مهاجرة إلى ربي
2011-12-13, 16:38
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرغبة في الصدارة
{ رؤية دعوية حول حقيقتها ومظاهرها وآثارها}
الموضوع لـ : عبد الحكيم بن محمـد بلال
وهو منقول للفائدة
********
لا غرابة في حرص أهل الدنيا على الإمارة والولايات؛ فذلك أمر تعوّده الناس منهم، حتى أفضى الأمر إلى نزاعات وخلافــــات ومفاسد وفتن كثيرة، وأدى كثير منها إلى سقوط بعض الدول، كسقوط الأندلس وغيرها.
لكن الغريب أن يتسلل هذا الداء إلى داخل التجمعات الدعوية، ويسيطر على بعض النفوس المريضة، شعرت أم لم تشعر، حتى يصـيـر هــــمّ الواحد منهم أن يسود على بضعة أفراد، دون التفكير بتوابع ذلك وخطورته، وأنها أمانة، ويوم القيامة خزي وندامة
التطلع للإمارة في ضوء النصوص الشرعية:
إن الحرص على الإمارة يفسد دين المرء الحريـص عـلـيـهـــا،
ويـضـيع نصيبه في الآخرة، ويجعله شخصاً غير صالح لهذا
المنصب، وتوضيح ذلك كما يلي:
أولاً: تحذير النبي-صلى الله عليه وسلم- من عواقب التطلع إلى الإمارة:
قال: (ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على الشرف والمال لدينه).
فـبـيـن أن الفـســــاد الحاصل للعبد من جراء حرصه على المال والشرف: أشد من الفساد الحاصل للغنم التي غاب عنها رعاتها ليلاً، وأُرسل فيها ذئبان جائعان يفترسان ويأكلان، وإذا كان لا ينجو من الغنم إلا القليل منها؛ فإن الحريص على المال والشرف لا يكاد يسلم له دينه.
ثانياً: بيان طرق الناس في طلب الجاه: للناس في طلب الجاه طريقان، هما:
الـطـريـــق الأول:طلبه بالولاية والسلطان وبذل المال، وهو خطير جداً، وفي الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها؛ فإن الله جعل الآخرة لعباده المتواضعين، فقال: ((تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [القصص: 83]فنفى عنهم مجـرد الإرادة، فضلاً عن العمل والسعي والحرص لأجلها، فإن إرادتهم مصروفة إلى الله ـ عز وجـــــل ـ، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع مع الله ـ تعالى ـ والانقياد للحق والعمل الصـالــح، وهم الذين لهم الفلاح والفوز. ودلت الآية على أن الذين يريدون العلو في الأرض والفساد ليس لهم في الآخرة حظ ولا نصيب.
الطريق الثاني:طـلـب الجـاه بالأمـــــور الدينية، وهذا أفحش وأخطر؛ لأنه طلب للدنيا بالدين، وتوصل إلى أغراض دنيوية بوســائــل جعلها الله ـ تعالى ـ طرقاً للقرب منه ورفعة الدرجات، وهذا هو المقصود بحديثنا هنا.
ثالثاً: الـنـهــــي عن ســؤال الإمارة:
وقد وردت نصوص تنهى عن سؤال الإمارة وتمنيها، وتحذِّر من ذلـك، وتـبـين عاقبته، وتنهى عن تولية من سألها أو حرص عليها. وهي وإن كان يتبادر إلى الذهن أنها واردة في الإمارة الدنيوية ـ إمارة السلطان والوالي ـ إلا أن دلالتها أشمل من ذلك وأوسع، فهي تتناول ما نحن بصدد الحديث عنه. ومن تلك الأحاديث:
أ - قول النبي: (يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطـيـتـهــــا عن غير مسألة أُعنت عليها) وفي رواية: (لا يتمنّينّ)، والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب.
ب - وقوله: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة) فهي محبوبة للنفس في الدنيا، ولكنها (بئست الفاطمة) بعد الموت؛ حين يصير صاحبها للحساب والعقاب. وفي رواية أخرى: (أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل).
ج - وقال-صلى الله عليه وسـلـــم- للرجلين اللذين سألاه الإمارة: (إنا لا نولّي هذا مَنْ سأله، ولا من حرص عليه).
والسبب في عدم توليته الإمارة لمن سألها أنه غير صالح ولا مؤهل لهذا الأمر؛ لأن سؤاله له وحرصه عليه ينبئ عن محذورين عظيمين:
الأول:الحرص على الدنيا وإرادة العلو، وقد تبيّن ما فيه.
الثاني:أن في سؤاله نوع اتكال على نفسه، وعُجباً بقدراتها وغروراً بإمكاناتها، وانقطاعاً عن الاستعانة بالله ـ عز وجل ـ التي لا غنى لعبد عنها طرفة عين، ولا توفيق له إلا بمعونته ـ سبحانه وتعالى ـ
فما أشبه حرص الداعية على رئاسة مركز إسلامي، أو إدارة مكتب دعوي، أو ترؤس لجنة، أو هيئة، أو مجموعة... ما أشبه كل ذلك بما نهى عنه-صلى الله عليه وسلم-، نسأل الله السلامة من الفتنة.
وما أحسن وصف شدّاد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ لها بالشهوة الخفية حين قال محذراً: (يا بقايا العرب... يا بقايا العرب... إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية)، قيل لأبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال (حب الرئاسة). وصدق والله؛ فإنها مهلكة كالرياء. وعلى كثرة ما ورد من التحذير من حب المال؛ فإنها أشد إهلاكاً منه، والزهد فيها أصعب؛ لأن المال يبذل في حب الرئاسة والشرف.
