المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شروح الأحاديث


الصفحات : 1 [2]

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:31
تسأل : لماذا ذكر النساء بصفات مذمومة في بعض الأحاديث ؟

السؤال:

قرأت حديث ( إن الفساق هم أهل النار . قيل : يا رسول الله ومن الفساق ؟

قال : النساء . قال رجل : يا رسول الله أولسن أمهاتنا وأخواتنا وأزواجنا ؟

قال : بلى ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن) و لم أفهم : لماذا خص الفسق بالنساء ، وخص بهن صفات عدم الشكر وعدم البر مع وجودها في الرجال أيضا.

السؤال الثاني :

في حديث آخر إن النساء أكثر أهل النار ، لأنهن يكفرن العشير ، مع العلم أن هذا ليس خاصا بالنساء فقط ، وهل هو ذنب أكبر مما يفعله الرجال من حروب وقتل وظلم ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الإمام أحمد (15531) والحاكم (2773) والبيهقي في "الشعب" (9346) عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن شِبْلٍ رضي الله عنه قال : قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ )

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنِ الْفُسَّاقُ؟ قَالَ: ( النِّسَاءُ ) قَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَسْنَ أُمَّهَاتِنَا، وَأَخَوَاتِنَا، وَأَزْوَاجَنَا؟ قَالَ: ( بَلَى، وَلَكِنَّهُنّ إِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ، وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ )

وصححه الألباني في "الصحيحة" (3058)

وليس المراد من الحديث : ذم عموم النساء بذلك ؛ كيف

وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الأحزاب/35

ونحو ذلك من الآيات الكثيرة ، والأصول الشرعية العظيمة المقررة .

وإنما المراد بذلك ونحوه من أحاديث الوعيد : التحذير من الفعل ، وبيان جزاء صاحبه عند الله يوم القيامة ، ليحذر العاقل من الوقوع في مثله .

وأما تخصيص النساء بذلك : فلأنه مثل هذا الخلق غالب عليهن ، كثير فيهن ، باعتبار الجنس ، وإن كان من شاركهن في مثل هذه الأخلاق

وأتى بتلك الأعمال من الرجال : فهو من أهل هذا الوعيد أيضا ؛ لكن مثل ذلك الخلق : أقل في جنس الرجال ، منه في النساء .

ومثل هذا : يشبه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ ) قَالَ: رَجُلٌ يَا نَبِيَّ اللهِ أَلَمْ يُحِلَّ اللهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: ( إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فَيَكْذِبُونَ، وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ )

وقد رواه أحمد (15530) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ الْأَنْصَارِيِّ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (366)

فهذا - أيضا - ليس ذما لعموم التجار ؛ كيف وقد كان في خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : التجار ؛ وإنما هو تحذير من ذلك العمل ، ووعيد لأهله ، وبيان أن مثل ذلك : الفجور والكذب : كثير في جنس التجار

فحقيق بكل تاجر عاقل : أن يحذر مثل ذلك ، ويحرص على البر في تجارته ، وبيعه وشرائه .

وأما من لم تكن من النساء بتلك المثابة ، وكانت شاكرة لله تعالى ولزوجها ، صابرة على أمر الله : فلا يلحقها هذا الذم قطعا ، وإنما تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم :

( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) . رواه أحمد (1664) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (660) .

ثانيا :

وأما الحديث الآخر : فقد رواه البخاري (304) من حديث أبي سعيد ، ومسلم (79) من حديث ابن عمر عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ )

فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ : وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) . واللفظ لمسلم .

قال بدر الدين العيني رحمه الله :

قَالَ الْمُهلب: " إِنَّمَا تسْتَحقّ النِّسَاء النَّار : لكفرهن العشير. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا كَانَ النِّسَاء أقل سَاكِني الْجنَّة : لما يغلب عَلَيْهِنَّ الْهوى والميل إِلَى عَاجل زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا، ولنقصان عقولهن

فيضعفن عَن عمل الْآخِرَة وَالتَّأَهُّب لَهَا ، لميلهن إِلَى الدُّنْيَا والتزين بهَا، وأكثرهن معرضات عَن الْآخِرَة ، سريعات الانخداع لراغبيهن من المعرضين عَن الدّين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إِلَى الْآخِرَة وأعمالها "

انتهى من "عمدة القاري" (15/ 152) .

ثالثا:

ما ذكرته السائلة من الإشارة إلى أن الرجال يفعلون أكثر من ذلك : بإشعال نار الحرب والقتل والظلم ؟

يقال فيه :

لا شك أن من يفعل ذلك من الرجال مستحق للعذاب ، وقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة بتحريم الظلم والقتل والتوعد الشديد على ذلك .

لكن : ما علاقة هذا بما ذكر في شأن النساء ؟

ومن قال : إن ما تقع فيه النساء ، مما سبق الإشارة إليه ، أشد من هذه الجرائم : من القتل ، والظلم ، ونحو ذلك ؟
ومن قال : إن مثل هؤلاء الرجال: جزاؤهم عند الله أخف وأقل من جزاء النساء ؟

ومن قال : إن هذا الحديث فيه كل الدين ، وفيه بيان التحذير من جميع المنهيات الشرعية ؟

لكن الذي يظهر ، والله أعلم : أن من يقع في هذه الأعمال من الرجال ، أقل ممن يقع في عمل النساء المذكورات ، فلهذا - والله أعلم - يكون من يدخل النار من النساء ، بهذه الجرائم

أكثر ممن يدخلها من الرجال ، بالجرائم المذكورة ، وإن كانت هذه الجرائم الأخيرة : القتل ، الظلم .. أعظم شناعة ، وأشد عذابا من الأولى ، لكن الكلام هنا عن : "الأكثرية" ، وليس عن : "الأشدية" .

وعلى أية حال : فأحاديث الوعيد : هي من أمور الغيب ، التي لا مجال للعقل فيها ، وإنما يرجع فيها إلى التسليم إلى ما ورد به الشرع .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:35
لماذا النساء في النار أكثر من الرجال

السؤال

لماذا عدد النساء أكبر من عدد الرجال في جهنم ؟ .

الجواب

الحمد لله

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء هن أكثر أهل النار فعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء)َ

. رواه البخاري 3241 ومسلم 2737 .

أما سبب ذلك فقد سُئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبَيَّن الجواب :

فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( َأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ) قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ : ( بِكُفْرِهِنَّ ) قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ، قَالَ : ( يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ) رواه البخاري 1052 .

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ : ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ )

فَقُلْنَ : وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ) قُلْنَ : وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : ( أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ) قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ) قُلْن َ: بَلَى ، قَالَ : ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا ) رواه البخاري 304 .

وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ

وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ : ( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ ) فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : ( لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) قَالَ : فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ . رواه مسلم 885 .

وينبغي على الأخوات المؤمنات اللاتي يعلمن بهذا الحديث أن يكون تصرفهن كتصرف هؤلاء الصحابيات اللاتي لما علمن بهذا عملن من الخير ما يكون بإذن الله سبباً في إبعادهن من أن يدخلن ضمن هؤلاء الأكثر .

فنصيحتنا للأخوات الحرص على التمسك بشعائر الإسلام وفرائضه لاسيما الصلاة والبعد عما حرمه الله سبحانه وتعالى وبخاصة الشرك بصوره المتعددة التي تنتشر في أوساط النساء

مثل طلب الحاجات من غير الله وإتيان السحرة والعرافين ونحو ذلك .

نسأل الله أن يبعدنا وجميع إخواننا وأخواتنا عن النار وما قرّب إليها من قول أو عمل .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:38
معنى نقص العقل والدين عند النساء

السؤال

دائماً نسمع الحديث الشريف (النساء ناقصات عقل ودين) ويأتي به بعض الرجال للإساءة للمرأة . نرجو توضيح معنى الحديث ؟

الجواب

الحمد لله

"معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ، قُلْنَ : وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ؟

قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا ، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ؟ قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) بَيَّن صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها

وأن شهادتها تُجْبَر بشهادة امرأة أخرى ، وذلك لضبط الشهادة ، بسبب أنها قد تنسى ، فتزيد في الشهادة أو تنقصها

كما قال سبحانه : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282 .

وأما نقصان دينها فلأنها في حالة الحيض والنفاس تدع الصلاة ، تدع الصوم ، ولا تقضي الصلاة ، فهذا من نقصان الدين ، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه ، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل

هو الذي شرعه عز وجل رفقاً بها ، وتيسيراً عليها ؛ لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك ، فمن رحمة الله شرع لها ترك الصيام وقت الحيض والنفاس ، والقضاء بعد ذلك .

وأما الصلاة فإنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة ، فمن رحمة الله جل وعلا أن شرع لها ترك الصلاة ، وهكذا في النفاس ، ثم شرع لها أنها لا تقضي

لأن في القضاء مشقة كبيرة ، لأن الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات ، والحيض قد تكثر أيامه ، فتبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام أو أكثر

والنفاس قد يبلغ أربعين يوماً ، فكان من رحمة الله لها وإحسانه إليها أن أسقط عنها الصلاة أداء وقضاء ، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ، ونقص دينها في كل شيء

وإنما بَيَّن الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن نقص عقلها من جهة ما قد يحصل من عدم الضبط للشهادة ، ونقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس

ولا يلزم من هذا أن تكون أيضاً دون الرجل في كل شيء ، وأن الرجل أفضل منها في كل شيء .

نعم ، جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة ، لأسباب كثيرة ، كما قال الله سبحانه وتعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34

لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة ، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها ، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جنس النساء دون جنس الرجال

في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح ، وفي تقواها لله عز وجل ، وفي منزلتها في الآخرة

وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها

وتجتهد في حفظها وضبطها فتكون مرجعاً في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة ، وهذا واضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ذلك .

وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية ، وهكذا في الشهادة إذا انجبرت بامرأة أخرى ، ولا يمنع أيضاً تقواها لله ، وكونها من خيرة عباد الله

ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها ، وإن سقط عنها الصوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء ، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء ، فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله

ومن جهة قيامها بأمره ، ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور ، فهو نقص خاص في العقل والدين ، كما بَيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء

وضعف الدين في كل شيء ، وإنما ضعف خاص بدينها ، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك ، فينبغي إنصافها ، وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم

على خير المحامل وأحسنها . والله تعالى أعلم" انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .

مجلة البحوث الإسلامية (29/100- 102) .

*عبدالرحمن*
2018-10-15, 17:43
رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم : لمن كان وراء ظهره

السؤال :

أنا مسلم أؤمن بأن الله هو وحده من يعلم الغيب، وهو وحده من بيده شفاء المرضى. وهذه هي المفاهيم التي أدعوا الناس إليها، أي أني أدعوهم الى التوحيد المستند على الدليل من الكتاب والسنة

بما آتني الله من علم. غير أن أحد الأشخاص قام فأرسل لي حديثا ينفي به اختصاص الله بعلم الغيب : الحديث من رواية الإمام البخاري في الكتاب الأول، صفحة 59.

قال صلى الله عليه وسلم "فوالله ما يخفى عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري" . هل يدل هذا الحديث على أن الرسول صلى الله عليه وسلم : كان يعلم الغيب ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا : من عقائد المسلمين الإيمان بأن الله وحده علام الغيوب ، لا يعلم الغيب إلا هو .

قال سبحانه : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلمًا لجميع الخلق : أنه لا يعلم أحد الغيب إلا الله عز وجل ، فإنه المنفرد بذلك وحده ، لا شريك له " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 /207)

لكن الله تعالى يُطلع من شاء من رسله على ما يشاء من غيبه ، قال تعالى :

( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) الجن/26-27

قال علماء اللجنة :

" الأصل في الأمور الغيبية: اختصاص الله بعلمها، لكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب

قال الله تعالى: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) الجن/26،27 "

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 /122-123)

فهذا الذي يطّلع عليه الرسول من أمر الغيب إنما هو من وحي الله تعالى ؛ ولذلك قال الله عز وجل : ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) الأنعام/ 50

قال علماء اللجنة الدائمة :

" علم المغيبات من اختصاص الله تعالى فلا يعلمها أحد من خلقه لا جني ولا غيره إلا ما أوحى الله به إلى من شاء من ملائكته أو رسله "

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 /346)

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب

كما هو ظاهر قوله تعالى : ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) ولكن الله عالم الغيب يطلعه منه على ما يشاء ، كما قال تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) .

قال القرطبي رحمة الله عليه :

" قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: لَمَّا تَمَدَّحَ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ ، وَاسْتَأْثَرَ بِهِ دُونَ خَلْقِهِ، كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ أَحَدٌ سِوَاهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنِ ارْتَضَاهُ مِنَ الرُّسُلِ، فَأَوْدَعَهُمْ مَا شَاءَ مِنْ غَيْبِهِ

بِطَرِيقِ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ، وَجَعَلَهُ مُعْجِزَةً لَهُمْ ، وَدِلَالَةً صَادِقَةً عَلَى نُبُوَّتِهِمْ "

انتهى من "تفسير القرطبي" (19/ 28)

ثانيا :

روى البخاري (418) ومسلم (424) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا ، فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ خُشُوعُكُمْ وَلاَ رُكُوعُكُمْ ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي ) .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا فِي قَفَاهُ يُبْصِر بِهِ مِنْ وَرَائِهِ , وَقَدْ اِنْخَرَقَتْ الْعَادَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْثَر مِنْ هَذَا

, وَلَيْسَ يَمْنَع مِنْ هَذَا عَقْل وَلَا شَرْع , بَلْ وَرَدَ الشَّرْع بِظَاهِرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْل بِهِ "
انتهى .

وهذه من المعجزات والآيات التي أيّد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وخصه بها ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" ليس المراد منه : أنه كان يلتفت ببصره في صلاته إلى من خلفه

حتى يرى صلاتهم ، كما ظنه بعضهم ، وقد رد الإمام أحمد على من زعم ذلك ، وأثبت ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وآياته ومعجزاته "

انتهى من "فتح الباري" - لابن رجب (4 /341)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الصَّوَابُ الْمُخْتَارُ : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، انْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَةُ

وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْمُصَنِّفِ ، فَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ " انتهى.

والحاصل :

أن هذا الأمر : هو من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعجزاته ؛ لكن هذا لا ينفي ما قدمناه من اختصاص الله بعلم الغيب

فإنا قد قررنا أن الله قد يطلع من شاء من رسله ، على ما شاء من أمور الغيب ؛ وحينئذ : يعلم الرسولُ من أنباء الغيب ، ما أعلمه به ربه ، سبحانه .

على أن المذكور في هذا الحديث : ليس من علم الغيب في شيء ، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : إني أعلم ما غاب عن بصري ، أو أعلم كذا وكذا

بل هذا الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر موجود ، مشهود ؛ كل ما في الأمر : أن العادة قد جرت ألا يرى الإنسان إلا ما يقابله ؛ والرسول صلى الله عليه وسلم

في هذا المقام : رأى ما وراء ظهره ، فانخرقت العادة ، وصحت له الرؤية ، مع تخلف بعض شروطها .

والله تعالى أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

سي يوسف مشرقي
2018-10-18, 15:37
بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 15:52
بارك الله فيك

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 15:58
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( إني لأراكم وراء ظهري ) ؟

السؤال

روى الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هل ترون قبلتي هاهنا ، فوالله ما يخفي علي ركوعكم ولا سجودكم إني لأراكم وراء ظهري ) .

فهل يعني هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستطيع رؤية كل شيء وراءه ؟

الجواب

الحمد لله

من معجزاته التي أخبر عنها ، عليه الصلاة والسلام أصحابه : أنه يراهم من وراء ظهره ، كما يراهم من أمامه .

فقد روى البخاري (741) ومسلم (424) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا ؟! وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي ) .

وروى أحمد (9504) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " صلى بنا رسول الله عليه وسلم الظهر ، وفي مؤخر الصفوف رجل ، فأساء الصلاة ، فلما سلم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم

: ( يَا فُلَانُ : أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ أَلَا تَرَى كَيْفَ تُصَلِّي ، إِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا تَصْنَعُونَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى مِنْ خَلْفِي ، كَمَا أَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " مشكاة المصابيح " برقم (811).

والرؤية الواردة في الأحاديث على ظاهرها ، أي : أنه يراهم رؤية بصرية ، ويدل على ذلك ما رواه مسلم (423) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله يوماً ، ثم انصرف

فقال يا فلان : ( أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ ؟! أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي ؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ، إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي ، كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ) .

قال النووي رحمه الله في - شرحه للحديث -

: " قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا فِي قَفَاهُ يُبْصِر بِهِ مِنْ وَرَائِهِ ,

وَقَدْ اِنْخَرَقَتْ الْعَادَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْثَر مِنْ هَذَا , وَلَيْسَ يَمْنَع مِنْ هَذَا عَقْل وَلَا شَرْع , بَلْ وَرَدَ الشَّرْع بِظَاهِرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْل بِهِ . قَالَ الْقَاضِي :

قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : هَذِهِ الرُّؤْيَة رُؤْيَة بِالْعَيْنِ حَقِيقَة "

انتهى من " شرح مسلم للنووي " (4/149) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقِيلَ : الْمُرَاد بِهَا الْعِلْم : إِمَّا بِأَنْ يُوحَى إِلَيْهِ كَيْفِيَّة فِعْلهمْ ، وَإِمَّا أَنْ يُلْهَم , وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْعِلْم لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يُقَيِّدهُ بِقَوْلِهِ مِنْ وَرَاء ظَهْرِي

. وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّهُ يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينه وَمَنْ عَنْ يَسَاره مِمَّنْ تُدْرِكهُ عَيْنه مَعَ اِلْتِفَات يَسِير فِي النَّادِر , وَيُوصَف مَنْ هُوَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاء ظَهْره , وَهَذَا ظَاهِر التَّكَلُّف , وَفِيهِ عُدُول عَنْ الظَّاهِر بِلَا مُوجِب .

وَالصَّوَاب الْمُخْتَار : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى ظَاهِره , وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَار إِدْرَاك حَقِيقِيّ خَاصّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اِنْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَة , وَعَلَى هَذَا عَمَل الْمُصَنِّف فَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث فِي عَلَامَات النُّبُوَّة ,

وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره "

انتهى من " فتح الباري لابن حجر " (1/514) .

وهل تشمل تلك المعجزة حال الصلاة وغيرها من الأحوال ؟ النص جاء في الصلاة ، وأما غيرها من الأحوال ، فلم يرد فيه نص ، والمسألة محتملة عند بعض العلماء ، وعند آخرين أنها خاصة بحال الصلاة .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِحَالَةِ الصَّلَاة , وَيحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَاقِعًا فِي جَمِيع أَحْوَاله, وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد"

انتهى من " فتح الباري لابن حجر"(1/515).

وقال الملا علي القاري : " فإني أراكم من وراء ظهري ، لا يلزم دوامها ؛ لمنافاته خبر لا أعلم ما وراء جداري ، فيخص هذا بحالة الصلاة وعلمه بالمصلين والله أعلم " .

انتهى بتصرف يسير من " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (4/197) – ترقيم الشاملة - .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

: " أنه يراهم من وراء ظهره ، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : أنه في هذه الحالة المعينة يرى الناس من وراء ظهره ، أما فيما سوى ذلك ، فإنه لا يرى من وراء ظهره شيئا "

انتهى من " شرح رياض الصالحين " (5/113) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:03
هل يعني كون الكافر فكاك المسلم من النار أن النار لا يدخلها قط أحد من المسلمين ؟

السؤال

لدي سؤال عن حديث قرأته وكنت أتساءل عن شخص يشرحه شرحا مفصلا ، وهل يقصد بذلك الحديث أنه لن يدخل النار مسلم قط ؟

والحديث كالتالي :

روى أبو بريدة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا

فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ ). وكان سعيد بن أبي بردة قد حدَّث بهذا الحديث أمام عمر بن عبد العزيز ، فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فحلف له " .

الجواب

الحمد لله

روى مسلم (2767) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، دَفَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا ، فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ )

وفي رواية له أيضا (2767) عن أبي بُرْدَةَ أنه حدث عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللهُ مَكَانَهُ النَّارَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا )

قَالَ: فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحَلَفَ لَهُ ".

وروى ابن ماجة (4341) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ : مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ ، فَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ

فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) ).

وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

قال النووي رحمه الله :

" ( الْفَكَاك ): الْخَلَاص وَالْفِدَاء . وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث مَا جَاءَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : لِكُلِّ أَحَد مَنْزِل فِي الْجَنَّة وَمَنْزِل فِي النَّار ؛ فَالْمُؤْمِن إِذَا دَخَلَ الْجَنَّة : خَلَفَه الْكَافِر فِي النَّار لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِكُفْرِهِ

مَعْنَى ( فَكَاكك مِنْ النَّار ) أَنَّك كُنْت مُعَرَّضًا لِدُخُولِ النَّار , وَهَذَا فَكَاكك ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ لَهَا عَدَدًا يَمْلَؤُهَا , فَإِذَا دَخَلَهَا الْكُفَّار بِكُفْرِهِمْ وَذُنُوبهمْ ، صَارُوا فِي مَعْنَى الْفَكَاك لِلْمُسْلِمِينَ "

انتهى من " شرح مسلم للنووى" (17/85) .

وقَالَ الْقَاضِي عياض رَحِمَهُ اللَّهُ :

" لَمَّا كَانَ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ مَقْعَدٌ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدٌ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ آمَنَ حَقَّ الْإِيمَانِ بُدِّلَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ بِمَقْعَدٍ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَبِالْعَكْسِ ، كَانَتِ الْكَفَرَةُ كَالْخَلَفِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي مَقَاعِدِهِمْ مِنَ النَّارِ

وَالنَّائِبِ مَنَابَهُمْ فِيهَا، وَأَيْضًا لَمَّا سَبَقَ الْقَسَمُ الْإِلَهِيُّ بِمَلْءِ جَهَنَّمَ ، كَانَ مَلْؤُهَا مِنَ الْكُفَّارِ خَلَاصًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَجَاةً لَهُمْ مِنَ النَّارِ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَالْفِدَاءِ وَالْفِكَاكِ

وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالذِّكْرِ ; لِاشْتِهَارِهِمَا بِمُضَادَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَمُقَابَلَتِهِمَا إِيَّاهُمْ فِي تَصْدِيقِ الرَّسُولِ الْمُقْتَضِي لِنَجَاتِهِمْ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/ 3525) .

وحاصل ذلك كله :

أن لكل مسلم يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا ، يكون فكاكه من النار ، ولا يخالف ذلك دخول بعض عصاة المسلمين النار بذنوبهم ليطهرهم الله منها ؛ لأنهم يدخلونها

ثم يخرجون منها برحمة الله ، ثم يدخلون الجنة ، فيرثون مقاعد الكفار فيها ؛ لأن الله حرمها على الكافرين .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( دَفَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ ) يدل على أن هذا الفضل يعم كل المسلمين دون استثناء أحد منهم

لأن الفكاك هو الخلاص كما تقدم ، والخلاص يكون لكل مسلم ، ولا ينافي ذلك دخوله النار ؛ لأن دخوله إياها يكون دخول تطهير .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فالجنة لا يدخلها خبيث ، ولا من فيه شيء من الخبث ، فمن تطهر في الدنيا ولقي الله طاهراً من نجاساته : دخلها بغير معوق ، ومن لم يتطهر في الدنيا ، فإن كانت نجاسته عينية كالكافر : لم يدخلها بحال

وإن كانت نجاسته كسبية عارضة : دخلها بعد ما يتطهر في النار من تلك النجاسة ، ثم يخرج منها "

انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/ 56) .

ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنْ دَهْرِهِ ، أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ ) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6396) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1525) .

راجع لمزيد الفائدة جواب السؤالين القادمين

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:06
هل يعذب صاحب الكبيرة إذا رجحت حسناته على سيئاته ؟

السؤال

أجد تعارضا في أقوال العلماء بين أمرين في أنهم يذكرون أن فاعل الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وفي أنهم يذكرون أن من رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة فما حل هذا الإشكال .

وهو كالتالي فاعل الكبيرة الواحدة إن رجحت حسناته على سيئاته هل نقول هو موعود بالجنة ولا يكون من أهل النار أم نقول هو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .

الجواب

الحمد لله

لا تعارض بين أقوال أهل العلم في هذه المسألة بحمد الله ، وبيان ذلك كالتالي :

أولا :

اتفق أهل السنة والجماعة على أن صاحب الكبيرة إن لقي الله تعالى تائبا منها توبة نصوحا لم يعذبه الله عليها ، ولم يؤاخذه بها ؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وقد قال الله تعالى :

( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان / 70

ثانيا :

من لقي الله ولم يتب من كبيرته : فهو في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، خلافا لمن أوجب نفوذ الوعيد في أهل الكبائر ، بل حكم بخلودهم في النار لأجل ذلك ، كالخوارج والمعتزلة . أو نفى أن يلحق الوعيد أحدا من أهل القبلة ، من غلاة المرجئة .

قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) النساء / 48

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

" وقد أبانت هذه الآية أنّ كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه عليه ، ما لم تكن كبيرته شركًا بالله " انتهى .

"تفسير الطبري" (8 / 450) .

ثالثا :

من لقي الله تعالى من أهل التوحيد من أصحاب الذنوب ، من الكبائر وغيرها : فمن رجحت حسناته على سيئاته ، دخل الجنة ولم يعذب ، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار على قدر سيئاته ، ثم مآله إلى الجنة .

قال الله تعالى :

( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ) الأعراف / 8 - 9

وقال سبحانه : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) القارعة / 6 - 9

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار ، ويشفع فيهم ، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات ؛ ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة

ولا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر ، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة ، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته "

انتهى . "مجموع الفتاوى" (10/321-322) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" أقوام خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فعملوا حسنات وكبائر ولقوا الله مصرين عليها غير تائبين ، منها لكن حسناتهم أغلب من سيئاتهم ، فإذا وزنت بها ورجحت كفة الحسنات فهؤلاء أيضا ناجون فائزون .

قال تعالى : ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )

قال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة

: " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف : فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار ، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف " .

وهذه الموازنة تكون بعد قصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته ، فإذا بقي شيء منها وزن هو وسيئاته " انتهى .

"طريق الهجرتين" (1 / 562) .

رابعا :

لا يعني ذلك أن من رجحت سيئاته بواحدة دخل النار ؛ بل هو مستحق للعذاب بفعله ، ثم هو ـ مع ذلك ـ داخل في مشيئة الله تعالى ، كما هي قاعدة أهل السنة في أهل الكبائر ؛ إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عذبه .

قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله :

" س : ما الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه [ متفق عليه ] ، وبين ما تقدم من أن من رجحت سيئاته بحسناته دخل النار ؟

جـ : لا منافاة بينهما ، فإن من يشأ الله أن يعفو عنه يحاسبه الحساب اليسير الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالعرض ، وقال في صفته : يدنو أحدكم من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقول

: عملت كذا وكذا ، فيقول : نعم ، ويقول : عملت كذا وكذا ، فيقول : نعم . فيقرره ثم يقول : إني سترت عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم [ متفق عليه ] .

وأما الذين يدخلون النار بذنوبهم فهم ممن يناقش الحساب ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : من نوقش الحساب عذب [ متفق عليه ] " . انتهى .

"أعلام السنة المنشورة" (171) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:09
هل كل مسلم يدخل الجنة ولو كان منافقاً أو تاركاً للصلاة أو يقع في الشرك؟

السؤال

هل سيدخل جميع المسلمين ، بمن فيهم المنافقون وتاركو الصلاة ومن يقومون بالشرك ، الجنة ، بعد قضاء مدة في جهنم ؟

الجواب

الحمد لله

ينبغي أن نعلم جيدا الأصل العام في هذا الباب ، باب دخول الجنة ، والخلود في النار ، وهو أمر مختصر ميسر ، موضح في حديث مختصر

رواه مسلم في صحيحه (135) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا الْمُوجِبَتَانِ ؟

فَقَالَ : ( مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ) .

قال النووي رحمه الله : " َأَمَّا قَوْله ( مَا الْمُوجِبَتَانِ ؟ ) فَمَعْنَاهُ الْخَصْلَة الْمُوجِبَة لِلْجَنَّةِ , وَالْخَصْلَة الْمُوجِبَة لِلنَّارِ " انتهى .

فقد بين هذا الحديث أن الذي يوجب للعبد أن يدخل الجنة ، هو موته على التوحيد .

والذي يوجب له الخلود في النار : هو موته على الشرك .

وهو أصل قطعي ، معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، وقد تواترت النصوص على تقريره وتأكيده .

قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء/48 .

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث الشفاعة ، وأحوال العصاة في جهنم ، أنه لا يخرج من النار إلا من مات على التوحيد ، شهادة بلسانه ، وكان في قلبه شيء من الإيمان :

( يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً

ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنْ الْخَيْرِ ذَرَّةً ) . رواه البخاري (6861) ومسلم (285) .

وبناء على ذلك يمكننا أن نعلم أحوال من ورد ذكره في السؤال :

1- فمن وقع في الشرك الأكبر ، سواء كان مشركا أصليا ، كاليهود والنصارى والبوذيين ، وغيرهم من أصناف الكفار ، أو كان مسلما ثم ارتد عن الإسلام بوقوعه في الشرك الأكبر ، وهذا هو المسؤول عنه

فإنه لا ينفعه انتسابه للإسلام ، ولا تسميه بأسماء المسلمين ، ولا ما يقوم به من أعمال الخير وغيرها ، إذا وقع في الشرك الأكبر ، ومات عليه من غير توبة .

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الزمر/65-66 .

2-وتارك الصلاة بالكلية ، فلا يصليها لا في بيته ولا في مسجده ، ولا يشهد جمعة ولا جماعة ، هذا أيضا قد أبطل عمله ، ووقع في الكفر بتركه للصلاة بالكلية

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ـ أي الصفة الفارقة بين المسلمين والكفار ـ : الصَّلَاةُ ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) رواه الترمذي (2545) والنسائي (459)

وصححه الألباني . وينظر حول كفر تارك الصلاة جواب السؤال رقم (5208) .

3-وأما المنافقون ، فإن كان المراد بهم أهل النفاق الأكبر ، الذين يظهرون في الدنيا أنهم من المؤمنين ، في حين أنهم يسرون الكفر في قلوبهم ، ويخفونه عن الناس

فهؤلاء شر حالا من الكفار والمشركين ، ولذلك فمصيرهم في أسفل دركات جهنم ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) النساء/145 .

4-وأما إن كان المراد بالمنافقين : من وقع في شيء من النفاق العملي ، كالكذب في شيء من حديثه ، أو خيانة الأمانة ، أو الغدر في الوعد ، أو وقع في شيء من الشرك الأصغر

كيسير الرياء ، أو الحلف بغير الله ، أو وقع في شيء من المعاصي الكبيرة ، أو الصغيرة ، فهذا لا يكفر بمجرد ذلك ، ولا يخرج به من الإسلام ، ولا يخلد به في جهنم ، إذا مات على التوحيد

بل أمره إلى الله ؛ إما يعذبه بذنبه ، ثم يدخله الجنة بما معه من التوحيد ، وإما أن يتفضل عليه ابتداء ، فيدخله الجنة ، ويعفو له عن ذنبه الذي وقع فيه . روى البخاري (6933) ومسلم (1655)

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ... ذَاكَ جِبْرِيلُ عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ

فَقَالَ : بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ !! فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : قُلْتُ : وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : قُلْتُ : وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:14
اختلاف الروايات فيمن قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..

السؤال

قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَالَ لا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ؛ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ منْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ) . متفقٌ عَلَيْهِ .:

قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَالَ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ؛ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ........ ) . متفقٌ عَلَيْهِ .

من هذا الحديثين : هل نحصل على أجر تكرار الذكر مئة مرة ، بحيث أنوي كل عشرة من الذكر كعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ، وعند تمام المئة نكون حصلنا على أجر عتق ( أربعين ) نفسا من ولد إسماعيل ( كما في الحديث الأول ) ،

وأجر عشر رقاب ( كما في الحديث الثاني ) ، ليكون المجموع في تمام المئة ( 50 ) نفس ؟:

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (6404) ، ومسلم (2693) - واللفظ له -

عن أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ) .

وروى البخاري (3293) ومسلم (2691)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :

( مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ

وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) .

وفي رواية للإمام أحمد (8719) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ

وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَنْ قَالَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ حِينَ يُصْبِحُ ، كُتِبَ لَهُ بِهَا مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهَا مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ عَدْلَ رَقَبَةٍ ، وَحُفِظَ بِهَا يَوْمَئِذٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي ، كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ " .

وصححه الألباني على شرط الشيخين ، كما في " الصحيحة " (6/136) .

وكذا صححه محققو المسند على شرط الشيخين .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَاخْتِلَافُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي عَدَدِ الرِّقَابِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ بَيْنَهَا ، فَالْأَكْثَرُ : عَلَى ذِكْرِ أَرْبَعَةٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذِكْرِ عَشَرَةٍ لِقَوْلِهَا مِائَةٌ

فَيَكُونُ مُقَابِلُ كُلِّ عَشْرِ مَرَّاتٍ رَقَبَة ، مِنْ قَبْلِ الْمُضَاعَفَةِ .

ويَكُونُ لِكُلِّ مَرَّةٍ بِالْمُضَاعَفَةِ رَقَبَةٌ .

وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لِمُطْلَقِ الرِّقَابِ .

وَمَعَ وَصْفِ كَوْنِ الرَّقَبَةِ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ : يَكُونُ مُقَابِلُ الْعَشَرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ : أَرْبَعَةً مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ ، فَضْلًا عَنِ الْعَجَمِ .

وَأَمَّا ذِكْرُ رَقَبَةِ بِالْإِفْرَادِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ فَشَاذٌّ وَالْمَحْفُوظُ أَرْبَعَةٌ " . انتهى .

وقال أيضا :

" وَجَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ : عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الذَّاكِرِينَ ، فَقَالَ : إِنَّمَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْجَسِيمُ لِمَنْ قَامَ بِحَقِّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، فَاسْتَحْضَرَ مَعَانِيَهَا بِقَلْبِهِ ، وَتَأَمَّلَهَا بِفَهْمِهِ

ثُمَّ لَمَّا كَانَ الذَّاكِرُونَ فِي إِدْرَاكَاتِهِمْ وَفُهُومِهِمْ مُخْتَلِفِينَ : كَانَ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا ينزلُ اخْتِلَافُ مَقَادِيرِ الثَّوَابِ فِي الْأَحَادِيثِ ؛ فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا ثَوَابًا مُعَيَّنًا

وَنَجِدُ ذَلِكَ الذِّكْرَ بِعَيْنِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ ، كَمَا اتَّفَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ .

قُلْتُ [ أي الحافظ ابن حجر ] : إِذَا تَعَدَّدَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا الْجمع ، وَإِذا اتحدت : فَلَا ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ .

وَيحْتَمَلُ فِيمَا إِذَا تَعَدَّدَتْ أَيْضًا : أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِقْدَارُ بِالزَّمَانِ ، كَالتَّقْيِيدِ بِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، مَثَلًا ، وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ ؛ إِنْ لَمْ يُحْمَلِ الْمُطْلَقَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُقَيَّدِ "

انتهى من "فتح الباري" (11/ 205) .

وينظر : "سبل السلام" ، للصنعاني (2/ 703) .

وقد يقال : إن الجزاء بـ"عتق أربعة أنفس" : إنما ورد من في الحديث وحده دون غيره من ألوان الأجر التي ذكرت في الحديث الآخر .

وما يذكره الأخ السائل في سؤاله من إمكانية الحصول على أجر يعادل عتق خمسين نفسا بالتهليل مائة مرة : لا وجه له ، وهو يخالف صريح الحديث ، ولا هو يناسب طريقة الحساب .

راجع لمزيد الفائدة جواب السؤالين القادمين

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:17
مواضع استحباب قول لا إله إلا الله

السؤال

ما هي المواضع التي سن فيها قول لا إله إلا الله ؟ وجزاكم الله خير الجزاء .

الجواب

الحمد لله

كلمة التوحيد أعظم كلمة في الوجود ، لأجلها خُلقت الخليقةُ ، وأُرسلت الرسلُ ، وأُنزلت الكتبُ، وهي كلمة التقوى وأساس الملة وركن الإيمان

وهي العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا ، ومن مات عليها سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدين فوق ما يصفُه الواصفون ويعرفه العارفون .

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

( أَفْضَلُ الذِّكْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ )

رواه الترمذي (3383) وقال : حسن غريب . ورواه النسائي في " السنن الكبرى " (6/208) وبوب عليه بقوله: ( باب أفضل الذكر وأفضل الدعاء )

ورواه ابن حبان في صحيحه (3/126) وبوب عليه بقوله

: ذكر البيان بأن الحمد لله جل وعلا من أفضل الدعاء ، والتهليل له من أفضل الذكر. وحسنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/63) والشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".

يقول المباركفوري رحمه الله :

" لأنها كلمة التوحيد ، والتوحيد لا يماثله شيء ، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان ، ولأنها أجمع للقلب مع الله ، وأنفى للغير ، وأشد تزكية للنفس ، وتصفية للباطن ، وتنقية للخاطر من خبث النفس ، وأطرد للشيطان " انتهى.

" تحفة الأحوذي " (9/325)

ولذلك فالفائز من أهل الدنيا من يكثر من هذه الكلمة في كل زمان ومكان ، ولا يفتر لسانه ولا يكلُّ قلبه عن اللهج بها ، وتذكر معانيها ، واستحضار مقاصدها

وهي من الأذكار التي لم يرد تخصيص استحباب الذكر بها في مكان معين أو زمان ، بل جاءت مطلقة ليذهب المسلم في الذكر بها كل مذهب قريب وبعيد ، في حال شغله وفراغه

وعند نومه ويقظته ، وفي حال حله وترحاله ، في صلاته وقيامه وصيامه وحجه وعمرته ، في قعوده وقيامه ، ولو استطاع أن يأتي به مع كل نفس من أنفاسه فهو الرابح الفائز .

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" أفضل الأذكار التي لم يخصها الشارع بحال أو زمن القرآن ، وبعده التهليل لخبر : ( أفضل الذكر لا إله إلا الله ) " انتهى.

" الفتاوى الحديثية " (ص/109) .

ومع ذلك فقد وردت أحاديث عديدة في الحث على هذا الذكر في أحوال أو أوقات مخصوصة ، فمن ذلك :

1- بعد الوضوء : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) . رواه مسلم (234) من حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه .

2- إذا استيقظ من نومه ، أثناء الليل : ( مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ

وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ) . رواه البخاري (1154) من حديث عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه .

3- في أول النهار [ عند الصباح ] : ( مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ

عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) . رواه البخاري (3293) ومسلم (2691) ، واللفظ له ، من حديث أبي هريرة .

4- بعد السلام من الصلاة : ( كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ )

رواه البخاري (6330) ومسلم (593).

5- عند الكرب والضيق : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )

. رواه البخاري (6345) ومسلم (2730) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

6- يوم عرفة : ( أفضل ما قلت أنا و النبيون عشية عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، و هو على كل شيء قدير ) .

رواه الطبراني في فضل عشر ذي الحجة ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1503) .

وقد ورد ـ أيضا ـ الحث على الإكثار من قول لا إله إلا الله في بعض الأحاديث التي فيها ضعف ، ويحسنها بعض أهل العلم ؛ فمن ذلك :

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا ؟ قَالَ : أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )

" مسند أحمد " (2/359) وصححه الحاكم في " المستدرك " (4/285)، وحسنه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/342)، وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/896) .

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها ) .

رواه أبو يعلى في " المسند " (11/8) ، قال الحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية " (4/110) - : حسن غريب . وحسنه الشيخ الألباني في " السلسة الصحيحة " (رقم/467)

وقد جمع الأحاديث الواردة في فضائلها الإمام المنذري في كتابه " الترغيب والترهيب " (2/265-271)

وانظر: " فتح الباري " (11/207)، ورسالة بعنوان " كلمة الإخلاص وتحقيق معناها " للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله، وكتاب " فقه الأدعية والأذكار " (1/167-179)

ورسالة بعنوان: " معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع " لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

وهو بحث منشور في " مجلة البحوث الإسلامية " العدد (13)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:21
هل يجوز تقسيم الأذكار ذات الأعداد على الوقت كله ؟

السؤال

هل يصح تقسيم الأذكار بشكل عام وذِكر " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " بشكل خاص ؟ بمعنى : هل يؤجر الشخص كما ورد في حديث

أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت

عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ) ، إذا وزَّع – قطَّع - الذِّكر على مدى اليوم مثلا بعد الفجر 50 و 50

بعد العصر أو 20 بعد كل فريضة أو يجب المولاة ليحصل الأجر ؟

. الهدف ليس ابتداعاً ولكن محاولة للاستمرار على هذا الذِّكر ، حيث إنه في أغلب الأحيان الشخص منّا يأتي به 30 مرة ثم ينقطع لسبب ما

وسبحان الله ينسى أن يكمل ، فإذا وضع الشخص برنامجاً دائماً لهذا الذِّكر مثلا 20 مرة بعد كل فريضة علماً أنه ليس من أذكار الصلاة فيكون المجموع 100 مرة في اليوم ، للإيضاح :

المقصد هو المداومة والاستمرار بهذا الطريق ، وليس في بعض الأحيان . والله الموفق إلى سواء السبيل .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

ما يُطلق عليه " أذكار الصباح والمساء " يمكن أن يستغرق الإتيان بها وقت الذِّكر كله ، وهو طرفا النهار ، وليس شرطاً ما يفعله كثيرون من التزام تلك الأذكار في وقت واحد وفي جلسة واحدة

والأفضل في الأذكار التي في ثوابها الحفظ لقائلها أن يُعجَّل بها قبل غيرها ، وكلامنا هذا في الذكر الذي لم يأت بأعداد بل يقال مرة واحدة .

ثانياً:

والأعداد التي في الأذكار توقيفية لا يجوز لمن رغب بأجورها وثوابها أن يخالف في عددها وإلا وقع في المخالفة وحرم من أجورها .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :

واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة وإلا لكان يمكن أن يقال لهم أضيفوا لها التهليل ثلاثا وثلاثين ، وقد كان بعض العلماء يقول

: إن الاعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور : لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص ؛ لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد .

" فتح الباري " ( 2 / 330 ) .

ومن خالف هذا فأجاز الزيادة وأنه لا يُحرم الثواب فيُحمل قوله على أن الزائد لا يريد مخالفة الامتثال بل نيته في الزيادة الذِّكر المجرد بعد الامتثال لا بقصد تحصيل أجر أعظم

وكذا وجه الحافظ ابن حجر كلام شيخه العراقي في الموضع السابق .

ثالثاً:

وبخصوص عين السؤال : فيقال إن ما ورد في الأذكار التي تقال طرفي النهار يجوز أن تقسَّم على الصباح كله وعلى المساء كله ، من غير تخصيص عدد معيَّن بعد فعل معيَّن أو قبله

بل يوزع العدد على الوقت كله حسبما يتيسر له دون التزام لكيفية معينة ، والأفضل أن يأتي بالذِّكر الذي فيه عدد كاملاً في وقت واحد ؛ خشية النسيان أو الخطأ في العد

وأما من حيث الجواز فيجوز ولا يشترط الموالاة فيها . وهذا الذي ذكرناه هو ظاهر الحديث التالي :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) .

رواه البخاري ( 6042 ) ومسلم ( 2691 ) .

قال النووي – رحمه الله - :

وظاهر إطلاق الحديث أنه يُحَصِّل هذا الأجرَ المذكور فى هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة فى يومه ، سواء قاله متوالية أو متفرقة فى مجالس ، أو بعضها أول النهار وبعضها آخره

لكن الأفضل أن يأتى بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره .

" شرح مسلم " ( 17 / 17 ) .

وقال بدر الدين العيني – رحمه الله - :

قوله ( في يوم ) قال الطِّيبي : ( يوم ) مطلق لم يُعلم في أي وقت من أوقاته ، فلا يقيد بشيء منها .

" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 23 / 25 ) .

والخلاصة :

أن الأفضل أن يأتي الذاكر بالعدد المذكور متواليا ، فإن لم يتيسر له ، إتى به على ما استطاع ، من غير تقييد : لكل صلاة كذا ، ونحو ذلك ، بل كل ما تيسر له شيء أتى به .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:53
شرح حديث: ( مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ )

السؤال

أعتقد أنني قرأت في كتاب ما حديثا لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول فيه : "إنه لا يجد الشهيد من ألم الموت إلا قرصة كقرصة النملة .

فهل هذا صحيح ؟

وما معنى ذلك الحديث؟

الجواب

الحمد لله

روى الإمام أحمد (7953) ، والترمذي (1668) ، والنسائي (3161) ، وابن ماجة (2802) ، وابن حبان (4655) ، والبيهقي (18525)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ ) وصححه الترمذي ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " وغيره

وكذا صححه السيوطي ، وأحمد شاكر ، وغيرهم .

وله شاهد يرويه الطبراني في " المعجم الأوسط" (280) من حديث أَبِي قَتَادَةَ .

وشاهد آخر من حديث ابن عباس يرويه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (192).

وبوب له ابن حبان : " ذِكْرُ وَصْفِ مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ أَلَمِ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا " .

ومعنى الحديث : أن المجاهد في سبيل الله إذا أراد الله به الكرامة فقتل في سبيله شهيدا ، فإنه لا يجد من ألم القتل ومعالجة الموت إلا كما يجد أحدنا من ألم القرصة ، والقرص كما في "القاموس المحيط" (ص 626) :

" أخْذُكَ لَحْمَ الإِنْسَانِ بإصْبعَيْكَ حتى تُؤْلِمَهُ " .

وقيل : مثل عض النملة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" لا يجد الشهيد من الألم إلا مثل ألم القرصة، فليس في قتل الشهيد مصيبة زائدة على ما هو معتاد لبنى آدم ؛ فمن عد مصيبة هذا القتل أعظم من مصيبة الموت على الفراش : فهو جاهل

بل موت الشهيد من أيسر الميتات ، وأفضلها وأعلاها "

انتهى من "إغاثة اللهفان" (2/ 194) .

وقال المناوي رحمه الله :

" يعني أنه تعالى يهون عليه الموت ويكفيه سكراته وكربه ، بل رب شهيد يتلذذ ببذل نفسه في سبيل الله طيبة بها نفسه ؛ كقول خبيب الأنصاري حين قتل :

ولست أبالي حين أقتل مسلما ** علي أي شق كان لله مصرعي

انتهى من "فيض القدير" (4/ 182) .

وقال أيضا :

" وهذه تسلية لهم عن هذا الحادث العظيم والخطب الجسيم ، وتهييج الصبر على وقع السيوف واقتحام الحتوف "

انتهى من "فيض القدير" (4/ 182) .

وقال ابن علان رحمه الله :

" (ما يجد الشهيد من مس القتل) وألمه (إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة) أي: قرصة نحو النملة من كل مؤلم ألماً خفيفاً، سريع الانقضاء لا يعقب علة، ولا سقماً .

قال العاقولي: القرص الأخذ بأطراف الأصابع، وأدخل عليها أداة الحصر؛ دفعاً لما يتوهم أن ألمه أعظم من ألمها "

انتهى من "دليل الفالحين" (7/ 124) .

راجع لمعرفة فضل الشهادة في سبيل الله جواب السؤالين القادمين

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 16:54
الميزات الست للشهيد

السؤال

أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بخصال ست لمن يُقتل في سبيل الله (الشهيد)، فما هي تلك الخصال ؟.

الجواب

الحمد لله

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المقدام بن معْدي كرب أنه قال : " إن للشهيد عند الله سبع خصال : يُغفر له في أول دفعة ، ويُرى مقعده من الجنة

ويجار من فتنة القبر ، ويأمن يوم الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه "

وفي رواية أخرى " للشهيد عند الله ست خصال ، وفي رواية تسع خصال ، وفي رواية تسع خصال أو عشر خصال " . أخرجه الترمذي وقال حديث حسن . وابن ماجة في السنن ، وأحمد

وعبد الرزاق في المصنف ، والطبراني في الكبير ، وسعيد بن منصور في السنن .

الشيخ وليد الفريان

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 17:00
من مات شهيدا في سبيل الله يأمن سؤال القبر

السؤال

بعض المؤمنين ، من الذين قاموا بأعمال جليلة ، أو أصيبوا بمصائب كبيرة ، يأمنون فتنة القبر وعذابه ، ومن هؤلاء الشهيد : فقد روى المقدام بن معدي كرب

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ، ويرى مقعده في الجنة

ويجار من عذاب القبر ، ويأمن الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ،

ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقربائه ) رواه الترمذي وابن ماجه . وروى النسائي في سننه عن راشد بن سعد ، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

أن رجلا قال : يا رسول الله ! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟

قال : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) وسنده صحيح

. سؤالي هو : ما مدى صحة هذه الأحاديث ..؟؟

الجواب

الحمد لله

المقرر في عقائد المسلمين أن الأموات يُفتَنون – أي يُسألون ويُمتحنون – في قبورهم

فقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من أصحها وأظهرها قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي ، حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ

فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ . يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ فَيَقُولُ : هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا

هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا . فَيُقَالُ : نَمْ صَالِحًا ، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ . وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي ، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ ) رواه البخاري (86) ومسلم (905)

يقول الإمام السيوطي رحمه الله :

" أطبق العلماء على أن المراد بقوله : ( يُفتنون ) ، و ( بفتنة القبر ) سؤال الملكين : منكر ونكير ، والأحاديث صريحة فيه ، ولهذا سُمِّيَ ملكا السؤال " الفتَّانين " " انتهى.

"الحاوي للفتاوي" (2/175)

ولكن جاءت أحاديث أخرى تخصص هذا الحديث ، وتستثني من عموم الفتنة أناسا صدقوا الله في الدنيا ، فرفع الله عنهم فتنة القبر وسؤاله .

يقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" اعلم رحمك الله أن هذا الباب – يعني الذين يأمنون فتنة القبر - لا يعارض ما تقدم من الأبواب – يعني عموم فتنة القبر - ، بل يخصها

ويبين مَن يُسأل في قبره ولا يفتن فيه ممن يجري عليه السؤال ويقاسي تلك الأهوال ، وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس ، ولا مجال للنظر فيه

وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل للعباد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه إلى يوم التناد " انتهى.

"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/423)

ومن هؤلاء الذين يأمنون فتنة القبر : الشهيد .

دليله : ما رواه رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ ؟

قَالَ : ( كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً )

رواه النسائي (رقم/2053) ، وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/743)

وصححه الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/50)

ويدل على ذلك أيضا : الحديث الأول المذكور في السؤال : ( للشهيد عن الله ست خصال .. )

والحديث رواه الإمام أحمد (16730) والترمذي (1663) وابن ماجة (2799) . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب ، وصححه الألباني .

يقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" قوله صلى الله عليه وسلم في الشهيد : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة )، معناه : أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق ، كان إذا التقى الزحفان وبرقت السيوف : فروا

لأن من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك ، ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسا ، وهيجان حمية الله ، والتعصب له لإعلاء كلمته

فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره، حيث برز للحرب والقتل ، فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر ؟ قاله الحكيم الترمذي " انتهى.

"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/424).

ويقول المناوي رحمه الله :

" ( ببارقة السيوف ) أي : بلمعانها . قال الراغب : البارقة : لمعان السيف .

( على رأسه ) يعني : الشهيد .

( فتنة ) : فلا يفتن في قبره ، ولا يسأل ، إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين ، فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره

. وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة ، لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم " انتهى.

"فيض القدير" (5/6)

وسئل الحافظ ابن حجر الهيتمي رحمه الله السؤال الآتي :

هل يسأل الشهيد ؟

فأجاب :

" لا ، كما صرح به جماعة ، واستدل له القرطبي بخبر مسلم : ( هل يفتن الشهيد ؟

قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) ، قال : ومعناه أن السؤال في القبر إنما جعل لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق

وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه ، وإلا لفر للكفار . قال : وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أولى لأنه أجل قدرا .ووردت أحاديث أن المرابط لا يسأل أيضا

وكذا المطعون ، والصابر في بلد الطعن محتسبا ومات بغير الطاعون ، كما في بذل الماعون لشيخ الإسلام ابن حجر . والله تعالى أعلم " انتهى.

"الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/30).

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وأما الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله فإنهم لا يسألون ؛ لظهور صدق إيمانهم بجهادهم .

قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) التوبة/111، وقال : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) آل عمران/169.

وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) ، وإذا كان المرابط إذا مات أمن الفتان ؛ لظهور صدقه ؛ فهذا الذي قتل في المعركة مثله أو أولى منه

لأنه بذل وعرَّض رقبته لعدو الله؛ إعلاء لكلمة الله ، وانتصارا لدينه ، وهذا من أكبر الأدلة على صدق إيمانه " انتهى.

"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (8/477)

وقد جمع الإمام القرطبي

في "التذكرة لأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/415-426) طبعة دار المنهاج ، وكذلك العلامة ابن القيم في كتابه " الروح " (ص/79-82) الأسباب المنجية من عذاب القبر وفتنة القبر بالتفصيل .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 17:08
ما المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام : ( يقال لقارئ القرآن : اقرأ وارتق ورتل .. الحديث )؟

السؤال

ماذا يعني هذا الحديث ؟ قال رسول الله صلي اله عليه وسلم : ( يقال لقارئ القرآن : اقرأ ورتل وارتق كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "

. هل يعني ذلك الحديث أنني سأكون في أقل درجات الجنة منزلة ، بسبب أنني أعجمي ولا أستطيع قراءة القرآن ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

روى الترمذي (2914) وأبو داود (1464) واللفظ له ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ

: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) .

قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله : " ( يُقَالُ ) : أَيْ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّة ( لِصَاحِبِ الْقُرْآن ) : أَيْ مَنْ يُلَازِمُهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَمَل ، لَا مَنْ يَقْرَؤُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ ( اِقْرَأْ وَارْتَقِ ) :

أَيْ : إِلَى دَرَجَات الْجَنَّة أَوْ مَرَاتِب الْقُرَبِ ( وَرَتِّلْ ) : أَيْ لَا تَسْتَعْجِلْ فِي قِرَاءَتِك فِي الْجَنَّة ... ، ( كَمَا كُنْت تُرَتِّلُ ) : أَيْ : فِي قِرَاءَتِك ( فِي الدُّنْيَا ) .

وَيُؤْخَذ مِنْ الْحَدِيث : أَنَّهُ لَا يُنَالُ هَذَا الثَّوَاب الْأَعْظَم ، إِلَّا مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ ، وَأَتْقَنَ أَدَاءَهُ وَقِرَاءَتَهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ " انتهى بتصرف يسير من " عون المعبود شرح سنن أبي داود " (4/237) – ترقيم الشاملة - .

وقد سبق في جواب السؤال القادم الكلام على أن المقصود بالفضل الوارد في الحديث السابق ، إنما هو لحافظ القرآن العامل بما فيه ، فينظر في الإحالة للفائدة .

ثانياً :

الحديث السابق في فضل صاحب القرآن ، لا يعني أن من لم يحفظ القرآن سيكون في أقل درجات الجنة منزلة ، بل الحديث يدل على فضل خاص

لعمل خاص من الأعمال ، ولا يدل على أن الدرجات العالية لا ينالها إلا من حفظ القرآن ، أو قرأه ؛ فأكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا حفاظا لكتاب الله

حفظ القراءة والترتيل ، وإن كانوا حفاظا للعمل به ؛ فمن فاته هذا الأجر الخاص ، والفضيلة الخاصة ، كان بإمكانه أن يجتهد فيما يسره الله له من الفضائل

من صلاة وتهجد وقيام ، أو زكاة وصدقة ، أو صوم بالهواجر ، أو ملازمة لذكر الله ، أو قضاء لحوائج الناس ... أو ما شاء الله من أبواب الخير والهدى .

روى البخاري (3256) ومسلم (2831) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ : بَلَى

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ) .

وروى مسلم (251) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 17:15
هل يتذكر حافظ القرآن يوم القيامة ما نسيه من الآيات ؟

السؤال

يقول الله عز وجل : ( يوم يتذكر الإنسان ما سعى ) أعلم أن الإنسان سيتذكر يوم القيامة كل شيء كان يفعله في الدنيا بأمر الله عز وجل

ولكن ماذا عن الحافظ أو الحافظة للقرآن الكريم لو ماتا بدون مراجعة للقرآن ، وكان ناسيا لبعض الآيات أو الكلمات . وفي الحديث الذي رواه عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

: ( يقال لقارئ القرآن يوم القيامة : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأها ) .

سؤالي هو :

هل من الممكن أن يتذكر الحافظ للقرآن ما كان يحفظه في الدنيا من القرآن حتى لو مات بدون أن يراجعه أو كان ناسيا لبعضه ؟

السؤال الثاني :

الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ

وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهُ ) هل لكم أن توضحوا لي ؟ وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

أولا :

الآية الكريمة : ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى . يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ) النازعات/34-35، تتحدث عن تذكر الإنسان ما سعى

أي ما قدم وعمل في الدنيا من خير أو شر ، وما اكتسبه من الحسنات أو السيئات ، فإن هول موقف الحساب وعظمته يبعث في كل عامل ذكرى ما عمل ، فيمر في خاطره شريط أعماله سريعا

فيرجو أن يثيبه الله على الحسنات ، ويتجاوز عن السيئات والزلات ، فالآية تبين تذكر الإنسان عمله وما اكتسبه في الدنيا ، ولا علاقة لها بتذكر الإنسان ما نسيه من القرآن الكريم

فذلك خارج السياق الواضح ، ومراعاة السياق أحد أركان التفسير الصحيح .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ) أي : حينئذ يتذكر ابن آدم جميع عمله خيره وشره ، كما قال سبحانه : ( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) الفجر/23 "

انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (8/317)

ويقول العلامة السعدي رحمه الله :

" ( يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ مَا سَعَى ) في الدنيا من خير وشر ، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته ، ويغمه ويحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته

ويعلم إذ ذاك أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا ، وينقطع كل سبب ووصلة كانت في الدنيا سوى الأعمال "

انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/910)

وبهذا يتبين أنه لم يرد في الأدلة الشرعية ما يدل على تذكر المسلم ما نسيه من القرآن الكريم يوم القيامة

وقد بحثنا في كتب التفسير التي تعتني بذكر الأقوال المختلفة في تفسير الآيات ، كتفسير الماوردي وابن الجوزي فلم نجد في الآية قولا آخر مخالفا لما ذكرناه .

ثانيا :

من الأحاديث العظيمة الواردة في فضل صاحب القرآن حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُقَالُ - يَعْنِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ -: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا )

رواه الترمذي ( 2914 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي "

وقد قال أكثر العلماء إن المقصود بـ ( صاحب القرآن ) من تحقق فيه أمران : الحفظ ، والعمل ، وليس مجرد الحفظ بدون عمل ، ولا من يتقن التلاوة بغير حفظ .

*عبدالرحمن*
2018-10-22, 17:16
ثالثا :

أما الدليل على اشتراط الحفظ لتحصيل الفضيلة الواردة في الحديث فأمران مهمان :

1. لو كانت الفضيلة تلحق من يقرأ القرآن من المصحف لما تفاضل في ذلك أكثر الناس ، فإن القراءة من المصحف يقدر عليها كل أحد ، ولا يتفاضل فيها الناس – في الغالب

– إلا بحسن التجويد ، وتعليق مثل هذه الفضيلة بحسن التجويد بعيد ؛ لأن الحديث علق الفضل ( بالقراءة )، والمنزلة ترتفع بحسب ( آخر آية كنت تقرؤها )، وليس بحسب إتقان التجويد .

2. أن إطلاق (القارئ) على الحافظ كان معروفا مشهورا بحسب الاستعمال في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

( وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا ) ، كما ثبت في صحيح البخاري (4276) .

3. ثم إن حفظ القرآن الكريم فيه من المعاناة والمثابرة والتميز ما يتجه تعليق الفضل به دون القراءة المجردة ، خاصة وأن هذا الحفظ فرض كفاية على الأمة

فجدير أن يثاب حفاظ القرآن - الذين تحملوا عن أمتهم هذا الفرض – ذلك الثواب الجزيل .

ثم إن ظاهر الحديث أيضا يدل على أن الحافظ المتقن ليس كالحافظ غير المتقن ، فارتفاع الدرجات حيث تبلغ القراءة عن ظهر قلب ، وقراءة الحافظ المتقن ستزيد على قراءة الحافظ غير المتقن آيات وآيات

وما إتقانه إلا دليل على سهره بالليل ، وتعبه بالنهار ، وصبره في معاناة الحفظ ، وترديد الآيات والكلمات ، والميزان العدل يقضي أن يكون ثواب المتقن أعلى من ثواب غير المتقن ، وكلا وعد الله الحسنى .

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" الخبر المذكور خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب ، لا بمن يقرأ في المصحف ؛ لأن :

مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ، ولا يتفاوتون قلة وكثرة ، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب ، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم .

ومما يؤيد ذلك أيضا أن حفظ القرآن عن ظهر قلب فرض كفاية على الأمة ، ومجرد القراءة في المصحف من غير حفظ لا يسقط بها الطلب

فليس لها كبير فضل كفضل الحفظ ، فتعين أنه - أعني الحفظ عن ظهر قلب - هو المراد في الخبر ، وهذا ظاهر من لفظ الخبر بأدنى تأمل
.
وقول الملائكة له : ( اقرأ وارق ) صريح في حفظه عن ظهر قلب كما لا يخفى "

انتهى باختصار من " الفتاوى الحديثية " لابن حجر الهيتمي (ص/113)

ويقول العظيم أبادي رحمه الله :

" يؤخذ منه أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له "

انتهى باختصار من " عون المعبود " (4/237)

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله :

" اعلم أن المراد بقوله : ( صاحب القرآن ) حافظه عن ظهر قلب ، على حد قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. )، أي : أحفظهم ، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا

وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم ، ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن ، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى

وليس للدنيا والدرهم والدينار ، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قراؤها ) "

انتهى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (5/284)

رابعا :

أما دليل اشتراط العمل بالقرآن لتحصيل هذا الثواب الجزيل فظاهر أيضا ، فقد ورد الوعيد الشديد على من ترك العمل بالقرآن الكريم ، وذلك في حديث سمرة بن جندب الطويل

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا ، قَالَ : ( أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ ) رواه البخاري (1143)

يقول ابن بطال :

" ( يأخذ القرآن فيرفضه ) يعني : يترك حفظ حروفه والعمل بمعانيه ، فأما إذا ترك حفظ حروفه وعمل بمعانيه فليس برافض له "

انتهى من " شرح صحيح البخاري " (3/135)

وأما الحديث المذكور ، فقد ورد عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا )

رواه الترمذي (2916) وغيره جميعهم من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن ابن جريج ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أنس بن مالك به مرفوعا .

ولكنه حديث ضعيف باتفاق المحدثين ، فيه علل عدة ، كالكلام في عبد المجيد بن أبي رواد حيث تفرد به ، والانقطاع بين كل من ابن جريج والمطلب ، وبين المطلب وأنس بن مالك .

قال الترمذي رحمه الله :

" هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه ، قال محمد : ولا أعرف للمطلب بن عبد الله بن حنطب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

إلا قوله : حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم .

قال : وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن – هو الدارمي صاحب المسند - يقول : لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله : وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس " انتهى .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

" ليس هذا الحديث مما يحتج به لضعفه "

انتهى من " التمهيد " (14/136)

وقال الدارقطني رحمه الله :

" والحديث غير ثابت ؛ لأن ابن جريج لم يسمع من المطلب شيئا ، ويقال : كان يدلسه ، عن ابن أبي سبرة ، أو غيره من الضعفاء "

انتهى من " العلل " (12/171)

وقال النووي رحمه الله :

" إسناده فيه ضعف "

انتهى من " الخلاصة " (1/306)

وضعفه ابن حجر في " فتح الباري " (9/70)

والألباني في " ضعيف أبي داود – الأم " (1/164-167)

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 14:52
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


المقصود بكثرة السجود في حديث

:( فأعني على نفسك بكثرة السجود )

السؤال

قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أردت أن ترافقني في الجنة فأكثر من السجود )

كم هو القدر من الركعات الذي يحصل به مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث ، من يصلي مائة ركعة كل يوم هل تكفيه لتحصيل هذه الفضيلة ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الحديث المقصود في السؤال ثبت معناه – وليس لفظه - عن رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ : " كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ لِي : سَلْ

فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ : فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ) رواه مسلم في " صحيحه " (489) .

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" فيه الحث على كثرة السجود والترغيب به ، والمراد به السجود في الصلاة " .

انتهى من " شرح مسلم " (4/206) .

وقوله عليه الصلاة والسلام : ( بكثرة السجود ) يُفهم في إطار القاعدة التي تحكم كثيرا من الأحاديث النبوية الواردة في ترتيب الأجور على الأعمال ، أن من زاد

زاد الله في حسناته ، ومن نقص نال من الأجر بقدر ما عمل ، فمن يستكثر فالله عز وجل يعطيه أكثر وأكثر ، كما قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم

: ( إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ عليه الصلاة والسلام : اللَّهُ أَكْثَرُ ) رواه الترمذي رقم (3573) وقال : حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " برقم (550) .

ولهذا نقول للسائل هنا : كلما أكثرت من المحافظة على الصلوات الفرائض ، وأكثرت من النوافل في الليل والنهار ، كانت فرصتك في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم أكبر وأعظم

وكانت المرافقة في الجنة أطول وأشد ، ومن صلى ما تيسر له من التطوع والنافلة ، كان له من كرامة المرافقة ـ إن شاء الله ـ بقدر ذلك

إذ المرافقة نفسها درجات ، فمن الناس من يتنعم بصحبته عليه الصلاة والسلام التامة ، وملازمته في الجنة ، ومن الناس من يتنعم بلقاء أو رؤية بحسب أعماله الصالحة .

وهذا ما يفيده الحديث الثابت عن معدان بن أبي طلحة قال : " لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ - أَوْ قَالَ قُلْتُ

: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ - فَسَكَتَ ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

: عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ) رواه مسلم في " صحيحه " (488).

فانظر كيف كانت رفعة الدرجات مطردة بحسب الاستكثار من الصلوات بين يدي الله سبحانه وتعالى ، تماما كما يفيده قول الله عز وجل : (

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) النساء/69.

وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : ( وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ )

قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ) ، قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ " رواه البخاري (3688) ومسلم (2639) .

فرتب مرافقة الأنبياء والشهداء على طاعة الله ورسوله ، فكلما زادت الطاعات والمحبة لله ورسوله كان الجزاء زيادة في رفقة الصالحين ، وقربا من معية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وشدة ملازمة له .

وهكذا جميع الأعمال التي جزاؤها مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل كفالة اليتيم ، وعول البنات والقيام عليهن ، وحسن الخلق ، كما قال عليه الصلاة والسلام

: ( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ) رواه الترمذي (2018) وقال : حسن غريب .

وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". فهو حديث صريح في تفاوت القرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة بحسب تفاوت الأخلاق .

ويقول الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله :

" هذا يدل على أنه لا حد محدد للركعات التي يتطوع بها الإنسان من النوافل المطلقة في ليل أو نهار ، ما في حد محدد ، ( أعني على نفسك بكثرة السجود )، وكلما كان أكثر كانت الإجابة أقرب "

انتهى من " شرح المحرر في الحديث " (27/11) بترقيم الشاملة.

وكذلك كلما كانت السجدة ذات خشوع وخضوع وانكسار بين يدي الله ، كانت أعظم أجرا ، وأكثر قربا من الله عز وجل ، ومن تحقيق مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" إذا كانت إحدى السجدتين أفضل من الأخرى ، كان ما يرفع به من الدرجة أعظم ، وما يحط به عنه من الخطايا أعظم ، كما أن السجدة التي يكون فيها أعظم خشوعا وحضورا هي أفضل من غيرها

فكذلك السجدة الطويلة التي قنت فيها لربه هي أفضل من القصيرة ...

وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ: إنّ َمَا كَانَ أَكْثَرَ ، مَعَ قِصَرِهَا ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ أَيْضًا ، وَهُوَ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ ، كَصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ."

انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/78) .

وقد سبق الحديث عن استدلال بعض العلماء بهذا الحديث في المفاضلة بين السجود والقيام ، وأيهما أعظم أجرا

وذلك في جواب السؤال السابق

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 14:57
أيهما أفضل طول القيام أم الزيادة في عدد الركعات ؟

السؤال

أيهما أفضل طول القيام أم الزيادة في عدد الركعات ؟

الجواب

الحمد لله

اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فقد ذهب جمهور الحنفية , والمالكية - في قول - والشافعية , وهو وجه عند الحنابلة , إلى أن طول القيام أفضل من كثرة العدد

وذهب المالكية في الأظهر , وهو وجه عند الحنابلة : إلى أن الأفضل كثرة الركوع والسجود ، وللحنابلة وجه ثالث , وهو : أنهما سواء , لتعارض الأخبار في ذلك .

ومما استدل به من قال إن طول القيام أفضل :

حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : " إنْ كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلِّي حتى ترم قدماه - أو ساقاه - فيقال له ، فيقول : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) " .

رواه البخاري ( 1078 ) ومسلم ( 2819 ) .

ومما استدل به من قال : إن كثرة عدد الركعات أفضل :

حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) مسلم ( 482 ) .

ومما استدل به أهل القول الثالث ، وهو أنهما سواء :

عن حذيفة قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ، ثم افتتح النساء

فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربي العظيم

فكان ركوعه نحوا من قيامه ، ثم قال سمع الله لمن حمده ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى ، فكان سجوده قريباً من قيامه " رواه مسلم ( 772 ) .

ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية القول الثالث ، قال رحمه الله :

وقد تنازع الناس , هل الأفضل طول القيام ؟ أم كثرة الركوع والسجود ؟ أو كلاهما سواء ؟ على ثلاثة أقوال : أصحها أن كليهما سواء , فإن القيام اختص بالقراءة , وهي أفضل من الذكر والدعاء , والسجود نفسه أفضل من القيام ,

فينبغي أنه إذا طوَّل القيام أن يطيل الركوع والسجود , وهذا هو طول القنوت الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم لما " قيل له : أي الصلاة أفضل ؟

فقال : طول القنوت " رواه مسلم ( 756 ) ؛ فإن القنوت هو إدامة العبادة , سواء كان في حال القيام , أو الركوع أو السجود

, كما قال تعالى : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً ) ، فسمَّاه قانتاً في حال سجوده , كما سمَّاه قانتاً في حال قيامه " .

انتهى من " الفتاوى الكبرى " ( 2 / 121 ، 122 ) .

وقال :

" وقد تنازع العلماء : أيما أفضل : إطالة القيام ؟ أم تكثير الركوع والسجود ؟ أم هما سواء ؟ على ثلاثة أقوال : وهي ثلاث روايات عن أحمد ، وقد ثبت عنه في الصحيح " أي الصلاة أفضل ؟

قال : ( طول القنوت ) " ، وثبت عنه أنه قال : ( إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ; وحط عنك بها خطيئة ) رواه مسلم ( 488 ) ، وقال لربيعة بن كعب : ( أعنِّي على نفسك بكثرة السجود ) رواه مسلم ( 489 ) .

ومعلوم أن السجود في نفسه أفضل من القيام , ولكن ذكر القيام أفضل , وهو القراءة , وتحقيق الأمر : أن الأفضل في الصلاة أن تكون معتدلة

فإذا أطال القيام ، يطيل الركوع والسجود , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل , كما رواه حذيفة وغيره ، وهكذا كانت صلاته الفريضة , وصلاة الكسوف , وغيرهما : كانت صلاته معتدلة ,

فإن فضَّل مفضِّل إطالة القيام والركوع والسجود مع تقليل الركعات ، وتخفيف القيام والركوع والسجود مع تكثير الركعات : فهذان متقاربان

وقد يكون هذا أفضل في حال , كما أنه لما صلى الضحى يوم الفتح صلَّى ثماني ركعات يخففهن , ولم يقتصر على ركعتين طويلتين ، وكما فعل الصحابة في قيام رمضان لما شق على المأمومين إطالة القيام " .

انتهى " الفتاوى الكبرى " ( 2 / 252 )

وينظر أيضا تفصيلا مهما في "مجموع الفتاوى" (23/69-83) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:02
كيف استدار الصحابة في صلاتهم عندما بلغهم أن القبلة قد تغيرت ؟

السؤال

عندي إشكال بسيط وهو كنت في المدينة وزرت مسجد القبلتين ، وكان هناك أخ يشرح لنا كيف تحول الصحابة عندما بلغهم أن القبلة تحولت ، ومثل لنا طريقة استدارة الإمام وأنه شق صفوف المصلين واستداروا هم أيضاً

السؤال هو : بعد أن غير الإمام قبلته واستدار ، كيف كان وضع النساء بالخلف ؟

هل استداروا أيضاً أم أنهم قطعوا صلاتهم أم أنهم بقوا على وضعهم ؟

وهل أصلاً ثبت قصة صحيحة عن طريقة التحول للقبلة ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قصة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام ثبت أصلها في القرآن ، كما أنها ثبتت بشيء من التفصيل في السنة النبوية .

قال تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ

الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ

وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) سورة البقرة : 142 – 144 .

وروى البخاري (41) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ

وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ

فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ

وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ .

وروى مسلم (527) عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، فَنَزَلَتْ: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) البقرة/ 144

فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً ، فَنَادَى : أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ " .

وروى مسلم (526) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : " بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ

وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ " .

ثانياً :

أما كيفية تحول الصحابة رضي الله عنهم - الذين بلغهم أن القبلة قد تحولت - في أثناء الصلاة ، فكان ذلك : بأن استدار الإمام ومن معهم من المأمومين من مكانهم على شكل نصف دائرة

بحيث أصبح الإمام في مؤخرة المسجد من جهة الكعبة ، والرجال خلفه ، والنساء في مكان الرجل .

ولا يلزم من قوله : ( استداروا ) و ( مالوا ) في الأحاديث السابقة : أن يكون هناك شق للصفوف من قِبل الإمام ، بل يحتمل أن ما حصل هو مجرد استداره .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّة التَّحَوُّل فِي حَدِيث ثُوَيْلَة بِنْت أَسْلَمَ عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم ، وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضه قَرِيبًا وَقَالَتْ فِيهِ : "

فَتَحَوَّلَ النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء , فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْت الْحَرَام " .

قُلْت : وَتَصْوِيره أَنَّ الْإِمَام تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانه فِي مُقَدَّم الْمَسْجِد إِلَى مُؤَخَّر الْمَسْجِد ; لِأَنَّ مَنْ اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة اِسْتَدْبَرَ بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانه لَمْ يَكُنْ خَلْفه مَكَان يَسَع الصُّفُوف ,

وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَام تَحَوَّلَتْ الرِّجَال حَتَّى صَارُوا خَلْفه ، وَتَحَوَّلَتْ النِّسَاء حَتَّى صِرْنَ خَلْف الرِّجَال , وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاة ، فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَقَعَ قَبْل تَحْرِيم الْعَمَل الْكَثِير

كَمَا كَانَ قَبْل تَحْرِيم الْكَلَام , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اُغْتُفِرَ الْعَمَل الْمَذْكُور مِنْ أَجْل الْمَصْلَحَة الْمَذْكُورَة , أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَى عِنْد التَّحْوِيل بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَة ، وَاللَّهُ أَعْلَم "

انتهى من " فتح الباري " (1/506 – 507) – ترقيم الشاملة - .

وينظر : تفسير ابن كثير (1/167، 470) .

ثالثاً :

زيارة الأماكن أو المواضع السبعة كما يطلق عليها في المدنية النبوية ، بنية التعبد وتحصيل الأجر ، ليس بمشروع .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها ، فلا أصل لذلك ولا دليل عليه ، والمشروع للمؤمن دائما هو الإتباع دون الابتداع " .

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (6/321) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:07
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ )

السؤال

أرجو أن توضحوا معنى الحديث : ( لا غرار في الصلاة ولا تسليم ) ؟

الجواب

الحمد لله

روى أبو داود (928) والحاكم (927) والبيهقي (3411) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ ) .

وصححه الألباني في "الصحيحة" (318) .

قال أبو داود عقبه : " قَالَ أَحْمَدُ : يَعْنِي فِيمَا أَرَى أَنْ لَا تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلَّمَ عَلَيْكَ ، وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ " .

وروى الإمام أحمد (9622) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا إِغْرَارَ فِي الصَّلَاةِ ) فَقَالَ :

" إِنَّمَا هُوَ لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ ، وَمَعْنَى غِرَارٍ يَقُولُ : لَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ عَلَى الْيَقِينِ وَالْكَمَالِ "

وقال الماوردي رحمه الله :

" معناه : لا نقصان فيها ، وهو إذا بنى على اليقين فقد أزال النقصان منها "

انتهى من "الحاوى" (2 /488) .

وقال الخطابي رحمه الله :

" أصل الغرار نقصان لبن الناقة ، يقال غارت الناقة غراراً ، فهي مُغارّ : إذا نقص لبنها، فمعنى قوله : لا غرار ، أي : لا نقصان في التسليم ، ومعناه : أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا نقص فيه

مثل أن يقال السلام عليكم ورحمة الله ، فيقول عليكم السلام ورحمة الله ، ولا يقتصر على أن يقول السلام عليكم ، أو عليكم حسب .

