ميلود س
2010-04-17, 09:11
http://www.stocksvip.net/p/ps/(25).gif
معركة فخ.. ميلاد الأدارسة
لم تنقطع ثورات آل البيت منذ أن استشهد الحسين بن علي في معركة كربلاء، في العاشر من المحرم سنة 61هـ،وكانت نتيجة هذه المعركة مأساة أدمَتْ قلوب المسلمين حزنًا على الحسين،
ريحانة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وبعد أكثر من نصف قرن من مقتل الحسين أعلن حفيده زيد بن علي بن الحسين الثورة على الخليفة الأموي سنة 121هـ، وتكررت المأساة نفسها؛ فلم
يكن معه من القوة والرجال ما يضمن له النجاح والظفر، لكنه انخدع ببيعة أهل الكوفة، حتى إذا جدّ الجدَّ وظهرت معادن الرجال انفضوا عنه وتركوه يلقى مصيره المحتوم أمام يوسف بن عمر
الثقفي والي الكوفة الذي نجح في القضاء على تلك الثورة، وقتل مفجرها زيد بن علي.
ولم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي أبناء عمومتهم العباسيين الخلافة،وإعلانهم أنهم أحق بها منهم، وقابل العباسيون ثورات أبناء العمومة بكل شدة وقسوة،ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء
على ثورة "محمد النفس الزكية"، الذي كان معروفًا بالتقوى والفضل وفي مقدمة سادات بني هاشم خلقًا وعلمًا وورعًا، وانتهت ثورته باستشهاده سنة (145هـ = 762م)، ولم تكن ثورة أخيه
إبراهيم أفضل حالاً من ثورته،فلقي مصرعه في السنة نفسها، واطمأن أبو جعفر المنصور على سلطانه، واستتب له لأمر.
معركة فخ بالقرب من مكة
وبعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وأصابها مثل ما أصاب ماقبلها من ثورات، وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء، وربما
استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة للخروج وهم مكتملو القوة والعدد، وظلت الأمور على هذا النحومن التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل
البيت أساء التعامل معهم، وأهانهم وأغلظ القول لهم، فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم، وأشعل الحمية في قلوبهم، فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، وانتقلت الثورة
إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه.
ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجزعن إيقافها، فتحرك الجيش
العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في (8 من ذي الحجة 169هـ = 11 من يونيو 786م) في معركة عند مكان يسمى "فخ" يبعد عن مكة بثلاثة أميال،وانتهت المعركة بهزيمة جيش الحسين،ومقتله هو وجماعة من أصحابه
.
نجاة إدريس بن عبد الله
وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة "إدريس بن عبدالله بن الحسن"، واتجه إلى مصر ومعه خادمه راشد، وكان شجاعًا عاقلاً وفيًا لسيده،وظل أمرهما مجهولاً حتى بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج، ولم يكن اختفاؤهما أمرًاسهلاً؛ فعيون الخلافة العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما، ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أنتعثر على إدريس بن عبد الله حيًا أو ميتًا، لكنهما نجحافي التحرك والتخفي؛ لالمهارتهما في ذلك، ولكن لحب الناس آل البيت، وتقديم يد العون والمساعدةلهما
ومن مصر خرج إدريس وخادمه "راشد" إلى بلاد المغرب، ويقال: إن هذاالخادم كان بربريَّ الأصل، وساعدهما على الخروج من مصر عامل البريد بها؛ فقد كان متشيعًا لآل البيت، فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع الذي يستخفيان به، وحملهما على البريد المتجه إلى المغرب. وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على الفرار من مصر هو "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر، وأيًا ما كان الأمرفإن إدريس لقي دعمًا ومساعدة لتمكينه من الخروج من مصر، سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البري
