المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سارة وסארה


ترياااق
2010-03-23, 14:12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سارة وסארה

بقلم :وميض القلم (محمد شُراب)


-العرب قذارة تمشي على الأرض .. إن شروط النظافة والمحافظة على الصحة تكاد تنعدم بين العرب، كما أن الاستحمام عادة غير مألوفة لدى العرب، وهناك مثل عربي في غزة يقول: الطفل الوسخ أصح وأشد من الطفل النظيف، ولذلك تستوطنهم أسراب القمل والبراغيث.. في مصر يتبولون في نهر النيل الذي يشربون منه، وفي بلاد الخليج يبصق الخادم في فناجين القهوة من أجل تنظيفها، وفي المغرب العربي يستوطن البيوت الذباب والجرذان لانعدام النظافة فيها .. إن رأي العربي قطعة صابون فأول ما يفكر فيه حينها هو كيفية التهامها!

توقف المدرس عن الكلام بسبب مقاطعة التلاميذ له بضحكهم وتعليقاتهم، وبينما وقف أحدهم ليلقى نكتة عن العرب، تدخلت سارة وألقت سؤالها على أستاذها، فاضطر الجميع إلى الصمت ليسمعوا الإجابة
-إن كان العرب بهذه القذارة والتخلف.. فلماذا نسعى للسلام معهم؟!

لم يكن السؤال مفاجئا بالنسبة للأستاذ، لكن الإجابة عليه تحتاج لعقول أكبر من عقول تلاميذه الذين تخطوا حديثاً أول عقد من عمرهم، وبينما كان يبحث في عقله عن إجابة تتناسب مع عقول تلاميذه، كان صمتهم وترقبهم يحثانه على الإسراع في الإجابة، فاجتهد قائلاً وهو يُشير إلى خارطة الشرق الأوسط! :
-انظروا إلى موقع بلادنا على هذه الخارطة.. هل ترون الدول المحيطة بها؟! .. هذه الدول مليئة بملايين العرب الذين أخبرتكم عنهم.. إنهم وعلى الرغم من قذارتهم ونتانتهم، فهم وحوش وإرهابيين لحد لا يتصوره عقل.. ولولا معرفتهم بقوة دولتنا، لقضوا عليها وأبادوها منذ زمن.. ولأننا لسنا مثلهم ولا نعشق القتل والدماء كما يفعلون، نحاول من آن لآخر عقد اتفاقيات سلام لنسلم من أذاهم.. فإن نجحنا في ذلك، أكلتهم أحقادهم وكراهيتهم وشغلتهم وحشيتهم في أنفسهم..

توقف المدرس عن الكلام عندما هتف هاتف ما في داخله بأن ما يقوله أكبر من أن تستوعبه العقول التي تتابع حديثه، ولعل خفوت بريق الاهتمام في عيون تلاميذه أكد له هذا الظن، فاستطرد قائلاً:
أتدرون كيف تكون الحيوانات قبل أن تعمل في السيرك؟.. إنها ببساطة تكون على حالتها الطبيعية من شراسة ووحشية حيث تعيش في الغابة، إن ما يحدث أثناء ترويض هذه الوحوش يُشبه السلام الذي نعقده مع العرب.. وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الصبر والحكمة، وحتى مع نجاح عملية الترويض أو السلام كما يسمونها في نشرات الأخبار، فيجب على المروض أن يلوح بالسوط دوما في وجوه حيواناته ليذكرهم بقوته وسطوته عليهم كي يطرد من نفوسهم أي نوايا خبيثة..

يهتف أحد الطلبة في الصفوف الأمامية مقاطعا أستاذه وهو يسأل بتعجب:
- ولكن السيرك يحصل من وراء ترويض هذه الحيوانات على منفعة.. فما الذي نحصل عليه من ترويض هؤلاء البرابرة المتوحشين؟!

نظرت سارة لزميلها الذي يجلس بجوارها والمشهور بعدائه لزملائه ممن تعود أصولهم لجذور شرقية، ثم أزاحت وجهها عنه عندما بدأ المدرس يُجيب على سؤاله قائلاً:
-لكل شيء ثمن بالتأكيد.. نحن لن نروض هذه الحيوانات بلا مقابل، فهناك ثمن يدفعونه مقابل اكتساب بعض الصفات البشرية التي نمنحها لهم.. وهو يتمثل على سبيل المثال في الحماية التي يوفرونها لدولتنا من الحيوانات التي لم يطلها الترويض، ولنا حصص في مواردهم سواء تمثلت في بترول أو غاز وتسهيلات مهمة في مجالي الاستثمار والسياحة، وأحياناً نصدر لهم نفايتنا والتي غالباً ما تكون أفضل من منتجاتهم الوطنية..