وأما الغرار في الصلاة فهو على وجهين : أحدهما أن لا يتم ركوعه وسجوده ، والآخر ، أن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا ، فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين وينصرف بالشك

وقد جاءت السنة في رواية أبي سعيد الخدري أنه يطرح الشك ويبني على اليقين ويصلي ركعة رابعة حتى يعلم أنه قد أكملها أربعا "

انتهى من "معالم السنن" (1/219- 220) .

وقال النووي رحمه الله :

" وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ : لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ ، بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى تَفْسِيرِ أَحْمَدَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَا غِرَارَ فِي تَسْلِيمٍ وَلَا صَلَاةٍ

وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الْخَطَّابِيِّ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ تُبِيحُ السَّلَامَ عَلَى الْمُصَلِّي وَالرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ "

انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/ 104) .

وقال ابن الأثير رحمه الله :

" الغِرَارُ : النُّقصان ، وغِرَار النَّوم : قِلَّتُه .، ويُريد بغِرَار الصَّلاة : نُقْصانَ هَيْآتها وأركانِها . وغرَارُ التَّسليم : أن يقول المُجِيبُ : وعَلَيْك ، ولا يقول : السَّلام . وقيل : أراد بالغرار : النَّوْم ؛ أي ليْسَ في الصلاة نوم

و" التسليم " يُرْوَى بالنَّصْب والجِرّ فَمَنْ جَرَّه كان معطُوفا على الصلاة كما تقدم ، ومن نصب كان معطوفا على الغِرَار ويكون المعنى : لا نَقْصَ ولا تَسْليمَ في صلاة ، لأن الكلام في الصلاة بَغْير كلامها لا يجوز "

انتهى من "النهاية" (3 /661) .

فيتلخص لنا من كلام أهل العلم المتقدم أن قوله صلى الله عليه وسلم ( لا غرار في صلاة ) معناه : لا يخرج منها وهو شاك فيها ، بل يخرج وهو متيقن من تمامها ، فإن شك في النقصان

بنى على الأقل حتى يستيقن أنه لا نقص في صلاته ، وقد روى مسلم (571) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ

: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ

فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ) .

ومن الغرار فيها أن ينقص من ركوعها وسجودها وطمأنينتها ؛ لأن ذلك نقص فيها ، فعليه أن يطمئن فيها ويتم ركوعها وسجودها .

وبالجملة : عليه أن يأتي بصلاته على التمام بدون نقص بأي وجه من الوجوه .

وأما قوله : ( ولا تسليم ) فيُرْوَى بالنَّصْب والجِرّ ، فَمَنْ جَرَّه كان معطُوفا على الصلاة ، ويكون المعنى : لا نقص في السلام ؛ بل يوفي التحية حقها في الرد ، فإذا سلم عليه أخوه المسلم رد بأحسن مما سلم أو بمثله .

ومن نصبه كان معطوفا على الغِرَار ، ويكون المعنى : لا نَقْصَ ولا تَسْليمَ في صلاة ، فلا يسلم المصلى على أحد ولا يسلم عليه أحد ؛ لئلا يشغله في صلاته ، فإن سلم عليه أحد رد بالإشارة ، ولعل الوجه الأول أولى .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:17
ما هو المركب الهنيء الذي يُعدّ من سعادة المرء؟

السؤال

في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الهنيء . السؤال : ما معنى المركب الهنيء ؟

هل كان المقصود به في ذلك الوقت الخيل أم الجمل ؟ وما هو المركوب السيئ ؟

الجواب

الحمد لله

روى ابن حبان في صحيحه (4032) وأحمد في مسنده (1448) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع من السعادة : المرأة الصالحة

والمسكن الواسع ، والجار الصالح ، والمركب الهنيء ، وأربع من الشقاوة : الجار السوء ، والمرأة السوء ، والمسكن الضيق ، والمركب السوء ) وصححه الألباني في "الصحيحة" (282) .

وتقدم في السؤال القادم أن المقصود بالسعادة في الحديث سعادة الدنيا ، من راحة الأبدان وصلاح الحال ، والمقصود بالشقاوة فيه نكد الدنيا وتعبها وحصول التنغيص فيها .

والمقصود بالمركب الهنيء المركب السهل الذي تصل به إلى المكان الذي تريده بسهولة ويسر بلا تعب ولا مشقة

وقد تهيأ لك أثناء ركوبك إياه وسفرك به الوقت السانح لذكر الله ؛ لما أنعم الله به عليك من سهولته وطواعيته وانقياده .

بخلاف المركب السوء الذي يتعبك ويرهقك ، ولا تصل به إلى المكان الذي تريده إلا بالمشقة والتعب ، وربما تأخر بك عن ركب تريد اللحاق به ، وقد أضجرك وشغلك ببطئه أو جموحه ونفوره عن ذكر الله وتلاوة القرآن .

وقد رواه الحاكم (2684) ولفظه : ( ثلاث من السعادة وثلاث من الشقاوة : فمن السعادة : المرأة تراها تعجبك ، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك

والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك ، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق ، ومن الشقاوة : المرأة تراها فتسوءك ، وتحمل لسانها عليك

وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون قَطوفا فإن ضربتها أتعبتك ، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق ) .

وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1047) .

قال المناوي رحمه الله في " فيض القدير " (3/442) :

" (والدابة تكون وطيئة) أي هنية سريعة المشي سهلة الانقياد (فتلحقك بأصحابك) بلا تعب ولا مشقة في الإحثاث ...

(والدابة تكون قطوفا) القطوف من الدواب البطيء (فإن ضربتها) لتسرع بك ( أتعبتك ، وإن تركتها ) تمشي بغير ضرب ( لم تلحقك بأصحابك) أي رفقتك بل تقطعك عنهم " انتهى .

وقال أيضا :

" (والمركب الهنيء) أي الدابة السريعة السير غير الجموح والنفور ، والخشنة المشي التي يخاف منها السقوط وانزعاج الأعضاء وتشويش البدن "

انتهى من " فيض القدير" ( 3 /399 ) .

وقال الطحاوي رحمه الله :

" ( الْمَرْكَبِ الْهَنِيءِ ) يَكُونَ ذلك بِرَفْعِ الشُّغْلِ عن قَلْبِهِ وَيَكُونَ في رُكُوبِهِ على أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا مُتَشَاغِلاً بِذِكْرِ رَبِّهِ عز وجل ، وَإِمَّا غير مَشْغُولِ الْقَلْبِ بِمَا يُؤْذِيهِ من مَرْكَبِهِ " .

انتهى من " شرح مشكل الاثار " ( 7 /212 ) .

فكان المقصود بالمركب في الحديث أولا كل ما يُركب من الدواب ، كالخيل والبغال والحمير والجمال ، ويدخل معهم أيضا السفن

قال تعالى : ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/ 8

وقال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) إبراهيم/ 32 .

أما اليوم فهو يشمل ذلك أيضا ، كما يشمل ما قام مقامه من السيارات ونحوها من المراكب الحديثة .

ولذلك يُشرع عند ركوبها أن يقول الإنسان ذكر ركوب الدابة ، وإذا كان الله تعالى قد امتن على عباده بالخيل والبغال والحمير ، فمنّته بهذه المركبات الحديثة أعظم وأولى بالشكر .

فحكم الكل سواء .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:21
البيت الواسع من سعادة المسلم

السؤال

هل ضيق البيت من شقاوة المسلم ؟

الجواب

الحمد لله

سعة البيت من سعادة المسلم ، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد (15409)

عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ : الْجَارُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3029) .

وروى الحاكم وأبو نعيم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع من السعادة : المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والجار الصالح

والمركب الهنيء . وأربع من الشقاء : المرأة السوء ، والجار السوء ، والمركب السوء ، والمسكن الضيق ) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (887) .

والمراد أن هذا من سعادة الدنيا ، لا سعادة الدين ، والسعادة مطلقة ومقيدة ، فالسعادة المطلقة هي السعادة في الدارين ، الدنيا والآخرة ، والسعادة المقيدة تكون حسب ما قيدت به .

فمن رزق الصلاح في الأشياء المذكورة طاب عيشه ، وسعد ببقائه ، لأن هذه الأمور مما يريح الأبدان والقلوب ، ويجعل الحياة مريحة أكثر .

والمراد بالشقاوة هنا : التعب ، كما في قوله تعالى : (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) طه/117 . أي : فتتعب .

ومن ابتلي بالمرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء تعب في أكثر أوقاته ، فإن ضيق الدار يضيق الصدر ، ويجلب الهم ، ويشغل البال .

ويشرع للإنسان أن يسأل ربه السعة في المسكن ، لما روى الترمذي (3500) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دعا في ليلة وقال :

(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1265) .

نسأل الله تعالى أن يرزقنا السعادة في الدارين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:25
شرح حديث : " السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه .."

السؤال

أريد شرح هذا الحديث : ( إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر

ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ) . ما معنى: ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه .

الجواب

الحمد لله

روى الإمام أحمد (15567) والدارمي (78) والطبراني في "المعجم الكبير" (871) والحاكم (4383) عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ

فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي ) ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ ؛ لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ

مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللَّهُ مِنْهُ ، أَقْبَلَت الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى ) قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ

فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ ) ، قَالَ : قُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ

قَالَ : ( لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ ) ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ ".

وفي إسناد الحديث ضعف

. ينظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (6447)

وينظر أيضا : " مسند أحمد " ، ط الرسالة (25/376-378) .

وقوله ( لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ) يعني : هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم ومن كرامة الله ، في وقت توافدت على الناس فيه الفتن كقطع الليل المظلم

فلو تعلمون ما نجاكم الله منه من تلك الفتن ، مع ما أصبحتم فيه من نعمة الله : لعلمتم عظيم فضل الله عليكم

واصطفاءه إياكم ؛ حيث أصبحتم بفضله في هذا النعيم ، في حين أصبح الناس والفتن تقبل عليهم كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها .

وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه : ( لِيَهْنَ لكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ) رواه مسلم (810) وأبو داود .
قال العيني رحمه الله :

" ليَهْنِ ": من هَنُؤ الطعام يَهنؤ هَناءةً، أي: صَار هنيئًا "

انتهى من "شرح أبي داود" (5 /376) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:31
الكلام على حديث ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) .

السؤال

روى ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة

. أرجو شرح هذا الحديث ؟

وما المقصود بكلمة حديث حسن ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

روى ابن ماجة (4250) والطبراني في " المعجم الكبير " (10281) وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (4/210) والبيهقي في " السنن " (20561) من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) ورجاله ثقات ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، فهو منقطع ، راجع "التهذيب" (5/65) .

لكنه ثابت لما له من الشواهد ، ومن ثَمّ حسنه من حسنه من العلماء ، وصححه من صححه منهم .

قال الحافظ في الفتح (13/471) : " سنده حسن " .

وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية " (1/ 87): رجاله كلهم ثقات "

وقال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص249):

" رجاله ثقات ، بل حسنه شيخنا يعني لشواهده " .

وحسنه السيوطي في " الجامع الصغير " (3386) ، وكذا الألباني في "صحيح الجامع" (3008)، وصححه ابن باز في " مجموع الفتاوى " (10/314) .

وله شاهد من حديث عائشة رواه البيهقي (6640) وإسناده ضعيف .

وله شاهد آخر من حديث ابن عباس عند البيهقي في الشعب (6780) وإسناده واه .

وشاهد رابع من حديث أبي سعد الأنصاري عند أبي نعيم في الحلية (13/398) والطبراني في " الكبير " (775) وإسناده ضعيف .

ثانيا :

ورد الحديث في بعض طرقه ببعض الزيادات الضعيفة ، فمن ذلك رواية ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب ) فهذه الزيادة ضعيفة .

راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (615) .

وكذا رواية ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه ، ومن آذى مسلما كان عليه من الأثم مثل منابت النخل ) فهذه الزيادة ضعيفة أيضا .

راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (616) .

وكذا رواية ( الموت غنيمة ، والمعصية مصيبة ، والفقر راحة ، والغنى عقوبة ، والعقل هدية من الله ، والجهل ضلالة ، والظلم ندامة

والطاعة قرة العين ، والبكاء من خشية الله النجاة من النار ، والضحك هلاك البدن ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ). فهذه الزيادة منكرة .

راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (6526) .

أما رواية ( الندم توبة ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ) فرواية ثابتة .

راجع "صحيح الجامع الصغير" (6803) .

ثالثا :

معنى الحديث : أن العبد إذا أذنب ذنبا ثم تاب منه توبة نصوحا وأقلع عنه وندم واستغفر ولم يعد إليه تاب الله عليه ، وعامله معاملة من لم يذنب

بل وبدل سيئاته حسنات وأحبه وجعله من عباده المتقين ؛ لأنه إنما تاب إلى ربه وأناب لمحبته لله وحرصه على رضاه وخوفه منه ، وتلك صفات المتقين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته " .

انتهى من "شرح العمدة" (4/39) .

وقال أيضا :

" التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ؛ فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ

فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ: كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (33/ 35) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ؛ فَمَنْ لَقِيَهُ تَائِبًا تَوْبَةً نَصُوحًا لَمْ يُعَذِّبْهُ مِمَّا تَابَ مِنْهُ ، وَهَكَذَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إذَا تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ

فَإِذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ لَمْ تُسْقِطْ تَوْبَتُهُ عَنْهُ الْحَدَّ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ حُدُودِ اللَّهِ "

انتهى من "إعلام الموقعين" (3/ 115) .

وقال أيضا :

" وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَى، أَنَّهُ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ تَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزُّمَر/ 53 .

فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ ، وَلَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِينَ خَاصَّةً "

انتهى من "الجواب الكافي" (ص: 165) .

وقال أيضا :

" فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا محي أثر الذنب بالتوبة صار وجوده كعدمه فكأَنه لم يكن "

انتهى من "طريق الهجرتين" (ص: 231) .

وقال القاري رحمه الله :

" اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُعْتَبَرَةِ ، فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَتَرَتُّبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَيْهَا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) الشورى/ 25 ، وَلَا يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي إِخْبَارِهِ وَوعْدِهِ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1637) .

ثالثا :

وراجع للفائدة إجابة السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:37
ما هي " اللمم " ؟

وما حكم تكرر وقوعها من المسلم العاصي ؟

السؤال

قال الله تعالى : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) .

عرفت أن اللمم هو صغائر الذنوب ، مثل النظرة والقبلة واللمسة ، وهذه الذنوب يغفرها الله ما اجتنبت الكبائر .

وسؤالي هو : هل معنى ذلك أنه لا يعاقَب العبد على فعل هذه الذنوب حتى في الدنيا إذا تاب منها ثم رجع لها مرة أخرى وهكذا يتوب ويرجع لا يجد العبد أي عقاب من الله على فعل هذه الذنوب ؟.

الجواب

الحمد لله

هذه الآية الكريمة في سورة النجم ، وهي تذكر صفات المحسنين الذين هم أهل الجنة

قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم/31، 32 .

وقد اختلف المفسرون والأئمة في معنى اللمم على أقوال ، منها :

1- روي عن جماعة من السلف : أنه الإلمام بالذنب مرة ، ثم لا يعود إليه ، وإن كان كبيراً ، قال البغوي : هذا قول أبي هريرة ، ومجاهد ، والحسن ، ورواية عن ابن عباس .

2- وقال سعيد بن المسيب : هو ما ألم بالقلب . أي ما خطر عليه .

3- وقال الحسين بن الفضل : "اللمم" : النظر من غير تعمد ، فهو مغفور ، فإن أعاد اللمم : فليس بلمم ، وهو ذنب .

4- وذهبت طائفة إلى أن "اللمم" : ما فعلوه في الجاهلية قبل إسلامهم ، فالله لا يؤاخذهم به ، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : أنتم بالأمس كنتم تعملون معنا ، فأنزل الله هذه الآية ، وهذا قول زيد بن ثابت ، وزيد بن أسلم .

5- وذهب جمهور العلماء إلى أن "اللمم" هو صغائر الذنوب .

روى البخاري (6243) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا

أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .

قَالَ الرَّاغِب : اللَّمَم مُقَارَفَة الْمَعْصِيَة ، وَيُعَبَّر بِهِ عَنْ الصَّغِيرَة .

وقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِاللَّمَمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ ) وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ . وَقَالَ فِي الآيَة الأُخْرَى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )

فَيُؤْخَذ مِنْ الآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَم مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر اهـ .

وذكر النووي رحمه الله كلام الخطابي ثم قال :

" هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِير اللَّمَم , وَقِيلَ : أَنْ يُلِمّ بِالشَّيْءِ وَلا يَفْعَلهُ , وَقِيلَ : الْمَيْل إِلَى الذَّنْب . وَلا يُصِرّ عَلَيْهِ , وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ . وَأَصْل اللَّمَم وَالإِلْمَام الْمَيْل إِلَى الشَّيْء وَطَلَبَهُ مِنْ غَيْر مُدَاوَمَة . وَاَللَّه أَعْلَم " اهـ .

قال الحافظ :

وَمُحَصَّل كَلَام اِبْن عَبَّاس تَخْصِيصه بِبَعْضِهَا ( يعني : تخصيص اللمم ببعض الذنوب الصغار) , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة اللَّمَم أَوْ فِي حُكْم اللَّمَم اهـ .

وروى الترمذي (3284) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ ) . قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا) . صححه الألباني في صحيح الترمذي .

قال في تحفة الأحوذي :

اخْتَلَفَت أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ . . وَهو الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ اهـ .

وقال القرطبي رحمه الله :

‏"إلا اللمم" وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه اهـ .

وقال ابن جرير :

" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال "إلا" بمعنى الاستثناء المنقطع، ووجه معنى الكلام (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) بما دون كبائر الإثم

ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فإن ذلك معفو لهم عنه

وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) النساء/31

. فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر ، العفو عما دونها من السيئات ، وهو اللمم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لعينان تزنيان ، واليدان تزنيان

والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه) وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج ، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه ، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه " اهـ

وقد ورد في السنة الصحيحة إطلاق اللمم على من يعمل الذنوب المرة ونحوها ، ولم يداوم على ذلك .

وهو موافق لمعنى اللمم في اللغة .

ففي حديث الإفك :

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّه ) رواه البخاري (2661) ومسلم (2770) .

قال النووي : مَعْنَاهُ : إِنْ كُنْت فَعَلْت ذَنْبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لَك بِعَادَةٍ , وَهَذَا أَصْل اللَّمَم اهـ .

وقد جمع السعدي رحمه الله في تفسيره بين المعنيين ، فقال (ص 976) :

" (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ) أي : يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب ، ويتركون المحرمات الكبار من الزنا وشرب الخمر

وأكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة (إِلا اللَّمَمَ) وهو الذنوب الصغار التي لا يصر صاحبها عليها ، أو التي يُلِم العبد بها المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة

فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجاً للعبد من أن يكون من المحسنين ، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء

ولهذا قال : ( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد ، ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض ، ولما ترك على ظهرها من دابة

ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) " اهـ .

وليس معنى الآية الإذن لهم في ارتكاب (اللمم) وهي الصغائر ، بل المعنى : أنهم يجتنبون الكبائر ، ثم ما وقع منهم من الصغائر - على سبيل الزلة والخطأ - فإنه يقع مغفوراً لهم باجتنابهم الكبائر .

*عبدالرحمن*
2018-10-26, 15:38
ثانياً :

إذا تاب العبد من ذنوبه ، فإنها تغفر له ، ولا يعاقب عليها ، لا في الدنيا ولا في الآخرة . ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ ) رواه ابن ماجه (4250)

. قال الحافظ : سنده حسن . وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

قال النووي :

أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث . وَلِلتَّوْبَةِ ثَلاثَة أَرْكَان : أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة ، وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا ، وَيَعْزِم أَنْ لا يَعُود إِلَيْهَا .

فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته ، وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته . هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ اهـ .

وقال أيضاً :

لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْب مِائَة مَرَّة أَوْ أَلْف مَرَّة أَوْ أَكْثَر , وَتَابَ فِي كُلّ مَرَّة , قُبِلَتْ تَوْبَته , وَسَقَطَتْ ذُنُوبه , وَلَوْ تَابَ عَنْ الْجَمِيع تَوْبَة وَاحِدَة بَعْد جَمِيعهَا صَحَّتْ تَوْبَته اهـ .

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا

فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ . ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ

فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ .

وفي رواية : (قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ) .

قال النووي رحمه الله :

قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبه : ( اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك ) مَعْنَاهُ : مَا دُمْت تُذْنِب ثُمَّ تَتُوب غَفَرْت لَك اهـ .

وعلى كل حال : فرحمة الله واسعة وفضله عظيم ، ومن تاب : تاب الله عليه ، ولا ينبغي للمسلم أن يتجرأ على المعصية فقد لا يوفق للتوبة

وما ذُكر في الحديث فهو لبيان سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله على عباده لا ليتجرأ الناس على ارتكاب المعاصي .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 12:53
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


يسأل : لماذا غُفر للعبد في حديث ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) مع أنه إنما جاء لحاجة؟

السؤال

هل بالإمكان أن تشرحوا لي لماذا غُفر لذاك الرجل الذي ورد ذكره في حديث اجتماع الملائكة في حلق العلم ، رغم أن نيته لم تكن صحيحة ؟

هل هذا استثناء من القاعدة العامة ، إنما الأعمال بالنيات..؟

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (6408) ومسلم (2689) - واللفظ له –

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا ، يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ

وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ ، مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ ، يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيُهَلِّلُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ، وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟

قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا : لَا ، أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ ، قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ . قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي ؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ . قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا : لَا

قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا ، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا . قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ .

فَيَقُولُ : وَلَهُ غَفَرْتُ ، هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ) .

وفي رواية البخاري : ( قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ : فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" فِي الْحَدِيث فَضْل مَجَالِس الذِّكْر وَالذَّاكِرِينَ , وَفَضْل الِاجْتِمَاع عَلَى ذَلِكَ , وَأَنَّ جَلِيسهمْ يَنْدَرِج مَعَهُمْ فِي جَمِيع مَا يَتَفَضَّل اللَّه تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ إِكْرَامًا لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُشَارِكهُمْ فِي أَصْل الذِّكْر " انتهى .

أما لماذا غفر الله لهذا العبد الخطّاء الذي جاء لحاجة لم يجيء للذكر والاستغفار ؟ فليُعلم أن الله تعالى واسع المغفرة يختص برحمته على من يشاء ، ولا يُسأل عما يفعل سبحانه .

وقد أخبر سبحانه عن نفسه أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، ويرزق من يشاء ، ويزكي من يشاء

ويتوب على من يشاء ، ويصيب بفضله من يشاء ، ويدخل في رحمته من يشاء ، وأنه سبحانه واسع المغفرة ، وأن رحمته وسعت كل شيء .

وقد روى البخاري (2268) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟

فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ

فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا : مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً ؟ قَالَ : هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ ؟ قَالُوا لَا ، قَالَ : فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ ) .

وهذا الحديث يدل على واسع رحمة الله وعظيم جوده وكرمه وإحسانه وبره ولطفه بعبده المسيء ، وأنه يهب المسيئين للمحسنين ؛ ذلك بأن رحمته تغلب غضبه ، وعفوه يسبق عقوبته .

يضاف إلى ذلك أن الله عز وجل أعلم بعباده ، وأخبر بمن يستحق العفو منهم ممن لا يستحقه ، فجائز أن يكون لهذا الرجل سابقة خير عامله الله بلطفه بها

وجائز أن يكون الله قد علم من قلبه تشوفه للتوبة وقربه منها ، وجائز أن يكون الله قد تفضل عليه بما تفضل به كرامة لهؤلاء الذاكرين ، وبيانا لشرف الذكر وشرف مجالسه وفضله وفضل أهله .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" صحبة الأخيار ومجالستهم من أسباب العفو عن المسيء المسلم ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ، ولكن لا يجوز للمسلم أن يعتمد على مثل هذه الأمور لتكفير سيئاته

بل يجب عليه أن يلزم التوبة دائما من سائر الذنوب ، وأن يحاسب نفسه ويجاهدها في الله ، حتى يؤدي ما أوجب الله عليه ، ويحذر ما حرم الله عليه ، ويرجو مع ذلك من الله سبحانه العفو والغفران "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (6 /346) .

وخصه بهذا التفضل بمقتضى حكمته وعلمه سبحانه ، وهو الحكيم العليم

وقد قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/ 53 .

قال ابن القيم رحمه الله :

" أَيْ: هُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَشْكُرُهُ عَلَى نِعْمَتِهِ ، فَيَخْتَصُّهُ بِفَضْلِهِ وَيَمُنُّ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يَشْكُرُهُ ، فَلَيْسَ كُلُّ مَحَلٍّ يَصْلُحُ لِشُكْرِهِ ، وَاحْتِمَالِ مِنَّتِهِ ، وَالتَّخْصِيصِ بِكَرَامَتِهِ .

فَذَوَاتُ مَا اخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَشْخَاصِ وَغَيْرِهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صِفَاتٍ وَأُمُورٍ قَائِمَةٍ بِهَا لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا، وَلِأَجْلِهَا اصْطَفَاهَا اللَّهُ

وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي فَضَّلَهَا بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَخَصَّهَا بِالِاخْتِيَارِ، فَهَذَا خَلْقُهُ، وَهَذَا اخْتِيَارُهُ ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) .

" انتهى من "زاد المعاد" (1/ 53) .

ولا علاقة لهذا الخبر بحديث ( الأعمال بالنيات ) ؛ فإن ذلك محض تفضل الله على عبده وكرامته لأوليائه الذاكرين ، فإن الله تعالى لم يحاسبه على عمله الذي عمله

ولم يعطه أجر هذا الجلوس الذي جلسه من غير نية الطاعة ، إنما أعطاه ذلك تفضلا منه وكرما ورحمة وبرا ، ولا حجر على فضل الله وعطائه سبحانه ؛ فكما أعطى أهل الذكر لأجل ذكرهم

وهذا جالس معهم ، جبره الله تعالى ، وأكرمه لأجل مجلس الذكر الذي شارك أهله فيه ، وهكذا شأن الكرم والبر والرحمة ، من رب العالمين ، جل جلاله .

والقطع بأن نية هذا العبد كانت غير صحيحة غير صحيح ؛ لأن معرفة النوايا وما انطوت عليه النفوس مرد علمه إلى الله وحده

ولعل الرجل كان قد جاء لحاجة ثم ألقى الله على قلبه بعد ذلك التوبة والإنابة ، وانتفع بهذا المجلس الذي لم يجيء من أجله .

راجع للفائدة جواب السؤال القادم

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 13:00
تلقين أذكار الصباح لأولاده هل يعد من الذكر الجماعي ؟ وهل يشرع بعده دعاء كفارة المجلس؟

السؤال

عندي أبناء من زوج أعجمية تتراوح أعمارهم ما بين السن الرابعة والثانية عشرة، نقيم في دولة غير إسلامية. نحاول أن نحرص على الأذكار الصباحية والمسائية جماعة: أعني أنا أتلفظ بالأذكار جهرا

وهم يتابعونني فيها سرا، أعني نقولها في نفس الوقت. وهذا لأسباب منها: لتعودهم على اللسان العربي ولتسهيل حفظها، ومن جهة أخرى لمراقبتهم خاصة وأن الصغار معروفون بكثرة الحركة

والجلسة تستغرق ما يقرب عن خمسة عشرة دقيقة. هل عملنا هذا (الذكر الجماعي) يعد من البدع؟ في حالة مشروعية هذا العمل هل يمكن أن نحصل به كذلك على أجر مجالس الذكر لو أتينا بالنيتين معا؟

كما أننا نختم الجلسة كذلك بكفارة المجلس والتي نداوم على قولها مع اعتقادنا أنها ليست من الأذكار الصباحية والمسائية، وهل هذه الزيادة تعتبر بدعة؟

وأخيرا، من بين الأذكار التي نقولها ما جاء معناها في الحديث: "من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي" ، وقد تبين لي أن الحديث ضعيف

. هل فهمي هذا في محله، وما علينا إلا أن نترك هذا الحديث جانبا ولا نعمل به في الأذكار الصباحية والمسائية، وجزاكم الله خيرا على عملكم هذا للإسلام وللمسلمين، ونفعكم ونفع بكم.

الجواب

الحمد لله

أولا :

نسأل الله تعالى أن يوفقك ويعينك على تربية أبنائك ، وقد أحسنت في حرصك واجتهادك لتعليمهم أذكار الصباح والمساء ، ولا حرج فيما تصنعه من النطق بالأذكار جهرا ونطقهم بها معك سرا

وليس هذا من الذكر الجماعي المبتدع الذي يكون على صوت واحد جهرا ، على أن مقام التعليم يغتفر فيه هذا أيضا ، فلو ردد المتعلم ما يقوله معلمه معه جهرا ، فلا حرج عليه حتى يتمكن من الأداء بنفسه .

ثانيا :

فضل مجالس الذكر يحصل لكل جماعة قعدوا يذكرون الله تعالى ، سواء اجتمعوا على سماع ذكر من أحدهم ، أو انشغل كل منهم بذكره الخاص ، ويدخل في الذكر : قراءة القرآن ، ودروس العلم والفقه .

وعليه فجلوسكم لقول أذكار الصباح والمساء هو من الاجتماع على الذكر الذي يرجى به الأجر الوارد في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا ، يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ

فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ

قَالَ : فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ ـ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ ، يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيُهَلِّلُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ، وَيَسْأَلُونَكَ

قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا : لَا ، أَيْ رَبِّ . قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ . قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي ؟

قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ . قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا ، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا

. قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ . فَيَقُولُ : وَلَهُ غَفَرْتُ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) رواه البخاري (6408) ومسلم (2689) واللفظ له .

ثالثا :

دعاء كفارة المجلس مشروع في ختام المجلس أي مجلس ، ولو كان مجلس ذكر ؛ لما روى النسائي (1344) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ فَسَأَلَتْهُ

عَائِشَةُ عَنْ الْكَلِمَاتِ فَقَالَ : ( إِنْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) وصححه الألباني في صحيح النسائي .

رابعا :

الحديث الوارد في الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم عشرا في الصباح وفي المساء ، حديث ضعيف

هذا الحديث مروي عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا

وحين يمسي عشرًا ، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني – كما عزاه إليه العلماء الذين نقلوا هذا الحديث ، ولكنا لم نقف عليه في المطبوع من معجم الطبراني

لأن أحاديث أبي الدرداء ، لم تطبع بعد في "المعجم الكبير" للطبراني .

وقد نقل الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه

" جلاء الأفهام " (ص/63) إسناد الطبراني لهذا الحديث أنه قال : حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي ، حدثنا محمد بن علي بن ميمون

حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال : سمعت خالد بن معدان ، يحدث عن أبي الدرداء به .

وفي هذا الإسناد عدة علل ، منها :

1- خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء .

انظر: " جامع التحصيل " (ص/171) .

2- إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني : لم ينقل عن أحد فيه توثيق ولا تجريح

. ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري (1/323)

"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/127) .

3- بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع ، غير أن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر في "السلسلة الضعيفة" (5788) أنه صرح بالتحديث في رواية أخرى ، وأن السند إليه صحيح .

وقد ضعف هذا الحديث الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/441) ، والسخاوي في "القول البديع" (179) ، والشيخ مقبل الوادعي في " الشفاعة " (ص/270) .

وعليه فلا يشرع التقيد بالصلاة عشرا في هذا الموضع ، وإنما يُصلى عليه صلى الله عليه وسلم صلاة مطلقة بدون تحديد عدد معين ؛ إذ الصلاة المطلقة مشروعة في كل وقت ، وهي من أسباب قبول الدعاء ، فتقال قبل الدعاء وبعده .

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 13:04
حديث ( من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) لا يعني منع الفقير من الزواج .

السؤال

في المملكة المتحدة البريطانية هناك الكثير من الطلاب الذين يعملون ؛ لتجنب الوقوع في الحرام لأنهم يريدون النكاح ، وقد قرأت حديثين يبدوان متناقضين .

الأول : فيه : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) .

والآخر : " أن النبي زوج امرأة لرجل فقير " . فالحديث الأول وفق ما أرى يقول بأن الرجل يجب أن يكون مستعدا ماليا لينفق على زوجته ، والثاني يقول بإنه زوج فقيرا لا يملك مالا.

هل الحديثان متناقضان أم أنني أسيء الفهم ؟

الجواب

الحمد لله

أما الحديث الأول ، فرواه البخاري (5066) ومسلم (1400) عن ابن مسعود قَالَ : " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .

وأما الحديث الثاني ، فرواه البخاري (5030) ومسلم (1425) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي

فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا

فَقَالَ : ( هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ) ؟ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا ؟ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا

قَالَ : ( انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ) ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ

ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : ( مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ؟) قَالَ : مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا – عَدَّهَا

قَالَ : ( أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ ؟ ) قَالَ نَعَمْ ، قَالَ : ( اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ).

والحديثان ليسا بمتناقضين بحمد الله ، وإنما جاء كل منهما لمورد يخصه ؛ فحديث ابن مسعود خطاب لعموم الشباب وعموم الراغبين في النكاح

لبيان أن النكاح لا بد له من مؤنة وكفاية حتى يستطيع الزوج القيام بما يجب عليه من النفقة والكسوة والسكنى
.
والباءة هي مؤن النكاح ، فأراد الشارع أن يبين هذا الأصل ، وهو أن الزواج ليس مجرد عقد أو قضاء شهوة في حِلّها ، وإنما هو مسئولية وتكليف ومحط قوامة الرجال على النساء .

" ودل أيضا على أن من عجز عن النكاح يشرع له الاشتغال بالصوم ; لأنه يضعف الشهوة ويضيق مجاري الشيطان ، فهو من أسباب العفة وغض البصر "

"مجموع فتاوى ابن باز" (3 /329) .

كما أن في قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ) دليلا على أن المشروع لمن استطاع الباءة وتكاليف النكاح ، أن يبادر إلى النكاح .

قال علماء اللجنة : " المبادرة بالزواج للشاب هو السنة لمن استطاع تكاليف الزواج ، والقيام بالحقوق الزوجية "

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18 /6) .

أما الحديث الآخر فهو قضية عين ، ومسألة تخص شخصا فقيرا أراد النكاح والعفاف

فزوّجه النبي صلى الله عليه وسلم بالتي جاءت تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك دليل على أن الفقر في ذاته لا يمنع من النكاح إذا كان الزوج ذا دين

حسن الاعتقاد في ربه ، وكانت المرأة كذلك ، فإن ذلك مع قوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/ 32

فبحسن التوكل ، والرغبة في العفاف ، وطلب ما عند الله من الفضل ، يرجى لمثل هذا الناكح أن يعينه الله ، ويرزقه من فضله ، كما روى الترمذي (1655) وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .

وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الله للحديث بقوله : " بَاب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) "

قال الحافظ رحمه الله :

" قَوْله : لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّه مِنْ فَضْله ) هُوَ تَعْلِيل لِحُكْمِ التَّرْجَمَة , وَمُحَصِّله أَنَّ الْفَقْر فِي الْحَال لَا يَمْنَع التَّزْوِيج , لِاحْتِمَالِ حُصُول الْمَال فِي الْمَآل " انتهى .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: " رغبهم الله في التزويج ، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى ، فقال : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .

وعن ابن مسعود قال : " التمسوا الغنى في النكاح " .

"تفسير ابن كثير" (6 /51) .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" أمر - سبحانه - في هذه الآية الكريمة بإنكاح الأيامي والصالحين من العباد والإماء ، وأخبر وهو الصادق في خبره ، أن ذلك من أسباب الفضل للفقراء

حتى يطمئن الأزواج وأولياء النساء أن الفقر لا ينبغي أن يمنع الزواج ، بل هو من أسباب الرزق والغنى "

انتهى من "فتاوى إسلامية" (3 /213) .

فحثُّ المستطيع على الزواج لا يعني منع غير المستطيع منه ، وخاصة إذا خاف على نفسه العنت .

وإرشاد غير المستطيع إلى الصيام لقمع الشهوة وإسكانها ، وذلك لا يمنع أيضا من طلب النكاح ، فربما وجد من يعينه على الزواج ، وربما وجد من ترضى به على حاله لدينه وصلاحه

فهذه قضايا أفراد ، تختلف باختلاف الأحوال والعادات ، أما مضمون حديث ابن مسعود فأدب عام ، وإرشاد لغير القادرين على النكاح إلى صيانة أنفسهم بالصيام

ومن وجد منهم وسيلة للزواج فلا حرج عليه ، بل يُرغّب فيه ويُحثّ عليه ، ولذلك لما قال ( ومن لم يستطع ) لم يقل ( فلا يتزوج ) وإنما قال ( فعليه بالصوم ) لئلا يقع في المعصية

أما إذا قدر على الزواج مع بعض الكلفة والمشقة فلا حرج عليه فيه بلا شك ، وإنما جُعل الصيام على البدل عند عدم القدرة ، فإذا أمكن الأصل ولو بكلفة فهو أولى .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 13:08
ما هي الاستطاعة في حديث الحث على الزواج

السؤال

ما المقصود بكلمة " من استطاع " في الحديث الذي حث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج ؟.

الجواب

الحمد لله

عن ابن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .

رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .

وجاء : أي وقاية من الوقوع في الفاحشة .

وقد اختلف العلماء في معنى " الباءة " هنا على قولين ، فقال بعضهم : إنها القدرة على مؤن النكاح [أي : تكاليفه ونفقاته] ، وقال آخرون : إنها القدرة على الجماع

ولا منافاة بينهما ، فيكون المعنى : من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤونته فليتزوج .

قال النووي :

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِد أَصَحّهمَا : أَنَّ الْمُرَاد مَعْنَاهَا اللُّغَوِيّ وَهُوَ الْجِمَاع , فَتَقْدِيره : مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاع لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنه وَهِيَ مُؤَن النِّكَاح فَلْيَتَزَوَّجْ ,

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاع لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنه فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَع شَهْوَته , وَيَقْطَع شَرّ مَنِيّه , كَمَا يَقْطَعهُ الْوِجَاء اهـ .

" شرح مسلم " ( 9 / 173 ) .

وقال ابن القيم :

وقوله " من استطاع منكم الباءة فليتزوج " : فسرت الباءة بالوطء ، وفسرت بمؤن النكاح ، ولا ينافي التفسير الأول إذ المعنى على هذا مؤن الباءة .

" روضة المحبين " ( ص 219 ) .

وقال شيخ الإسلام :

وَاسْتِطَاعَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَئُونَةِ لَيْسَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَطْءِ , فَإِنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْقَادِرِ عَلَى فِعْلِ الْوَطْءِ , وَلِهَذَا أُمِرَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصُومَ فَإِنَّهُ وِجَاءٌ اهـ

الفتاوى الكبرى (3/134) .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 13:16
شبهة وردها حول قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ )

السؤال

قرأت في أحد المواقع كلاماً عن المفاخذة لآية الله الخميني ، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ، يقول فيه : " يجوز للرجل أن يضع شهوته في صبية صغيرة شريطة أن لا يتعدى الحدّ ، فإن تعدى ، وأولج

أو أفسد الصبية فإنه يتحمل مسئولية نفقتها ما حييت ، ومع هذا فإنها لا تُعد زوجة من زوجاته الأربع ، ولا يجوز له الزواج بأختها، وإذا ما بلغت سن الحيض فإن الأفضل لها أن تتزوج ، فبيت زوجها خير لها من بيت أبيها

ومن زوّج ابنته صبيه فإنه بذلك حاز شرفاً أبدياً...الخ" السؤال هو: ألا يُعتبر هذا من باب الاعتداء الجنسي واغتصاب الأطفال؟! الأمر الأخر الذي يثير حفيظتي ، بل ويقززني ما ورد في حديث جابر أنه قال

: " غزوت مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ، ‏ ‏قال فتلاحق ‏ ‏بي النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأنا على ‏ ‏ناضح ‏ ‏لنا قد أعيا فلا يكاد يسير ، فقال لي : ( ما لبعيرك ) قال قلت : عيي

قال : فتخلف رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فزجره ، ودعا له ، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير فقال لي : ( كيف ترى بعيرك ؟ ) ، قال قلت : بخير قد أصابته بركتك ، قال : ( أفتبيعنيه ؟ ) ، قال : فاستحييت

ولم يكن لنا ‏ ‏ناضح ‏غيره ، قال : فقلت نعم ، قال : ( فبعنيه) ، فبعته إياه على أن لي ‏ ‏فقار ظهره حتى أبلغ ‏ ‏المدينة ‏، ‏قال : فقلت يا رسول الله إني عروس فاستأذنته فأذن لي ، فتقدمت الناس إلى ‏ ‏المدينة ‏

‏حتى أتيت ‏ ‏المدينة ‏ ‏فلقيني ‏ ‏خالي ‏ ‏فسألني عن البعير فأخبرته بما صنعت فيه فلامني ، قال: وقد كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال لي حين استأذنته ‏ ‏: (هل تزوجت بكرا أم ثيبا ؟ )

فقلت : تزوجت ثيبا ، فقال : ( هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك ) ، قلت يا رسول الله : توفي والدي أو استشهد ، ولي أخوات صغار ، فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ، ولا تقوم عليهن ، فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن ..."

البخاري، المجلد الثالث، الكتاب 38،، حديث رقم (504). وفي رواية أخرى : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (تزوجت؟ ) قلت : نعم

قال : (بكرا أم ثيبا ؟ ) ، قلت : بل ثيبا ، قال : (أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك) الحديث. أكان النبي محمداً يحب ملاعبة الجواري الصغار؟ وهل كان يستخدم عائشة فقط لهذا الغرض؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذا القائل للكلام المذكور أولا : الخميني ، هو رأس الشيعة الروافض في زمانه ، وإمام من أئمة البدعة والضلالة ، وفي مذهبهم ما هو أشنع من ذلك ، وأبعد عن أصول الإسلام

وأشنع انحرافا عن الفطرة السليمة والعقل المستقيم ؛ فلا قيمة لما يقوله هو وأهل نحلته ، ولا اعتداد بما يقررونه ، ولا ينبغي لعاقل أن ينظر فيه إلا على وجه التعجب من قائله ، وحمد الله أن عافانا مما ابتلاهم به .

وينظر جواب السؤال القادم

ثانيا :

الْمُفَاخَذَةُ فِي اللُّغَةِ : مُفَاعَلَةٌ ، يُقَال : فَاخَذَ الْمَرْأَةَ مُفَاخَذَةً : إِذَا جَلَسَ بَيْنَ فَخِذَيْهَا أَوْ فَوْقَهُمَا كَجُلُوسِ الْمُجَامِعِ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .

وذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مُفَاخَذَةَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ فِي غَيْرِ الإْحْرَامِ أَوِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَلاَلٌ بِحَائِل أَوْ بِغَيْرِ حَائِلٍ .
أَمَّا مُفَاخَذَةُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ الأْجْنَبِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَحَرَامٌ .

"الموسوعة الفقهية" (38 /241)

ومفاخذة الصبية الأجنبية الصغيرة محرم في دين الإسلام بالإجماع ، وإنما يعرف ذلك عن هؤلاء المبتدعة الضالين
.
ثالثا :

لا يسع المسلم أو المسلمة إذا سمع بخبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الرضا والتسليم

لعموم قول الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/ 65

وإذا رابه شيء أو عرض له إشكال تمهل حتى يتبين له الأمر على حقيقته وجليته ، أما أن يروي المسلم أو المسلمة خبرا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيعرض له فيه شبهة

فيتقزز منه وينفر مما سمع ، فليس ذلك من أخلاق أهل الإيمان .

ونبينا صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا ، وأكرم الناس طبعا ، وأشد الناس حياء ، وأعظمهم عفة ، بعثه الله ليتمم به مكارم الأخلاق .

فقول السائلة : أكان النبي محمداً يحب ملاعبة الجواري الصغار؟

وهل كان يستخدم عائشة فقط لهذا الغرض؟ قول تنفر منه طباع المسلمين ، وتتأذى به نفوسهم ؛ لما يعلمونه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم من جليل الصفات وكريم الأخلاق ، مما لا يحسن معه بحال هذا السؤال المريب.

وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة رضي الله عنهن ليس فيهن بكر صغيرة إلا عائشة ، ومن كان هذا حاله كيف يقال عنه مثل هذا الكلام ؟!

راجعي جواب السؤال القادم لمعرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج لمجرد التمتع بما أحل الله له .

وراجعي لمعرفة الحكمة من زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعائشة مع فارق السنّ جواب السؤال القادم

رابعا :

قول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه : ( أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ )

رواه البخاري (2097) ومسلم (715) وفي رواية لهما ( فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك ) فمقصوده من ذلك الحث على التزوج بالبكر ، مع حسن العشرة وجميل الملاطفة

مما يكون في العادة مع البكر أكثر ، وأحسن حالا منه مع الثيب .

قال النووي رحمه الله :

" فِيهِ فَضِيلَة تَزَوُّج الْأَبْكَار وَثَوَابهنَّ أَفْضَل ، وَفِيهِ مُلَاعَبَة الرَّجُل اِمْرَأَته وَمُلَاطَفَته لَهَا وَمُضَاحَكَتهَا وَحُسْن الْعِشْرَة " انتهى .

وقال في تحفة الأحوذي :

" فِيهِ أَنَّ تَزَوُّجَ الْبِكْرِ أَوْلَى , وَأَنَّ الْمُلَاعَبَةَ مَعَ الزَّوْجَةِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا , قَالَ الطِّيبِيُّ : وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأُلْفَةِ التَّامَّةِ , فَإِنَّ الثَّيِّبَ قَدْ تَكُونُ مُعَلَّقَةَ الْقَلْبِ بِالزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ مَحَبَّتُهَا كَامِلَةً ; بِخِلَافِ الْبِكْرِ " انتهى .

وقال الغزالي رحمه الله :

" على الزوج أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة فهي التي تطيب قلوب النساء ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق "

انتهى من "إحياء علوم الدين" (2 /44) .

فالشارع يحض على الزواج بالبكر الشابة وملاطفتها ومضاحكتها وملاعبتها ، لما يحصل فيه من الإيناس ، وتمام العفة لكل منهما ؛ وهذا من محاسن آدابه

وكريم ما جاء به ، مما يوافق الفطر السوية ، ويقيم النفوس على صراط ربها ، من غير إفراط ولا تفريط .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 13:44
يمكن مراجعة اجابه السؤال الاول علي الرابط التالي

منزلة أئمة الشيعة الاثني عشرية (https://www.djelfa.info/vb/showpost.php?p=3997628899&postcount=13)

لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد التمتع بما أحل الله له

السؤال

هل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم لغرضين: أحدهما: مصلحة الدعوة، والثاني: التمشي مع ما فطره الله عليه من التمتع بما أحل الله له؟

الجواب

الحمد لله

"من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بَشَر ، أكرمه الله تعالى بالنبوة والرسالة إلى الناس كافة، وأن اتصافه بما تقتضيه الطبيعة البشرية من الحاجة إلى الأكل، والشرب، والنوم، والبول، والغائط ومدافعة البرد

والحر، والعدو، ومن التمتع بالنكاح، وأطايب المأكول والمشروب وغيرها من مقتضيات الطبيعة البشرية لا يقدح في نبوته ورسالته

بل قد قال الله له: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الأنعام/50 ، وقال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون).

وانتفاء علم الغيب، وطرو النسيان على العلم قصور في مرتبة العلم من حيث هو علم، لكن لما كان من طبيعة البشر الذي خلقه الله ضعيفاً في جميع أموره، لم يكن ذلك قصوراً في مقام النبوة، ونقصاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا ريب أن شهوة النكاح من طبيعة الإنسان ، فكمالها فيه من كمال طبيعته، وقوتها فيه تدل على سلامة البنية واستقامة الطبيعة

ولهذا ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نتحدث أنه ـ يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ـ أعطي قوة ثلاثين) .

يعني على النساء، وهذا والله أعلم، ليتمكن من إدراك ما أحل الله منهن بلا حصر ولا مهر، ولا ولي، فيقوم بحقوقهن

ويحصل بكثرتهن ما حصل من المصالح العظيمة الخاصة بهن والعامة للأمة جميعاً، ولولا هذه القوة التي أمده الله بها ما كان يدرك أن يتزوج بكل هذا العدد، أو يقوم بحقهن من الإحصان والعشرة.

ولو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة لمجرد قضاء الوطر من الشهوة والتمشي مع ما تقتضيه الفطرة بل الطبيعة لم يكن في ذلك قصور في مقام النبوة، ولا نقص في حقه صلى الله عليه وسلم

كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين). بل قد قال الله له: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) الأحزاب/51.

لكننا لا نعلم حتى الآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة لمجرد قضاء الوطر من الشهوة، ولو كان كذلك لاختار الأبكار الباهرات جمالاً، الشابات سنّاً،

كما قال لجابر رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوج ثيباً، قال : (فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) ؟

. وفي رواية : (وتضاحكها وتضاحكك) . وفي رواية : (مالك وللعذارى ولعابها)، رواه البخاري، وإنما كان زواجه صلى الله عليه وسلم إما تأليفاً، أو تشريفاً، أو جبراً أو مكافأة، أو غير ذلك من المقاصد العظيمة.

وقد أجملها في "فتح الباري" (9/115) حيث قال: "والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه:

أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.

ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.

ثالثها: الزيادة في تألفهم لذلك.

رابعها: الزيادة في التكليف ، حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.

خامسها: لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه.

سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.

سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة. فقد تزوج أم حبيبة وأبوها يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكملَ الخَلْق في خُلُقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.

ثامنها: ما تقدم مبسوطاً من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب، وكثرة الصيام والوصال. وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم

وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته، فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم .

تاسعها وعاشرها: ما تقدم عن صاحب الشفاء من تحصينهن والقيام بحقوقهن" اهـ .

قلت (ابن عثيمين) : الثامنة حاصلة لأن الله أعطاه قوة ثلاثين رجلاً كما سبق.

وثَمَّ وجه حادي عشر: وهو إظهار كمال عدله في معاملتهن ، لتتأسى به الأمة في ذلك.

وثاني عشر: كثرة انتشار الشريعة ، فإن انتشارها من عدد أكثر من انتشارها من واحدة.

وثالث عشر: جبر قلب من فات شرفها ، كما في صفية بنت حيي وجويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق.

ورابع عشر: تقرير الحكم الشرعي وانتشال العقيدة الفاسدة التي رسخت في قلوب الناس من منع التزوج بزوجة ابن التبني، كما في قصة زينب ، فإن اقتناع الناس بالفعل أبلغ من اقتناعهم بالقول

وانظر اقتناع الناس بحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في الحديبية ومبادرتهم بذلك حين حلق بعد أن تباطؤوا في الحلق مع أمره لهم به.

وخامس عشر: التأليف وتقوية الصلة ، كما في أمر عائشة وحفصة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شد صلته بخلفائه الأربعة عن طريق المصاهرة، مع ما لبعضهم من القرابة الخاصة، فتزوج ابنتي أبي بكر وعمر

وزَوَّج بناته الثلاث بعثمان وعلي رضي الله عن الجميع ، فسبحان من وهب نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الحكم، وأمده بما يحققها قدراً وشرعاً، فأعطاه قوة الثلاثين رجلاً،

وأحل له ما شاء من النساء يرجي من يشاء منهن، ويؤوي إليه من يشاء، وهو سبحانه الحكيم العليم.

وأما عدم تزوجه بالواهبة نفسها، فلا يدل على أنه تزوج من سواها لمجرد الشهوة، وقضاء وطر النكاح.

وأما ابنة الجون فلم يعدل عن تزوجها بل دخل عليها وخلا بها، ولكنها استعاذت بالله منه، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( لقد عذت بعظيم فالحقي بأهلك)

. ولكن هل تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد جمالها وقضاء وطر النكاح أو لأمر آخر؟ إن كان لأمر آخر سقط الاستدلال به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتزوج لمجرد قضاء الوطر

وإن كان لأجل قضاء الوطر فإن من حكمة الله تعالى أن حال بينه وبين هذه المرأة بسبب استعاذتها منه.

وأما سودة رضي الله عنها فقد خافت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم لكبر سنها فوهبت يومها لعائشة، وخوفها منه لا يلزم منه أن يكون قد هم به. وأما ما روي أنه طلقها بالفعل فضعيف لإرساله.

وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب فليس لجمالها بل هو لإزالة عقيدة سائدة بين العرب، وهي امتناع الرجل من تزوج مفارقة من تبناه، فأبطل الله التبني وأبطل الأحكام المترتبة عليه عند العرب

ولما كانت تلك العقيدة السائدة راسخة في نفوس العرب كان تأثير القول في اقتلاعها بطيئاً، وتأثير الفعل فيها أسرع ، فقيض الله سبحانه بحكمته البالغة أن يقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في تزوجه

بمفارقة مولاه زيد بن حارثة الذي كان تبناه من قبل ليطمئن المسلمون إلى ذلك الحكم الإلهي، ولا يكون في قلوبهم حرج منه، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة

بقوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) الأحزاب/37

. ثم تأمل قوله تعالى : (زَوَّجْنَاكَهَا). فإنه يشعر بأن تزويجها إياه لم يكن عن طلب منه، أو تشوف إليه، وإنما هو قضاء من الله لتقرير الحكم الشرعي وترسيخه وعدم الحرج منه

وبهذا يعرف بطلان ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يوم لحاجة فرأى زينب فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال: (سبحان الله مقلب القلوب). فأخبرت زينب زيداً بذلك ففطن له فكرهها

وطلقها بعد مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (أمسك عليك زوجك واتق الله). فهذا الأثر باطل مناقض لما ذكر الله تعالى من الحكمة في تزويجها إياه، وقد أعرض عنه ابن كثير رحمه الله فلم يذكره

وقال: أحببنا أن نضرب عنها أي عن الآثار الواردة عن بعض السلف صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها، ويدل على بطلان هذا الأثر أنه لا يليق بحال الأنبياء فضلاً عن أفضلهم وأتقاهم لله عز وجل

وما أشبه هذه القصة بتلفيق قصة داود عليه الصلاة والسلام، وتحيله علي التزوج بزوجة من ليس له إلا زوجة واحدة، على ما ذكر في بعض كتب التفسير عند قوله تعالى: (وهل أتاك نبأ الخصم) ..

. إلى آخر القصة فإن من علم قدر الأنبياء وبعدهم عن الظلم والعدوان والمكر والخديعة علم أن هذه القصة مكذوبة على نبي الله داود عليه الصلاة والسلام.

والحاصل : أنه وإن جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج لمجرد قضاء الوطر من النكاح وجمال المرأة وأن ذلك لا يقدح في مقامه

فإننا لا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج زواجاً استقرت به الزوجة وبقيت معه من أجل هذا الغرض.

والله أعلم" انتهى .

"المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين" (3/79-86) .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 13:47
حكمة زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعائشة رُغم فارق السنّ

السؤال

سألني زميل لي نصراني عن حكمة زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين وقد كان قارب الستين .

وهل عاشرها معاشرة الأزواج وهي في هذه السن أم ماذا ؟؟

وللحقيقة .. أنا لا أعرف الرد عن ذلك .

الجواب

الحمد لله

إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بعد زواجه من سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، وهي – أي عائشة - البكر الوحيدة التي تزوجها صلى الله عليه وسلم . وقد دخل بها وهي بنت تسع سنين .

وكان من فضائلها رضي الله عنها أنه ما نزل الوحي في لحاف امرأة غيرها ، وكانت من أحب الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات ، وكانت من أفقه نسائه وأعلمهن

بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق ، وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها .

أما قصة زواجها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، إذ كانت تؤويه وتنصره ، وتعينه وتقف إلى جنبه ، حتى سمي ذلك العام الذي توفيت فيه بعام الحزن

ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة ، وكانت مسنة ، ولم تكن ذات جمال ، وإنما تزوجها مواساة لها ، حيث توفي زوجها ، وبقيت بين قوم مشركين

وبعد أربع سنوات تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم فوق الخمسين ، ولعل من الحكم في زواجه ما يلي :

أولا : أنه رأى رؤيا في زواجه صلى الله عليه وسلم منها ، فقد ثبت في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( أُريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقال :

هذه امرأتك ، فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه ) رواه البخاري برقم 3682 ، وهل هي رؤيا نبوة على ظاهرها ، أم لها تأويل ، فيه خلاف بين العلماء ذكره الحافظ في فتح الباري ( 9/181 )

ثانيا : ما رآه صلى الله عليه وسلم في عائشة رضي الله عنها من أمارات ومقدمات الذكاء والفطنة في صغرها ، فأحب الزواج بها لتكون أقدر من غيرها على نقل أحواله صلى الله عليه وسلم وأقواله

وبالفعل فقد كانت رضي الله عنها – كما سبق – مرجعا للصحابة رضي الله عنهم في شؤونهم وأحكامهم .

ثالثا : محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها أبي بكر رضي الله عنه ، وما ناله رضي الله عنه في سبيل دعوة الحق من الأذى الذي صبر عليه ، فكان أقوى الناس إيمانا ، وأصدقهم يقينا على الإطلاق بعد الأنبياء .

ويلاحظ في مجموع زواجه صلى الله عليه وسلم أن من بين زوجاته الصغيرة ، والمسنة ، وابنة عدو لدود ، وابنة صديق حميم ، ومنهن من كانت تشغل نفسها بتربية الأيتام

ومنهن من تميزت على غيرها بكثيرة الصيام والقيام ...

. إنهن نماذج لأفراد الإنسانية ، ومن خلالهن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين تشريعا فريدا في كيفية التعامل السليم مع كل نموذج من هذه النماذج البشرية .

انظر السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص711

أما مسألة صغر سنها رضي الله عنها ، واستشكالك لهذا ، فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ في بلاد حارة وهي أرض الجزيرة ، وغالب البلاد الحارة يكون فيها البلوغ مبكرا

ويكون الزواج المبكر ، وهكذا كان الناس في أرض الجزيرة إلى عهد قريب ، كما أن النساء يختلفن من حيث البنية والاستعداد الجسمي لهذا الأمر وبينهن تفاوت كبير في ذلك .

وإذا تأمّلت ـ رعاك الله ـ في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوّج بكراً غير عائشة رضي الله عنها ، وكلّ زوجاته سبق لهنّ الزواج قبله زال عنك ما يشيعه أكثر الطاعنين من أن زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبعثه

الأساسي هو الشهوة والتنعّم بالنساء ، إذ من كان هذا مقصده فإنّه لا يتخيّر في كلّ زوجاته أو معظمهن من توفرت فيها صفات الجمال والترغيب من كونها بكراً فائقة الجمال ، ونحو ذلك من المعايير الحسية الزائلة .

ومثل هذه المطاعن في نبي الرحمة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكفّار ونحوهم تدلّ على تمام عجزهم من أن يطعنوا في الشرع والدين الذي جاء به من عند الله تعالى ،

فحاولوا أن يبحثوا عن مطاعن لهم في أمور خارجة ، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون .

وبالله التوفيق

للمزيد انظر ( زاد المعاد 1 / 106 ).

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 13:52
المراد بكلمة ( ظل ) في حديث ( سبعة يظلهم الله في ظله ... الحديث )

السؤال

في الحديث الشريف ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ما هو الشيء الذي يسبب الظل ؟

هل هي الشمس ؟

وكلنا نعرف أن الشمس في السماء الدنيا ، والسماء الدنيا كحلقة في صحراء من السماء الثانية ، والسماوات السبع كحلقة في صحراء بالنسبة للعرش فما هو مسبب الظل ؟

وما هو ذلك الظل ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

من الأهوال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة أن الشمس تدنو من الخلائق قدر ميل ، فقد روى مسلم (2864) عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال

: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ) .

فالناس في ذلك اليوم أحوج ما يكونون لشيء يقيهم حر الشمس ، ولهذا يختص الله بعض خلقه فيظلهم تحت ظله .
روى البخاري (1423) ومسلم (1031)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ

وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْقَاضِي : ظَاهِره أَنَّهُ فِي ظِلّه مِنْ الْحَرّ وَالشَّمْس , وَوَهَج الْمَوْقِف وَأَنْفَاس الْخَلْق "

انتهى من " شرح النووي لمسلم " .

وروى أحمد (16707) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي فِي ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي )

وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " .

وروى أحمد (16882) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " .

ثانياً :
اختلف العلماء رحمهم في معنى " الظل " في قوله عليه الصلاة والسلام : ( في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ، فذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالظل : ظل العرش

فيحمل المطلق في الأحاديث على المقيد ، فكل حديث فيه إضافة الظل إلى الله تعالى ، فالمقصود به ما قيد في الأحاديث الأخرى بظل العرش.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) خرَّجه مسلم من حديث أبي اليسر الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم

وخرَّج الإمام أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نفس عن غريمه

أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ) ، وهذا يدل على أن المراد بظل الله : ظل عرشه "

انتهى من " فتح الباري لابن رجب " ( 4 / 63 ) .

واختار آخرون أن المراد بالظل : شيء يخلقه تعالى في ذلك اليوم ، يظلل به من يشاء من عباده .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

" قوله : ( لا ظل إلا ظله ) يعني : إلا الظل الذي يخلقه ، وليس كما توهم بعض الناس أنه ظل ذات الرب عز وجل ، فإن هذا باطل ؛ لأنه يستلزم أن تكون الشمس حينئذ فوق الله عز وجل "

انتهى من " مجموع فتاوى " ( 8 / 497 ) .

وأقرب الأقوال – والعلم عند الله – القول الأول ، وهو الذي عليه أكثر الشرّاح .

وقد سئلت اللجنة الدائمة : ما المراد بالظل المذكور في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) الحديث .

فأجابت : " المراد بالظل في الحديث : هو ظل عرش الرحمن تبارك وتعالى ، كما جاء مفسرا في حديث سلمان رضي الله عنه في " سنن سعيد بن منصور "

وفيه : ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه ) الحديث . حسن إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في (الفتح 2/ 144) ..... ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم "

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء – المجموعة الثانية - " ( 2 / 487 ) .

ثالثاً :

الوارد في النصوص أنه يظلهم بظل العرش ، فليس لنا أن نتكلف في التشقيق والبحث عن لوازم ذلك : يلزم من ذلك : كذا ، أو يلزم منه كذا ، وعن أي شيء يكون الظل ؟ إلى آخر ما قد يطرأ على الأذهان في ذلك

مما لا حاجة إليه ، ولا نفع يرتجى من ورائه ؛ وبحسب المسلم أن يصدق بالخبر الوارد في ذلك ، ويأخذ نفسه بالتزام الأعمال التي توجب له تلك الفضيلة الجليلة

يوم تدنو الشمس من الرؤوس ، ولا ظل هناك ، إلا لمن يكرمه الله بتلك الكرامة .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 14:00
هل المسلم العربي أفضل من المسلم الأعجمي ؟

السؤال

قرأت حديثاً من فترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عن عتب

ة بن عبد أنه قال : إن رجلا قال : يا رسول الله ، العن أهل اليمن ; فإنهم شديد بأسهم كثير عددهم حصينة حصونهم فقال : " لا " ، ثم لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعجميين

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مروا بكم يسوقون نساءهم ، يحملون أبناءهم على عواتقهم ، فهم مني ، وأنا منهم " . رواه أحمد ، والطبراني ، إلا أنه قال : ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الأعجميين فارس والروم ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مروا بكم أهل اليمن يسوقون نساءهم ، ويحملون أبناءهم على عواتقهم ، فإنهم مني ، وأنا منهم " . وإسنادهما حسن ، فقد صرح بقية بالسماع .

وأسئلتي

لم لعن رسول الله الأعجميين فارس و روم ؟

ألم يسلم الكثير منهم بعد الفتح في الشام والعراق وحتى حدود الصين!؟

هل الحديث موثوق وصحيح لدرجة كبيرة ؟

ولمَ لمْ يقل : اللهم العن الكفار وكفى ؟

هل المسلم العربي يعتبر أفضل من المسلم الأعجمي ؟

أنا من سوريا ولست عربياً قحا ، هل يعني أن إسلامي أقل من إسلام العربي القح منكم!!! وهل هناك صحابة غير عرب ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

سبق بيان أن الإسلام لا يلتفت إلى الفوارق في اللون , والجنس , والنسب ؛ فالناس كلهم لآدم ، وآدم خلق من تراب ، وإنما يكون التفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى ، بفعل ما أمر الله به

واجتناب ما نهى الله عنه .

وقد روى الترمذي (3270) عَنْ ابْنِ عُمَرَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا

فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ

قَالَ اللَّهُ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

وروى أحمد (22978) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ : " حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ

عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، أَبَلَّغْتُ ؟ ) قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

صححه الألباني في "الصحيحة" (6/199) .

وروى البخاري (4898) ومسلم (2546) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ

: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قَالَ قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ

: ( لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ) .

وروى البخاري (5990) ومسلم (215) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ : ( أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلَانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فأخبر صلى الله عليه وسلم عن بطن قريب النسب أنهم ليسوا بمجرد النسب أولياءه إنما وليه الله وصالحو المؤمنين من جميع الأصناف " انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم (144) .

وينظر جواب السؤالين القادمين

ثانيا :

روى الإمام أحمد (17195) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَنْ أَهْلَ الْيَمَنِ فَإِنَّهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَصِينَةٌ حُصُونُهُمْ فَقَالَ: لَا

ثُمَّ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْجَمِيِّينَ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَرُّوا بِكُمْ يَسُوقُونَ نِسَاءَهُمْ يَحْمِلُونَ أَبْنَاءَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَإِنَّهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ) .

قال محققو مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة (29/194) : " إسناده ضعيف، بقية- وهو ابن الوليد- يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن، فلا يقبل حديثه إلا أن يصرح بالسماع في جميع طبقات السند.

وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2280) ، والطبراني في "الكبير" 17/ (304) ، وفي "الشاميين" (1139) من طريق عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، وابن أبي عاصم (2280)

عن هشام بن عمار، كلاهما عن بقية ابن الوليد ، بهذا الإسناد. ووقع في "الشاميين" إسماعيل بن عياش بدل بقية ، ويغلب على ظننا أنه خطأ من الناسخ " انتهى .

وعلى افتراض أن الحديث صحيح ، فمعناه محمول على من يستحق اللعنة منهم ، من الكفرة والفجرة ونحوهم ؛ وإنما خص هؤلاء بالذكر ، لغلبة حال الكفر والضلال عليهم ، خاصة في ذلك الزمان .

ثالثا :

تقدم في جواب السؤال القادم أن أهل السنة والجماعة متفقون على أفضلية العروبة على غيرها من الأعراق والأنساب ، وأن تفضيل العروبة هو تفضيل جنس وليس تفضيل أفراد

فالعجمي المتقي الصالح خير من العربي المقصر في حق الله تعالى .

فالمسلم العربي لا يكون أفضل من المسلم الأعجمي لمجرد عربيته ، وإنما يتفاضلان بالتقوى ، فمن كان أتقى لله كان أفضل من صاحبه ، سواء كان عربيا أو أعجميا .

فكونك لست عربيا خالصا لا يعني أنك أقل من العربي الخالص في الفضل والدرجة لمجرد ذلك ، فكما تبين مما سبق أن المعيار الحقيقي إنما هو بالإيمان والعمل الصالح .

رابعا :

هناك من الصحابة من ليس عربيا كسلمان ومقسم الفارسيين ، وبلال الحبشي وزنيرة الرومية وبركة الحبشية ، وغيرهم كسحيم مولى بني الحسحاس ، ويعيش غلام بني المغيرة وخالد بن الحواري ، وتمام الحبشي .

وقد روى الحاكم (8194) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رأيت غنما كثيرة سوداء دخلت فيها غنم كثيرة بيض قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟

قال : العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم قالوا : العجم يا رسول الله ؟ قال : ( لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم وأسعدهم به الناس ) صححه الألباني في "الصحيحة" (1018) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ومصداق ذلك ما وجد في التابعين ومن بعدهم من أبناء فارس الأحرار والموالي ، مثل الحسن وابن سيرين وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم

إلى من وجد بعد ذلك فيهم من المبرزين في الإيمان والدين والعلم حتى صار هؤلاء المبرزون أفضل من أكثر العرب .

وكذلك في سائر أصناف العجم من الحبشة والروم والترك وغيرهم سابقون في الإيمان والدين

لا يحصون كثرة ، على ما هو معروف عند العلماء ؛ إذ الفضل الحقيقي هو اتباع ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم باطنا وظاهرا ، فكل من كان فيه أمكن ، كان أفضل

والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة ، مثل الإسلام والإيمان والبر والتقوى والعلم والعمل الصالح والإحسان ونحو ذلك

لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو عجميا أو أسود أو أبيض ، ولا بكونه قرويا أو بدويا "

انتهى من "اقتضاء الصراط" (ص 145) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-29, 14:04
هل هناك طبقات اجتماعية في الإسلام

السؤال

على أي أساس تُبنى الطبقات الاجتماعية في الإسلام ؟

وكيف تكون ؟

وإلى أي حد توجد ؟.

الجواب

الحمد لله

لقد عرفت المجتمعات البشرية أنماطا مختلفة من الطبقيّة الاجتماعية كما كان في بعضها طبقة الأمراء وطبقة الجنود وطبقة المزارعين وطبقة العبيد وانبنى على ذلك كثير من الظّلم والاستعباد والقهر والتسخير وأكل حقوق النّاس

أمّا شريعة الله تعالى فإنّها لا تعرف هذا مطلقا بل تساوي في الحقوق بين الغنيّ والفقير والشّريف والوضيع والأساس والأصل الذي يحصل بناء عليه التفاوت والتفاضل بين الناس في الإسلام هو المذكور

في القرآن الكريم في سورة الحجرات في قوله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات/13

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى ... )

رواه الإمام أحمد 22391 وهو في السلسلة الصحيحة 2700

وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع في الإسلام ، وهذا المجتمع الإنساني العالمي الذي تحاول البشرية في خيالها المحلّق أن تحقق لوناً من ألوانه فتخفق لأنها لا تسلك إليه الطريق الواحد الواصل المستقيم

.. الطريق إلى الله عز وجل .. ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمِّعة .. راية الله تعالى .

إن الناس يعيشون في الأرض ، ويرتبطون فيما بينهم بارتباطات شتى ، كلها ذات وزن وذات جاذبية في حياتهم ... فيها النسب ، وفيها القوة ، وفيها المال ، وفيها ما ينشأ عن توزيع هذه القيم من ارتباطات عملية

.. اقتصادية وغيرها .. تتفاوت فيها أوضاع الناس بعضهم بالنسبة لبعض فيصبح بعضهم أرجح من بعض في موازين الأرض .. ثم يجيء الإسلام ليقول : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )

فيضرب صفحاً عن كل تلك القيم الثقيلة الوزن في حياة الناس ، ويبدّل هذا كله بتلك القيمة الجديدة المستمدة مباشرة من الوحي ، المعترف بها وحدها في ميزان الله عزّ وجلّ

ألا وهي تقوى الله تعالى والتي تتمثّل في عبادته وحده لا شريك له ولا ولد ولا ند له ، وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ابتغاء مرضاته سبحانه وجناته وخوفاً من سخطه ونيرانه . والله بصير بالعباد.

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:13
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


إن أكرمكم عند الله أتقاكم

السؤال

ما هو رأي الإسلام في التفرقة العنصرية ؟.

الجواب

الحمد لله

الناس كلهم بنو رجل واحد .. وبنو امرأة واحدة .. المؤمن والكافر .. الأبيض والأسود .. العربي والأعجمي .. الغني والفقير .. الشريف والوضيع .

والإسلام لا يلتفت إلى الفوارق في اللون , والجنس , والنسب فالناس كلهم لآدم وآدم خلق من تراب .. وإنما يكون التفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى .

. بفعل ما أمر الله به.. واجتناب ما نهى الله عنه , قال تعالى : ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات/13.

والإسلام يسوي بين جميع الناس في الحقوق والواجبات .. فالناس أمام الشرع سواء

كما قال سبحانه ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/97.

فالإيمان , والصدق , والتقوى كله في الجنة .. وهو حق لمن تخلق به .

. ولو كان أضعف الناس ..أو أدنى الناس كما قال سبحانه ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً ) الطلاق/11.

والكفر والكبر , والطغيان كله في النار .. ولو كان صاحبه أغنى الناس ..أو أشرف الناس كما قال سبحانه ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ) التغابن/10.

وقد جمعت وزارة الرسول صلى الله عليه وسلم رجالاً مسلمين .. من قبائل وأجناس وألوان شتى .. يملأ قلوبهم التوحيد .. ويجمعهم الإيمان والتقوى .

. كأبي بكر القرشي .. وعلي بن أبي طالب الهاشمي .. وبلال الحبشي .. وصهيب الرومي .. وسلمان الفارسي ..والغني كعثمان .. والفقير كعمار .. وأهل الثروة .. وأهل الصفة .. وغيرهم .

وقد آمنوا بالله وجاهدوا في سبيله .. حتى رضي الله عنهم ورسوله ..أولئك المؤمنون حقاً .. ( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) البينة/ 8 .

كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:21
فضل العرب

السؤال

هل صح شيء في فضل العرب ؟

الجواب

الحمد لله

من المقرر في قواعد الشريعة المقررة في القرآن الكريم أن ميزان التفاضل والمنافسة بين الناس هو التقوى والعمل الصالح

كما قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13.

ومن المقرر أيضا في السنة النبوية أن العروبة مفضلة على غيرها من الأجناس ، فقد اختار الله سبحانه وتعالى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم من العرب ، وجعل القرآن – الذي هو الرسالة الخالدة – عربيا

واتفق أهل السنة والجماعة على أفضلية العروبة على غيرها من الأعراق والأنساب .

وليس بين التقريرين السابقين تعارض :

فتفضيل العروبة هو تفضيل جنس وليس تفضيل أفراد ، فالعجمي المتقي الصالح خير من العربي المقصر في حق الله تعالى ، وتفضيل العروبة إنما هو اختيار من الله تعالى

قد تظهر حكمته جلية ، وقد لا تكون ظاهرة لنا ، إلا أن في العرب من الصفات والخلال ما يشير إلى وجه هذا التفضيل .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد ، فإن في غير العرب خلقا كثيرا خيرا من أكثر العرب

وفي غير قريش من المهاجرين والأنصار من هو خير من أكثر قريش ، وفي غير بني هاشم من قريش وغير قريش من هو خير من أكثر بني هاشم " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (19/29-30)

وقد كتب كثير من العلماء كتبا خاصة في هذا الموضوع ، كالإمام ابن قتيبة في كتابه " فضل العرب والتنبيه على علومها"، والإمام العراقي في "محجة القرب في فضل العرب"، ونحوه للإمام الهيثمي

ومن المتأخرين العلامة مرعي الكرمي في رسالته : " مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب "، والشيخ بكر أبو زيد في " خصائص جزيرة العرب "، كلها تقرر الحقيقة السابقة .

ولعل أفضل من شرح المسألة وبينها بالبيان الشافي شيخ الإسلام ابن تيمية ، فنحن ننقل نص كلامه هنا ، مع شيء من الاختصار غير المخل إن شاء الله .

يقول رحمه الله :

" الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم : عبرانيهم ، وسريانيهم ، رومهم ، وفرسهم ، وغيرهم .

وأن قريشا أفضل العرب ، وأن بني هاشم أفضل قريش ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم ، فهو أفضل الخلق نفسا ، وأفضلهم نسبا .

وليس فضل العرب ، ثم قريش ، ثم بني هاشم ، بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم - وإن كان هذا من الفضل - بل هم في أنفسهم أفضل ، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا

وإلا لزم الدور .

ولهذا ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني ، صاحب الإمام أحمد ، في وصفه للسنة التي قال فيها : هذا مذهب أئمة العلم ، وأصحاب الأثر ، وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها

وأدركت مَن أدركت مِن علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة

زائل عن منهج السنة وسبيل الحق ، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد ، وعبد الله بن الزبير الحميدي ، وسعيد بن منصور ، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم

فكان من قولهم :

أن الإيمان قول وعمل ونية ، وساق كلاما طويلا إلى أن قال :

ونعرف للعرب حقها ، وفضلها ، وسابقتها ، ونحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حب العرب إيمان ، وبغضهم نفاق ) – رواه الحاكم في "المستدرك" (4/97)

وقال الذهبي

: الهيثم بن حماد متروك

وانظر "السلسلة الضعيفة" (1190)- ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ، ولا يقرون بفضلهم ، فإن قولهم بدعة وخلاف .

ويروون هذا الكلام عن أحمد نفسه في رسالة أحمد بن سعيد الإصطخري عنه إن صحت ، وهو قوله وقول عامة أهل العلم .

وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم ، وهؤلاء يسمون الشعوبية ، لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل ، كما قيل القبائل للعرب ، والشعوب للعجم .

ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب .

والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق : إما في الاعتقاد ، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس ، مع شبهات اقتضت ذلك .

ولهذا جاء في الحديث : ( حب العرب إيمان ، وبغضهم نفاق ) .

مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس ، ونصيب للشيطان من الطرفين ، وهذا محرم في جميع المسائل .

فإن الله قد أمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعا ، ونهاهم عن التفرق والاختلاف ، وأمر بإصلاح ذات البين

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)

وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله )

وهذان حديثان صحيحان ، وفي الباب من نصوص الكتاب والسنة ما لا يحصى .

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:22
والدليل على فضل جنس العرب ، ثم جنس قريش ، ثم جنس بني هاشم :

ما رواه الترمذي من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال :

قلت : يا رسول الله ! إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم ، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض
.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم ، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة ، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم

فأنا خيرهم نفسا ، وخيرهم بيتا ) قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل .

[ الحديث رواه الترمذي (3607) وأحمد (17063) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ] .

