المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مأزق الرئيس محمود عباس وورطة خالد مشعل


المعزلدين الله
2011-05-11, 22:32
مأزق الرئيس محمود عباس وورطة خالد مشعل
د. حسين علي شعبان
\11q-6.htm



فرحة الشعب الفلسطيني يوم الاربعاء 04 أيار/مايو 2011، لا تعادلها الا فرحة الشعبين التونسي والمصري يومي 14 كانون الثاني/ يناير و11 شباط/ فبراير 2011. ثورات الشباب في تونس، مصر، البحرين، اليمن وسورية وحدت الشعوب تحت شعار 'الشعب يريد اسقاط النظام'. الشعب الفلسطيني الذي طحنته مؤامرات الاعداء وقوضت وحدته تدخلات 'الاصدقاء' وأزهقت احلامه صراعات الاشقاء، كان شعارها الاوحد في غزة، رام الله، مخيمات اللجوء وبلدان الشتات من استراليا الى البرازيل وصولا الى نيوزيلندا 'الشعب يريد انهاء الانقسام'. لبت القيادات الفلسطينية ارادة ورغبة الشعب في وقت قياسي؛ بدون مقدمات ومطولات وبعيدا عن لغة الشروط وبفعل سحر زمن الانتصارات اعلن الرئيس محمود عباس في خطوة مفاجئة للأعداء استعداده لزيارة غزة، باركت حركة حماس المبادرة وتلقفتها. في ايام قليلة جرى التحضير للمصالحة وتم زفها الى الفلسطينيين والعرب، حيث كان من الطبيعي، بل الواجب، ان تكون القاهرة التي جعل منها جمال عبد الناصر الحضن الهانئ والراعي الامين والضامن الاقوى لأحلام وتطلعات العرب، خاصة الفلسطينيين منهم.
في كلمته اثناء حفل التوقيع قال الرئيس عباس 'اليوم نطوي صفحة الانقسام الى الابد' وأجابه خالد مشعل بالقول 'صفحة الانقسام السوداء أصبحت خلف ظهورنا وتحت أقدامنا.. قررنا ان ندفع كل ثمن من أجل المصالحة'. كلام صريح وواضح. اكثر رجلين شعبية بين اهل فلسطين يتعهدان على الملأ بالسير موحدين لتحقيق الوحدة. الحكومة الاسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو ارعبتهم اخبار المصالحة؛ فالفلسطينيون يدقون الخازوق الثالث (الاول دقه شباب تونس والثاني غرزه شباب مصر) في صدر وكيان دولة المستوطنين. لم يستطع نتنياهو ان يتجرع حنقه، فخرج عن رصانته ودبلوماسيته المزيفتين مطلقا العنان لعنصريته. نقلت وكالة سكاي نيوز يوم الاحد 30 نيسان/ ابريل عن نتنياهو قوله 'لا يستطيع الرئيس (محمود عباس) ان يأمل في تحقيق صفقة سلام مع اسرائيل اذا عقد مصالحة مع حماس'، وأشفع تصريحه بجولة اوروبية لا تخفى اهدافها على العارفين، خاصة ان ادارة اوباما وحلفاءها الاوروبيين يعانون أشد نوبات القلق والارق بعد الاختراقات المعجزة للشباب العرب.
المصالحة الفلسطينية جاءت في وقتها، فتكريس الوحدة يمهد للاستحقاق الاكثر الحاحا وسيشجع ويدعم جهود الحكومات الصديقة والشقيقة للتعاون والضغط على الحكومات المترددة لتشكيل اغلبية معتبرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو1967 بعاصمتها القدس الشريف. فاعتراف الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية هو المفتاح القانوني الاهم لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، كون تلك القرارات تشكل السند والضامن القانوني والاخلاقي لحقهم في العودة الى ديارهم.