بينما كان المدرس يشرح لتلاميذه ما يمكن استفادته من العرب جراء السلام معهم، سرحت سارة في قصة إفرات المقررة عليهم وتذكرت كيف بدا العربي كائناً لا يعرف معنى الرحمة أو الشفقة، وكيف كان القتل والإجرام غريزة وهواية عنده، حتى صار لون الدم من أشهى ما يشتهيه، وفي اللحظة التي تذكرت فيها حديث معلمتها وهي تتحدث سلب العرب للكنس والمعابد اليهودية، وكيف كانوا يغتصبون النساء والفتيات قبل قتلهن لأجل إشباع نزواتهم وغرائزهم، انتفضت مفزوعة بسبب صوت الجرس الذي أعلن انتهاء الحصة..

تسمرت سارة في مكانها للحظات بينما اندفع زملائها يغادرون الفصل وسط ضجيج ابتهاجهم بانتهاء اليوم الدراسي، وعندما لاحظ مدرسها بقائها في مكانها، أوقف ترتيب حقيبته وسألها باهتمام:
-هل أنت بخير يا سارة ؟
- ها.. نعم أنا بخير
- لا يبدو لي أنك كذلك..

قال المدرس عبارته الأخيرة وهو يعاود دس دفاتره في حقيبته دون أن ينظر إليها، بينما التقطت سارة حقيبتها ونهضت تعلقها على ظهرها وكادت تهم بالمغادرة لولا استوقفها شيئا ما جعلها تفاتح معلمها قائلة :
- سمعت من والدي وهو يتحدث مع بعض أصدقاءه، أنهم بصدد توجيه ضربة جوية كبيرة للعرب في غزة كي لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم.. فهل تظن أن العرب سيسكتون ولن يردوا على هذه الضربة؟.. أليس من المفترض أن يسارعوا بدورهم للانتقام منا لأننا ألحقنا بهم الأذى؟..

بدا الاهتمام والانزعاج باديان على وجه المدرس بوضوح، ولكنه حاول أن يكون لطيفاً وهو يُجيب على سارة :
- ربما كان من الأفضل أن لا تبوحي بمثل هذه الأشياء يا عزيزتي، لذا أرجو من الآن وصاعدا أن تتجنبي ترديد ما تسمعينه من والدك أو من أصدقائه، فأنت تعلمين أن والدك يعمل في أهم سلاح في الدولة، وكونك ابنة طيار فهذا يُلقي عليك مسؤولية المحافظة على أسراره وأخباره وعدم نقلها لأحد مهما كان عزيزا عليك.. وبالنسبة للعرب فلا تقلقي منهم على الإطلاق، فهم لا حول لهم ولا قوة أمام جيشنا القوي، وحتى الدول العربية الكبيرة كلها تخضع لسيطرتنا، وقد تستغربين لو قلت لك بأنهم لن يتأخروا في تقديم المساعدة لنا لو احتجناها منهم ذلك..

(نكتة سخيفة) هكذا قالت سارة لنفسها وهي تغادر المدرسة متوجهة إلى الباص الذي سيقلها لمنزلها بعد انتهاء اليوم الدراسي، فهي لم تستوعب فكرة مساعدة العرب لليهود إن قامت دولتها بشن حرب على عرب آخرين!.. لكن ربما هناك حقاً أشياء لن تستطيع فهمها إلا عندما تكبر كما يخبرها والدها وأساتذتها دوما!.. بدا هذا الخاطر منها لإقناع نفسها بوجهة نظر أستاذها، فهو بالتأكيد لن يخدعها أو يضللها في أمر خطير كهذا..


-هل جُنت؟.. ماذا تفعل؟!!.. أقسم بأن هذه المرأة أصابها مس من الجنون.. إنها تعلن الحرب على غزة من مصر في مؤتمر صحفي مع وزير خارجيتها.. أيعقل هذا؟!

لم ينتقل انفعال والدة سارة إلى زوجها الذي ظل هادئا في جلسته يلف ذراعه حول ابنته وهو يتابع نشرة الأخبار على شاشة التلفاز .. ثم هتف وهو يُشير بيده وابتسامته تأخذ أكبر مساحة من وجهه:
- انظري إلى ملامح وزير خارجية مصر .. إنه ما يزال يحافظ على ابتسامته على الرغم من معرفته ما يعنيه تهديد ليفني!.. يُخيل إليّ بأنه سيعانقها ويشكرها على اتخاذها هذا القرار..