والمعنى أن النخلة طيبة في نفسها وإن كان أصلها ليس بذاك ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه خير الناس نفسا ونسبا .
وروى الترمذي أيضا من حديث الثوري ، عن يزيد بن أبي زياد

عن عبد الله ابن الحارث ، عن المطلب بن أبي وداعة قال : جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه سمع شيئا ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال :

من أنا ؟ فقالوا : أنت رسول الله صلى الله عليك وسلم . قال : أنا محمد ، بن عبد الله ، بن عبد المطلب ، ثم قال : إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة

ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ، وخيرهم نفسا ) قال الترمذي : هذا حديث حسن .

[ رواه الترمذي (3532) ، وأحمد بنحوه (1791) ، وحسنه محققو المسند ]

وقوله في الحديث : ( خلق الخلق فجعلني في خيرهم ، ثم خيرهم فجعلهم فرقتين ، فجعلني في خير فرقة ) يحتمل شيئين :

أحدهما : أن الخلق هم الثقلان ، أو هم جميع ما خلق في الأرض ، وبنو آدم خيرهم ، وإن قيل بعموم الخلق حتى يدخل فيه الملائكة ، فكان فيه تفضيل جنس بني آدم على جنس الملائكة وله وجه صحيح .

ثم جعل بني آدم فرقتين ، والفرقتان : العرب والعجم . ثم جعل العرب قبائل ، فكانت قريش أفضل قبائل العرب ، ثم جعل قريشا بيوتا ، فكانت بنو هاشم أفضل البيوت .

ويحتمل أنه أراد بالخلق بني آدم ، فكان في خيرهم ، أي ولد إبراهيم ، أو في العرب ، ثم جعل بني إبراهيم فرقتين : بني إسماعيل ، وبني إسحاق

أو جعل العرب عدنان وقحطان ، فجعلني في بني إسماعيل ، أو بني عدنان ، ثم جعل بني إسماعيل أو بني عدنان قبائل ، فجعلني في خيرهم قبيلة وهم قريش .

وعلى كل تقدير فالحديث صريح في تفضيل العرب على غيرهم .

ومثله أيضا في المسألة ما رواه أحمد ومسلم والترمذي من حديث الأوزاعي عن شداد بن عمار عن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ) .

وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم ، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحق ، ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم

لما فيهم من النبوة والكتاب ، فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى ، وهذا جيد ..
.
واعلم أن الأحاديث في فضل قريش ثم في فضل بني هاشم فيها كثرة ، وليس هذا موضعها ، وهي تدل أيضا على ذلك ، إذ نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس ، وهكذا جاءت الشريعة .

فإن الله تعالى خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها ، ثم خص قريشا على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص

ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة واستحقاق قسط من الفيء إلى غير ذلك من الخصائص ، فأعطى الله سبحانه كل درجة من الفضل بحسبها ، والله عليم حكيم .

( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) و ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) وقد قال الناس في قوله تعالى : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) وفي قوله : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) أشياء ليس هذا موضعها .

وفي المسألة آثار غير ما ذكرته ، في بعضها نظر ، وبعضها موضوع
.
وأيضا فان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء كتب الناس على قدر أنسابهم ، فبدأ بأقربهم نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

فلما انقضت العرب ذكر العجم ، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس إلى أن تغير الأمر بعد ذلك .

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:22
وسبب هذا الفضل - والله أعلم - ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم ، وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع ، وإما بالعمل الصالح ، والعلم له مبدأ

وهو قوة العقل الذي هو الحفظ والفهم ، وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة ، والعرب هم أفهم من غيرهم ، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة

ولسانهم أتم الألسنة بيانا ، وتمييزا للمعاني جمعا وفرقا ، يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل .

وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق ، وهي الغرائز المخلوقة في النفس ، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم ، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة " انتهى.

"اقتضاء الصراط المستقيم" (148-162)

وانظر : "منهاج السنة النبوية" (4/364)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:31
أردت معرفة معنى حديث ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْن ) ، مع مرور مدة طويلة منذ قوله

السؤال

1. قول النبى صلى الله عليه وسلم ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) - وأشار بالسبابة والوسطى - أليست ال 1400 سنة مدة كبيرة ؟! فهناك تفسيران لم أقتنع بهما : أولاً : إن عمر الأرض 4600 مليون سنة

لأن هذا يجعل الحديث لم يختص به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث إن كذلك سيدنا عيسى عليه السلام ينطبق عليه القرب من الساعة أيضاً . ثانياً - التفسير الآخر - :

إن يوماً عند ربك كألف سنة لأن الخطاب في الحديث موجه للناس بأيامهم هم . ولم أقتنع بتفسير ابن حجر في كتابه " فتح الباري في شرح صحيح البخاري " لأن الحديث ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة )

يوحى بالقرب بين الأصابع وليس بفرق الطول

. 2. في قول الله عز وجل ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) يوجد الآن ما يسمَّى بـ " الاستمطار " في إنزال المطر " بغض النظر عن مكان نزول المطر " فهل هذا لا يناقض اختصاص الله بإنزال المطر ؟

وكذلك يُعلم الآن نوع الجنين ، ولم اقتنع بالتفرقة بين " ما " وبين " من " في الآية ؛ حيث " ما " لغير العاقل ؛ لأن سبب نزول الآية كان سؤال الأعراب عن نوع الجنين وليس عن عمره ورزقه وهل هو شقي أم سعيد

. 3. الاستنساخ فكيف ( وجعلنا منه ) - أي : إن نوع الجنين يحدده مني الرجل – ( الزوجين الذكر والأنثى )

مع أنه ممكن الاستغناء عن الرجل في هذه العملية بأخذ كل الكروموسومات من المرأة فقط ، وكذلك ( و يجعل من يشاء عقيما ) هكذا العقيم أصبح غير عقيم .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

أخرج هذا الحديث الإمام البخاري في صحيحه ( 6140 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْن ) يعني : إصبعين

وجاء عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعة هكذا - ويشير بأصبعيه فيمدُّ بهما - ) رواه البخاري ( 6138 ) ومسلم ( 2950 )

وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه ( 867 ) عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول

" صبَّحكم ومسَّاكم " ويقول ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى .

وخرج الإمام أحمد ( 38 / 36 ) بإسناد حسن من حديث بريدة ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة جَمِيعاً إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي ) .

ثانياً:

أما بخصوص من يقول إن بيننا وبين ورود الحديث أكثر من ألف وأربعمائة سنة فكيف يقول الله تعالى ( اقتربت الساعة ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) ؟ فالجواب عليه من وجوه ، أبرزها :

1. أن المعنى : أنه ليس هناك نبي آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو حاتم بن حبان رحمه الله :

" يُشبه أن يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) أراد به : أني بُعثت أنا والساعة كالسبابة والوسطى من غير أن يكون بيننا نبي آخر ؛ لأني آخر الأنبياء وعلى أمتي تقوم الساعة "

انتهى من " صحيح ابن حبان " ( 15 / 13 ) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" أول أشراط الساعة : النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه نبي آخر الزمان ، وقد بُعث وليس بينه وبين القيامة نبي "

انتهى من " التذكرة " ( ص 111 ) .

2. أن المعنى : هو القرب الذي في علم الله تعالى وحسابه ، لا في علم البشر وحسابهم .

قال الشيخ عمر الأشقر حفظه الله :

" قد يقال : كيف يكون قريباً ما مضى على الإخبار بقرب وقوعه ألف وأربعمائة عام ؟

والجواب : أنه قريب في علم الله وتقديره ، وإن كانت المقاييس البشرية تراه بعيداً ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) المعارج/ 6 ، 7 "

انتهى من " القيامة الصغرى " ( ص 115 ) .

3. أن المعنى : أن بين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة شيء يسيرٌ بالنسبة لما مضى من الزمان .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" وهذا يدل على قربها ، لكن مع ذلك كم بيننا وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

نحن في القرن الخامس عشر الهجري بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة ، ومع ذلك ما زالت الدنيا باقية مما يدل على أن ما مضى طويل جدّاً

حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم عند غروب الشمس قال ( إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا - يعني : بالنسبة لمن سبقكم - فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا ) رواه الترمذي وحسَّنه "

وضعفه الألباني في " ضعيف الترغيب والترهيب " برقم (1641) .

انتهى من " تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد " ( ص 361 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:31
وقال الشيخ عمر الأشقر حفظه الله :

" والأمر الذي ينبغي أن يُنتبه إليه : أن الباقي من الدنيا قليل بالنسبة لما مضى منها ، فإنك إذا وضعتَ لمن لك عليه دين أجلاً طويلاً كأن توجله خمسين عاماً - مثلاً -

فإذا انقضى من الخمسين خمسة وأربعون فيكون موعد السداد قد اقترب بالنسبة لما مضى من الموعد المضروب ، والأحاديث النبوية الشريفة تشير إلى هذه الحقيقة التي بينَّاها هنا

ففي صحيح البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

( إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِى أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ ) وفي لفظ ( إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ) [ تنبيه: رواه البخاري باللفظين دون مسلم ] .

إن الحديث يمثل الوجود الإنساني بيوم من أيام الدنيا ، ابتدأ وجود الأمة الإسلامية فيه عند العصر فيكون الماضي من عمر الوجود الإنساني بنسبة ما مضى من ذلك اليوم من الفجر إلى العصر

ويكون الباقي من عمر الزمن حتى تقوم الساعة كما بين العصر والمغرب ، ذلك أن النصوص صريحة الدلالة على أننا آخر الأمم وجوداً ، وأن نهاية وجود هذه الأمة يتحقق بقيام الساعة .

وجاء في حديث آخر يرويه البخاري ومسلم عن سهل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) - ويشير بأصبعيه فيمدهما -

ورواه مسلم عن سهل بلفظ : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه التي تلي الإبهام والوسطى وهو يقول ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة هَكَذا ) .

والمعنى : أننا لو قدَّرنا عمُر الزمن بالأصبع الوسطى فإن ما بقي منه عند مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بمقدار ما تزيد الوسطى عن السبابة

وما مضى منه بمقدار السبابة من الأصبع الوسطى ، قد يكون الباقي في حِسِّ البشر طويلاً لأن إدراكهم محدود ونظرتهم قاصرة ، ولكنه في ميزان الله قريب وقصير ( أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) النحل/ 1

( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) النحل/ 77 .

وروى الإمام أحمد عن عتبة بن غزوان قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ ... ) انفرد به مسلم "

انتهى من " القيامة الصغرى " ( ص 116 ، 117 ) .

ثالثاً:

لا يشك مسلم في ثبوت قرب الساعة وكيف يفعل ذلك وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم بأوضح عبارة وأجلى بيان ؟! قال تعالى ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) الأنبياء/ 1

وقال جل وعلا ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) القمر/ 1 ، وقال ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) الأحزاب/ 63 ، وقال جل وعلا ( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ) الذاريات/ 57 .

تفسير القرآن " من الحجرات إلى الحديد " للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( ص 361 ) .

فالواجب عليك – أخي السائل – وعلى المسلمين جميعاً الإعداد للقاء الله تعالى ، سواء كان ذلك لقدوم الساعة العظمى وهي يوم القيامة

أو للساعة الصغرى وهي موت المسلم نفسه ، فإنه من مات قامت قيامته ، ولا ينبغي لنا الاشتغال بما لا فائدة منه ولا طائل وراءه ، وليكن اهتمامنا فيما ينفعنا عند لقاء ربنا تعالى

ولا ريب أنه لا بدَّ من قيام إحدى الساعتين على كل واحد منا وقد تكون الساعة الصغرى هي الأقرب لعدم حصول علامات الساعة الصغرى جميعها ، وعدم حصول علامة من علاماتها الكبرى

والموت – ولا شك – يأتي بغتة ، ولا يعرف صغيراً ولا كبيرا ولا مريضاً ولا صحيحاً ، فماذا أعددنا لتلك الساعة التي نفارق فيها دنيانا ونلقى فيها ربنا عز وجل ؟! .

رابعاً:

وأما بخصوص " الاستمطار " فقد فصَّلنا القول فيه في جواب السؤال القادم فانظره.

وأما بخصوص العلم بجنس الجنين عن طريق الأجهزة فقد فصَّلنا فيه القول في جواب السؤال الثاني فانظره .

خامساً:

وأما " الاستنساخ " فقد ذكرنا ما يتعلق به في جواب السؤال رقم ( 21582 ) وفيه : جواز الاستنساخ في الحيوان والنبات بما يحقق مصالح للبشرية

وفيه : أنه لم يحصل الاستنساخ – أصلاً - في الإنسان ، وعليه : فالسؤال غير وارد أصلاً ، ويبقى ما ذكره الله تعالى في خلق الإنسان لا مدافع له ولا معارض .

وأما من حيث المشروعية ، فلم يجوِّز أحد من أهل العلم المعاصرين " الاستنساخ البشري الخلوي " –

وهو : تلقيح بويضة المرأة عن طريق خلية من جسمها – أو من امرأة أخرى – وليس من خلية جسم منوي - إلا الرافضة ! ولا قيمة لمخالفتهم ! .

والنصيحة للأخ السائل أن يُبعد نفسه عن تتبع الشبهات والإشكالات وليقو نفسه بالعلم واليقين ، وليعلم أن البحث عن الشبهات واستشكال النصوص قبل قوة الإيمان ومتانة العلم سبيل لفساد الدين وجفاء الخلق

فحاذر من سلوك هذا السبيل ، واعلم أن استشكالك لنص لا يعني أنه مشكل

وعدم قبولك لما قيل في شرحه لا يعني ضعف حجة قائله

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:39
" المطر الصناعي " حقيقته ، وأقوال العلماء فيه

السؤال

ما الحكم الشرعي فيما يسمى بـ " استمطار السحاب " بواسطة التلقيح الصناعي ؟

وهل يصح قياسه على طفل الأنابيب وعمليات التلقيح الصناعي ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

حقيقة " الاستمطار " ، وكيفيته :

جاء في " الموسوعة العربية العالمية " :

" الاستمطار " – Rainmaking - :

الاستِمْطار : عملية إسقاط المطر من السحب بطريقة علمية بحته تُجْرَى على السحب المتكوِّنة في الجو ، ويسمَّى أيضاً : " تطعيم السحب "

يستخدم الناس هذه الطريقة لزيادة كمية المياه بمنطقة معيَّنة ، أو لتوفير المياه للري

أو لتوليد الطاقة الكهربائية من المحطات الكهرومائية ، وتُستخدم أيضاً لمنع سقوط الأمطار الغزيرة في المناطق الزراعية خوفاً من تلف المحاصيل

ويمكن للخبراء في بعض الأحيان تخفيض شدة العواصف بتكوين السحب قبل وصولها إلى تلك المناطق ، وقد قام العديد من علماء الولايات المتحدة ، الذين يعملون بصفة مستقلة

بتطوير أساليب الاستمطار وطرقها خلال الأربعينيات من القرن العشرين .

ثلاث طرق للاستمطار :

طرق الاستمطار : يحدث المطر عندما يُكوِّن بخار الماء في السحب بلورات ثلجية ، أو قطرات ماء ضخمة وثقيلة بالقدر الكَافي للسقوط على الأرض

يمكن في بعض الحالات زيادة احتمال سقوط المطر بإضافة مواد تعرف بعوامل التطعيم إلى السحب ، وتعمل عملية التكوين بصورة أفضل في السحب التي يكون احتمال سقوط الأمطار منها كبيراً

وتعتمد المادة المستخدمة في عملية التطعيم على درجة حرارة السحب .

وعند درجات حرارة أعلى من الصفر المئوي : فإن عامل التطعيم الرئيسي المستخدم سائل مكون من " نترات الأمونيوم " و " اليوريا "

وتسبب جسيمات هذا العامل تكون بخار الماء حوله ، ويرش عامل تطعيم السحب من الطائرات على أسفل السحابة .

وعندما تتكون بلورات الثلج : تسقط في اتجاه الأرض في صورة كتل جليدية رقيقة ، وعندما تدخل منطقة تكون درجة حرارتها فوق درجة الصفر : تنصهر مكونة المطر .

تبلغ درجة حرارة الجليد الجاف - وهو غاز ثاني أكسيد الكربون - حوالي 80° م تحت الصفر ، وتقوم كرات الثلج الجاف عند إسقاطها على السحب من الطائرة بخفض درجة حرارة الماء فائق البرودة

وعندما تنخفض درجة الحرارة : يتحول الماء إلى بلورات من الثلج ، وتشبه بلورات " يوديد الفضة " بلورات الثلج ، وهي التي تؤدي بالماء فائق البرودة إلى تكوين بلورات الثلج حولها ، وتستخدم أجهزة تُسمى " الشعلات "

و " المولدات " ، لإنتاج وتوزيع بخار يحتوي على بلورات " يوديد الفضة " ، ويكوَّن هذا البخار بحرق " يوديد الفضة " مع مواد أخرى

ويتم توزيع البخار عن طريق الطائرة ، كما يمكن استخدام " المولدات " أيضاً لتوزيعه على الأرض .

تسبَّبت عملية " تطعيم السحب " في كثير من الخلافات ، والمناقشات ، فالعلماء لم يكونوا قادرين على إثبات تأثيرها العملي في كل الحالات

ويضاف إلى ذلك اعتقاد بعض الناس بأن زيادة سقوط المطر في مناطق معينة : قد يؤدي إلى نقصه في مناطق أخرى " انتهى .

ثانياً:

كلام بعض خبراء البيئة ، والأرصاد الجوية :

1. قال الكاتب البيئي أسعد سراج أبو رزيزة : " في عام 2003 م ذكر تقرير للأكاديمية القومية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية : ( أنه لا توجد حتى الآن أدلة حاسمة ، ونتائج موثقة تؤكد فاعلية هذه التقنية ) .

وتذكر جمعية الأرصاد الجوية الأمريكية : ( أن هناك مؤشرات لاحتمال زيادة كمية الأمطار بنسبة 10% بعد بذر السحب ، واستمطارها ) .

ويقول الدكتور " ويليام كوتون " من قسم علوم الأرصاد بجامعة ولاية كولورادو : " إنه لم نر - باستثناء بعض الحالات النادرة - أدلة حاسمة تؤكد أن استمطار السحب يحقق أهدافه " .

وتذكر منظمة الكومنولث للعلوم والصناعة في تقرير لها : " أنه من المستحيل كسر الجفاف باصطياد المطر صناعيّاً

وتؤكد أن نجاح تجاربها كان مرهوناً بنوع السحب المستهدفة ، وأن معظم السحب لا يمكن استمطارها " انتهى .

2. وقال أيضاً – الكلام لأسعد سراج - :

" الأثر البيئي لهذه التقنية يجب البحث فيه ومعرفة جوانبه ، فالمواد المستخدمة في بذر السحب : مواد سامة - بحسب تصنيف المنظمات العالمية -

فمكتب البيئة والصحة والسلامة بجامعة " بيركلي " - كاليفورنيا بالولايات المتحدة - يصنف " يود الفضة " بأنه مادة كيماوية غير عضوية ، خطرة ، لا تذوب في الماء ، وسامة للإنسان ، والأسماك .

وتفهرس وكالة حماية البيئة الأمريكية مادة " يود الفضة " ضمن المواد الخطرة ، والسامة .

وفي دراسات طبية عديدة على تأثير " يود الفضة " على صحة الإنسان : ثبت أنها تدخل إلى جسمه عن طريق الجهاز الهضمي ، أو التنفسي ، أو عن طريق امتصاص الجلد ، وتصيبه بأمراض

تبدأ بإثارة الجهاز الهضمي ، وتحوِّل لون الجلد إلى الأسود ، في حالات التسمم البسيطة ، وتصل إلى تضخم القلب ، والنوبات الصدرية الحادة ، مع الجرعات العالية " انتهى .

"جريدة الوطن السعودية" ( الأربعاء 23 جمادى الأولى 1429هـ ، الموافق 28 مايو 2008م ، العدد ( 2798 ) ، السنة الثامنة ) .

3. نقل الشيخ عبد المجيد الزنداني عن الدكتور محمد جمال الدين الفندي - أستاذ الفلك والطبيعة الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرة قوله :

" إن الظروف الطبيعة التي تؤدي إلى تكوين المُزن – السحاب - ، ونزول المطر : لا يمكن أن يصنعها البشر ، بل وحتى لا سبيل إلى التحكم فيها

ولا يزال موضوع " المطر الصناعي " - ليس مطراً صناعيّاً ، لأن المطر لا يصنعه الإنسان في المعمل ، وإنما هو مطر يستحث الإنسان نزوله - واستمطار السحب العابرة : مجرد تجارب ، لم يثبت نجاحها بعدُ

وحتى إذا ما تم نجاحها : فإن من اللازم أن توفر الطبيعة الظروف الملائمة للمطر الطبيعي حتى يمكن استمطار السماء صناعيّاً ، أي : إن واجب علماء الطبيعة الجوية لا يتعدى قدح الزناد فقط " انتهى .

"توحيد الخالق للشيخ عبد المجيد الزنداني" (ص/223) .

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:39
ثالثاً:

فتاوى بعض العلماء فيه :

1. سئل الشيخ عطية صقر رحمه الله :

توصل بعض العلماء إلى إنزال " مطر صناعي " ، فهل يتنافى ذلك مع قول الله تعالى ( وينزل الغيث ) ؟

فأجاب :

" كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود في السحاب ، أو في الجو عامة يحدث لعوامل ، فينزل المطر أو الندى ، وليس في ذلك مشاركة لقوله تعالى : ( وينزل الغيث ) لقمان/34

لأن تكوُّن السحاب ، وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذي خلقها ، فهو الخالق للبخار ، ولحرارة الشمس ، والمتحكم في برودة الجو ، وكذلك في الرياح

وسوقها للسحاب ، وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثراً

كما قال سبحانه : ( ألم تر أن الله يزجى سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء ) النور/43 .

إن العمليات التي يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر في نطاق ضيق ، في عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذباً ، فهي تدور على التبخير ، والتكثيف ، كما يحدث في " الأنبيق "

الذي تستخرج به العطور ، وليس عملهم هذا تدخلاً في صنع الله ، بل هو تصرف واستخدام للمادة التي خلقها الله ، ولا يمكن لأحدٍ أن يخلق الحرارة ، أو البرودة ، أو الماء بوسائط ، أو مواد غير ما أوجده الله في الكون .

ومع ذلك فالمحاولات لا تغني ؛ لأن كثيراً من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف ، وقلة الماء ، وهلاك الزرع ، والحيوان ، فلو أمكنهم التحكم في المطر ، والماء

والريح - كما يتحكم الله ليُغاثوا من القحط - : ما سكتوا ، فقدرة الله فوق قدرتهم ، وإرادة الله فوق إرادتهم ، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله : لا تبرر إسناد الشفاء الحقيقي إلى غير الله .

وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط : عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف ، والصواعق ، والسيول ، والزلازل ، والبراكين على بلاد المتحضرين ، المزهوين بعلومهم ، واختراعاتهم

كل ذلك يزيدنا إيماناً بقوله تعالى : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد . إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد . وما ذلك على الله بعزيز ) فاطر/15-17 " انتهى .

" فتاوى الأزهر " ( 7 / 405 ) - ترقيم " الشاملة " -
.
2. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" ما يسمَّى بـ : " المطر الصناعي " : لم يثبت - حسب علمنا - أنه على ما يُذكر عنه ، بل الأمر مبالغ فيه ، وأمره - والحمد لله - لا يشكل ؛ وذلك أن الله أطلعهم على أن المطر يُحدث بقدرة الله بتفاعل أشياء

فهم يعمدون إلى عملها ، وقد يحدث حصول بعض الأمر ، وقد لا يحدث ، وإن حدث : فهو في حيِّزٍ ضيق ، وليس كالمطر الذي ينزله الله تعالى من السحاب

ولذا نعلم - كما يعلم غيرنا - أن الدول التي تعمد إلى تجربة ما يسمى بـ : " المطر الصناعي " لا تستفيد منه ، وإذا لم ينزل الله تعالى عليها المطر من السماء عاشت في قحط وفقر " انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .

"فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية (1/241) .

والخلاصة :

1. بداية اكتشاف ما يسمى " المطر الصناعي " بدأ عام 1946 م ، ولو أنهم أفلحوا ونجحوا في ادعاءاتهم لصارت الأرض قطعة خضراء ، ولما اشتكت دولة من قحط ، ولا عانت من جفاف ، فكل ما في الأمر أنها تجارب .

2. حتى ما يدعونه فإنهم لا يستطيعون القيام به إلا مع وجود السحاب الذي خلقه الله تعالى ، وإلا مع وجود الإمكانية التي جعلها الله تعالى فيها أنها ينزل الماء منها

وكذا ما يتعلق بالظروف الأخرى التي يحتاجها السحاب لذلك الإنزال .

3. ما يصل إليه الشرق والغرب من العلم ما هو إلا بتسهيل الله وتعليمه ، ولن يكون لأحد قدرة فوق قدرة الله ، ولا علم من غير تعليم الله له .

4. الماء الذي يدعون إنزاله بالاستمطار لو أنه ثبت يقيناً : فلا يمكن أن يكون إلا بإذن الله ، ولو شاء الله أسقط طائراتهم ، ولأرجع مدافعهم عليهم

ولأجرى السحاب حيث شاء سبحانه ، أو لأمسك ما فيها أن ينزل ، وإذا كان الغرب الكافر لا يعي هذا : فإنه لا يجوز أن يغيب هذا عن ذهن المسلم ولا للحظة واحدة .

ويشبه هذا : إنبات الزرع – أو التلقيح الصناعي كما ذكره السائل - ، فالله تعالى أخبر أنه هو الذي يُنبت الزرع ، ويخرج الثمار ، وما يفعله بعض المزارعين من وضع المواد الكيميائية

أو الطبيعية لسرعة الإنبات لا يعني مخالفة ما في القرآن ، بل إن الله تعالى قد مكنهم من هذا ، وعلمهم إياه ، وقد يكون فيه الضرر ، كما في استعمال المواد الكيميائية ، وقد يكون فيه النفع ، كاستعمال المواد الطبيعية .

5. الماء الذي تكفَّل الله تعالى بإنزاله من السحاب هو " الغيث "

وكذا سماه تعالى في آية الغيبيات الخمسة ( وَيُنزِّل الغَيْثَ ) ، وهو الذي يغيث الله تعالى به البلاد والعباد ، وتكون منه الجداول والواحات

وهو الذي يُنبت الله به الزرع ، وتمسك الأرض ما يشاء الله منه في باطنها ، وأما ما يزعمون أنه ينزل من السحاب بالاستمطار : فليس هو ماء الحياة ، بل هو – كما سماه بعضهم – " ماء الوهم " ،

بل هو " ماء الضرر " كما سبق بيانه .

6. لا ينبغي للدول الإسلامية أن تتبع دعايات الشركات التجارية ، والأبحاث المزورة ، وليكن الأمر منهم على واقع مشاهد في بلاد تلك الشركات ، والتي لو صدقت ادعاءات شركاتها لحولوا صحاريهم إلى جنان .

7. لا ينبغي للمسلم أن يغفل عن " صلاة الاستسقاء " فإنها هي " الاستمطار " الحقيقي ، وقد ثبت في صحيح السنَّة أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى ربه وليس في السماء سحابة كبيرة ولا صغيرة

ثم جاء الله تعالى بالسحب المحملة بالغيث ، فأغاث الله تعالى بها البلاد والعباد ، وما يزعمه هؤلاء فإنهم يؤكدون أنهم لا يمكنهم " الاستمطار " إلا بوجود سحاب ! فأي الأمرين أحق بأن يسمَّى استمطاراً ؟

وأي الفريقين أصدق قيلاً ؟ .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:43
هل العلم بجنس المولود من الغيب

السؤال

كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته , وقوله تعالى : ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ) لقمان/34.

وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما تلد امرأته , فأنزل الله الآية وما جاء عن قتادة رحمه الله ؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى : (ما في الأرحام) ؟.

الجواب

الحمد لله

قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً

وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة ,

فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له ,

وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته

لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي ,

ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً .

فإذا تبين ذلك فقد قيل : إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام , والعلم بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام , وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية ,

حيث إن الآية تدل على أمر غيبي وهو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة, والأمور الغيبية في حال الجنين هي : مقدار مدته في بطن أمه, وحياته, وعمله, ورزقه, وشقاوته أو سعادته,

وكونه ذكراً أم أنثى, قبل أن يُخلًّق, أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته, أو أنوثته من علم الغيب , لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة, التي لو أزيلت لتبين أمره, ولا يبعد

أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى. وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة, وكذلك لم تأت السنة يذلك.

وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, عما تلد امرأته, فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً رحمه الله من التابعين.

وأما تفسير قتادة رحمه الله فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يُخلًّق , أما بعد أن يخلق فقد يعلمه غيره. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان

: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه, ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه. ا. هـ

وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله تعالى (ما في الأرحام). فنقول :

إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع, وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص أو الإجماع أو القياس أو الحس أو العقل وكلامهم في ذلك معروف.

وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله, فليس فيها ما يتعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثة .

والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم, وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى أ

و تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم , ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة.

والناس في هذا المسألة طرفان ووسط :

فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن, فجلب ذلك الطعن إلى نفسه في قصوره, أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن.

وطرف أعرض عمَّا دل عليه القرآن الكريم وأخذ بالأمور المادية المحضة , فكان بذلك من الملحدين .

وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع, وعلموا أن كلا منهما حق, ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان, فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول,

وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم, وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وقفنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك , وجعلنا هداةً مهتدين , وقادة مصلحين , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت , وإليه أنيب .

مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 68-70

*عبدالرحمن*
2018-11-01, 15:51
إذا كانت الملائكة لا تقرب جيفة الكافر فكيف ستسأله في القبر ؟

السؤال

لقد أشرتم في إحدى فتواكم إلى هذا الحديث : عن النبي صلى الله عليه وسلم :

" ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ ( وهو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء : فيض القدير 3/325 ) وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ " رواه أبو داود (4180)

وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3522) . وقد شاركت فتواكم مع آخرين لكي أنوه إلى أهمية الغسل ، لكن سألني أحدهم "إذا كانت الملائكة لا تقترب من جيفة الكافر

فكيف ستسأله الملائكة في القبر؟

وإذا حان أجل الجنب الآن ، هل يذهب إليه ملك الموت؟

" فهل بوسعكم رجاءً توضيح هذا الأمر فأنا على يقين من وجود سياق لهذا الحديث وأن هناك توضيح له؟ وأنا في انتظار ردكم بفارغ الصبر .

الجواب

الحمد لله

فقد روى أبو داود (4180) عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ : جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ ) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .

والمراد من الحديث أن ملائكة الرحمة لا تقرب هؤلاء بتنزل بركة أو رحمة عليهم

لأنهم ليسوا أهلا لهذا الفضل ، والمراد التنفير من فعلهم وما هم عليه من الحال الموجب لانصراف ملائكة الرحمة عنهم ، يؤيده رواية البيهقي لهذا الحديث في "سننه" (9241) وفيه : ( ثَلاَثَةٌ لاَ تَقْرَبُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِخَيْرٍ ... ) الحديث .

وأخرجه الطبراني ، ولفظه : ( إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر بخير ، ولا جنباً حتى يغتسل أو يتوضأ وضوءه للصلاة ، ولا متضمخاً بصفرة ) .

"فتح الباري" لابن رجب (1 /360) .

فيفيد قوله ( بخير ) في هاتين الروايتين ، أن المراد ملائكة الرحمة الذين يحصل بقدومهم الخير.

أما ملائكة الموت والكتبة الحفظة فإنهم لا يدخلون في هذا الحديث ، وكذا ملائكة العذاب والملائكة الذين يسألون العبد في قبره ونحوهم لا يشملهم الحديث .

قال المناوي رحمه الله :

" ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة ) أي : الملائكة النازلون بالبركة والرحمة

والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر وأضرابهم ، لا الكَتَبة ؛ فإنهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين في شيء من أحوالهم الحسنة والسيئة

( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) "

انتهى من "فيض القدير" (3 /428)

وانظر : "مرقاة المفاتيح" (2/384) .

وقال الخطابي رحمه الله في شرحه لحديث

( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ) – وهو حديث ضعيف – قال :

" قوله لا تدخل الملائكة بيتا يريد الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب"

انتهى من "معالم السنن" (1/75) ، وقرر نحوه البغوي في "شرح السنة" (2/37) .

وروى البخاري (3322) ومسلم (2106) عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ) .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَة كَوْنهَا مَعْصِيَة فَاحِشَة , وَفِيهَا مُضَاهَاة لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى , وَبَعْضهَا فِي صُورَة مَا يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى ، وَسَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْت فِيهِ كَلْب لِكَثْرَةِ أَكْله النَّجَاسَات .

.. فَعُوقِبَ مُتَّخِذهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَة بَيْته ,

وَصَلَاتهَا فِيهِ, وَاسْتِغْفَارهَا لَهُ , وَتَبْرِيكهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْته , وَدَفْعهَا أَذًى لِلشَّيْطَانِ ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة فَهُمْ مَلَائِكَة يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيك وَالِاسْتِغْفَار

, وَأَمَّا الْحَفَظَة فَيَدْخُلُونَ فِي كُلّ بَيْت , وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَم فِي كُلّ حَال , لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالهمْ , وَكِتَابَتهَا "

انتهى من " شرح مسلم " ( 7/207 ) .

فتبين أنه لا إشكال في الحديث ، إذا فهمناه على ما قرره أهل العلم في شرحه ، من أن الحديث فيه نوع عقوبة لمن فعل ذلك ، بأن تجتنب ملائكة الرحمة والبركة مجلسه .

وهذا كله على تقدير ثبوت الحديث وصحته ، وهو اختيار الشيخ الألباني رحمه الله ، وعليه اعتماد الجواب المذكور في الموقع سابقا .

وأما على ما ذهب إليه غير واحد من أهل العلم بالعلل إلى أن الحديث ضعيف الإسناد ، معلول بالانقطاع بين الصحابي ، عمار بن ياسر رضي الله عنه ، والراوي عنه : يحي بن يعمر ، فإنه لم يسمع منه ، فقد زال لإشكال من أساسه .

ينظر : مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة (31/182)

النافلة ، للشيخ أبي إسحاق الحويني ، رقم (149) .

راجع للفائدة إجابة السؤال القادم

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 16:52
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟

السؤال

متى يتجنب الكرام الكاتبين العبد ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

اتفق العلماء على أن أعمال العباد محصاةٌ عليهم ، سواء عملوها في الأماكن الكريمة ، أم في الأماكن المهينة كالخلاء ، وسواء عملوها في أحوال الطاعات أم في أحوال المعاصي والآثام

فكل ما عمله العبد في حياته ، سوف يلقاه يوم القيامة مثبتا في كتاب أعماله ، من صغير أو كبير

من جليل أو حقير . قال الله تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف /49 .

ثانيا :

اختلف العلماء فيما إذا كانت الملائكة الموكلة بتسجيل الأعمال قد تفارق العبد في بعض الأماكن والأحوال ، أم لا ، وذلك على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أن الملائكة الموكلة بكتابة الأعمال لا تفارق العبد في أي حال من الأحوال .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" هذان الاثنان – يعني الملكين - هل هما دائماً مع الإنسان ؟ نعم لقوله : ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 وقيل : إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء

وإذا كان عند الجماع ، فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى العين والرأس ، وإن لم يصح فالأصل العموم ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 " انتهى.

" شرح العقيدة السفارينية " (3) .

القول الثاني : أن الملائكة تفارق العبد في مواضع : في الخلاء ، وعند الجماع ، وأضاف بعضهم عند الاغتسال .

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" الحفظة لا يفارقوننا ، إلا عند الخلاء والجماع والغسل ، كما في حديث " انتهى.

" الفتاوى الحديثية " (ص/47)

ويقول السفاريني رحمه الله :

" لا يفارقان العبد بحال ، وقيل : بل عند الخلاء

وقال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين : عند غائطه ، وعند جماعه ، ومفارقتهما للمكلف حينئذ لا تمنع من كتبهما ما يصدر منه في تلك الحال ، كالاعتقاد القلبي ، يجعل الله لهما أمارة على ذلك " انتهى.

" لوامع الأنوار البهية " (1/448)

واستدلوا على ذلك بأدلة عدة :

الدليل الأول : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ )

رواه الترمذي (رقم/2800)

لكن هذا الحديث ضعيف ، قال الترمذي بعد إخراجه له : "هذا حديث غريب " انتهى. وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/2300)

قال بدر الدين العيني رحمه الله :

" فإن قيل : قد رُوِيَ عنه عليه السلام أن الكرام الكاتبين لا يُفارقان العَبد إلا عند الخلاء والجماع.

قلت : هذا حديث ضعيف لا يحتج به " انتهى.

" شرح سنن أبي داود " (2/397)

الدليل الثاني : روى عبد الرزاق في " المصنف " (1/285) عن ابن جريج ، عن صاحب له ، عن مجاهد قال :

( لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية - وعليه ثوب مستور عليه - هبت الريح ، فكشفت الثوب عنه ، فإذا هو برجل يغتسل عريانا بالبراز

فتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا أيها الناس ! اتقوا الله واستحيوا من الكرام ، فإن الملائكة لا تفارقكم إلا عند إحدى ثلاث ، إذا كان الرجل يجامع امرأته ، وإذا كان في الخلاء ، قال : ونسيت الثالثة .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا اغتسل أحدكم فليتوار بالاغتسال إلى جدار ، أو إلى جنب بعير ، أو يستر عليه أخوه )

لكن هذا الحديث مرسل ، وفي سنده مبهم . فلا يصح الاستدلال به ، لضعفه .

الدليل الثالث : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :

( إن الله ينهاكم عن التعري ، فاستحيوا من الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند الغائط والجنابة والغسل ، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحائط )

قال ابن تيمية رحمه الله :

" رواه ابراهيم الحربي ، ورواه ابن بطة من حديث ابن عمر ، وقد صح ذلك من مراسيل مجاهد " انتهى.

" شرح العمدة " (1/401)

لكن لم يتم الوقوف على إسناد الحديث إلى ابن عباس ، والمعروف أنه من حديث ابن عمر كما سبق تخريجه عند الترمذي ، وبيان ضعفه .

القول الثالث : أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه ، سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، سواء كان في محل كريم أو مكان مهين .

ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء ، وهل يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله ، أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال

وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه .

والذي ينبغي في ذلك ألا يتكلم المرء في مثل تلك الأمور الغيبية ، من غير دليل من كتاب الله ، أو سنة رسوله ، وإسناد العلم في ذلك إلى الله عز وجل ، والإيمان بأن كل ما يصدر من العبد محصي عليه

وهو كاف للعبد في هذا الباب ، وهو الأمر الذي ينفعه ويعنيه ؛ يقول الله عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18.

وقال سبحانه وتعالى : ( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية/29.

قال السيوطي رحمه الله :

" وأما السؤال عن دخول الكاتبين الخلاء ، فجوابه : أنَّا لا نعلم ، ولا يقدح عدم علمنا بذلك في ديننا ، وجملة القول فيه : أنهما إن كانا مأمورين بالدخول دخلا

وإن أكرمهما الله عن ذلك وأطلعهما على ما يكون من الداخل ، مما سبيلهما أن يكتبا ، فهما على ما يؤمران به " انتهى.

" الحبائك في أخبار الملائك " (ص/90) .

ولعل القول الثالث هو القول الأقرب ، والأوفق لجانب الأدب في مثل ذلك ؛ لما فيه من الوقوف عند النصوص ، وعدم تجاوزها من غير دليل قوي ولا برهان صحيح .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 16:56
الكلام على حديث : ( الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ )

السؤال

جاء في الحديث أن الرؤيا الصادقة جزء من ستٍ وأربعين جزءا من النبوة ، فما الـ 45 جزءا المتبقية؟ أحيلوني إلى كتاب أو موقع تحدث عن هذا، أو زودوني بها مشكورين، وبارك الله فيكم.

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (6989) من حديث أبي سعيد ، ومسلم (2263) من حديث أبي هريرة

عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ ) .
وقد وردت رواية أخرى في عد أجزاء النبوة

ينظر : "فتح الباري" (12 /363) .

وقد اختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث اختلافا واضحا :

فقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : أَجْزَاء النُّبُوَّة لَا يَعْلَم حَقِيقَتهَا إِلَّا مَلَك أَوْ نَبِيٌّ , وَإِنَّمَا الْقَدْر الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّن أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْء مِنْ أَجْزَاء النُّبُوَّة فِي الْجُمْلَة ، لِأَنَّ فِيهَا اِطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْب مِنْ وَجْه مَا

وَأَمَّا تَفْصِيل النِّسْبَة فَيَخْتَصّ بِمَعْرِفَتِهِ دَرَجَة النُّبُوَّة .

وَقَالَ الْمَازِرِيّ : لَا يَلْزَم الْعَالِم أَنْ يَعْرِف كُلّ شَيْء جُمْلَة وَتَفْصِيلًا , فَقَدْ جَعَلَ اللَّه لِلْعَالِمِ حَدًّا يَقِف عِنْده , فَمِنْهُ مَا يَعْلَم الْمُرَادَ بِهِ جُمْلَة وَتَفْصِيلًا , وَمِنْهُ مَا يَعْلَمهُ جُمْلَة لَا تَفْصِيلًا , وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيل .

وذهب بَعْض أَهْل الْعِلْم إلى أن وجه المناسبة في ذكر هذا العدد في الحديث أَنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَى نَبِيّه فِي الْمَنَام سِتَّة أَشْهُر , ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ فِي الْيَقَظَة بَقِيَّة مُدَّة حَيَاته ,

وَنِسْبَتهَا مِنْ الْوَحْي فِي الْمَنَام جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا ، لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْد النُّبُوَّة ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة عَلَى الصَّحِيح . وقد أنكر هذا التأويل ابن بطال والخطابي وغيرهما .

وقَالَ النَّوَوِيّ

: لَمْ يَثْبُت أَنَّ زَمَن الرُّؤْيَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سِتَّة أَشْهُر .

وقَالَ الْمَازِرِيّ :

وَقِيلَ : الْمُرَاد أَنَّ لِلْمَنَامَاتِ شَبَهًا مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَمَيَّزَ بِهِ من النُّبُوَّة ، بِجُزْءٍ مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا .

وقَالَ الْخَطَّابِيُّ

: وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرُّؤْيَا تَأْتِي عَلَى مُوَافَقَة النُّبُوَّة , لِأَنَّهَا جُزْء بَاقٍ مِنْ النُّبُوَّة .

وقال ابن الأثير :

" ليس المعْنى أن النُّبوّة تَتَجزَّأ ، وَلاَ أنَّ مَن جَمع هذه الخلالَ كان فيه جزءٌ من النبوّة ، فإن النبوَّة غيرُ مكْتَسَبة ، ولا مُجْتَلبَة بالأسباب ، وإنَّما هي كرامة من اللّه تعالى .

راجع :

"فتح الباري" (12/361-368)

– "الفروق" – للقرافي (4/410-414)

– "شرح مسلم" – للنووي (15/21)

– "شرح البخاري" – لابن بطال (9/515-516)

– "عون المعبود" (13 /246)

– "التمهيد" (1/279-285)

"النهاية" لابن الأثير(1 /741) .

على أننا نعود فننبه إلى أن سياق الحديث إنما هو في الرؤى الصادقة وشأنها ، وليس في ضبط أجزاء النبوة ، فمثل هذا لا يعرف إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم لنا ، ولم يأته به توقيف

ولا ينبني عليه كبير عمل ؛ فالنبوة قد انقطعت ، ولو لم تنقطع فلا مطمع في نيلها ببحث ولا طلب ، ولا جد ولا اجتهاد ؛ إنما هي فضل الله يؤتيه من يشاء ، وقد ختم هذا الفضل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين

: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )

فأجاب : " معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) أن رؤيا المؤمن تقع صادقة لأنها أمثال يضربها الملك للرائي ، وقد تكون خبرا عن شيء واقع

أو شيء سيقع فيقع مطابقا للرؤيا فتكون هذه الرؤيا كوحي النبوة في صدق مدلولها وإن كانت تختلف عنها ، ولهذا كانت جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة .

وتخصيص الجزء بستة وأربعين جزءا من الأمور التوقيفية التي لا تُعلم حكمتها كأعداد الركعات والصلوات " انتهى
.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1 /327-328) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:02
معنى حديث ( كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك )

السؤال

ما هو حكم الحديث التالي في صحيح مسلم : عن معاوية بن الحكم قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمَّاهُ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟

فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصْمِتُونِي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، وَاللَّهِ مَا قَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي، وَلا شَتَمَنِي

قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: " فَلا تَأْتِهِمْ " . قَالَ : وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ ؟ قَالَ : " ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ "

قَالَ : قُلْتُ : وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ ، قَالَ : " كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ مِثْلَ خَطِّهِ فَذَاكَ ". وبعض الناس يقولون إنه دليل على جواز التنجيم برسم الخطوط على الرمال ، فأرجو الرد .

الجواب

الحمد لله

الضرب بالرمل وادعاء أن ذلك من علامات معرفة الغيب هو من فعل الكهَّان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويفسدون أديانهم وأديان الناس معهم .

والحديث الذي ذكره الأخ السائل هو حديث صحيح بلا شك ، لكنه لا يدل بحال على صحة ما يدعيه الكهان ؛ لأن خط ذاك النبي عليه السلام على الرمل كان آية من آيات الله

علَّمه الله تعالى إياه ، ليكون دلالة على ما يوحي الله تعالى له به ، وما يعلمه إياه ، ثم إن نبينا صلى الله عليه وسلم قد علَّق أمر الخط على الرمل على مستحيل وهو موافقة الخط لخط ذاك النبي عليه السلام

وأنَّى لمدَّعٍ أن يصدِّقه الموحدون إذا زعم أن خطه على الرمل آية من الله ، أو أن خطه موافق لخط ذاك النبي ؟! .

وستجد فيما يأتي جملة من كلام أهل العلم توضيحاً لمعناه وبياناً لبطلان كلام من زعمه حجة للكهَّان .

قال الأستاذ عبد المجيد المشعبي – وفقه الله - :

واستدل أرباب هذه الصناعة على جواز وصحة صناعتهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك )

قالوا : إن علم الرمل ثبت عن إدريس عليه السلام فهو المعلم الأول ، وكان علم الرمل من معجزاته ! .

وهذا دليل يدل على بطلان هذا العلم وعلى تحريم هذه الصناعة ولا يدل على إباحتها مطلقاً ؛ حيث إن العلماء بينوا معنى هذا العلم ، وباتضاح المعنى تتضح الدلالة .

قال الخطابي رحمه الله بعد سرد هذا الحديث

: " يحتمل أن يكون معناه الزجر عنه ؛ إذ كان من بعده لا يوافق خطه ، ولا ينال حظه من الصواب ؛ لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي ، فليس لمن بعده أن يتعاطاه طمعاً في نيله . "

معالم السنن " ( 2 / 374 ) .

وقال النووي رحمه الله تعالى

: " اختلف العلماء في معناه ، والصحيح أن معناه : من وافق خطه فهو مباح له ، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة ؛ فلا يباح .

والمقصود : أنه حرام ؛ لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة ، وليس لنا يقين بها ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فمن وافق خطه فذاك ) ولم يقل :

هو حرام بغير تعليق على الموافقة ، لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط ، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي

مع بيان الحكم في حقنا ، والمعنى

: أن ذلك النبي لا مانع في حقه ، وكذا لو علمتم موافقته ، ولكن لا علم لكم بها .

وقال القاضي عياض :

" المختار : أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول ، لا أنه أباح ذلك لفاعله " ، قال : " ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا " .

ثم قال النووي : " فحصل من مجموع كلام العلماء فيه : الاتفاق على النهي عنه الآن " .

" شرح النووي على صحيح مسلم " ( 5 / 23 ) .

وقال ابن خلدون : " ليس في الحديث دليل على مشروعية خط الرمل كما يزعمه بعض من لا تحصيل لديه ؛ لأن معنى الحديث : كان نبي يخط فيأتيه الوحي عند ذلك الخط

ولا استحالة أن يكون ذلك عادة لبعض الأنبياء ، ( فمن وافق خطه فهو ذاك ) ، أي : فهو صحيح من بين الخط بما عضده من الوحي لذلك النبي الذي عادته أن يأتيه الوحي عند الخط

وأما إذا أخذ ذلك من الخط مجرداً من غير موافقة وحي فلا " . "

مقدمة ابن خلدون " ( ص 112 ) .

وقال ابن حجر الهيتمي : " تعلم الرمل وتعليمه حرام شديد التحريم ، وكذا فعله ؛ لما فيه من إبهام العوام أن فاعله يشارك الله في غيبه وما استأثر بمعرفته ..

. والحديث المذكور في مسلم يجب أن يحل على ما يطابق القرآن ، وما اتفق عليه إجماع أهل السنة ، وذلك بأن يحمل على الإنكار ، لا الإخبار ؛ لأن الحديث خرج جواباً على سؤال من اعتقد علم الخط على ما اعتقدت العرب

فكان جوابه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك من خواص علوم الأنبياء بما يقتضي الإنكار على من يتشبه به من الناس ، إذ هو من خصوصياتهم

ومعجزاته الدالة على النبوة ، فهو كلام ظاهره الخبر ، والمراد به الإنكار ، ومثله في القرآن والسنة كثير .

أو يحمل على أنه علَّق الحل بالموافقة بخط ذلك النبي ، وهي غير واقعة في ظن الفاعل ، إذ لا دليل عليها إلا بخبر معصوم ، وذلك لم يوجد

فبقى النهي على حاله ؛ لأنه علق الحل بشرط ، ولم يوجد ، وهذا أولى من الأول .

أو يحمل على أنه أراد : فمن وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته ، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم ، وهذا يدل على أنه ليس على ظاهره

وإلا لوجب لمن وافق خطه أن يعلم علم المغيبات التي كان يعلمها ذلك النبي ، وأمر بها في خطه من الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم ، وحينئذ يلزم مساواته له في النبوة

فلما بطل حمله له على ظاهره لزم تأويله ، وعلم أن الله تعالى خص ذلك النبي عليه السلام بالخط ، وجعله علامة لما يأمره به وينهاه عنه ، كما جعل لنوح عليه السلام من فور التنور علامة الغرق لقومه

وفقد الحوت علامة لموسى على لقاء الخضر عليه السلام ، وما في سورة الفتح علامة لنبينا صلى الله عليه وسلم على حضور أجله، ومثله كثير . "

الفتاوى الحديثية " ( ص 117 ، 118 ) .

فتبين من كلام هؤلاء العلماء أن الحديث يدل على تحريم العمل بعلم الخط ، لا على جوازه ، كما يدل على بطلان طريقة الناس في علم الرمل ، وفسادها

وذلك لأن الإباحة في هذا العلم معلقة بشرط لا يتحقق ، فأدى ذلك إلى عدم الإباحة ، فإن ذلك النبي له خط مخصوص ليس كخط هؤلاء ، أوحاه الله إليه

وهو مؤيد بالوحي فيما يذكره من المغيبات ، ولا سبيل إلى العلم بموافقة ذلك الخط ؛ لأن الموافقة تقتضي العلم به ، والعلم يكون بأحد طريقين :

أحدهما : النص الصريح الصحيح في بيان كيفية هذا العلم .

والثاني : النقل المتواتر من زمن ذلك النبي إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

وكلا الأمرين منتفٍ .

فدل ذلك على بطلان ما عليه الناس من الخط على الرمل بعد ذلك النبي ، وينبغي أن يعلم في هذا المقام أن الأنبياء لا يدعون علم الغيب ، ولا يخبرون الناس أنهم يعلمون الغيب

وما أخبروا الناس به من الغيب إنما هو من إيحاء الله إليهم فلا ينسبونه إلى أنفسهم ، كما قال الله تعالى ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) الجن/ 26 ، 27

لأن الغيب مما اختص الله بعلمه ، فلا يدعيه أحد لنفسه إلا كان مدعياً لبعض خصائص الربوبية ، وهذا ما يفعله أرباب هذه الصناعة ، فظهر بهذا دجل هؤلاء في دعوى أن هذا النبي الكريم معلِّم لهم .

" التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام " ( ص 321 – 324 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:04
معنى قوله - صلى الله عليه وسلم – ( وأعوذ بك منك )

السؤال

أرجو من فضلكم أن تشرحوا لي ما معنى (وأعوذ بك منك) في قول النبي صلى الله علية وسلم في السجود: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك

وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ؟

الجواب

الحمد لله

الحديث رواه مسلم في صحيحه (751) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ ، فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ ، وَهُوَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ

وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ) .

قال المناوي رحمه الله:

" ( وأعوذ بك منك ) أي برحمتك من عقوبتك

فإن ما يستعاذ منه صادر عن مشيئته وخلقه ، بإذنه وقضائه

فهو الذي سبب الأسباب التي يستفاد به منها ، خلقا وكونا ، وهو الذي يُعيذ منها ، ويدفع شرها خلقا وكونا "

. انتهى من "فيض القدير شرح الجامع الصغير" (2/176) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" ( وأعوذ بك منك ) : فاستعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب ، وبفعل العافية من فعل العقوبة ، واستعاذ به منه باعتبارين ؛ وكأن في استعاذته منه جمعاً لما فصله في الجملتين قبله

فإن الاستعاذة به منه ترجع إلى معنى الكلام قبلها ، مع تضمنها فائدة شريفة ، وهي كمال التوحيد ، وأن الذي يستعيذ به العائذ ، ويهرب منه : إنما هو فعل الله ومشيئته وقدره

فهو وحده المنفرد بالحكم ؛ فإذا أراد بعبده سوءا لم يعذه منه إلا هو ، فهو الذي يريد به ما يسوؤه ، وهو الذي يريد دفعه عنه ، فصار سبحانه مستعاذاً به منه باعتبار الإرادتين : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ )

فهو الذي يمس بالضر ، وهو الذي يكشفه ، لا إله إلا هو ، فالمهرب منه إليه ، والفرار منه إليه ، والملجأ منه إليه ، كما أن الاستعاذة منه ؛ فإنه لا رب غيره ولا مدبر للعبد سواه

فهو الذي يحركه ويقلبه ويصرفه كيف يشاء "

انتهى من "طريق الهجرتين وباب السعادتين"(1/431) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:09
يسأل " لماذا قُبل إسلام أبي طلحة ولم تُقبل هجرة مهاجر أم قيس مع أن الدافع واحد ؟! "

السؤال

أنا متحير بشأن النية وقبولها من عدم قبولها ، ألم تتزوج " أمُ سُليم " أبا طلحة شرط إن يُسلِم فأسلم فكان الإسلام صداقها ، وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم ؟ في حين أنّا نرى في حادثة الهجرة

أن أحد الصحابة هاجر فقط لأن من أراد أن يتزوجها " أم قيس " اشترطت عليه الهجرة فأصبح اسمه " مهاجر أم قيس " ، وقد ورد في الحديث أن هجرته كانت لذلك الغرض ، وهو الزواج

وبالتالي فهجرته لم تُقبل لأنها لم تكن خالصة ، فأريد أن أفهم هنا لماذا قُبل إسلام أبي طلحة ولم تُقبل هجرة مهاجر أم قيس مع أن الدافع واحد ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

قبل الإجابة على السؤال نود أن نشكر الأخ السائل على دقة فهمه وقوة استشكاله ، ونحن نرحِّب بمثل هذه المسائل التي تفتح أبواباً - لطلاب العلم - من العلم والخير وتُغلق أبواباً - على المشككين في الشرع - من الجهل والشر .

ثانياً:

ولتتم الفائدة فلنذكر حديث أم سليم مع أبي طلحة رضي الله عنهما ، ولنذكر بعده قصة مهاجر أم قيس .

1. عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا .

قَالَ ثَابِتٌ : فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ .

رواه النسائي ( 3341 ) وصححه ابن حجر في " فتح الباري " ( 9 / 115 ) - وردَّ على من أعلَّ متنه - وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .

وقد بوَّب عليهما النسائي بقوله " باب التزويج على الإسلام " .

2. وأما قصة مهاجر أم قيس : فالظاهر أنها صحيحة ، لكن لم يصح أنها سبب حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) .

عن شقيق قال : قال عبد الله

: " من هاجر يبتغي شيئا فهو له ، قال : هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها : أم قيس وكان يسمى مهاجر أم قيس " .

رواه الطبراني في " الكبير " ( 8540 ) .

قال ابن حجر - رحمه الله -

: " وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين "

انتهى من " فتح الباري " ( 1 / 10 ) .

وقال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -

: " وقد اشتُهر أن قصة " مهاجر أم قيس " هي كانت سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ) وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم ، ولم نرَ لذلك أصلاً يصح "

انتهى من " جامع العلوم والحِكَم " ( ص 14 ) .

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " وقصة " مهاجر أم قيس " رواها سعيد بن منصور قال : أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : من هاجر يبتغي شيئاً ... – وساق الأثر -
.
ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ " كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس "

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك "

انتهى من " فتح الباري " ( 1 / 10 ) .

ثالثاً:

خلاصة ما ذكره أهل العلم في الجواب عن الإشكال : أن هناك فرقا بين حال الداخلين في الإسلام وحال المهاجرين ، فمن دخل في دين الله تعالى خالصاً من قلبه معتقداً صحة الرسالة

وليس من أجل مالٍ ولا دنيا فهو في مرتبة أعلى ممن دخله من المؤلَّفة قلوبهم والذين دخلوا فيه طمعاً في المال ، وهذا في الابتداء ، وإلا فقد يَحسن إسلام هذا الثاني فيصير أعظم منزلة من الأول

ومثله يقال في المهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ، فمن كانت هجرته نصرة لدين الله ، وفراراً من بلاد الشرك فهو ليس كمن هاجر من أجل دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فالأول يحصِّل أجر الهجرة

وأما الثاني فإنه وإن جاء بصورة الفعل – وهو مفارقة بلاد الكفار نحو بلاد الإسلام – فإنه ليس له أجر الهجرة ، بل له ما هاجر من أجله ، وإن كان قد خلط بين نية الهجرة لله ونية التزوج وإصابة الدنيا

: فهو دون الأول بلا شك ، وله من الأجر بقدر ما وقع في قلبه من نية الهجرة الشرعية .

والذي يظهر لنا أنَّ أبا طلحة رضي الله عنه قد دخل الإسلام رغبة فيه ، وأنه قد جمع معها الرغبة بالتزوج بأم سليم ، بدليل أنه قد حسن إسلامه فيما بعد وكان من أجلاء الصحابة

والذي يظهر لنا – كذلك – أن " مهاجر أم قيس " لم يهاجر إلا بقصد التزوج فجاء بصورة الفعل دون قصد العبادة ، وليس فعله حراماً ولا تزوجه باطلاً ، لأن الهجرة ليست العبادات المحضة

كالصلاة والصيام ونحو ذلك ، وإنما هي بحسب قصد المهاجر ؛ فمن هاجر لتجارة أو نحوها من المباحات : فهجرته مباحة ، ومن هاجر لقربة : فهجرته طاعة وقربة

ومن هاجر لمحرم : فهجرته محرمة . وإن خلط في هجرته بين قصد المباح ، وقصد القربة والطاعة ، فهو بحسب ما غلب على قصده ونيته .

قال ابن حجر – رحمه الله - :

" وقال الكرماني : يحتمل أن يكون قوله ( إلى ما هاجر إليه ) متعلقاً بالهجرة فيكون الخبر محذوفاً والتقدير : قبيحة ، أو : غير صحيحة - مثلاً - ويحتمل أن يكون خبره ( فهجرته ) والجملة خبر المبتدأ الذي هو ( من كانت ) " . انتهى .

وهذا الثاني هو الراجح ؛ لأن الأول يقتضي أن تلك الهجرة مذمومة مطلقاً ، وليس كذلك ؛ إلا أن حمل على تقدير شيء يقتضي التردد أو القصور عن الهجرة الخالصة كمن نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا

فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة ، بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة ، وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة

فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة ، لكن دون ثواب من أخلص ، وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله لأنه من الأمر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف

ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال : " تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها

فقالت : إني قد أسلمت فإن أسلمت تزوجتك ، فأسلم فتزوجته . وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهة ، وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح "

انتهى من " فتح الباري " ( 1 / 17 ) .

وقال النووي – رحمه الله - :

" قوله صلى الله عليه وسلم ( فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ) معناه : من قصد بهجرته وجه الله : وقع أجره على الله ، ومن قصد بها دنيا أو امرأة :

فهي حظه ولا نصيب له في الآخرة بسبب هذه الهجرة "

انتهى من " شرح مسلم " ( 13 / 54 ، 55 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:13
شرح حديث : إن ابني هذا سيد

السؤال

ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في حق الحسن بن علي رضي الله عنهما: ( إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) ؟

الجواب

الحمد لله .

شرح الحديث المقصود في السؤال يمكن أن يقسم في المطالب المختصرة الآتية :

أولا : نص الحديث وسبب إيراده

روى البخاري في " صحيحه " (حديث رقم/2704) عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : سَمِعْتُ الحَسَنَ ، يَقُولُ :

اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ : إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ - وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ -

: أَيْ عَمْرُو ! إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ !

فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ : عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ ، فَقَالَ : اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ ، وَقُولاَ لَهُ ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ .

فَأَتَيَاهُ ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا ، وَقَالاَ لَهُ ، فَطَلَبَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ : إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا . قَالاَ : فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا

وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ . قَالَ : فَمَنْ لِي بِهَذَا ؟ قَالاَ : نَحْنُ لَكَ بِهِ . فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ ، فَصَالَحَهُ ، فَقَالَ الحَسَنُ : وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ

: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ - وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ -، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: ( إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ ) .

ثانيا : المعنى الإجمالي للحديث

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ابنه الحسن بن علي رضي الله عنهما له منزلة السيادة في الأمة ، ومن سيادته إصلاحه بين فئتين عظيمتين من المسلمين

وذلك ما وقع فعلا ، فقد كان بين أهل الشام بقيادة معاوية رضي الله عنه وأهل العراق بقيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه نزاع كبير

وحروب شديدة ، واستمر الأمر إلى أن استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فتولى بعده ابنه الحسن بن علي رضي الله عنه ، وسار بجيشه ليواجه جيش معاوية

فحصل الحوار الوارد في الحديث السابق ، وانتهى بتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الإمارة لصالح معاوية ، في مقابل التزام معاوية ببعض الشروط الواردة في كتب التاريخ

فكان في هذا الاتفاق حقن للدماء ، وسلامة للأمة ، ودرء لحروب طويلة لا يعلم شرها إلا الله عز وجل .

ولمن يريد التوسع في الاطلاع على مراحل الصلح الذي تم بين الحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهما يمكن مراجعة كتاب " مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري " (102-125) للدكتور خالد الغيث

فقد عقد فصلا مهما عن مراحل الصلح الذي تم بينهما ، وصلت إلى ثماني مراحل حتى اكتمل الصلح .

ثالثا : الفوائد المستنبطة من الحديث

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" في هذه القصة من الفوائد :

1. علم من أعلام النبوة .

2. ومنقبة للحسن بن علي ، فإنه ترك الملك لا لقلة ، ولا لذلة ، ولا لعلة ، بل لرغبته فيما عند الله ، لما رآه من حقن دماء المسلمين ، فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة .

3. وفيها رد على الخوارج الذين كانوا يكفرون عليا ومن معه ، ومعاوية ومن معه ، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للطائفتين بأنهم من المسلمين ، ومن ثم كان سفيان بن عيينة يقول عقب هذا الحديث

: قوله ( من المسلمين ) يعجبنا جدا ، أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه عن الحميدي وسعيد بن منصور عنه .

4. وفيه فضيلة الإصلاح بين الناس ، ولا سيما في حقن دماء المسلمين .

5. ودلالة على رأفة معاوية بالرعية، وشفقته على المسلمين، وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب.

6. وفيه ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل ؛ لأن الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في الحياة وهما بدريان ، قاله بن التين .

7. وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحا للمسلمين، والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال، وجواز أخذ المال على ذلك وإعطائه بعد استيفاء شرائطه.

8. وفيه أن السيادة لا تختص بالأفضل ، بل هو الرئيس على القوم ، والجمع سادة ، وهو مشتق من السؤدد ، وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس

أي الأشخاص الكثيرة ، وقال المهلب : الحديث دال على أن السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس لكونه علق السيادة بالإصلاح .

9. وفيه إطلاق الابن على ابن البنت .

10. واستدل به على تصويب رأي من قعد عن القتال مع معاوية وعلي ، وإن كان علي أحق بالخلافة وأقرب إلى الحق ، وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسائر من اعتزل تلك الحروب

وذهب جمهور أهل السنة إلى تصويب من قاتل مع علي لامتثال قوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) الآية ، ففيها الأمر بقتال الفئة الباغية ، وقد ثبت أن من قاتل عليا كانوا بغاة

وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على أنه لا يذم واحد من هؤلاء ، بل يقولون : اجتهدوا فأخطئوا ، وذهب طائفة قليلة من أهل السنة - وهو قول كثير من المعتزلة - إلى أن كلا من الطائفتين مصيب

وطائفة إلى أن المصيب طائفة لا بعينها "

انتهى باختصار يسير من " فتح الباري " (13/66-68)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:18
شرح حديث ( المؤمن القوي ... ) وبيان معنى القوة فيه

السؤال

أنا شاب في الثالثة والعشرين ، وأنا نحيف جدّاً ، لست كباقي الناس ممن هم في مثل سني ، ولكني صحيح ولا أعاني من أي مرض ، إلا أني أشعر أحياناً أني أحتاج إلى مزيد من الوزن لكي أكون أقوى ، لذلك أسأل وأقول

: هل يجوز لي أن أسال الله أن يجعلني أكثر قوة ؟

ألا يُعد ذلك من قبيل عدم الرضا بما قسم الله لي ؟

وما المقصود بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ... ) الحديث ؟

وهل ينطبق على حالتي هذه ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

نحافة الجسم قد تكون مرضاً وقد تكون طبيعية ، ومرجع تحديد الأمر عند أهل الاختصاص من الأطباء ، ويمكن علاج النحافة إذا كانت مرضاً ببعض الأطعمة الطازجة والأعشاب الطبيعية مما يعرفه أهل الفن

وفي بعض الأحيان يحتاج صاحب النحافة إلى علاج نفسي ، كما يمكن أن تكون النحافة راجعة إلى أمرٍ وراثي ، ولا بأس للمسلم الذي تكون نحافة بدنه مرضاً أن يطلب له العلاج بالمباح

وليكن قصده أن يتقوى بدنه على طاعة الله ويكون أقوى في النفع به وانتفاع الناس منه ، وليس ذلك من عدم الرضا بما قسم الله في شيء ؛ بل هو من التداوي المشروع ، والأخذ بالأسباب المباحة .

ثانياً:
الحديث الوارد طلب معناه في السؤال هو ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنهُ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ

أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) .

رواه مسلم ( 2664 ) .

والقوة في هذا الحديث هي قوة الإيمان ، والعلم ، والطاعة ، وقوة الرأي والنفس والإرادة

ويضاف إليها قوة البدن إذا كانت معينة لصاحبها على العمل الصالح

لأن قوة البدن وحدها غير محمودة إلا أن تُستعمل فيما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال والطاعات ، بل قد تكون سبباً في المعاصي كالبطش بالناس وإيقاع الضرر بهم وحراسة أماكن المنكرات .

قال النووي – رحمه الله -

: " والمراد بالقوة هنا : عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة ، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد ، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه

وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك ، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى ، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلباً لها ومحافظة عليها ، ونحو ذلك "

انتهى من " شرح مسلم " ( 16 / 215 ) .

وفي شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " يَنَامُ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ قَالَتْ : وَثَبَ " – قال : " قولها " وَثَبَ " أي : قام بسرعة ، ففيه الاهتمام بالعبادة والإقبال عليها بنشاط

وهو بعض معنى الحديث الصحيح ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) "

انتهى من " شرح مسلم " ( 6 / 22 ) .

وقال محمد بن عبد الهادي السندي – رحمه الله -

: " قوله ( المؤمن القوي ) أي : على أعمال البر ومشاق الطاعة ، والصبور على تحمل ما يصيبه من البلاء ، والمتيقظ في الأمور ، المهتدي إلى التدبير والمصلحة بالنظر إلى الأسباب واستعمال الفكر في العاقبة "

انتهى من " حاشية السندي على ابن ماجه " ( حديث رقم 76 ) .

وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله :

ما مدى صحة الحديث القائل ( المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) ؟ وإن كان صحيحًا فما معناه ؟ وفي أي شيء تكون القوة ؟ .

فأجاب :

الحديث صحيح ، رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ، ومعناه : أن المؤمن القوي في إيمانه ، والقوي في بدنه وعمله : خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله

لأن المؤمن القوي يُنتج ويَعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية وبقوته العملية ، ينتفعون من ذلك نفعاً عظيماً في الجهاد في سبيل الله

وفي تحقيق مصالح المسلمين ، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين وإذلال الأعداء والوقوف في وجوههم ، وهذا ما لا يملكه المؤمن الضعيف ، فمن هذا الوجه كان المؤمن القوي خيراً من المؤمن الضعيف

وفي كلٍّ خير ، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ، فالإيمان كله خير ، المؤمن الضعيف فيه خير ، ولكن المؤمن القوي أكثر خيراً منه ، لنفسه ولدينه ولإخوانه المسلمين

فهذا فيه الحث على القوة ، ودين الإسلام هو دين القوة ، ودين العزة ، ودين الرفعة

دائماً وأبداً يُطلب من المسلمين القوة ، قال الله سبحانه وتعالى ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الأنفال/ 60 ، وقال تعالى ( ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) المنافقون/ 8

وقال تعالى ( وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران/ 139

فالقوة مطلوبة في الإسلام : القوة في الإيمان والعقيدة ، والقوة في العمل ، والقوة في الأبدان ؛ لأن هذا ينتج خيراً للمسلمين "

انتهى من " المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 5 / 380 ، 381 ) .

فالذي ينبغي عليك أن تنتبه إليه : أنَّ " النحافة " ليست بالضرورة أن تكون ضعفاً مذموما ؛ فقد يكون الإنسان نحيف البدن ، لكنه نشيط قويّ في الطاعة

كما أن " البدانة " ليست قوة ؛ فقد يكون البدين – أو حتى معتدل البنية – ضعيفاً في الطاعة كسولاً في القيام لها .
\
قال الشاعر :

تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ

وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ

فَما عِظَمُ الرِجالِ لَهُم بِفَخرٍ وَلَكِن فَخرُهُم كَرَمٌ وَخَيرُ

وبما أنك – أخي السائل - لا تشتكي مرضاً : فلتحمد الله تعالى على العافية ، وأدِّ ما أمرك الله تعالى به من طاعة ، ولا مانع من أن تسعى ليكون جسمك معتدلاً متناسباً مع طولك وعمرك

بالمباح من العلاجات والأطعمة وغيرهما ، كما أن الدعاء من جملة الأسباب الشرعية التي يجوز لك فعلها ، وليس في ذلك مخالفة للشرع ، كما سبق ، ولا هو اعتراض على ما قسمه الله لك

والمهم في ذلك كله أن يحرص المسلم على ما ينفعه - في دينه ودنياه - ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء في السؤال طلب الوقوف على معناه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:28
مسائل في حديث الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه

السؤال

ما أخرجه البخاري في صحيحه (445) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث ، اللهم اغفر له

اللهم ارحمه ، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه ، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ) عندي أسئلة حول هذا الحديث : 1. أراجع القرآن في المسجد وأنا منتظر الصلاة

ولكن وأنا أمشي في المسجد ، ولا أجلس ، فهل أدخل في الحديث ، أم أنه شرط الجلوس دون المشي ، أم كلاهما يدخلان في الحديث ؟

2. وهل إذا نمت في المسجد وأنا منتظر الصلاة فهل أدخل في الحديث ؟

3. وإذا انتقض وضوئي وأنا منتظر الصلاة في المسجد إما لحدث أو نوم ، وذهبت وتوضأت في المسجد ، فهل أدخل في الحديث

أم أنه إذا أحدثت وأنا منتظر الصلاة فلا يمكنني الدخول مرة أخرى في الحديث حتى لو توضأت مرة أخرى ?

4. وهل المتوضأ يعد من المصلى أم أن مجرد دخولي المتوضأ أخرج من الحديث مع أن المتوضأ في الطابق السفلي للمسجد ، وبابه من داخل المسجد ? أرجو التفصيل..

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث المقصود في السؤال ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً

حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ )

رواه البخاري (477) ومسلم (649) ، وبوب عليه ـ في باب آخر ـ بقوله : " باب الحدث في المسجد "، وأيضا " باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد ".

وفي رواية للبخاري (2119) ومسلم (649) : ( مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ ) .

ثانيا :

من المسائل المهمة التي يناقشها العلماء في شرح هذا الحديث بيان ما إذا كان يشترط مكث المصلي في المكان الذي صلى فيه ولا ينتقل عنه إلى أي موضع آخر في المسجد

أم إن الأجر يشمل كل من بقي في المسجد ينتظر الصلاة في أي بقعة منه .

والذي يظهر أن الأجر يشمل من بقي في المسجد وإن انتقل من موضعه ، وذلك لأدلة :

الدليل الأول : أن المقصود إعمار المساجد ، والمرابطة فيها ، وحبس النفس في أماكن العبادة وقطعها عن المشاغل الدنيوية ، وذلك أمر متحقق فيمن بقي في المسجد وانتقل من موضع صلاته .

الدليل الثاني : أن الانتقال عن موضع الصلاة داخل المسجد فيه مصلحة لذلك المتعبد ، فقد يحتاج إلى مصحف أو حضور درس علم أو ينتقل إلى مكان يخلو فيه مع ربه

ومن المستبعد أن ينقص الأجر بسبب الوقوع في أمر هو من مصلحة العبادة .

الدليل الثالث : ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في مصلاه بعد صلاة الفجر ، ولكن بعد أن يغير موضعه فيتوجه إلى أصحابه بوجهه

ولا يعرف أنه كان يحرص على التزام مكانه وجلسته بعد الصلاة إلى الصلاة الأخرى أو إلى طلوع الشمس ، بل كان ينصرف عن القبلة كي ينصرف أصحابه من بعده .

وقد نص غير واحد من أهل العلم على ترجيح هذا الاحتمال في معنى الحديث .

قال ابن رجب رحمه الله :

" هل المراد بـ ( مُصلاه ) نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ ، أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ ؟ هَذَا فِيهِ تردد .
وفي صحيح مُسْلِم عَن جابر بن سمرة

: ( أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا صلى الفجر جلس فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس حسناء )

وفي رِوَايَة لَهُ : ( كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مُصلاه الَّذِي يصلي فِيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام )

ومعلوم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن جلوسه فِي الموضع الَّذِي صلى فِيهِ ؛ لأنه كَانَ ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه ...

فهذا الحَدِيْث يدل عَلَى أن المراد بـ ( مصلاه الَّذِي يجلس فِيهِ ) : المسجد كله .

وإلى هَذَا ذهب طائفة من العلماء ، منهم : ابن بطة من أصحابنا وغيره "

انتهى باختصار من " فتح الباري " لابن رجب (4/56)

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:29
وقال الإمام زين الدين العراقي رحمه الله :

" ما المراد بمصلاه ؟ هل البقعة التي صلى فيها من المسجد حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المترتب عليه

أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلى فيه ؟ يحتمل كلا الأمرين ، والاحتمال الثاني أظهر وأرجح "

انتهى من " طرح التثريب " (2/367)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( في مصلاه ) أي : في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد ، وكأنه خرج مخرج الغالب ، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك "

انتهى من " فتح الباري " (2/136)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" مصلاه هل المعنى : ما دام في صلاته ، أو المعنى : ما دام في مكان صلاته ، بمعنى : أنه انتهى من الصلاة وجلس ، أو المعنى : ما دام في المسجد الذي هو أعم من مكان صلاته ؟

كل هذا محتمل ، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون الأخير ، أي : ما دام في المسجد ، وفضل الله واسع "

انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/225، صفحة 14 بترقيم الشاملة)

وبهذا يتبين أنه لا حرج عليك في المشي في المسجد والانتقال من مكان صلاتك الفريضة ، فكل المسجد مبارك ، وكله يشمله الأجر الوارد في الحديث .

ثالثا :

أما الإحداث في المسجد فيقطع الأجر الخاص ، ودعاء الملائكة ، إلى حين الوضوء ورفع الحدث مرة أخرى ، وذلك صريح الحديث الشريف

فإذا توضأ - ولو خارج المسجد - ثم دخل المسجد مرة أخرى رجع إلى عبادة انتظار الصلاة ، وكان من المرابطين في سبيل الله.

وعلى جميع الأحوال : فإن أجر الجلوس في المساجد بعد الصلوات أجر عظيم ، يناله العاكفون في المسجد كل حسب جلوسه ، فمن جلس ساعة نال أجرا بقدرها ، ومن جلس نهارا كاملا نال أجرا بقدره

قال تعالى : ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) الجمعة/4

قال ابن رجب رحمه الله :

" من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات ، والمراد بهذا الجلوس انتظار صلاة أخرى كما في حديث أبي هريرة : ( وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط )،

فجعل هذا من الرباط في سبيل الله عز وجل ، وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها ، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره

بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى ، فإن مدته تطول ، فإن كان كلما صلى صلاة ، جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة ، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله عز وجل .

