BENALI
2011-09-07, 06:43
في يوم الاثنين 21 نوفمبر 1949 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يقضي بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952، وذلك رغم ما كانت تقوم به الدول الاستعمارية، خاصة بريطانيا وفرنسا، من جهد وتنسيق بغية الإبقاء على سيطرتها على التراب الليبي وتقاسم ولايات طرابلس وبرقة وفزان بينها. وفي يوم الاثنين 24 ديسمبر 1951 تمّ فعلًا الإعلان عن استقلال ليبيا وانضواء الأقاليم الثلاث، في إطار نظام فيدرالي دستوري، تحت لواء المملكة الليبية المتحدة، بعواصمها الثلاثة: طرابلس وبنغازي والبيضاء.
وفي يوم السبت 19 يناير 1952، أي أقّل من شهر عن إعلان الاستقلال، كتب الشيخ محمود بوزوزو الجزائري، وهو من رواد الحركة الإصلاحية الوطنية، حضر يافعًا دروس الإمام عبد الحميد بن باديس، افتتاحية تحت عنوان “من وحي استقلال ليبيا: إننا بكِ لاحقون!”، نشرها في جريدة “المنار” في عددها الرابع عشر، وكانت آنذاك جريدة “المنار” التي أسّسها الشيخ بوزوزو واحدة من أهمّ وسائل إعلام الحركة الوطنية في الجزائر.
كتب الشيخ بوزوزو في مستهلّ مقاله: “ها هو اليوم شعب آخر يسترجع سيادته واستقلاله، وهو شعب ليبيا الشقيق، الذي نستقبل استقلاله بمثل ما استقبلنا به استقلال الشعوب المذكورة من الابتهاج. بل إنّ ابتهاجنا باستقلاله يمتاز امتيازًا خاصًّا، وذلك لمتانة الروابط التي تربط شعوب المغرب به، والمغرب كما ذكره ابن خلدون يمتدّ إلى الإسكندرية، وعليه فليبيا تُعتبر قطرًا مغربيًّا، فهي همزة وصل طبيعية بيننا وبين الشرق العربي والإسلامي. وستدخل ليبيا في هيأة الأمم المتّحدة فيصبح للأمم العربية والإسلامية وللأمم المتحرّرة من الاستعمار وأنصار الحرية صوت زائد، كما أنّ ليبيا العربية ستنخرط في حضن الجامعة العربية فيزداد نفوذها، وستنضم ليبيا المسلمة إلى المؤتمر الإسلامي العالمي فتتعدّد مراكزه… ونبتهج ابتهاجًا خاصًّا لأنّ الاستقلال قد دخل الآن أبواب المغرب وسينتشر فيه من ليبيا إلى المحيط الأطلسي.”
واصل الشيخ بوزوزو قائلًا: “وقد كنّا نأمل أن يجيء هذا الاستقلال على أكمل صورة وأتمّ شكل فلا تُثقِل كاهل ليبيا مؤونة الجنود الأجنبية، ولا تدوس ترابها أرجل الذئاب الاستعمارية، ولا تسدّ ثغورها قراصنة الاستعمار… وليتها وجدت بين يديها من الوسائل ما يغنيها عن الذي يقول فيه الشاعر العربي: (ومن نكد الدنيا على الحُرّ أن يرى * عدوًّا له ما مِن صداقته بدّ). ولا نزال نرجو أن تستخلص شقيقتنا حقّها في الحرية والاستقلال كاملًا غير منقوص وذلك مرهون قبل كل شيء بمساعيها، ومساعي إخوانها العرب والمسلمين، وموقف أنصار الحق والعدالة إن كان لهما أنصار مخلصون… فإنّ الاستقلال الذي ننشده هو سلامة السيادة من كل قيد أجنبي، وسلامة الاقتصاد والمالية من كل احتكار أجنبي، وسلامة الثغور من كل أسطول أجنبي، وسلامة التراب من كل جند أجنبي، وسلامة السياسة الداخلية والخارجية من كل أثر أجنبي.”