رحلة شاقة
وبعد أن وصل إدريس بن عبد الله إلى برقة تخفى في زي خشن، يظهر فيه بمظهر غلام يخدم سيده "راشد"، ثم سلكا طريقًا بعيدًاعن طريق إفريقية إمعانًا في التخفِّي، وخوفًا من أن يلتقي بهما أحدمن عيون الدولةالعباسية التي اشتدت في طلبهما، حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ = 786م)، وأقامابها عدة أيام طلبًا للراحة، ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب، فعبرا "وادي ملوية"،ودخلا
بلاد السوس الأدنى، حيث أقاما بعض الوقت في "طنجة" التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب الأقصى، ثم واصلا سيرهما إلى مدينة "وليلى"، وهي بالقرب من مدينة
مكناس المغربية، واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت حوالي عامي
في وليلى
وبعد أن استقر إدريس في وليلى (قصر فرعون حاليًا) اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية، صاحبة النفوذ والسيطرة في "وليلى"،فلما اطمأن إليه إدريس عرفه بنسبه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه؛ نجاة بنفسه من بطش العباسيين، وقد رحب إسحاق بضيفه الكبير، وأنزله معه داره، وتولى خدمته والقيام بشأنه شهورًا عديدة، حتى إذا حل شهر رمضان من السنة نفسها جمع إسحاق بن محمد إخوتهوزعماء قبيلة أوربة، وعرفهم بنسب إدريس وبفضله وقرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكرمه وأخلاقه وعلمه؛
فرحبوا جميعًا به، وأعربوا
عن تقديرهم له، وبايعوه بالخلافة في (14 من رمضان 172هـ = 15 من فبراير 788م)، وبعد ذلك خلع "إسحاق بن عبدالحميد" طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم.
وتبع ذلك دعوة لإدريس بين القبائل المحيطة، فدخلت في دعوته قبائل: زناتة، وزواغة،وزوارة، ولماية، وسراته، وغياشة، ومكناسة، وغمارة، وباعيته على السمع والطاعة،واعترفت بسلطانه،
وقصده الناس من كل مكان.
استقرت الأمور لإدريس بن عبدالله، ورسخت أقدامه بانضمام كل هذه القبائل إلى دعوته، ودانت له معظم قبائل البربر،وبدأ يطمح في مدّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر
الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فأعد جيشًا كبيرًا زحفبه نحو مدينة "شالة" قبالة مدينة الرباط، ففتحها، ثم تحول في كل بلاد "تامسنا" فأخضعها، وأتبع
ذلك بإخضاع إقليم "تاولا"، وفتح حصونه وقلاعه، وأدخل كثير من أهلهذه البلاد الإسلام، ثم عاد إلى "وليلى" للراحة والاستجمام في (آخر ذي الحجة 172هـ = مايو 789م)، ثم عاود حملته
الظافرة عازمًا على دعوة من بقي من قبائل البربر إلى الإسلام، ونجح في إخضاع قبائل: قندلاوة ومديونة وبهلولة وغيرها من القبائل البربريةالتي كانت متحصنة بالجبال والحصون المنيعة، ثم
رجع إلى وليلى في (15 من جمادىالآخرة 173هـ = 10 من أكتوبر 789م).
فتح تلمسان.. وبناء مسجدها
أقام إدريس بن عبد الله شهرًا في وليلى، ثم عاود الفتح، واتجه ناحية الشرق هذه المرة،عازمًا على توسيع ملكه في المغرب الأوسط على حساب الدولة العباسية، فخرج في منتصفرجب 173هـ
= نوفمبر 789م متجهًا نحو تلمسان، وفي أثناء زحفه استولى على مدينة "سبتة"، ولم يكد يصل إلى "تلمسان" حتى خرج إليه صاحبها "محمد بن خرز"، وأعلن خضوعه له دون قتال، وبايع
إدريس بن عبد الله، وتبعته قبائل: مغراوة وبني يفرده.
ولما دخل الإمام إدريس تلمسان أقام بها مسجدًا للمدينة جامعًا، وصنع منبرًا جميلاً كان يحمل نقشًا يحدد تاريخ إنشائه، ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وذلك في شهر صفر 174هـ، وهذا يعني أن إدريس أقام في تلمسان حتى هذا التاريخ، ثم كرَّراجعًا إلى عاصمة ملكه.