لكن من أين جاء عباس ومشعل بكل تلك الثقة والتفاؤل فربطا حاضرهما ومستقبلهما بنجاح المصالحة. هل سيقبل أصحاب المصالح الشخصية في السلطتين وعلى الجانبين؛ فتح وحماس وما بينهما، بحكومة مستقلة؟ ماذا عن محترفي النفخ في بوق العصبية والفرقة؟ كيف يمكن للفلسطينيين مواجهة التخريب المنظم لحكومة وجيش اسرائيل ومخابراتها؟ ألن ينشط العملاء، وما اكثرهم، للتخريب على الفلسطينيين ووحدتهم؟ من يضمن ان لا تمارس ادارة البيت الابيض والحكومات الاوروبية ضغوطا لشق الفلسطينيين وتخريب وحدتهم؟ ماذا سيبقى للحكومات الاقليمية في دمشق وطهران من اقنعة اذا توحد الفلسطينيون.. ماذا سيبقى من قصاصة 'الممانعة' التي باسمها يرتكبون الجرائم وينسقون، بل يتعاملون مع الاجهزة الامنية والمخابراتية 'للشيطان الاكبر'؟ أسئلة كثيرة لا بد للسيدين عباس ومشعل ان يتوقفا عندها طويلا وهم يستعدان لتطبيق بنود المصالحة؟ التقارب والتماثل بل وحدة الحال بين الوضع الفلسطيني والعربي يفرض على الرجلين اخذ العلم بدروس الثورات العربية وهذه أهمها:
أولا: وهن أحزاب المعارضة التقليدية: باستثناء الثورة التونسية التي لعبت فيها النقابات العمالية دورا محوريا، فان التجربتين المصرية واليمنية أكدتا ان أحزاب المعارضة التقليدية نأت بنفسها عن المجتمع وهموم الناس، وحصرت همها خلال العقود الماضية على مناكفة ومنافسة انظمة الفساد من اجل حصة أكبر في كعكة السلطة والمال. أحزاب لم تكتف بالبقاء خلف وبعيدا عن حركة الشباب خلال الايام والاسابيع الاولى لحركة التظاهر والتجمعات الاحتجاجية في ساحات التحرير. لقد تورطت قيادة تلك الاحزاب وبعض الدخلاء القادمين من وراء البحار في مساومات تنقذ انظمة الفساد؛ 'لجنة الحكماء' في مصر و'احزاب اللقاء الديمقراطي' الذين تبنوا المبادرة الخليجية بشأن اليمن.
ازدهرت 'التعددية' الحزبية والفكرية في المجتمع الفلسطيني، واستنبتت في رحم هذه التعددية آفة خطيرة ربما كانت من اكبر الاسباب ديمومة في اطالة امد النكبة؛ انها آفة التباغض والانقسام والتشظي والتشفي بين أصحاب الجماعات المختلفة. في زمن الحرب الاهلية في لبنان 1975- 1989 كان النطق بكلمة 'بندورة' كفيلا بذبح الفلسطيني. زمن حرب المخيمات في لبنان أيضا 1985 ـ 1988 فكانت البشرة السمراء تودي بصاحبها على الحواجز الطائفية الى الموت بأبشع الطرق. الصهاينة بدورهم اجادوا تعليم اللهجة الفلسطينية لقوات 'المستعربين' الغنية جرائمها عن التعريف. اما أشقاء دمشق فكانوا يتنكرون لمنظمة التحرير الفلسطينية ويطلقون تسمية 'جماعة' على تنظيماتها وفصائلها المختلفة. على الرغم من كل ذلك سيطر التناحر والصراع الحزبي وطغى على ما عداه بين الفلسطينيين. كان ولا يزال القائمون على التنظيمات والاحزاب ينظرون بعين الريبة والتوجس والتشكك لكل منتسب اليهم يقيم علاقة صداقة أو مودة مع منتسب من تنظيم آخر. استغلت هذه القلة، كما اظهرت انتخابات 2006 الفلسطينية ان هذه الكثرة القليلة تبتز القيادة الفلسطينية في كل صغيرة وكبيرة للمساومة وابتزاز السلطة والاحزاب الكبيرة. اما البكاء على القانون الانتخابي الفلسطيني فليس الا ذريعة خاسرين.
ثانيا: اتسمت الثورات الشعبية بطابعها العلماني (احترام حرية الايمان والمعتقد؛ تكريس التسامح ونبذ التعصب) فوحدت المجتمع بكافة فئاته، طبقاته، طوائفه وأديانه تحت شعار وهدف واحد لا يقبل التنازل او المساومة. بفعل مبادرات الشباب تحولت صلاة الجمعة والاحد الى مناسبات للتنظيم والتجمع وانطلاق التظاهرات، وتحولت ساحات التحرير الى مساجد تؤمها ملايين المؤمنين من كل الديانات والطوائف. في حين نأت المؤسسة الدينية الرسمية بنفسها عن الثورة المصرية؛ واضطر رجال الدين المشاركون في تلك الثورة الى الاستقالة من مناصبهم ووظائفهم الكهنوتية. الفلسطينيون شعب موحد ومتحد منذ فجر التاريخ، تتجاور بأمن وسلام كنيسة القيامة والمسجد الاقصى. في فلسطين، للمسلمين والمسيحيين واليهود تاريخ عريق في التسامح والتآخي ومحاربة الغزاة، المحتلين، والمستوطنين الصهاينة. لا يمنح التفوق العددي لأي جماعة، بغض النظر عن جنسها او معتقدها، اية امتيازات تفضيلية عن سواها من شركائها في الوطن.