خاطب الشيخ بوزوزو ليبيا فقال: “يقولون أنّ في عددك قلّة، وقد جهلوا أو تجاهلوا أنّ سموّ العزة العربية وعلوّ الهمّة الإسلامية يأبيان على كلّ عربيّ مسلم إلا أن يجسّم قاعدة “رجل كألف”! فأقيمي لهم على ذلك الدليل الذي يزيل الشكّ، ويقيم الحجّة، ويقطع الألسنة!… طيري مع الزمن الطائر إلى حيث تنظر إليك الأعين بالإجلال، وتنطلق عنك الألسنة بالأمثال، ويعلو بناء العزّ فيك مفاخرًا بالبناة. يعزّ على مطامع البغاة، وتنبو عنه سهام الغزاة! أدخلي في صميم الحياة، حياة الحقائق لا الشقاشق، وانفضي عنك غرور الألقاب الفارغة، وخداع الإمارة “المسترقة”، وقد نصحكِ ونصح جميع العرب شاعر الحكمة شوقي بقوله: فمن خدع السياسة أن تغروا *** بألقاب الإمارة وهي رقّ.”
كما اعتذر الشيخ بوزوزو لليبيا عن قلّة الدعم فقال: “معذرة أيتها الشقيقة، فإنك إذ تلتفتين يمنة أو يسرة لا تجدين سوى صيحات الجهاد الذي تعرفينه في سبيل العزّ تعلو من صدور أشقائك الأباة؛ هدير النيل الفائض شرقًا، وزئير الأمازيغ المكبّلة الثائرة غربًا؛ ومع ذلك فإنهم لم يشغلهم عن الابتهاج بنصرك والاهتمام بكمال عزّك ما هم فيه من غلاب ليدخلوا مثلك في صميم الحياة؛ وإنّ هذا الابتهاج وهذا الاهتمام جهد المقلّ… فمَن المسؤول عن حالٍ لا تخوّلنا أن نمدّك إلا بالشِعر وزخرف القول، وأنتِ أغنى ما تكونين عنهما، وأحوج ما تكونين إلى غيرهما، بعد أن دخلتِ من هامش الحياة إلى صميمها، وأصبحتِ تتجاذبك مطالب وتكاليف تنوء بها الجبال!؟”
أنهى الشيخ بوزوزو افتتاحيته المؤرّخة بـ 19 يناير 1952 مخاطبًا ليبيا بالقول: “إنك حطّمتِ أغلال العبودية بإرادتك وإرادة الله. آمنتِ بالحياة فآمنت بكِ، وأردتِ العزّة فانساقت لكِ، ورفعتِ رأسكِ إلى الكواكب فابتسمت لكِ، وهي فاتحة لكِ أجواءها لتحتضنكِ، فطيري نحوها طير النسر، فارتاشي وهزّي أجنحتكِ والله عونك، وإننا لاحقون بكِ. نعم إننا بكِ لاحقون لأننا نؤمن بالحياة!
هذا ما كتبه الشيخ الجزائري محمود بوزوزوبعد شهر من إستقلال ليبيا الشقيقة
الكاتب: عباس عروة
وفي يوم السبت 19 يناير 1952، أي أقّل من شهر عن إعلان الاستقلال، كتب الشيخ محمود بوزوزو الجزائري، وهو من رواد الحركة الإصلاحية الوطنية، حضر يافعًا دروس الإمام عبد الحميد بن باديس، افتتاحية تحت عنوان “من وحي استقلال ليبيا: إننا بكِ لاحقون!”، نشرها في جريدة “المنار” في عددها الرابع عشر، وكانت آنذاك جريدة “المنار” التي أسّسها الشيخ بوزوزو واحدة من أهمّ وسائل إعلام الحركة الوطنية في الجزائر.
كتب الشيخ بوزوزو في مستهلّ مقاله: “ها هو اليوم شعب آخر يسترجع سيادته واستقلاله، وهو شعب ليبيا الشقيق، الذي نستقبل استقلاله بمثل ما استقبلنا به استقلال الشعوب المذكورة من الابتهاج. بل إنّ ابتهاجنا باستقلاله يمتاز امتيازًا خاصًّا، وذلك لمتانة الروابط التي تربط شعوب المغرب به، والمغرب كما ذكره ابن خلدون يمتدّ إلى الإسكندرية، وعليه فليبيا تُعتبر قطرًا مغربيًّا، فهي همزة وصل طبيعية بيننا وبين الشرق العربي والإسلامي. وستدخل ليبيا في هيأة الأمم المتّحدة فيصبح للأمم العربية والإسلامية وللأمم المتحرّرة من الاستعمار وأنصار الحرية صوت زائد، كما أنّ ليبيا العربية ستنخرط في حضن الجامعة العربية فيزداد نفوذها، وستنضم ليبيا المسلمة إلى المؤتمر الإسلامي العالمي فتتعدّد مراكزه… ونبتهج ابتهاجًا خاصًّا لأنّ الاستقلال قد دخل الآن أبواب المغرب وسينتشر فيه من ليبيا إلى المحيط الأطلسي.”