وفي المسند وسنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ، فرجع من رجع ، وعقب من عقب

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً قد حَفَزه النفَس ، وقد حسر عن ركبته فقال : ( أبشروا ! هذا ربكم قد فتح عليكم باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة

يقول : انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى ) – " مسند أحمد " (11/363) وصححه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة –

وفي المسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ ، تُصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم

وهو في الرباط الأكبر ) – " مسند أحمد " (14/273) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة -.

ويدخل في قوله : " والجلوس في المساجد بعد الصلوات " الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك ، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس

فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك ، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى ، لأنه قد قضى ما جاء إلى المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى .

وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم

إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده )

وأما الجالس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصة فهو في صلاة حتى يصلي .

وفي " الصحيحين " عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ، ثم خرج فصلى بهم ، قال لهم : إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة )

وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث

اللهم اغفر له اللهم ارحمه ، ولا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة )

وفي رواية لمسلم : ( ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه )، وهذا يدل على أن المراد بالحدث حدث اللسان ونحوه من الأذى ، وفسره أبو هريرة بحدث الفرج ، وقيل : إنه يشمل الحدثين .

وفي " المسند " عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( القاعد يراعي الصلاة كالقانت

ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه ) وفي رواية له : ( فإذا صلى في المسجد ثم قعد فيه كان كالصائم القانت حتى يرجع ) –

" مسند أحمد " (28/648) وصححه محققو المسند - وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة .

وبالجملة فالجلوس في المساجد للطاعات له فضل عظيم .

قال سعيد بن المسيب : من جلس في المسجد فإنما يجالس الله عز وجل .

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه .

وإنما كانت ملازمة المسجد للطاعات مكفرة للذنوب ؛ لأن فيها مجاهدة النفس ، وكفا لها عن أهوائها ؛ فإنها لا تميل إلا إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب

أو لمجالسة الناس ، أو لمحادثتهم ، أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النزه ، ونحو ذلك
.
فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله مخالف لهواها ، وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد .

وهذا الجنس - أعني ما يؤلم النفس ويخالف هواها - فيه كفارة للذنوب وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه

فكيف بما كان حاصلا عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إلي الله عز وجل ، فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الذي يقتضي تكفير الذنوب كلها "

انتهى باختصار من " اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى " (ص/67-71)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-04, 17:33
شرح حديث: لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذر من إيمان

السؤال

سمعت أنه لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.. فهل هذا صحيح؟

الجواب

الحمد لله

الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة

: أنه لا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فالمسلم العاصي إذا مات ولم يتب من معصيته فأمره إلى الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عذبه ، لكنه لا يخلد في النار بحال .

روى البخاري (44) ومسلم (193) عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

: ( يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ).

وهذا المعنى جاء مقررا في أحاديث أخر ، وبألفاظ متقاربة .

وأما قولك : لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فهذا ثابت أيضا ، لكنه محمول عند أهل العلم على أنه : لا يدخلها دخول الكفار

أي لا يخلد فيها ، مع أنه قد يدخلها ، جمعا بين هذا وبين النصوص الكثيرة التي تدل على أن من عصاة المؤمنين من يدخل النار مع وجود الإيمان في قلوبهم ، ثم يخرجون منها بالشفاعة وبغيرها .

روى الترمذي (1999) وأبو داود (4091) وابن ماجه (59) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ

. قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا وَنَعْلِي حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ ). والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .

قال الإمام الترمذي رحمه الله عقب إيراد الحديث : " و قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَقَدْ فَسَّرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ هَذِهِ الْآيَةَ (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ )

فَقَالَ : مَنْ تُخَلِّدُ فِي النَّارِ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ " انتهى .

وأما الجملة الثانية ، وهي قولك : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فهذا ثابت أيضا ، كما في الحديث السابق

وقد رواه مسلم مقتصرا على هذه الجملة (91) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ).

ومعنى الحديث : أنه لا يدخل الجنة دون تعرض لاحتمال المجازاة والعقاب ، فقد يعذب وقد يعفى عنه ، بخلاف المؤمن المطيع السالم من هذه الكبيرة فإنه يدخل الجنة دون تعرض لاحتمال دخول النار .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم"

: " بَلْ الظَّاهِرُ مَا اِخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة دُون مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ . وَقِيلَ : هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ , وَقَدْ يَتَكَرَّم بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيه ,

بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُل كُلّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّة إِمَّا أَوَّلًا , وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْد تَعْذِيبِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا . وَقِيلَ : لَا يَدْخُل مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّل وَهْلَة " انتهى .

والحاصل :

أن ما سألت عنه هو نص حديث أو حديثين صحيحين ، وأن معناهما على ما ذكرنا ، فلا يصح أن يتوهم أحد أن من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أنه يستحيل دخوله النار مهما أتى من الكبائر

ولا أن يتوهم أن المسلم الذي في قلبه ذرة من كبر يستحيل أن يدخل الجنة مهما كان معه من الإيمان .

وهذه النصوص ضل في فهمها فرقتان من الناس: الخوارج والمرجئة ، فالخوارج غلّبوا نصوص الوعيد كالحديث الثاني ، والمرجئة غلّبوا نصوص الوعد كالحديث الأول

وهدى الله أهل السنة للقول الحق الذي تجتمع به النصوص وتتآلف ولا تتعارض .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:21
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

هل يحاسب السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة

السؤال

السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلّا ظله، هل يدخلون الجنة بغير حساب؟

الجواب

الحمد لله

عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ . قَالُوا : وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ، وَلَا يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ..) رواه البخاري (5270) ومسلم (321) .

فهذه أربع صفات لا يحاسب أصحابها ولا يعذبون ، وأما غيرهم من الناس ممن لم تجتمع فيه هذه الصفات فيحاسبون.. ، ثم يغفر الله لهم .

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى قَالَ : (يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ وَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا

وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ) رواه البخاري (2261) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة.

وصفة الحساب للمؤمن : أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه ، حتى إذا رأى أنه قد هلك . قال الله له : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته .

وأما الكفار والمنافقون : فينادى بهم على رؤوس الخلائق : ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) متفق عليه من حديث ابن عمر .

والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي، صلى الله عليه وسلم

وهم سبعون ألفاً من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب. متفق عليه. وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعاً أن مع كل واحد سبعين ألفاً

قال ابن كثير: حديث صحيح وذكر له شواهد "

انتهى من شرح "لمعة الاعتقاد" (1/38)

وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:

" هذا فضل عظيم، والبقيّة من الخلائق تُحاسب، منهم من يُحاسب حساباً يسيراً، ومنهم من يناقش الحساب "

انتهى من "إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد" (1/87)

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

"ومعنى يقرره بذنوبه: يجعله يقر، أي : يعترف بها، كما في هذا الحديث: " أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا ".

ومن المؤمنين من يدخل الجنة بغير حساب، كما صح في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.
والحساب يختلف

فمنه اليسير وهو العرض، ومنه المناقشة. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك

فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: ( إنما ذلك العرض وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب ) "

انتهى من شرح العقيدة الواسطية (1/113) .

والحاصل : أن الخصوصية التي جاء ذكرها في الحديث ( يدخلون الجنة بلا حساب..) خاصة بمن جاء ذكرهم في الحديث ، أما ما عداهم من الناس فإنهم يحاسبون .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:25
شرح حديث من دعا إلى عصبية ومن مات على عصبية

السؤال

ما صحة هذه الأحاديث وما شرحها وتفصيلها: روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية"

وفي حديث أخر قال صلى الله عليه وسلم محذراً من العصبية " دعوها فإنها منتنة.."

رواه البخاري ومسلم. وفي حديث أخر ورد في مشكاة المصابيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من دعا إلى عصبية فكأنما عض على هن أبيه." أو كما قال صلى الله عليه وسلم

الجواب

الحمد لله

الأحاديث المذكورة يدور معناها على ذم التعصب لأحد بالباطل ، كالتعصب للقوم والقبيلة والبلد ، بحيث يقف مع قومه أو قبيلته أو أهل بلده ضد من نازعهم ، سواء كانوا على الحق أو على الباطل .

ومثل ذلك حين حدث شجار بين أنصاري ومهاجر ، فتنادى البعض : يا للأنصار ، وتنادى آخرون : يا للمهاجرين ، فذم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك

وجعله من دعوى الجاهلية ؛ لأن مقتضاه أن ينصر الأنصاري أخاه الأنصاري ولو كان مبطلا ، وأن ينصر المهاجر أخاه المهاجر ولو كان مبطلا أيضا ، وإنما شأن المؤمن أن يقف مع الحق

وأن ينصر المظلوم برفع الظلم عنه ، وينصر الظالم بحجزه ومنعه عن الظلم ، لا يفرق بين من كان من قومه أو من خارج قومه ؛ إذ الجميع يشملهم وصف الإيمان والإسلام .

والحديث الأول رواه أبو داود (5121) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ).

وهو حديث ضعيف كما قال الألباني في ضعيف أبي داود .

قال في "عون المعبود" : " ( لَيْسَ مِنَّا ) : أَيْ لَيْسَ مِنْ أَهْل مِلَّتنَا ( مَنْ دَعَا ) : أَيْ النَّاس ( إِلَى عَصَبِيَّة ) : قَالَ الْمَنَاوِيُّ : أَيْ مَنْ يَدْعُو النَّاس إِلَى الِاجْتِمَاع عَلَى عَصَبِيَّة وَهِيَ مُعَاوَنَة الظَّالِم

. وَقَالَ الْقَارِي : أَيْ إِلَى اِجْتِمَاع عَصَبِيَّة فِي مُعَاوَنَة ظَالِم . وَفِي الْحَدِيث " مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة " قَالَ صَاحِب النِّهَايَة : هُوَ قَوْلهمْ : يَا آلُ فُلَان ، كَانُوا يَدْعُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ الْأَمْر الْحَادِث ( مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّة )

: أَيْ عَلَى بَاطِل , وَلَيْسَ فِي بَعْض النُّسَخ لَفْظ (عَلَى).

( مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّة ) : أَيْ عَلَى طَرِيقَتهمْ مِنْ حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَة اِبْن الْعَبْد هَذَا مُرْسَل , عَبْد اللَّه بْن أَبِي سُلَيْمَان لَمْ يَسْمَع مِنْ جُبَيْر . هَذَا آخِر كَلَامه .

وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَكِّيّ وَقِيلَ فِيهِ الْعَكِيّ . قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيُّ : هُوَ مَجْهُول

وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ أَتَمَّ مِنْهُ , وَمِنْ حَدِيث جُنْدُب بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ مُخْتَصَرًا .

لكن الحديث معناه صحيح ، وقد روى مسلم (1850) عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ) .

والحديث الثاني : رواه البخاري (4905) ومسلم (2584) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ !! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ !!

فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟ ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ .

فَقَالَ : ( دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ) .

والكسْع : ضرب الدبر باليد أو بالرجل .

وروى مسلم (2584) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : اقْتَتَلَ غُلَامَانِ : غُلَامٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ؛ فَنَادَى الْمُهَاجِرُ ـ أَوْ الْمُهَاجِرُونَ

: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ !! وَنَادَى الْأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ !! فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟! دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ؟! قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِلَّا أَنَّ غُلَامَيْنِ اقْتَتَلَا ، فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ .

قَالَ : فَلَا بَأْسَ ؛ وَلْيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ، ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ؛ إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ . وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ ) .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم"

: " وَأَمَّا تَسْمِيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ كَرَاهَة مِنْهُ لِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة مِنْ التَّعَاضُد بِالْقَبَائِلِ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتهَا , وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَأْخُذ حُقُوقهَا بِالْعَصَبَاتِ وَالْقَبَائِل ,

فَجَاءَ الْإِسْلَام بِإِبْطَالِ ذَلِكَ , وَفَصَلَ الْقَضَايَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة . فَإِذَا اِعْتَدَى إِنْسَان عَلَى آخَر حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنهمَا , وَأَلْزَمَهُ مُقْتَضَى عِدْوَانه كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام .

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر هَذِهِ الْقِصَّة : ( لَا بَأْس ) فَمَعْنَاهُ لَمْ يَحْصُل مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة بَأْس مِمَّا كُنْت خِفْته ; فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُون حَدَثَ أَمْر عَظِيم يُوجِب فِتْنَة وَفَسَادًا ,

وَلَيْسَ هُوَ عَائِدًا إِلَى رَفْع كَرَاهَة الدُّعَاء بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة . قَوْله ( فَكَسَعَ أَحَدهمَا الْآخَر ) هُوَ بِسِينٍ مُخَفَّفَة مُهْمَلَة أَيْ ضَرَبَ دُبُره وَعَجِيزَته بِيَدٍ أَوْ رِجْل , أَوْ سَيْف وَغَيْره " انتهى .

والحديث الثالث : رواه النسائي في الكبرى (8865) وأحمد في المسند ( : عن أبي بن كعب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

: ( من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا )، وفي رواية : ( فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أبيه ولا تَكْنُوا). والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .

قال الملا علي القاري في "شرح مشكاة المصابيح" (14/ 183) :

" من تعزى : أي انتسب بعزاء الجاهلية ـ بفتح العين ـ أي نسب أهلها وافتخر بآبائه وأجداده . فأعضُّوه : بتشديد الضاد المعجمة ، من أعضضت الشيء جعلته يعضه

والعض أخذ الشيء بالأسنان أو باللسان على ما في القاموس . بِهَنِ أبيه : بفتح الهاء وتخفيف النون ، وفي النهاية : الهن بالتخفيف والتشديد كناية عن الفرج . أي قولوا له :

أعضض بذكر أبيك أو أيره أو فرجه . ولا تَكنوا : بفتح أوله وضم النون ، أي لا تكنوا بذكر الهن عن الأير ، بل صرحوا له بآلة أبيه التي كانت سببا فيه ، تأديبا وتنكيلا " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:32
حديث ( كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ) والجمع بينه وبين قوله تعالى ( فلا أنساب بينهم يومئذٍ )

السؤال

يقول الله تعالى ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ويقول نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ( كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي )

سؤالي : كيف يمكن التوافق بين هذه الآية وهذا الحديث النبوي ؟

وإذا أصبحنا أن نأخذ الآية - وهذا لا شك فيه – إذاً : ما هو درجة صحة الحديث ؟

. أفيدونا أفادكم الله ، وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

اختلفت أنظار نقَّاد الحديث حول النص المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ سَبَبِي وَنَسَبِي ) فمن قائل بتضعيفه ومن قائل بتحسينه أو تصحيحه.

أما على القول بتضعيفه فلن يكون هناك إشكال في التوفيق بينه وبين قوله تعالى ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ) المؤمنون/ 101

لأنه لا حاجة لذلك بسبب ضعف الحديث ، وأما على القول بقبوله فيحتاج الباحث للتوفيق بينه وبين الآية القرآنية .

ولهذا الحديث روايات كثيرة عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 129 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ورواه الطبراني في " المعجم الكبير "

( 1 / 124 ) والحاكم في " المستدرك " ( 3 / 142 ) والبيهقي في " سننه " ( 7 / 114 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ورواه أحمد في " مسنده "

( 31 / 207 ) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه ، ورواه أحمد – أيضاً – في " مسنده " ( 17 / 220 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

ولكثرة طرق الحديث وتنوع مخارجه حكم عليه ابن الملقن في " البدر المنير " ( 7 / 487 -490 ) بالصحة ، ومثله فعل الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2036 ) ، وحكم عليه محققو مسند أحمد بالحُسن بشواهده .

ثانياً:

على القول بأن الحديث مقبول ، صحيح ، أو حسن ، فيقال في بيانه :

1. إن معنى " النسب " في الحديث هو ما كان عن طريق الولادة ، ومعنى " السبب " هو ما كان عن طريق المصاهرة ، وقد جاء في بعض الروايات ( صهري ) بدلاً من ( سببي )

ولذا فقد ذكر الحديثَ طائفةٌ من العلماء في فضائل معاوية رضي الله عنه

فقد روى الخلاّل في كتابه " السنَّة " ( 2 / 432 ) عن عبدالملك بن عبد الحميد الميموني قال : قلت لأحمد بن حنبل أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي ) ؟

قال : بلى ، قلت : وهذه لمعاوية ؟ قال : نعم ، له صهر ونسب ، قال : وسمعت ابن حنبل يقول : ما لهم ولمعاوية ، نسأل الله العافية .انتهى

2. ليس الحديث في فضل من كان كافراً وله صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كانت نسباً أو مصاهرة .

3. معنى الحديث أن نسبه صلى الله عليه وسلم لا ينقطع يوم القيامة ، وهو يعني : أنه يستفيد منه أهله ، ولا شك أن المقصود به هم أهله المؤمنون .

قال ابن كثير – رحمه الله

– في ذِكر خصائص نسب النبي صلى الله عليه وسلم -

: " ومن الخصائص : أن كل نسب وسبب ينقطع نفعه وبرُّه يوم القيامة إلا نسبه وسببه وصهره صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ )
... .
قال أصحابنا : قيل :

معناه إنَّ أمته ينتسبون إليه يوم القيامة ، وأمم سائر الأنبياء لا تنتسب إليهم .

وقيل : يُنتفع يومئذ بالانتساب إليه ، ولا يُنتفع بسائر الأنساب ، وهذا أرجح من الذي قبله ، بل ذلك ضعيف ، قال الله تعالى ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) النحل/ 89

وقال تعالى ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يونس، 47 ، في آي كثيرة دالة على أن كل أمَّة تدعى برسولها الذي أرسل إليها ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب "

. انتهى من " الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم " ( ص 342 - 344 ) .

4. ولا يتعارض هذا المعنى للحديث – عند من يحسنه أو يصححه

– مع الأحاديث التي يُخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته بضرورة العمل والطاعة وأنه لا يَملك لهم شيئاً ؛ لأن المراد بذلك أنه لا يملكه من تلقاء نفسه إلا أن يملِّكه الله تعالى إياه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -

: " الَّذِي يَنْفَع النَّاسَ طاعةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَمَّا ما سوَى ذَلك : فإِنَّه لَا يَنفَعُهُم لَا قَرَابَةٌ وَلَا مُجاوَرةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ ( يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا

يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ) – رواه مسلم - ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بأوليا

إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وَقَالَ ( إنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ حَيْثُ كَانُوا وَمَنْ كَانُوا ) – رواه ابن حبان في " صحيحه " - " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 27 / 435 ) .

والمراد – أيضاً -

: أن النسب نفسه لا ينفع صاحبه بذاته إلا أن يكون معه عمل وطاعة ، كما في قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَله لَمْ يُسْرِع بِهِ نَسَبه ) رواه مسلم .

قال النووي – رحمه الله -

: " معناه : مَن كان عمله ناقصاً : لم يُلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال ، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل "

. انتهى من " شرح مسلم " ( 17 / 22 ، 23 ) .

وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي – رحمه الله -

: " وهذا لا يعارضه حثه في أخبار أُخر لأهل بيته على خوف الله واتقائه وتحذيرهم الدنيا وغرورها وإعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيئاً ؛ لأن معناه

: أنه لا يملك لهم نفعاً لكن الله يملكه نفعهم بالشفاعة العامة والخاصة ، فهو لا يملك إلا ما ملَّكه ربُّه ، فقوله ( لا أغني عنكم ) أي : بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله تعالى به

أو كان [ يعني : ذكر هذا الحديث ] قبل علمه بأنه يشفع .
\
ولما خفي طريق الجمع على بعضهم : تأوله بأن معناه : أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء "

. انتهى من " فيض القدير " ( 5 / 27 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:33
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -

: " المراد بنفي الأنساب : انقطاع آثارها التي كانت مترتبة عليها في دار الدنيا ، من التفاخر بالآباء ، والنفع

والعواطف ، والصلات ، فكل ذلك ينقطع يوم القيامة ، ويكون الإنسان لا يهمه إلا نفسه ، وليس المراد نفي حقيقة الأنساب من أصلها ، بدليل قوله ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ) عبس/ 34 ، 35 "

. انتهى من " أضواء البيان " ( 5 / 356 ) .

وعليه : فعند من يرى صحة الحديث يكون معناه عنده أن كل الأنساب تنقطع فائدتها ويتلاشى نفعها مما كان حالها في الدنيا

فلا ينفع أحدُ أحداً بنسبه إلا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما سيكرمه به ربُّه ؛ حيث سينفع نسبه وصهره بما يشفع لهم من الخير من بعد أن يأذن الله تعالى ويرضى

وأما أن يكون ذات النسب بدلاً عن الطاعات والأعمال : فهذا مما لا يكون ، والنصوص الواضحة البيِّنة تبين خطأه .

والذي يترجح ، والله أعلم ، أن الحديث ضعيف في إسناده ، وفي متنه نكارة . وللشيخ عثمان الخميس - وفقه الله - كلام متين حول هذا الحديث في كتابه

الأحاديث الواردة في شأن السبطين الحسن والحسين جمعا وتخريجا ودراسة وحكما " وقد خلص فيه إلى تضعيف الحديث فلينظر .

وأما شفاعته صلى الله عليه وسلم فلا تعلق لها بنسبه ومصاهرته ، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على خلَّص أقاربه أنه لا يغني عنهم شيئاً

وأنهم لن يستفيدوا من نسبهم شيئاً إذا لم يؤمنوا أو لم يعملوا صالحاً ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لا ينظر يوم القيامة إلى صور الناس ولا إلى أجسامهم ولكن ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم

وقد أخبر الله تعالى من قبل أن أكرم الناس عنده هم أتقاهم ، وليس مع من يرى صحة الحديث ما يستطيع تعيينه من وجه نفعه صلى الله عليه وسلم لنسبه أو لصهره دون غيرهم ، ولذلك كله

– مع ما في الحديث من ضعف آحاد أسانيده – لا يظهر لنا صحة الحديث ، ولا نرى داعياً للجمع بينه وبين الآية الكريمة ، والآية نصٌّ في عدم انتفاع الناس بأنسابهم

وقد وضحتها الآيات الأخرى بأنهم يفرون من بعضهم بعضاً ، وليس هناك ما يخصص نسباً عن نسب .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -

: " فلهذا كان أهل الأنساب الفاضلة يُظن بهم الخير ، ويُكرمون لأجل ذلك ، فإذا تحقق من أحدهم خلاف ذلك : كانت الحقيقة مقدمة على المظنة ، وأما ما عند الله :

فلا يثيب على المظان ولا على الدلائل ، إنما يثيب على ما يعمله هو من الأعمال الصالحة ؛ فلا يحتاج إلى دليل ، ولا يجتزىء بالمظنة

فلهذا كان أكرم الخلق عنده أتقاهم ، فإذا قُدِّر تماثل اثنين عنده في التقوى : تماثلا في الدرجة

وإن كان أبو أحدهما أو ابنه أفضل من أبي الآخر أو ابنه ، لكن إن حصل له بسبب نسبه زيادة في التقوى : كان أفضل لزيادة تقواه

ولهذا حصل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذا قنتنَ لله ورسوله وعملن صالحاً

لا لمجرد المصاهرة بل لكمال الطاعة ، كما أنهن لو أتين بفاحشة مبينة لضوعف لهن العذاب ضعفين لقبح المعصية ؛ فإن ذا الشرف إذا ألزم نفسه التقوى ، كان تقواه أكمل من تقوى غيره " .

انتهى من " منهاج السنة النبوية " ( 8 / 216 ، 217 ) .

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب – رحمه الله -

: " قوله ( اشتروا أنفسكم ) أي : بتوحيد الله وإخلاص العبادة له وعدم الإشراك به وطاعته فيما أمر والانتهاء عما عنه زجر ؛ فإن جميع ذلك ثمن النجاة والخلاص من عذاب الله

لا الاعتماد على الأنساب وترك الأسباب ؛ فإن ذلك غير نافع عند رب الأرباب .

ودفع بقوله ( لا أغني عنكم من الله شيئا ) ما عساه أن يَتوهم بعضُهم أنه يُغني عنهم من الله شيئاً بشفاعته ، فإذا كان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً

ولا يدفع عن نفسه عذاب ربه لو عصاه كما قال تعالى ( قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) : فكيف يملك لغيره نفعاً أو ضرّاً ، أو يدفع عنه عذاب الله ؟!

وأما شفاعته صلى الله عليه وسلم في بعض العصاة : فهو أمر من الله ابتداء ، فضلاً عليه وعليهم ، لا أنه يشفع فيمن يشاء ، ويدخل الجنة من يشاء " .

انتهى من " تيسير العزيز الحميد " ( ص 223 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:41
تكفير الذنب بفعل الحسنات دليل على أنه من الصغائر

السؤال

كيف نفهم الحديث الآتي – في ضوء أن الصلاة تكفر الصغائر ولا تكفر الكبائر التي فيها حدود – :

عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله ! ارتكبت خطيئة توجب إقامة الحد علي فطهرني . وكان وقت إقامة الصلاة ، فانتظر الرجل ليصلي مع الرسول صلى الله عليه و سلم

وعندما انتهت الصلاة ذهب الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكرر ما قاله للنبي من قبل ، وقال : يا رسول الله ! لقد ارتكبت خطيئة التي يقام فيها الحد فطبقها علي

كما في كتاب الله .فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم : هل صليت معنا ؟ قال الرجل : نعم . فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقد غفر الله لك حقا . رواه البخاري ومسلم .

الجواب

الحمد لله

أولا :

أشهر الأحاديث الصحيحة الواردة في هذه القصة حديثان اثنان :

الحديث الأول : ما يرويه أبو عثمان النهدي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً

فَأَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلِي هَذَا ؟ قَالَ : لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ )

رواه البخاري (رقم/526، ورقم/4687)، ومسلم (2763).

وفي هذا الحديث قال : ( أصاب من امرأة قُبلة )، أي فعلا دون الزنا الكامل ، يوضح ذلك بعض ألفاظ رواية الإمام مسلم رحمه الله للحديث ، حيث جاء فيها : ( أصاب رجل من امرأة شيئا دون الفاحشة ).

الحديث الثاني : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ .

قَالَ : وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ . قَالَ : هَلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : قَدْ غُفِرَ لَكَ )

رواه البخاري (6823)، ومسلم (2764)، ونحوه (رقم/2765) عن أبي أمامة رضي الله عنه.

فكان تعبير الرجل في هذا الحديث مجملا حيث قال : ( أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ).

هذا وللحديثين روايات متعددة ، ومخارج متنوعة ، ومراسيل تشهد لها ، لم نشأ الإطالة بذكرها خشية الإملال .

ثانيا :

في مسائل هذين الحديثين قضايا محل اتفاق بين أكثر أهل العلم ، وأخرى محل اختلاف :

أما المتفق عليه بين أكثر العلماء فهو :

1- أن الحسنات والأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب ، وتمحو عن صاحبها الإثم والمعصية ، وذلك لأدلة كثيرة مشتهرة في الكتاب والسنة ، منها قول الله جل وعلا : (

إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )، ولكن الحسنات لا تكفر كبائر الذنوب ؛ وإنما تكفرها التوبة الصادقة أو إقامة الحد الشرعي .

قال الإمام النووي رحمه الله :

" أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة " انتهى من " شرح مسلم " (17/81)، وقد نقل الحافظ ابن رجب في " فتح الباري "

وفي " جامع العلوم والحكم " خلافا لبعض أهل العلم في هذه المسألة دون أن يسميهم، لذلك اخترنا التعبير بقولنا : اتفق أكثر أهل العلم.

2- أن لمس المرأة الأجنبية بشهوة وتقبيلها ليس من كبائر الذنوب التي تستوجب حد الزنا المذكور في القرآن الكريم ، وإنما هو إثم ، يعزر عليه القاضي الشرعي .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" قول الله عز وجل : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) نزلت في رجل أصاب من امرأة ما ليس بكبيرة "

انتهى من " التمهيد " (17/393)

وقال ابن بطال رحمه الله :

" دل هذا الحديث أن القُبلة وشبهها مما أصابه الرجل من المرأة غير الجماع - كل ذلك من الصغائر التي يغفرها الله باجتناب الكبائر ، والصغائر هي من اللمم التي وعد الله مغفرتها لمجتنب الكبائر

بقوله تعالى : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة ) النجم/32، وهذه الآية تفسير قوله: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) هود/114، وأما الكبائر

: فأهل السنة مجمعون على أنه لا بد فيها من التوبة والندم والإقلاع واعتقاد أن لا عودة فيها "

انتهى من " شرح صحيح البخاري " لابن بطال (2/155)

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" هذا الذنب الذي أصابه ذلك الرجل وسأل عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت الآية بسببه كان من الصغائر "

انتهى من " فتح الباري " لابن رجب (4/205)

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:42
على أنه مما يجب الانتباه إليه ، والاهتمام به هنا : أن صاحب الصغيرة إذا أصر على معصيته ، ولم يُتبِعها بالتوبة والإنابة ، انقلبت في حقه كبيرة ، أو أوشكت

كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا صغيرة مع الإصرار ؛ بل ربما كانت أضر على صاحبها من كبيرة ألم بها ، ثم لم يعد إليها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الزِّنَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَاللَّمَمُ مِنْهَا مَغْفُورٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى النَّظَرِ أَوْ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ صَارَ كَبِيرَةً وَقَدْ يَكُونُ الْإِصْرَارُ عَلَى ذَلِكَ

أَعْظَمَ مِنْ قَلِيلِ الْفَوَاحِشِ فَإِنَّ دَوَامَ النَّظَرِ بِالشَّهْوَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعِشْقِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ مِنْ فَسَادِ زِنَا لَا إصْرَارَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ

فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ: أَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلَا يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/293) .

ثالثا :

وقع الاختلاف بعد ذلك بين العلماء في توجيه حديث أنس بن مالك وأبي أمامة الذي قال فيه الرجل : ( أصبت حدا )، فانقسموا فيه إلى مسلكين :

المسلك الأول : تأويل الحديث ، وعدم التسليم بأن مقصد الرجل هو الوقوع في الكبيرة ، والقرينة الباعثة على هذا التأويل هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الرجل بتكفير ذنبه بسبب صلاته مع جماعة المسلمين

والكبائر لا تكفرها الصلاة ، وإنما تكفرها التوبة أو الحد ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ

وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) رواه مسلم (233)، وكما سبق نقل الإجماع على ذلك في كلام الإمام النووي رحمه الله .

ولذلك قال بعض أصحاب هذا المسلك في تفسير الحديث :

أن الرجل يريد أنه وقع في معصية من المعاصي تستحق التعزير ، والتعزير يسمَّى حدا بالمعنى العام ، وليس المقصود أنه وقع في فاحشة الزنا التي تستوجب الجلد أو الرجم
.
قال الإمام النووي رحمه الله
:
" هذا الحد معناه : معصية من المعاصي الموجبة للتعزير ، وهى هنا من الصغائر ؛ لأنها كفرتها الصلاة ، ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة...هذا هو الصحيح في تفسير هذا الحديث "

انتهى باختصار من " شرح مسلم " (17/81)

ونقل الحافظ ابن حجر تأويلات أخرى لأصحاب هذا المسلك في تفسير الحديث

فقال رحمه الله :

" لعله ظن ما ليس بحد حدًّا ، أو استعظم الذي فعله فظن أنه يجب فيه الحد "

انتهى من " فتح الباري " (12/134)

وقال أيضا :

" لعل الرجل ظن أن كل خطيئة فيها حد ، فأطلق على ما فعل حدا "

انتهى من " فتح الباري " (8/356)

المسلك الثاني : حمل الحديث على ظاهره

وأن هذا الصحابي قد وقع في كبيرة الزنا التي تستوجب الحد الشرعي .

وقد خاض أصحاب هذا الاتجاه في تعليل ترك النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على من أقر به ، وهو خوض لا يعنينا كثيرا في هذا الجواب المختصر

ومن أراد التوسع فيه فليرجع إلى الكلام عليه في أبواب العقوبات من كتب الفقه وشروح الحديث .

والأهم – في خصوص جواب السؤال - هو كيف أجاب أصحاب هذا القول على حجة من قال بتأويل الحديث ، وكيف كانت صلاة الجماعة سببا في تكفير كبيرة الزنا .

فالذي وقفنا عليه في هذا الشأن أن بعضهم جعل الحديث خاصا بذلك الرجل ، وأن تكفير كبيرة الزنا بالصلاة فضلٌ خاصٌّ به ، أطلع الله عز وجل نبيه عليه ، ولا يقاس عليه غيره .

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:42
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" يحتمل أن يختص ذلك بالمذكور ؛ لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد كفر عنه حده بصلاته ، فإن ذلك لا يعرف إلا بطريق الوحي ، فلا يستمر الحكم في غيره إلا في من علم أنه مثله في ذلك

وقد انقطع علم ذلك بانقطاع الوحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم "

انتهى من " فتح الباري " (12/134)

وثمة قول آخر لا يسلِّم بالإجماع الذي نقلناه سابقا عن الإمام النووي رحمه الله ، بل يقولون إن الحسنات والأعمال الصالحة كالصلاة والصيام والحج يمكن أن تكفر كبائر الذنوب أحيانا

ولكن ليس ذلك بالأمر اللازم المطرد ، وهذا الموضوع يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أكثر من موضع في كتبه ، وينتصر له بأدلة كثيرة ، وذهب إليه كثير من العلماء من شراح الأحاديث وغيرهم

ومنهم الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث يقول : " وقد تكفر الصلاة بعض الكبائر كمن كثر تطوعه مثلا بحيث صلح لأن يكفر عددا كثيرا من الصغائر

ولم يكن عليه من الصغائر شيء أصلا أو شيء يسير وعليه كبيرة واحدة مثلا فإنها تكفر عنه ذلك لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا "

انتهى من " فتح الباري " (12/134)

وينظر : " مجموع فتاوى ابن تيمية " (7/489-491)

" فتح الباري " لابن رجب (4/206)

"فتح الباري" لابن حجر (8/357)

وبناء على هذا القول يمكن أن يوجه حديث أنس بن مالك وأبي أمامة رضي الله عنهما بأن الله عز وجل أطلع نبيه على أن هذا الرجل قد غفر الله له كبيرته بسبب صلاته

وذلك لا يعني أن كل الكبائر من أي مرتكب لها تكفرها صلاتهم مع جماعة المسلمين ، وإنما يمكن أن يقع ذلك لبعض العاصين غير هذا الرجل الوارد في الحديث .

وفي كلام ابن القيم رحمه الله ما يشير إلى أن الرجل إنما غفر الله له بسبب توبته الصادقة

فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاته مع جماعة المسلمين كانت سبب مغفرة ذنبه لأنه صدق التوبة مع الله ، وليس بسبب الصلاة المجردة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" قالت طائفة : بل غفر الله له بتوبته ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وعلى هذا فمن تاب من الذنب قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله تعالى كما تسقط عن المحارب ، وهذا هو الصواب "

انتهى من " إعلام الموقعين " (4/281-282)

وأيا كان الأصوب من هذين المسلكين للعلماء في توجيه الحديث ، فإن الخطر كل الخطر يكمن في حال أولئك الذين يسرفون في المعاصي ، ويصرون على الذنوب

ويقتحمون كل خطيئة ، ثم يقولون : سيغفر الله لنا بحسناتنا !

وما أدراهم أن الله تقبل منهم حسناتهم ! وما أدراهم أن الله لا يحبط تلك الحسنات بتلك السيئات!

بل وما أدراهم أن الله عز وجل سيختم لهم بخاتمة حسنة إذا هم أصروا على ذنوبهم بدعوى أنها صغائر ! وقد قال أهل العلم : إن الإصرار على الصغائر يصيرها كبائر .

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله في خطبة له :

" أيها الناس من ألمَّ بذنبٍ فليستغفرِ اللَهَ وليتبْ ، فإن عاَدَ فليستغفرِ اللَّهَ وليتبْ ، فإن عاد فليستغفر الله وليتب ، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال ، وإن الهلاك كل الهلاك في الإصرار عليها .

نقله الحافظ ابن رجب ثم قال :

" ومعنى هذا : أن العبد لا بد أن يفعل ما قدر عليه من الذنوب..ولكن الله جعل للعبد مخرجا مما وقع فيه من الذنوب بالتوبة والاستعفار ، فإن فعل فقد تخلص من شر الذنوب

وإن أصر على الذنوب ، هلك ، وفي "المسند" من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: ( ويل للمصرين الذي يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ) "

انتهى من " تفسير ابن رجب الحنبلي " (1/562-563)

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة ":

" ليس معنى هذه المكفرات وما في معناها أن يُقدِمَ الإنسان على المعاصي والشهوات ، ويصرَّ عليها ، بحجة أنه يعمل هذه الحسنات فتكفرها ، فهذا لا يقوله أحد

ولا تؤدي إليه هذه النصوص ، وإنما المسلم مطالب بأصل الشرع بعمل الأوامر واجتناب النواهي ، وإذا قارف معصية فعليه المبادرة إلى التوبة النصوح بالإقلاع عنها ، والتأسف على ما وقع منه

وعقد العزم بعدم العودة إليها ، فهذه مع ما يحصل للمسلم من الخير مثل الوضوء والصلاة وفعل الحسنات - تكاثر السيئات وتكفرها إذا اجتنب الكبائر ؛

لقول الله سبحانه : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا )

انتهى باختصار من " فتاوى اللجنة الدائمة " (المجموعة الأولى 24/361)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:45
معنى حديث عائشة رضي الله عنها مات بين سحري ونحري

السؤال

هناك حديث لا أفهمه وأود أن أفهمه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: "أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟" حرصا على بيت عائشة

. وأضافت قائلة أن رسول الله توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وكان عرقه ممزوجا بعرقي. (البخاري)

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الحديث المشار إليه رواه البخاري (1300) ومسلم (4473) عن عائشة رضي الله عنها قالت : (إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا ؟

اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي)

وفي رواية للبخاري (4084)

(مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي) وفي رواية للبخاري (4096) (فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الْآخِرَةِ) .

قوله عليه الصلاة والسلام : (أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا..) .

قال القاضي عياض رحمه الله :

"هذا لمحبته لها [يعني : عائشة] ، وحرصه على أن يكون عندها ، حتى استأذن أزواجه في تمريضه عندها ، ليكون عن طيب أنفسهن فيبلغ غرضه مع تطييبه أنفسهن

مع التزامه ما التزمه من العدل بينهن"

انتهى من "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" (7/229) .

وقولها (قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي) :

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله

: "وَالسَّحْر : هُوَ الصَّدْر ، وَهُوَ فِي الْأَصْل الرِّئَة . وَالنَّحْر : الْمُرَاد بِهِ مَوْضِع النَّحْر [أسفل الرقبة]"

انتهى من "فتح الباري" (8/139) .

وأما قولها : (مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي) :

فَالْحَاقِنَة : مَا سَفَلَ مِنْ الذَّقَن ، وَالذَّاقِنَة مَا عَلَا مِنْهُ . وَالْحَاصِل : أَنَّ مَا بَيْن الْحَاقِنَة وَالذَّاقِنَة هُوَ مَا بَيْن السَّحْر وَالنَّحْر، وَالْمُرَاد أَنَّهُ مَاتَ وَرَأْسه بَيْن حَنَكهَا وَصَدْرهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا...

"انتهى من "فتح الباري" (8/139) .

وقال صاحب النهاية في "غريب الأثر" (2/875) :

" أي أنه ماتَ وهو مُسْتَنِد إلى صدرِها وما يُحاَذِى سَحْرَها منه " انتهى .

قوله : ( فلما كان يومي قبضه الله ) أي يومها الأصيل بحساب الدور والقسم وإلا فقد كان صار جميع الأيام في بيتها "

انتهى من "شرح مسلم" (15/208) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:51
هل ورد شيء بأن بعض الحيات تفقد البصر وتسقط الحمل

السؤال

روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اقتلوا الحيّات ، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر ،

فإنهما يطمسان البصر ، ويسقطان الحبلى ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . أرجو شرح هذا الحديث ، فقد سألني أحد أصدقائي وهو غير مسلم ، فقال : كيف يمكن لحيّة أن تطمس البصر ، وأن تسقط الجنين ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

هذا الحديث رواه البخاري (3297) ومسلم (2233) .

( ذا الطُّفْيَتين ) : هما الخطان الأبيضان على ظهر الحية .

( الأبتر ) : نوع من الحيات أزرق ، قصير الذَّنَب ، أو لا ذَنَبَ له ، وقال الداودي : هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكثر قليلا .

( يطمسان البصر ): تمحو نور العين وإبصارها .

( الحَبَل ) : الجنين .

انظر شرح الحديث للنووي في " شرح مسلم " (14/230)

والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (6/348) .

ثانياً :

من روايات الحديث

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" في رواية ابن أبي مليكة عن ابن عمر : (ويذهب البصر) ، وفي حديث عائشة : (فإنه يلتمس البصر) ، وفي رواية ابن أبي مليكة عن ابن عمر : (فإنه يسقط الولد)

وفي حديث عائشة : (ويصيب الحبل) ، وفي رواية أخرى عنها : (ويذهب الحبل) ، وكلها بمعنى – أي بمعنى واحد - "

انتهى من " فتح الباري " (6/348) .

ثالثاً :

سبب طمس البصر وإسقاط الحبل

اختلف شراح الحديث في سبب فقد البصر وإسقاط الجنين عند رؤية هذا النوع من الحيات :

القول الأول : أنها تؤذي بالنظر المجرد إليها ، لخاصية جعلها الله في نظر هذه الحيات ، تُفقِد الإنسان بصره وتُسقط الحمل ، من غير لسع ولا لدغ ، كأذى العائن يؤذي من يصيبه بعينه مباشرة .

قال القاضي عياض عن هذا القول : إنه أظهر . "إكمال المعلم" (7/168 ، 169) .

وكذا قال القرطبي في "المفهم" (5/533)

والنووي في "شرح مسلم" (14/230)

والمناوي في "فيض القدير" (2/59) .

وروى النضر بن شميل عن أبي خيرة أنه قال

: "الأبتر من الحيات أزرق مقطوع الذنب ، لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها "

انتهى من " كشف المشكل من حديث الصحيحين " لابن الجوزي (ص/379) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ، فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية

وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية ، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ، ومنها : ما تؤثر في طمس البصر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

ومنها : ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به ، لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة ، والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة

بل التأثير يكون تارة بالاتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية ، والرقى ، والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل"

انتهى من " زاد المعاد " (4/153)

ونحوه " بدائع الفوائد " (2/229)

وفي "فتح الباري" (10/200) .

القول الثاني : أن سبب فقد البصر وسقوط الحمل هو اللدغ واللسع ، والسم المصاحب لذلك النهش الذي يؤذي كل من يصيبه .

قال الإمام الزهري – بعد روايته الحديث عن سالم عن ابن عمر - : "نرى ذلك من سميهما"

انتهى من " صحيح مسلم " (2233) .

وقال الإمام الخطابي رحمه الله :

" معنى قوله : ( يلتمسان البصر ) قيل فيه وجهان :

أحدهما : أنهما يخطفان البصر ويطمسانه وذلك لخاصية في طباعهما ، إذا وقع بصرهما على بصر الإنسان .

وقيل : معناه أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش " انتهى من " معالم السنن " (4/157) ثم رجح الخطابي القول الأول .

القول الثالث : أن إسقاط الحمل سببه الرعب الذي يصيب المرأة إذا رأت ذلك النوع المخيف من الحيات .

ذكر هذا القول القاضي عياض ، ولكنه رجح القول الأول ، فقال
:
" وذلك بالروع منه ، أو بخاصته كما تقدم ، وهو أظهر ، إذ يشركه غيره في الروع "

انتهى من " إكمال المعلم " (7/168-169)

وذكره النووي رحمه الله "شرح مسلم" (14/230) ، وصاحب "عون المعبود" (14/111) ، وغيرهم من الشراح ، بل ظاهر كلام الإمام النووي ترجيح هذا التفسير لسقوط الحبل ، أما إذهاب البصر فرجح القول الأول .

ولكن رد بعض العلماء هذا القول فقالوا :

" لا يلتفت إلى قول من قال : إن ذلك بالترويع ؛ لأنَّ ذلك الترويعَ ليس خاصًّا بهذين النوعين ، بل يعمُّ جميع الحيَّات ، فتذهب خصوصيَّة هذا النوع بهذا الاعتناء العظيم

والتحذير الشديد ، ثمَّ إن صحَّ هذا في طرح الحبل ، فلا يصحُّ في ذهاب البصر ، فإنَّ الروع لا يذهبه "

انتهى من كلام أبي العباس القرطبي في " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (5/533-534) .

فتبين بما سبق أن العلماء اختلفوا في تفسير الحديث

إذ يحتمل أن سبب أذية هذا النوع من الحيات هو اللسع والنهش الذي يرافقه سم شديد يؤثر في البصر وفي الحمل

كما يحتمل أن هذا النوع من الحيات يلحق الأذى بالبصر وبالجنين عن بُعد بمجرد النظر إليه ، وذلك ليس ببعيد ولا يستحيل ، كما يقع ذلك من العائن .

كما يحتمل أن سبب إسقاط الحمل هو الرعب الذي يصيب المرأة الحامل بسبب منظر الحية المخيف .

فالله أعلم بما هو الصواب من ذلك ، وأحوال المخلوقات لا يحيط بها إلا خالقها ، والعلم يكتشف كل يوم شيئا جديدا من أمور الكون وأحوال الخلق .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-07, 17:56
هل ينادي عيسى بن مريم النبي صلى الله عليه وسلم في قبره فيجيبه ؟

السؤال

هناك حديث في " مسند أبي يعلى " يذكر أن عيسى عليه السلام سيعود إلى الدنيا في آخر الزمان ، وأنه سينزل من السماء ، فيرسي العدل ، ويقتل الخنزير

وأن الأموال ستعرض بين يديه فيرفضها ويكسر الصليب ، ثم يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فينادي : يا محمد ! فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم

. سؤالي هو : ألم ينهَ الله عز وجل في القرآن عن أن يُنادى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه مجرداً ، فلماذا يناديه عيسى عليه السلام باسمه مجردا ، ألا يأثم عيسى عليه السلام بذلك

أم أن الله عز وجل سمح لعيسى بأن ينادي النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ، وهل معنى هذا أن عيسى عليه السلام غير معنيٍّ باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وما الدليل على ما ستقولون ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث المقصود في السؤال ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد رواه جماعة من تلاميذه ، وكانت روايتهم للحديث على وجهين :

الوجه الأول :

لا يشتمل على الجملة محل الإشكال في السؤال ، وهي مناداة المسيح عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره ، وإنما يروى بألفاظ متقاربة ذات مدلول واحد

ومن هذه الألفاظ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ

وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رواه البخاري (2109) ومسلم (155) .

وهذا هو لفظ الحديث الذي لا إشكال في ثبوته عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه عن أبي هريرة رضي الله عنه جماعة من حفاظ تلاميذه ، كسعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين ، وحنظلة بن علي الأسلمي ، وعبد الرحمن بن آم ، والوليد بن رباح .... وغيرهم .

الوجه الثاني :

يشتمل على الجملة الأخيرة الواردة في السؤال ، وهي قوله : ( ثُمَّ لَئِنْ قَامَ عَلَى قَبْرِي فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! لأُجِيبَنَّهُ ) .

وقد انفرد بروايته على هذا الوجه سعيد المقبري من تلاميذ أبي هريرة رضي الله عنه ، واختلف رواة الحديث عن سعيد المقبري :

1- فرواه بهذا اللفظ أبو صخر ( حميد بن زياد ، ويقال اسمه : حميد بن صخر ) ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه . رواه أبو يعلى في " المسند " (11/462) .

2- ورواه محمد بن إسحاق ، عن سعيد المقبري ، عن عطاء (مولى أم صبية) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه . رواه الحاكم في " المستدرك " (2/651) ، لكن بلفظ: ( وليأتين قبري حتى يسلِّمَ علَيَّ ، وَلَأَرُدَّنَّ عليه ) .

وبهذا اللفظ رواه محمد بن إسحاق أيضاً عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه . رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (47/493) .

وهذه الأسانيد ليست في درجة الوجه الأول من الصحة والقبول ، بل لا يخلو إسناد منها من مقال ، أو من راوٍ متكلم فيه .
فأبو صخر ضعفه ابن معين والنسائي

وأحمد في رواية ، وقد وثقه الدارقطني ، وقال فيه أحمد – في رواية أخرى - : ليس به بأس .

انظر : " تهذيب التهذيب " (3/42).

وعطاء مولى أم صبية قال فيه الذهبي : لا يعرف

. كما في " ميزان الاعتدال " (3/78).

وأما محمد بن إسحاق فمدلس ، ولا تقبل روايته إذا قال : عن فلان ، كما في هذا الحديث .


وأيضاً : فسعيد المقبري رمي بالاختلاط في آخر عمره ، وقيل : إن أثبت الناس فيه الليث بن سعد

كما في " ميزان الاعتدال " (2/140)

- وقد رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري ، عن عطاء بن ميناء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وليس فيه اللفظ محل الإشكال

وإنما فيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا ، فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية

ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد ) رواه مسلم (155) .

وذكر الحافظ ابن عساكر رواية الليث بن سعد هذه في تاريخ دمشق ، وقال : "وهذا هو المحفوظ" .. ثم ذكر الألفاظ الأخرى التي رواها محمد بن إسحاق ، وأبو صخر ، وهي محل الإشكال .

وهذا ـ فيما يظهر ـ إشارة من الحافظ بن عساكر رحمه الله ، إلى تضعيف هذه الألفاظ ، وأنها ألفاظ شاذة غير محفوظة .
وخلاصة القول : أن اللفظ المقطوع بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه الجملة محل الإشكال ، وثبوت هذه الجملة غير مقطوع به .

وإن كان بعض العلماء كالشيخ الألباني قد صححها ، كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2733) .

ثانيا :

على فرض صحة الحديث ، يحتمل أن المراد بقوله :

(ثم لئن قام على قبري فقال : يا محمد ، لأجيبنه) المراد بذلك هو تسليم عيسى بن مريم عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في رواية الحاكم :

( وليأتين قبري حتى يسلِّمَ علَيَّ ، وَلَأَرُدَّنَّ عليه ) ؛ فإحدى الروايتين تبين المراد بالرواية الأخرى ، ويزول الإشكال بالكلية ؛ فرد النبي صلى الله عليه وسلم سلام من يسلم عليه :

ثابت في حق غير عيسى عليه السلام ، ولا إشكال فيه :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ) .

رواه أحمد (10434) وأبو داود (2041) وحسنه الألباني .

ثالثا :

ليس من النظر السديد في المسائل العلمية أن نقف عند لفظ وارد في إحدى الروايات ، التي لم نتيقن ثبوتها ، ونبني عليه مسائل عظيمة ، ونتساءل حوله بأسئلة خطيرة

كما ورد في السؤال من عبارات لا ينبغي استعمالها في حق الأنبياء ، كقول السائل : " ألا يأثم عيسى عليه السلام بذلك... وهل معنى هذا أن عيسى عليه السلام غير معنيٍّ باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم " .

فالأنبياء عليهم السلام هم أكمل الناس وأحسنهم أدباً وخلقاً ، بل جميع الأنبياء أخذ الله عليهم الميثاق والعهد المؤكد لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به .

قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) آل عمران/81 .

وعيسى عليه السلام إذا نزل آخر الزمان ، لن ينزل على أنه رسول جديد من الله ، وقد جاء برسالته إلى الناس ؛ وإنما سينزل يقيم في الناس شرع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحكم فيهم بسنته .

ففي صحيح مسلم (156) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ) .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 17:33
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يوجد تعارض بين الاجتهاد والمثابرة في العبادة وبين حديث (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) ؟

السؤال

جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا. وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ".

هل نفهم من هذا الحديث أنه ينبغي على المسلم أن يلتزم الوسطية في كل أمور حياته؟ الذي أقصده، أن الشخص إذا كان معتدلاً دائماً فكيف سينجح في هذه الحياة، لأن النجاح لا يتأتى إلا بالعمل الشاق والجهد المثابرة؟.

. ونحن كمسلمين يجب أن نندب أنفسنا إلى العمل والمثابرة على كل الأحوال حتى نبلغ أعلى درجات التميّز.. لا أن نأخذ الأمور بالاعتدال. هذا هو فهمي

فأرجو تبيين ما إذا كان صحيحاً أم لا مع الشرح والتوضيح. وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله

لا تعارض بين الجد والمثابرة وإتقان العمل بل والإكثار من العمل الصالح والمسابقة إلى الخيرات، وبين الأمر بالقصد والاعتدال والبعد عن التشديد على النفس وتكليفها ما لا تطيق .

فقد ذكر الله تعالى في القرآن ما يدل على الأمرين ووضح ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والعملية
أما القرآن فقد قال الله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ) البقرة/185

وقال - تعالى -:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/ 78.

وقال سبحانه : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران / 133.

وأما السنة :

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:

( لن ينجي أحداً منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته. سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا ) رواه البخاري (6463) .

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ( أدومها وإن قل. وقال: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ) رواه البخاري(6465).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ( إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) البخاري (39) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" (ما تطيقون) أي قدر طاقتكم، والحاصل أنه أمر بالجد في العبادة ، والإبلاغ بها إلى حد النهاية ، لكن بقيد : ما لا تقع معه المشقة المفضية إلى السآمة والملال"

انتهى من "فتح البارى" (11/299) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -

: " فإن المشروع المأمور به الذي يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الاقتصاد في العبادة .. "

إلى أن قال : " فمتى كانت العبادة توجب له ضرراً يمنعه عن فعل واجب أنفع له منها، كانت محرمة، مثل أن يصوم صومأ يضعفه عن الكسب الواجب ، أو يمنعه عن العمل أو الفهم الواجب ، أو يمنعه عن الجهاد الواجب .

وكذلك إذا كانت توقعه في محل محرم لا يقاوم مفسدته مصلحتها، مثل أن يخرج ماله كله، ثم يستشرف إلى أموال الناس ويسألهم .

وأما إن أضعفته عما هو أصلح منها، وأوقعته في مكروهات، فإنها مكروهة"

انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 25/ 272 ) .

وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله

- في معرض شرحه للأحاديث المذكورة السابقة أن فيها إشارة إلى أن أحب الأعمال إلى الله - عز وجل - شيئان:

أحدهما: ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلاً، وهكذا كان عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل آله وأزواجه من بعده. وكان ينهى عن قطع العمل .

والثاني: أن أحب الأعمال إلى الله ما كان على وجه السداد والاقتصاد والتيسير ، دون ما كان على وجه التكلف والاجتهاد والتعسير.

وقال - رحمه الله - في تفسير (سددوا وقاربوا): المراد بالتسديد: العمل بالسداد، وهو القصد، والتوسط في العبادة فلا يقصر فيما أمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه

.انتهى من ( المحجة في سير الدلجة 45 - 51 )

فعلم بما سبق أن النهي عن التكلف ، والأمر بالاقتصاد معناه : أن يبذل الإنسان وسعه وجهده في تحصيل الخير ، ولو كان في كان ذلك نوع من المشقة التي يمكن لمثله أن يحتملها

ويداوم على أمره ؛ فإن وصل به الحال إلى أن يلزم نفسه أكثر مما تحتمله

أو ترتب على فعلها للخير ضرر أعظم في دين أو دنيا : كان هذا من تكليف النفس ما لا تطيق

وربما أفضى به ذلك إلى الانقطاع عن العمل الصالح ؛ لأن كل خير في اتباع هذه الشريعة التي أنزلها خالق النفس البشرية ، وهو أعلم بما خلق وهو اللطيف الخبير.

وهذا كله ، وإن كان واردا في أمور العبادة والطاعة لله ، التي ينهى عن الانقطاع عنها ، أو فعل ما يقطع العبد عنها ، ويؤمر المرء بالمداومة عليها

فإن هذا هو النصيحة أيضا في أمور الدنيا ، غير أن الأمر فيها أوسع ، فقد يطلب من المرء أن يبذل جهدا مضاعفا في حال ، ليرتاح في غيره ، أو يحصل فرصة تفوته

أو نحو ذلك ، فهذا ينظر فيه بحسب الحال والمقام ، والأمر فيها أوسع وأسهل من أمور العبادة .

والجامع فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم :

( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا

وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) رواه مسلم (2664) .

نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح .

والله تعالى أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 17:37
لماذا منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من الزواج على فاطمة رضي الله عنهما ؟

السؤال

لماذا منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه من أن يتزوج بنت أبي جهل مع أنها كانت مسلمة، وقد كان أبوها مات أيضاً في ذلك الوقت؟.

. لماذا حرّم عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع أنه أمر مباح أصلاً؟

الجواب

الحمد لله :

يجب على المسلم أن يسلِّم بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل ، وأن يعلم أن الحكمة كل الحكمة فيما قاله أو فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، علم ذلك من علمه ، وجهل ذلك من جهله .

وتعدد الزوجات من الأمور الثابتة في هذه الشريعة بالنصوص الواضحة الصريحة ، والتي لا مطعن فيها بوجه من الوجوه ، مهما أرجف المرجفون ، وقال الأفاكون .

إلا أن هذا الزواج قد يعرض له من الملابسات والمفاسد التي تفوق المصالح المقصودة منه ، فيمنع منه حينئذ ، كعدم قدرة الرجل على العدل

وخشيته من الظلم ، أو نحو ذلك من الأمور التي تجعل المفاسد المترتبة عليه أعظم من المصالح المقصودة منه .

ومن هذا المبدأ منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من الزواج على ابنته فاطمة رضي الله عنها ، مع أن أصل التعدد مباح له ولغيره .

فعن الْمِسْوَر بْنَ مَخْرَمَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحًا ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ .

فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ : ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي ، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي

وإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا ، وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ) .

قَالَ : فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ . رواه البخاري (3110) ، ومسلم (2449) .

وقد ذكر العلماء جملة من الأسباب التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من هذا الزواج ، وهذه الأسباب ترجع في مجملها إلى أربعة أمور .

الأول : أن في هذا الزواج إيذاءً لفاطمة ، وإيذاؤها إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب ، وقد بَيَّن ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله : (وإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي ، يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا) .

وفي لفظ : (فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي ، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا

وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا) . رواه البخاري (5230) ، ومسلم (2449) .

قال ابن التين :

" أصح ما تُحمل عليه هذه القصة : أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم على علي أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل ؛ لأنه علل بأن ذلك يؤذيه ، وأذيته حرام بالاتفاق.

فهي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة ، وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي صلى الله عليه وسلم لتأذي فاطمة به ، فلا ".

نقله عنه في " فتح الباري " (9/328) .

وقال النووي: " فإن ذَلِكَ يؤَدِّي إِلَى أَذَى فَاطِمَة ، فَيَتَأَذَّى حِينَئِذٍ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَهْلَك مَنْ آذَاهُ ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ لِكَمَالِ شَفَقَته عَلَى عَلِيّ ، وَعَلَى فَاطِمَة ".

انتهى من " شرح صحيح مسلم " (16/3) .

قال ابن القيم : " وفى ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِهره الآخر ، وثناءَه عليه بأنه حدَّثه فصدقه ، ووعده فوفى له ، تعريضٌ بعلي رضي الله عنه ، وتهييجٌ له على الاقتداء به

وهذا يُشعر بأنه جرى منه وعد له بأنه لا يَريبها ولا يُؤذيها ، فهيَّجه على الوفاء له ، كما وفى له صهرُه الآخر" .

انتهى من " زاد المعاد " (5/118).

وما سبق لا ينطبق على امرأة أخرى غير فاطمة رضي الله عنها .

الثاني : خشية الفتنة على فاطمة في دينها .

كما جاء في رواية البخاري (3110): ( وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا ).

وعند مسلم (2449) : ( إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي ، وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا ) .

فإن الغيرة من الأمور التي جبلت عليها المرأة ، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن تدفعها الغيرة لفعل ما لا يليق بحالها ومنزلتها ، وهي سيدة نساء العالمين.

خاصة وأنها فقدت أمها ، ثم أخواتها واحدة بعد واحدة ، فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تُفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة .

قال الحافظ ابن حجر :

" وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة ، ولم يكن حينئذ تأخر من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غيرها ، وكانت أصيبت بعد أمها بأخواتها ، فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها ".

انتهى من " فتح الباري" (7/86) .

الثالث : استنكار أن تجتمع بنتُ رسول الله وبنتُ عدوِّ الله في عصمة رجل واحد
.
كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ).

قال النووي :

" وَقِيلَ : لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ النَّهْي عَنْ جَمْعِهِمَا ، بَلْ مَعْنَاهُ : أَعْلَمُ مِنْ فَضْل اللَّه أَنَّهُمَا لَا تَجْتَمِعَانِ ، كَمَا قَالَ أَنَس بْن النَّضْر : (وَاَللَّه لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرَّبِيع) .

وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَاد تَحْرِيم جَمْعهمَا ... وَيَكُون مِنْ جُمْلَة مُحَرَّمَات النِّكَاح : الْجَمْع بَيْن بِنْت نَبِيّ اللَّه وَبِنْت عَدُوّ اللَّه "

. انتهى "شرح صحيح مسلم " (8/199).

قال ابن القيم : " وَفِي مَنْعِ عَلِيّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَبَيْنَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ حِكْمَةٌ بَدِيعَةٌ ، وَهِيَ : أَنّ الْمَرْأَةَ مَعَ زَوْجِهَا فِي دَرَجَتِهِ تَبَعٌ لَهُ

فَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا ذَاتَ دَرَجَة عَالِيَةٍ وَزَوْجُهَا كَذَلِكَ كَانَتْ فِي دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ بِنَفْسِهَا وَبِزَوْجِهَا .

وَهَذَا شَأْنُ فَاطِمَةَ وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا .

وَلَمْ يَكُنْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَجْعَلَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ مَعَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَا بِنَفْسِهَا ، وَلَا تَبَعًا ، وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا ، فَلَمْ يَكُنْ نِكَاحُهَا عَلَى سَيّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مُسْتَحْسَنًا ، لَا شَرْعًا ، وَلَا قَدَرًا .

وقد أَشَارَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ : ( وَاَللّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ وَبِنْتُ عَدُوّ اللّهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ) ، فَهَذَا إمّا أَنْ يَتَنَاوَلَ دَرَجَةَ الْآخَرِ بِلَفْظِهِ أَوْ إشَارَتِهِ ".

انتهى من "زاد المعاد " (5/119).

الرابع : تعظيماً لحق فاطمة وبياناً لمكانتها ومنزلتها .

قال ابن حبان :

" هذا الفعل لو فعله علي كان ذلك جائزاً ، وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم تعظيماً لفاطمة ، لا تحريما لهذا الفعل".

انتهى من "صحيح ابن حبان" (15/407).

قال الحافظ ابن حجر: "السياق يشعر بأن ذلك مباحٌ لعلي ، لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة ، وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .

والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يُعدَّ في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ، ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بفاطمة رضي الله عنها"

انتهى من "فتح الباري" (9/329) .

والحاصل : أن هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة هي التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من هذا الزواج .

وليس في القصة أدنى مستمسك لمن يحاول التشبث بها ، للحد من تعدد الزوجات ، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللبس والوهم بقوله في نفس القصة : (

وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا ، وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا ) . رواه البخاري (3110) ، ومسلم (2449).

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 17:43
إذا كانت البركة تنزل وسط الطعام ، فلماذا لا نأكل من وسطه ؟

السؤال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه.

. صححه الألباني كيف يمكن أن تكون البركة تتوسط الطعام ونترك الأكل من وسط الطعام ؟

الجواب

الحمد لله

روى أبو داود (3772) – واللفظ له - والترمذي (1805) وابن ماجة (3277) وأحمد (3204)

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا )

ولفظ ابن ماجة : ( إِذَا وُضِعَ الطَّعَامُ فَخُذُوا مِنْ حَافَتِهِ وَذَرُوا وَسَطَهُ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره .

وروى ابن ماجة (3276) عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِ الثَّرِيدِ فَقَالَ : ( كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ مِنْ حَوَالَيْهَا وَاعْفُوا رَأْسَهَا

فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَأْتِيهَا مِنْ فَوْقِهَا ) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (208) عن واثلة ولفظه : ( خذوا بسم الله خذوا من حواليها ولا تأخذوا من أعلاها ؛ فإن البركة تنحدر من أعلاها )

ورواه ابن عساكر في "تاريخه" (35/347) ولفظه : ( خذوا بسم الله من حواليها واعفوا رأسها ؛ فإن البركة تأتيها من فوقها ، وإنها تمدّ )

فتبين بهذه الروايات أن البركة التي هي من عند الله

تنزل على رأس الطعام وأعاليه ، ثم تنحدر إلى جوانبه ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى المحافظة عليها بأن يأكلوا من جوانب القصعة ، حيث تنزل البركة إلى تلك الجوانب ، فيأخذ كل واحد نصيبه منها .

ونهى صلى الله عليه وسلم أن يأكلوا من رأسها وأعلاها ؛ لأنهم متى فعلوا ذلك ذهبت البركة من الطعام ، وربما لم يصب أحدهم منها شيئا

لأن أعلاها فيه البركة ، ومتى ذهب بعضهم بأعلاها ذهبت البركة

ولم يبق شيء ينحدر منها من أعلاها إلى جوانبها ، وفي هذا من سوء الأدب وسوء العشرة والشره والحرص وعدم القناعة ما يجعل الناس يشمئزون وينفرون من الطعام ومن مجلسه ، وبذلك تذهب البركة أو تقل .

قال الصنعاني رحمه الله :

" دل على النهي عن الأكل من وسط القصعة ، وعلله بأنه تنزل البركة في وسطها ، وكأنه إذا أكل منه لم تنزل البركة على الطعام ".

انتهى من"سبل السلام" (3 /160)

وقال الحافظ العراقي رحمه الله :

" وجه النهي عن الأكل من الوسط أن وجه الطعام أفضله وأطيبه ، فإذا قصده بالأكل استأثر به على رفقته ، وهو ترك أدب وسوء عشرة .

والمراد بالبركة هنا الإمداد من الله "

. انتهى من"فيض القدير" (5 /58)

راجع لمعرفة آداب الطعام جواب السؤال الاتي

بعنوان

آداب الأكل والشرب

اضغط هنا (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2129659)

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 17:48
معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " الوائدة والموءودة في النار "

السؤال

يوجد حديثان صححهما الشيخ الألبانى وهذا متنهما : الحديث الأول (الوائدة والموؤودة فى النار) و الثانى: (الوائدة و الموءودة في النار

إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم). و سؤالى ما ذنب الموؤودة فى دخولها النار؟

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث أخرجه أبو داود ( 4717 ) عن ابن مسعود رضي الله عنه بسند ضعيف .

لكن أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 15493 ) من طريق أخرى فيها قصة فرواه من طريق الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

: قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ ، هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ

: لَا قُلْنَا: فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: (الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ فَيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهَا) .

وهذه الرواية المشتملة على القصة قواها عدد من العلماء كالبخاري في التاريخ الكبير (4 ص:72 ) والدارقطني في العلل ( 5 / 161 ) والإلزامات ( 99) .

فمن صحح حديث ابن مسعود فإنما صححه لوروده من هذه الطريق القوية .

وقد استشكل بعض الناس هذا الحديث ، وظن أنه مخالف لقوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) النجم/38 ، ونحوها من الآيات .

وقد أجاب العلماء عن ذلك ، بأن الحديث ـ كما هو ظاهر القصة التي رواها الإمام أحمد إنما ورد في قضية معينة ، وليس حكما عاماً لكل وائدة وكل موءودة

فهو وارد في وائدة مشركة ، وموءودة أيضاً مشركة ، ولكن الظاهر أنها كانت طفلة صغيرة .

وليس هناك إشكال في كون الوائدة الواردة في الحديث في النار .

وأما الموءودة فهو حكم لموءودة معينة علم النبي صلى الله عليه وسلم أنها في النار .

وقد اختلف العلماء في حكم أطفال المشركين في الآخرة .

وأرجح الأقوال في مصيرهم ؛ أنهم يُمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع أمر الله نجا ، ومن عصاه هلك ، وقد جاءت في السنة النبوية أحاديث كثيرة يترجح بها هذا القول.

وهو اختيار كثير من المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو اختيار سماحة الشيخ ابن باز

كما في مجموع الفتاوى (2/712 -

وانظر جواب السؤال القادم

فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم – بالوحي- أن مصير هذه الموءودة في النار .

فالحديث إذاً خاص بأم سلمة بن يزيد واسمها مليكة ، وبابنتها التي وأدتها .

وإلى هذا القول مال ابن عبد البر وابن القيم والألباني وغيرهم من أهل العلم .

قال ابن عبد البر في معرض كلامه عن هذا الحديث " وهو حديث صحيح من جهة الإسناد إلا أنه محتمل أن يكون خرج على جواب السائل في عين مقصودة ، فكانت الإشارة إليها والله أعلم

وهذا أولى ما حمل عليه هذا الحديث لمعارضة الآثار له ، وعلى هذا يصح معناه ، والله المستعان "

انتهى من ( التمهيد 18 / 120) .

وقال ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (2/ 95) :

الجواب الصحيح عن هذا الحديث : أن قوله (إن الوائدة والموءودة في النار) جواب عن تينك الوائدة والموءودة ، اللتين سئل عنهما ، لا إخبار عن كل وائدة وموءودة

فبعض هذا الجنس في النار، وقد يكون هذا الشخص من الجنس الذي في النار" انتهى .

وقال الشيخ الألباني في "مشكاة المصابيح" (1/ 39)

"إن الحديث خاص بموءودة معينة وحينئذ (ال) في ( المؤودة) ليست للاستغراق بل للعهد . ويؤيده قصة ابني مليكة" انتهى .

ونقل العظيم آبادي في "عون المعبود" ( 12 / 322 )

عن صاحب "السراج المنير" قوله : "فلا يجوز الحكم على أطفال الكفار بأن يكونوا من أهل النار بهذا الحديث لأن هذه واقعة عين في شخص معين" انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 17:57
مصير الأطفال الذين ماتوا صغارا في الجنة أم في النار

السؤال

هل جميع الأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ سيدخلون الجنة أم الأطفال الذين آباؤهم مسلمون فقط ؟.

الجواب

الحمد لله

الكلام يكون إن شاء الله في مقامين :

الأول : مصير أطفال المسلمين .

والثاني : مصير أطفال الكفار .

= أما الأول : وهو مصير أطفال المسلمين :

فقد قال ابن كثير رحمه الله : فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال : لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة . وهذا هو المشهور بين الناس

( أي عامة العلماء ) وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل أ.هـ "

تفسير القرآن العظيم " ( 3 / 33 ) .

وقال الإمام أحمد رحمه الله :

من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة ؟!

وقال أيضا : إنه لا اختلاف فيهم . أ.هـ "

حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " ( 7/ 83) .

وقال الإمام النووي

: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة ؛ لأنه ليس مكلفا . أ.هـ

" شرح مسلم " (16 / 207) .

وقال القرطبي :

إن قول أنهم في الجنة هو قول الأكثر ،

وقال : وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم. " التذكرة " (2/328) .

= وأما الثاني : وهو مصير أطفال الكفار :

فقد اختلف العلماء فيه إلى أقوال :

1. أنَّهم في الجنَّة - وبعضهم يقول : إنَّهم على الأعراف ، ومردُّ هذا القول أنَّهم في الجنَّة لأن هذا هو حال أهل الأعراف - . وهو قول الأكثر من أهل العلم كما نقله عنهم ابن عبد البر في "

التمهيد " (18/96) .

ودليلهم :

أ . حديث سمرة رضي الله عنه : أنه عليه السلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولاد المسلمين وأولاد المشركين .

رواه البخاري (6640 ) .

ب . عن حسناء بنت معاوية من بني صريم قالت حدثني عمي قال قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة . رواه الإمام أحمد ( 5/409 )

. ضعفه الألباني في " ضعيف الجامع " (5997) .

2. أنَّهم مع آبائهم في النار . وقد نسب القاضي أبو يعلى هذا القول لأحمد ! وغلَّطه شيخ الإسلام جدّاً .

انظر " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " (7/ 87) .

ودليلهم :

أ . عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا إن أُمّنا ماتت في الجاهلية

وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وأنها وأدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فقال الوائدة والمؤودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم .

والحديث حسنه الحافظ ابن كثير في " التفسير " ( 3/ 33) ، ومن قبله ابن عبد البر في "

التمهيد " ( 18/120 ) .

ب . ولهم أحاديث أخرى ، لكنها ضعيفة .

3. التوقف فيهم . وهو قول حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه .

دليلهم :

أ . عن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال الله أعلم بما كانوا عاملين .

رواه البخاري (1383) ومسلم (2660) .

ب . ومثله من حديث أبي هريرة .

رواه البخاري (1384) ومسلم (2659).

4. ومنهم من قال : إنَّهم خدم أهل الجنَّة .

قال شيخ الإسلام رحمه الله : ولا أصل لهذا القول . "

مجموع الفتاوى " (4/279) .

قلت : وقد ورد ذلك في حديث عند الطبراني والبزار

لكن ضعفه الأئمة ومنهم الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 3/246) .

5. أنَّهم يُمتحنون في الآخرة ، فمن أطاع الله دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار . وهو قول معظم أهل السنة والجماعة كما نقله عنهم أبو الحسن الأشعري ، وهو قول البيهقي

وطائفة من المحققين ، وهو الذي مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وذكر أنه مقتضى نصوص الإمام أحمد ، وهو الذي رجحه الحافظ ابن كثير

وقال : وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض . "

التفسير " (3/31) .

دليلهم :

أ . عن أنس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يؤتى بأربعة يوم القيامة : بالمولود ، والمعتوه ، ومن مات في الفترة ، والشيخ الفاني ، كلهم يتكلم بحجته ، فيقول الرب تبارك وتعالى لعُنُق من النار : أُبْرزْ

ويقول لهم : إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم ، وإني رسول نفسي إليكم ، اُدخلوا هذه ( أي النار ) ، قال : فيقول من كتب عليه الشقاء : يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفرّ

قال : ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً ، قال : فيقول الله تعالى أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية ، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار" .

رواه أبو يعلى ( 4224)

وله شواهد كثيرة ذكرها الحافظ ابن كثير في " التفسير ( 3 /29-31).

وقال ابن القيم رحمه الله : وهذا أعدل الأقوال وبه يجتمع شمل الأدلة وتتفق الأحاديث في هذا الباب .

وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة كما في حديث سمرة ، وبعضهم في النار كما دل عليه حديث عائشة ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على هذا ؛ فإنه قال

: "الله أعلم بما كانوا عاملين إذْ خلقهم" ، ومعلوم أن الله لا يعذبهم بعلمه فيهم ما لم يقع معلومه ، فهو إنما يعذب من يستحق العذاب على معلومه

وهو متعلق علمه السابق فيه لا على علمه المجدد وهذا العلم يظهر معلومه في الدار الآخرة.

وفي قوله : "الله أعلم بما كانوا عاملين" :

إشارة إلى أنه سبحانه كان يعلم ما كانوا عاملين لو عاشوا ، وأن من يطيعه وقت الامتحان كان ممن يطيعه لو عاش في الدنيا

ومن يعصيه حينئذ كان ممن يعصيه لو عاش في الدنيا فهو دليل على تعلق علمه بما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

.. والله أعلم . أ.هـ "

حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " ( 7/87 ) .

= وما جاء في بعض الأحاديث السابقة أنهم في الجنة أو النار لا يشكل على ما رجحناه

قال ابن كثير رحمه الله :

أحاديث الامتحان أخص منه فمن علم الله منه أنه يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة ومن علم منه أنه لا يجيب فأمره إلى الله تعالى

ويوم القيامة يكون في النار كما دلت عليه أحاديث الامتحان ونقله الأشعري عن أهل السنة . أ.هـ

" التفسير " ( 3 / 33 ) .

= وما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بما كانوا عاملين " : لا يدل على التوقف فيهم .

قال ابن القيم رحمه الله

: وفيما استدلت به هذه الطائفة نظر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُجِب فيهم بالوقف

وإنما وكل علم ما كانوا يعملونه لو عاشوا إلى الله وهذا جواب عن سؤالهم كيف يكونون مع آبائهم بغير عمل وهو طرف من الحديث …. والنبي صلى الله عليه وسلم وَكَل العلم بعملهم إلى الله

ولم يقل الله أعلم حيث يستقرون أو أين يكونون ، فالدليل غير مطابق لمذهب هذه الطائفة. أ.هـ "

حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " ( 7/ 85 ) .

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 18:00
بيان المقصود بالكفر في حديث : ( مَنْ أَتَى حَائِضًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

السؤال

انا أعرف أن من أتى امرأة من دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد (كما ورد بالحديث الصحيح)

لكن هل هذا الكفر مخرج من الملة وتجب بحق فاعله الاستتابة أو الحد ويجب عليه تجديد شهادته أم أن هذا ذكر لتعظيم الذنب كما ورد في تارك الصلاة (من تركها فقد كفر)؟

الجواب

الحمد لله

روى أبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجة (639) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

وهذا الكفر الوارد فيمن أتى حائضاً أو امرأة في دبرها ليس كفراً أكبر مخرجاً عن الملة ، ولكنه كفر دون كفر ، أي : كفر أصغر .

قال الترمذي عقب الحديث السابق :

" وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى حَائِضًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ ) فَلَوْ كَانَ إِتْيَانُ الْحَائِضِ كُفْرًا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ " انتهى .

وقال في "تحفة الأحوذي" :

" الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقِيلَ : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْإِتْيَانَ بِاسْتِحْلَالٍ وَتَصْدِيقٍ ، فَالْكُفْرُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِمَا فَهُوَ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ " انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" فأما الكفر فنوعان : كفر أكبر وكفر أصغر ، فالكفر الأكبر : هو الموجب للخلود في النار ، والأصغر : موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود

كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( اثنتان في أمتي هما بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد )" انتهى .