ثالثا: الدور الخارجي تلاشى بل كان غائبا عن الثورات الثلاث (تونس، مصر واليمن)، فمعارضة الخارج لم يكن لها وجود، وكذلك دور الدول الكبرى الكبرى 'راعية وحامية الديمقراطية وحقوق الانسان'. في كافة الثورات الشبابية العربية كان دور الادارة الامريكية ووزارة خارجيتها سلبيا، كون تلك الثورات السلمية لم تفاجئها وحسب، بل لأن وزير دفاعها سبعينات القرن الماضي مكنمارا استخف وسخر بحركات الاحتجاج السلمية. لم تكن الاخباريات والتقارير الاستخباراتية الواردة الى مراكز التحليل واتخاذ القرار في واشنطن توحي بقرب سقوط انظمة الوكلاء اللصوص، ولم تنجد تدخلات ونصائح اللحظة الاخيرة الامريكية أنظمة الفساد. أحقا ان المؤسسات الامنية وأجهزة محاربة الارهاب الامريكية والاوروبية لم تكن تعلم بأن عشرات، بل مئات مليارات الدولارات التي اودعها نواطيرها في بنوكها وبيوتها المالية كانت مسروقة من خزائن الشعوب؟ لقد اكدت الثورات العربية ان الماء لا ينفذ الا من القربة المثقوبة، اما التهويل بالقدرات الخارقة للدول الكبرى فقد ثبت بطلانه، وعندما وصلت متأخرة جدا وزيرة الخارجية الولايات المتحدة، السيدة كلينتون الى ساحة التحرير وسط القاهرة لم تجد من يستقبلها. ماذا لو عزفت السلطة والاحزاب الفلسطينية الرئيسية عن قبول 'المساعدات' الحكومية الامريكية والاوروبية والاقليمية؟ لماذا لا يجري تنظيم مساعدات المنظمات غير الحكومية الاوروبية والامريكية بطريقة تمنع تسلل حكومات تلك الدول اليها؟ أوليس لدى العرب من المال ما يكفي لمساعدة الفلسطينيين على بناء اسس دولتهم؟ أوليس على المرتعدين من جبروت وغضب تلك الحكومات ان يعودوا الى بيوتهم فيرتاحوا ويريحوا؟
نجاح المصالحة الفلسطينية يتطلب مؤسسة قضاء مستقل؛ يحظر تدخل الرئيس والحكومة والاحزاب في شؤونه؛ قضاء يضمن ويكفل المساواة بين الناس؛ فالرئيس، الوزير، ضابط الامن وموظف البلدية ليسوا الا موظفين يتقاضون رواتب عالــــية وعلاوات سخية لقاء خدماتهم؛ ولا تمنحهم وظائفهم أو مراتبهم المهنية أو شهاداتهم العملية أو نسبهم العائلي أو العشائري أية استثناءات او امتيازات مادية او قانونية. صيانة كرامة المواطن تتحقق بتأمين فرص العمل، السكن، الصحة والتعليم وقبلها حق التعبير عن الرأي.
ومن حق مؤسسات الدولة تحصيل الضرائب التي يجب ان تنفق على خدمة المواطن. لقد فتحت الثورة المصرية، كما ستفتح الثورات العربية الاخرى آفاقا للديمقراطية ولانشاء اقتصاد فلسطيني (زراعة، صناعة، خدمات وسياحة) في قطاع غزة يشكل مدخلا للاستقلال وتكريس السيادة الفلسطينية.
يشعر المرء بالشفقة والتضامن مع الرئيس ابو مازن والسيد خالد مشعل لقد تعهدا بمعالجة الجسد الفلسطيني من مرض عضال عمره من عمر المقبورين سايس ـ بيكو. الفلسطينيون ومعهم العرب كلهم أمل وعيونهم شاخصة الى المستقبل فهل يتنازل اصحاب الاحزاب والجماعات والمصالح عن غيهم.