يُتبع...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرغبة في الصدارة
{ رؤية دعوية حول حقيقتها ومظاهرها وآثارها}
الموضوع لـ : عبد الحكيم بن محمـد بلال
وهو منقول للفائدة
********
لا غرابة في حرص أهل الدنيا على الإمارة والولايات؛ فذلك أمر تعوّده الناس منهم، حتى أفضى الأمر إلى نزاعات وخلافــــات ومفاسد وفتن كثيرة، وأدى كثير منها إلى سقوط بعض الدول، كسقوط الأندلس وغيرها.
لكن الغريب أن يتسلل هذا الداء إلى داخل التجمعات الدعوية، ويسيطر على بعض النفوس المريضة، شعرت أم لم تشعر، حتى يصـيـر هــــمّ الواحد منهم أن يسود على بضعة أفراد، دون التفكير بتوابع ذلك وخطورته، وأنها أمانة، ويوم القيامة خزي وندامة
التطلع للإمارة في ضوء النصوص الشرعية:
إن الحرص على الإمارة يفسد دين المرء الحريـص عـلـيـهـــا،
ويـضـيع نصيبه في الآخرة، ويجعله شخصاً غير صالح لهذا
المنصب، وتوضيح ذلك كما يلي:
أولاً: تحذير النبي-صلى الله عليه وسلم- من عواقب التطلع إلى الإمارة:
قال: (ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على الشرف والمال لدينه).
فـبـيـن أن الفـســــاد الحاصل للعبد من جراء حرصه على المال والشرف: أشد من الفساد الحاصل للغنم التي غاب عنها رعاتها ليلاً، وأُرسل فيها ذئبان جائعان يفترسان ويأكلان، وإذا كان لا ينجو من الغنم إلا القليل منها؛ فإن الحريص على المال والشرف لا يكاد يسلم له دينه.
ثانياً: بيان طرق الناس في طلب الجاه: للناس في طلب الجاه طريقان، هما:
الـطـريـــق الأول:طلبه بالولاية والسلطان وبذل المال، وهو خطير جداً، وفي الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها؛ فإن الله جعل الآخرة لعباده المتواضعين، فقال: ((تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [القصص: 83]فنفى عنهم مجـرد الإرادة، فضلاً عن العمل والسعي والحرص لأجلها، فإن إرادتهم مصروفة إلى الله ـ عز وجـــــل ـ، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع مع الله ـ تعالى ـ والانقياد للحق والعمل الصـالــح، وهم الذين لهم الفلاح والفوز. ودلت الآية على أن الذين يريدون العلو في الأرض والفساد ليس لهم في الآخرة حظ ولا نصيب.
الطريق الثاني:طـلـب الجـاه بالأمـــــور الدينية، وهذا أفحش وأخطر؛ لأنه طلب للدنيا بالدين، وتوصل إلى أغراض دنيوية بوســائــل جعلها الله ـ تعالى ـ طرقاً للقرب منه ورفعة الدرجات، وهذا هو المقصود بحديثنا هنا.
ثالثاً: الـنـهــــي عن ســؤال الإمارة:
وقد وردت نصوص تنهى عن سؤال الإمارة وتمنيها، وتحذِّر من ذلـك، وتـبـين عاقبته، وتنهى عن تولية من سألها أو حرص عليها. وهي وإن كان يتبادر إلى الذهن أنها واردة في الإمارة الدنيوية ـ إمارة السلطان والوالي ـ إلا أن دلالتها أشمل من ذلك وأوسع، فهي تتناول ما نحن بصدد الحديث عنه. ومن تلك الأحاديث:
أ - قول النبي: (يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطـيـتـهــــا عن غير مسألة أُعنت عليها) وفي رواية: (لا يتمنّينّ)، والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب.
ب - وقوله: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة) فهي محبوبة للنفس في الدنيا، ولكنها (بئست الفاطمة) بعد الموت؛ حين يصير صاحبها للحساب والعقاب. وفي رواية أخرى: (أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل).
ج - وقال-صلى الله عليه وسـلـــم- للرجلين اللذين سألاه الإمارة: (إنا لا نولّي هذا مَنْ سأله، ولا من حرص عليه).
والسبب في عدم توليته الإمارة لمن سألها أنه غير صالح ولا مؤهل لهذا الأمر؛ لأن سؤاله له وحرصه عليه ينبئ عن محذورين عظيمين:
الأول:الحرص على الدنيا وإرادة العلو، وقد تبيّن ما فيه.
الثاني:أن في سؤاله نوع اتكال على نفسه، وعُجباً بقدراتها وغروراً بإمكاناتها، وانقطاعاً عن الاستعانة بالله ـ عز وجل ـ التي لا غنى لعبد عنها طرفة عين، ولا توفيق له إلا بمعونته ـ سبحانه وتعالى ـ
فما أشبه حرص الداعية على رئاسة مركز إسلامي، أو إدارة مكتب دعوي، أو ترؤس لجنة، أو هيئة، أو مجموعة... ما أشبه كل ذلك بما نهى عنه-صلى الله عليه وسلم-، نسأل الله السلامة من الفتنة.
وما أحسن وصف شدّاد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ لها بالشهوة الخفية حين قال محذراً: (يا بقايا العرب... يا بقايا العرب... إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية)، قيل لأبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال (حب الرئاسة). وصدق والله؛ فإنها مهلكة كالرياء. وعلى كثرة ما ورد من التحذير من حب المال؛ فإنها أشد إهلاكاً منه، والزهد فيها أصعب؛ لأن المال يبذل في حب الرئاسة والشرف.
يُتبع...