"مدارج السالكين" (1 /335-336) .

وتشبيه السائل هذا الحديث بقول النبي صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة : ( فمن تركها فقد كفر ) تشبيه غير صحيح ، فالصحيح من أقول العلماء أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملة

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 18:04
شرح حديث : إن أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا

السؤال

قال رسول الله"إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العنت " الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني -

المصدر: السلسلة الصحيحة أرجو شرح الحديث و ما المقصود منه ، وهل هو صحيح؟

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه الطبراني في "الأوسط" (7697) والخطيب في "تاريخ بغداد (5 /263) وابن عدي في "الكامل" (4/63) وابن بشران في "الأمالي" (2/44) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (ص154)

والثعلبي في "تفسيره" (ص2343) كلهم من طريق صالح المري عن سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة قال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ، وأبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرآء العنت )

وصالح المري ضعيف .

ولكن للحديث شواهد كثيرة :

- منها ما رواه الطبراني في "الصغير" (605) و"الأوسط" (4422) والبيهقي في "الشعب" (7983) وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (ص 217)

من طريق يعقوب بن أبي عباد القلزمي حدثنا محمد بن عيينة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: ( أكمل الناس إيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف )

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" وفي " المجمع " ( 8 / 21 ) . " رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه يعقوب

بن أبي عباد القلزمي ولم أعرفه ".

قلت : ثم عرفته وهو يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، نسب إلى جده . قال ابن أبي حاتم

( 4 / 203 ) " محله الصدق ، لا بأس به " ووثقه السمعاني ، فثبت الإسناد والحمد لله .

وقد جاء مجموع الحديث في أحاديث متفرقة " انتهى .

"السلسلة الصحيحة" (2 /250)

- ومن شواهده ما رواه ابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (456) وابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (ص 226) من طريق يونس بن محمد ثنا أبو أويس عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا به نحوه .

- ومنها ما رواه الطبراني في "مكارم الأخلاق" (ص9) من طريق حبان بن هلال ، ثنا مبارك بن فضالة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر به مرفوعا .

- ومنها ما رواه معمر في "جامعه" (761) ومن طريقه عبد الرزاق في "مصنفه" (20153) عن هارون بن رئاب مرسلا .
- ومنها ما رواه أحمد (17278)

عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا

وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا ، الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ )

- ومنها ما رواه أحمد أيضا (27052) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ) ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ )

ومعنى الحديث :

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحب الناس إليه وأقربهم منه مجلسا في الآخرة أحاسنهم أخلاقا ، ثم وصفهم بأنهم ( الموطؤون أكنافا ) وهم الذين جوانبهم وطيئة لينة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى بهم

فهم يفرحون بالحسنة ويتجاوزون عن السيئة ويعفو ويصفحون
.
( الذين يألفون ويؤلفون ) يعني يأنسون بالناس ويأنس الناس بهم ويحبون صحبتهم ويتقربون منهم .

( وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة ) الذين يفسدون بين الناس بنقل حديث بعضهم لبعض بغرض إيقاع الشر والفساد بينهم .

( المفرقون بين الأحبة ) بما يسعون به بينهم من الفتن والتحريش .

( الملتمسون للبرآء العنت ) وهم الذين يطلبون للبريء السالم المشقة والفساد ، يريدون أن يلطخوا المطهرين السالمين بما عافاهم الله منه من الآثام والعيوب .

وقال ابن الأثير في "النهاية" (3/580) :

" العَنَتُ : المشقَّة والفساد والهلاك والإثْم والغَلَط والخَطَأ والزِّنا كُلُّ ذلك قد جاء وأطْلِق العَنَتُ عليه . والحديث يحَتَمِل كلَّها . والْبُرآء : جمع بَرِيء وهو والعَنَت منصوبان مفعولان لِلْباغِين

يقال : بَغَيْتُ فلانا خيراً وبَغيْتُك الشيءَ : طلبتُه لك وبَغيْت الشيءَ : طلبْته "

و(الثرثارون) أي الذين يكثرون الكلام تكلفا وتشدقا ، والثرثرة كثرة الكلام وترديده . و(المتفيهقون) أي الذين

يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم ويتفصحون فيه .

و(المتشدقون) الذين يتكلمون بأشداقهم ويتقعرون في مخاطبتهم .

راجع : "فيض القدير" (3 /619-620)

والمقصود من الحديث : الحث على مكارم الأخلاق ولين الجانب ، والنهي عن النميمة والسعي بين الناس بالفساد والشر ، وخاصة الأتقياء الأنقياء المسالمون الذين لا غل في قلوبهم ولا حسد ولا ضغينة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 18:14
يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره

السؤال

أخوتي في الإسلام لقد قمت بزيارة موقع علي الإنترنت حيث وجدت ما أراه بدعة ، ولكن الله أعلم ، أرجو أن تخبروني عن صحة هذا الحديث لأنني أشك فيه. الحديث في صحيح مسلم، كتاب 024 رقم 5149

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ خَالَ وَلَدِ عَطَاءٍ قَالَ

: أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ : بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ (جزء من حرير في الثوب) وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ (غشاء للسرج من حرير أحمر) وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ

. فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ : أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدَ ؟ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ) فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ . وَأَمَّا مِيثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبْدِ اللَّهِ

فَإِذَا هِيَ أُرْجُوَانٌ ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَسْمَاءَ فَخَبَّرْتُهَا فَقَالَتْ : هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الجبة رداء يلبس فوق الثياب) ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا

مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ (الديباج نوع من الحرير الطبيعي) فَقَالَتْ : هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا ، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا . ما مدى صحة هذا الحديث؟

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه مسلم في "صحيحه" (2069) ، كما ذكر السائل ، باللفظ المذكور أعلاه

ورواه الإمام أحمد في "مسنده" (182) - مختصرا - والبيهقي في "سننه" (4381) من طريق عبد الملك – وهو ابن أبي سليمان – به .

وهذا إسناد صحيح متصل ، رجاله ثقات ، يكفي في إثبات صحته إخراج مسلم إياه في صحيحه ، ولا نعلم أحدا تكلم فيه بشيء ، وما كان بهذه المثابة لم يجز غمزه أو التوقف عن تصحيحه .

وأما عن شرح الحديث يقول النووي رحمه الله :

" أمّا جَوَاب اِبْن عُمَر فِي صَوْم رَجَب فَإِنْكَارٌ مِنْهُ لِمَا بَلَغَهُ عَنْهُ مِنْ تَحْرِيمه , وَإِخْبَار بِأَنَّهُ يَصُوم رَجَبًا كُلّه , وَأَنَّهُ يَصُوم الْأَبَد . وَالْمُرَاد بِالْأَبَدِ مَا سِوَى أَيَّام الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيق ,

وَهَذَا مَذْهَبه وَمَذْهَب أَبِيهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَائِشَة وَأَبِي طَلْحَة وَغَيْرهمْ مِنْ سَلَف الْأُمَّة ، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يُكْرَه صَوْم الدَّهْر .

وَأَمَّا مَا ذَكَرْت عَنْهُ مِنْ كَرَاهَة الْعَلم فَلَمْ يَعْتَرِف بِأَنَّهُ كَانَ يُحَرِّمهُ , بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَوَرَّعَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ دُخُوله فِي عُمُوم النَّهْي عَنْ الْحَرِير .

وَأَمَّا الْمِيثَرَة فَأَنْكَرَ مَا بَلَغَهَا عَنْهُ فِيهَا , وَقَالَ : هَذِهِ مِئْثَرَتِي , وَهِيَ أُرْجُوَان ,

وَالْمُرَاد أَنَّهَا حَمْرَاء , وَلَيْسَتْ مِنْ حَرِير , بَلْ مِنْ صُوف أَوْ غَيْره , وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا قَدْ تَكُون مِنْ حَرِير , وَقَدْ تَكُون مِنْ صُوف , وَأَنَّ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَنْهَا مَخْصُوصَة بِاَلَّتِي هِيَ مِنْ الْحَرِير .

وَأَمَّا إِخْرَاج أَسْمَاء جُبَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَكْفُوفَة بِالْحَرِيرِ ,

فَقَصَدْت بِهَا بَيَان أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحَرَّمًا , وَهَكَذَا الْحُكْم عِنْد الشَّافِعِيّ وَغَيْره أَنَّ الثَّوْب وَالْجُبَّة وَالْعِمَامَة وَنَحْوهَا إِذَا كَانَ مَكْفُوف الطَّرَف بِالْحَرِيرِ جَازَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَع أَصَابِع , فَإِنْ زَادَ فَهُوَ حَرَام .

وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ النَّهْي عَنْ الْحَرِير الْمُرَاد بِهِ الثَّوْب الْمُتَمَحِّضُ مِنْ الْحَرِير , أَوْ مَا أَكْثَره حَرِير , وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد تَحْرِيم كُلّ جُزْء مِنْهُ بِخِلَافِ الْخَمْر وَالذَّهَب , فَإِنَّهُ يَحْرُم كُلّ جُزْء مِنْهُمَا " انتهى مختصرا .

وأما قول أسماء رضي الله عنها في آخر الحديث
:
" وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا ، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا "

فهذا النوع من التبرك هو من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يفعله السلف الصالح بأثر سوى أثر النبي صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 18:18
يشرع غلق الأبواب والنوافذ بالليل وخاصة عند النوم - إلا لحاجة .

السؤال

لقد سمعنا أنه يتعين علينا أن نغلق الأبواب والنوافذ ساعة الغروب لكي لا تدخل الجن والشياطين ، فهل يعني هذا أن النوافذ يجب أن تبقى مغلقة طوال الليل؟

أم وقت الغروب فقط؟ وإذا كانت الثانية فكم المدة تحديداً؟

الجواب

الحمد لله

عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ

وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ ) رواه البخاري (3280) - واللفظ له - ومسلم (2012)

وفي لفظ للبخاري (5624)

: ( أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ )

وعند أحمد (14747)

: ( خَمِّرُوا الْآنِيَةَ وَأَوْكِئُوا الْأَسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الْبَابَ وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ الْبَيْتَ ، وَأَكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْمَسَاءِ فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً )

وعنده أيضا (14597) :

( أَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ بِاللَّيْلِ وَأَطْفِئُوا السُّرُجَ وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهِ بِعُودٍ )

دلت هذه الأحاديث وما في معناها على شيئين :

الأول : يشرع عند إقبال الليل منع الصبيان - وكذا سائر البهائم من الإبل والغنم وغيرها – من الخروج ؛ لأن هذه ساعة تنتشر فيها الشياطين في الأرض ، ولا تُؤمن غوائلهم على الصبيان وسائر الحيوانات .

الثاني : إغلاق أبواب البيوت والغرف والشبابيك بالليل ، إذا لم تكن هناك حاجة إلى فتحها ، وخاصة عند إرادة النوم .
فيكون منع الصبيان من الخروج في أول ساعة من الليل

أما إغلاق النوافذ والأبواب فيكون في عامة الليل ، غير مخصوص بأوله ، إذا لم تكن هناك حاجة داعية إلى فتحها ؛ وذلك صيانة للبيت وأهله من دخول الشياطين وسائر ما يؤذي من هوام الأرض .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل ، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن "

انتهى من " الاستذكار " (8/363)

وقال ابن بطال رحمه الله :

" أمره عليه السلام بإغلاق الأبواب بالليل خشية انتشار الشياطين وتسليطهم على ترويع المؤمنين وأذاهم "

انتهى من "شرح صحيح البخارى" ـ لابن بطال (9 /67)

ولا ينبغي أن يشدد المسلم على نفسه في ذلك ، فيرى أنه متى دخل الليل إلى الفجر فإن عليه أن يغلق كل باب وكل نافذة في البيت ، وإذا رأى أحدا من أهل بيته فتح النافذة بالليل نهره

ونحو ذلك مما عسى أن يجلبه التشدد على أهله ، ولكن يقال : كل باب لا حاجة إلى فتحه بالليل فإنه يغلق ، وكذا النوافذ والشبابيك

وما كان من ذلك يفتح للحاجة فلا حرج في فتحه ، ثم يغلق متى انقضت الحاجة ، ويتأكد ذلك عند إرادة النوم خاصة
.
وفي ذلك صيانة لحرمات البيت من شياطين الإنس والجن .

فإذا أراد أهل البيت فتح النوافذ مثلا لشدة الحر ، مع التحرز للحرمات

فلا حرج في فتحها ، وإذا كان هناك ما يستدعي فتح باب معين بصفة دائمة لكثرة الدخول والخروج فلا حرج في فتحه ، ومتى انقضت الحاجة أوصد وأغلق .

وينظر جواب السؤالين القادمين

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 18:20
حديث إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ حديث صحيح

السؤال

هل هناك دليل على أن وقت المغرب هو وقت انتشار الشياطين ، وأنه يجب إدخال الأطفال إلى المنزل في هذا الوقت ؟

الجواب

الحمد لله

نعم ، ورد في هذا الأدب جملة من الأحاديث الصحيحة . فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا

وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا ، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ )

رواه البخاري (3280) ومسلم (2012) ، وبوب عليه النووي بقوله : باب الأمر بتغطية الإناء ، وإيكاء السقاء ، وإغلاق الأبواب ، وذكر اسم الله عليها

وإطفاء السراج والنار عند النوم ، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب .

وروى مسلم (2013) عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ – أي كل ما ينتشر من ماشية وغيرها

- وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ في الحديث الأول ـ :

" ( جُِنح الليل ) هو بضم الجيم وبكسرها ، والمعنى : إقباله بعد غروب الشمس ، يقال : جنح الليل : أقبل .

قوله : ( فخلوهم ) قال ابن الجوزي : إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة ، لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا

والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا ، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به ، فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت .

والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار ؛ لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وكذلك كل سواد " انتهى.

" فتح الباري " (6/341)

وقال الإمام النووي رحمه الله :

" هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا ، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان

وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه ، فلا يقدر على كشف إناء ، ولا حل سقاء ، ولا فتح باب ، ولا إيذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه الأسباب

وهذا كما جاء في الحديث الصحيح أن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال الشيطان : ( لا مبيت ) أي : لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء ، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله :

( اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ) كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان ، وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة .

وفى هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع ، ويلحق بها ما في معناها ، قال أصحابنا : يستحب أن يذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذي بال

وكذلك يحمد الله تعالى في أول كل أمر ذي بال ، للحديث الحسن المشهور فيه .

قوله ( جنح الليل ) هو بضم الجيم وكسرها ، لغتان مشهورتان ، وهو ظلامه ، ويقال : أجنح الليل : أي : أقبل ظلامه ، وأصل الجنوح الميل .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( فكفوا صبيانكم ) أي : امنعوهم من الخروج ذلك الوقت .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن الشيطان ينتشر ) أي : جنس الشيطان ، ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ . والله أعلم " انتهى.

" شرح مسلم " (13/185)

وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي :

" في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري : ( إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم ) ثم جاء فيه : ( وأطفئوا مصابيحكم ) فهل هذا الأمر للوجوب ؟ وإن كان للاستحباب فما هي القرينة الصارفة له عن الوجوب ؟

فأجابت :

" هذه الأوامر الواردة في الحديث محمولة على الندب والإرشاد عند أكثر العلماء

كما نص عليه جماعة من أهل العلم ، منهم : ابن مفلح في " الفروع " (1/132) ، والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11/87) والله أعلم " انتهى.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (26/317)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-10, 18:23
يستحب إغلاق أبواب المنازل في الليل

السؤال

هل هذا الحديث صحيح : وقت غروب الشمس نقول : بسم الله . ونغلق الشبابيك ، كي لايدخل الجن ؟

الجواب

الحمد لله

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرنا بإغلاق الأبواب وذكر اسم الله في الليل

عند دخول الليل ، وعند النوم والمبيت ، وذلك كي يحفظ المسلم بيته وأهله من دخول كل شيطان ضار من شياطين الإنس والجن ، وكذلك من دخول الحيوانات والحشرات المؤذية .

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا

وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ )

رواه البخاري (3280) واللفظ له، ومسلم (2012) ولفظه :

( غَطُّوا الْإِنَاءَ ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً ، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا ، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً )

وقد بوب عليه الإمام النووي بقوله :

" باب الأمر بتغطية الإناء ، وإيكاء السقاء ، وإغلاق الأبواب ، وذكر اسم الله عليها ، وإطفاء السراج والنار عند النوم ، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب " انتهى.

وروى مسلم (2013) في الباب نفسه عن جابر رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ )

ورواه ابن حبان في " صحيحه " (4/90) بلفظ :

( أَوْكُوا الأَسْقِيَةَ ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ إِذَا رَقَدْتُمْ بِاللَّيْلِ ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْبَابَ مُغْلَقًا دَخَلَ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ السِّقَاءَ مُوكًى شَرِبَ مِنْهُ

وَإِنْ وَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا وَالسِّقَاءَ مُوكًى لَمْ يَحْلِلْ وِكَاءً وَلَمْ يَفْتَحْ بَابًا مُغْلَقًا ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ لِإِنَائِهِ الَّذِي فِيهِ شَرَابُهُ مَا يُخَمِّرُهُ ، فَلْيَعْرِضْ عَلَيْهِ عُودًا )

قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :

" وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل ، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن ، وأما قوله : ( إن الشيطان لا يفتح غلقا

ولا يحل وكاء ) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز و جل على عباده من الإنس ، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء ، وأنه قد حرم هذه الأشياء

وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس " انتهى.

" الاستذكار " (8/363)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قال ابن دقيق العيد : في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد ، ولا سيما الشياطين .

وأما قوله : ( فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ) فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد

الشيطان عن الاختلاط بالإنسان ، وخصه بالتعليل تنبيها على ما يخفى مما لا يطلع عليه إلا من جانب النبوة ، قال: واللام في الشيطان للجنس ، إذ ليس المراد فردا بعينه " انتهى.

" فتح الباري " (11/87)

وقال أيضا رحمه الله :

" قال القرطبي : جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة ، ويحتمل أن تكون للندب ، ولا سيما في حق من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر .

وقال ابن العربي : ظن قوم أن الأمر بغلق الأبواب عام في الأوقات كلها

وليس كذلك ، وإنما هو مقيد بالليل ؛ وكأن اختصاص الليل بذلك لأن النهار غالبا محل التيقظ بخلاف الليل ، والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان ، فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار " انتهى.

" فتح الباري " (6/356-357)

وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله :

" ويسن إذا جن الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود ، وإيكاء السقاء ، وإغلاق الأبواب مسميا لله تعالى في الثلاثة ، وكف الصبيان والماشية أول ساعة من الليل ، وإطفاء المصباح للنوم " انتهى.

" مغني المحتاج " (1/31)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ينبغي للإنسان إذا نام أن يجافي الباب بمعنى يغلقه " انتهى.

" شرح رياض الصالحين "

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:08
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حديث (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)

السؤال

جاء في كتاب " الملاحم " لأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ) فهل هذا الحديث صحيح ، ومن راويه ، وهل يجب على المسلم تصديق هذا الحديث ؟

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة ، يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :

( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )

رواه أبو داود (رقم/4291) وصححه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (149)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/599)

والواجب على المسلم أن يؤمن بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، ويسلم بها، ولا يتردد بما جاء فيها ، فذلك من مقتضيات الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/59.

قال مجاهد وغير واحد من السلف :

" ( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) أي : إلى كتاب الله وسنة رسوله ، وهذا أمر من الله عز وجل ، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة

كما قال تعالى : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) الشورى/10، فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال "

انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (2/345)

وقد فسر أهل العلم هذا الحديث التفسير الصحيح ، فقالوا : إن كلمة ( مَن ) ههنا اسم موصول تفيد الإطلاق ، فيحتمل أن يكون المجدد فردا

ويحتمل أن يكون طائفة من الناس ، وبناء عليه فلا يلزم تتبع أسماء أفراد من العلماء في كل قرن والمفاضلة بينهم لتمييز المجدِّد فيهم ، فقد يكون كلهم ساهم في تجديد هذا الدين وبعثه في الأمة .

يقول الحافظ الذهبي رحمه الله :

" الذي أعتقده من الحديث أن لفظ ( مَن يُجَدِّدُ ) للجمع لا للمفرد "

انتهى من " تاريخ الإسلام " (23/180)

ويقول ابن كثير رحمه الله :

" قال طائفة من العلماء : الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف

كما جاء في الحديث من طرق مرسلةٍ وغير مرسلة ( يحمل هذا العلم من كل خلف عُدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ) وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا هذا ونحن في القرن الثامن "

انتهى من "البداية والنهاية" (6/256)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط ، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة ( يعني قد تكون جماعة ) وهو متجه ، فإنَّ اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير

ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد ، إلا أن يُدَّعى ذلك في عمر بن عبد العزيز

فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ، ومن ثم أَطلَقَ أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه

وأما من جاء بعده فالشافعي - وإن كان متصفا بالصفات الجميلة - إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل ، فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد ، سواء تعدد أم لا "

انتهى من "فتح الباري" (13/295)

وكذلك لا يلزم لانطباق وصف التجديد على شخص معين أن ينتصر الإسلام في زمانه ، وأن تكون الدائرة للدولة الإسلامية ، فقد يكون المجدد في مجال العلم وليس في مجال القيادة والسياسة

بل قد يكون التجديد في جوانب دعوية أو تربوية ونحو ذلك ، فهذا هو مفهوم إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم : ( يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )

وبهذا الفهم لا يبقى – في ظننا – إشكال لدى السائل في فهم الحديث .

قالت اللجنة الدائمة :

" معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( يجدد لها دينها ) أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم دينًا - بعث إليهم علماء أو عالمًا بصيرًا بالإسلام ، وداعيةً رشيدًا

يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة ، ويجنبهم البدع ، ويحذرهم محدثات الأمور ، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

فسمى ذلك : تجديدًا بالنسبة للأمة ، لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله ، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة

أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) " انتهى .

عبد العزيز بن باز ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد الله بن غديان ، عبد الله بن قعود

" فتاوى اللجنة الدائمة " (2/247-248)

ويقول العلامة حمود التويجري رحمه الله :

" وأما قصر الحديث على أشخاص معدودين في كل مائة سنة واحد منهم ؛ فهو بعيد جدا ، والحديث لا يدل على ذلك ؛ لأن لفظة ( مَن ) يراد بها الواحد ، ويراد بها الجماعة .

وعلى هذا فحمل الحديث على الجماعة القائمين بنشر العلم وتجديد الدين أولى من حمله على واحد بعد واحد منهم .
ويؤيد هذا ما رواه الترمذي وحسنه

عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا ؛ فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي )

ويؤيده أيضا ما رواه ابن وضاح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال: الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم

يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، ويحيون بكتاب الله أهل العمى....إلى آخر خطبته رضي الله عنه .

فهذا يدل على أن التجديد يكون في جماعة من أهل العلم ، ولا ينحصر في واحد بعد واحد منهم "

انتهى باختصار.

" إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (1/336)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:13
إذا كانت الملائكة لا تقرب جيفة الكافر فكيف ستسأله في القبر ؟

السؤال

لقد أشرتم في إحدى الفتوي إلى هذا الحديث : عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ ( وهو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء :

فيض القدير 3/325 ) وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ " رواه أبو داود (4180) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3522)

. وقد شاركت فتواكم مع آخرين لكي أنوه إلى أهمية الغسل ، لكن سألني أحدهم "إذا كانت الملائكة لا تقترب من جيفة الكافر ، فكيف ستسأله الملائكة في القبر؟ وإذا حان أجل الجنب الآن

هل يذهب إليه ملك الموت؟

" فهل بوسعكم رجاءً توضيح هذا الأمر فأنا على يقين من وجود سياق لهذا الحديث وأن هناك توضيح له؟

وأنا في انتظار ردكم بفارغ الصبر .

الجواب

الحمد لله

فقد روى أبو داود (4180) عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ : جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ ) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .

والمراد من الحديث أن ملائكة الرحمة لا تقرب هؤلاء بتنزل بركة أو رحمة عليهم ؛ لأنهم ليسوا أهلا لهذا الفضل

والمراد التنفير من فعلهم وما هم عليه من الحال الموجب لانصراف ملائكة الرحمة عنهم ، يؤيده رواية البيهقي لهذا الحديث في "سننه" (9241) وفيه : ( ثَلاَثَةٌ لاَ تَقْرَبُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِخَيْرٍ ... ) الحديث .

وأخرجه الطبراني ، ولفظه : ( إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر بخير ، ولا جنباً حتى يغتسل أو يتوضأ وضوءه للصلاة ، ولا متضمخاً بصفرة ) .

"فتح الباري" لابن رجب (1 /360) .

فيفيد قوله ( بخير ) في هاتين الروايتين ، أن المراد ملائكة الرحمة الذين يحصل بقدومهم الخير.

أما ملائكة الموت والكتبة الحفظة فإنهم لا يدخلون في هذا الحديث ، وكذا ملائكة العذاب والملائكة الذين يسألون العبد في قبره ونحوهم لا يشملهم الحديث .

قال المناوي رحمه الله :

" ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة ) أي : الملائكة النازلون بالبركة والرحمة ، والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر وأضرابهم ، لا الكَتَبة

فإنهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين في شيء من أحوالهم الحسنة والسيئة ، ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) "

انتهى من "فيض القدير" (3 /428)

وانظر : "مرقاة المفاتيح" (2/384) .

وقال الخطابي رحمه الله في شرحه لحديث ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ) – وهو حديث ضعيف –

قال :

" قوله لا تدخل الملائكة بيتا يريد الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب"

انتهى من "معالم السنن" (1/75) ، وقرر نحوه البغوي في "شرح السنة" (2/37) .

وروى البخاري (3322) ومسلم (2106) عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ) .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَة كَوْنهَا مَعْصِيَة فَاحِشَة , وَفِيهَا مُضَاهَاة لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى , وَبَعْضهَا فِي صُورَة مَا يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى

وَسَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْت فِيهِ كَلْب لِكَثْرَةِ أَكْله النَّجَاسَات ... فَعُوقِبَ مُتَّخِذهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَة بَيْته , وَصَلَاتهَا فِيهِ, وَاسْتِغْفَارهَا لَهُ

, وَتَبْرِيكهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْته , وَدَفْعهَا أَذًى لِلشَّيْطَانِ ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة فَهُمْ مَلَائِكَة يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيك وَالِاسْتِغْفَار ,

وَأَمَّا الْحَفَظَة فَيَدْخُلُونَ فِي كُلّ بَيْت , وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَم فِي كُلّ حَال , لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالهمْ , وَكِتَابَتهَا "

انتهى من " شرح مسلم " ( 7/207 ) .

فتبين أنه لا إشكال في الحديث ، إذا فهمناه على ما قرره أهل العلم في شرحه ، من أن الحديث فيه نوع عقوبة لمن فعل ذلك ، بأن تجتنب ملائكة الرحمة والبركة مجلسه .

وهذا كله على تقدير ثبوت الحديث وصحته ، وهو اختيار الشيخ الألباني رحمه الله ، وعليه اعتماد الجواب المذكور في الموقع سابقا .

وأما على ما ذهب إليه غير واحد من أهل العلم بالعلل إلى أن الحديث ضعيف الإسناد ، معلول بالانقطاع بين الصحابي ، عمار بن ياسر رضي الله عنه ، والراوي عنه : يحي بن يعمر

فإنه لم يسمع منه ، فقد زال لإشكال من أساسه .

ينظر : مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة (31/182)

النافلة ، للشيخ أبي إسحاق الحويني ، رقم (149) .

راجع للفائدة إجابة السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:16
هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟

السؤال

متى يتجنب الكرام الكاتبين العبد ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

اتفق العلماء على أن أعمال العباد محصاةٌ عليهم ، سواء عملوها في الأماكن الكريمة ، أم في الأماكن المهينة كالخلاء ، وسواء عملوها في أحوال الطاعات أم في أحوال المعاصي والآثام

فكل ما عمله العبد في حياته ، سوف يلقاه يوم القيامة مثبتا في كتاب أعماله ، من صغير أو كبير

من جليل أو حقير . قال الله تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف /49 .

ثانيا :

اختلف العلماء فيما إذا كانت الملائكة الموكلة بتسجيل الأعمال قد تفارق العبد في بعض الأماكن والأحوال ، أم لا ، وذلك على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أن الملائكة الموكلة بكتابة الأعمال لا تفارق العبد في أي حال من الأحوال .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" هذان الاثنان – يعني الملكين - هل هما دائماً مع الإنسان ؟

نعم لقوله : ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 وقيل : إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء

وإذا كان عند الجماع ، فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى العين والرأس ، وإن لم يصح فالأصل العموم ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 " انتهى.

" شرح العقيدة السفارينية " (3) .

القول الثاني : أن الملائكة تفارق العبد في مواضع : في الخلاء ، وعند الجماع ، وأضاف بعضهم عند الاغتسال .

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" الحفظة لا يفارقوننا ، إلا عند الخلاء والجماع والغسل ، كما في حديث " انتهى.

" الفتاوى الحديثية " (ص/47)

ويقول السفاريني رحمه الله :

" لا يفارقان العبد بحال ، وقيل : بل عند الخلاء ، وقال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين :

عند غائطه ، وعند جماعه ، ومفارقتهما للمكلف حينئذ لا تمنع من كتبهما ما يصدر منه في تلك الحال ، كالاعتقاد القلبي ، يجعل الله لهما أمارة على ذلك " انتهى.

" لوامع الأنوار البهية " (1/448)

واستدلوا على ذلك بأدلة عدة :

الدليل الأول : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ )

رواه الترمذي (رقم/2800)

لكن هذا الحديث ضعيف ، قال الترمذي بعد إخراجه له : "هذا حديث غريب " انتهى. وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/2300)

قال بدر الدين العيني رحمه الله :

" فإن قيل : قد رُوِيَ عنه عليه السلام أن الكرام الكاتبين لا يُفارقان العَبد إلا عند الخلاء والجماع.

قلت : هذا حديث ضعيف لا يحتج به " انتهى.

" شرح سنن أبي داود " (2/397)

الدليل الثاني : روى عبد الرزاق في " المصنف " (1/285) عن ابن جريج ، عن صاحب له ، عن مجاهد قال :

( لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية - وعليه ثوب مستور عليه - هبت الريح ، فكشفت الثوب عنه ، فإذا هو برجل يغتسل عريانا بالبراز ، فتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم وقال

: يا أيها الناس ! اتقوا الله واستحيوا من الكرام ، فإن الملائكة لا تفارقكم إلا عند إحدى ثلاث ، إذا كان الرجل يجامع امرأته ، وإذا كان في الخلاء ، قال : ونسيت الثالثة .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا اغتسل أحدكم فليتوار بالاغتسال إلى جدار ، أو إلى جنب بعير ، أو يستر عليه أخوه )

لكن هذا الحديث مرسل ، وفي سنده مبهم . فلا يصح الاستدلال به ، لضعفه .

الدليل الثالث : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :

( إن الله ينهاكم عن التعري ، فاستحيوا من الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند الغائط والجنابة والغسل ، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحائط )

قال ابن تيمية رحمه الله :

" رواه ابراهيم الحربي ، ورواه ابن بطة من حديث ابن عمر ، وقد صح ذلك من مراسيل مجاهد " انتهى.

" شرح العمدة " (1/401)

لكن لم يتم الوقوف على إسناد الحديث إلى ابن عباس ، والمعروف أنه من حديث ابن عمر كما سبق تخريجه عند الترمذي ، وبيان ضعفه .

القول الثالث : أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه

سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، سواء كان في محل كريم أو مكان مهين .

ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء

وهل يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله

أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه .

والذي ينبغي في ذلك ألا يتكلم المرء في مثل تلك الأمور الغيبية ، من غير دليل من كتاب الله ، أو سنة رسوله ، وإسناد العلم في ذلك إلى الله عز وجل

والإيمان بأن كل ما يصدر من العبد محصي عليه ، وهو كاف للعبد في هذا الباب ، وهو الأمر الذي ينفعه ويعنيه ؛ يقول الله عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18

. وقال سبحانه وتعالى : ( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية/29.

قال السيوطي رحمه الله :

" وأما السؤال عن دخول الكاتبين الخلاء ، فجوابه : أنَّا لا نعلم ، ولا يقدح عدم علمنا بذلك في ديننا ، وجملة القول فيه : أنهما إن كانا مأمورين بالدخول دخلا

وإن أكرمهما الله عن ذلك وأطلعهما على ما يكون من الداخل ، مما سبيلهما أن يكتبا ، فهما على ما يؤمران به " انتهى.

" الحبائك في أخبار الملائك " (ص/90) .

ولعل القول الثالث هو القول الأقرب ، والأوفق لجانب الأدب في مثل ذلك ؛ لما فيه من الوقوف عند النصوص ، وعدم تجاوزها من غير دليل قوي ولا برهان صحيح . والله أعلم .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:22
هل أمر ابن أم مكتوم بصلاة الجماعة في المسجد مع أعذاره الكثيرة ينافي الرحمة ؟

السؤال

ديننا دين الرحمة ، ونبينا نبي الرحمة ، وربنا الرحمن الرحيم ، فلماذا لم يرخص رسولنا الكريم لعبد الله بن أم مكتوم بالصلاة فى بيته مع ما يلاقيه من مخاطر فى طريقه للمسجد ولا يجد من يقتاده إلى المسجد ؟

الجواب

الحمد لله

أشكل حديث عبد الله بن أم مكتوم في " صلاة الجماعة " على كثيرين ، وقد تعددت الأقوال في فهمه وتنوعت الآراء في توجيهه ، ونحن نذكر الحديث وما وقفنا عليه من تلك الأقوال والآراء.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ

: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ

فَقَالَ ( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( فَأَجِبْ ) . رواه مسلم ( 653 ) .

وعَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟

قَالَ : ( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ ( لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً ) .

سنن أبي داود ( 552 ) ابن ماجه ( 792 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وفي رواية عند أحمد قال ابن أم مكتوم : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ نَخْلًا وَشَجَرًا وَلَا أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ كُلَّ سَاعَةٍ أَيَسَعُنِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ قَالَ ( أَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ ( فَأْتِهَا ) .

رواه أحمد ( 24 / 245 ) وصححه محققو المسند ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 1 / 103 ) .

فهذه الروايات جمعت أعذاراً كثيرة لابن أم مكتوم ولم تكن مانعة من إيجاب صلاة الجماعة عليه ، وهذه الأعذار هي :
فقد البصر ، عدم وجود قائد يقوده للمسجد أو وجود غير ملائم

بُعد الدار عن المسجد ، وجود حوائل بينه وبين المسجد كالشجر والنخيل ، وجود الهوام والسباع .

ووجود هذه الأعذار مع ظاهر الأمر بصلاة الجماعة في المسجد جعلت بعض أهل العلم لا يرى ما يدل عليه الحديث من وجوب حضور ذاك الصحابي جماعة المسجد

لأن الشريعة جاءت بحفظ النفوس ، ولم تجوِّز إلقاء النفس في التهلكة ، حتى قال بعض العلماء إن الحديث لم يقل بظاهره أحد .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

وقد أشار الجوزجاني إلى أن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد بظاهره .

يعني : أن أحدا لم يوجب حضور المسجد على من كان حاله كحال ابن أم مكتوم .

" فتح الباري " لابن رجب ( 2 / 391 ) .

ويمكن حصر الموقف من هذا الحديث بما يأتي :

1. قال بعض العلماء : إن الحديث يدل على وجوب حضور ذاك الصحابي مع تلك الأعذار جماعة المسجد ، لكنه منسوخ بحديث آخر يرفع الوجوب عمن هو أقل منه عذراً ، وهو حديث عتبان بن مالك ، ونصه :

عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ قَالَ : كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ

فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَ ( أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ ( أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ) فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ .

رواه البخاري ( 804 ) ومسلم ( 33 ) .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

ومن الناس من أشار إلى نسخ حديث ابن أم مكتوم بحديث عتبان ؛ فإن الأعذار التي ذكرها ابن أم مكتوم يكفي بعضها في سقوط حضور المسجد .

" فتح الباري " لابن رجب ( 2 / 389 ، 390 ) .

2. وقال آخرون : إن ابن أم مكتوم كان طلبه الحصول على أجر الجماعة في المسجد إذا صلَّى في بيته ، لكونه معذوراً بتلك الأعذار ، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا أجر إلا بالحضور .

قال الخَطَّابيُّ – رحمه الله - :

وأكثر أصحاب الشَّافعيِّ على أنَّ الجماعة فرضٌ على الكِفاية ، لا على الأعيان ، وتأوّلوا حديث ابن أُمِّ مَكْتُوم على أنَّه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعة ، وأنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال .

" معالم السنن " ( 1 / 292 ) .

3. وقال فريق ثالث : إن الأمر بحضور الصلاة في المسجد بقوله ( أَجِبْ ) لا يُحمل على الوجوب بل على الاستحباب .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

قال المسقطون لوجوبها : هذا امر استحباب لا أمر إيجاب
.
" الصلاة وحكم تاركها " ( ص 144 ) .

هذه مجمل الموقف من حديث ابن أم مكتوم ، والذي يظهر لنا أن كل ما سبق لا ينهض لرد ظاهر الحديث من إيجاب الجماعة على ابن أم مكتوم رضي الله عنه

ومن كان مثل حاله ، وأنه ليس في ذلك إلقاء للنفس في التهلكة ، وكل أوامر الشرع لا يُكلَّف بها إلا المستطيع على أدائها ، والمشقة لا تُسقط الواجبات ، بل الذي يسقطها وجود الضرر .

والقول بالنسخ بعيدٌ لأسباب منها :

أ. أنه لا يُعرف المتقدم من المتأخر من الحديثين ، وهذا شرط للقول بالنسخ .

ب. وجود الفرق بين حال الصحابيين رضي الله عنهما ، فقد كان ابن أم مكتوم قد وُلد أعمى ، ومثل هذا يكيِّف نفسه على الحياة ويستطيع ما لا يستطيعه من عمي في كبره

وقد لحظ هذا بعض العلماء ولذا فرَّقوا بين ابن أم مكتوم وبين عتبان رضي الله عنه والذي عمي في كبره .

ج. أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أراد الرخصة للصلاة في البيت

وعتبان رضي الله عنه أراد أن يتخذ مسجداً في داره ليصلي فيه هو وأهل بيته ومن قرب منهم ، فهو قد انتقل من مسجد إلى مسجد

وابن أم مكتوم أرد الانتقال إلى بيته ، فافترقا ، وهذا أحسن ما جُمع به بين الحديثين .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

ويحتمل أن يكون عتبان جعل موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من بيته مسجداً يؤذن فيه ، ويقيم ، ويصلِّي بجماعة أهل داره ومن قرُب منه

فتكون صلاته حينئذ في مسجد : إما مسجد جماعة ، أو مسجد بيت يجمع فيه ، وأما ابن أم مكتوم فإنه استأذن في صلاته في بيته منفرداً ، فلم يأذن له ، وهذا أقرب ما جمع به بين الحديثين .

" فتح الباري " لابن رجب ( 2 / 391 ، 392 ) .

د. ليس في حديث عتبان رضي الله عنه أنه كان يسمع النداء ، بخلاف ابن أم مكتوم .

وتأويل ( لا رخصة لك ) على معنى " إن طلبت فضيلة الجماعة " لا يظهر صوابه ؛ لأنه لا يقال " لا رخصة في ترك فضيلة " ، بل الرخصة تكون في ترك واجب .

قال الإمام ابن خزيمة – رحمه الله –

مبوِّباً على حديث ابن أم مكتوم :

باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة وإن كانت منازلهم نائية عن المسجد لا يطاوعهم قائدوهم بإتيانهم إياهم المساجد

والدليل على أن شهود الجماعة فريضة لا فضيلة إذ غير جائز أن يقال لا رخصة للمرء في ترك الفضيلة .

" صحيح ابن خزيمة " ( 2 / 368 ) .

وحمل قوله صلى الله عليه وسلم ( أَجِب ) على الاستحباب خلاف الأصل ؛ لأن الأصل في الأوامر الوجوب .

والقول بالوجوب لمثل حال ابن أم مكتوم هو القول الصواب ما لم يكن الضرر متحققا بيقين أو غلبة ظن ، وهو القول الراجح ، وهو قول أكابر أئمة الحديث .

قال ابن المنذر – رحمه الله - :

ذكر إيجاب حضور الجماعة على العميان وإن بعُدت منازلهم عن المسجد ، ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لا ندب .
" الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف " ( 4 / 132 ) .

وقال – رحمه الله – أيضاً - :

فدلَّت الأخبار التي ذكرناها على وجوب فرض الجماعة على مَن لا عذر له ، فمما دل عليه قوله لابن أم مكتوم وهو ضرير ( لا أجد لك رخصة ) ، فإذا كان الأعمى كذلك لا رخصة له : فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة .

" الأوسط " ( 4 / 134 ) .

ولا يتصورنَّ أحدٌ أن الشريعة تأتي بما فيه إتلاف للنفوس ولا ما فيه ضرر على المكلفين ، وقد عذرت الشريعة المبصرين المكلفين عن الحضور للمسجد لصلاة الجماعة في حال الشدة التي يتضررون بها

وشرعت لهم الصلاة في بيوتهم ، ويقال في الأذان " صلوا في رحالكم " ، وشرعت الصلاة في البيت في المرض والخوف والنعاس الشديد ، فالشريعة يسر كلها

وقد رُفع الحرج عن أتباعها ، والناس يختلفون في قدراتهم ، فمن استطاع الوصول للمسجد فيجب عليه ذلك ولو بمشقة ، ومن يتضرر بمجيئه فيُرفع عنه الحرج وله رخصة أن يصلي في بيته على أن يحرص على الصلاة جماعة .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:31
هل تجب إجابة من سأل بالله ؟

السؤال

أين يمكن أن أجد هذا الحديث : ( شر الناس من سئل بالله ولم يجب )، لأنني سمعته من إمام وذكر أنه حديث صحيح ، لكني لم أستطع العثور عليه في أي مرجع ، فهلا ساعدتني في الوصول لموضعه ؟

الجواب

الحمد لله

الذي تم الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في " الحث على إجابة مَن سَأل بالله وذم مَن سُئل بالله ولم يجب " أربعة أحاديث :

الحديث الأول :

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( مَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ )

رواه أبو داود (رقم/1672)، وصححه النووي في " المجموع " (6/254)، والألباني في " صحيح أبي داود"

الحديث الثاني :

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ : رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَتْلُوهُ : رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهَا .

أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ : رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ )

رواه الترمذي في " الجامع " (رقم/1652) والإمام أحمد في " المسند " (4/24) وغيرهم من طريق ( إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب وبكير بن عبد الله بن الأشج ) عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس به .

قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، ويروى هذا الحديث من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وصححه الألباني في " صحيح الترمذي "، وفي "السلسلة الصحيحة" (رقم/255).

وهذا هو أقرب الألفاظ لما ورد في السؤال .

الحديث الثالث :

عن أبي عبيد مولى رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ )

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/377)

لكنه حديث ضعيف فيه علتان :

العلة الأولى : الإرسال .

فقد جاء في كتاب " المراسيل " (ص/253) لابن أبي حاتم قال
:
" سمعت أبا زرعة يقول : أبو عبيد مولى رفاعة بن رافع الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (فذكر الحديث) فقال : ليست له صحبة " انتهى.

العلة الثانية : في إسناده عبد الله بن عياش بن عباس : قال فيه أبو حاتم : ليس بالمتين ، صدوق ، يكتب حديثه ، وهو قريب من ابن لهيعة . وقال أبو داود ، والنسائى : ضعيف . "

تهذيب التهذيب " (5/351)

وفي إسناده أيضا عبد الله بن الأسود القرشي ، لم نقف له على توثيق ، بل قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : شيخ ، لا أعلم روى عنه غير ابن وهب . "

ميزان الاعتدال " (8/132)

يقول ابن مندة رحمه الله :

" لا يثبت من جهة الرواة " انتهى.

" الرد على الجهمية " (ص/53)

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:32
الحديث الرابع :

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
:
( ملعون من سأل بوجه الله عز وجل ، وملعون مَن سُئل بوجه الله عز وجل ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا )
رواه الروياني في " المسند " (1/327

رقم 495) والطبراني في " الدعاء " (ص/581)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (26/58) جميعهم من طريق عبد الله بن عياش بن عباس القتباني

عن أبيه ، أن أبا بردة بن أبي موسى حدث يزيد بن المهلب ، أن اباه حدثه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فذكره.

وهذا إسناد ضعيف أيضا بسبب عبد الله بن عياش ، وقد سبق نقل تضعيف أبي حاتم وأبي داود والنسائي له .

ثانيا :

قواعد الشرع وأدلته الثابتة المجمع عليها تقرر أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ، وأن كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه

والله عز وجل يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء/29.

لذلك ذهب عامة أهل العلم إلى تقييد الأحاديث السابقة - التي تذم مَن سُئل بالله ولم يُجِب - بقواعد الشريعة المجمع عليها ، وجمعوا بين النصوص جميعا على ضوء قواعد أصول الفقه ومقاصد الشريعة على أوجه عدة :

الوجه الأول : أن يقال بكراهة عدم إعطاء من سأل بالله ، وليس بالحرمة ، وتفسير الأحاديث السابقة بحملها على قصد الذم والتنفير ، وليس التحريم .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" يستحب إجابة من سأل بالله " انتهى.

" المغني " (9/423)

وقال الخطيب الشربيني رحمه الله :

" يكره للإنسان أن يَسأل بوجه الله غير الجنة ، وأن يمنع مَن يسأل بالله وتشفَّع به "

انتهى من " مغني المحتاج " (3/122)

وجاء في " الفتاوى الهندية " الحنفية (5/318) :

" ولو قال لغيره : بالله أن تفعل كذا : لا يجب على ذلك الغير أن يأتي بذلك الفعل شرعا , وإن كان الأولى أن يأتي به " انتهى.

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :

" بعض الناس يحرجوننا بكلمة أسألك بالله أن تعطيني كذا ، أو أسألك بالله أن تبيعني كذا ، أو أسألك بالله أن تخبرني بكذا

وفي بعض المرات نرفض تلبية طلبهم عندما لا يكون الطلب في محله ، هل الرفض رغم كلمة أسألك بالله يعرضنا للإثم ، أم أنه ليس علينا شيءٌ في ذلك، نرجو الإفادة جزاكم الله خيراً ؟

فأجاب :

إذا كان السائل لا حق له بهذا الشيء فلا حرج فيه إن شاء الله ، فإذا قال أسألك بالله أن تعطيني دارك أو تعطني سيارتك أو تعطني كذا وكذا من المال ، فهذا لا حق له .

أما إذا كان يسأل حقاً له أسألك بالله أن توصل إلي ، أسألك بالله أن تعطيني من الزكاة - وهو من أهلها - تعطيه ما تيسر ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم-

قال : ( من سأل بالله فأعطوه )، فإذا كان له حق كالفقير يسأل من الزكاة ، أو حقاً عليك له دين ، يقول : أسألك بالله أن ترد لي ديني ، أسألك بالله أن تنصرني على هذا الظالم

وأنت تستطيع أن تنصره على الظالم ، أسألك بالله أن تعينني على كذا وكذا من إزالة المنكر : فلا بأس بهذا ، هذا أمرٌ مطلوب عليك أن تعينه وأن تستجيب له ، لأنه سأل حقاً

والرسول - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من سأل بالله فأعطوه ) ، أما أن يسأل شيئاً لا حق له فيه ، أو يسأل معصية : فهذا لا حق له " انتهى.

نقلا عن موقع سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :

الوجه الثاني : أن يقال بأن السائل المضطر – الذي وقع في حال الضرورة – هو الذي تجب إجابته إذا سأل بالله ، أما غيره فتستحب ولا تجب .

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" لم يأخذ بذلك أئمتنا – يعني بالقول بتحريم عدم إعطاء من سأل بالله - فجعلوا كلا من الأمرين مكروها ، ولم يقولوا بالحرمة ، فضلا عن الكبيرة .

ويمكن حمل الحديث في المنع على ما إذا كان لمضطر ، وتكون حكمة التنصيص عليه أن منعه مع اضطراره وسؤاله بالله أقبح وأفظع

وحمله في السؤال على ما إذا ألح وكرر السؤال بوجه الله حتى أضجر المسئول وأضره ، وحينئذ فاللعن على هذين ، وكون كل منهما كبيرة ظاهر ، ولا يمتنع من ذلك أصحابنا .

وبهذا اتضح الجمع بين كلام أئمتنا وتلك الأحاديث التي قدمناها " انتهى باختصار.

" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1/317-318)

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:32
الوجه الثالث : أن يقال : إن الحديث الأول

: ( فأعطوه ) الأمر فيه للندب ، والحديث الثاني ( يسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطي بِهِ ) ضبطه الصحيح هو

( يَسأَلُ بالله ولا يُعطِي به ) فالمذموم هو الذي جمع بين الأمرين : يسأل بالله الناس ، ولكنه إذا سئل بالله لا يعطي به ، ولا شك أن هذا الفعل مذموم قد يصل إلى درجة التحريم .

يقول الشيخ السندي رحمه الله :

" ( يسأل بالله ) على بناء الفاعل ، أي : الذي يجمع بين القبيحين : أحدهما السؤال بالله ، والثاني عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى

فما يراعي حرمة اسمه تعالى في الوقتين جميعا ، وأما جعله مبنيا للمفعول فبعيد ، إذ لا صنع للعبد في أن يسأله السائل بالله ، فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحل " انتهى.

" حاشية السندي على النسائي " (5/83)

بل يحتمل الحديث أيضا أن يُضبط على الوجه الآتي : ( يَسألُ بالله ولا يُعطَى به ) بمعنى أن المذموم هو الذي يسأل بالله تعالى ، فالسؤال بالله مذموم

ثم رغم وقوعه في هذا المذموم لا ينال به شيئا ، فلا يعطيه الناس بسؤاله ، فيعرض نفسه للمذلة ، ويعرِّض اسم الله تعالى لعدم الإجابة .

وقد ذكر هذا الاحتمال المباركفوري رحمه الله فقال :

" ( يسأل ) على بناء المعلوم ، وقوله : ( لا يعطى ) على بناء المفعول " انتهى.

" تحفة الأحوذي " (5/240) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:35
شرح حديث "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت"

السؤال

ما شرح قوله صلى الله عليه و سلم "ما أذن الله لشئ ما أذن للنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به"

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه البخاري (6989) ومسلم (1319) واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ، يَجْهَرُ بِهِ) .

والأَذَن : الاستماع .

والمعنى : ما استمع الله لشيء كسماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به .

قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله :

"يعني : ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيٍ يتغنى بالقرآن ، حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) قال : سمِعَتْ . أو قال : استمعت . شكَّ أبو عبيد

. يُقال : أذنتُ للشيء ءآذَنُ له أذَناً : إذا استمعتُه..."

انتهى من "غريب الحديث" (1/ 282) .

وقال البغوي رحمه الله : " قوله (ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه) يعني : ما استمع الله لشيء كاستماعه ، والله لا يشغله سمع عن سمع ، يقال : أذِنْتُ للشيء آذَنُ أذَناً : إذا سمعت له "

انتهى من "شرح السنة" (4/ 484).

وقال ابن كثير رحمه الله : " ومعناه أنَّ الله تعالى ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها ، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية

وذلك هو الغاية في ذلك ، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : سبحان الذي وسع سمعه الأصوات

ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم ؛ كما قال تعالى : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) الآية

ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ ؛ كما دل عليه هذا الحديث العظيم ، ومنهم من فسر الأذَن هاهنا بالأمر، والأوَّل أولى ؛ لقوله : ( ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن ) أي يجهر به

والأذَن : الاستماع ؛ لدلالة السياق عليه "

انتهى من "فضائل القرآن" ص114 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:38
تفسير حديث إذا أبق العبد من مواليه فقد كفر

السؤال

بحثت عن تفسير ومعنى لهذا الحديث فلم أجده ، ولم أفهمه : الحديث : ( إذا أبق العبد من مواليه فقد كفر )

أرجو من فضيلتكم التكرم بشرحه وتفسيره لنا ، وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

الحديث المقصود في السؤال يرويه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول : ( أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ )

رواه مسلم (رقم/68) .

قوله : ( أبق ) : بمعنى هرب وخرج عن الطاعة .

وقد سبق بيان نظرة الإسلام للرق ، ودفع ما يتعلق به أعداؤه من الشبهات في هذا الباب .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فَقَدْ كَفَرَ )

فليس المقصود بالكفر هنا الكفر المخرج من الملة ، وذلك باتفاق أهل العلم ، ولكنه محمول على " كفر دون كفر "، بمعنى أن هروب العبد من سيده من المحرمات الكبيرة التي تكاد تصل بصاحبها إلى الكفر

لأنها من شعب الكفر وأعماله ، كما أن المعاصي من أعمال الجاهلية ، وشعب الكفر .

وفسر بعض أهل العلم الكفر في الحديث بأنه كفر النعمة ، بمعنى أن العبد الآبق من سيده كفر نعمة سيده عليه

وجحدها ، وقابل الإحسان بالإساءة ، ولم يكافئ بالإحسان مَن أحسن إليه بالطعام والشراب واللباس والمأوى – وهي كلها مسؤولية السيد - .

قال الإمام القرطبي رحمه الله :

" جاء الكفر بمعنى جحد المنعم ، وترك الشكر على النعم ، وترك القيام بالحقوق ؛ قال صلى الله عليه وسلم للنساء : ( تكفرن الإحسان ، وتكفرن العشير )

أي : يجحدن حقوق الأزواج وإحسانهم ؛ ومن هنا صح أن يقال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم " انتهى.

" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم "

وقال الإمام النووي رحمه الله :

" فيه أقوال :

أصحها : أن معناه : - هو - من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية .

والثاني : أنه يؤدي إلى الكفر .

والثالث : أنه كفر النعمة والإحسان .

والرابع : أن ذلك في المستحل " انتهى بتصرف يسير.

" شرح مسلم " (2/57-58)

ويقول المناوي رحمه الله
:
" قوله ( فقد كفر ) أي : نعمةَ الموالي ، وسَتَرَها ، ولم يقم بحقها ، ويستمر هذا حاله ( حتى يرجع إليهم ) أو أراد بكفره أن عمله من عمل الكفار ، أو أنه يؤدي إلى الكفر " انتهى.

" فيض القدير " (3/142)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-12, 17:45
حديث يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا

السؤال

هناك حديث أريد أن أعرف ما إذا كان صحيحاً أم لا ، وما إذا كان في الأصل حديثاً أم لا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة لابنته فاطمة رضي الله عنها

: ( أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك الشفاعة إلا أن يأذن الله لي ) فهل هذا حديث صحيح ، أم هناك حديث صحيح قريب من هذا المعنى ، وما شرحه وتفسيره ؟

الجواب

الحمد لله

يبدو أن الحديث المقصود بالسؤال هو ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) قَالَ : ( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ

لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا

وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) رواه البخاري (2753) ومسلم (206)

ولم نقف في أي من روايات الحديث على التصريح بالشفاعة ، ولكن معناها داخل ضمن الحديث

: كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" في قوله : ( لا أغني شيئا ) إضمار : إلا إن أذن الله لي بالشفاعة " انتهى.

" فتح الباري " (8/502)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" قوله : ( قام )، أي : خطيبا .

قوله : ( أنزل عليه )، أي : أنزل عليه بواسطة جبريل : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ ) الشعراء/214.

قوله : ( أنذر )، أي : حذِّر وخوِّف ، والإنذار : الإعلام المقرون بتخويف .

قوله: ( عشيرتك )، العشيرة : قبيلة الرجل من الجد الرابع فما دون .

قوله : ( الأقربين ) ، أي : الأقرب فالأقرب ؛ فأول من يدخل في عشيرة الرجل أولاده ، ثم آباؤه ، ثم إخوانه ، ثم أعمامه ، وهكذا .

ويؤخذ من هذا أن الأقرب فالأقرب أولى بالإنذار ؛ لأن الحكم المعلق على وصف يقوى بقوة هذا الوصف ، وذلك أن الوصف الموجب للحكم كلما كان أظهر وأبين ، كان الحكم فيه أظهر وأبين.

وقوله : ( حين أنزل عليه ) يفيد أنه لم يتأخر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بل قام ، فقال : ( يا معشر قريش ) ؛ أي : يا جماعة قريش .

وقريش : هو فهر بن النضر بن مالك ، أحد أجداد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قوله : ( أو كلمة نحوها ) ، أي : أو قال كلمة نحوها ، أي شبهها ، وهذا من احتراز الرواة أنهم إذا شكوا أدنى شك

قالوا : أو كما قال ، أو كلمة نحوها ، وما أشبه ذلك ، وعليه فـ ( أو ) : للشك والتردد .

قوله : ( اشتروا أنفسكم )، أي : أنقذوها ؛ لأن المشتري نفسه كأنه أنقذها من هلاك ، والمشتري راغب ، ولهذا عبر بالاشتراء ، كأنه يقول : اشتروا أنفسكم راغبين .

وفي قوله : ( اشتروا أنفسكم ) من الحض على هذا الأمر ما هو ظاهر ؛ لأن المشتري يكون راغبا .

قوله : ( لا أغني عنكم من الله شيئا ) هذا هو الشاهد ؛ أي : لا أدفع أو لا أنفع ، أي : لا أنفعكم بدفع شيء عنكم دون الله

ولا أمنعكم من شيء أراده الله لكم ؛ لأن الأمر بيد الله ، ولهذا أمر الله نبيه بذلك ؛ فقال : ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) الجن/21-22.

قوله : ( شيئا ) نكرة في سياق النفي ، فتعم أي شيء ....

قوله : ( لا أغني عنك من الله شيئا ) أي : لا أنفعك بشيء دون الله ، ولا أمنعك من شيء أراده الله لك ؛ فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغني عن أحد شيئا حتى عن أبيه وأمه .

قوله : ( يا فاطمة بنت محمد ، سليني من مالي ما شئت ) أي : اطلبي من مالي ما شئت ؛ فلن أمنعك ؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالك لماله ، ولكن بالنسبة لحق الله قال : ( لا أغني عنك من الله شيئا ) .

فهذا كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأقاربه الأقربين : عمه ، وعمته ، وابنته ؛ فما بالك بمن هم أبعد ؟ فعدم إغنائه عنهم شيئا من باب أولى .

فهؤلاء الذين يتعلقون بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويلوذون به

ويستجيرون به الموجودون في هذا الزمن وقبله : قد غرهم الشيطان واجتالهم عن طريق الحق ؛ لأنهم تعلقوا بما ليس بمتعلق؛ إذ الذي ينفع بالنسبة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الإيمان به واتباعه .

أما دعاؤه والتعلق به ورجاؤه فيما يؤمل ، وخشيته فيما يخاف منه ؛ فهذا شرك بالله ، وهو مما يبعد عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن النجاة من عذاب الله .

ففي الحديث امتثال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمر ربه في قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ ) الشعراء/214، فإنه قام بهذا الأمر أتم القيام

فدعا وعم وخصص ، وبين أنه لا ينجي أحدا من عذاب الله بأي وسيلة ، بل الذي ينجي هو الإيمان به واتباع ما جاء به
.
وإذا كان القرب من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغني عن القريب شيئا ؛ دل ذلك على منع التوسل بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لأن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينتفع به إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولهذا كان أصح قولي أهل العلم تحريم التوسل بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى مختصرا .

" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (9/285-288)

ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله :

" المعيار الحقيقي هو اتباع ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة قولا وعملا واعتقادا ، أما الأنساب فإنها لا تنفع ولا تجدي ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) – رواه مسلم

- وقال : ( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا )، وهكذا قال لعمه العباس وعمته صفية وابنته فاطمة ، ولو كان النسب ينفع أحدا لنفع هؤلاء " انتهى.

" مجموع فتاوى ابن باز " (3/98)

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 16:43
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


في ظل عرش الرحمن : شاب نشأ في عبادة الله !!

السؤال

عندي سؤال واستفسار عن معنى ( شاب نشأ في طاعة الله ) : أنا شاب ، وعمري الآن 22 سنة ، ولكن للأسف لم أكن من الذين نشؤوا في طاعة الله منذ أن بلغت عمر التكليف ، فأحيانا أصلي وأحيانا أترك الصلاة - عياذاً بالله - ،

ولكن نويت بإذن الله وتوفيقه أن أتوب وأرجع إلى الله - أطلب منكم الدعاء - وإذا تبت وأنا في هذا العمر وأحسنت التوبة هل يكتب الله لي ممن نشأؤوا على طاعة الله ؟

وكم عمر الذين يشملهم هذا الحديث ؟ . وأسأل الله أن يوفقكم ويحفظكم .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الحديث الذي يشير إليه الأخ السائل هو ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ - وفيه : - وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ... ) .

رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .

وقد ذكرنا الحديث بتمامه وشرحناه في جواب السؤال رقم ( 924 ) فلينظر .

ثانياً:

اختلف أهل اللغة ، وتبعهم الفقهاء ، في تحديد سن الشباب متى يبدأ ومتى ينتهي ، والأقرب : أن زمن " الشاب " يبدأ بالبلوغ ، وينتهي إلى الثلاثين ، أو اثنين وثلاثين ، ثم تبدأ مرحلة " الكهولة " .

قال ابن الأثير – رحمه الله - :

والكهل من الرجال : من زاد على الثلاثين سنة إلى الأربعين ، وقيل من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين .

" النهاية في غريب الحديث " ( 4 / 313 ) .

وقال الزبيدي – رحمه الله - :

الشَّبَابُ : الفَتَاءُ والحَدَاثَةُ كالشَّبِيبَة . وقد شَبَّ الغُلامُ يَشِبُّ شَبَاباً وشُبُوباً وشَبِيباً وأَشَبَّهُ اللهُ وأَشَبَّ اللهُ قَرْنَه بمَعْنىً والأَخِيرُ مَجَازٌ والقَرْنُ زِيَادَةٌ في الكَلاَمِ .

وقال مُحَمَّد بنُ حَبِيب : زَمَنُ الغُلُومِيَّة سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً مُنْذُ يُولَدُ إِلى أَن يَسْتَكْمِلَها ثم زَمَنُ الشَّبَابِيَّة مِنْهَا إِلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ إِحْدَى وخَمْسِينَ سنة ثم هُوَ شَيْخٌ إِلَى أَنْ يَمُوتَ .

وقيل : الشَّابُّ : البَالِغُ إِلَى أَنْ يُكَمِّل ثَلاَثِين .

وقيل : ابنُ سِتَّ عَشَرَةَ إِلى اثْنَتَيْن وثَلاَثِين ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ . انتهى .

" تاج العروس من جواهر القاموس " ( 3 / 92 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

الشاب ما بين الخمس عشرة سنة إلى الثلاثين .

" شرح رياض الصالحين " ( 1 / 462 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 16:44
ثالثاً:

اختلف شرَّاح الحديث في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ) على أقوال ، أشهرها : ثلاثة :

1. أن معناه : أن الشاب كان تربَّى على الطاعة ونما عليها في صغره ، ولم يأت سن الشباب عليه إلا وهو على خير ، فشغل شبابه بالطاعة ، وأفناه فيها .

قال المباركفوي - رحمه الله - :

( نَشَأَ) أي : نما وتربى .

( بعبادة الله ) أي : لا في معصية ، فجوزي بظل العرش ؛ لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه .

" تحفة الأحوذي " ( 7 / 58 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :

( شاب نشأ في عبادة ربه ) : ( نَشَأَ ) منذ الصغر وهو في العبادة ، فهذا صارت العبادة كأنها غريزة له ، فألفها وأحبَّها ، حتى إنه إذا انقطع يوماً من الأيام عن عبادة تأثر .

" شرح صحيح البخاري " ( 3 / 79 ) .

ويدل على هذا التأويل : أثر سلمان رضي الله عنه موقوفاً عليه : ( ورجلٌ أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله ) وهو بمعنى حديث أبي هريرة .

وقد رواه سعيد بن منصور في " سننه " ، كما قال ابن حجر ، وحسَّنه في "

فتح الباري " ( 2 / 144 ) .

2. أن معناه : من كانت حسناته وطاعاته في شبابه أكثر من سيئات وذنوب من نشأ على غير طاعة ثم عبَد ربَّه آخر عمره .

قال أبو الوليد الباجي - رحمه الله - :

( وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ) يحتمل – والله أعلم – أن يريد به : أقل ذنوباًً وأكثر حسنات ممن نشأ في غير عبادة الله عز وجل ، ثم عبَده في آخر عمره وفي شيخوخته .

" المنتقى شرح الموطأ " ( 7 / 273 ) .

رابعاً:

أيها الأخ الكريم ؛ إذا قدر أنه قد فاتك شيء من هذا الفضل ، لأجل الزمان الذي انقضى قبل أن تفرغ للطاعة ، وتنشغل بها ؛ فإنك لا تزال شابّاً ؛ فأر ربَّك من نفسك خير ما عندك من همة تصرفها في طاعته وعبادته .

ثم إن في الحديث نفسه أموراً أخرى تستطيع أن تكون من أهلها ، فيظلك الرب تعالى تحت عرشه يوم القيامة ، فكن ممن يتعلق قلبه بالمساجد ، وكن من المتصدقين بالسر

وكن من الذاكرين الله تعالى في الخلوة فتفيض عينك بالبكاء ، واجعل محبتك واجتماعك مع إخوان الطاعة ، واتخذ لك منهم صاحبا وخليلا ؛ تجتمعان على طاعة الله ، وتفترقان على محبته .

واحذر – أخي - من كيد الشيطان أن يصدك عن هذه الطاعات والأفعال الجليلة بحجة أنك لم تنشأ في شبابك على الطاعة .

فاحرص على الخير لنفسك ، ولا تترد في أن تبلي شبابك فيما يحب ربك تعالى منك .

وتأمل تلك الهمة العالية ، في الاستمتاع بالشباب ؛ همة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ :

جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ ، أَنْ تَمَلَّ ؛ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

قَالَ : ( اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ ) .

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي !!

( فَأَبَى ) .

رواه أحمد (11/68) ط الرسالة ، وابن ماجة (1346) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة ، ومحققو "المسند" .

ونرجو منك التأمل في الكلام الآتي للشيخ العثيمين رحمه الله فهو منطبق على حالك .

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
:
هناك شباب يعودون إلى الله في سن الخامسة والعشرين وفي سن الرابعة والعشرين ، يعني : يكون أثناء البلوغ في ضياع

ويكون قد عصى الله سبحانه وتعالى وقد يكون تاركاً للصلاة ، فبعد هذا السن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويكون من عباد الله سبحانه وتعالى

هل يكون داخلاً في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله ؟ .

فأجاب :

السن عندهم درجات ، سن الشباب ، وسن الكهولة ، وسن الشيخوخة

وسن الهرم ، فيرجع إلى هذا ، فالذي في الخامسة والعشرين لا يزال في الشباب ، ولكن مع ذلك لو فرض أنه لم يستقم إلا بعد الثلاثين

: فإن الله تعالى يقول في كتابه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً .

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/ 68 – 70 .

فهؤلاء الذين تابوا بعد أن كبروا وعملوا عملاً صالحاً يبدِّل الله سيئاتهم حسنات ، ويكتب لهم إن شاء الله ما يكتب لغيرهم

وإذا قدِّر أنه لم يكن شابّاً : فقد فاتته خصلة من الخصال التي يستحق بها أن يظله الله عز وجل فلا تفته الخصال الأخرى .

" لقاء الباب المفتوح " ( 5 / السؤال رقم 25 ) .

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يجعلك من العاملين لدينه ، وأن يظلك تحت ظل عرشه .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 16:48
الكلام على حديث : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا ) .

السؤال

هل هذه الأحاديث صحيحة ، وما المراد بذلك المثل : عن الضحاك بن سفيان رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له "يا ضحاك ما طعامك ؟

قال يا رسول الله : اللحم واللبن . قال : ثم يصير إلى ماذا ؟

قال: إلى ما قد علمت . قال : فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا" !!

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده" (15320) والطبراني في "الكبير" (8138) والبيهقي في "الشعب" (5653)

من طريق عَلِيِّ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : يَا ضَحَّاكُ مَا طَعَامُكَ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ

. قَالَ ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى مَاذَا ؟ قَالَ إِلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ . قَالَ : ( فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا )
.
وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف ، ضعفه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وأحمد ويحيى والبخاري وابن خزيمة
وغيرهم ، ووصفوه بالاختلاط وسوء الحفظ .

راجع : "ميزان الاعتدال" (3 / 127) .

والحسن مدلس ، وقد عنعنه .

ورواه ابن حبان في "صحيحه (702) وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (20733) والمروزي في "زوائد الزهد" (169) والبيهقي في "الآداب" (464) من طريق أبي حذيفة

قال : حدثنا سفيان عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مطعم ابن آدم ضرب للدنيا مثلا بما خرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه فانظر ما يصير إليه )

وأبو حذيفة هو موسى بن مسعود النهدي ، قال الذهبي : " صدوق إن شاء الله ، يهم .

تكلم فيه أحمد ، وضعفه الترمذي ، وقال ابن خزيمة : لا أحتج به ، وقال عمرو بن على : لا يحدث عنه من يبصر الحديث ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقوى عندهم ، وقال بندار : ضعيف الحديث " .

"ميزان الاعتدال" (4 / 221-222)

لكنه أقوى من ابن جدعان ، وقد روى له البخاري في صحيحه متابعة ، وهو من شيوخه

راجع : "مقدمة الفتح" (ص 446) .

ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (167)

من طريق عبد السلام بن حرب ، عن يونس ، عن الحسن ، عن عتي ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم

ورواه أبو حاتم الرازي في "الزهد" (33) من طريق يزيد بن إبراهيم التستري ، قال : سمعت الحسن يحدث ، عن أبي بن كعب ، قال : فذكره موقوفا .

ورواه أبو داود في "الزهد" (188) من طريق يزيد وهشيم عن يونس ، عن الحسن ، عن عتي السعدي ، قال : سمعت أبي بن كعب موقوفا .

ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (168) حدثنا أبو خيثمة ، قال : حدثنا إسماعيل ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن ، عن عتي ، عن أبي بن كعب موقوفا .

وقال الطيالسي : وحدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب به موقوفا .

"إتحاف الخيرة المهرة" (4 / 294)

قال ابن صاعد : " وقد روى هذا الحديث عن أبي بن كعب ووقفه بعض ورفعه بعض " .

انتهى .

والأكثرون على وقفه .

وله شاهد رواه ابن المبارك في "الزهد" (492) وابن أبي الدنيا في "الجوع" (169) من طريق سفيان ، عن عاصم ، عن أبي عثمان مرفوعا بمعناه .

والحديث : قال الهيثمي في "المجمع" (10 / 514) :

" رواه عبد الله والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير عتي وهو ثقة " .

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/103) :

" رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد جيد قوي " .

وقال شعيب الأرنؤوط : في تعليقه على صحيح ابن حبان : " حديث صحيح " .

وحسنه الألباني في "الصحيحة" (382) وفي "صحيح الجامع" (1778) وصححه لغيره في "صحيح الترغيب" (2150) .
فالله أعلم .

ثانيا :

أما معنى الحديث : فقال المناوي رحمه الله :

" قال الزمخشري : معناه أن المطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطييبه وتحسينه ، فإنه لا محالة عائد إلى حال يستقذر ، فكذا الدنيا المحروص على عمارتها ، ونظم أسبابها : راجعة إلى خراب وإدبار . انتهى .

وقال الديلمي : هذا كناية عن البول والغائط ، يعني : ما يخرج منه كان قبل ذلك ألوانا من أطعمة طيبة وشرابا سائغا ، فصارت عاقبته ما ترون

فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها ينافس في زينتها ظانا أنها تبقى ، أو هو يبقى . انتهى
.
فشهوات الدنيا في القلب كشهوات الأطعمة في المعدة ، وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت إلى المعدة غايتها

. وكما أن الأطعمة كلما كانت ألذ طعما وأكثر دسما وحلاوة ، كان رجيعها أقذر ، فكذا كل شهوة في النفس ألذ وأقوى ، فالتأذي بها عند الموت أشد

كما أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بفقد محبة المحبوب "

انتهى من "فيض القدير" (2 / 278-279) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" إن الله جعل طعام ابن آدم وما يخرج منه مثلا للدنيا ؛ فإنه وإن قزحه وملحه ، فلينظر إلى ماذا يصير ؟ فما اغتر بها ولا سكن إليها إلا ذو همة دنية ، وعقل حقير وقدر خسيس "انتهى.

"طريق الهجرتين" (ص 382-383)

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 16:53
حديث اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد

السؤال

روى الإمام مالك في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم لا تجعل قبري صنماً يُعبد )

فهل بالإمكان تزويدي برقم الحديث لأطلع على نصه تماماً ، فقد بحثت عنه في الموطأ فلم أجده

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذا الحديث يرويه الإمام مالك في " الموطأ " (رقم/593- طبعة مؤسسة زايد آل نهيان، ورقم/414- طبعة دار إحياء التراث تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) في أوائل باب " جامع الصلاة "

عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )

وعطاء بن يسار ليس من الصحابة ، بل من التابعين ، فحديثه مرسل .

ولكن ورد الحديث مسندا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا ، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) هكذا من دون كلمة ( يعبد ).

رواه الإمام أحمد في " المسند " (12/314) طبعة مؤسسة الرسالة، وقال المحققون :

إسناده قوي . وصححه الشيخ الألباني في كتاب " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " (ص/24) وإن كان قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري " (2/441) عن حديث أبي هريرة : " بإسناد فيه نظر ".

ثانيا :

يدل هذا الحديث على حرمة بناء المساجد على القبور ، وحرمة قصد الصلاة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحرمة كل الأفعال التي كان يفعلها الكفار عند أوثانهم من ذبح ونذر واتخاذ سرج ونحو ذلك

يقول ابن عبد البر رحمه الله :

" الوثن : الصنم ، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة ، أو غير ذلك من التمثال ، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن ، صنما كان أو غير صنم ؛ وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها

فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم : كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم ، فقال صلى الله عليه وسلم

: اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى إليه ، ويسجد نحوه ويعبد فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله

الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجدا ، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها ، وذلك الشرك الأكبر

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه ، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم من امتثال طرقهم " انتهى.

" التمهيد " (5/45)

ويقول أيضا :

" وليس فيه حكم أكثر من التحذير أن يُصلَّى إلى قبره ، وأن يتخذ مسجدا ، وفي ذلك أمر بأن لا يعبد إلا الله وحده ، وإذا صنع من ذلك في قبره

فسائر آثاره أحرى بذلك ، وقد كره مالك وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان ، وذلك والله أعلم مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك " انتهى.

" الاستذكار " (2/360)

وقد نقل هذا الكلام الحافظ ابن رجب رحمه الله ، وأكده ، ثم قال :

" وقد اتفق أئمة الإسلام على هذا المعنى :قال الشافعي رحمه الله : وأكره أن يعظم مخلوق حتى يتخذ قبره مسجدا ، خشية الفتنة عليه وعلى من بعده .

وقال صاحب " التنبيه " من أصحابه : أما الصلاة عند رأس قبر رسول الله متوجها إليه فحرام.

قال القرطبي : بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعلوا حيطان تربته ، وسدوا الداخل إليها ، وجعلوها محدقة بقبره

ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذ كان مستقبل المصلين ، فتتصور إليه الصلاة بصورة العبادة ، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال

حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره . ولهذا المعنى قالت عائشة : ( ولولا ذلك لأبرز قبره )" انتهى.

" فتح الباري " لابن رجب (2/442-443)

وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله أن هذا الحديث كان دليل الإمام مالك رحمه الله على كراهة أن يقول المسلم : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم . خشية أن يكون هذا الكلام من اتخاذ القبر وثنا يعبد .

يقول القاضي عياض رحمه الله :

" الأَوْلى عندي أن منعَه وكراهة مالك له – قول : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم - لإضافته إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه لو قال : زرنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه

لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدى ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) " انتهى.

" الشفا " (2/84)

وفي " البيان والتحصيل " لابن رشد (18/444-445) :

" سئل مالك رحمه الله تعالى عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم ، فقال : ما هذا من الأمر ، وذكر حديث : ( اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد )

قال ابن رشد : فيُكره أن يُكثر المرور به ، والسلام عليه ، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر بفعله ذلك كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : ( اللهم لا تجعل قبري وثنًا ) " انتهى.

وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر ، ويسلمون ويدعون ساعة ، فقال :

" لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها ، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك " انتهى.

" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2/676)

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" اتفق أئمة الدين على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور ، ولا أن تعلق عليها الستور ، ولا أن ينذر لها النذور ، ولا أن يوضع عندها الذهب والفضة

بل حكم هذه الأموال أن تصرف في مصالح المسلمين إذا لم يكن لها مستحق معين ، ويجب هدم كل مسجد بني على قبر كائناً من كان الميت ، فإن ذلك من أكبر أسباب عبادة الأوثان " انتهى.

" مجموعة الرسائل والمسائل " (1/54)

ويقول أبو الوليد الباجي رحمه الله :

" دعاؤه صلى الله عليه وسلم أن لا يجعل قبره وثنا يعبد تواضعا والتزاما للعبودية لله تعالى ، وإقرارا بالعبادة ،

وكراهية أن يشركه أحد في عبادته ، وقد روى أشهب عن مالك أنه لذلك كره أن يدفن في المسجد ، وهذا وجه يحتمل أنه إذا دفن في المسجد كان ذريعة إلى أن يتخذ مسجدا ، فربما صار مما يعبد " انتهى.

