع مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية أكد الغنوشي خلال زيارته للولايات المتحدة "أن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس من أولويات حزب النهضة الآن، وإنما ضمان عدم عودة الديكتاتورية مرة أخرى إلى تونس"، وبعد هذه الانبطاحية والانهزامية استأسد الغنوشي على كل من ينادي بتطبيق الشريعة بقوله:" أنه ينوي مقاومة أي جهود سلفية للدفع بوجود دستور إسلامي، كذلك نفى معاقبة المرتدين عن الإسلام "، والحق نقول أن أمريكا وأفراخها ما كانوا يحلمون بعشر معشار هذه التنازلات، ونظن أن الغنوشي قد صدم الجميع بها؛ من يؤيده ومن يخالفه.
والسؤال الآن فإن كان الغنوشي قد قال ذلك من باب السياسة لترضى عنه أمريكا وحلفائها فقد أخطأ، لأن رضا أمريكا ومن خلفها مرهون بتمييع الدين وذهاب شريعته، بل ووضع الصليب على قباب المساجد ومآذنها، وإن كان قال ما قال عن قناعة وإيمان، فهي مصيبة وكارثة لا بد أن يراجع فيها هو وحزبه، لا أن يمر الأمر مرور الكرام.
كذلك أشار الغنوشي إلى أن الدستور الجديد لن يتضمن أية مواد تدين الكيان الصهيوني، حيث ذكر الغنوشي في تصريح لمجلة "ويكلي ستاندار" الأمريكية في معرض إجابته على التخوفات الإسرائيلية من إيجاد فصل في الدستور يناهض الصهيونية، أنه "لا يعتقد أن هذه المسألة سوف يتم إدراجها في الدستور المقبل، وأن الوثيقة التي أمضتها الأحزاب في مجلس حماية الثورة-سابقا والتي تدين الصهيونية- ليس لها معنى".
وإلى هنا يبدو التصريح-رغم انبطاحيته- دبلوماسيا ولا حرج فيه، لكنه لم يكتف بهذا بل زاد- وليته سكت-أنه "لا يرى أي سبب لإدراج معاداة الصهيونية وإسرائيل في الدستور المقبل"، وهكذا منح النهضويون لإسرائيل ما لم تحلم به، وأصبح النهضويون جنبا إلى جنب مع النخب العلمانية لتحمل معها لواء التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي لم يتوقعه أحد، لا إسرائيل، ولا العلمانيون، ولا حتى الشباب النهضوي.
ووثيقة الأحزاب التي أشار إليها الغنوشي هي وثيقة تم الاتفاق فيها بين النهضة وبعض الأحزاب الأخرى على تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي وثيقة لا قيمة لها كما ذكر الغنوشي آنفا؛ لأنها مجرد اتفاق بين مجموعة من الأحزاب، وهو أمر شكلي لا وزن له في دساتير البلاد وقوانينها.
وقد برر الغنوشي تأييده لخلو الدستور من هذه المادة بقوله:"أنه من غير المعقول إدراج قضايا عربية خارجية (بين إسرائيل وفلسطين) في دستور تونس، لأن الدستور الجديد لا يجب أن يشمل أي اسم دولة سوى تونس.
ونسى الغنوشي أن قضية فلسطين ليس قضية دولة محتلة فحسب، بل هي مسألة دينية عقائدية، وهَمٌّ إسلامي لا يخص دولة فلسطين وحدها، بل يخص كل مسلم على وجه البسيطة، كذلك فإن مسألة التطبيع يمكن إدراجها دون الحاجة لذكر اسم إسرائيل أو فلسطين بل يمكن الاكتفاء بالإشارة إلى منع التعاون مع دول الاحتلال، أو أن تذكر الأسماء صريحة، إن كان في هذا نصرة لمظلوم (فلسطين) على ظالم مستبد(إسرائيل)، أو إن كان في هذا إعلاء لراية الإسلام، أو تنبيها من خطر الصهيونية المحدق، ذلك الخطر الذي لا ينكره إلا غافل أو جاهل أو عميل خائن، ونحن نربأ بالنهضة أن تكون الثالثة.
والغنوشي بهذه التصريحات ينقلب على آرائه السابقة والتي كان آخرها منذ شهور قليلة جدا، حيث صرح في لقاء تلفزيوني عقب الثورة أن النهضة والتونسيين بصفة عامة سيكونون منفتحين –يقصد في المعاملات التجارية- لكن على غير إسرائيل، وبرر ذلك بقوله إن إسرائيل "دولة احتلال".
فماذا جد في النهضة؟ وهل ستحيد النهضة عن طريقها الذي سارت فيه؟ أم أن النهضويين يريدون بمثل هذه التصريحات أن يثبتوا لأمريكا وحلفائها أنهم معتدلون ووسطيون؟
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث الاسلامية
ومن هذا المنطق ننصح الإخوة في حزب النهضة وحركتها، ونقول لهم: ما هكذا تورد الإبل...، فليس من الحكمة ولا من السياسة التبرؤ من أهم مزية وخصيصة تميز بها النهضويون وغيرهم من الإسلاميين عن باقي التيارات في المشهد السياسي العربي والإسلامي، تلك المزية التي لولا وجودها ما حازوا الأغلبية ولا اختارهم الشعب.