نهاية الإمام إدريس
ولم تكد تصل هذه الفتوحات إلى عاصمة الخلافة العباسية حتى فزع الخليفة هارون الرشيد، وشعر بالقلق والذعر من النجاح الذي يحققه إدريس بن عبد الله، الذي نجح فيما فشل فيه غيره من أبناء
البيت العلوي؛ فلأول مرة ينجحون في إقامة دولة لهم بعد إخفاقات عديدة ومآسٍ دامية، ثم اشتد خوف الخليفة العباسي حين جاءته الأخبار بعزم إدريس بن عبد الله على غزوأفريقية (تونس)، ففكر
في إرسال جيش لمحاربة هذا العلوي المظفر، وبينما الرشيد على هذه الحال من القلق والاضطراب تدخلت الأقدار، وأراحته مما كان يفكر فيه، فتوفي إدريس بن عبد الله في (سنة 177هـ = 793م
على أرجح الروايات، بعد أن نجح في تحدي الصعوبات، وأقام دولة عُرفت باسمه "دولة الأدارسة" بعيدًا عن وطنه بين قبائل متطاحنة تعتز بعنصريتها، وتتخذ من قوتها وسيلة لفرض سيطرتها
على من حولها، وهذه تُحسب له، وتجعله واحدًا من كبار رجال التاريخ. ويضاف إليه أن المغرب مدين له في نشر الإسلام في أماكن لم يكن قد وصل إليها منقبل.
المصادر:
ابن جرير الطبري: تاريخ الرسل والملوك – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – دار المعارف – القاهرة – 1977م.
إسماعيل العربي: دولة الأدارسة – دار المغرب الإسلامي – بيروت – 1403هـ = 1983م.
سعد زغلول عبد الحميد: تاريخ المغرب العربي – منشأةالمعارف – الإسكندرية – 1995م.
حسين مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته – العصرالحديث للنشر والتوزيع – بيروت – 1412هـ = 1992م.
السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير (العصر الإسلامي) – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – 1966م.
ارجو المعذرة لعدم تنسيق النص
معركة فخ.. ميلاد الأدارسة
لم تنقطع ثورات آل البيت منذ أن استشهد الحسين بن علي في معركة كربلاء، في العاشر من المحرم سنة 61هـ،وكانت نتيجة هذه المعركة مأساة أدمَتْ قلوب المسلمين حزنًا على الحسين،
ريحانة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وبعد أكثر من نصف قرن من مقتل الحسين أعلن حفيده زيد بن علي بن الحسين الثورة على الخليفة الأموي سنة 121هـ، وتكررت المأساة نفسها؛ فلم
يكن معه من القوة والرجال ما يضمن له النجاح والظفر، لكنه انخدع ببيعة أهل الكوفة، حتى إذا جدّ الجدَّ وظهرت معادن الرجال انفضوا عنه وتركوه يلقى مصيره المحتوم أمام يوسف بن عمر
الثقفي والي الكوفة الذي نجح في القضاء على تلك الثورة، وقتل مفجرها زيد بن علي.
ولم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي أبناء عمومتهم العباسيين الخلافة،وإعلانهم أنهم أحق بها منهم، وقابل العباسيون ثورات أبناء العمومة بكل شدة وقسوة،ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء
على ثورة "محمد النفس الزكية"، الذي كان معروفًا بالتقوى والفضل وفي مقدمة سادات بني هاشم خلقًا وعلمًا وورعًا، وانتهت ثورته باستشهاده سنة (145هـ = 762م)، ولم تكن ثورة أخيه
إبراهيم أفضل حالاً من ثورته،فلقي مصرعه في السنة نفسها، واطمأن أبو جعفر المنصور على سلطانه، واستتب له لأمر.
معركة فخ بالقرب من مكة
وبعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وأصابها مثل ما أصاب ماقبلها من ثورات، وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء، وربما
استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة للخروج وهم مكتملو القوة والعدد، وظلت الأمور على هذا النحومن التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل
البيت أساء التعامل معهم، وأهانهم وأغلظ القول لهم، فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم، وأشعل الحمية في قلوبهم، فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، وانتقلت الثورة
إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه.
ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجزعن إيقافها، فتحرك الجيش
العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في (8 من ذي الحجة 169هـ = 11 من يونيو 786م) في معركة عند مكان يسمى "فخ" يبعد عن مكة بثلاثة أميال،وانتهت المعركة بهزيمة جيش الحسين،ومقتله هو وجماعة من أصحابه
.
نجاة إدريس بن عبد الله
وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة "إدريس بن عبدالله بن الحسن"، واتجه إلى مصر ومعه خادمه راشد، وكان شجاعًا عاقلاً وفيًا لسيده،وظل أمرهما مجهولاً حتى بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج، ولم يكن اختفاؤهما أمرًاسهلاً؛ فعيون الخلافة العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما، ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أنتعثر على إدريس بن عبد الله حيًا أو ميتًا، لكنهما نجحافي التحرك والتخفي؛ لالمهارتهما في ذلك، ولكن لحب الناس آل البيت، وتقديم يد العون والمساعدةلهما
ومن مصر خرج إدريس وخادمه "راشد" إلى بلاد المغرب، ويقال: إن هذاالخادم كان بربريَّ الأصل، وساعدهما على الخروج من مصر عامل البريد بها؛ فقد كان متشيعًا لآل البيت، فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع الذي يستخفيان به، وحملهما على البريد المتجه إلى المغرب. وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على الفرار من مصر هو "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر، وأيًا ما كان الأمرفإن إدريس لقي دعمًا ومساعدة لتمكينه من الخروج من مصر، سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البري
رحلة شاقة
وبعد أن وصل إدريس بن عبد الله إلى برقة تخفى في زي خشن، يظهر فيه بمظهر غلام يخدم سيده "راشد"، ثم سلكا طريقًا بعيدًاعن طريق إفريقية إمعانًا في التخفِّي، وخوفًا من أن يلتقي بهما أحدمن عيون الدولةالعباسية التي اشتدت في طلبهما، حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ = 786م)، وأقامابها عدة أيام طلبًا للراحة، ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب، فعبرا "وادي ملوية"،ودخلا
بلاد السوس الأدنى، حيث أقاما بعض الوقت في "طنجة" التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب الأقصى، ثم واصلا سيرهما إلى مدينة "وليلى"، وهي بالقرب من مدينة
مكناس المغربية، واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت حوالي عامي
في وليلى
وبعد أن استقر إدريس في وليلى (قصر فرعون حاليًا) اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية، صاحبة النفوذ والسيطرة في "وليلى"،فلما اطمأن إليه إدريس عرفه بنسبه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه؛ نجاة بنفسه من بطش العباسيين، وقد رحب إسحاق بضيفه الكبير، وأنزله معه داره، وتولى خدمته والقيام بشأنه شهورًا عديدة، حتى إذا حل شهر رمضان من السنة نفسها جمع إسحاق بن محمد إخوتهوزعماء قبيلة أوربة، وعرفهم بنسب إدريس وبفضله وقرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكرمه وأخلاقه وعلمه؛
فرحبوا جميعًا به، وأعربوا
عن تقديرهم له، وبايعوه بالخلافة في (14 من رمضان 172هـ = 15 من فبراير 788م)، وبعد ذلك خلع "إسحاق بن عبدالحميد" طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم.
وتبع ذلك دعوة لإدريس بين القبائل المحيطة، فدخلت في دعوته قبائل: زناتة، وزواغة،وزوارة، ولماية، وسراته، وغياشة، ومكناسة، وغمارة، وباعيته على السمع والطاعة،واعترفت بسلطانه،
وقصده الناس من كل مكان.