" المنتقى شرح الموطأ " (1/306)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 16:56
لا يصح حديث أعطيهم من حلمي وعلمي

السؤال

ورد عن أبي الدرداء مرفوعا : ( إن الله سبحانه وتعالى قال لعيسى ابن مريم : إني باعث بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا ، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا

ولا حلم ولا علم . قال : يا رب كيف هذا ولا حلم ولا علم ؟ قال : أعطيهم من حلمي وعلمي ) ما معنى : ( ولا حلم وعلم )

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث يروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : يَا عِيسَى ! إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَعْدِكَ أُمَّةً ، إِنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا اللَّهَ وَشَكَرُوا ، وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وَصَبَرُوا ، وَلَا حِلْمَ ، وَلَا عِلْمَ .

قَالَ : يَا رَبِّ ! كَيْفَ هَذَا لَهُمْ وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ ؟

قَالَ : أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي )

رواه أحمد في " المسند " (45/529) ، والبخاري في " التاريخ الكبير " (8/355-356)، وابن أبي الدنيا في " الصبر " (رقم/96) ، والطبراني في " الأوسط " (3/311)

وفي " مسند الشاميين " (3/187)، والحاكم في " المستدرك " (1/348)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (1/227) (5/243)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (6/274)، (12/336) وغيرهم :

جميعهم من طريق يزيد بن ميسرة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء به .

ويزيد بن ميسرة لم ينص أحد على توثيقه ولا على تجريحه ، فحديثه غير مقبول .

قال البخاري رحمه الله :

" يزيد بن ميسرة بن حلبس ، أبو حلبس الدمشقي ، سمع أم الدرداء ، وأبا إدريس ، روى عنه معاوية بن صالح ، وصفوان بن عمرو – ثم روى البخاري حديثه هذا - " انتهى.

" التاريخ الكبير " (8/355)

وقال ابن أبي حاتم رحمه الله :

" يزيد بن ميسرة بن حلبس ، أبو حلبس الدمشقي ، روى عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، وروى عن أبي إدريس الخولاني ، روى عنه معاوية بن صالح ، سمعت أبي يقول ذلك " انتهى.

" الجرح والتعديل " (9/288)

وقال ابن حبان رحمه الله :

" يزيد بن ميسرة بن حلبس الدمشقي ، كنيته أبو يوسف ، وقد قيل أبو حلبس ، أخو يونس بن ميسرة ، يروي عن أم الدرداء وأبي إدريس الخولاني ، روى عنه معاوية بن صالح " انتهى.

" الثقات " (7/627)

وانظر : " تعجيل المنفعة " (1/454)، " تاريخ الإسلام " (7/505)، وهو من الوعاظ الزهاد الذين تؤثر عنهم كلمات الحكمة ، انظر ترجمته في " حلية الأولياء " (2/371-375)

والخلاصة :

أن هذا الحديث ضعيف لا يصح لجهالة حال أبي حلبس يزيد بن ميسرة الدمشقي ، ولذلك نقل أبو أحمد الحاكم عن أحمد بن عُمَير بن يوسف أبا الحسن الدمشقي أنه حكم عليه بالنكارة

. كما في " الأسماء والكنى " (3/424)

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

" ضعيف " انتهى.

" السلسلة الضعيفة " (رقم/4038)

وقال محققو مسند أحمد ـ ط ـ الرسالة : " إسناده ضعيف لجهالة حال أبي حَلْبَس يزيد بن ميسرة " انتهى .

ثم على فرض تصحيح الحديث ، فإن المقصود منه أن هؤلاء العباد – والمقصود بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم – يشكرون الله في السراء ، ويصبرون على الضراء : محتسبين أجرهم عند الله

باعثهم على ذلك الإخلاص لله عز وجل .

فليس باعثهم على الصبر هو الحلم الجبلي الذي قد يوجد لدى الكفار ، ولا العلم والعقل الذي يخلو من الإيمان

بل باعثهم على الصبر هو الرغبة فيما عند الله من الأجر والثواب ، يرافق ذلك حلما وعلما ونورا يقذفه الله في قلوبهم جزاء أعمالهم الصالحة .

يقول الطيبي رحمه الله :

" قوله : ( ولا حلم ولا علم ) تأكيد لمفهوم : ( صبروا واحتسبوا )؛ لأن معنى الاحتساب أن يبعثه على العمل الصالح الإخلاص وابتغاء مرضاة الرب ، لا الحلم ولا العلم .

فحينئذ يتوجه عليه أنه : كيف يصبر ويحتسب من لا علم له ولا حلم ؟

فيقال : إذا أعطاه من حلمه ، يتحلم ويتعلم بحلم الله وعلمه " انتهى.

نقلا عن " فيض القدير " (4/644)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 17:05
شرح حديث : ( أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ... )

السؤال

ما هو شرح الحديث الصحيح التالي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها ، إلا أدخله الله بها الجنة ) قال حسان :

فعددنا ما دون منيحة العنز ، من رد السلام ، وتشميت العاطس ، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه ، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة . الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص -

المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2631 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

الجواب

الحمد لله

الحديث المقصود في السؤال يرويه الإمام البخاري في " صحيحه " (رقم/2631) ، وقد بوَّب عليه رحمه الله بقوله : باب فضل المنيحة ، وهذا نصه :

عنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( أَرْبَعُونَ خَصْلَةً - أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ - مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ )

قَالَ حَسَّانُ : فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً .

ومعنى قوله : ( منيحة العنز ) : أي : عطية لبن الشاة . كما في "

فتح الباري " (1/160)

قال الإمام النووي رحمه الله :

" تستحب المنيحة ، وهي أن تكون له ناقة أو بقرة أو شاة ذات لبن ، فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة ، ثم يردها إليه ، لحديث ابن عمرو بن العاص – ذكر الحديث السابق – ،

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة أو الشاة الصفى تغدو بإناء وتروح بإناء " رواه البخاري وعنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال "

من منح منيحة غدت بصدقة صبوحها وغبوقها " رواه مسلم وفى المسألة أحاديث أخر صحيحة "

انتهى من " المجموع " (6/243)

وقد بين العلماء شراح الحديث أن مقصود هذا الحديث بيان كثرة طرق الخير ، وأن الأعمال الصالحة كثيرة جدا ، من عمل بها رجاء ثوابها مخلصا بها قلبه دخل الجنة .

يقول ابن بطال رحمه الله :

" وأما قوله عَلَيْهِ السَّلام : ( أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ ) ولم يذكر الأربعين خصلة في الحديث - ومعلوم أنه كان عالمًا بها كلها لا محالة - إلا لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها

وذلك ـ والله أعلم ـ خشية أن يكون التعيين لها ، والترغيب فيها ، زهدًا في غيرها من أبواب المعروف وسبل الخير ، وقد جاء عنه عَلَيْهِ السَّلام من الحض على أبواب من أبواب الخير والبر ما لا يحصى كثرة .

وليس قول حسان بن عطية : ( فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام ، وتشميت العاطس ، وإماطة الأذى عن الطريق ، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة ) بمانع أن يجدها غيره

وقد بلغني عن بعض أهل عصرنا أنه طلبها في الأحاديث ، فوجد حسابها يبلغ أزيد من أربعين خصلة :

فمنها : - منحة الركوب ، إطعام الجائع ، وسقاية الظمآن –، ومنها : السلام على من لقيت ، وتشميت العاطس ، وإعانة الصانع ، والصنعة للأخرق ، وإعطاء صلة الحبل

وإعطاء شسع النعل ، وأن يؤنس الوحشان ، وكشف الكربة عن مسلم ، وكون المرء في حاجة أخيه ، وستر المسلم ، والتفسح لأخيك في المجلس ، وإدخال السرور على المسلم ، ونصر المظلوم

والأخذ على يدي الظالم ، والدلالة على الخير ، والأمر بالمعروف ، والإصلاح بين الناس ، وقول طيب ترد به المسكين ، وأن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ، وغرس المسلم وزرعه

والهدية إلى الجار ، والشفاعة للمسلم ، ورحمة عزيز ذل ، وغني افتقر ، وعالم بين جهال ، وعيادة المرضى ، والرد على من يغتاب أخاك المسلم

ومصافحة المسلم ، والتحاب في الله ، والتجالس في الله ، والتزاور في الله ، والتبادل في الله ، وعون الرجل الرجلَ في دابته يحمله عليها ، أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والنصح لكل مسلم " انتهى باختصار

" شرح ابن بطال " (7/151-154) .

وقد نازع بعضُ أهل العلم ابنَ بطال فيما نقله من محاولة لتعداد بعض الخصال المقصودة في الحديث ، ولكن لا تضر هذه المنازعة

فمرادنا من النقل السابق أن هذه الخصال هي من خصال الخير ، من الأعمال الصالحة ، والأخلاق الحسنة ، وأما تعيينها كاملة فلا يمكن الجزم به .

وقد نقل الكرماني كلام ابن بطال السابق ، ثم علق عليه بقوله :

" هذا الكلام رجم بالغيب لاحتمال أن يكون المراد غير المذكورات من سائر الأعمال الخيرية ، ثم إنه من أين عرف أن هذه أدنى من المنحة ، لجواز أن تكون مثلها

أو أعلى منها ، ثم فيه تحكم ، حيث جعل السلام منه ، ولم يجعل رد السلام منه ، مع أنه صرح في هذا الحديث الذي نحن فيه به ، وكذا جعل الأمر بالمعروف منه ، بخلاف النهي عن المنكر

وفيه أيضا تكرار ، لدخول الأخير – وهو الأربعون – تحت ما تقدم ، فتأمل " انتهى.

" الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري " (11/153)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله –

بعد أن نقل كلام ابن بطال السابق واختصره -:

" وكلها في الأحاديث الصحيحة ، وفيها ما قد يُنازَع في كونه دون منيحة العنز ، وحذفت مما ذكره أشياء قد تعقب ابن المنير بعضها .

وقال الكرماني : جميع ما ذكره رجم بالغيب ، ثم من أين عرف أنها أدنى من المنيحة ؟

قلت – يعني الحافظ ابن حجر - : وإنما أردت بما ذكرته منها تقريب الخمس عشرة التي عدها حسان بن عطية ، وهي إن شاء الله تعالى لا تخرج عما ذكرته ، ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال

في إمكان تتبع أربعين خصلة من خصال الخير أدناها منيحة العنز ، وموافق لابن المنير في رد كثير مما ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة . والله أعلم " انتهى.

" فتح الباري " (5/245)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 17:09
معنى قول أبي هريرة رضي الله عنه وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا الحلقوم

السؤال

ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : ( حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، أما أحدهما فبثثته

وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا الحلقوم ) إن الصوفية يدّعون أن العلم الذي كتمه أبو هريرة هو علم وحدة الوجود

فهل بالإمكان توضيح ما هو العلم الذي كتمه أبو هريرة رضي الله ، وما الدليل على ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

كلام أبي هريرة رضي الله عنه المقصود في السؤال هو قوله :

( حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ ) رواه البخاري (رقم/120)

وعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ ، قَالَ :

( قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : أَكْثَرْتَ أَكْثَرْتَ ، قَالَ : ( فَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَمَيْتُمُونِي بِالْقَشْعِ ، وَلَمَا نَاظَرْتُمُونِي ) القشع : ما يقلع عن وجه الأرض من المدر والحجر .

رواه أحمد في " المسند " (16/563) وقال المحققون : إسناده صحيح .

وأما قول بعض غلاة الصوفية أن ما أخفاه أبو هريرة من العلم هو العلم الباطني الذي يشتمل على وحدة الوجود : فهذا كلام باطل من وجوه كثيرة :

1- لا دليل مع هؤلاء المدَّعين على صدق دعواهم ، وأبو هريرة نفسه لم يبين ما في هذا الوعاء الذي أخفاه من الأحاديث ، فكيف علم هؤلاء بحقيقة ما أخفاه !!

2- القول بوحدة الوجود كفر صريح باتفاق علماء المسلمين ، ونسبة القول به إلى الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه من أبشع الكذب وأشنعه .

3- ثم لو كان القول بوحدة الوجود أو العلم الباطني صحيحا شرعيا فكيف يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر الصحابة بإخفائه

ولماذا يخفى الحق الذي يتعلق بأركان مسائل العقيدة ، والله عز وجل يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) البقرة/159

4- وقد أجمع علماء المسلمين على أن ما أخفاه أبو هريرة لا علاقة له بوحدة الوجود ولا بالعلم الباطني ، وإنما هو بعض أحاديث الفتن وأشراط الساعة التي تتعرض لبعض أمراء زمان أبي هريرة

فخاف على نفسه من بطشهم وظلمهم ، ورأى أنه بإخفائه هذه الأحاديث لا ينتقص من الدين شيئا ، فظلم الظالم مكشوف معروف ولا يحتاج إلى حديث مرفوع يبينه .

يقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" قال علماؤنا : وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن ، والنص على أعيان المرتدين

والمنافقين ، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى ، والله تعالى أعلم " انتهى.

" الجامع لأحكام القرآن " (2/186)

ويقول الإمام الذهبي رحمه الله :

" عن مكحول ، قال : كان أبو هريرة يقول : رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه – يعني : من العلم -.

قلت – أي الإمام الذهبي - : هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع

أو المدح والذم ، أما حديث يتعلق بحل أو حرام فلا يحل كتمانه بوجه ، فإنه من البينات والهدى .

وفي صحيح البخاري : قول علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله . وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء لأوذي ، بل لقتل

ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة ، فله ما نوى ، وله أجر وإن غلط في اجتهاده " انتهى.

" سير أعلام النبلاء " (2/597)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضهم ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم

كقوله : أعوذ بالله من رأس الستين ، وإمارة الصبيان . يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية ؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة ، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة .

قال ابن المنير :

جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم ، حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا ، وذلك الباطن إنما حاصلة الانحلال من الدين .

قال : وإنما أراد أبو هريرة بقوله : " قطع " أي : قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم ، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها .

وقال غيره : يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان ، فينكر ذلك من لم يألفه ، ويعترض عليه من لا شعور له به " انتهى.

" فتح الباري " (1/216)

ويقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :

" أما المتصوفة فقد راج على بعضهم بعض تلك الشبهات والتأويلات ; لضعفهم في علم الكتاب والسنة ، فاستمسكوا بالأحاديث الموضوعة ، وأخذوا بظواهر بعض الأحاديث والآثار الصحيحة

كقول أبي هريرة المروي في صحيح البخاري : ( حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ; فأما أحدهما فبثثته

وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم ) يشير إلى عنقه ; لأنه إذا ذبح ينقطع بلعومه ; وهو مجرى الطعام .

فجهلة المتصوفة يزعمون أن ما عندهم من علم الحقيقة هو من قبيل ما في الوعاء الآخر من وعاءي أبي هريرة ، وبعضهم يظن أن لشيوخهم سندا في تلقي علم الباطن

ينتهي إلى بعض الصحابة أو أئمة آل البيت عليهم الرضوان .

والذي عليه المحققون أن أبا هريرة يعني بما كتم من الحديث أحاديث الفتن ، وما يكون من الفساد في الدين والدنيا على أيدي أغيلمة من سفهاء قريش ، وهم بنو أمية .

وقد روي عنه أنه دعا الله تعالى أن ينقذه من سنة ستين وإمارة الصبيان ، وقد مات سنة سبع وخمسين ، وقيل سنة تسع وخمسين ، وفي سنة ستين ولي يزيد بن معاوية

فعلم أن أبا هريرة كان يستعيذ بالله من إمارته ، وقد أعاذه الله تعالى فلم ير أيامها السود .

وروي عنه أنه كان يقول - في أغيلمة قريش الذين يفسدون على المسلمين أمر دينهم ، كما ورد في الحديث - :

( لو شئت أن أسميهم بأسمائهم لفعلت ) ، فهذا دليل على أنه سمع - كحذيفة بن اليمان - أخبار الفتن وأمراء الجور من النبي صلى الله عليه وسلم

وكان يكتمها عند وقوعها خوفا من انتقام أولئك الأمراء المستبدين المفسدين ، وأما كتمان شيء من أمر الدين فهو محرم بالإجماع وبنصوص الكتاب والسنة ، فكيف يكتمه " انتهى باختصار.

" تفسير المنار " (6/390)

ويقول العلامة طاهر الجزائري رحمه الله :

" أراد بالوعاء الأول الأحاديث التي لم ير ضررا في بثِّها فبثَّها ، وأراد بالوعاء الثاني الأحاديث المتعلقة ببيان أمراء الجور وذمهم ، فقد روي عنه أنه قال : لو شئت أن أسميهم بأسمائهم .

وكان لا يصرح بذلك خوفا على نفسه منهم .

وقال بعض الصوفية : أراد به الأحاديث المتعلقة بالأسرار الربانية التي لا يدركها إلا أرباب القلوب .

وفي كون المراد به هذا فيه نظر ؛ لأنه لو كان كذلك لما وسع أبا هريرة كتمانه من جميع الناس ، بل كان أظهره لبعض الخواص منهم " انتهى باختصار.

" توجيه النظر " (1/63-64) .

وينظر جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 17:13
الحكمة من عدم رواية أبي هريرة رضي الله عنه أحاديث الفتن

السؤال

ورد في صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : (حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائين ، أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فكتمته ولو بثثته لقطع هذا الحلقوم) فما معنى هذا الحديث ؟

ولماذا يكتم أبو هريرة هذا العلم؟

أرجو الشرح والتفصيل .

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (120) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ : فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ) .

قال الحافظ رحمه الله :

"قَوْله : (وِعَاءَيْنِ) أَيْ ظَرْفَيْنِ ... أَيْ : نَوْعَيْنِ مِنْ الْعِلْم , ومُرَاده : أَنَّ مَحْفُوظه مِنْ الْحَدِيث لَوْ كُتِبَ لَمَلَأَ وِعَاءَيْنِ" انتهى ملخصا .

وبثثته : أذعته ونشرته .

والبلعوم : مجرى الطعام

قال الحافظ في "الفتح" (1/216) :

"حَمَلَ الْعُلَمَاء الْوِعَاء الَّذِي لَمْ يَبُثّهُ عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَبْيِين أَسَامِي أُمَرَاء السُّوء وَأَحْوَالهمْ وَزَمَنهمْ , وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَكُنِّي عَنْ بَعْضه وَلَا يُصَرِّح بِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ ,

كَقَوْلِهِ : (أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْس السِّتِّينَ وَإِمَارَة الصِّبْيَان) . يُشِير إِلَى خِلَافَة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة ، لِأَنَّهَا كَانَتْ سَنَة سِتِّينَ مِنْ الْهِجْرَة . وَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاء أَبِي هُرَيْرَة فَمَاتَ قَبْلهَا بِسَنَةٍ .

قَالَ اِبْن الْمُنِير : وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَة بِقَوْلِهِ : " قُطِعَ " أَيْ : قَطَعَ أَهْل الْجَوْر رَأْسه إِذَا سَمِعُوا عَيْبه لِفِعْلِهِمْ وَتَضْلِيله لِسَعْيِهِمْ , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيث الْمَكْتُومة لَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مَا وَسِعَهُ كِتْمَانهَا .

وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَعَ الصِّنْف الْمَذْكُور مَا يَتَعَلَّق بِأَشْرَاطِ السَّاعَة وَتَغَيُّر الْأَحْوَال وَالْمَلَاحِم فِي آخِر الزَّمَان , فَيُنْكِر ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفهُ , وَيَعْتَرِض عَلَيْهِ مَنْ لَا شُعُور لَهُ بِهِ " انتهى ملخصا .

وقال العيني :

"أراد به نوعين من العلم ، وأراد بالأول الذي حفظه من السنن المذاعة لو كتبت لاحتمل أن يملأ منها وعاء ، وبالثاني ما كتمه من أخبار الفتن كذلك .

ويقال : حمل الوعاء الثاني على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء الجور وأحوالهم وذمهم " انتهى . "عمدة القاري" (3/364) .

وقال القرطبي رحمه الله : " حُمل على ما يتعلق بالفتن من أسماء المنافقين ونحوه ، أما كتمه عن غير أهله فمطلوب بل واجب " انتهى .

"التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/852) .

وقال ابن بطال رحمه الله :

" قال المهلب ، وأبو الزناد : يعنى أنها كانت أحاديث أشراط الساعة ، وما عَرَّف به صلى الله عليه وسلم من فساد الدين ، وتغيير الأحوال ، والتضييع لحقوق الله تعالى

كقوله صلى الله عليه وسلم : ( يكون فساد هذا الدين على يدى أغيلمة سفهاء من قريش ) ، وكان أبو هريرة يقول : لو شئت أن أسميهم بأسمائهم ، فخشى على نفسه

فلم يُصَرِّح . وكذلك ينبغى لكل من أمر بمعروف إذا خاف على نفسه في التصريح أن يُعَرِّض . ولو كانت الأحاديث التي لم يحدث بها من الحلال والحرام ما وَسِعَهُ تركها ، لأنه قال : " لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم" ،

ثم يتلو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ) البقرة /159" انتهى .

"شرح صحيح البخارى" لابن بطال (1/195) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :

"ولقائل أن يقول : كيف استجاز كتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال :

(بلغوا عني) ؟ وكيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما إذا ذُكِرَ قُتِلَ راويه ؟ وكيف يستجيز المسلمون من الصحابة الأخيار والتابعين قتل من يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

فالجواب : أن هذا الذي كتمه ليس من أمر الشريعة ؛ فإنه لا يجوز كتمانها وقد كان أبو هريرة يقول

: " لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم " وهي قوله : (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) فكيف يظن به أن يكتم شيئا من الشريعة بعد هذه الآية وبعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه ؟

وقد كان يقول لهم : ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) وإنما هذا المكتوم مثل أن يقول : فلان منافق ، وستقتلون عثمان ، و(هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش) بنو فلان ، فلو صرح بأسمائهم لكذبوه وقتلوه" انتهى .

"كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ص/1014) .

والخلاصة :

أن ما كتمه أبو هريرة رضي الله عنه من العلم مختص بأخبار الفتن وأمراء السوء وأحوالهم وزمانهم ، وأسماء المنافقين ، وما يحصل آخر الزمان من تغير الأحوال ووقوع الفتن ونحو ذلك مما لا يألفه الناس .

وإنما كتمه أبو هريرة رضي الله عنه ولم ينشره للمصلحة الراجحة ؛ فإنه لو ذكر أمراء السوء ، أو عين أحدا منهم ، أو كنّى عنه بما يدل عليه لوقع الناس في الفتن ، ولكثر القيل والقال

ولتعرض أبو هريرة للأذى ، ولتحمس بعض هؤلاء الأحداث ممن لا علم لهم ولا روية عندهم وأثار القلاقل وأحدث الفتن

بدعوى أن هؤلاء أمراء السوء الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بد من تطهير الأرض منهم وإراحة الناس من شرهم وأذاهم ، فيخرجون على الخلفاء والأمراء ، ويحدثون الفتن .

وكذا لو أخبر أبو هريرة رضي الله عنه بما يحصل من الملاحم والفتن آخر الزمان لسارع كثير ممن لا علم له من السفهاء والدهماء إلى تكذيبه ، ولكثر الجدل ولاحتدّ النقاش فيما يرويه ويقوله

فينصرف الناس – كما هي عادتهم في مثل ذلك – عن الانشغال بما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم إلى أندية الجدل ومحاطّ الخصام .

وقد كانوا لا يقبلون بعض ما يروي من أحاديث الأحكام ، ويستكثرون عليه ما يروي في الحلال والحرام ، فكيف لو روى لهم شيئا من أحاديث الفتن ؟!

فكان كتمانه هذا النوع من العلم من حكمته وتمام فقهه وعلمه رضي الله عنه .

أما أحاديث الأحكام ونحوها : فلم يكن بدّ من روايتها ، روى البخاري (2350) ومسلم (2492) عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ

وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ ، وَيَقُولُونَ : مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ

وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي ، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ ... إلى أن قال : وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 17:16
هل يستدل على الحق بكثرة العدد ، ومعنى حديث : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ).

السؤال

كلنا يعرف أن هناك شرك جلي في بعض كتب جماعة التبليغ، ولقد كنت أتحدث مع صديق لي في هذا الشأن فقال لي إن كانت جماعة التبليغ على خطأ فلم لها كل هؤلاء الأتباع؟

بينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تجتمع أمتي على ضلالة" فلو شرحت لي معني هذا الحديث وما هو الرد على دعوى وزعم هذا الصديق؟

الجواب

الحمد لله :

روى الترمذي (2167) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ). وحسنه الألباني.

والمقصود من هذا الحديث أن الله عصم علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الاجتماع على أمر باطل .

وهذه العصمة إنما هي لجميع علماء الأمة في أي عصر من العصور ، وأما اتفاق بعضهم أو أكثرهم على أمر ما فليس بمعصوم من الخطأ .

وكذلك اتفاق عوام الناس على أمر من الأمور ليس دليلا على أحقيته ؛ لأن العبرة بأهل العلم ، لا العامة والجهلاء .

قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي في سننه : " وَتَفْسِيرُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ : هُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ ".

قال الملا علي القاري

: " الحديث يدل على أن اجتماع المسلمين حق ، والمراد إجماع العلماء ، ولا عبرة بإجماع العوام ؛ لأنه لا يكون عن علم ".

انتهى "مرقاة المفاتيح" (2 / 61)

وقال الشاطبي : " ولا خلاف أنه لا اعتبار بإجماع العوام". انتهى "الاعتصام" (1 / 354)

ووجود أتباع كثيرين لأحد الجماعات أو الفرق أو الطوائف ليس دليلاً على أنهم على حق ، فالنصارى أكثر عدداً من المسلمين ، وأهل البدع والضلال أكثر من أهل السنة في بعض البلاد ، فهل يعني ذلك أنهم على الحق!! .

قال أبو شامة المقدسي رحمه الله تعالى :

" حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعة

وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً ؛ لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم ".

انتهى "الباعث على إنكار البدع والحوادث" صـ 22.

ومن سنن الله في خلقه : أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل ، قال تعالى : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ). [يوسف : 103]

وقال : ( إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) [هود : 17]

وقال: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ).

قال الشيخ السعدي :

" ودلت هذه الآية ، على أنه لا يستدل على الحق بكثرة أهله ، ولا يدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق ، بل الواقع بخلاف ذلك ، فإن أهل الحق هم الأقلون عدداً

الأعظمون عند الله قدراً وأجراً ، بل الواجب أن يستدل على الحق والباطل ، بالطرق الموصلة إليه ".

انتهى "تفسير السعدي" (1 / 270).

فالحق والصواب يعرف بموافقة كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما أجمع عليه سلف هذه الأمة ، لا بكثرة العدد.

قال الفُضيل بن عِياض رحمه الله : " الزمْ طريقَ الهدَى ، ولا يضرُّكَ قلَّةُ السالكين ، وإياك وطرقَ الضلالة ، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين ".

انتهى وينظر: "الأذكار" للنووي صـ221

"الاعتصام "للشاطبى (1 / 83).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 17:22
السنة تناول الشراب على ثلاثة أنفاس

السؤال

ذكرتم حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً عند الشرب ، وكان يقول : ( هو أهنأ وأمرأ وأبرأ ) رواه مسلم في صحيحه

. وقال ابن القيم في " زاد المعاد " معلقاً على هذا الحديث : " إن المقصود بالتنفس أن يزيح الشخص الإناء من فيه ، ثم يتنفس خارجاً ، ثم يعاود الشرب "

فالذي أفهمه من هذا كله أن الإنسان يرشف رشفة ثم يتنفس ، ثم يرشف ثم يتنفس ، ثم يرشف ثم يتنفس ، ثم يتوقف عن الشرب . فهل فهمي هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله

الحديث المقصود في السؤال هو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال :

( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا ، وَيَقُولُ : إِنَّهُ أَرْوَى ، وَأَبْرَأُ ، وَأَمْرَأُ ) رواه مسلم (رقم/2028)

وتفسير أهل العلم لهذا الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يشرب ما يحتاجه من الماء على ثلاث دفعات ، فيشرب جزءا

ثم يبعد الإناء عن فمه ليتنفس ويخرج زفيره خارج الإناء ، ثم يعود فيشرب جزءا آخر ، ثم يبعد الإناء عن فمه الشريف صلى الله عليه وسلم ، ليأخذ نفسا ثانيا كما فعل في المرة الأولى

ثم يعود ليشرب الجزء الثالث حتى يرتوي ويأخذ حاجته من الشراب .

فقول أنس رضي الله عنه في وصف شرب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ( يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا ) يعني أنه كان يتنفس أثناء الشراب ، لكن إخراج هذا النفس إنما يكون خارج الإناء

كما بين ذلك الإمام النووي رحمه الله ، ثم فسر رحمه الله معاني كلمات الحديث الأخرى فقال :

( أروى ) من الرِّي : أي : أكثر رِّيا .

( وأبرأ ) أي : أبرأ من ألم العطش ، وقيل : ( أبرأ ) أي : أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفَس واحد .

( وأمرأ ) أي : أجمل انسياغا .

" شرح مسلم " (13/199)

وهناك حديث آخر يوضح الحديث السابق ، وفق ما مر معنا في شرحه ؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

( إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيُنَحِّ الْإِنَاءَ ، ثُمَّ لِيَعُدْ إِنْ كَانَ يُرِيدُ )

رواه ابن ماجة (رقم/3427) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/386)

قال ابن القيم رحمه الله :

" معنى تنفسه في الشراب : إبانته القدح عن فيه ، وتنفسه خارجه ، ثم يعود إلى الشراب .

وفى هذا الشرب حِكَم جَمَّة ، وفوائد مهمة ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على مَجامعها بقوله : ( إنه أروى ، وأمرأ ، وأبرأ ) ؛ فأروى : أشد رِيَّا وأبلغه وأنفعه . وأبرأ : من البرء

وهو الشفاء ، أي : يبرىء من شدة العطش ودائه ، لتردده على المعدة الملتهبة دفعات ، فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه ، والثالثة ما عجزت الثانية عنه

وأيضا فإنه أسلم لحرارة المعدة ، وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة ، ونهلة واحدة ؛ فإنه لا يروي لمصادفته لحرارة العطش لحظة

ثم يقلع عنها ، ولما تكسر سورتها وحدتها ، وإن انكسرت لم تبطل بالكلية ، بخلاف كسرها على التمهل والتدريج .

وأيضا فإنه أسلم عاقبة ، وآمن غائلة من تناول جميع ما يروي دفعة واحدة ، فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية بشدة برده ، وكثرة كميته

أو يضعفها فيؤدى ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد " انتهى باختصار.

" زاد المعاد " (4/230)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" يؤخذ من ذلك : أنه أقمع للعطش ، وأقوى على الهضم ، وأقلُّ أثرًا في ضعف الأعضاء وبرد المعدة "

" فتح الباري " (10/94)

وقال ولي الله الدهلوي :

" المعدة إذا وصل إليها الماء قليلا قليلا صرفته الطبيعة إلى ما يهمها ، وإذا هجم عليها الماء الكثير تحيرت في تصريفه ، والمبرود إذا ألقى في معدته الماء أصابته البرودة لضعف قوته من مزاحمة القدر الكثير

بخلاف ما إذا تدرج ، والمحرور إذا ألقى على معدته ماء دفعة حصلت بينهما المدافعة ولم تتم البرودة ، وإذا ألقى شيئا فشيئا وقعت المزاحمة أولا ثم ترجحت البرودة " انتهى.

" حجة الله البالغة " (2/292) .

وينظر كلام مهم لبعض الباحثين المعاصرين حول هذه المسألة في كتاب "

" روائع الطب الإسلامي " ، تأليف الطبيب محمد نزار الدقر (2/33-34) ترقيم الشاملة .

وقد اتفق أهل العلم على كراهة أن يتنفس الشارب داخل إنائه ، فيصيب نفسه الماء الذي يشرب منه فيتقذر به ، وقد ورد النهي صريحا عن ذلك في حديث أبي قتادة رضي الله عنه

( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ ) رواه مسلم (رقم/267)

وينظر : جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-14, 17:24
هل يجوز الشرب بنَفَسٍ واحد ؟

السؤال

أدخل البيت وأنا عطشان فأشرب الكأس من الماء دفعة واحدة ، فهل هذا صحيح ؟.

الجواب

الحمد لله

عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب

فقال له رجل : يا رسول الله إني لا أروى من نفَسٍ واحدٍ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأبِن القدح عن فيك ، ثم تنفَّس ، قال : فإني أرى القذاة فيه ؟ قال : فأهرقها.

رواه الترمذي ( 1887 ) .

والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 385 ) .

قال الشيخ الألباني - في ذكر فوائد الحديث - :

جواز الشرب بنَفَسٍ واحدٍ ؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على الرجل حين قال " إني لا أروى من نفَسٍ واحد " ، فلو كان الشرب بنَفَسٍ واحدٍ لا يجوز لبيَّنه صلى الله عليه وسلم له

وقال له مثلاً " وهل يجوز الشرب من نفَسٍ واحد ؟! " ، وكان هذا أولى من القول له " فأبِن القدَح … " لو لم يكن ذلك جائزاً ، فدلَّ قوله هذا على جواز الشرب بنَفَسٍ واحد ، وأنَّه إذا أراد أن يتنفَّس تنفَّس خارج الإناء

وهذا ما صرَّح به حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ، فإذا أراد أن يعود فليُنحِّ ، ثم ليعُد إن كان يريد " . [ الصحيحة ( 386 ) ] ...

وقال الحافظ في " الفتح " :

" واستدل به مالك على جواز الشرب بنفَسٍ واحد ، وأخرج بن أبي شيبة الجواز عن سعيد بن المسيب وطائفة ، وقال عمر بن عبد العزيز : إنما نهى عن التنفس داخل الإناء

فأما مَن لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفَس واحد . انتهى .

ثم إن ما تقدَّم من جواز الشرب بنفَسٍ واحدٍ لا ينافي أن السنَّة أن يشرب بثلاثة أنفاس ، فكلاهما جائز ، لكن الثاني أفضل ، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

" كان إذا شرب تنفَّس ثلاثاً ، وقال : هو أهنأ وأمرأ وأبرأ " . أخرجه مسلم .

" السلسلة الصحيحة " ( الحديث رقم 385 ، 386 ).

الشيخ محمد صالح المنجد

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 15:49
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل سب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ؟

السؤال

أجد صعوبة في فهم حديثين، هما: الحديث الأول: صحيح البخاريكتاب الفضائل حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، حدثنا أبو علي الحنفي. حدثنا مالك (وهو ابن أنس) عن أبي الزبير المكي؛ أن أبا الطفيل

عامر بن واثلة أخبره. أن معاذ بن جبل أخبره. قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك. فكان يجمع الصلاة. فصلى الظهر والعصر جميعا. والمغرب والعشاء جميعا.

حتى إذا كان يوما أخر الصلاة. ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا. ثم دخل ثم خرج بعد ذلك .

فصلى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال "إنكم ستأتون غدا، إن شاء الله، عين تبوك.

وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار. فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي" فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان. والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. قال فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم

"هل مسستما من مائها شيئا؟" قالا: نعم. فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا

حتى اجتمع في شيء. قال وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ووجهه. ثم أعاده فيها. فجرت العين بماء منهمر. أو قال غزير - شك أبو علي أيهما

قال - حتى استقى الناس. ثم قال "يوشك يا معاذ! إن طالت بك حياة، أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا". الحديث الثاني: صحيح البخاري كتاب البر والصلة والآداب حدثنا زهير بن حرب.

حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان. فكلمها بشيء لا أدري ما هو. فأغضباه. فلعنهما وسبهما.

فلما خرجا قلت: يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان.

قال "وما ذاك" قالت قلت: لعنتهما وسببتهما. قال "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم! إنما أنا بشر. فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا".

سؤالي هو: إن الرسول صلي الله عليه و سلم هو الذي علمنا عفة اللسان، والقرآن مليء بالآيات التي تحض علي حسن القول، وأيضا السيرة مليئة بمواقف الرسول صلي الله عليه وسلم التي فيها لين القول

حتى مع تطاول اليهود، وغضب أمنا عائشة رضي الله عنها. فكيف يستقيم هذان الحديثان مع باقي النصوص الصحيحة، مع العلم أن الحديثين أيضا صحيحان؟ جزاكم الله خيرا وجعل الإجابة في ميزان حسناتكم.

الجواب

الحمد لله

الحلم والأناة وعفة اللسان من أعظم صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى إن الثناء عليه بهذه الصفات سبق في كتب الأنبياء تَنَزُّلَه في القرآن الكريم .

يقول الله عز وجل :

( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :

( وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ...لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ )

رواه البخاري (2125)

وبهذا عُرف صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، وانتشرت سيرته في الآفاق :

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

( لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ - أي عند العتاب - : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ )

رواه البخاري (6031)

ولم تكن رحمته صلى الله عليه وسلم مقتصرة على المسلمين ، بل نالت رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم كثيرا من المشركين والمنافقين .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :

( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )

رواه مسلم (2599)

ولو رحنا نعدد صورا من تجليات قوله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ) وتطبيقات ذلك لما وسعت الأوراق الكثيرة جزءا يسيرا مما ثبت في السنة الصحيحة من ذلك .

غير أننا في الوقت نفسه نقول :

لا يلزم من كون الرحمة والشفقة هي الهدي الغالب عليه صلى الله عليه وسلم أن لا يقع منه عليه الصلاة والسلام نزر يسير في بعض المواقف التي تقتضيه ، بحكم الطباع البشرية .

وفي ذلك صور عديدة من الحكم البالغة ، منها :

1- أنه كان عليه الصلاة والسلام ولي أمر المسلمين ، والولي يحتاج إلى شيء من الشدة في بعض المواقف ، كي يستقيم حال الناس

وتعتدل أمورهم ، ولا يغرهم حلم الوالي ، ولا صفح الحاكم ، ألا ترى معي كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم الزاني ، مع ما في ذلك من الشدة والإغلاظ في العقوبة

لكن إصلاح المجتمعات لا يكون إلا بإقامة العدل ، وتطبيق الشرع ، وإلا أفسد الحلم حياة الناس ، وعاد على أصله بالنقض والإبطال .

وهذا هو ما استنبطه القاضي عياض رحمه الله من حديث معاذ المذكور في السؤال ، قال :

" فيه تأديب الحاكم باللسان ، والسب غير المقزع نفسه " انتهى.

" إكمال المعلم " (7/242)

2- ولعل من أعظم الحكم أيضا هو تحقيق مقام القوة الكاملة الذي نصبه الله عز وجل في هذا الرسول الكريم

وذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21.

والشدة وإغلاظ القول إذا وقع موقعه الصحيح من الضرورات التي يلجأ إليها القادة والرعاة في هذه الأمة ، وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم

فالإصلاح لا يكون إلا باجتماع جناحي الترغيب والترهيب ، والخوف والرجاء .

ولذلك نجد في السنة النبوية صورا من الشدة التي تعامل بها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف التي تقتضي ذلك .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :

( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا

فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327)

ومحل الشاهد هو قول عائشة رضي الله عنها : ( إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا )

ومن ذلك أيضا الحديثان المذكوران في السؤال ؛ والذي دعا إلى هذا الإغلاظ في القول منه صلى الله عليه وسلم ما نقله المفسرون والشراح من أن الرجلين اللذين أفسدا على المسلمين عين الماء في تبوك كانا من المنافقين

وكان ما وقع منهما على وجه القصد والعمد لأذية المسلمين وقطع الماء عنهم ، فعاقبهما النبي صلى الله عليه وسلم بأقل ما يمكن أن يعاقب به الحاكم من التعزير بالقول والإغلاظ في الكلام .

يقول الواقدي رحمه الله :

" فيما ذكر لي، سبقه إليها أربعة من المنافقين معتب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائي، ووديعة بن ثابت، وزيد بن لصيت " انتهى.

نقلا عن " الروض الأنف " (7/384)

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 15:49
ويقول ابن حزم رحمه الله :

" فهذان استحقا السب من النبي صلى الله عليه وسلم لخلافهما نهيه في مس الماء " انتهى.

" الإحكام في أصول الأحكام " (3/282)

والسب ههنا إنما هو التقريع والإغلاظ في القول والمعاتبة ، أو الدعاء عليهما بما تدعو به العرب عند الغضب ، كقولهم : أخزاك الله ، وقاتلك الله ، ونحو ذلك .

قال ابن إسحاق رحمه الله :

" وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ، وما يروي الراكب والراكبين والثلاثة ، بواد يقال له وادي المشقق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه .

قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال : من سبقنا إلى هذا الماء ؟ فقيل له : يا رسول الله فلان وفلان

فقال : أو لم أنههم أن يسقوا منه شيئا حتى أتيه ، ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب

ثم نضحه به ، ومسحه بيده ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به ، فانخرق من الماء – كما يقول من سمعه – ما إن له حسا كحس الصواعق ، فشرب الناس

واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لئن بقيتم أو من بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه "

" مغازي ابن إسحاق " (605-606)

الوشل : الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة ، يقطر منه قليلا قليلا ، لا يتصل قطره . وقيل : لا يكون ذلك إلا من أعلى الجبل . وقيل : هو ماء يخرج من بين الصخر قليلا قليلا .

انظر: " لسان العرب " (11/725) .

3- النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الخطأ في قوله ، أو سبق اللسان ؛ وقد يظن في إنسان أنه مستحق للعن أو السب ، فيسبه بحكم ما بدا له من ظاهر أمره

فإذا لم يكن مستحقا لهذا السب أو اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم ، في حقيقة أمره ، فقد شارط الرؤوف الرحيم ربه أن يجعل هذا في ميزان حسنات من سبه ، وأن تكون زكاة له ، وكفارة لذنبه:

روى مسلم (4706) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ : فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً ) .

وفي رواية له (4708) : ( اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ ؛ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، وَإِنِّي قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ ؛ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

قال النووي رحمه الله :

" هَذِهِ الْأَحَادِيث مُبَيِّنَة مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته , وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ , وَالِاحْتِيَاط لَهُمْ , وَالرَّغْبَة فِي كُلّ مَا يَنْفَعهُمْ . وَهَذِهِ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة آخِرًا تُبَيِّن الْمُرَاد بِبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة

, وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه , وَكَانَ مُسْلِمًا , وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء , وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ :

أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَفِي بَاطِن الْأَمْر ,

وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ , فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة , وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ , وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر.

وَالثَّانِي : أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ , بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة , كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك , عَقْرَى حَلْقَى ... وَنَحْو ذَلِكَ ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء ,

فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة , فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة , وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا ,

وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان , وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ , وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس ,

فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا " وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " انتهى .

"شرح صحيح مسلم" ، للنووي .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 15:53
حديث : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)

السؤال

ما حكم قول : سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه الذي قال فيه : انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : أَنْتَ سَيِّدُنَا

فَقَالَ : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) . قُلْنَا : وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا ، فَقَالَ : (قُولُوا بِقَوْلِكُمْ ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ) .

الجواب

الحمد لله

"الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام بلا شك

وبإجماع أهل العلم ؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام : (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ) فهو سيد ولد آدم وأفضلهم عليه الصلاة والسلام بما خصه الله من الرسالة العامة ، والنبوة

والعبودية الخاصة ، والفضل العظيم الكثير الذي جاءت به الأحاديث ودل عليه القرآن الكريم ، فهو أفضل عباد الله ، وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام .

ولا بأس ولا حرج في أن يقول الإنسان : اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه . فهذا كله لا حرج فيه إلا في المواضع التي شرع الله فيها تمحيض اسمه وعدم ذكر السيد فيها

فإنه لا يأتي بالسيد فيها ، كما في التحيات يقول : "أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" ؛ لأنه لم يرد في هذا المقام ذكر السيد ، فالأولى الاقتصار على ما جاء في النصوص

وهكذا في الأذان والإقامة يقول : "أشهد أن محمداً رسول الله" في الأذان وفي الإقامة ، ولا يقول : أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله . لعدم وروده

فلما لم يرد في النصوص استمر المسلمون على عدم ذكر السيد هنا في الصلاة وفي الأذان والإقامة .

الصحابة وغيرهم كلهم لم يرد عنهم أنهم قالوا في الأذان أو الإقامة : سيدنا محمد ، بل يقول المؤذن والمقيم : أشهد أن محمداً رسول الله .

وهكذا في الصلاة يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . هذا هو الأفضل .

أما في المواضع الأخرى مثل الخطبة في الجمعة والأعياد فلا بأس ، فالأمر موسع ، أو الخطبة في المحاضرات والمؤلفات كل هذا لا بأس به ، لأنه حق

لأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، وأما ما جاء في حديث عبد الله بن الشخير فقد قال العلماء فيه : إنه قال : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)

. من باب التواضع ، ومن باب الخوف عليهم أن يغلوا فيه ويطروه عليه الصلاة والسلام فيقعوا في الشرك ، فخاف عليهم صلى الله عليه وسلم وقال : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) .

وهذا حق ، فهو سبحانه سيد الجميع ، وهو الملك الأعظم ، السيد : هو الملك وهو الحاكم

فالله جل وعلا هو أحكم الحاكمين وهو ملك الملوك سبحانه وتعالى ، فتسميته بالسيد لا محذور فيه ولا إشكال فيه ، فهو ملك الملوك وأولى باسم السيد من غيره سبحانه وتعالى .

لكن هذا الاسم لا بأس من إطلاقه على غيره ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ سيد بني فلان؟) يسأل الصحابة ، وقال في قصة سعد بن معاذ لما جاء للحكم في بني قريظة قال للصحابة: (قوموا إلى سيدكم)

وقال في الحسن بن علي بن ابنته : (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ) فحقق الله ما قال ، وأصلح به بين أهل الشام والعراق

فهذا كله يدل على جواز إطلاق اسم السيد على العالم والرئيس والملك وعليه صلى الله عليه وسلم ، لأنه سيد ولد آدم .

وأما قوله : (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) فهذا بيان أن من أسماء الرب السيد

وأنه إنما ينبغي لمن ووجه وقيل له : يا سيدنا أو أنت سيدنا . أن يقول هذا الكلام تواضعاً وخشية لله سبحانه وتعالى وتعظيماً له وتحذيراً للقائل من هذا الذي قاله ، لئلا يقع في الغلو والإطراء .

فإذا قيل : يا سيدنا فلان أو أنت سيدنا ، فيقول هذه المقولة ، يقول : لا تقل هذا الكلام (السَّيِّدُ اللَّهُ)

كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، تحريضاً على التواضع وخوفاً من الكبر والخيلاء لمن قيل له ذلك ، وخوفاً من الغلو أيضاً فقد يغلو ؛ فربما دعاه من دون الله أو استغاث به أو عظمه تعظيماً لا يليق إلا بالله

فلهذا أنكره النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (السَّيِّدُ اللَّهُ)

. وقال : (قُولُوا بِقَوْلِكُمْ ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ) . أي لا يجركم الشيطان إلى الغلو والإطراء الذي يوقع الأمة فيما حُرِّم من الشرك الذي حرمه الله ووسائله" انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

"فتاوى نور على الدرب" (1/475 – 477) .

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 15:57
شرح حديث : (إذا تبايعتم بالعينة ...)

السؤال

أرجو من فضيلتكم أن تشرح لنا هذا الحديث : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) .

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه أحمد (4987) وأبو داود (3462) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) .

شرح الحديث :

(إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ)

العينة : حيلة يحتال بها بعض الناس على التعامل بالربا ، فالعقد في صورته : بيع ، وفي حقيقته : ربا .

وبيع العينة : أن يبيع الشيء بالآجل ، ثم يشتريه نقداً بثمن أقل ، كما لو باعه سيارة بعشرة آلاف مؤجلة إلى سنة ، ثم اشتراها منه بتسعة آلاف فقط نقدا .

فصارت حقيقة المعاملة أنه أعطاه تسعة آلاف وسيردها له عشرة آلاف بعد سنة ، وهذا هو الربا ، ولهذا كان هذا العقد (بيع العينة) محرماً .

(وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ)

يعني : للحرث عليها .

لأن من يحرث الأرض يكون خلف البقرة ليسوقها .

(وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ)

ليس المراد بهذه الجملة والتي قبلها ذم من اشتغل بالحرث واهتم بالزرع .

وإنما المراد ذم من اشتغل بالحرث ورضي بالزرع حتى صار ذلك أكبر همه ، وقدم هذا الانشغال بالدنيا على الآخرة ، وعلى مرضاة الله تعالى ، لا سيما الجهاد في سبيل الله .

وهذا كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أي : تكاسلتم وملتم إلى الأرض والسكون فيها . (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ) أي : إن فعلتم ذلك

فحالكم حال من رضي بالدنيا وقدمها على الآخرة ، وسعى لها ، ولم يبال في الآخرة . (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) التوبة/38 .

فمهما تمتع الإنسان في الدنيا ، وفعل ما فعل في عمره ، فهذا قليل إذا ما قورن بالآخرة ، بل الدنيا كلها من أولها إلى آخرها لا نسبة لها في الآخرة .

فأي عاقل هذا الذي يقدم متاعاً قليلاً زائلاً ، مليئاً بالأكدار ، على نعيم مقيم لا يزول أبداً !

انظر : "تفسير السعدي" ص 374 .

(وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ)

يعني تركتم ما يكون به إعزاز الدين ، فلم تجاهدوا في سبيل الله بأموالكم ، ولا بأنفسكم ، ولا بألسنتكم .

(سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا)

أي : عاقبكم الله تعالى بالذلة والمهانة ، جزاءً لكم على ما فعلتم ، من التحايل على التعامل بالربا ، وانشغالكم بالدنيا وتقديمها على الآخرة ، وترككم الجهاد في سبيل الله ، فتصيرون أذلة أمام الناس .

قال الشوكاني رحمه الله : "وسبب هذا الذل ـ والله أعلم ـ أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله ، الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه ، وهو إنزال الذلة بهم" انتهى .

(حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)

أي : يستمر هذا الذل عليكم ، حتى تعودوا إلى إقامة الدين كما أراد الله عز وجل ، فتطيعوا الله في أوامره ، وتجتنبوا ما نهاكم الله عنه ، وتقدموا الآخرة على الدنيا ، وتجاهدوا في سبيل الله .

والحديث يدل على الزجر الشديد والنهي الأكيد عن فعل هذه المذكورات في الحديث ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك بمنزلة الردة ، والخروج عن الإسلام ، فقال : (حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) .

وفيه أيضاً : الحث الأكيد على الجهاد في سبيل الله ، وأن تركه من أسباب ذل هذه الأمة أمام غيرها من الأمم ، وهذا هو واقع الأمة اليوم ، للأسف الشديد

نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعلى المسلمين جميعا بالرجوع إلى هذا الدين ، وهدايتنا وتوفيقنا إلى العمل به ، على الوجه الذي يُرضي الله عز وجل .

والله أعلم .

انظر : "سبل السلام" للصنعاني (3/63 ، 64)

"نيل الأوطار" للشوكاني (6/297 – 299) .

"شرح بلوغ المرام" للشيخ ابن عثيمين (4/36 – 39) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 16:01
شرح حديث لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان

السؤال

قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغِـيبة إلا ومعه رجل أو رجلان ) رواه مسلم . استدل الكثير من الناس به على جواز الاختلاط ما لم يكن فيه تبرج وسفور

ولما اطلعت على شرح النووي لم أجد ما يجيب تساؤلات المحلين للاختلاط ؛ جزاكم الله خيراً ، ونفعنا الله بعلمكم .

الجواب

الحمد لله

الكلام على هذا الحديث في مسائل :

أولا : نص الحديث

الحديث المقصود في السؤال هو ما يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ

فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ - فَرَآهُمْ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ)

ثانيا : تخريج الحديث

رواه مسلم (رقم/2173) وبوب عليه الإمام النووي رحمه الله بقوله : باب تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والدخول عليها . وبوب عليه البيهقي في " السنن الكبرى " (7/90): باب لا يخلو رجل بامرأة أجنبية .

وفي روايةٍ للنسائي في " السنن الكبرى " (5/104)، والطبرني في " المعجم الأوسط " (8/339)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (4/370): ( أنَّ أبا بكر الصديق تزوج أسماء بنت عميس بعدَ جعفر بنِ أبي طالب .. )

ثالثا : معاني الكلمات

المُغِيبَة : من غاب عنها زوجها ، يقال : أغابت المرأة إذا غاب زوجها . "فتح الباري" (9/331)

قال النووي رحمه الله :

" المراد : غاب زوجها عن منزلها ، سواء غاب عن البلد - بأن سافر -، أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد ، هكذا ذكره القاضي وغيره ، وهذا ظاهر متعين .

قال القاضي : ودليله هذا الحديث ، وأن القصة التي قيل الحديث بسببها وأبو بكر رضي الله عنه غائب عن منزله ، لا عن البلد ، والله أعلم " انتهى.

" شرح مسلم " (14/155)

رابعا : مناسبة الحديث

يقول العلامة المُحدّث عبد الله السعد حفظه الله :

" لعل السبب في دخولهم عليها – يعني دخول نفر من بني هاشم على أسماء بنت عميس - والعلم عند الله عز وجل : أنها كانت زوجاً لجعفر بن أبي طالب حتى استشهد ، فلعل هؤلاء النفر من بني هاشم أقارب لجعفر

أرادوا صلة أولاد جعفر ، من أجل قرابتهم لجعفر ، وعلاقة أسماء بنت عميس ببني هاشم وثيقة ، فقد كانت أخت ميمونة بنت الحارث - زوج النبي صلى الله عليه وسلم –

لأمها ، وأخت لبابة أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب لأمها أيضاً ، وقد جاء في خبر مرسل أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم زوّج أبا بكر رضي الله عنه أسماء بنت عميس يوم حنين ، وقد تزوجها علي رضي الله عنه بعد أبي بكر

وهذا كله يدل على علاقة أسماء بنت عميس ببني هاشم ، ومع هذه العلاقة الوثيقة أنكر أبو بكر رضي الله عنه دخولهم ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فخطب الناس " انتهى.

نقلا عن كتاب " إشكال في حديث أم حرام " للدكتور علي الصياح (ص/36)

خامسا : رد الشبهة عن الحديث

ونحن نقول الآن : أين في الحديث ما يدل على جواز جلوس المرأة مع الرجال مطلقا ؟!

غاية ما فيه تقييد الحكم الشرعي بقيود :

دخول جماعة من الرجال ، وليس رجلا واحدا .

وهؤلاء الرجال من أهل الخير والصلاح والفضيلة الظاهرة ، وليسوا من أهل الريبة ، البعيدين عن أحكام الدين ، ولا من عامة الناس الذين يستهويهم الشيطان في كل صغير وكبير .

والمرأة المدخول عليها من أهل الخير والفضل ، فهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها ، من السابقين الأولين إلى الإسلام ، ومن المهاجرين إلى الحبشة الهجرة الأولى.

وكان هذا الدخول لسبب وحاجة ، كما سبق ، وهي الاطمئنان على أبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، والسؤال عنهم ، وتفقد أحوالهم ، فرعاية الأيتام واجب على أهلهم وعشيرتهم .

ويلاحظ أيضا أنه جلوس قصير لا يتجاوز الدقائق المعدودة كافية لتحقيق الغرض الذي وقعت الزيارة لأجله .

كما يلاحظ أن الكلام الذي يدور في هذه الجلسة كلام شرعي موزون معلوم الغاية والمقصد.

وليس في الحديث ما يدل على جلوس أسماء بنت عميس رضي الله عنها مع هؤلاء الرجال ، فهم قدموا لغاية الجلوس مع أبناء جعفر وليس للجلوس مع أسماء رضي الله عنها

ثم لو فرضنا جلوس أسماء معهم فلا شك أنها كانت بالحجاب الكامل ، وبالقيود المذكورة سابقا .

فمن يستدل بهذا الحديث على جواز جلوس الرجال مع النساء مطلقا من غير قيد ولا شرط ، ويسول لكثير من الناس استمراء ما هم عليه من اقتحام حرمات الله بالاختلاط المحرم

فهذا إنما يبوء بآثامهم ويتحمل أوزارهم وهو جالس في بيت أهله .

يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله :

" كان هذا الدخول في غيبة أبي بكر رضي الله عنه ، لكنه كان في الحضر لا في السفر ، وكان على وجه ما يعرف من أهل الخير والصلاح ، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والرّيب

غير أنَّ أبا بكر رضي الله عنه أنكر ذلك بمقتضى الغَيْرة الجِبِلّيّة والدّينية.. ولمّا ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال - ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول لها – قال : ( لم أر إلاّ خيراً ) يعني

: على الفريقين ، فإنه علم أعيان الجميع ؛ لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم ، ثمّ خصّ أسماء بالشهادة لها فقال : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ ) أي : مما وقع في نفس أبي بكر ، فكان ذلك فضيلةً عظيمةً من أعظم فضائلها

ومنقبة من أشرف مناقبها ، ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جمع الناسَ ، وصعد المنبر ، فنهاهم عن ذلك

وعلمهم ما يجوز منه فقال : ( لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ )، سداً لذريعة الخلوة ، ودفعاً لما يؤدي إلى التهمة .

وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم ؛ لأنَّ التهمة كانت ترتفع بذلك القدر ؛ فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر ، بل بالجماعة الكثيرة ، لعموم المفاسد ، وخبث المقاصد " انتهى.

" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (5/502)

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 16:02
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (17/83-85) :

" يجب على المسلم إذا بحث عن حكم مسألة إسلامية أن ينظر فيما يتصل بهذه المسألة من نصوص الكتاب والسنة ، وما يتبع ذلك من الأدلة الشرعية

فهذا أقوم سبيلا ، وأهدى إلى إصابة الحق ، ولا يقتصر في بحثها على جانب من أدلتها دون آخر ، وإلا كان نظره ناقصا ، وكان شبيها بأهل الزيغ والهوى

الذين يتبعون ما تشابه من النصوص ابتغاء الفتنة ، ورغبة في تأويلها على مقتضى الهوى .

ففي مثل هذا الموضوع يجب أن ينظر إلى نصوص الكتاب والسنة في وجوب ستر المرأة عورتها ، وفي تحريم النظرة الخائنة ، وفي مقصد الشريعة من وجوب المحافظة على الأعراض والأنساب

وتحريم انتهاكها والاعتداء عليها ، وتحريم الوسائل المفضية إلى ذلك من خلوة امرأة بغير زوجها ومحارمها ، وكشف عورتها ، وسفرها بلا محرم

واختلاط مريب ، وإفضاء الرجل إلى الرجل ، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد ، وإلى أمثال ذلك مما قد ينتهي إلى ارتكاب جريمة الفاحشة .

وإذا نظر إلى مجموع ما ذكر لزمه أن يحمل ما جاء في حديث سهل - في إعداد امرأة أبي أسيد الطعام والشراب لضيوفه ، وتقديمه لهم - على أنها كانت مستترة ، وأن الفتنة مأمونة

ولم تحصل خلوة ولا اختلاط ، إنما كان منها مجرد إعداد وتهيئة شراب ، وتقديمه لضيوف زوجها دون جلوسها معهم ، إذ ليس في الحديث ما يدل على جلوسها معهم كما ذكر في السؤال .

وما تقدم يقال أيضا في حديث : ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا معه رجل أو اثنان ) : أنه محمول على ما إذا وجدت الدواعي إلى الدخول عليها

عند غيبة زوجها ومحارمها ، وأمنت الفتنة ، وبعُد التواطؤ منهم على الفاحشة ، لا على الإطلاق .

وليس هذا من التأويل بالرأي ، بل هو مبني على المقصد الشرعي المفهوم من مجموع النصوص الواردة في حفظ الفروج والأنساب ، وتحريم انتهاك الأعراض ، ومنع الوسائل المفضية إلى ذلك

ومنها الحديث المذكور ، حيث اشترط في جواز الدخول وجود ما يزيل الخلوة ؛ إبعادا للريبة ، وتحقيقا للأمن من الفتنة " انتهى باختصار.

عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 16:05
هل يكره نشر ملابس الغسيل بعد المغرب ؟

السؤال

دائما ما نسمع في بلادنا أن وقت المغرب لا يجب أن نبقي أية ملابس لنا خارج البيت (وأعني بها الملابس التي تعلق في الخارج لتجف)

وسمعت أن ذلك لأن وقت المغرب تقوم الشياطين بإثارة الفوضى. وأخبرت أيضا أنني يجب أن أقول بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن أغلق الستائر.

وسؤالي هو: هل هذه عادة إسلامية أن لا نترك الملابس معلقة بالخارج وقت المغرب ، أم إنها مجرد عرف وعادة شعب.

الجواب

الحمد لله

أولا :

السنة عند إقبال الليل منع الصبيان - وكذا سائر البهائم من الإبل والغنم وغيرها – من الخروج ؛ لأن هذه ساعة تنتشر فيها الشياطين في الأرض ، فيخشى على الصبيان منهم ، أن يمسوهم بأذى .

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ

فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ ) .

رواه البخاري (5623) - واللفظ له - ومسلم (2012) .

و" جنح الليل " : إقباله بعد غروب الشمس ، وهو أول الليل .

وروى الإمام أحمد (14482) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( احْبِسُوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَوْرَةُ الْعِشَاءِ ؛ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تَخْتَرِقُ فِيهَا الشَّيَاطِينُ ) .

و" فورة العشاء " أوّل ساعة من الليل .

وروى مسلم (2013) عَنْ جَابِرٍ أيضا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ) .

قال النووي رحمه الله :

" قَالَ أَهْل اللُّغَة : ( الْفَوَاشِي ) : كُلّ مُنْتَشِر مِنْ الْمَال كَالْإِبِلِ وَالْغَنَم وَسَائِر الْبَهَائِم وَغَيْرهَا , وَهِيَ جَمْع فَاشِيَة ; لِأَنَّهَا تَفْشُو , أَيْ : تَنْتَشِر فِي الْأَرْض " انتهى .

والمعنى في هذه الأحاديث : امنعوهم عن التردد والخروج من البيوت في ذلك الوقت ؛ فإن الليل محل تصرف الشياطين ، وحركتهم في أوّل انتشارهم أشدّ اضطرابا ،

فيُخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ .

راجع : "شرح النووي على مسلم" (13 / 185)

- "غريب الحديث" للخطابي (1/448) -

"التيسير بشرح الجامع الصغير" (1 / 83) .

ثانيا :

المنع من نشر الغسيل ليجف في ذلك الوقت ليس له وجه ولا مستند ، ولا علاقة لنشر الغسيل بأول الليل أو آخره ، ولا انتشار الشياطين أو عدمه

ولم يرد بذلك حديث صحيح أو ضعيف ، فيما نعلم ، وإنما وردت السنة في منع الصبيان وسائر البهائم – كما تقدم – .

ثالثا :

دل قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ... ) ، وقد مضى الحديث بتمامه ، على أن السنة إغلاق الأبواب ، وتغطية الآنية بالليل ، وذكر اسم الله على ذلك كله .

وما كان في معنى الأبواب كالستائر التي تستر بها الأبواب أو النوافذ ونحوها ، فلها حكم الأبواب ، من استحباب إرخائها ، وغلقها بالليل ، وذكر اسم الله عليها .

قال النووي رحمه الله :

" هَذَا الْحَدِيث فِيهِ جُمَل مِنْ أَنْوَاع الْخَيْر وَالْأَدَب الْجَامِعَة لِمَصَالِح الْآخِرَة وَالدُّنْيَا , فَأَمَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآدَاب الَّتِي هِيَ سَبَب لِلسَّلَامَةِ مِنْ إِيذَاء الشَّيْطَان

, وَجَعَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأَسْبَاب أَسْبَابًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ إِيذَائِهِ فَلَا يَقْدِر عَلَى كَشْف إِنَاء وَلَا حَلّ سِقَاء , وَلَا فَتْح بَاب , وَلَا إِيذَاء صَبِيّ وَغَيْره , إِذَا وَجَدْت هَذِهِ الْأَسْبَاب . وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : :

إِنَّ الْعَبْد إِذَا سَمَّى عِنْد دُخُول بَيْته قَالَ الشَّيْطَان : لَا مَبِيت " أَيْ : لَا سُلْطَان لَنَا عَلَى الْمَبِيت عِنْد هَؤُلَاءِ , وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الرَّجُل عِنْد جِمَاع أَهْله : "

اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَان وَجَنِّبْ الشَّيْطَان مَا رَزَقْتنَا " كَانَ سَبَب سَلَامَة الْمَوْلُود مِنْ ضَرَر الشَّيْطَان .

وَفِي هَذَا الْحَدِيث : الْحَثّ عَلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع , وَيَلْحَق بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا . قَالَ أَصْحَابنَا : يُسْتَحَبّ أَنْ يُذْكَر اِسْم اللَّه تَعَالَى عَلَى كُلّ أَمْر ذِي بَال " انتهى .

فالخلاصة : أن إغلاق الأبواب والنوافذ ، وما في معناها ، وذكر اسم الله عليها هذا الوقت هو أدب إسلامي صحيح .

وأما المنع من نشر الملابس فلا أصل له .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 16:09
حديث أكل القثاء بالرطب يسمن البدن؟

السؤال

ما صحة الحديث الذي يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (سمنتني أمي بالخيار والتمر)؟

الجواب

الحمد لله

الأثر المذكور عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رواه أبو داود (3903) من حديث محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت

: (أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ فَسَمِنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السَّمْنِ) .

قال الجوهري : القثاء : الخيار .

وفي سنده "محمد بن إسحاق " صاحب المغازي وهو مدلس ولم يذكر سماعه من هشام بن عروة ، فلا يحتج به .

قال النووي رحمه الله :

"والمدلس إذا قال في روايته : "عن" , لا يحتج به عند جميع المحدثين"

انتهى من "المجموع" (3/324) .

لكن قد تابعه " يونس بن بكير " كما عند ابن ماجة (3324) ، فرواه من حديث يونس بن بكير عن هشام... فذكره بنحوه .

قال الذهبي في " يونس بن بكير

" قال ابن معين : صدوق ، وقال أبو حاتم محله الصدق ، وقال أبو زرعة : أما في الحديث فلا أعلمه مما ينكر عليه .

وقال أبو داود : ليس بحجة عندي يأخذ كلام أبي إسحاق ، فيوصله بالحديث.

وقال ابن معين : ثقة إلا أنه مرجئ يتبع السلطان ، وقال النسائي ليس بالقوي .

وقال الجوزجاني : ينبغي أن يتثبت في أمره . ثم قال الذهبي رحمه الله : وقد أخرج مسلم ليونس في الشواهد لا الأصول ، وكذلك ذكره البخاري مستشهداً به ، وهو حسن الحديث"

انتهى . من "ميزان الاعتدال" (7/311) .

والحديث قد صححه الشيخ الألباني رحمه لله في "السلسلة الصحيحة" (1/121) .

قال القرطبي رحمه الله :

"يؤخذ من هذا الحديث جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه الأليق بها على قاعدة الطب

لأن في الرطب حرارة وفي القثاء برودة ، فإذا أكلا معاً اعتدلا ، وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية . ومن فوائد أكل هذا المركب المعتدل تعديل المزاج وتسمين البدن ، كما أخرجه ابن ماجه...."

انتهى من "تحفة الأحوذي" .

وروى مسلم في صحيحه (2043) عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قَالَ : (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ) .

قال النووي رحمه الله :

"في حديث الباب جواز أكل الشيئين من الفاكهة وغيرها معاً ، وجواز أكل طعامين معاً ، ويؤخذ منه جواز التوسع في المطاعم ، ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك

وما نقل عن السلف من خلاف هذا محمول على الكراهة منعاً لاعتياد التوسع والترفة والإكثار لغير مصلحة دينية" انتهى .

وفي عون المعبود : قَالَ الدَّمِيرِي

: "كَذَا مِنْ بَاب الِاسْتِصْلَاح وَتَنْمِيَة الْجَسَد , وَأَمَّا مَا نُهِيَ عَنْهُ فَذَاكَ هُوَ الَّذِي يَكُون بِالْإِكْثَارِ مِنْ الْأَطْعِمَة" انتهى .

وبوب البيهقي رحمه الله في "سننه الكبير" (7/253) باب : (المرأة تصلح أمرها للدخول بها) .

والحاصل : أن الحديث صحيح ، وأن جمع القثاء والرطب له تأثير على البدن ؛ بإذن الله تعالى .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 16:12
هل تحف الملائكة من يستمع لدرس علمي في فضائية أو يشارك في منتدى إسلامي؟

السؤال

قال صلى الله عليه وسلم فيما معناه : (ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله في مجلس إلا حفتهم الملائكة) .

الآن نحن في عصر التكنولوجيا والمنتديات ، هل القسم الإسلامي ، أو المنتدى الإسلامي ، يندرج تحت اسم " المجلس " الذي ورد في الحديث ؟

وعليه : هل تحف الملائكة مَن وُجد بالقسم أو كتب فيه وشارك ؟

الجواب

الحمد لله

الحديث المشار إليه في السؤال رواه مسلم ( 2699 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

: (... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) .

وظاهر هذا الحديث يحصر الفضل الوارد فيه في مجالس العلم المعقودة في المساجد دون غيرها من الأماكن ، والمساجد هي أشرف أماكن في الأرض ، وأحبها إلى الله ، فلا يمكن أن يلحق بها غيرها في الفضيلة .

ولا يشترط أن يكون هذا الاجتماع في مسجد واحد ، بل إذا تم سماع قول العالم أو الواعظ عن طريق القنوات ، وكان المستمعون في المسجد فيرجى أن يشملهم هذا الحديث.

وقد كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تنقل بعض دروسه من المسجد إلى مدينة أخرى عبر الهاتف

فسُئل مرة : يا فضيلة الشيخ، نحن نستمع كلامك الآن ونحن في بريدة فهل يحصل لنا الأجر، وندخل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله .. الحديث)؟

فأجاب :

"نعم، نرجو هذا؛ لأن اجتماعكم على سماع الميكرفون كاجتماع الناس على مكبر الصوت، أنتم الآن تستمعون الهاتف كما يستمع الناس بالميكرفون، فأنتم إن شاء الله نرجو لكم الأجر والثواب" انتهى .

"لقاءات الباب المفتوح" (73/44).

وقد ورد حديث آخر يجعل ذلك الفضل لكل جماعة جلسوا مجلساً يذكرون الله تعالى فيه ، ولم يقيد ذلك بكونه في "بيت من بيوت الله" .

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَنَّهُ قَالَ : (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم ( 2700 ) .

فذهب بعض العلماء إلى العمل بالإطلاق ، قال النووي رحمه الله :

"ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة : الاجتماع في مدرسة ، ورباط ، ونحوهما - إن شاء الله تعالى -

ويدل عليه الحديث الذي بعده ، فإنه مطلق يتناول جميع المواضع ، ويكون التقييد في الحديث الأول خرج على الغالب ، لا سيما في ذلك الزمان ، فلا يكون له مفهوم يُعمل به" انتهى .

"شرح مسلم" (17/22) .

وذهب آخرون إلى أنه لا يحصل هذا الثواب إلا لمن كان في بيت من بيوت الله .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم

إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة

وذكرهم الله فيمن عنده) هل لو اجتمع قومٌ في غير بيت من بيوت الله ويتدارسون في كتب الفقه والعقيدة والتفسير والحديث وغير ذلك فهل ينالون مثل هذا الفضل من الله سبحانه وتعالى ، أم أنهم أقل درجة من أولئك؟

فأجاب :

"إذا دل الكتاب والسنة على ثوابٍ معين بصفةٍ معينة فإننا لا نتعداه ، الرسول عليه الصلاة والسلام قال : (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) وبيوت الله هي المساجد

فإذا اجتمع قومٌ في غير المساجد فإنه لا يكتب لهم هذا الأجر ، لكنهم في اجتماعهم على خير ولا شك ، أما الأجر الخاص الذي رتب على هذا العمل الخاص فإنه لا يحصل إلا بالأوصاف التي اعتبرها الشارع" انتهى .

"لقاءات الباب المفتوح" .

فلا نجزم بحصول هذا الثواب لكل من اجتمع على ذكر الله تعالى وتعليم العلم وتعلمه إذا كان في غير المسجد ، وإن كان هؤلاء مثابين على ما فعلوا من أعمال صالحة .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-16, 16:18
من ترك صلاة العصر ، فهل يحبط عمله كله ؟

السؤال

سمعت أنني إذا تركت صلاة العصر ، فقد حبط عملي كله ، ثم سمعت أنه يحبط عمل هذا اليوم فقط ، فأيهما الصواب ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

جاء الوعيد الشديد فيمن ترك صلاة العصر متعمداً حتى خرج وقتها ، فقد روى البخاري (553) عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه ) ، وروى الإمام أحمد في مسنده (26946) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا ، حَتَّى تَفُوتَهُ ، فَقَدْ أُحْبِطَ عَمَلُهُ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب" .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها ، فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها ، وهى التي فرضت على من كان قبلنا ، فضيعوها "

انتهى من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (22/54) .

ثانياً :

اختلف العلماء رحمهم الله في الوعيد الوارد فيمن ترك صلاة العصر ، هل هو على ظاهره ، أو لا ؟ على قولين :

القول الأول : أنه على ظاهره ، فيكفر من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى خرج وقتها ، وهو اختيار إسحاق بن راهويه ، واختاره من المتأخرين الشيخ ابن باز رحمهما الله .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " صلاة العصر أمرها عظيم ، وهي الصلاة الوسطى ، وهي أفضل الصلوات الخمس ، قال الله جل وعلا : (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى )

فخصها بالذكر زيادة ، فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة أن يعتني بها أكثر ، وأن يحافظ عليها ، ويجب عليه أن يحافظ على جميع الصلوات الخمس بطهارتها والطمأنينة فيها وغير ذلك

وأن يعتني بها في الجماعة الرجل ، وخصها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم : (من ترك صلاة العصر حبط عمله) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (من فاتته صلاة العصر

فكأنما وُتر أهله وماله ) ، يعني : سلب أهله وماله ، وهذا يدل على عظمة شأنها ، والصواب أن من ترك بقية الصلوات يحبط عمله أيضاً

لأنه قد كفر ، على الصحيح ، لكن تخصيص النبي بذكر صلاة العصر يدل على مزية عظيمة ، وإلا فالحكم واحد ، من ترك الظهر أو المغرب أو العشاء أو الفجر تعمُّداً بطل عمله

لأنه يكفر بذلك ، لا بد أن يحافظ على الصلوات الخمس كلها ، فمن ترك واحدة ، فكأنما ترك الجميع ، فلا بد من المحافظة على الصلوات الخمس جميعاً في أوقاتها من الرجل والمرأة

ولكن صلاة العصر لها مزية عظمى في شدة العقوبة وشدة الإثم ، وفي عظم الأجر لمن حافظ عليها واستقام عليها مع بقية الصلوات "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : -

عند شرحه لحديث (من ترك صلاة العصر فقد حَبِط عملُه ) -

: " من فضائل صلاة العصر خاصة أن من تركها فقد حبط عمله لأنها عظيمة ، وقد استدل بهذا بعض العلماء على أن من ترك صلاة العصر كفر ؛ لأنه لا يحبط الأعمال إلا الردة ، كما قال تعالى :

(ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) ، وقال تعالى : (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )

فيقول بعض العلماء : صلاة العصر خاصة ، من تركها فقد كفر ، وكذلك من ترك بقية الصلوات عموما فقد كفر ، وهذا القول ليس ببعيد من الصواب "

انتهى من "شرح رياض الصالحين" .

القول الثاني : أن الوعيد الوارد في صلاة العصر ليس على ظاهره ، واختلف أصحاب هذا القول في توجيه الحديث على أقوال ؛ منها : أن الحديث محمول على من تركها استحلالاً .

ومنهم من رأى أن الحبوط خاص بالصلاة نفسها ، فمن ترك صلاة العصر حتى خرج وقتها ، فإنه لا يحصل على أجر من صلاها في وقتها ، فيكون المراد بالعمل الذي حبط في الحديث الصلاة .

قال ابن بطال رحمه الله : " باب من ترك العصر ، وفيه : بُرَيْدَةَ : أنه قَالَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ : ( بَكِّرُوا بِصَلاةِ الْعَصْرِ ، فَإِنَّ نَّبِيَّ الله قَالَ : مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) .

قال المهلب : معناه من تركها مضيعًا لها ، متهاونًا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها ، فحبط عمله فى الصلاة خاصة ، أى لا يحصل على أجر المصلى فى وقتها ، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة "

انتهى من "شرح صحيح البخاري لابن بطال" (2/176) .

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أقوالاً كثيرة في تأويل معنى الحديث - عند شرحه للحديث - ، فقال رحمه الله : " وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْضًا الْحَنَابِلَةُ

وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَكْفُرُ ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ , فَافْتَرَقُوا فِي تَأْوِيلِهِ فِرَقًا .

فَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ سَبَبَ التَّرْكِ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْحَبَطَ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْعَمَلَ فَقِيلَ : الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا , وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا مُتَكَاسِلًا ، لَكِنْ خَرَجَ الْوَعِيدُ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ

كَقَوْلِهِ "لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ " ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَبَطِ نُقْصَانُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللَّهِ , فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ الصَّلَاةُ خَاصَّةً

, أَيْ لَا يَحْصُلُ عَلَى أَجْرِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَا يَرْتَفِعُ لَهُ عَمَلُهَا حِينَئِذٍ , وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ فِي الْحَدِيثِ عَمَلُ الدُّنْيَا الَّذِي يُسَبِّبُ الِاشْتِغَالَ بِهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ , بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَتَمَتَّعُ

, وَأَقْرَبُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "

انتهى من "شرح البخاري" (2/31) .