بدا التذمر ظاهرا على وجه زوجته خاصة عندما ضحك بعد عبارته الأخيرة.. فقالت بضيق
-هذا تصرف منافيا للياقة والبروتوكول، فهو محرجا لمصر ويتنافى مع ما هو مفترض سياسيا..
- على العكس يا عزيزتي.. إن ليفني تعي ما تفعله جيدا.. سأهمس لك بسر قد يفسر لك اتجاه سياسة الدولة في تعاملها مع العرب.. عندما نضرب غزة التي كانت تخضع للسيادة المصرية، ستلفح نيراننا وجوه المصريين لأنهم أكثر العرب قربا لغزة.. والحال نفسه ينطبق على سوريا عندما نضرب لبنان .. ببساطة شديدة يجب أن يُجربوا أسلحتنا بشكل مباشر، ولكن دون أن نخوض معهم حربا حقيقية، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعلهم يلمسون قوتنا، فإن استشعروها كما يجب، سهل علينا ذلك ما يلي من خطوات لاحقة .. إن مصر وسوريا كبشي القطيع العـ..

قاطعته ابنته سارة التي بدا أنه لم ينتبه إلى وجودها على الرغم من إحاطته لها بذراعه:
-هل ستقتل أحداً في هذه الحرب يا أبي؟..
أجابها على الفور وهو يضمها إلى صدره بحنان:
- لا يا حبيبتي.. أنا أقتل؟!! .. أنا لا أتحمل رؤية الدماء حتى لو كانت دماء أعداءنا ..

سارعت والدتها لإغلاق التلفاز وهي تؤنبها بغضب مصطنع:
- ما الذي تقولينه يا سارة؟.. اعتذري لوالدك الآن وفورا
- أنا آسفة يا أبي.. ولكنك قائد طائرة مقاتلة ولابد..

قاطعتها حركة يد والدها وهي تضم رأسها إلى صدره كأنه يمنعها من مواصلة الحديث، ثم أسند ذقنه على رأسها وهو يهمس قائلا:
- عندما أقود طائرتي، فأنا أتحاشى ضرب المدنيين والأبرياء.. نحن نضرب المواقع العسكرية والمعدات التي يستخدمونها في الإرهاب ونفعل ذلك بحذر شديد ..

لم يتركها والدها تذهب إلى النوم قبل أن يؤكد لها حرصه على أرواح الأبرياء أكثر من حرصه على إصابة أهدافه.. ولكنها ومن حديث والدها اكتشفت معلومة معاكسة لما تعلمته في المدرسة، أثارت في نفسها علامة استفهام كبيرة (هل يوجد في العرب أبرياء حقاً؟).. لم تحدث أحدا بما جال في خاطرها وفضلت الاحتفاظ بذلك لنفسها كي لا يتهما أحد بأنها غريبة الأطوار كما يطلقوا على عمتها!..

بعد أيام قليلة بدأت الأخبار تتوارد عن الحرب في غزة وإن كانت سارة عاشت أجواءها قبل اندلاعها.. وعلى الرغم من منع أمها لها مشاهدة أخبار الحرب، إلا أنها كانت تنتهز الفرصة من آن لآخر لتتابع ما يجري دون أن تفهم، حتى جاءت تلك النشرة بشيء بدا للوهلة الأولى أنه مفهوم بوضوح، ولكنه أيضاً شوش معلوماتها التي حاولت مرارا وتكرار ترتيبها في ذهنها دون جدوى .. كان المشهد يُظهر أحد الرجال العرب يبكي وينتحب وأمامه جثث أطفاله الصغار الذين لم يتجاوز أكبرهم عمرها هي، وبينما راح العربي يتحدث بالعبرية ويتساءل عن ذنب هؤلاء الأطفال ليقتلوا بهذه الطريقة البشعة، انفتح باب الشقة ليدخل والدها بزيه العسكري البالغ في الأناقة والترتيب، وشاهد بدوره التقرير الذي يبثه التلفزيون عن الحرب في غزة .. بدا والدها في غاية الانزعاج والأسف، وقبل أن تفهم سبب انزعاجه، راح ينادي على زوجته التي سارعت من الداخل إلى حيث يقف ، وبينما كان يلومها ويوبخها لأنها سمحت لسارة مشاهدة نشرات الأخبار، كانت سارة تتنقل بنظراتها بين ما تشاهده على التلفاز وبين والدها وأمها اللذان يتجادلان في كلام كأنه ضجيج بلا معنى، وعندما عرض التلفاز مشهدا لرأس طفلة عربية في مثل عمرها اختفى بقية جسدها تحت أنقاض منزلها المدمر بفعل القصف الجوي، بدا لها والدها وهو يغلق التلفاز وكأنه ملطخ بدماء تلك الطفلة التي لم تكن تعلم أنها أيضاً اسمها سارة