فلقد خرج الشعب التونسي ومن خلفه المغربي والماليزي ثم المصري، خرجت كل هذه الشعوب وأعطت صوتها للأحزاب الإسلامية، لا لأنها تنادى بالديمقراطية والحرية والعدالة فحسب، فهذه لكْنَةٌ يجيدها كل مشتغل بالسياسة وهي ملعب العلمانية التي لا معلب لها غيره، لكن السبب في هذا التوجه يظهر في كون الشريعة وتطبيقها كانت أولى أولويات هذه الأحزاب، وهذا هو الفارق الجوهري والحقيقي بين تلك الأحزاب وغيرها، وهذا ما فهمه العلمانيون ويفهمه كل مراقب لأوضاع تلك البلاد.
فليس من السياسة استبدال الخطاب الإسلامي بمسخ ليبرالي شُوِّهت وسائله وأهدافه ومن ثم ضاعت غاياته، وليس من الفطنة أن تستبدل النهضة إحدى أهم وسائلها لاجتذاب الجماهير-وهي الدعوة للشريعة- بنظريات وأطروحات ثبت فشلها وأطاحت بعروش العلمانية والليبرالية في تونس وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.
ففي حواره مع مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية أكد الغنوشي خلال زيارته للولايات المتحدة "أن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس من أولويات حزب النهضة الآن، وإنما ضمان عدم عودة الديكتاتورية مرة أخرى إلى تونس"، وبعد هذه الانبطاحية والانهزامية استأسد الغنوشي على كل من ينادي بتطبيق الشريعة بقوله:" أنه ينوي مقاومة أي جهود سلفية للدفع بوجود دستور إسلامي، كذلك نفى معاقبة المرتدين عن الإسلام "، والحق نقول أن أمريكا وأفراخها ما كانوا يحلمون بعشر معشار هذه التنازلات، ونظن أن الغنوشي قد صدم الجميع بها؛ من يؤيده ومن يخالفه.
والسؤال الآن فإن كان الغنوشي قد قال ذلك من باب السياسة لترضى عنه أمريكا وحلفائها فقد أخطأ، لأن رضا أمريكا ومن خلفها مرهون بتمييع الدين وذهاب شريعته، بل ووضع الصليب على قباب المساجد ومآذنها، وإن كان قال ما قال عن قناعة وإيمان، فهي مصيبة وكارثة لا بد أن يراجع فيها هو وحزبه، لا أن يمر الأمر مرور الكرام.
كذلك أشار الغنوشي إلى أن الدستور الجديد لن يتضمن أية مواد تدين الكيان الصهيوني، حيث ذكر الغنوشي في تصريح لمجلة "ويكلي ستاندار" الأمريكية في معرض إجابته على التخوفات الإسرائيلية من إيجاد فصل في الدستور يناهض الصهيونية، أنه "لا يعتقد أن هذه المسألة سوف يتم إدراجها في الدستور المقبل، وأن الوثيقة التي أمضتها الأحزاب في مجلس حماية الثورة-سابقا والتي تدين الصهيونية- ليس لها معنى".
وإلى هنا يبدو التصريح-رغم انبطاحيته- دبلوماسيا ولا حرج فيه، لكنه لم يكتف بهذا بل زاد- وليته سكت-أنه "لا يرى أي سبب لإدراج معاداة الصهيونية وإسرائيل في الدستور المقبل"، وهكذا منح النهضويون لإسرائيل ما لم تحلم به، وأصبح النهضويون جنبا إلى جنب مع النخب العلمانية لتحمل معها لواء التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي لم يتوقعه أحد، لا إسرائيل، ولا العلمانيون، ولا حتى الشباب النهضوي.
ووثيقة الأحزاب التي أشار إليها الغنوشي هي وثيقة تم الاتفاق فيها بين النهضة وبعض الأحزاب الأخرى على تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي وثيقة لا قيمة لها كما ذكر الغنوشي آنفا؛ لأنها مجرد اتفاق بين مجموعة من الأحزاب، وهو أمر شكلي لا وزن له في دساتير البلاد وقوانينها.
وقد برر الغنوشي تأييده لخلو الدستور من هذه المادة بقوله:"أنه من غير المعقول إدراج قضايا عربية خارجية (بين إسرائيل وفلسطين) في دستور تونس، لأن الدستور الجديد لا يجب أن يشمل أي اسم دولة سوى تونس.
ونسى الغنوشي أن قضية فلسطين ليس قضية دولة محتلة فحسب، بل هي مسألة دينية عقائدية، وهَمٌّ إسلامي لا يخص دولة فلسطين وحدها، بل يخص كل مسلم على وجه البسيطة، كذلك فإن مسألة التطبيع يمكن إدراجها دون الحاجة لذكر اسم إسرائيل أو فلسطين بل يمكن الاكتفاء بالإشارة إلى منع التعاون مع دول الاحتلال، أو أن تذكر الأسماء صريحة، إن كان في هذا نصرة لمظلوم (فلسطين) على ظالم مستبد(إسرائيل)، أو إن كان في هذا إعلاء لراية الإسلام، أو تنبيها من خطر الصهيونية المحدق، ذلك الخطر الذي لا ينكره إلا غافل أو جاهل أو عميل خائن، ونحن نربأ بالنهضة أن تكون الثالثة.
والغنوشي بهذه التصريحات ينقلب على آرائه السابقة والتي كان آخرها منذ شهور قليلة جدا، حيث صرح في لقاء تلفزيوني عقب الثورة أن النهضة والتونسيين بصفة عامة سيكونون منفتحين –يقصد في المعاملات التجارية- لكن على غير إسرائيل، وبرر ذلك بقوله إن إسرائيل "دولة احتلال".
فماذا جد في النهضة؟ وهل ستحيد النهضة عن طريقها الذي سارت فيه؟ أم أن النهضويين يريدون بمثل هذه التصريحات أن يثبتوا لأمريكا وحلفائها أنهم معتدلون ووسطيون؟
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث الاسلامية