والذي يترجح والله أعلم أن تارك صلاة العصر ، لا يخلو :

1. إما أن يترك الصلاة بالكلية ، بحيث لا يصلي مطلقاً ، فهذا كافر ، وعمله حابط ؛ لكفره .

2. إما أن يترك الصلاة أحياناً ، بحيث يصلي أحياناً ، ويترك أحياناً أخرى ، فهذا لا يكفر ، وإن كان يحبط عمل اليوم الذي ترك فيه صلاة العصر .

قال ابن القيم رحمه الله : " وقد تكلم قوم في معنى هذا الحديث ( أي : من ترك صلاة العصر ... الحديث ) ، فأتوا بما لا حاصل له .

قال المهلب معناه : من تركها مضيعا لها متهاونا بفضل وقتها ، مع قدرته على أدائها حبط عمله في الصلاة خاصة ، أي : لا يحصل له أجر المصلي في وقتها

, ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة ، وحاصل هذا القول : إن من تركها فاته أجرها ، ولفظ الحديث ومعناه يأبى ذلك ، ولا يفيد [ يعني: على هذا التأويل ] حبوط عمل قد ثبت وفعل , وهذا حقيقة الحبوط في اللغة والشرع

فلا يقال لمن فاته ثواب عمل من الأعمال إنه قد حبط عمله ، وإنما يقال فاته أجر ذلك العمل .

وقالت طائفة : يحبط عمل ذلك اليوم لا جميع عمله ، فكأنهم استصعبوا حبوط الأعمال الماضية كلها بترك صلاة واحدة ، وتركها عندهم ليس بردة تحبط الأعمال

فهذا الذي استشكله هؤلاء هو وارد عليهم بعينه في حبوط عمل ذلك اليوم .

والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله : أن الترك نوعان : ترك كلي لا يصليها أبداً ، فهذا يحبط العمل جميعه ، وترك معين في يوم معين

فهذا يحبط عمل ذلك اليوم ؛ فالحبوط العام في مقابلة الترك العام , والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين "

انتهى من " الصلاة وأحكام تاركها" (ص/65) .

والله أعلم

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:03
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل هناك حديث في وعيد من يخشى الناس لقاءه لبذاءة لسانه؟

السؤال

هل هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن عقوبة من يتحاشى الناس مقابلته خوفاً من سلاطة لسانه وبذاءة كلامه ؟

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (6131) ومسلم (2591) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (ائْذَنُوا لَهُ ، فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ) [الْمُرَاد بِالْعَشِيرَةِ قَبِيلَته , أَيْ بِئْسَ هَذَا الرَّجُل مِنْهَا] .

فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ .

قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ .

قَالَ : (يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) .

(اتقاء فحشه) أي لأجل قبيح قوله وفعله .

وفي لفظ للبخاري (6032) : (يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) .

قال ابن حجر: "قَوْله : (اِتِّقَاء شَرّه) أَيْ قُبْح كَلَامه".

وعند أبي داود بإسناد صحيح (4792) بلفظ : (يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ أَلْسِنَتِهِمْ) .

قَالَ الْقَاضِي عياض : "هَذَا الرَّجُل هُوَ عُيَيْنَة بْن حِصْن , وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ , وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَام , فَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّن حَاله لِيَعْرِفهُ النَّاس , وَلَا يَغْتَرّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِف حَاله

... وَكَانَ مِنْهُ فِي حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْده مَا دَلَّ عَلَى ضَعْف إِيمَانه , وَارْتَدَّ مَعَ الْمُرْتَدِّينَ , وَجِيءَ بِهِ أَسِيرًا إِلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .

وَوَصْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَة مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَمَا وَصَفَ , وَإِنَّمَا أَلَانَ لَهُ الْقَوْل تَأَلُّفًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِسْلَام" انتهى ، نقله عنه النووي في "شرح صحيح مسلم" .

وقال النووي : "وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُدَارَاة مَنْ يُتَّقَى فُحْشه ... وَلَمْ يَمْدَحهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا ذَكَرَ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي وَجْهه وَلَا فِي قَفَاهُ , إِنَّمَا تَأَلَّفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ لِين الْكَلَام"

انتهى ، "شرح صحيح مسلم" (16/144) .

وفي هذا الحديث بيان خطورة فحش الكلام ، وأن من أكثر منه حتى تحاشاه الناس خوفاً من شر لسانه فهو بشر المنازل عند الله .

"فشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه ، لا تراه إلا متلبساً بجريمة ، ولا تسمعه إلا ناطقاً بالأقوال الأثيمة .

فعينه غمازة ، ولسانه لماز ، ونفسه همازة ، مجالسته شر ، وصحبته ضر ، وفعله العدوان ، وحديثه البذاءة ، لا يذكر عظيماً إلا شتمه ، ولا يرى كريماً إلا سبه وتعرض له بالسوء

ونال منه ، وسفه عليه" انتهى من كتاب "إصلاح المجتمع" للبيحاني صـ 199 .

وإن الله جل جلاله ليبغض من هذه صفته ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) رواه الترمذي (202) وصححه الألباني .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:07
شرح حديث آية المنافق ثلاث

السؤال

ما هو شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان )، وحديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين أيضا فيه زيادة :

( وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر )، ما معنى : ( إذا خاصم فجر ) ؟ نرجو التوضيح ، وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

يمكن أن نتكلم على هذين الحديثين بالمسائل المختصرة الآتية :

أولا :

نص الحديثين

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري (33) ومسلم (59)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )

رواه البخاري (34) ومسلم (58)

ثانيا :

معنى كون هذه الصفات من علامات النفاق

الكذب ، وإخلاف الوعد ، والخيانة ، والغدر ، والفجور عند المخاصمة : من أبرز صفات المنافقين من أهل المدينة الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

والقرآن مليء بالآيات التي تصف حالهم هذا ، وهم إنما عرفوا بها ، والله عز وجل يقول : ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) محمد/30.

فإذا اتصف أحد المسلمين - الذين يشهدون بكلمة التوحيد - بشيء من هذه الصفات : فقد اتصف بصفات المنافقين التي ذمها الله عز وجل ، وعمل أعمالهم ، وحصل له من النفاق بقدر ما عمل .

ولكن ذلك لا يستلزم أن يكون هذا المسلم المتصف بالخيانة أو الكذب مثلا قد خرج عن الإيمان بالكلية ؛ لأن الإيمان يرفعه درجاتٍ عن النفاق ، ولكنه يحاسب على هذه الأخلاق الذميمة ،

ولذلك يسمِّي العلماء هذه الآفات المهلكات بـ : " النفاق العملي "، يقصدون أن المتصف بها آثم مستحق للعقوبة ، ولكنه ليس في درجة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر .

ولذلك ذهب العلماء في تأويل هذا الحديث إلى خمسة أقوال :

1- المقصود بالحديث هو تشبيه المسلم المتصف بهذه الأخلاق الذميمة بالمنافق ، فالحديث على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة ، وهذا جواب النووي .

2- المقصود بالنفاق هنا النفاق العملي ، وليس النفاق الاعتقادي ، وهذا جواب القرطبي ، ورجحه الحافظ ابن رجب ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، وهذا أرجح الأقوال .

3- وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال ، وهذا ارتضاه الخطابي .

4- المراد : من اعتاد هذه الصفات حتى أصبحت له سجية وخلقا دائما ، حتى تهاون بها، واستخف أمرها ، فهذا كأنه مستحل لها ، ومثله يغلب عليه فساد الاعتقاد .

5- المقصود بالحديث ليس المسلمين ، وإنما المنافقون الحقيقيون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ضعَّف هذا الوجه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/430)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قال النووي : هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره . قال : وليس فيه إشكال ، بل معناه صحيح

والذي قاله المحققون إن معناه : أنَّ هذه خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم .

قلت – أي الحافظ ابن حجر - : ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز ، أي : صاحب هذه الخصال كالمنافق ، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر .

وقد قيل في الجواب عنه : إن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه . وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة : هل تعلم فيَّ شيئا من النفاق ؟ فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر ، وإنما أراد نفاق العمل .

ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله : ( كان منافقا خالصا ) .

وقيل : المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال ، وإن الظاهر غير مراد ، وهذا ارتضاه الخطابي .

وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا . قال : ويدل عليه التعبير بإذا ، فإنها تدل على تكرر الفعل . كذا قال .

والأولى ما قال الكرماني : إن حذف المفعول من " حدث " يدل على العموم ، أي: إذا حدث في كل شيء كذب فيه . أو يصير قاصرا ، أي إذا وجد ماهية التحديث كذب .

وقيل : هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال ، وتهاون بها ، واستخف بأمرها ، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبا .

وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس .

ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال : إنه ورد في حق شخص معين ، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه .

وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي . والله أعلم " انتهى.

" فتح الباري " (1/90-91) .

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" الذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في الشرع ينقسم إلى قسمين : أحدهما النفاق الأكبر ، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه

وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم ، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار .

والثاني : النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل : وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ، ويبطن ما يخالف ذلك .

وحاصل الأمر : أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن ، والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر ، كما أن المعاصي بريد الكفر

وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يُسلب الإيمان عند الموت ، كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا .

وسئل الإمام أحمد : ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ قال : ومن يأمن على نفسه النفاق " انتهى باختصار.

" جامع العلوم والحكم " (1/429-432)

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:08
ثالثا : أخلاق المنافقين المذمومة هذه ليست على سبيل الحصر ، وإنما على سبيل المثال .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاثة أنها منبهة على ما عداها ، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث : القول ، والفعل ، والنية . فنبَّه على فساد القول بالكذب ، وعلى فساد الفعل بالخيانة ، وعلى فساد النية بالخلف " انتهى.

" فتح الباري " (1/90)

رابعا : معنى الفجور عند المخاصمة

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" ( إذا خاصم فجر ) يعني بالفجور : أن يَخرج عن الحق عمدا حتى يصيِّرَ الحق باطلا والباطل حقا ، وهذا مما يدعو إليه الكذب

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور

وإن الفجور يهدي إلى النار ) ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) ، فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا –

على أن ينتصر للباطل ، ويخيل للسامع أنه حق ، ويوهن الحق ، ويخرجه في صورة الباطل

كان ذلك من أقبح المحرمات ، وأخبث خصال النفاق ، وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع ) وفي رواية له أيضا

: ( ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله )" انتهى باختصار.

" جامع العلوم والحكم " (1/432)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ( إذا خاصم فجر ) الخصومة : هي المخاصمة عند القاضي ونحوه ، فإذا خاصم فجر .

والفجور في الخصومة على نوعين :

أحدهما : أن يدعي ما ليس له .

والثاني : أن ينكر ما يجب عليه .

مثال الأول : ادعى شخص على آخر فقال عند القاضي : أنا أطلب من هذا الرجل ألف ريال ، وهو كاذب ، وحلف على هذه الدعوى ، وأتى بشاهد زور ، فحَكَم له القاضي ، فهذا خاصم ففجر ؛ لأنه ادعى ما ليس له ، وحلف عليه .

مثال الثاني : أن يكون عند شخص ألف ريال فيأتيه صاحب الحق فيقول :

أوفني حقي ، فيقول : ليس لك عندي شيء ، فإذا اختصما عند القاضي ولم يكن للمدعى بينة حلف هذا المنكر الكاذب في إنكاره أنه ليس في ذمته له شيء ، فيحكم القاضي ببراءته ، فهذه خصومة فجور ، والعياذ بالله .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من حلف على يمين صبر ليقتطع بها حق امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ) نعوذ بالله .

وهذه الخصال الأربع إذا اجتمعت في المرء كان منافقا خالصا ؛ لأنه استوفى خصال النفاق والعياذ بالله ، وإذا كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " انتهى باختصار.

" شرح رياض الصالحين " (4/49-50) .

خامسا : في هذا الحديث دليل على أن المسلم قد تجتمع فيه خصال الخير والشر

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" فيه أيضا دليل على أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال إيمان وخصال نفاق ، لقوله : ( كان فيه خصلة من النفاق )

هذا مذهب أهل السنة والجماعة : أن الإنسان يكون فيه خصلة نفاق وخصلة فسوق ، وخصلة عدالة ، وخصلة عداوة ، وخصلة ولاية ، يعني أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون كافرا خالصا

أو مؤمنا خالصا ، بل قد يكون فيه خصال من الكفر ، وهو مؤمن ، وخصال من الإيمان " انتهى.

" شرح رياض الصالحين " (4/50) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:11
معنى حديث ( يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا )

السؤال

هل - إنما الأعمال بالنيات- حديث . فإن كان كذلك كيف نطبقه على هذا الحديث التالي :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :ِ (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) .

الجواب

الحمد لله

أولا :

حديث : (إنما الأعمال بالنيات) حديث شريف عظيم ، رواه البخاري (5070) ومسلم (1907)

عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) .

والحديث يدل على أن الأعمال لا تصح إلا مع وجود النية ، وأن النية تؤثر في العمل ، فتحوّل المباح إلى قربة وطاعة ، وتحول الطاعة إلى معصية ، كمن يفعلها رياء وسمعة أو لأجل الدنيا

لكنها لا تحول المعصية إلى مباح كما يظن ذلك بعض الناس .

قال الغزالي رحمه الله في "الإحياء" (4/368) في انقسام الأعمال إلى : معاص ، وطاعات ، ومباحات ، وتأثير النية في ذلك : " القسم الأول : المعاصي ، وهي لا تتغير عن موضعها بالنية

فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله عليه السلام : (إنما الأعمال بالنيات) فيظن أن المعصية تنقلب طاعة بالنية ، كالذي يغتاب إنسانا مراعاة لقلب غيره ، أو يطعم فقيرا من مال غيره

أو يبني مدرسة أو مسجدا أو رباطا بمال حرام ، وقصده الخير ، فهذا كله جهل ، والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا ومعصية

بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع ، شر آخر ، فإن عرفه فهو معاند للشرع ، وإن جهله فهو عاص بجهله ؛ إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم " .

إلى أن قال : " فإذن قوله عليه السلام : (إنما الأعمال بالنيات) يختص من الأقسام الثلاثة بالطاعات والمباحات دون المعاصي ؛ إذ الطاعة تنقلب معصية بالقصد

والمباح ينقلب معصية وطاعة بالقصد ، فأما المعصية فلا تنقلب طاعة بالقصد أصلا ، نعم ، للنية دخل فيها ، وهو أنه إذا انضاف إليها قصود خبيثة تضاعف وزرها وعظم وبالها ، كما ذكرنا ذلك في كتاب التوبة " انتهى.

ثانيا :

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ

وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6487) .

لا تعارض بينه وبين حديث : (إنما الأعمال بالنيات) ؛ إذ قوله : (لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا) لا يعني أنه لم يقصد الكلمة ولم ينوها ، وإنما المراد أنه لم يتثبت فيها ، ولم يظن أنها تبلغ ما بلغت

كما جاء في الرواية الأخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) رواه البخاري (6477) ومسلم (2988) .

وروى أحمد (15425) والترمذي (2319) وابن ماجه (3969)

عن بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ

وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (11/ 311) :

"قوله : (لا يلقي لها بالا) أي : لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئا ، وهو من نحو قوله تعالى : (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني

الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ : (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة) وقال في السخط مثل ذلك " انتهى .

وقد فسر كثير من أهل العلم هذا الحديث بأن المراد به الكلمة عند السلطان .

قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (13/ 51) :

"لا أعلم خلافا في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث :

(إن الرجل ليتكلم بالكلمة) أنها الكلمة عند السلطان الجائر الظالم ليرضيه بها فيما يسخط الله عز وجل ويزين له باطلا يريده من إراقة دم أو ظلم مسلم ونحو ذلك مما ينحط به في حبل هواه فيبعد من الله وينال سخطه

وكذلك الكلمة التي يرضي بها الله عز وجل عند السلطان ليصرفه عن هواه ويكفه عن معصية يريدها يبلغ بها أيضا من الله رضوانا لا يحسبه والله أعلم . وهكذا فسره ابن عيينة وغيره" انتهى .

وقال ابن بطال رحمه الله في "شرح صحيح البخاري" (10/ 186) :

"وقال أهل العلم : هي الكلمة عند السلطان بالبغي والسعي على المسلم

فربما كانت سببًا لهلاكه ، وإن لم يرد ذلك الباغي ، لكنها آلت إلى هلاكه ، فكتب عليه إثم ذلك . والكلمة التي يكتب الله له بها رضوانه الكلمة يريد بها وجه الله بين أهل الباطل

أو الكلمة يدفع بها مظلمة عن أخيه المسلم ، ويفرج عنه بها كربةً من كرب الدنيا ، فإن الله تعالى يفرج عنه كربةً من كرب الآخرة ، ويرفعه بها درجات يوم القيامة" انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:14
( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )

السؤال

سؤال ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنّه قال : ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ) "المعجم الأوسط للطبراني/ج2ص12/0 فما المقصود بهذه العبارة ؟

هل يا تُرى إذا جلس زائر المسجد النبوي بين القبر الشريف والمصلّى أو المنبر فقط سيدخل في روضة من رياض الجنة ! فلم حصرت هذه الروضة بين المنبر والضريح الشريف في هذه المسافة فقط ، أي لمَ لم تكن هذه الروضة في كل المسجد النبوي الشريف ؟!

فالمسجد كلّه إنما صار شريفاً ومقدّساً بل كل تلك البقاع صارت مباركة بوروده صلى الله عليه وسلم عليها ، وسُكناه وحياته الشريفة فيها وبجوارها . وجزاكم الله كل خير .

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذا الحديث من الأحاديث المتواترة التي جاءت من طرق كثيرة ، منها ما يرويه الشيخان عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ

: ( مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (1196) ومسلم (1391)

وأما لفظ ( ما بين قبري ومنبري ) ، فهذا جاء في رواية ابن عساكر لصحيح البخاري ، وما زال بعض العلماء - كالإمام النووي - يعزو هذا اللفظ لصحيح البخاري

بل إن البخاري نفسه لما أخرج الحديث في كتاب "فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة" بلفظ : ( بيتي ومنبري ) بَوَّب عليه بقوله : باب فضل ما بين القبر والمنبر . وكذلك جاء هذا اللفظ في روايات أخرى في بعض الحديث .

غير أن العلماء حكموا على لفظ ( قبري ) بالضعف ، وذلك لسببين اثنين :

الأول : أنه مخالف لرواية الأكثرين من الرواة ، فيغلب على الظن أن من قال ( قبري ) إنما رواه بالمعنى وليس باللفظ .

الثاني : أنه لو كان هذا اللفظ صحيحا لعرف به الصحابة مكان دفن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتنازعوا فيه ، أو على الأقل احتج به بعضهم في ذلك الموقف

ولكن ذلك لم يبلغنا وقوعه ، فدل على أن لفظ ( قبري ) خطأ من بعض رواة الحديث .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) " هذا هو الثابت في الصحيح ، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال : قبري .

وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعد صلوات اللّه وسلامه عليه ، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة لما تنازعوا فى موضع دفنه ، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً فى محل النزاع " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (1/236)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وترجم بذكر القبر، وأورد الحديثين بلفظ البيت ؛ لأن القبر صار في البيت ، وقد ورد في بعض طرقه بلفظ : ( القبر ) ، قال القرطبي : الرواية الصحيحة ( بيتي ) ، ويروى ( قبري )

وكأنه بالمعنى ؛ لأنه دفن في بيت سكناه " انتهى.

"فتح الباري" (3/70)

ويقول أيضا رحمه الله :

" قوله : ( ما بين بيتي ومنبري ) : كذا للأكثر ، ووقع في رواية ابن عساكر وحده : (قبري) بدل ( بيتي )

وهو خطأ ، فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد بلفظ : ( بيتي ) ، وكذلك هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه .

نعم وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات ، وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر ، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله : ( بيتي ) أحد بيوته ، لا كلها

وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره ، وقد ورد الحديث بلفظ : ( ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة ) أخرجه الطبراني في الأوسط " انتهى.

"فتح الباري" (4/100)

ثانيا :

أما معنى هذا الحديث ، فقد ذكر العلماء فيه أوجها ثلاثة :

الوجه الأول : أن هذا المكان يشبه روضات الجنات في حصول السعادة والطمأنينة لمن يجلس فيه .

الوجه الثاني : أن العبادة في هذا المكان سبب لدخول الجنة . اختاره ابن حزم في "المحلى" (7/284) ، ونقل ابن تيمية عن الإمام أحمد أنه يختار الصلاة في الروضة .

الوجه الثالث : أن البقعة التي بين المنبر وبيت النبي صلى الله عليه وسلم ستكون بذاتها في الآخرة روضة من رياض الجنة .

يقول القاضي عياض رحمه الله :

" قوله ( روضة من رياض الجنة ) يحتمل معنيين :

أحدهما : أنه موجب لذلك ، وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب ، كما قيل : الجنة تحت ظلال السيوف .

والثاني : أن تلك البقعة قد ينقلها الله فتكون في الجنة بعينها . قاله الداوودي " انتهى.

"الشفا" (2/92)

يقول ابن عبد البر رحمه الله :

" قال قوم : معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة .

وقال آخرون : هذا على المجاز . كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك ، شبه ذلك الموضع بالروضة ، لكرم ما يجتني فيها

وأضافها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الجنة تحت ظلال السيوف ) : يعني أنه عمل يوصل به إلى الجنة

وكما يقال : الأم باب من أبواب الجنة . يريدون أن برها يوصل المسلم إلى الجنة مع أداء فرائضه . وهذا جائز سائغ مستعمل في لسان العرب . والله أعلم بما أراد من ذلك " انتهى.

"التمهيد" (2/287)

ويقول الإمام النووي رحمه الله :

" ذكروا في معناه قولين :

أحدهما : أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة .

والثاني : أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة .

قال الطبري : في المراد بـ " بيتي " هنا قولان : أحدهما : القبر ، قاله زيد بن أسلم كما روي مفسرا : ( بين قبري ومنبري ) . والثاني : المراد : بيت سكناه على ظاهر.

وروي : ( ما بين حجرتي ومنبرى )

قال الطبري : والقولان متفقان ، لأن قبره في حجرته وهي بيته ." انتهى.

"شرح مسلم" (9/161-162)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( روضة من رياض الجنة )

أي : كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة ، وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر ، لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم ، فيكون تشبيها بغير أداة .

أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة ، فيكون مجازا .

أو هو على ظاهره ، وأن المراد أنه روضة حقيقة ، بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة .

هذا محصل ما أوَّلَه العلماء في هذا الحديث . وهي على ترتيبها هذا في القوة " انتهى.

"فتح الباري" (4/100)

والخلاصة : أن لهذا المكان فضيلة ظاهرة ، تقتضي من المسلم الحرص على الجلوس فيها والصلاة فيها ، غير أن الأهم هو تقوى الله تعالى ، فذلك سبب دخول الجنة ، وليس الجلوس المجرد في الروضة أو في أي مكان آخر .

ولما كان الأمر تعبديا محضا لم نستطع تفسير سبب تخصيص هذا المكان دون سائر الأماكن، والله سبحانه وتعالى يختص ما يشاء من الزمان والمكان والأشخاص بالفضائل ، وله في ذلك الحكمة البالغة التي قد لا نطلع عليها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:22
حديث يتعاقب فيكم اثنا عشر إماما كلهم من قريش

السؤال

سؤال: أريد شرحا لهذا الحديث ؛ لأن الشيعة دائما يستدلون به : في "صحيح مسلم"

يروى أن محمدا صلى الله عليه وسلم قال : ( سيستمر الإسلام حتى قيام الساعة ، وسيتعاقب عليكم اثنا عشر إماما ، كلهم من قريش )

الجواب

الحمد لله

أولا : نص الحديث :

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :

( إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً . قَالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ . قَالَ : فَقُلْتُ لِأَبِي : مَا قَالَ ؟ قَالَ : كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ )

رواه البخاري (رقم/7222) ومسلم واللفظ له (رقم/1821).

وفي لفظ عنده أيضا :

( لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً )، وفي لفظ آخر: ( لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ) ، وأما لفظ البخاري فجاء فيه :

( يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا - فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِى إِنَّهُ قَالَ - كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ )

ثانيا :

للعلماء في تفسير وتوجيه هذا الحديث مسالك عدة :

المسلك الأول : قالوا : المراد العادلين من الخلفاء ، وقد مضى بعضهم في الأمة ، وسيكتمل عددهم إلى قيام الساعة .

يقول النووي رحمه الله ناقلا عن القاضي عياض :

" ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين ، وقد مضى منهم من عُلم ، ولا بد مِن تمام هذا العدد قبل قيام الساعة " انتهى.

"شرح مسلم" (12/202).

واختار هذا القول الإمام القرطبي رحمه الله ، فقال :

" هم خلفاء العَدْلِ ؛ كالخلفاء الأربعة ، وعمر بن عبد العزيز ، ولا بُدَّ من ظهور من يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتهم في إظهار الحق والعدل ، حتى يَكْمُل ذلك العدد ، وهو أولى الأقوال عندي " انتهى.

"المفهم" (4/8)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا ، يقيم الحق ويعدل فيهم ، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم ، بل قد وجد منهم أربعة على نَسَق ، وهم الخلفاء الأربعة : أبو بكر

وعمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم ، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة ، وبعض بني العباس .

ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة ، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره " انتهى.

"تفسير القرآن العظيم" (3/65)

المسلك الثاني : تفسيره باجتماع هؤلاء الاثني عشر خليفة في زمن وعصر واحد .

يقول النووي رحمه الله – ناقلا عن القاضي عياض - :

" قيل : إن معناه أنهم يكونون في عصر واحد ، يتبع كل واحد منهم طائفة . قال القاضي : ولا يبعد أن يكون هذا قد وجد إذا تتبعت التواريخ

فقد كان بالأندلس وحدها منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين سنة ثلاثة ، كلهم يدعيها ويلقب بها

وكان حينئذ في مصر آخر ، وكان خليفة الجماعة العباسية ببغداد سوى من كان يدعي ذلك في ذلك الوقت في أقطار الأرض . قال : ويعضد هذا التأويل قوله في كتاب مسلم بعد هذا

: ( ستكون خلفاء فيكثرون . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا بيعة الأول فالأول ) " انتهى.

"شرح مسلم" (12/202)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قال – يعني : المهلب - : والذي يغلب على الظن أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن ، حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميرا

قال : ولو أراد غير هذا لقال يكون اثنا عشر أميرا يفعلون كذا ، فلما أعراهم من الخبر عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد . انتهى كلام المهلب .

قال الحافظ : وهو كلام مَن لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة ، وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم

وهو كون الإسلام عزيزا منيعا ، وفي الرواية الأخرى صفة أخرى وهو أن كلهم يجتمع عليه الناس ، كما وقع عند أبي داود ، فإنه أخرج هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد

عن أبيه ، عن جابر بن سمرة بلفظ : ( لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة )، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد

عن جابر بن سمرة بلفظ : ( لا تضرهم عداوة من عاداهم ) " انتهى.

"فتح الباري" (13/211)

المسلك الثالث : المراد مَن يعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه ، سواء عدل وحكم بالقسط أو لا .

يقول النووي رحمه الله – ناقلا عن القاضي عياض - :

" ويحتمل أن المراد مَن يعز الإسلام في زمنه ، ويجتمع المسلمون عليه ، كما جاء في سنن أبي داود : ( كلهم تجتمع عليه الأمة )

وهذا قد وجد قبل اضطراب أمر بني أمية واختلافهم في زمن يزيد بن الوليد ، وخرج عليه بنو العباس " انتهى.

"شرح مسلم" (12/202-203)

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:25
ويقول أبو العباس القرطبي رحمه الله -

في معرض تعداده أقوال أهل العلم في الحديث - :

" أنَّ هذا إخبارٌ عن الولايات الواقعة بَعْدَهُ وبَعْدَ أصحابه ، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أُمَيَّه ، ويعني بالدِّين : الملك والولاية ، وهو شرح الحال في استقامة السَّلْطَنَةِ لهم ، لا على طريق المدح .

وقد يقال : الدِّينُ على الْمُلْكِ ؛ كما قال :

لَئِنْ حَلَلْتَ بِجوٍّ في بني أسدٍ
فِي دِينِ عمرٍو وحَالتْ بيننا فَدَكُ

وقيل ذلك في قوله تعالى : ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) .

ثم عدّد هذا القائل ملوكهم فقال :

أَوَّلُهم يزيدُ بنُ معاوية ، ثم ابنه معاويةُ بن يزيد - وقال : ولم يذكر ابن الزبير لأنه صحابي ، ولا مروان لأنه غاصب لابن الزبير - ، ثم عبد الملك ، ثم الوليد

ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، ثم الوليد بن يزيد ، ثم يزيد بن الوليد ، ثم إبراهيم بن الوليد

ثم مروان بن محمد . فهؤلاء اثنا عشر . ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس " انتهى.

"المفهم" (4/8-9) ، وهذا القول ذكره ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين"، ونقله عن الخطابي أيضا ، في كلام طويل هذا حاصله ، ولعل القرطبي يقصد في نقله ابن الجوزي .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .

ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة : معاوية ، وابنه يزيد ، ثم عبد الملك ، وأولاده الأربعة ، وبينهم عمر بن عبد العزيز .

وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن ، فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام ، وكانت الدولة في زمنهم عزيزة

والخليفة يدعى باسمه عبد الملك وسليمان ، لا يعرفون عضد الدولة ، ولا عز الدين ، وبهاء الدين ، وفلان الدين .

وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس ، وفي المسجد يعقد الرايات ، ويؤمر الأمراء ، وإنما يسكن داره ، لا يسكنون الحصون ، ولا يحتجبون عن الرعية " انتهى.

"منهاج السنة" (8/170)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" أرجحها الثالث ؛ لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة : ( كلهم يجتمع عليه الناس ) ، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته

والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين ، فسمي معاوية يومئذ بالخلافة

ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف

إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة : الوليد ، ثم سليمان ، ثم يزيد ، ثم هشام ، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز

فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين ، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام ، فولي نحو أربع سنين

ثم قاموا عليه فقتلوه ، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك ؛ لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته

بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان ، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم ، فغلبه مروان ، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل

ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته ، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس

واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك ، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض ، إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد

بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون ، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها الا بأمر الخليفة

ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك ، فعلى هذا يكون المراد بقوله : ( ثم يكون الهرج ) يعني : القتل الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا ، يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام ، وكذا كان . والله المستعان " انتهى.

"فتح الباري" (13/214)

المسلك الرابع : أن هؤلاء الاثني عشر خليفة يأتون بعد ظهور المهدي في آخر الزمان .

يقول ابن الجوزي رحمه الله :

" وأما الوجه الثاني الذي ذكره أبو الحسين ابن المنادي في هذا الحديث ، فإنه قال في قوله :

( يكون بعدي اثنا عشر خليفة ) قال : هذا إنما يكون بعد موت المهدي الذي يخرج في أواخر الزمان ، قال وقد وجدنا في كتاب دانيال : إذا مات المهدي ملك خمسة رجال ، وهم من ولد

السبط الأكبر - يعني ابن الحسن بن علي - ثم يملك بعدهم خمسة رجال من ولد السبط الأصغر ، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر

فيملك ، ثم يملك بعده ولده ، فيتم بذلك اثنا عشر ملكا ، كل واحد منهم إمام مهدي .

قال ابن المنادي :

ووجدنا في رواية أبي صالح عن ابن عباس أنه ذكر المهدي فقال : ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا خمسين ومائة ، فستة من ولد الحسن

وواحد من ولد عقيل بن أبي طالب ، وخمسة من ولد الحسين ، ثم يموت فيفسد الزمان ويعود المنكر .

قال : وقال كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهديا ، ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال " انتهى.

"كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/292-293)

وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام ابن المنادي هذا وقال:

" وأما ما ذكره عن أبي صالح فواه جدا ، وكذا عن كعب "

انتهى. "فتح الباري" (13/214)

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:25
المسلك الخامس : تفسيره بتفاصيل الهيئة الحاكمة : الخليفة ، والوزراء ، والنواب ، والحكام وهكذا .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وقد تأول ابن هبيرة الحديث على أن المراد أن قوانين المملكة باثني عشر ، مثل الوزير ، والقاضي ، ونحو ذلك .

وهذا ليس بشيء . بل الحديث على ظاهره لا يحتاج إلى تكلف " انتهى.

"منهاج السنة" (8/173)

المسلك السادس : التوقف ، وإيكال العلم في ذلك إلى الله عز وجل .

يقول النووي رحمه الله – ناقلا عن القاضي عياض - :

" والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم " انتهى.

"شرح مسلم" (12/203)

ونقل ابن بطال عن المهلب قوله :

" لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث يعني بشيء معين " انتهى.

"فتح الباري" (13/211)

يقول ابن تيمية رحمه الله :

" ومنهم من قال : لا أفهم معناه كأبي بكر بن العربي " انتهى.

"منهاج السنة" (8/173)

ثالثا :

أما استدلال الشيعة بهذا الحديث على عقيدتهم الإمامية ، التي تؤمن بالإمامة – التي تعني العصمة والتدبير بل والتشريع والتصرف في الكون – لاثني عشر رجلا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

يسمونهم بأسمائهم ، وآخرهم المهدي ، فهو استدلال بعيد محرف سببه التعصب والجهل والهوى .

ونحن نبين وجه وهاء قولهم من وجوه عدة :

1- المذكور في الحديث : " اثنا عشر خليفة "، وليس " اثنا عشر إماما "، وفرق بين الأمرين

فالإمامة عندهم أمر زائد على الخلافة والحكم

فالإمامة تقتضي عندهم وجوب الطاعة وعصمة الأقوال والأفعال والنيابة عن الله تعالى في التصرف بهذا الكون وعلم الغيب ونحو ذلك من الغلو الذي يصل إلى حد الكفر والعياذ بالله .

وأما الحديث فغاية ما فيه أنه سيأتي اثنا عشر خليفة ، وفي رواية أميرا ، ليدل على وقوع الإمارة في اثني عشر رجلا من قريش .

2- هؤلاء الاثنا عشر نسبوا في الحديث إلى قريش ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( كلهم من قريش )

ولو كانوا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لقال : ( كلهم من بني هاشم ) فإن الهاشمية أخص من القرشية ، وقد جرت العادة النسبة إلى أقرب نسب

فلولا أنهم ليسوا كلهم من بني هاشم لما نسبهم صلى الله عليه وسلم إلى قريش .

3- نص الحديث يدل على أن عصر هؤلاء الخلفاء الاثني عشر هو عصر عز ومنعة واستقامة وظهور للإسلام

وهذا ما لم يقع في عصور الأئمة الاثني عشر الذين سمتهم الشيعة ، فقد عاشوا كلهم حياة ضعف وملاحقة واختفاء عن الأنظار ، فأنى لهم بتحقيق عز الإسلام ومنعته وهم في هذا الحال ؟!

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ومن ظن أن هؤلاء الاثنى عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ، فإن هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا علي بن أبي طالب ، وأما سائر الأئمة غير علي فلم يكن لأحد منهم سيف

لا سيما المنتظر ، بل هو عند من يقول بإمامته إما خائف عاجز ، وإما هارب مختف من أكثر من أربعمائة سنة .

وهو لم يهد ضالا ، ولا أمر بمعروف ، ولا نهى عن منكر ، ولا نصر مظلوما ، ولا أفتى أحدا في مسألة ، ولا حكم في قضية ، ولا يعرف له وجود .

فأي فائدة حصلت من هذا لو كان موجودا ؟ فضلا عن أن يكون الإسلام به عزيزا .

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام لا يزال عزيزا

ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى يتولى اثنا عشر خليفة ، فلو كان المراد بهم هؤلاء الاثنا عشر ، وآخرهم المنتظر وهو موجود الآن إلى أن يظهر عندهم :

كان الإسلام لم يزل عزيزا في الدولتين الأموية والعباسية ، وكان عزيزا وقد خرج الكفار بالمشرق والمغرب ، وفعلوا بالمسلمين ما يطول وصفه ، وكان الإسلام لا يزال عزيزا إلى اليوم ، وهذا خلاف ما دل عليه الحديث .

وأيضا فالإسلام عند الإمامية هو ما هم عليه ، وهم أذل فرق الأمة ، فليس في أهل الأهواء أذل من الرافضة ، ولا أكتم لقوله منهم ، ولا أكثر استعمالا للتقية منهم

وهم على زعمهم شيعة الاثني عشر ، وهم في غاية الذل ، فأي عز للإسلام بهؤلاء الاثني عشر على زعمهم ، وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيع ؛ لأنه رأى في التوراة ذكر الاثني عشر

فظن أن هؤلاء هم أولئك ، وليس الأمر كذلك بل الاثنا عشر هم الذين ولوا على الأمة من قريش ولاية عامة ، فكان الإسلام في زمنهم عزيزا ، وهذا معروف " انتهى.

"منهاج السنة" (8/173-174)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وهذا الحديث فيه دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلا ، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر ، فإن كثيرًا من أولئك لم يكن إليهم من الأمر شيء ، فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش، يَلُون فيعدلون " انتهى.

"تفسير القرآن العظيم" (6/78)

ويقول الشيخ عثمان الخميس حفظه الله :

" ولسائل أن يسأل : هل الأمر مجرد مصادفة أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم يحكم أو يلي أمر المسلمين اثنا عشر ، ويكون عدد أئمة الشيعة اثني عشر ؟

والجواب : هو أن الأمر ليس مصادفة ، والشيعة الأول لم يكونوا يقولون بإمامة الاثني عشر ، ولهذا انقسمت الشيعة إلى فرق كثيرة ، فمن الشيعة من قال بإمامة علي وحده

وهم السبئية ، ووقفوا عنده ، وفرقة قالت بإمامته وإمامة الحسن والحسين ومحمد بن علي ، وهم الكيسانية ، ووقفوا عند محمد ، وفرقة قالت بالإمامة إلى جعفر ووقفت

وفرقة قالت بإمامة المنتظر ، وهم الاثنا عشرية . وهناك فرق أخرى واختلافات كثيرة من أراد التوسع فليرجع إلى كتاب النوبختي في فرق الشيعة .

فأنت أخي القارئ ترى أن القول باثني عشر إماما جاء متأخرا جدا ، وإلا ما كانت هذه الفرقة بين الشيعة المتقدمين ، فهي أحاديث وضعت بعد زمن من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ووفاة أكثر أئمة الشيعة .

فقد تبين لك أيها القارئ أن الشيعة هم الذين جعلوا هذا العدد مساويا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخيرا أقول : إن الرواية الصحيحة هي : ( كلهم من قريش ) ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر الأعم وهو يريد الأخص ، فهذا خلاف البلاغة ، والنبي أبلغ الناس صلوات الله وسلامه عليه .

فلا أقول مثلا : ( كل عربي سأعطيه مائة دينار ) فإذا أتاني مصري قلت له : أنا أقصد كل سوري . ألن يتهمني بالسفه والعي ، ويقول لي : فقل إذاً كل سوري ؟!

والنبي صلوات الله وسلامه عليه لو كان يريد عليا وأبناءه لقال : ( هم علي وأولاده ) وحتى لو قال : ( كلهم من بني هاشم ) لما كانت بليغة ، فبنو هاشم كثر ، وقريش أكثر

والرواية جاءت فيهم ، وإن كان التيجاني وغيره يحتجون بهذا الحديث لتناسب الرقم ، فما رأيهم بالحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه [2779] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

: ( في أمتي اثنا عشر منافقا [ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ] ) " انتهى.

"كشف الجاني محمد التيجاني" – ردا على كتاب "ثم اهتديت" – ص/75 فما بعدها.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:37
شرح حديث مررت على موسى وهو يصلي في قبره

السؤال

ذُكر في أحد أحاديث صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره .

أرجو شرح هذا الحديث بالتفصيل .

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة التي يوردها العلماء في فضائل نبي الله موسى عليه السلام

يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَتَيْتُ – وفي رواية : مررت - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ) رواه مسلم (2375) .

وفي هذا الحديث مسائل ، يمكن إجمالها فيما يأتي :

أولا :

اختلف العلماء في مكان قبر موسى عليه السلام ، وهذا الحديث يدل على أنه في طريق بيت المقدس عند الكثيب الأحمر ، وهذا وصف مبهم بعض الشيء ، وليس وصفا محددا ، ولعل الحكمة من ذلك ألا يتخذ قبره معبدا .

قال القرطبي رحمه الله :

" الكثيب : هو الكوم من الرمل ، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس " انتهى.

" المفهم " (6/192)

وقال أيضا :

" وهذا يدل على أن قبر موسى أخفاه الله تعالى عن الخلق ، ولم يجعله مشهورا عندهم ، ولعل ذلك لئلا يعبد ، والله أعلم " انتهى.

" المفهم " (6/222) . وانظر: " عمدة القاري " للعيني (12/474)

ثانيا :

في هذا الحديث دليل على حياة الأنبياء بعد موتهم ، وأنهم يتميزون عن سائر الأموات ، إلا الشهداء ، بأن الله يحييهم مرة أخرى حياة خاصة ، فيها من النعيم والكرامة ما لا يتعرض له أحد من الناس .

وقد دلت على ذلك أدلة أخرى كثيرة ، من أصحها وأشهرها حديث الإسراء والمعراج ، حيث جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء في السماوات ، وصلى بهم إماما في بيت المقدس.

ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون )

رواه البزار (256)، وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (621)

وقد قرر ذلك أهل العلم في كتبهم ، حتى صنف الإمام البيهقي في هذه المسألة جزءًا بعنوان : " حياة الأنبياء بعد وفاتهم "، وصنف الإمام السيوطي جزءًا بعنوان : " إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء " .

وقال البيهقي رحمه الله :

" لِحياة الأنبياء بعد موتهم صلوات الله عليهم شواهدُ من الأحاديث الصحيحة " انتهى.

" حياة الأنبياء " (ص/77)

وقال السيوطي رحمه الله :

" حياة النبي صلى الله عليه وسلّم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً ؛ لما قام عندنا من الأدلة في ذلك ، وتواترت به الأخبار " انتهى.

" الحاوي للفتاوي " (2/139)

ثالثا :

قال القرطبي رحمه الله :

" وهذا الحديث يدل بظاهره على : أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة ، وأن موسى كان في قبره حيا ، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة

وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه ، وقد صح أن الشهداء أحياء يرزقون ، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين ، وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى " انتهى.

" المفهم " (6/192)

وقال ابن القيم رحمه الله :

" الأنبياء إنما استقرت أرواحهم هناك – يعني في السماء - بعد مفارقة الأبدان ، وروح رسول الله صلى الله عليه وسلم صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت – يعني في الإسراء والمعراج -

وبعد وفاته استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومع هذا فلها إشراف على البدن ، وإشراق ، وتعلق به ، بحيث يرد السلام على من سلم عليه

وبهذا التعلق رأى موسى قائما يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة ، ومعلوم أنه لم يعرج بموسى من قبره ثم رد إليه

وإنما ذلك مقام روحه واستقرارها ، وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها ، فرآه يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة

كما أنه صلى الله عليه وسلم في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقرا هناك ، وبدنه في ضريحه غير مفقود ، وإذا سلم عليه المسلم رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ، ولم يفارق الملأ الأعلى .

ومن كَثُف إدراكه وغلظت طباعه عن إدراك هذا ، فلينظر إلى الشمس في علو محلها ، وتعلقها وتأثيرها في الأرض ، وحياة النبات والحيوان بها ، هذا وشأن الروح فوق هذا ، فلها شأن

وللأبدان شأن ، وهذه النار تكون في محلها ، وحرارتها تؤثر في الجسم البعيد عنها ، مع أن الارتباط والتعلق الذي بين الروح والبدن أقوى وأكمل من ذلك وأتم ، فشأن الروح أعلى من ذلك وألطف " انتهى.

" زاد المعاد " (3/40-41)

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

" حياته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة ، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب ، ولا يدري كنهَها إلا الله سبحانه وتعالى

ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية ، ولا تخضع لقوانينها ، فالإنسان في الدنيا يأكل ويشرب ويتنفس ويتزوج ويتحرك ويتبرز ويمرض ويتكلم

ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحدا بعد الموت حتى الأنبياء عليهم السلام - وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - تعرض له هذه الأمور بعد موته. ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون

في مسائل كثيرة بعد وفاته ، ولم يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه صلى الله عليه وسلم في قبره ومشاورته في ذلك وسؤاله عن الصواب فيها لماذا ؟ إن الأمر واضح جدا وهو أنهم كلهم يعلمون

أنه صلى الله عليه وسلم انقطع عن الحياة الدنيا ، ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ

ولكنها حياة خاصة لا تشبه حياة الدنيا ، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام )

وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى ، ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية ، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منها أحكام الأخرى

بل لكل منها شكل خاص ، وحكم معين ، ولا تتشابه إلا في الاسم ، أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى " انتهى.

" التوسل " (ص/60)

*عبدالرحمن*
2018-11-19, 17:38
رابعا :

صلاة موسى عليه السلام وسائر الأنبياء في قبورهم ليست على وجه التكليف ، إذ التكليف منقطع بالموت ، وإنما هي على وجه التنعم والتلذذ بعبادة الله وإقامة ذكره .

قال القرطبي رحمه الله :

" فإن قيل : كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف ؟

فالجواب : أن ذلك ليس بحكم التكليف ، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف ، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حببت لهم عبادة الله تعالى والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك

ثم توفوا وهم على ذلك ، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون ، وما عرفوا به ، فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة

لا تكليفية ، وقد وقع مثل هذا لثابت البناني رضى الله عنه ؛ فإنه حببت الصلاة إليه حتى كان يقول : اللهم إن كنت أعطيت أحدا يصلي لك في قبره ، فأعطني ذلك

فرآه مُلَحِّدُهُ بعدما سوى عليه لحده قائما يصلي في قبره ، وقد دل على صحة ذلك كله قول نبينا صلى الله عليه وسلم : ( يموت المرء على ما عاش عليه

ويحشر على ما مات عليه )، وقد جاء في الصحيح : ( أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس ) انتهى.

" المفهم "

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح

فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَّفَس ؛ فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل ، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به " انتهى.

" مجموع الفتاوى " (4/330)

خامسا :

حياة الأنبياء بعد موتهم ، وخصائصها ، وكيفيتها ، وما يتعلق بذلك : كله أمر غيبي لا يرجع المرء من تكلف التنقير عنه بطائل ، فالتسليم أولى ، وتفويض العلم إلى الله هو الواجب ابتداء وانتهاء .

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":

" كل ذلك حق يجب الإيمان به والتسليم له ، وإثبات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى موسى عليه السلام في قبره يصلي ، ورآه أيضا في السماء ، والله على كل شيء قدير

ولا يجوز إنكار ما ثبت في النصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم لحيرة العقول فيه ، أو قياس عالم الغيب وعالم البرزخ على عالم الشهادة

أو دعوى أن ذلك من مختلقات اليهود ، فكل ذلك خطأ وضلال ، وانحراف عن الصراط المستقيم " انتهى.

عبد العزيز بن باز – عبد العزيز آل الشيخ – عبد الله غديان – صالح الفوزان – بكر أبو زيد.

"المجموعة الثانية" (1/175)

وجاء في " الدرر السنية " (1/548):

" سئل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن أيضا - رحمهم الله - عما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى وهو يصلي في قبره ، ورآه يطوف بالبيت ، ورآه في السماء ، وكذلك الأنبياء .

فأجاب : هذه الأحاديث وأشباهها تُمَرُّ كما جاءت ويُؤمَن بها ، إذ لا مجال للعقل في ذلك ؛ ومن فتح على نفسه هذا الباب هلك في جملة من هلك ;

وقد غضب مالك بن أنس لمَّا سأله رجل عن الاستواء ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، إلى آخر كلامه ، ثم قال : وما أراك إلا رجل سوء ، فأمر بإخراجه ; هذه عادة السلف " انتهى.

وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

" قوله تعالى: ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ ) الآية

هذه الآية تدل بظاهرها على أن الشهداء أحياء غير أموات , وقد قال في آية أخرى لمن هو أفضل من كل الشهداء صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ )

والجواب عن هذا :

أن الشهداء يموتون الموتة الدنيوية ، فتورث أموالهم ، وتنكح نساؤهم بإجماع المسلمين , وهذه الموتة التي أخبر الله نبيه أنه يموتها صلى الله عليه وسلم

وقد ثبت في الصحيح عن صاحبه الصِّدِّيق رضي الله عنه أنه قال لما توفي صلى الله عليه وسلم :

( بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين , أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها ) وقال : ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ) ، واستدل على ذلك بالقرآن ورجع إليه جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

وأما الحياة التي أثبتها الله للشهداء في القرآن ، وحياته صلى الله عليه وسلم التي ثبت في الحديث أنه يرد بها السلام على من سلم عليه : فكلتاهما حياة برزخية ، ليست معقولة لأهل الدنيا .

أما في الشهداء فقد نص تعالى على ذلك بقوله : ( وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ),

وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم : ( تجعل أرواحهم في حواصل طيور خضر ترتع في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فهم يتنعمون بذلك )

وأما ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنه ( لا يسلم عليه أحد إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ) و ( أن الله وَكَّل ملائكته يبلغونه سلام أمته ) فإن تلك الحياة أيضا لا يعقل حقيقتها أهل الدنيا

لأنها ثابتة له صلى الله عليه وسلم مع أن روحه الكريمة في أعلى عليين مع الرفيق الأعلى

فوق أرواح الشهداء ، فتعلق هذه الروح الطاهرة التي هي في أعلى عليين بهذا البدن الشريف الذي لا تأكله الأرض يعلم الله حقيقته ، ولا يعلمها الخلق

كما قال في جنس ذلك : ( وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ )، ولو كانت كالحياة التي يعرفها أهل الدنيا لما قال الصديق رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم مات ، ولما جاز دفنه ، ولا نصب خليفة غيره

ولا قتل عثمان ، ولا اختلف أصحابه ، ولا جرى على عائشة ما جرى ، ولسألوه عن الأحكام التي اختلفوا فيها بعده ، كالعول ، وميراث الجد ، والإخوة ، ونحو ذلك .

وإذا صرح القرآن بأن الشهداء أحياء في قوله تعالى : ( بل أحياء ) ، وصرح بأن هذه الحياة

لا يعرف حقيقتها أهل الدنيا بقوله : ( وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ), وكان النبي صلى الله عليه وسلم أثبت حياته في القبر بحيث يسمع السلام ويرده ، وأصحابه الذين دفنوه صلى الله عليه وسلم لا تشعر حواسهم بتلك الحياة

عرفنا أنها حياة لا يعقلها أهل الدنيا أيضا , ومما يقرب هذا للذهن حياة النائم ، فإنه يخالف الحي في جميع التصرفات ، مع أنه يدرك الرؤيا ، ويعقل المعاني والله تعالى أعلم " انتهى.

" دفع إيهام الاضطراب " (24-25)

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 16:58
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما المقصود بالفتن التي القاعد فيها خير من القائم ؟

السؤال

دعونا نعرف ما المقصود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما أخذ من النبي صلي الله عليه وسلم حديثا يتعلق بفتن كثيرة سوف نراها ، وأن الجالس خير من الواقف ، والواقف خير من الماشي ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث المقصود هو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( سَتَكُونُ فِتَنٌ ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي ، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ) رواه البخاري (3601) ومسلم (2886)

وقد روي نحو هذا الحديث عن جماعة كثيرة من الصحابة رضوان الله عليهم .

قال الإمام الترمذي رحمه الله – بعد أن روى نحو هذا الحديث من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - :

" وفي الباب عن أبي هريرة ، وخباب بن الأرت ، وأبي بكرة ، وابن مسعود ، وأبي واقد ، وأبي موسى ، وخرشة " انتهى.

ومن أحب أن يطلع على نصوص هذه الأحاديث فليرجع إلى كتاب "

إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " للشيخ حمود التويجري رحمه الله ، في باب "

ذكر الفتن والتحذير منها والأمر باعتزالها وكف اللسان واليد فيها " (1/26-51)

ثانيا :

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في شرح معاني الحديث :

" قوله : ( من تَشَرَّفَ لها ) أي : تطلَّع لها ، بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها ...

قوله : ( تستشرفه ) أي : تهلكه ، بأن يشرف منها على الهلاك ، يقال استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه ، يريد من انتصب لها انتصبت له ، ومن أعرض عنها أعرضت عنه . وحاصله : أن من طلع فيها بشخصه قابلته بشرها .

ويحتمل أن يكون المراد : من خاطر فيها بنفسه أهلكته ، ونحوه قول القائل : من غالبها غلبته.

قوله : ( فمن وجد فيها ملجأ ) أي يلتجئ إليه من شرها .

قوله : ( أو مَعاذا ) هو بمعنى الملجأ .

قوله : ( فليعذ به ) أي : ليعتزل فيه ليسلم من شر الفتنة .

ووقع تفسيره عند مسلم في حديث أبي بكرة ، ولفظه :

( فإذا نَزَلَت فمن كان له إبل فليلحق بإبله - وذكر الغنم والأرض - قال رجل : يا رسول الله ! أرأيت من لم يكن له ؟ قال : يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع ) " انتهى.

" فتح الباري " (13/30) ، وينظر " شرح مسلم " للنووي (18/9) .

ثالثا :

المراد بهذه الفتن ما يكون بين المسلمين من القتال بالبغي والعدوان ، أو التنازع على أمور الدنيا ، دون أن يتبين أي الفريقين هو المحق ، أو أيهما هو المبطل .

قال الإمام النووي رحمه الله :

"وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( القاعد فيها خير من القائم ) إلى آخره ، فمعناه بيان عظيم خطرها ، والحث على تجنبها ، والهرب منها ، وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها" . انتهى.

" شرح مسلم " (18/9-10) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( والقاعد فيها خير من القائم ) حكى ابن التين عن الداودي أن الظاهر أن المراد من يكون مباشرا لها في الأحوال كلها ، يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض

فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببا لإثارتها ، ثم من يكون قائما بأسبابها وهو الماشي ، ثم من يكون مباشرا لها وهو القائم ، ثم من يكون مع النظَّارة [ يعني : المتفرجين ] ولا يقاتل وهو القاعد

ثم من يكون مجتنبا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان ، ثم من لا يقع منه شيء من ذلك ولكنه راض وهو النائم .

والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرا ممن فوقه على التفصيل المذكور .

وفيه التحذير من الفتنة ، والحث على اجتناب الدخول فيها ، وأن شرها يكون بحسب التعلق بها . " . انتهى باختصار.

" فتح الباري " (13/30-31) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:01
حديث لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل

السؤال

سمعت حديثا عن يوم القيامة ولا أعرف نصه بالتحديد ، ولكنني سوف أكتب لكم معنى الحديث ، وأرجو أن تصححوه إذا احتاج لذلك ، وأن تشرحوا الحديث لي

. يقول الحديث فيما معناه : ( يكثر القتل يوم القيامة ولا يعرف من قتل فيما قتل ، ولا يعرف القاتل لماذا قتل ، ويكون القاتل والمقتول في النار )

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث من فتن آخر الزمان التي حدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هو كائن قبل يوم القيامة لا أثناءه ، وذلك حين يكثر الجهل ، ويرفع العلم ، ويقل الصالحون

ويكثر المفسدون ، وتقع الأحداث العظام ، فحينها يكثر القتل بين الناس ، وينتشر الهرج بينهم ، ويكون ذلك في فتن عظيمة يحار فيها الناس ، ولا يميزون – لجهلهم ولشدة الفتن يومئذ –

الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ ، وإنما يتحزبون لأطماع الدنيا ، وأهواء النفس وشهواتها ، فيقع القتل ، ولا يدري القاتل لماذا قَتَل ، ولا يدري المقتول عن سبب قتله .

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )

رواه مسلم (2908)

وعنه رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ )

رواه البخاري (1036) ومسلم (157)

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :

( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال : الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا

حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ . قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ )

رواه أحمد في " المسند " (32/409) وصححه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/1682)

يقول القرطبي رحمه الله :

" بيَّنَ هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب دنيا ، أو اتباع هوى ، فهو الذي أريد بقوله : ( القاتل والمقتول في النار ) " انتهى.

" فتح الباري " (13/34)

ويقول الإمام النووي رحمه الله :

" وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له ، ويكون قتالهما عصبية ونحوها " انتهى.

" شرح مسلم " (18/15)

والذي يتحصل من هذه الأحاديث أن القتل يكثر في آخر الزمان ، ولا يكون مبرَّرًا معروف الأسباب ، وذلك يمكن أن يقع في الحالات الآتية :

1-في حالات قتال الفتنة التي يشتبه فيها الحق بالباطل ، فلا يظهر للناس وجه الصواب فيها، ويقع القتال بينهم ، فلا يدري حينئذ القاتل فيم قَتَل ، ولا المقتول لماذا قُتِل

ومعنى : ( لا يدري ) الواردة في الحديث – بناء على هذا الوجه - أنهم لا يعرفون الحق من الباطل في الفتنة التي أدت إلى القتل ، وإلا فهم يعرفون وقوع الفتنة نفسها .

2-وقد يقع مثل هذا القتل أيام الحروب العصبية ، التي يقع فيها القتل بسبب التعصب للقبيلة أو الطائفة

ويكون المقاتل جاهلا أهوجَ ، إنما شارك في القتال لاستغاثة أهل قبيلته أو طائفته به ، وهو لا يدري عن سبب وقوع القتال شيئا .

3-ويمكن أن يكون في حالة وقوع القتل العشوائي العام ، كالقتل بأسلحة الدمار الشامل ، فيصاب بهذه الأسلحة كثير من الأبرياء ، فلا يعرف المقتول لماذا قتل ، ولا يعرف القاتل لماذا قتل هؤلاء الأبرياء

فجملة ( لا يدري ) في الحديث على حقيقتها ، فلا القاتل ولا المقتول يعرفان سبب القتل ، لأنه قتل عشوائي .

4-ومنه أيضا : ما يحصل من السفهاء من التحرش بالناس بالقتل لسفاهته وحمقه والتذاذه، فيقتل الآخرين ، فيصدق عليهما الحديث .

5-ومنه أيضاً : أن المعنى ( لا يدري ) أي : الوجه الشرعي في القتل ، كما جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (15/352) ترقيم الشاملة: " ( لا يدري القاتل فيم قَتل )

أي : المقتول هل يجوز قتله أم لا ، ( ولا المقتول ) أي : نفسه أو أهله ( فيم قُتل ) هل بسبب شرعي أو بغيره ، كما كثر النوعان في زماننا" انتهى.

وعلى كلٍّ : نسأل الله تعالى السلامة والعافية ، وأن يحفظنا والمسلمين من هذه الأحوال .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:05
هل معنى حديث ( شقي أو سعيد ) الشقاء والسعادة في الدنيا ؟

السؤال

كنت أنا وبعض الإخوة في الله نناقش مغزى حديث رسولنا الكريم الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق

: ( إن أحدكم ليُجمع خلْقه في بطن أمه أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إليه الملَك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات

: يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد ، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها

وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) متفق عليه ، صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم

. ومن المعلوم أننا كمسلمين يجب أن نؤمن بلب هذا الحديث إيماناً راسخاً ، ولكن وردت الأسئلة التالية أثناء النقاش ، ولقلة زادنا الشرعي : رغبنا أن نستزيد من علمكم

: 1. هل السعادة والشقاء من منظور شرعي - التي وردت في الحديث - هما نفس السعادة والشقاء من منظور حسي - أي : التي نعيشهما ، ونحسهما في هذه الدنيا الفانية ؟

. 2. هل يمكن للإنسان أن يعرف مع أيِّ الفريقين هو ؟

هل هناك علامات نستدل بها ؟

. 3. في واقعنا الإنساني نجد بعض القصور في التسليم بذلك - أي : بما ورد في الحديث - فهل هذا يعتبر قصوراً في الدين ، أو التقوى ؟

. 4. بسبب طبيعتنا الإنسانية نتذمر في العادة عندما يتلبسنا الإحساس بالتعاسة ، هل ذلك يعتبر إنكاراً لقدَر الله ؟

. 5. عندما تغمرنا السعادة من كل جانب ، وتنبسط لنا الدنيا : قلَّ أن ننسب ذلك لقدر الله ، ولكن نحاول الإيحاء أن ذلك بجهدنا ، وعلو همتنا ، هل هذا يعتبر نقضاً ، أو إنكاراً لقدر الله ؟

. نسأل الله أن لا يحرمكم الأجر ، وأن ينفع الإسلام والمسلمين بجهودكم ، وعلمكم .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

لفظا " السعادة " و " الشقاء " الواردان في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليسا هما ما نحسه في الدنيا من " سعادة "

وما يصيبنا فيها من " شقاء " ، بل هما " الإسلام " و " الكفر " ، وهما الطريقان إلى " الجنة " و " النار " ، والمقصود بالحديث : ما يختم للإنسان بأحد الأمرين في الدنيا

فمن ختم له بخير فهو سعيد ، وهو من أهل السعادة ، وجزاؤه الجنة ، ومن خُتم له بشرٍّ فهو شقي ، وهو من أهل الشقاء ، ومصيره النار – والعياذ بالله - .

وقد جاء هذا اللفظان في الكتاب والسنَّة بذات المعنى الذي قلناه :

أ. ( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ

. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ

. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) هود/ 105 – 108 .

ب. عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : كُنَّا فِى جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ :

( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَإِلاَّ وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ) قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ ؟

فَقَالَ : ( اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ) ، ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى

. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) .

رواه البخاري ( 4666 ) ومسلم ( 2647 ) .

( المِخصرة ) : ما اختصر الإنسان بيده ، فأمسكه من عصا ، أو عَنَزة .

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

وقد تكاثرت النُّصوص بذكرِ الكتابِ السابقِ ، بالسَّعادة والشقاوة ، ففي " الصحيحين " عن عليِّ بن أبي طالب – وذكر الحديث - .

ففي هذا الحديث : أنَّ السعادة ، والشقاوة : قد سبقَ الكتابُ بهما ، وأنَّ ذلك مُقدَّرٌ بحسب الأعمال ، وأنَّ كلاًّ ميسر لما خُلق له من الأعمال التي هي سببٌ للسعادة ، أو الشقاوة .

وفي " الصحيحين " عن عمرانَ بن حُصينٍ ، قال : قال رجل :يا رسول الله ، أيُعرَفُ أهلُ الجَنَّةِ مِنْ أهلِ النَّارِ ؟ قالَ : ( نَعَمْ ) ، قالَ : فَلِمَ يعملُ العاملونَ ؟ قال : ( كلٌّ يعملُ لما خُلِقَ له ، أو لما ييسر له ) .

وقد روي هذا المعنى عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ ، وحديث ابن مسعود فيه أنَّ السعادة والشقاوة بحسب خواتيم الأعمال .

" جامع العلوم والحِكَم " ( ص 55 ) . وينظر : " فتح الباري " ( 11 / 483 ) .

ثانياً:

ما يشير إليه السائل من الغنى أو الفقر ، والصحة أو المرض ... ، وسائر ما يصيب الناس من السراء والضراء في عيشهم ، وهو ما يعنيه بقوله : السعادة والشقاوة من المنظور الحسي

: هذا كله قد سبق به الكتاب ، من قبل أن تخلق السموات والأرض ، وقد كتب أيضا فيما كتب للجنين من رزقه : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القرآن/49 .

وإنما يُعرف المؤمن أنه محقق للإيمان في هذا الباب ، وأنه مسلِّم لقدَر الله تعالى ، مؤمن به : إذا شكر ربه في السرَّاء ، وصبر عند الضرَّاء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

جعل اللهُ سبحانَه وتعالى لعباده المؤمنين بكل منزلة خيراً منه

فهم دائماً في نعمةٍ من ربهم ، أصابَهم ما يُحِبَّون ، أو ما يكرهون ، وجعل أقضيته ، وأقداره التي يقضيها لهم ، ويُقدرها عليهم : متاجرَ يَربحون بها عليه ، وطُرُقًا يصلون منها إليه

كما ثبت في الصحيح عَن إمامهم ومتبوعهم - الذي إذا دُعي يوم القيامة كلُّ أناسٍ بإمامهم دُعُوا به صلواتُ الله وسلامه عليه - أنه قال

: ( عجبًا لأمر المؤمن ، إن أمره كله عجب ، ما يقضي الله له من قضاء إلاّ كان خيراً له، إن أصابته سرَّاءُ شكَرَ فكان خيراً له ، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيراً له).

فهذا الحديث يَعمُّ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن ، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها ، وشكرَ لمحبوبها ، بل هذا داخلٌ في مسمَّى الإيمان ، فإنه كما قال السلف : " الإيمان نصفان ، نصفٌ صبر ، ونصفٌ شكر "

كقوله تعالى : ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) ، وإذا اعتَبر العبدُ الدينَ كلَّه : رآه يَرجِعُ بجملته إلى الصبر ، والشكر .

" جامع المسائل " ( 1 / 165 ) .

فعلى المسلم أن يؤمن بقدر الله تعالى خيره وشرِّه ، ولا يسعه غير ذلك ؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان ، والذي لا يصح من غيره .

وعلى المسلم أن يرضى بقضاء الله ، ويسلِّم لما يكتبه الله له ، أو عليه ؛ فإن في ذلك حكَم بالغة ، ولا يتعجل في النظر لظاهر الأمر أنه نعمة ، أو نقمة

بل العبرة بما يترتب على ذلك من شكر للنعم ، ومن رضى بالمصائب ، فهمنا يكون مؤمناً محققا لما طلبه الله منه ، ويكون مستفيداً من ذلك دوافع تدفعه للعمل وعدم القنوط واليأس ، كما تدفعه لشكر الله تعالى لنيل المزيد منها .

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:06
ثالثاً:

ثمة علامات يمكن للمسلم أن يستدل بها على كون أصحابها من أهل الجنة ، أو أهل النار ؛ وذلك بحسب اتصافه بها ، وتخلقه بأخلاقها ، ظاهراً وباطناً ، وعليه بوَّب الإمام النووي رحمه الله بقوله في " شرح مسلم

" : " بَاب الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ " ، وقد جعل تبويبه هذا على حديث عياض بن حمار المجاشعي ، والذي رواه مسلم ( 2265 ) ، وفيه :

( وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ .

قَالَ :

وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ

عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوْ الْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ ) .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :

( ذو سلطان مقسط موفق ) وهذا هو الشاهد ، يعني : صاحب سلطان ، والسلطان يعم السلطة العليا ، وما دونها .

( مقسط ) أي : عادل بين مَن ولاَّه الله عليهم .

( موَّفق ) أي : مهتد لما فيه التوفيق والصلاح ، قد هدى إلى ما فيه الخير .

فهذا من أصحاب الجنة .

( ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ) رجل رحيم ، يرحم عبادَ الله ، يرحم الفقراء ، يرحم العجزة ، يرحم الصغار ، يرحم كل من يستحق الرحمة .

( رقيق القلب ) ليس قلبه قاسياً .

( لكل ذي قربى ومسلم ) وأما للكفار : فإنه غليظ عليهم .

هذا أيضاً من أهل الجنة : أن يكون الإنسان رقيق القلب ، يعني : فيه لين ، وفيه شفقة على كل ذي قربى ومسلم .

والثالث : ( رجل عفيف متعفف ذو عيال ) يعني : أنه فقير ، ولكنه متعفف لا يسأل الناس شيئاً يحسبه الجاهل غنيّاً من التعفف .

( ذو عيال ) أي : أنه مع فقره عنده عائلة ، فتجده صابراً ، محتسباً ، يكد على نفسه

فربما يأخذ الحبل ويحتطب ويأكل منه ، أو يأخذ المخلب يحتش فيأكل منه ، المهم : أنه عفيف ، متعفف ، ذو عيال ، ولكنه صابر على البلاء

صابر على عياله ، فهذا من أهل الجنة ، نسأل الله أن يجعلنا من أحد هؤلاء الأصناف .

" شرح رياض الصالحين " ( 3 / 648 ، 649 ) .

وقال النووي – رحمه الله - :

شرح النووي على مسلم - (17 / 199)

( الضعيف الذي لا زَبر له الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلاً ، ولا مالاً ) .

فقوله ( زبر ) بفتح الزاي وإسكان الموحدة ، أي : لا عقل له يزبره ، ويمنعه مما لا ينبغى ، وقيل : هو الذي لا مال له ، وقيل : الذي ليس عنده ما يعتمده .

وقوله ( لا يتبعون ) بالعين المهملة ، مخفف ، ومشدد ، من الاتباع ، وفي بعض النسخ " يبتغون " بالموحدة والغين المعجمة ، أي : لا يطلبون .

قوله صلى الله عليه و سلم ( والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة ) معنى ( لا يخفى ) : لا يظهر ، قال أهل اللغة : يقال خفيت الشيء إذا أظهرته

وأخفيته إذا سترته وكتمته ، هذا هو المشهور ، وقيل : هما لغتان فيهما جميعاً .

قوله ( وذكر البخل والكذب ) هي في أكثر النسخ ( أو الكذب ) بـ ( أو ) ، وفي بعضها ( والكذب ) ، بالواو ، والأول : هو المشهور في نسخ بلادنا

وقال القاضي : روايتنا عن جميع شيوخنا بالواو إلا ابن أبي جعفر عن الطبري فبـ ( أو ) وقال بعض الشيوخ : ولعله الصواب ، وبه تكون المذكورات خمسة .

وأما ( الشنظير ) فبكسر الشين والظاء المعجمتين وإسكان النون بينهما ، وفسَّره في الحديث بأنه الفحَّاش ، وهو السيء الخلق .

" شرح مسلم " ( 17 / 199 ، 200 ) .

فليتأمل العبد الموفق ، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل علامة أهل الجنة في الآخرة أن يعملوا بأعمالهم في الدنيا ، وجعل علامة أهل النار في الآخرة أن يعملوا بأعمالهم في الدنيا .

قال الإمام أحمد رحمه الله : " سمعت سفيان بن عيينة يقول : من يزرع خيرا يحصد غِبطة ، ومن يزرع شرا يحصد ندامة ؛ تفعلون السيئات وترجون أن تُجْزَوُا الحسنات ؟!

أجل ؛ كما يجني من الشوك العنب !! "

"العلل ومعرفة الرجال" (2/373) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:10
الجمع بين حديثي ( لأعلمن أقواماً يأتون بحسنات ) و ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين )

السؤال

كيف نستطيع الجمع بين الحديثين الشريفين: ( أناس من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال كجبال تهامة فيجعلها الله هباء منثوراً ) ، قيل : من هم يا رسول الله ؟

قال : الذين إذا خلو بمحارم الله انتهكوها ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، وبين قوله صلى الله عليه وسلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

نص الحديثين موضع الإشكال :

أ. عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ) قَالَ ثَوْبَانُ

: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) .

رواه ابن ماجه ( 4245 ) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .

الهباء في الأصل : الشَّيءُ المُنْبَثُّ الَّذي تَراه في ضَوْء الشمسِ .

محارم الله : هي كل ما حرَّمه الله تعالى من المعاصي ، الصغائر ، والكبائر .

ب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ).

رواه البخاري ( 5721) ومسلم ( 2990 ) .

ثانياً:

قد استشكل كثير من الناس الجمع بين هذين الحديثين ، وتعددت أماكن سؤالهم عن ذلك الجمع ، ونذكر ما تيسر من أوجه الجمع بينهما ، سائلين الله تعالى التوفيق ، فنقول :

إن الذي دعا إلى استشكال الحديثين هو ما حواه معناهما مما ظاهره التعارض ، فإن الحديث الأول ليس فيه أن أصحاب المعاصي قد جاهروا بمعاصيهم ، وبمقتضى الحديث الثاني فهم " معافوْن "

فكيف تحبط أعمالهم ، ويتوعدون بالسخط والعذاب ؟! ومن هنا جاء الإشكال في ظاهر الحديثين ، فذهب العلماء في الجمع بينهما مذاهب شتَّى ، ومن ذلك :

1. القول بتضعيف حديث ثوبان ، وقد علَّله بعضهم فضعَّف سنده بالراوي " عقبة بن علقمة المعافري " ، وحكم على متنه بالنكارة .

أ. ويرد على تضعيف سنده :

بأن الراوي عقبة بن علقمة وثَّقه كثيرون ، وممن وثقه : ابن معين ، والنسائي ، ومن حكم على رواياته بالرد فإنما هو إذا روى عنه ابنه " محمد " ، أو روى هو عن " الأوزاعي "

وهذا قول الأئمة المحققين في حاله ، وليست روايته في هذا الحديث عن الأوزاعي ، ولا رواه عنه ابنه محمد ، فالسند حسن على أقل أحواله .

ب. ويرد على نكارة متنه بأن له نظائر معروفة ، كما في قوله تعالى : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) النساء/ 108 .

وهو وإن لم يكن فيه حبوط أعمال أولئك بلفظ الآية ، إلا أنه يُعرف ذلك بمعناها .

قال ابن كثير رحمه الله:

هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس ؛ لئلا ينكروا عليهم ، ويجاهرون الله بها ؛ لأنه مطّلع على سرائرهم ، وعالم بما في ضمائرهم

ولهذا قال : ( وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) تهديد لهم ، ووعيد .

" تفسير ابن كثير " ( 2 / 407 ) .

2. أن حديث ثوبان في المنافقين ، وحديث أبي هريرة في المسلمين ، فلا تعارض بينهما ، لا سيما إذا حملنا النفاق هنا على النفاق العملي الذي لا ينافي أخوة الإيمان .

والواقع أن المتأمل في حال بعض من يقع في المنكرات هذه الأيام من أهل الخير والصلاح الظاهر ، وباعتراف من يتوب منهم يجد عجباً ، من ارتكاب ذنوب " الخلوات "

بشكل يمكن إطلاق وصف " انتهاك " عليه ! فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة ، والنظر في الإنترنت إلى مواقع الجنس الفاضح

واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات ، ثم تجد هؤلاء لهم نصيب في الظاهر من الاستقامة ، في اللباس ، والصلاة ، والصيام

ومن هنا كان هذا الحديث محذِّراً لهؤلاء أن يكون حالهم حال المنافقين ، أو أن يكونوا أعداء لإبليس في الظاهر ، أصدقاء له في السرِّ ، كما قال بعض السلف .

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:

الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة :

إظهار زي الصالحين في الملأ ، وانتهاك المحارم ، ولو صغائر في الخلوة : أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لأعلمنَّ أقواماً مِن أمتي يأتون .... ) .

لأن من كان دأبه إظهار الحسن ، وإسرار القبيح : يعظم ضرره ، وإغواؤه للمسلمين ؛ لانحلال ربقة التقوى ، والخوف ، من عنقه .

" الزواجر عن اقتراف الكبائر " ( 2 / 764 ) .

3. قوله صلى الله عليه وسلم ( إِذَا خَلوا بِمَحَارِمِ الله ) لا يقتضي خلوتهم في بيوتهم وحدهم ! بل قد يكونون مع جماعتهم ، ومن على شاكلتهم ، فالحديث فيه بيان خلوتهم بالمحارم

لا خلوتهم مع أنفسهم في بيوتهم ، فليس هؤلاء بمعافين ، والمعافى الذي في حديث أبي هريرة الذي يظهر لنا أنه يفعل المعصية الغالبة عليه وحده ،

ولذا جاء في الحديث أنه شخص بعين ، وأن ربَّه قد ستره ، (يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ) ، وحديث ثوبان فيه الجمع ( قوْم ) و ( خَلَوا ) .

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:

الذي يبدو أن ( خلوا بمحارم الله ) ليس معناها " سرّاً " ، وإنما : إذا سنحت لهم الفرصة انتهكوا المحارم ، فـ " خلَوا " ليس معناها " سرّاً " ، وإنما من باب " خلا لكِ الجو فبيضي واصفري " .

" سلسلة الهدى والنور " شريط رقم ( 226 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:11
7. وصف هؤلاء المذكورون في حديث ثوبان بأنهم "ينتهكون" محارم الله ، وهو وصف يدل على استحلالهم لذلك ، أو مبالغتهم فيها في هذه الحال ، وأمنهم من مكر الله ، وعقوبته

وعدم مبالاتهم باطلاعه عليهم . فلذا استحقوا العقوبة بحبوط أعمالهم ، وليس الوعيد على مجرد الفعل لتلك المعصية ، ولعله لذلك سأل ثوبان رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يجلِّي حال أولئك

وأن يصفهم ؛ خشية أن يكونوا منهم ، وهم لا يدرون ، ومثل هذا إنما هو طلب لمعرفة حال قلوب أولئك العصاة ، وليس لمعرفة أفعالهم مجردة .

قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله :

أي : أن عندهم استهتاراً ، واستخفافاً بالله عز وجل ، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار

والمعصية التي تأتي بغير انكسار ، بين شخص يعصي الله في ستر ، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل ، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء

وإن كانت أمثال الجبال ، فإذا كان بين الصالحين : أَحْسَنَ أيما إحسانٍ ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله ، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال

فظاهرها حسنات ، ( لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً ، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى

بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر ، ويكره هذه المعصية ، ويمقتها ، ويرزقه الله الندم ، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم

والحرقة ، ويتألم : فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل ؛ لأنه - في الأصل - معظِّم لشعائر الله ، لكن غلبته شهوته ، فينكسر لها ، أما الآخر : فيتسم بالوقاحة

والجرأة على الله ؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص ، أو شخصين ، ولا يتحدث عن نص محدد ، إنما يعطي الأوصاف كاملة .