استقرت الأمور لإدريس بن عبدالله، ورسخت أقدامه بانضمام كل هذه القبائل إلى دعوته، ودانت له معظم قبائل البربر،وبدأ يطمح في مدّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر
الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فأعد جيشًا كبيرًا زحفبه نحو مدينة "شالة" قبالة مدينة الرباط، ففتحها، ثم تحول في كل بلاد "تامسنا" فأخضعها، وأتبع
ذلك بإخضاع إقليم "تاولا"، وفتح حصونه وقلاعه، وأدخل كثير من أهلهذه البلاد الإسلام، ثم عاد إلى "وليلى" للراحة والاستجمام في (آخر ذي الحجة 172هـ = مايو 789م)، ثم عاود حملته
الظافرة عازمًا على دعوة من بقي من قبائل البربر إلى الإسلام، ونجح في إخضاع قبائل: قندلاوة ومديونة وبهلولة وغيرها من القبائل البربريةالتي كانت متحصنة بالجبال والحصون المنيعة، ثم
رجع إلى وليلى في (15 من جمادىالآخرة 173هـ = 10 من أكتوبر 789م).
فتح تلمسان.. وبناء مسجدها
أقام إدريس بن عبد الله شهرًا في وليلى، ثم عاود الفتح، واتجه ناحية الشرق هذه المرة،عازمًا على توسيع ملكه في المغرب الأوسط على حساب الدولة العباسية، فخرج في منتصفرجب 173هـ
= نوفمبر 789م متجهًا نحو تلمسان، وفي أثناء زحفه استولى على مدينة "سبتة"، ولم يكد يصل إلى "تلمسان" حتى خرج إليه صاحبها "محمد بن خرز"، وأعلن خضوعه له دون قتال، وبايع
إدريس بن عبد الله، وتبعته قبائل: مغراوة وبني يفرده.
ولما دخل الإمام إدريس تلمسان أقام بها مسجدًا للمدينة جامعًا، وصنع منبرًا جميلاً كان يحمل نقشًا يحدد تاريخ إنشائه، ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وذلك في شهر صفر 174هـ، وهذا يعني أن إدريس أقام في تلمسان حتى هذا التاريخ، ثم كرَّراجعًا إلى عاصمة ملكه.
نهاية الإمام إدريس
ولم تكد تصل هذه الفتوحات إلى عاصمة الخلافة العباسية حتى فزع الخليفة هارون الرشيد، وشعر بالقلق والذعر من النجاح الذي يحققه إدريس بن عبد الله، الذي نجح فيما فشل فيه غيره من أبناء
البيت العلوي؛ فلأول مرة ينجحون في إقامة دولة لهم بعد إخفاقات عديدة ومآسٍ دامية، ثم اشتد خوف الخليفة العباسي حين جاءته الأخبار بعزم إدريس بن عبد الله على غزوأفريقية (تونس)، ففكر
في إرسال جيش لمحاربة هذا العلوي المظفر، وبينما الرشيد على هذه الحال من القلق والاضطراب تدخلت الأقدار، وأراحته مما كان يفكر فيه، فتوفي إدريس بن عبد الله في (سنة 177هـ = 793م
على أرجح الروايات، بعد أن نجح في تحدي الصعوبات، وأقام دولة عُرفت باسمه "دولة الأدارسة" بعيدًا عن وطنه بين قبائل متطاحنة تعتز بعنصريتها، وتتخذ من قوتها وسيلة لفرض سيطرتها
على من حولها، وهذه تُحسب له، وتجعله واحدًا من كبار رجال التاريخ. ويضاف إليه أن المغرب مدين له في نشر الإسلام في أماكن لم يكن قد وصل إليها منقبل.
المصادر:
ابن جرير الطبري: تاريخ الرسل والملوك – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – دار المعارف – القاهرة – 1977م.
إسماعيل العربي: دولة الأدارسة – دار المغرب الإسلامي – بيروت – 1403هـ = 1983م.
سعد زغلول عبد الحميد: تاريخ المغرب العربي – منشأةالمعارف – الإسكندرية – 1995م.
حسين مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته – العصرالحديث للنشر والتوزيع – بيروت – 1412هـ = 1992م.
السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير (العصر الإسلامي) – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – 1966م.
ارجو المعذرة لعدم تنسيق النص