واصل الشيخ بوزوزو قائلًا: “وقد كنّا نأمل أن يجيء هذا الاستقلال على أكمل صورة وأتمّ شكل فلا تُثقِل كاهل ليبيا مؤونة الجنود الأجنبية، ولا تدوس ترابها أرجل الذئاب الاستعمارية، ولا تسدّ ثغورها قراصنة الاستعمار… وليتها وجدت بين يديها من الوسائل ما يغنيها عن الذي يقول فيه الشاعر العربي: (ومن نكد الدنيا على الحُرّ أن يرى * عدوًّا له ما مِن صداقته بدّ). ولا نزال نرجو أن تستخلص شقيقتنا حقّها في الحرية والاستقلال كاملًا غير منقوص وذلك مرهون قبل كل شيء بمساعيها، ومساعي إخوانها العرب والمسلمين، وموقف أنصار الحق والعدالة إن كان لهما أنصار مخلصون… فإنّ الاستقلال الذي ننشده هو سلامة السيادة من كل قيد أجنبي، وسلامة الاقتصاد والمالية من كل احتكار أجنبي، وسلامة الثغور من كل أسطول أجنبي، وسلامة التراب من كل جند أجنبي، وسلامة السياسة الداخلية والخارجية من كل أثر أجنبي.”
خاطب الشيخ بوزوزو ليبيا فقال: “يقولون أنّ في عددك قلّة، وقد جهلوا أو تجاهلوا أنّ سموّ العزة العربية وعلوّ الهمّة الإسلامية يأبيان على كلّ عربيّ مسلم إلا أن يجسّم قاعدة “رجل كألف”! فأقيمي لهم على ذلك الدليل الذي يزيل الشكّ، ويقيم الحجّة، ويقطع الألسنة!… طيري مع الزمن الطائر إلى حيث تنظر إليك الأعين بالإجلال، وتنطلق عنك الألسنة بالأمثال، ويعلو بناء العزّ فيك مفاخرًا بالبناة. يعزّ على مطامع البغاة، وتنبو عنه سهام الغزاة! أدخلي في صميم الحياة، حياة الحقائق لا الشقاشق، وانفضي عنك غرور الألقاب الفارغة، وخداع الإمارة “المسترقة”، وقد نصحكِ ونصح جميع العرب شاعر الحكمة شوقي بقوله: فمن خدع السياسة أن تغروا *** بألقاب الإمارة وهي رقّ.”
كما اعتذر الشيخ بوزوزو لليبيا عن قلّة الدعم فقال: “معذرة أيتها الشقيقة، فإنك إذ تلتفتين يمنة أو يسرة لا تجدين سوى صيحات الجهاد الذي تعرفينه في سبيل العزّ تعلو من صدور أشقائك الأباة؛ هدير النيل الفائض شرقًا، وزئير الأمازيغ المكبّلة الثائرة غربًا؛ ومع ذلك فإنهم لم يشغلهم عن الابتهاج بنصرك والاهتمام بكمال عزّك ما هم فيه من غلاب ليدخلوا مثلك في صميم الحياة؛ وإنّ هذا الابتهاج وهذا الاهتمام جهد المقلّ… فمَن المسؤول عن حالٍ لا تخوّلنا أن نمدّك إلا بالشِعر وزخرف القول، وأنتِ أغنى ما تكونين عنهما، وأحوج ما تكونين إلى غيرهما، بعد أن دخلتِ من هامش الحياة إلى صميمها، وأصبحتِ تتجاذبك مطالب وتكاليف تنوء بها الجبال!؟”
أنهى الشيخ بوزوزو افتتاحيته المؤرّخة بـ 19 يناير 1952 مخاطبًا ليبيا بالقول: “إنك حطّمتِ أغلال العبودية بإرادتك وإرادة الله. آمنتِ بالحياة فآمنت بكِ، وأردتِ العزّة فانساقت لكِ، ورفعتِ رأسكِ إلى الكواكب فابتسمت لكِ، وهي فاتحة لكِ أجواءها لتحتضنكِ، فطيري نحوها طير النسر، فارتاشي وهزّي أجنحتكِ والله عونك، وإننا لاحقون بكِ. نعم إننا بكِ لاحقون لأننا نؤمن بالحياة!
هذا ما كتبه الشيخ الجزائري محمود بوزوزوبعد شهر من إستقلال ليبيا الشقيقة
الكاتب: عباس عروة