مِن الناس مَن إذا خلا بالمعصية : خلا بها جريئاً على الله ، ومنهم من يخلو بالمعصية ، وهو تحت قهر الشهوة ، وسلطان الشهوة ، ولو أنه أمعن النظر وتريث : ربما غلب إيمانُه شهوتَه

وحال بينه وبين المعصية ، لكن الشهوة أعمته ، والشهوة قد تعمي وتصم ، فلا يسمع نصيحة ، ولا يرعوي ، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان

قال تعالى : ( إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ) آل عمران/ 155 ، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان ، فزلت قدم العبد

لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية ، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم ، وأنه كاره لها ، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها

: فهذا معظِّم لله عز وجل ، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية ، وقد يكون سبب ابتلاء الله له أنه عيَّر أحداً ، أو أنه عق والداً

أو قطع رحمه ، فحجب الله عنه رحمته ، أو آذى عالماً ، أو وقع في أذية ولي من أولياء الله ، فآذنه الله بحرب ، فأصبح حاله حال المخذول ، مع أنه في قرارة قلبه لا يرضى بهذا الشيء ... .

فالذي يعصي في السر على مراتب : منهم من يعصي مع وجود الاستخفاف ، فبعض العُصاة تجده لما يأتي إلى معصية لا يراه فيها أحد : يذهب الزاجر عنه

ويمارسها بكل تهكم ، وبكل وقاحة ، وبكل سخرية ، ويقول كلمات ، ويفعل أفعالاً ، ولربما نصحه الناصح ، فيرد عليه بكلمات كلها وقاحة ، وإذا به يستخف بعظمة الله عز وجل ، ودينه

وشرعه ، لكنه إذا خرج إلى الظاهر صلى ، وصام ، وإذا خلا بالمعصية لا يرجو لله وقاراً - والعياذ بالله - فليس هذا مثل من يضعف أمام شهوة

أو يفتن بفتنةٍ يراها ، ويحس أن فيها بلاء ، وشقاء ، ويقدم عليها ، وقلبه يتمعر من داخله ، ويتألم من قرارة قلبه ، ثم إذا أصاب المعصية ندم .

فهذا الحديث – أي : حديث ثوبان - ليس على إطلاقه ، وإنما المراد به : من كانت عنده الجرأة - والعياذ بالله - ، والاستخفاف بحدود الله .

" شرح زاد المستقنع " ( رقم الدرس 332 ) .

نسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان ، وأن يزينه في قلوبنا ، ونسأله أن يبغِّض إلينا الكفر ، والفسوق ، والعصيان .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:14
هل وقت النّزول الإلهي هو السدس الخامس من الليل ، أو ثلث الليل الأخير كله؟

السؤال

اطّلعت على فتاوي أرقام: وفهمت أن ثلث الليل الأخير هو وقت السّحر هو وقت النّزول الإلهي وقد ورد بالتّحديد في الفتوى رقم 34810: "وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان

الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر". وهذا ينطبق علينا تماماً حيث أن آذان المغرب عند السّاعة الثّامنة وآذان الفجر عند السّاعة الخامسة

أي أن طول الليل 9 ساعات فيكون وقت النّزول ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الخامسة حسب الفتوى رقم 34810. ولكني قرأت في الفتوى رقم 132950 أن وقت جوف الليل الآخر

هو وقت النّزول وهو السّدس الخامس من أسداس الليل: (قال الحافظ ابن رجب : " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به : وسطه ، وإن قيل : جوف الليل الآخر ، فالمراد به وسط النصف الثاني

وهو السدس الخامس من أسداس الليل ، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ

273) . فيكون وقت النّزول في مدينتنا حسب الفتوى السّابقة ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الثّالثة والنّصف (السّدس الخامس من أسداس الليل). فمتى وقت النّزول الإلهي : هل هو وقت جوف الليل الآخر ، أم ثلث الليل الأخير كله ؟

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) .

وقد تظاهرت الروايات على تحديد وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا بـ "ثلث الليل الآخر" ، كالذي ورد هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه . قال الإمام الترمذي رحمه الله : " وهو أصح الروايات" .

"سنن الترمذي" (2/309) .

ولا يمنع ذلك أن يقال : إن السدس الخامس من أسداس الليل هو وقت النزول الإلهي ؛ فإن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين : الخامس والسادس

وأول هذا الثلث هو السدس الخامس ؛ فلذلك يصح أن يقال : إن وقت النزول هو الثلث الأخير ، وهو أيضا : السدس الخامس .

فإذا عرفنا أن بعض الروايات صرحت بامتداد ذلك النزول إلى الفجر ؛ كما في رواية لمسلم (758) :

( فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ ) ؛ ازداد الأمر وضوحا ، وعرفنا أن النزول يبدأ في الثلث الآخر من الليل ، وهو أيضا : السدس الخامس ، ليشمل السدس السادس ـ أيضا ـ بعده .

على أنه قد يقال : إنه إذا كان لهذا السدس الخامس خصوصية ؛ فلعله أن يكون أرجى أوقات الإجابة في الليل ، كما في الحديث عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ :

قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : ( جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ) رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني .

هذا مع أن غير واحد من أهل العلم يعبرون عن جوف الليل الآخر بأنه الثلث الآخر ، وأنه ـ أيضا ـ السدس الخامس ، لما قد ذكرناه فيما سبق من أن السدس الخامس هو أول ذلك الثلث.

قال الخطابي رحمه الله :

" قوله ( أي الساعات أسمع ) ، يريد : أيها أوقع للسمع ، والمعنى أيها أولى بالدعاء ، وأرجى للاستجابة ؟ وهذا كقول ضماد الأزدي ، حين عرض عليه رسول الله الإسلام

قال : فسمعت كلاما لم أسمع قولا قط أسمع منه ؛ يريد أبلغ منه ولا أنجع في القلب .

وجوف الليل الآخر : إنما هو الجزء الخامس من أسداس الليل ، وهذا موافق للحديث الذي يروى أن الله يمهل حتى يبقى الثلث الآخر من الليل فينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى هل من تائب فيغفر له " انتهى .

"غريب الحديث"، للخطابي (1/134) .

وقال ابن الأثير رحمه الله :

" وفيه : ( قِيل له : أيُّ اللَّيل أسْمَعُ ؟ قال : جَوْف الليل الآخِرُ ) ، أي : ثُلثُه الآخِرُ ، وهو الجُزء الخامِس من أسداس الليل " انتهى . "النهاية" (1/841) .

وقال المرتضى الزبيدي رحمه الله :

" وجَوْفُ اللَّيْلِ : الآخِرُ في الحَدِيثِ وهو قَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا سُئِلَ : أَي اللَّيْلِ أَسْمَعُ ؟ قال : ( جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ ) أَي : ثُلُثُةُ الآخِرُ ، وهو الجُزْءُ الْخَامِسُ مِن أَسْدَاسِ اللَّيْلِ ؛ أَي لا نِصْفُه كما زَعَمَهُ بَعْضُهم

" انتهى . "تاج العروس" (23/108) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:17
من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم الأسواق

السؤال

أرجو إرسال الحديث الخاص بالسوق ، وهل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن الأسواق ؟

الجواب

الحمد لله

الأحاديث والآثار الصحيحة الواردة في ذم الأسواق ثابتة في كتب السنة الصحيحة ، ومن ذلك :

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا ، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رواه مسلم (671)

وتروى في مناسبة هذا الحديث قصة طويلة ، لكنها موضوعة لا تصح ، انظر "السلسلة الضعيفة" (6500) .

قال النووي رحمه الله :

"لأنها محل الغش ، والخداع ، والربا ، والأيمان الكاذبة ، وإخلاف الوعد ، والإعراض عن ذكر الله ، وغير ذلك مما في معناه ، والمساجد محل نزول الرحمة ، والأسواق ضدها" انتهى باختصار .

"شرح مسلم" (5/171) .

وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : (لَا تَكُونَنَّ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ) رواه مسلم (2451) .

وقال ميثمٌ - رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - :

(بَلَغَنِي أَنَّ المَلَكَ يَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى المَسْجِدِ ، فَلاَ يَزَالُ بِهَا مَعَهُ حَتَّى يَرْجِعَ ، فَيَدْخُلَ بِهَا مَنْزِلَهُ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى السُّوقِ)

رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وقال ابن حجر : "موقوف صحيح السند" انتهى . "الإصابة" (3/496) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" .

قال ابن بطال رحمه الله :

"هذا إنما خرج على الأغلب ؛ لأن المساجد يذكر فيه اسم الله تعالى ، والأسواق قد غلب عليها اللغط واللهو والاشتغال بجمع المال ، والكَلَب على الدنيا من الوجه المباح وغيره

وأما إذا ذُكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال" انتهى .

"شرح صحيح البخاري" (6/249) .

وقال القرطبي رحمه الله :

"في هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق ، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان ، وهكذا قال علماؤنا ، لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر :

كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين ، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها ، فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده

وأنه إن أقام هناك هلك ، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته ، وتحرز من سوء عاقبته وبليته" انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (13/16) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:19
تفسير حديث ( لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين )

السؤال

. سؤالي يتعلق بحديث قرأته في تفسير ابن كثير ، في تفسيره للآية الواحدة والخمسين من سورة القلم ، والحديث يقول: ( نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْن )

وسؤالي هو : إذا كان الله عز وجل قد قدر لكل مخلوق ما سيكون ، وحفظ ذلك في اللوح المحفوظ ، وأن ما قدره سيحدث بكل تأكيد ، فكيف تتفوق العين الشريرة على القدر ؟

هل المقصود من هذا هو التأكيد على قوة العين الشريرة ؟

أرجو أن يكون السؤال واضحا .

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه الإمام مسلم (2188) في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) .

وروى الترمذي (2059) عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت : (يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ

فَقَالَ : نَعَمْ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/409) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1252) .

وليس في هذا الحديث ما يدل على معارضة العين لقدر الله عز وجل ، بل هي من القدر ، وكل ما يصيب الناس من مصائب وابتلاءات إنما هي من أقدار الله

ولكن الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات أثر العين ، كي يندفع ما في قلوب بعض الناس من الشك في تأثير العين على الإنسان ، ففي هذا الحديث إثبات أثر العين

وتأكيد ذلك بأسلوب المبالغة في سرعة التأثير وقوته ، وفيه أيضا إثبات أن العين من قدر الله .

قال القرطبي رحمه الله :

"(ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين) : هذا تحقيق لإصابة العين ، ومبالغة فيه تجري مجرى التمثيل ، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء ، فإن القدر عبارة عن سابق علم الله تعالى ونفوذ مشيئته

ولا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه ، وإنما هذا خرج مخرج قولهم : لأطلبنك ولو تحت الثرى . أو : لو صعدت إلى السماء ، ونحوه مما يجري هذا المجرى ، وهو كثير" انتهى بتصرف يسير .

"المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (5/566) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

"وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين ) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له ، وأن العين لا تسبق القدر ، ولكنها من القدر" انتهى .

"التمهيد" (6/240) .

وقال أيضا رحمه الله :

"وفي قوله : ( لو سبق شيء القدر لسبقته العين ) دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى ، وما علم فلا بد من كونه على ما علمه ، لا يتجاوز وقته

ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه" انتهى .

"الاستذكار" (8/403) .

وقال القاضي عياض رحمه الله :

"(لو سبق شيء القدر سبقته العين) : بيان أن لا شيء إلا ما قدره الله ، وأن كل شيء من عين وغيره إنما هو بقدر الله ومشيئته ، لكن فيه صحة أمر العين وقوة دائه" انتهى .

"إكمال المعلم" (7/85) .

قال النووي رحمه الله :

"(ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين) فيه إثبات القدر ، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة ، ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى

ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى ، وسبق بها علمه ، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى" انتهى .

"شرح مسلم" (14/174) .

وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله :

"(لو سبق القدر شيء لسبقته العين) يقتضي أنه لا يسبق القدر شيء ... لكن لما كان تأثير العين تأثيرا متواليا بينا قال فيه صلى الله عليه وسلم هذا القول على معنى المبالغة فيه" انتهى .

"المنتقى شرح الموطأ" (7/258) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين ، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء ، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله ، وهو لا راد لأمره ، أشار إلى ذلك القرطبي

وحاصله : لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين ، لكنها لا تسبق ، فكيف غيرها ؟!" انتهى .

"فتح الباري" (10/203-204) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-21, 17:23
ما معنى في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ؟

السؤال

اللهم متعنا بالنظر لوجهك الكريم ، في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة . ما معنى هذا الدعاء ؟

الجواب

الحمد لله

هذا الدعاء يرويه الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه ، فيقول :

( أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهِمَا – يعني في الركعتين - بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ : اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي

أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ )

رواه أحمد في " المسند " (30/265) وصححه محققو طبعة مؤسسة الرسالة ، ورواه النسائي في " السنن " (رقم/1305): وفي لفظه بعض الزيادة :

( أَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ

فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح النسائي " وكتب أخرى.

وقوله صلى الله عليه وسلم ( في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ) احتراز عن أن يكون الشوق إلى لقاء الله سببه ضرر أو فتنة لحقت بالعبد ، بل يسأل الله شوقا إليه ، سبَبُهُ حبه سبحانه وتعالى ، ورجاءُ ما عنده من الفضل .

وقد شرح الحافظ ابن رجب جملا من هذا الدعاء في رسالة بعنوان : " شرح حديث لبيك الله لبيك " (ص/95)، فكان مما قاله :

" وإنما قال : ( من غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة ) لأن الشوق إلى لقاء الله يستلزم محبة الموت ، والموت يقع تمنيه كثيرا من أهل الدنيا بوقوع الضراء المضرة في الدنيا

وإن كان منهيا عنه في الشرع ، ويقع من أهل الدين تمنيه لخشية الوقوع في الفتن المضلة ، فسأل تمني الموت خاليا من هذين الحالين

وأن يكون ناشئا عن محض محبة الله ، والشوق إلى لقائه ، وقد حصل هذا المقام لكثير من السلف ، قال أبو الدرداء : أحب الموت اشتياقا إلى ربي .

وقال أبو عتبة الخولاني : كان إخوانكم للقاء الله أحب إليهم من الشهد . وقالت رابعة : طالت عليَّ الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله " انتهى.

ويقول الشوكاني رحمه الله في شرح هذا الدعاء :

" قوله : ( بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ) فيه دليل على جواز التوسل إليه تعالى بصفات كماله وخصال جلاله .

قوله : ( أحييني ) إلى قوله : ( خيرا لي ) هذا ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ : (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي )

وهو يدل على جواز الدعاء بهذا ، لكن عند نزول الضرر

كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور المتفق عليه ، ولفظه : ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ) إلى آخره .

قوله : ( خشيتك في الغيب والشهادة ) أي : في مغيب الناس وحضورهم ؛ لأن الخشية بين الناس فقط ليست من الخشية لله ، بل من خشية الناس .

قوله : ( وكلمة الحق في الغضب والرضا ) إنما جمع بين الحالتين ؛ لأن الغضب ربما حال بين الإنسان وبين الصدع بالحق ، وكذلك الرضا ربما قاد في بعض الحالات إلى المداهنة وكتم كلمة الحق .

قوله : ( والقصد في الفقر والغنى ) القصد في كتب اللغة بمعنى : استقامة الطريق والاعتدال، وبمعنى ضد الإفراط ، وهو المناسب هنا ؛ لأن بطر الغنى ربما جر إلى الإفراط .

وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط ، فالقصد فيهما هو الطريقة القويمة .

قوله : ( والشوق إلى لقائك ) إنما سأله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من موجبات محبة الله للقاء عبده ، لحديث : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ) ومحبة الله تعالى لذلك من أسباب المغفرة .

قوله : ( مُضِرَّة ) إنما قيد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن الضراء ربما كانت نافعة آجلا أو عاجلا ، فلا يليق الاستعاذة منها .

قوله : ( مُضِلَّة ) وصفها صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن من الفتن ما يكون من أسباب الهداية ، وهذا بهذا الاعتبار مما لا يستعاذ منه . قال أهل اللغة : الفتنة الامتحان والاختبار " انتهى.

" نيل الأوطار " (2/333)

وينظر : " فيض القدير " للمناوي (2/184-185)

" فقه الأدعية والأذكار" (3/160-165).

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 15:25
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يجب علي أن أذكر الله في كل مجلس ؟

السؤال

ما معنى هذه الأحاديث الثلاثة : 1-( من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة , ومن اضطجع مضجعاً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة

) 2-( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه

, ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة , فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم )

3- ( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة )

هل يعني هذا أني لا بد أن أذكر الله دائماً ، وأصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم كلما تكلمت مع أي شخص ، وأني لو لم أفعل أثمت ؟.

الجواب

الحمد لله

تدل هذه الأحاديث وغيرها على استحباب إعمار المجالس بذكر الله تعالى ، وقضاء الأوقات في النافع المفيد ، كما تدل على التحذير من الوقوع فيما يؤدي إلى الندم يوم القيامة

لا نعني الندم بسبب الوقوع في المعاصي ، بل الندم بسبب عدم الاستكثار من الخير الذي يرفع الدرجات ، ويبلغ بالمؤمن أعلى المقامات .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

( مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ )

رواه أبو داود (4856) وبوب عليه بقوله : باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله .

وروى نحوه ابن حبان في " صحيحه " (3/133) وبوب عليه بقوله

: ذكر استحباب الذكر لله جل وعلا في الأحوال ، حَذَرَ أن يكون المواضع عليه ترة في القيامة .

وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/262) تحت باب :

" الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه ، ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم " انتهى.

ولفظ الترمذي للحديث : ( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ )

رواه الترمذي في السنن (رقم/3380)

وبوب عليه بقوله: باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله. وقال عقب الرواية : هذا حديث حسن ، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى قوله : ( ترة ) : يعني حسرة وندامة " انتهى.

فقد استدل العلماء بهذه الأحاديث على كراهة أن تخلو المجالس من ذكر الله ، وليس على تحريم ذلك ، فالحسرة لا يلزم أن تكون بسبب ترك الواجبات

بل يمكن أن تقع بسبب ترك المستحبات التي ترفع إلى أعلى الدرجات ، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال

: يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره ، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات .

كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (ص/135).

وقوله في الحديث : ( إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ) يدل بظاهره على وجوب الذكر في كل مجلس ، لأن العذاب والمغفرة لا يكون إلا عن ذنب

إما بترك واجب ، وإما بفعل محرم. قال ابن علان رحمه الله :

" (فإن شاء عذبهم) جزاء ما قصروا في ذلك بتركها ( وإن شاء غفر لهم ) ذلك النقص . وهذا يقتضي وجوب وجود الذكر والصلاة على النبي في المجلس

لأنه رتب العذاب على ترك ذلك وهو آية الوجوب ، ولم أر من ذكر عنه القول بوجوب ذلك في كل مجلس ، والحديث يقتضيه "

انتهى . دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (6/127) .

والذي حمل أهل العلم الحديث عليه هو كراهة إخلاء المجلس من ذكر الله تعالى .

قال الإمام النووي رحمه الله :

" يكره لمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه ، لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ...وذكر الحديث " انتهى.

" المجموع " (4/477-478) .

وأما المغفرة المذكورة فهي محمولة على ذنوب أخرى ، أو على التشديد في ترك ذلك .

قال الملا علي القاري رحمه الله :

" (إن شاء عذبهم) أي : بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة .. قال الطيبى : قوله فإن شاء عذبهم ، من باب التشديد والتغليظ ، ويحتمل أن يصدر من أهل المجلس ما يوجب العقوبة " .

"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/37) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 15:36
شرح حديث يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى

السؤال

قمت بإهداء بضعة كتب إسلامية باللغة الفرنسية لشخص غير مسلم , من بين تلك الكتب كتاب 110 أحاديث قدسية ، نشر دار السلام , قال لي ذلك الشخص إنه مقتنع أن القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله ,

ولكن أبدى تحفظه ، ولم يفهم حديثا قدسيا في ذلك الكتاب ، والذي هو: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تحشر هذه الأمة على ثلاثة أصنافٍ

صنف يدخلون الجنة بغير حسابٍ ، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة ، وصنف يجيئون على ظهورهم أمثال الجبال الراسيات ذنوباً ، فيسأل الله عنهم وهو أعلم بهم

فيقول : ما هؤلاء ؟

فيقولون : هؤلاء عبيد من عبادك ، فيقول : حطوها عنهم واجعلوها على اليهود والنصارى ، وأدخلوهم برحمتي الجنة ) قال لي : لماذا على اليهود والنصارى ؟

قلت له : اليهود والنصارى الذين خالفوا شرع الله ، وأضلوا الناس ، وقاتلوا الأنبياء ، وليس الذين اتبعوا شرع الله ، واتبعوا الأنبياء ! قال : لا لم يذكر هذا في الحديث ، ولكن جاء كلمة ( اليهود والنصارى )

. قلت له : هناك شرح لكل حديث سأخبرك عنه لاحقاً لأسأل بعض أهل الحديث , وللأسف أن بعض الكتب المترجمة لا تشرح لغير المسلم وتوضح له . أريد شرحا مفصلا ، أفيدوني بارك الله بكم ( أن لا تزر وازرة وزر أخرى )

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث المذكور أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (10/343) ، قال الهيثمى : فيه عثمان بن مطر وهو مجمع على ضعفه . والحاكم (1/126 ، رقم 193)

وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، وسكت عنه الذهبي .

وأصل الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ )

وكان سعيد بن أبي بردة قد حدَّث بهذا الحديث أمام عمر بن عبد العزيز ، فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فحلف له .

وفي لفظ :

( لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا )

وكلها في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من طريق أبي بردة عن أبيه حديث رقم : (2767)

وقد أخذ هذا الحديث عن أبي بردة أكثر من ثمانية من الرواة ، كما في " مسند أحمد " (4/391)، ومسند عبد بن حميد (537،540)، وسنن ابن ماجه (4291)، وغيرها

اختلفت ألفاظ بعضهم عن بعض ، إلا أنها متفقة في المعنى كلها ، تتحدث عن فداء المسلم من النار بواحد من اليهود والنصارى .

غير أن واحدا من هذه الألفاظ فيه اختلاف عن الباقي ، وهو ما يرويه غيلان بن جرير ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، بلفظ : ( يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ

فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ ، وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى )

ثانيا :

ولما كان ظاهر هذا الحديث مخالفا لقول الله تعالى : ( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الأنعام/164، كان للعلماء مسلكان في التعامل مع هذا الحديث :

المسلك الأول :

عدم قبوله وتضعيفه لسببين :

1- اختلاف الرواة عن أبي بردة في إسناد الحديث .

فمرة يقول بعضهم : عن أبي بردة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرى يقول آخر : عن أبي بردة ، عن عبد الله بن يزيد.

ويقول آخر : عن أبي بردة ، عن رجل من أصحاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وجاء مرة عن أبي بردة ، عن رجل من الأنصار ، عن أبيه .

ومرة عن أبي بردة ، عن رجل من الأنصار ، عن بعض أهله .

كل هذه الأوجه نجدها في " التاريخ الكبير " للإمام البخاري رحمه الله (1/39)

ثم قال الإمام البخاري رحمه الله :

" والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة ، وأن قوما يُعَذَّبُون ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر ... - ثم قال - : ألفاظهم مختلفة الا أن المعنى قريب " انتهى.

" التاريخ الكبير " (1/39)

وقال الإمام البيهقي رحمه الله :

" وقد علل البخاري حديث أبي بردة باختلاف الرواة عليه في إسناده ، ثم قال : الحديث في الشفاعة أصح " انتهى.

" البعث والنشور " (حديث رقم/ 86)

2- بسبب شك الراوي فيه ، فقد جاءت في رواية الإمام مسلم الأخيرة قول أحد رواة الحديث: ( ويضعها على اليهود والنصارى فيما أحسب أنا ) قال أبو روح حرمي بن عمارة أحد رواة الحديث : لا أدري ممن الشك .

قال البيهقي رحمه الله :

" اللفظ الذي تفرد بها شداد أبو طلحة بروايته في هذا الحديث . وهو قوله : ( ويضعها على اليهود النصارى ) مع شك الراوي فيه : لا أراه محفوظا . والكافر لا يعاقب بذنب غيره . قال الله عز وجل : ( لا تزر وازرة وزر أخرى )

وإنما لفظ الحديث على ما رواه سعيد بن أبي بردة ، وغيره ، عن أبي بردة " انتهى.

" البعث والنشور " (حديث رقم/86)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وفي حديث الباب وما بعده – وهي أحاديث تحت باب القصاص يوم القيامة - دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير ... - وذكر الحديث ونقل عن البيهقي تضعيفه - " انتهى باختصار.

" فتح الباري " (11/398)

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

" رواه الجماعة عن أبي بردة دون تلك الزيادة – يعني لفظ ( ويضعها على اليهود والنصارى ) ، فهي عندي شاذة ، بل منكرة ، لوجوه :

أولا : أن الراوي شك فيها ، وهو عندي شداد أبو طلحة الراسبي

أو الراوي عنه حرمي بن عمارة ، و لكن هذا قد قال - و هو أبو روح -

: ( لا أدري ممن الشك )، فتعين أنه الراسبي، لأنه متكلم فيه من قبل حفظه وإن كان ثقة في ذات نفسه ، ولذلك أورده الذهبي في " الضعفاء "

وقال : قال ابن عدي : لم أر له حديثا منكرا . و قال العقيلي : له أحاديث لا يتابع

عليها . وقال الحافظ في " التقريب "

: صدوق يخطئ . وليس له في مسلم إلا هذا الحديث .

قال الحافظ في " التهذيب " : " لكنه في الشواهد " .

ثانيا : ولما كان قد تفرد بهذه الزيادة التي ليس لها شاهد في الطرق السابقة ، وكان فيه ما ذكرنا من الضعف في الحفظ ، فالقواعد الحديثية تعطينا أنها زيادة منكرة ، كما لا يخفى على المهرة .

ثالثا : أن هذه الزيادة مخالفة للقرآن القائل في غير ما آية : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) " انتهى باختصار.

" السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/1316، ورقم/5399).

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 15:37
المسلك الثاني :

توجيه معنى الحديث بما يتوافق مع ظاهر القرآن الكريم :

قال الإمام البيهقي رحمه الله :

" ووجه هذا عندي - والله أعلم - أن الله تعالى قد أعد للمؤمن مقعدا في الجنة ومقعدا في النار كما روي في حديث أنس بن مالك ، كذلك الكافر كما روي في حديث أبي هريرة

فالمؤمن يدخل الجنة بعدما يرى مقعده من النار ليزداد شكرا ، والكافر يدخل النار بعد ما يرى مقعده من الجنة لتكون عليه حسرة ، فكأن الكافر يورث على المؤمن مقعده من الجنة

والمؤمن يورث على الكافر مقعده من النار ، فيصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر " انتهى.

" البعث والنشور " (حديث رقم/85)

وذكر رحمه الله احتمالا آخر في شرح الحديث الذي بعده فقال :

" ويحتمل أن يكون حديث الفداء في قوم قد صارت ذنوبهم مكفرة في حياتهم ، وحديث الشفاعة في قوم لم تعد ذنوبهم مكفرة في حياتهم

ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة ، فلا يكون بينهما اختلاف ، والله أعلم " انتهى.

وقال الإمام النووي رحمه الله :

" معنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبى هريرة : ( لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار ) فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره .

ومعنى : ( فكاكك من النار ) أنك كنت معرَّضا لدخول النار ، وهذا فكاكك ؛ لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها

فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين .

وأما رواية : ( يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب ) : فمعناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم

لا بذنوب المسلمين ، ولا بد من هذا التأويل ، لقوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ، وقوله : ( ويضعها ) مَجاز ، والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه

لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم ، وأبقى على الكفار سيئاتهم ، صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو إثمهم

ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها ، بأن سنُّوها ، فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى ، ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها ، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها " انتهى.

" شرح مسلم " (17/85)

وقال رحمه الله :

" معنى ( فكاكك ) : أنك كنت معرضا لدخول النار ، هذا فكاكك ؛ لأن الله تعالى قدر للنار عددا يملؤها ، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين ، والله أعلم " انتهى.

" رياض الصالحين " (ص/534) .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى

: ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) :

" قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنَان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( ما منكم من أحد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فإن مات فدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله ، فذلك قوله : ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ) ) - رواه ابن ماجه في السنن برقم (4341) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في

" فتح الباري " (11/451): إسناده صحيح. وقال البوصيري في " الزوائد " (3/327) : " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين "، وصححه السيوطي في " البدور السافرة " (ص/456) -

وقال ابن جُرَيْج ، عن لَيْث ، عن مجاهد

( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ) قال : ما من عبد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فأما المؤمن فيُبنَى بيته الذي في الجنة ، ويُهدّم بيته الذي في النار

وأما الكافر فيُهْدَم بيته الذي في الجنة، ويُبنى بيته الذي في النار .

وروي عن سعيد بن جُبَيْر نحو ذلك .

فالمؤمنون يرثون منازل الكفار ؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى ، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة ، وترَكَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقوا له - أحرزَ هؤلاء نصيب

أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ، بل أبلغ من هذا أيضًا ، وهو ما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي بُردَةَ ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ...- ثم ذكر الأحاديث السابقة " انتهى باختصار.

" تفسير القرآن العظيم " (5/465)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وقال غيره – يعني غير البيهقي - يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة بلفظ

: ( لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ..)

الحديث، وفيه في مقابله : (ليكون عليه حسرة) فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له

وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له ، وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا) ، وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره .

وأما رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره : بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين ، فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم ، فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين

ويكون قوله : ( ويضعها ) أي : يضع مثلها ؛ لأنه لما أسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الإثم الباقي وهو إثمهم .

ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها ، فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية ، لكون الكافر لا يغفر له

فيكون الوضع كناية عن إبقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ ، ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة

سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة . وهذا الثاني أقوى . والله أعلم " انتهى.

" فتح الباري " (11/398)

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/468) :

" أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيغفرها للمسلمين ويضعها على اليهود والنصارى ) ، فهذا الحديث قد شك راويه فيه ، ولا يحتج به مع الشك ، ولكونه يخالف ظاهر القرآن الكريم

لكن إن صح عنه صلى الله عليه وسلم فهو لا يقول إلا الحق ، ويجب حمله على ما يوافق الأدلة الأخرى ، وذلك بحمله على اليهود والنصارى الذين كانوا سببا في وقوع المسلمين في الذنوب التي غفرت لهم

لقوله سبحانه : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من دعا إلى ضلالة كان عليه مثل إثم من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )

ولما جاء في معناه من الأحاديث " انتهى.

وانظر جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 15:41
معنى حديث وضع ذنوب المسلمين على كفار أهل الكتاب

السؤال

نرجو شرح الحديث القدسي الآتي الذي ورد ذكره في كتاب (110 حديث قدسي) ترجمة: سيد مسعود الحسن، راجعه وعلق عليه إبراهيم م قنا نشر دار السلام بالرياض 1996م/1417هـ.

الحديث الثامن من ص 19 - 20 يقول: روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن المسلمين ينقسمون يوم القيامة إلى 3 أقسام أحده يدخل الجنة بغير حساب والثانية يدخلون الجنة

بعد حساب قليل أما الثالثة فيأتون يحملون أوزاراً كثيرة فيسأل الله عنهم الملائكة -وهو أعلم بهم- من هؤلاء؟ فيقولون هؤلاء عبادك المساكين.

فيقول خذوا أوزارهم وضعوها على اليهود والنصارى وأبدلوهم حسنات وأدخلوهم الجنة. رواه الحاكم في المستدرك.

فما معنى هذا الحديث وما مدى صحته؟.

الجواب

الحمد لله

الحديث أصله في صحيح مسلم ( 2767 ) من حديث أبي موسى رضي الله عنه ، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال

فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى " . هذا من حيث صحته .

وأما معناه ، فقال النووي في شرحه : ( ومعنى هذا الحديث ، ما جاء في حديث أبي هريرة :

" لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار " ، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلَفَه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره . ومعنى " فكاكك من النار "

: أنك كنت مُعَرَّضَا لدخول النار ، وهذا فكاكك لأن الله تعالى قدّر لها عددا يملؤها ، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين . وأما رواية :

" يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب " : فمعناه : أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويُسقطها عنهم ، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم

فيدخلهم النار بأعمالهم ، لا بذنوب المسلمين ، ولا بد من هذا التأويل ، لقوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . ويحتمل أن يكون المراد :

آثاما كان للكفار سبب فيها بأن سنّوها ، فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى ، ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنّوها ، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها .

الشيخ سعد الحميد

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 15:49
هل لمن سلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فضل معين ؟

السؤال

أخي حين كان عمره (١٠) سنين في قريتنا رأى النبي الله صلي الله عليه وسلم ، وسلَّم عليه ، وعلى عمِّي ، وأمي ، وأخي ، وعليَّ أنا

وكان صفته كما ذكر في الحديث ، كما قال أخي ، وأخبره صلى الله عليه وسلم عن كنز بجانب الطريق الذي بجانب بيتنا . سؤالي حفظكم الله :

هل مَن سلَّمَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمسه النار ، كما سمعت من بعض الناس ، وما هو الكنز .

الجواب

الحمد لله

أولا :

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام - إذا وقعت على صورته الحقيقية - فهي رؤيا حق وصدق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم

عن أبي هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " مَن رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي " .

رواه البخاري ( 6592 ) ومسلم ( 2266 ) .

زاد البخاري : قال ابن سيرين إذا رآه في صورته .

وفي رواية عند أحمد ( 3400 ) : " فإن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي " .

ثانيا :

إذا رأى الرائي في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية ، ورآه في حالٍ مُبَشِّرٍ بالخير أو متكلِّمٍ به : فلا شك أن ذلك مِن عاجل البشرى ، ويُرجى لصاحبها الخير من ورائها ، إن شاء الله .

أما إن رآه على حال الغضب منه ، والإنكار عليه ، أو بما يُؤَوِّلُه المعبِّرُ العارف الصادقُ أنه أمارة شرٍّ في الرائي : فيجب عليه حينئذ أن يتَّعظ بهذه الرؤيا ، ويتدارك ما فرط وقصر .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" إن رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه – أي وخيرٌ فيه - ، وعلى العكس فبالعكس..

. - فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقد - رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به ، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها ، ولا يهمل أمرها

لأنها إما بشرى بخير ، أو إنذار من شر ، إما ليخيف الرائي ، وإما لينزجر عنه ، وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.... " انتهى.

" فتح الباري " (12/384)

ثالثا :

بذلك نعلم خطأ دعوى أنَّ كلَّ مَن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على أي حال كانت هذه الرؤيا أنه قد حرمه الله على النار

وبشره بدخول الجنة ، فهذا فَضْلٌ غيبيٌّ لا يجوز تصديقه إلا إذا جاء به دليل خاص من الكتاب والسنة الصحيحة ، وقد بحثنا عنه فلم نقف إلا على حديثين يَستدل بهما بعض الناس ، ولا يصح الاستدلال بهما على ذلك :

أما الحديث الأول :

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي )

رواه الترمذي (3858) وقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم . ولكنه حديث ضعيف ، وعبارة الترمذي تشير إلى تضعيف هذا الوجه ، وضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الترمذي ".

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" وأما الحديث : ( من رآني فقد حرمت عليه النار ) فهذا لا أصل له ، وليس بصحيح " انتهى. باختصار.

" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 445 ) و ( 25 / 126 ) .

وأما الحديث الثاني :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي )

رواه البخاري (6993)، ومسلم (2266) ولفظه: ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ - أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ - لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي )

فذهب بعض العلماء – كما ذكره القاضي عياض وجها في تأويل الحديث - أن في قوله صلى الله عليه وسلم :

( فسيراني في اليقظة ) بشرى لكل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، أنه سيكون معه صلى الله عليه وسلم في الجنة ، ويراه هناك ، وسينال شفاعته يوم القيامة .

والأقرب للصواب في تأويل الحديث هو ما توضحه رواية الإمام مسلم رحمه الله ، حيث جاء فيها ( لكأنما رآني في اليقظة )، يريد بذلك صلى الله عليه وسلم تأكيد

أن من رآه في المنام على صورته الحقيقية لا ينبغي له التشكك في صورته ووجهه ، كأنما رآه في اليقظة ، وهذا اللفظ هو الأكثر في روايات الحديث .

ينظر : " فتح الباري " (12/383)

" السلسلة الصحيحة " (رقم/2729) .

وأما رواية ( فسيراني في اليقظة )، فقد فسرها العلماء بما يتوافق مع ألفاظ الأحاديث الأخرى.

قال الإمام النووي رحمه الله :

" قال العلماء : إن كان الواقع في نفس الأمر : ( فكأنما رآني ) فهو كقوله صلى الله عليه وسلم : ( فقد رآني ) أو ( فقد رأى الحق ) كما سبق تفسيره .

وإن كان : ( سيراني في اليقظة ) ففيه أقوال :

أحدها : المراد به أهل عصره ، ومعناه أنَّ مَن رآه في النوم ولم يكن هاجر ، يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا .

والثاني : معناه أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة ؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته : مَن رآه في الدنيا ومَن لم يره .

والثالث : يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته " انتهى.

" شرح مسلم " (15/26)

وينظر : " فتح الباري " (12/385)

فيض القدير، للمناوي (6/133) .

وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/484) :

" معنى الحديث على هذه الرواية :

أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صورته التي كان عليها في الدنيا فسيرى تأويل رؤياه ،

ووقوع ما أشارت إليه من الخبر في دنياه ؛ لأن رؤياه على صورته حق ؛ لما دل عليه قوله آخر الحديث : ( فإن الشيطان لا يتمثل بي ) " انتهى.

والحاصل : أننا نرجو أن تكون الرؤيا التي رآها الأخ السائل من مبشرات الخير له

ولكل من سلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، ولكننا لا نجزم بتحريم أحد على النار بسبب هذه الرؤيا ، كما لا نجزم في تفسير الكنز المذكور في المنام بشيء معين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 15:52
شرح حديث: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا)

السؤال

أريد شرح الحديث : (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا)

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث من الأحاديث العظيمة الجليلة التي تكسو القلوب انكسارا بين يدي الله ، واعترافا بالفقر إليه ، ورجاء رحمته وعفوه وإحسانه ، فالأمر خطير جد خطير

والله سبحانه وتعالى يقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج/1-2 .

هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، وكذا رواه الإمام مسلم وغيره ، وذلك في أحاديث عدة ، ترد بمناسبات مختلفة، وسياقات متعددة ، كلها تتضمن هذه الجملة العظيمة : (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله ، وانتقامه ممَّن يعصيه ، والأهوال التي تقع عند النزع ، والموت ، وفي القبر ، ويوم القيامة ، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة ، والمراد به التخويف" انتهى .

"فتح الباري" (11/319) .

وقال النووي رحمه الله :

"لو رأيتم ما رأيتُ ، وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوم وقبل اليوم لأشفقتم إشفاقا بليغا ، ولقلَّ ضحككم وكثر بكاؤكم" انتهى .

"شرح مسلم" (15/112) .

وقال القرطبي رحمه الله :

"وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ) : يعني ما يعلم هو من أمور الآخرة وشدة أهوالها ، ومما أعد في النار من عذابها وأنكالها

ومما أعد في الجنة من نعيمها وثوابها ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد كان رأى كل ذلك مشاهدة وتحقيقا ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان ، قليل الضحك ، جُلُّه التبسم" انتهى .

"المفهم" (2/557) .

وقال المناوي رحمه الله :

"(لو تعلمون ما أعلم) أي : من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وأهوال القيامة وأحوالها ما علمته لما ضحكتم أصلا

المعبر عنه بقوله (لضحكتم قليلا) إذ القليل بمعنى العديم على ما يقتضيه السياق ، لأن (لو) حرف امتناع لامتناع" انتهى .

"فيض القدير" (5/402) .

ومن أعظم سياقات هذا الحديث ما رواه الترمذي (2312)

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ

وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1722) .

قال المباركفوري رحمه الله :

"قوله : (إني أرى ما لا ترون) أي : أبصر ما لا تبصرون .

(أطَّت السماء) : أي : صوَّتت ، أي : أصدرت صوتاً . وأطيط الإبل : أصواتها وحنينها .

(وحُقَّ) أي : ويستحق وينبغي (لها أن تئط) أي : تصوت .

(ما فيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك) أي : فيه مَلَك .

(واضع جبهته لله ساجداً) قال القاري : أي منقاداً ، ليشمل ما قيل إن بعضهم قيام ، وبعضهم ركوع ، وبعضهم سجود ، كما قال تعالى حكاية عنهم : (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ)

أو خص السجود باعتبار الغالب منهم ، أو هذا مختص بإحدى السماوات .

(إلى الصُّعُدات) أي : الطرق . وقيل : المراد بالصعدات هنا البراري والصحاري .

(تجأرون إلى الله) أي : تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء" انتهى باختصار .

"تحفة الأحوذي" (6/601-602) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 15:59
التوفيق بين حديث ( لن تُغزى مكة بعد هذا العام ) وغزو الحجاج والقرامطة لها

السؤال

لي سؤال مرتبط بالحديث التالي من كتاب صحيح الجامع الصغير: ( لَنْ تُغزى مكةُ بعد هذا العام أبداً ) ، فيكف يكون فهمنا للحديث وهناك حوادث ،

مثل : غزو مكة على يد أبي طاهر من القرامطة ، والعراك الذي دار بين الحَجَّاج وعبد الله بن الزبير ؟

الجواب

الحمد لله

نص الحديث الذي سأل عنه السائل : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ

: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَداً) رواه أحمد في "مسنده" (24/133) ، وحسَّنه المحققون .

وللحديث شاهد عند الترمذي ( 1611 ) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ : (لاَ تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وأما معنى الحديث فهو محمول على معنيين :

الأول : أن أهل مكة لا يَكفرون أبداً , ولا يُغزون على الكفر ؛ وهكذا فسَّره سفيان بن عيينة ، كما نقله عنه الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " ( 4 / 162 ) .

ويشهد لذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا تَنْتَهِي الْبُعُوثُ عَنْ غَزْوِ هَذَا الْبَيْتِ حَتَّى يُخْسَفَ بِجَيْشٍ مِنْهُمْ) رواه النسائي (2878) ، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .

والثاني : أنه إخبارٌ بمعنى النهي ، أي : لا يجوز لمسلم ، أو لجيش أن يتعرض لحرمتها .

ويشهد لهذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ - أَوِ : الْفِيلَ - وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي

وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"وَمُحَصِّله : أَنَّهُ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي ، بِخِلَافِ قَوْله : ( فَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ) فَإِنَّهُ خَبَر مَحْض ، أَوْ مَعْنَى قَوْله : (وَلَا تَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) أَيْ : لَا يُحِلّهَا اللَّه بَعْدِي ، لِأَنَّ النَّسْخ يَنْقَطِع بَعْده ؛ لِكَوْنِهِ خَاتَم النَّبِيِّينَ" انتهى .

"فتح الباري" (4/46) .

وعلى كلا الوجهين لا يرِد ما فعله الجنابي القرمطي

ولا الحجَّاج الظالم ، بالكعبة ، وأهلها ، فهم لم يغزوا مكة لأجل كفر أهلها ، بل الأول هو الكافر كفراً أشد من كفر أهل الكتاب ، والثاني لم يرد إلا إخضاع عبد الله بن الزبير لطاعة الخليفة المسلم .

وقد ذكر ابن كثير رحمه الله ما فعله أبو طاهر الجنابي بمكة وأهلها ، ثم قال :

"وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً فقال : قد أحلَّ الله سبحانه بأصحاب الفيل ,

وكانوا نصارى ما ذكره في كتابه , ولم يفعلوا بمكة شيئاً مما فعله هؤلاء ,

ومعلوم أن القرامطة شرٌّ من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ؛ بل ومن عبَدة الأصنام , وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد ؛ فهلا عوجلوا بالعذاب ، والعقوبة ، كما عوجل أصحاب الفيل ؟

وقد أجيب عن ذلك : بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهاراً لشرف البيت , ولِما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم من البلد الذي فيه البيت الحرام

فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها , وإرسال الرسول منها : أهلكهم سريعاً عاجلاً , ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله ، فلو دخلوه وأخربوه : لأنكرت القلوب فضله ,

وأما هؤلاء القرامطة : فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع , وتمهيد القواعد ,

والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة ، والكعبة , وكل مؤمنٍ يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً , وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين

بما تبيَّن من كتاب الله وسنَّة رسوله ، فلهذا لم يحتج الحال إلى معالجتهم بالعقوبة ، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار , والله سبحانه يمهل ، ويُملي ، ويستدرج ، ثم يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ" انتهى .

" البداية والنهاية " ( 11 / 162 ) .

والله أعلم
.

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 16:05
المقصود بالنهي عن كثرة السؤال

السؤال

روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593) .

فهل يعني كثرة السؤال هنا كثرة الطلب من الناس؟

وهل يتعارض هذا مع كثرة الطلب من الله ، فالله يقول في كتابه الكريم : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/60 ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

هذا الحديث من آداب الإسلام العظيمة ، إذا امتثله المسلم حفظ به عمرَه ، ومالَه ، وجهدَه ، ووقاه من شر النفس ونوازع التفريط والضياع .

وقد ذكر العلماء رحمهم الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (وكثرة السؤال) أوجها عديدة ، كلها تدخل في إطلاق هذا اللفظ ، وهي :

1- سؤال الناس أموالهم ، وبذل ماء الوجه في سبيل ذلك .

2- سؤال العلماء عن المسائل العويصة التي لا تنفع المسلمين ، وإنما تفتح عليهم أبواب النزاع ، وتثير بينهم مكنون الشقاق .

3- السؤال عن المسائل التي يندر وقوعها أو يستحيل ، لما فيه من التنطع والتكلف .

4- كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وتفاصيل الوقائع مما لا يقدم منفعة وإنما يضيع به الوقت .

5- كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله ، والدخول في خصوصيات حياته التي يكره أن يطلع الناس عليها ، فيقع في الضيق والحرج بسبب سؤاله عن ذلك .

6- سؤال السائل عما لا يعنيه ، ولا شأن له به .

وهذه أمور مذمومة كلها – كما ترى - فالأوجَهُ في تفسير الحديث حمله على إطلاقه ، واعتبار أن كل ما دل الشرع والأدب على كراهة السؤال عنه وكراهة طلبه فهو داخل في هذا الحديث .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"قوله : (وكثرة السؤال) هل هو سؤال المال ، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات ، أو أعم من ذلك ؟ الأولى حمله على العموم .

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان ، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله ، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا ، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات

. أخرجه أبو داود من حديث معاوية . وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا ، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن ، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ" انتهى .

"فتح الباري" (10/407) .

وقال القرطبي رحمه الله :

"والوجه : حمل الحديث على عمومه ، فيتناول جميع تلك الوجوه كلها" انتهى .

"المفهم" (5/164) .

وقال النووي رحمه الله :

"وأما (كثرة السؤال) فقيل : المراد به القطع في المسائل ، والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك

وكان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه ، وفي الصحيح : (كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) .

وقيل : المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك .

وقيل : يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني الإنسان ، وهذا ضعيف ؛ لأنه قد عرف هذا من النهي عن (قيل وقال) .

وقيل : يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره ، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤول

فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله ، فإن أخبره شق عليه ، وإن كذبه في الأخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة ، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب" انتهى .

"شرح مسلم" (12/11) .

وعلى هذا ، فمعنى (كثرة السؤال) أي : سؤال الناس .

وأما سؤال الله ودعائه فهو من أفضل العبادات ، فالله تعالى يحب من عباده أن يسألوه ، ويحب الملحين في الدعاء .
وبهذا يتبين معنى الحديث ، والفرق بين سؤال الناس الذين هم فقراء إلى الله ، وسؤال الله الغني الحميد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 16:07
المراد بنفي الإيمان في حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)

السؤال

في الحديث : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ، هل المقصود أن الشخص كافر - حتى لو أنه يؤمن بالقرآن والسنة - حتى يحب إخوانه ، أم المقصود أنه غير كامل الإيمان ؟

أرجو التوضيح .

الجواب

الحمد لله

يرد نفي الإيمان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويراد به تارةً : نفي أصل الإيمان

فيكون الشخص كافراً . ويراد به تارة أخرى : نفي كمال الإيمان ، فيكون الشخص معه أصل الإيمان ، فهو ليس كافراً ، غير أنه ناقص الإيمان .

والحديث المسؤول عنه هو من النوع الثاني .

قال النووي رحمه الله :

"قال العلماء رحمهم الله : معناه : لا يؤمن الإيمان التام ، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة" انتهى .

"شرح مسلم" (2/16).

وقال القرطبي :

"معناه : أنه لا يتم إيمانُ أحد الإيمان التام الكامل ، حتى يضم إلى إسلامه سلامة الناس منه ، وإرادة الخير لهم ، والنصح لجميعهم فيما يحاوله معهم" انتهى .

"المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (1/224) .

وقال أيضا :

"أي : لا يكمل إيمانه ؛ إذ من يغش المسلم ولا ينصحه مرتكب كبيرة ، ولا يكون كافراً بذلك ؛ كما قد بَيَّنَّاه غير مرة .

وعلى هذا : فمعنى الحديث : أن الموصوف بالإيمان الكامل : من كان في معاملته للناس ناصحاً لهم ، مريداً لهم ما يريده لنفسه ، وكارهاً لهم ما يكرهه لنفسه" انتهى .

"المفهم" (1/227) .

ويدل على أن المراد من النفي في هذا الحديث نفي كمال الإيمان ، أنه قد جاء الحديث عند ابن حبان بلفظ : (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1780) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"والمراد بالنفي : كمال الإيمان ...

وقد صرح ابن حبان - من رواية ابن أبي عدي عن حسين المعلم - بالمراد ولفظه : (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان) ومعنى الحقيقة هنا الكمال ، ضرورة أنَّ مَن لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافراً" انتهى .

"فتح الباري" (1/57) .

وقال ابن رجب رحمه الله :

"(لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) هذه الرواية تبين معنى الرواية المخرجة في الصحيحين ، وأن المراد بنفي الإيمان نفي بلوغ حقيقته ونهايته

فإن الإيمان كثيرا ما يُنفَى لانتفاء بعض أركانه وواجباته ، كقوله صلى الله عليه وسلم :

(لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، وقوله : (لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) " انتهى .

"جامع العلوم والحكم" (120) .

ومعنى نفي كمال الإيمان هنا : أي : الكمال الواجب ، فمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان مقصراً يما يجب عليه من الإيمان ، مرتكباً شيئاً محرماً ، يستحق عليه العقاب .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

"لمَّا نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، دل على أن ذلك من خصال الإيمان ، بل من واجباته ، فإن الإيمان لا يُنفَى إلا بانتفاء بعض واجباته

كما قال صلى الله عليه وسلم : (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الحديث ، وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد ، وذلك واجب" انتهى .

"فتح الباري" (1/41) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-23, 16:11
حكم تمثيل الأحاديث النبوية، ووضع صور توضيحية أثناء قراءة القرآن

السؤال

هناك قنوات تأتي ببعض الأحاديث ، وتمثلها ، وتأتي ببعض الآيات ، وتكون الخلفية على نفس الآية ، يعني : إذا كانت الآيات تتحدث عن الجنَّة ، فيأتون بصور حدائق، ما حكم ذلك؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قد اطلعنا على جملة من مقاطع مصورة فيها تمثيل لأحاديث نبوية ، ويمكن تقسيم ما رأيناه إلى أقسام ثلاثة :

الأول :

مقاطع ساعدت الصورة فيها على فهم الحديث ، وليس فيها محظور شرعي

ومن أمثلة ذلك مما رأيناه :

أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :

(مَثَلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا ...) رواه مسلم (2248) .

وفي المقطع المرئي : رجل أوقد ناراً ، وفراشات ، ودواب

اجتمعن عليها ، ووقعن فيها ، وهو يذبها عن النار ، وهو أمر مطابق لما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من أمرٍ يتكرر مع كل من يوقد ناراً في صحراء ، أو فضاء .

ب. عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ الرِّيشَةِ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ بِفَلَاةٍ) رواه ابن ماجه ( 88 ) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وفي المقطع المرئي : ريشة تتقلب في فلاة بفعل الرياح ، وليس في هذا محظور شرعي .

ج. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَثَلُ المُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ) رواه الطبراني (12/411) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2285) .

وفي المقطع المرئي : نخلة يؤخذ منها أجزاء منها ، وتستعمل فيما ينتفع به الناس ، وهو أمر مطابق يقرِّب الصورة لذهن من يستمع الحديث ، ويراه واقعاً عمليّاً .

والأمثلة على هذا القسم كثيرة .

القسم الثاني :

مقاطع لم تفد الصورة كثيراً في تقريب معنى الحديث ؛ للبعد عن الصورة الحقيقية ، وبين المشهد التمثيلي .

ومن أمثلة ما رأيناه في ذلك :

أ. عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) رواه مسلم (779) .

والمقطع المرئي وإن كان فيه صورتان متقابلتان لبيت يُذكر الله فيه ، وآخر فيه غفلة عن ذلك: لكنه لم يظهر فيه الفرق بين الحياة ، والموت .

ب. عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم (2585) .

والمقطع المرئي لم يعبِّر عن حقيقة تداعي البدن لشكوى عضو منه ، بل كانت الصورة لمريض لم تظهر عليه أعراض الحمى ، ولا السهر ، بل كان نائماً ! .

القسم الثالث :

ومن أسوء ما رأيناه ، وقفَّ شعرنا من مشاهدته : هو مقطع تمثيلي لرجل ذهب يغرس فسيلة ، فصوِّر وقوع يوم القيامة ! فاستمر في غرسها ، وفي ظنِّ القائمين

على إنشاء هذا المقطع أن الأمر مطابق لحديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ) رواه أحمد (20/296) وصححه محققو المسند .

وقد سئل الشيخ العلامة عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله ، عن هذا المقطع تحديداً ، فأنكره ، وبيَّن السبب ، فنكتفي بذِكر ما قاله الشيخ حفظه الله :

نص السؤال :

في قناة " المجد " مقطع بعنوان (أمثال الحديث النبوي) وقد عرضوا فيه صورة رجل يحمل معه فسيلة نخل ، ثم عرضوا في السماء بروقاً ، وسحاباً أسود ، وأصواتاً ، ورعوداً

ثم ظهر على الشاشة نص حديث : (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ، ثم قام الرجل بغرس النخلة ، وانتهى المقطع ، فما حكم هذا العمل؟

فأجاب :

"الحمد لله ، من الأمور المسلَّمة أن حسن القصد لا يُسوِّغ الوسيلة ، بل غاية ما يحصل : رفع الإثم ، إذا لم تكن المخالفة الشرعية مشوبة بهوى ، وحقائق الغيب من الماضي ، والحاضر

والمستقبل لا يمكن تصورها ، فضلاً عن تصويرها ! ومِن ذلك

: أحوال القيامة ؛ كالبعث ، والصراط ، والميزان ، وما يسبق ذلك من النفخ في الصور ، وما ينشأ عنه من فزع ، وصعق ، وتغيرات في العالم العلوي ، والسفلي ، وما يصاحب ذلك من أهوال .

وما تضمنه هذا الحديث المذكور في السؤال : يفهمه كل مَن يفهم العربية ، فإنه يعرف معنى النخلة ، ويعرف معنى الغرس ، ومعنى الرجل ، وإن كان لا يتصور حقيقة الهول

فلا معنى لتوضيح الواضح ! ولا يمكن تصور الهول عند قيام الساعة ، وهذا الحديث إن كان صحيحاً : فمقصودة : المبالغة في الحث على غرس الشجر المثمر ؛ لما فيه مِن النفع العام ، والأجر المترتب على ذلك .

ومعلوم أنه إذا قامت الساعة : فلن يُستطاع غرس ، ولا يُرجى ، ولا يُجنى ثمر ، فقد ذهب ما هنالك ، وانشغل كلٌّ بنفسه .

إذا ثبت هذا : فنحب من إخواننا القائمين على "قناة المجد" وفقهم الله أن يتجنبوا تمثيل الغيبيات ، ويكتفوا بذِكر النصوص ، وتفسير ، وشرح

ما تدعو إليه الحاجة ، فجزاهم الله خيراً على ما أرادوا ، وقدموا من الخير ، وعفا عما يقع من أخطاء ، إنه تعالى سميع الدعاء ،

ومما يلاحظ على هذا المقطع : أن عنوانه غير مطابق لمضمونه ، وكأن الذي وضع العنوان اختلط عليه المثل بالتمثيل الاصطلاحي ، فإن هذا الحديث ليس من " أمثال الحديث "

وإنما أضيف إليه التمثيل ، وصلَّى الله وسلم على محمّد" انتهى . وفي ظننا أن أحاديث الأمثال هي أبعد ما يكون عن الوقوع في المحذور الشرعي

فلا حرج من تصويرها وتقديمها للمشاهد ؛ لتقريب الصورة لذهنه ، بخلاف غيرها من الأحاديث ، فقد يوقع في شيء من المحظور ، مع كونه لم يفد كثيراً ـ كما سبق ـ

في تقريب المعنى لمن يسمعه ويشاهده ، وإن كان الحديث في أمرٍ غيبي مما لا يمكن تصويره على الحقيقة : صار الوقوع في المحظور حتميّاً ، فالابتعاد عن القسم الثالث : واجب ، وعن الثاني : أسلم .

وفي جوابي السؤالين ( 14488 ) و ( 10836 ) بيان شروط التمثيل ، فلتُنظر لمن أراد أن يمثِّل غير ما ذكرناه من أحاديث " الأمثال " ؛ خشية الوقوع في الإثم .

ثانياً :

قد قرأنا لمن يُنكر ذلك التمثيل لأحاديث الأمثال ، ولم يظهر لنا صواب قوله ، وبيان ذلك من وجوه :

1. أن الفعل نفسه ليس بعبادة يفعلونه من أجل التقرب إلى الله .

2. أن الأمثال بحد ذاتها هي لتقريب الشيء مراد إيصاله للناس ، فما يحصل من تمثيل لذلك المثال ليس فيه ما يُنكر ، وهو مؤدٍ لدور المثال نفسه .

3. استعمل النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً كثيرة من أجل إيصال معانٍ جليلة للصحابة ، ومن ذلك :

أ. تقريب معنى رحمة الله تعالى بالعباد بصورة واقعية لامرأة وابنها :

فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ

فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا : لَا ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) رواه البخاري (5653) ومسلم (2754).

ب. تقريب معنى رؤية الله تعالى برؤية شيء محسوس مشاهَد .

فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ : (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ) رواه البخاري (529) ومسلم (633) .

4. استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للرسم لتوضيح الصورة في أذهان من يراه .

ومن أمثلة ذلك :

أ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّاً ثُمَّ قَالَ : (هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ) ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ : (هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ :

( إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) رواه أحمد (7/208) وحسَّنه المحققون .

ب- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ وَخَطَّ خُطَطًا صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ

وَقَالَ : ( هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا) رواه البخاري ( 6054 ) .

فهذان الحديثان فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً كان يستعمل ما نسميه الآن "الرسم التوضيحي" لبيان معنى بعض الأحاديث .

ثالثاً :

أما جعل لوحات خلفية تعبيرية وتصويرية مع قراءة القرآن : فينبغي ترك ذلك ؛ لأسباب ، منها :

1. الغالب على الآيات القرآنية أنها تحوي معانٍ متعددة ، وفي كل كلمة من القرآن إعجاز بلاغي ، فالصورة التي ستكون مع القراءة ستعطل التأمل في الآية

وسينحصر الذهن في كلمة فيها ، كصورة فاكهة ، أو نهر ، ويترك ما عداها .

2. وجود صورة مع قراءة الآيات قد يأتي بغير المراد من الآية ، فمثلاً : وضع صورة جبل مع قراءة قوله تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ) طـه/ 105

: من شأنه أن يصرف الذهن عن المراد من التهويل بما يحدث يوم القيامة ، فالجبل لا يكاد يجهله أحد ، وأما النسف له : فهي الصورة التي لا يمكن لأحدٍ أن يصورها في ذهن الناس ، فضلاً عن تصويرها ! .

3. وضع الصور مع القراءة لا يطابق الواقع في الآخرة ، فصورة الأشجار ، والفاكهة ، والأنهار ، وغيرها مما يشبهها : ليست هي ذاتها التي في الآخرة ، وإنما الاشتراك بينهما في الأسماء

لا غير ، فصار وضع تلك الصور مع القراءة لا يعبِّر عن الحقيقة .

4. قد تشتمل الآية على معنيين متقابلين ، فكيف يمكن جمع ذلك في وقت واحد أثناء قراءة الآية ؟! وذلك مثل قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *

وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) الحجر/ 49 ، 50 ، مثل قوله تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) النساء/ 165 .

وكثير من آيات القرآن الكريم تذكر المقابلة بين جزاء أهل الجنة وجزاء أهل النار ، فكيف سيتم المقابلة بينهما في الصورة ؟

5. وأخيراً : فقد أمر المسلمون عند سماع القرآن بالاستماع والإنصات ، ومن شأن النظر في الصور والمشاهد أن يمنع من تفكر القلب ، والتدبر بآيات الله تعالى

ومثل هذا ليس مأموراً به من استمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

zakaria226
2018-11-23, 23:55
بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 16:50
بارك الله فيك

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني الله حضورك الطيب مثلك

في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 16:55
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


مسائل في أصل خلق الجنين، وفي كونه ذكَراً أو أنثى، وفي شبهه بأبيه أو أمه

السؤال

قرأت بعض الأحاديث عن تكون الجنين ، والتي أوردها ابن القيم في كتابه " التبيان في أقسام القرآن "

ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الجنين ذكراً وإذا سبق ماء المرأة الرجل كان الجنين أنثى ..

. ) ثم ذكر حديثاً آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل من ماذا خُلق الإنسان ؟

فأجاب صلى الله عليه وسلم قائلاً (من ماء الرجل والمرأة معاً ، فماء الرجل تُخلق منه العظام والأعصاب لأنه غليظ ، وماء المرأة يُخلق منه الدم واللحم لأنه ليّن)

هل من الممكن شرح وتوضيح هذه الفكرة على ضوء هذين الحديثين ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الحديث الثاني المذكور في السؤال : لا يصح ، وهذا لفظه ، وكلام الأئمة عليه :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود قَالَ : (مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ

فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : يَا يَهُودِيُّ ، إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَقَالَ : لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ . قَالَ : فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ / مِمَّ يُخْلَقُ الْإِنْسَانُ؟ قَالَ : يَا يَهُودِيُّ ،

مِنْ كُلٍّ يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ ، وَمِنْ نُطْفَةِ الْمَرْأَةِ ، فَأَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ فَنُطْفَةٌ غَلِيظَةٌ مِنْهَا الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ ، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ ، فَقَامَ الْيَهُودِيُّ فَقَالَ :

هَكَذَا كَانَ يَقُولُ مَنْ قَبْلَكَ) رواه أحمد في "مسنده" (7/437) .

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله :

إسناده ضعيف ؛ لضعف حسين بن الحسن ، وهو الأشقر . والحديث في " مجمع الزوائد " ( 8 / 241 ) ، وقال : " رواه أحمد والطبراني والبزار بإسنادين

وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك ، وثقه ابن حبان ، وضعفه غيره ، وبقية رجاله ثقات ، وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب ، وقد اختلط " .

"مسند أحمد" تحقيق الشيخ أحمد شاكر ( 6 / 199 ) .

وكذا ضعفه محققو المسند ( 7 / 437 ) طبعة الرسالة ، وقالوا :

إسناده ضعيف ؛ لضعف حسين بن الحسن ، وهو الأشقر ، وعطاء بن السائب اختلط بأخرة ، ولم نقف على سماع أبي كدينة - وهو يحيى بن المهلب - منه

هل كان قبل الاختلاط أم بعده ، وعبد الرحمن والد القاسم - وهو ابن عبد الله بن مسعود - لم يثبت سماعه لهذا الحديث من أبيه ، فهو إنما سمع من أبيه شيئاً يسيراً . انتهى .

ومع ضعف سند الحديث : فإن في متنه إشكالاً ، حيث ذُكر فيه أن لحم الجنين يكون من نطفة الأم ، وعظمه من نطفة الأب ، وظاهر النصوص : أن اللحم والعظم من مجموع النطفتين .

ونقل محققو المسند عن نور الدين أبي الحسن السندي رحمه الله قوله :

"قوله : (وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّم) : قلت : ظاهر القرآن ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً .... ) الآية المؤمنون/14 : يدل على أن مجموع النطفتين يصير عظاماً" انتهى .

ثانياً :

أما خلق الجنين ، وكونه ذكراً أو أنثى ، وشبهه بأبيه ، أو أمه :

فكلها مسائل لها ما يدل عليها من الكتاب والسنَّة ، وفيها خلاف بين العلماء ، ونحن نذكر ذلك مختصراً :

1. خلق الجنين :

قال تعالى : (فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ ) الطارق/ 5 – 7 .

وقد اختلف العلماء في معنى هذه الآية

وقد ذكرنا اختلافهم في جواب السؤال القادم

ورجحنا قول طائفة من المفسرين والعلماء أن " الصلب " – وهو الظهر - ، و " الترائب " – وهي عظام الصدر - : هي للرجل نفسه .

2. الذكورة والأنوثة ، والشبه :

وفي هذا خلاف كبير بين العلماء المتقدمين والمعاصرين ، ونحن نذكر طائفة من الأحاديث في المسألة ، ثم نختار أشهر أقوال العلماء فيها .

1. عن أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ سأل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (مَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِى بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا ، أَمَّا الْوَلَدُ ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ

وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ) رواه البخاري ( 3723 ) .

ومعنى ( ينزع ) : يذهب إليه - أو إليها – بشبهه .

2. عن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ ... قَالَ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ الْوَلَدِ ، قَالَ : ( مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ

فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ) قَالَ الْيَهُودِيُّ : لَقَدْ صَدَقْتَ . رواه مسلم (315) .

3. عن أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ ) فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ - وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ

- قَالَتْ : وَهَلْ يَكُونُ هَذَا ؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نَعَمْ ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ ، إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ ) رواه مسلم ( 311 ) .

4. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ : (امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتْ الْمَاءَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ

إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ) . رواه مسلم (314) .

ونذكر هنا قولين لأهل العلم في معنى تلك الأحاديث السابقة ، ومرجع الكلام إنما هو في فهم معنى "السبق" ، و "العلو" .

أ. قال ابن القيم رحمه الله :

"إن سبق أحد الماءين سبب لشبه السابق ماؤه ، وعلو أحدهما : سبب لمجانسة الولد للعالي ماؤه ، فها هنا أمران : سبق ، وعلو ، وقد يتفقان ، وقد يفترقان ، فإن سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة

وعلاه : كان الولد ذكراً ، والشبه للرجل ، وإن سبق ماءُ المرأة ، وعلا ماءَ الرجل : كانت أنثى ، والشبه للأم ، وإن سبق أحدُهما ، وعلا الآخر : كان الشبه للسابق ماؤه ، والإذكار ، والإيناث لمن علا ماؤه" انتهى .

" تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص 278 ) .

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 16:56
ب. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"ووقع عند مسلم من حديث عائشة : (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه

وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله) ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه : (ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له)

والمراد بالعلو هنا : السبق ؛ لأن كلَّ مَن سبق : فقد علا شأنه ، فهو علوٌّ معنوي .

وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان - رفعه – (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن الله

وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله) : فهو مُشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل ، ويكون ذكراً ، لا أنثى ، وعكسه ، والمشاهد خلاف ذلك

لأنه قد يكون ذكراً ويشبه أخواله ، لا أعمامه ، وعكسه ، قال القرطبي : يتعين تأويل حديث " ثوبان " بأن المراد بالعلو : السبق ، قلت : والذي يظهر : ما قدمتُه

وهو تأويل العلو في حديث عائشة ، وأما حديث ثوبان : فيبقى العلو فيه على ظاهره ، فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث ، والعلو علامة الشبه

فيرتفع الاشكال ، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه : بحسب الكثرة ، بحيث يصير الآخر مغموراً فيه ، فبذلك يحصل الشبه ، وينقسم ذلك ستة أقسام :

الأول : أن يسبق ماءُ الرجل ، ويكون أكثر ، فيحصل له الذكورة ، والشبه .

والثاني : عكسه .

والثالث : أن يسبق ماءُ الرجل ، ويكون ماء المرأة أكثر ، فتحصل الذكورة ، والشبه للمرأة .

والرابع : عكسه .

والخامس : أن يسبق ماءُ الرجل ، ويستويان ، فيذكر ، ولا يختص بشبَه .

والسادس : عكسه .

" فتح الباري " ( 7 / 273 ) .

فتلخص مما سبق :

أ. أن ابن القيم رحمه الله يرى في تفسير " السبق " ، و " العلو " إلى أن سبق أحد الماءيْن : سبب لشبه السابق ماؤه ، وعلوُّ أحدهما : سببٌ للتذكير والتأنيث .

ب. وذهب ابن حجر رحمه الله إلى أن السبق علامة التذكير والتأنيث ، والعلو علامة الشبه .

والأمر محتمل ، ولعلَّ الحقائق – لا النظريات – الطبية الحديثة تقوي أحد القولين ، ويمكن الرجوع إلى الكتب المتخصصة في الموضوع لزيادة المعرفة .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:05
تفسير قوله تعالى

( خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب

السؤال

ما هو تفسير قوله تعالى : ( يخرج من بين الصلب والترائب )؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

المراد بالآية تذكير الإنسان بأصل نشأته ، وخلقه من ذلك الماء الدافق

وأن الذي خلقه هذه الخلقة بقدرته ، قادر ـ سبحانه ـ على أن يعيد بعثه للحساب ، مرة أخرى . قال الزمخشري : " فإن قلت : ما وجه اتصال قوله ( فَلْيَنظُرِ ) بما قبله ؟

قلت : وجه اتصاله به : أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظاً

أتبعه توصيةَ الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى ؛ حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعملَ ليوم الإعادة والجزاء ، ولا يُملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته "

انتهى من "تفسير الكشاف" .

وإذا كان الصلب هو : الظهر ، باتفاق المفسرين هنا ، وأما الترائب ، فقد اختلف أهل العلم فيما هي ، وأين موضعا .
قال الإمام الطبري رحمه الله : " واختلف أهل التأويل في معنى الترائب ، وموضعها :

قال بعضهم :

الترائب : موضع القلادة من صدر المرأة " ، وهو مروي عن ابن عباس وعكرمة ، وغيرهما.

وقال آخرون :

الترائب : ما بين المنكبين والصدر ، وهو مروى عن مجاهد ، وغيره من السلف .

وقال آخرون

: معنى ذلك ، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره " ، وهو مروى عن قتادة .

وروى ـ أيضا ـ قول من قال : هو اليدان والرجلان والعينان ، ومن قال : هي الأضلاع التي أسفل الصلب ، ومن قال : هي عصارة القلب .

ثم قال – أي : الطبري - رحمه الله :

" والصواب من القول في ذلك عندنا ، قولُ من قال: هو موضع القِلادة من المرأة ، حيث تقع عليه من صدرها ؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، وبه جاءت أشعارهم ، قال المثقَّب العبدي :

وَمِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ عَلَى تَرِيبٍ... كَلَوْنِ العَاجِ لَيْسَ بِذِي غُضُونِ " انتهى بتصرف .

تفسير الطبري (24/354-356) .

وهذا الذي اختاره إمام المفسرين : من أن المراد به : صلب الرجل ، وترائب المرأة ، وهو موضع القلادة منها ، هو الذي اختاره الإمام القرطبي في تفسيره (16/343 ،20/5)

والحافظ ابن كثير في تفسيره (8/375) ، واختاره أيضا : العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، قال
:
" اعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء ، الذي هو النطفة ، منه ما هو خارج من الصلب ، أي : وهو ماء الرجل ، ومنه ما هو خارج من الترائب ، وهو ماء المرأة ، وذلك قوله جل وعلا :

( فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب ) الطارق/5-7 لأن المراد بالصلب : صلب الرجل ، وهو ظهره ، والمراد بالترائب : ترائب المرأة ، وهي موضع القلادة منها . ومنه قول امرىء القيس :

مُهَفهَفَةٌ بَيضاءُ غَيرُ مُفاضَةٍ تَرائِبُها مَصقولَةٌ كَالسَجَنجَلِ " انتهى .

أضواء البيان (3/194) .

واختار ابن القيم رحمه الله أن المراد صلب الرجل وترائبه ، قال :

" لا خلاف أن المراد بالصلب صلب الرجل . واختلف في الترائب :

فقيل : المراد به ترائبه أيضا ، وهي عظام الصدر ، ما بين الترقوة إلى الثندوة .

وقيل : المراد ترائب المرأة .

والأول أظهر :

1- لأنه سبحانه قال : ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) ولم يقل يخرج من الصلب والترائب ، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين ، كما قال في اللبن : ( يخرج من بين فرث ودم ) .

2- وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع ، والنطفة هي ماء الرجل . كذلك قال أهل اللغة : قال الجوهري : " والنطفة الماء الصافي قل أو كثر ، والنطفة ماء الرجل ، والجمع نطف " .

3- وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل ، ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته " انتهى .

"إعلام الموقعين" (1/145-146) .

وهو اختيار الشيخ ابن عاشور ، وابن سعدي ، وابن عثيمين ، كما في "لقاء الباب المفتوح" (رقم/45)

وانظر نحوا من ذلك في "اللقاء الشهري" (رقم/45) .

ونقل القرطبي عن الحسن البصري رحمه الله أن :

" المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، ومن صلب المرأة وترائب المرأة " انتهى .

تفسير الطبري (20/4) .

واختار هذا القول الإمام ابنُ جُزي ، رحمه الله ، في تفسيره .

انظر : تفسير التسهيل ، لابن جزي (785) .

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:06
ثانيا :

ثم السؤال الثاني هو أن الحقائق العلمية المكتشفة اليوم تقول بأن مني الرجل يصنع في الخصية التي تحتوي على الخلايا المهيئة لذلك ، وليس في منطقة الظهر أو الصدر

فكيف يصف القرآن خروج الماء الدافق بأنه من بين الصلب والترائب ؟

والجواب : أن هذا من الإعجاز العلمي لهذا الكتاب العظيم ، فقد اكتشف الطب الحديث أن هذا المكان –

بين الصلب والترائب - هو مكان نشوء الخلايا الأولى للخصية التي تنزل بعد مرحلة من تخلق الجنين إلى كيس الصفن أسفل البطن .

يقول الدكتور محمد دودح :

" والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية

ثم تخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم ، وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل

وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية ، وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها .

والتعبير ( يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ ) يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية ، ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير والاقتدار والإتقان والإحكام في الخلق

منذ تكوين البدايات في الأصلاب وهجرتها خلف أحشاء البطن

ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر ,

وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية من المني لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير ، فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين .

( خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ ) ..

حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرنًا , بيان هذا أن صلب الإنسان هو عموده الفقري (سلسلة ظهره) وترائبه هي عظام صدره.

. وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب .. ، فكل من الخصية والمبيض في بد

تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب

أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريباً ، ومقابل أسفل الضلوع .

. فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب

فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم وجاء به رب العالمين

ولم يكشفه العلم إلا حديثاً بعد ثلاثة عشر قرناً من نزول ذلك الكتاب , هذا وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط إلى مكانه المعروف ؛ فتهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن

ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم , وقد يحدث في بعض الأحيان ألا تتم عملية الهبوط هذه فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل إلى الصفن فتحتاج إلى عملية جراحية " انتهى .

نقلا عن موقع الإسلام اليوم .

ويقول الدكتور محمد علي البار حفظه الله :


" تقول الآية الكريمة أن الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب , ونحن قد قلنا أن هذا الماء ( المني ) إنما يتكون في الخصية وملحقاتها ,

كما تتكون البويضة في المبيض لدى المرأة , فكيف تتطابق الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية ؟

إن الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه , والصلب هو العمود الفقري والترائب هي الأضلاع , وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط

أي بين الصلب والترائب , ثم تنزل الخصية تدريجيا حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج تجويف البطن) في أواخر الشهر السابع من الحمل ، بينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة ..

, ومع هذا فإن تغذية الخصية والمبيض بالدماء والأعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها ، أي من بين الصلب والترائب , فشريان الخصية أو المبيض يأتي من الشريان الأبهر ( الأورطي البطني ) من بين الصلب والترائب ,

كما أن وريد الخصية يصب في نفس المنطقة ، أي بين الصلب والترائب

, كما أن الأعصاب المغذية للخصية أو للمبيض تأتي من المجموعة العصبية الموجودة تحت المعدة من بين الصلب والترائب , وكذلك الأوعية اللمفاوية تصب في نفس المنطقة ، أي بين الصلب والترائب .

فهل يبقى بعد كل هذا شك أن الخصية أو المبيض إنما تأخذ تغذيتها ودماءها وأعصابها من بين الصلب والترائب !!

فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقي مواد تكوينها من بين الصلب والترائب

, كما أن منشأها ومبدأها هو من بين الصلب والترائب ,

والآية الكريمة إعجاز كامل ، حيث تقول : ( مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ ) , ولم تقل من الصلب والترائب , فكلمة " بَيْنِ " ليست بلاغية فحسب ، وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية.

والعلم الحديث يقرر أن الماء الذي لا يقذف ولا يندفع وإنما يسيل.. إنما هو إفرازات المهبل وغدد بارثولين المتصلة به ، وأن هذه الإفرازات ليس لها دخل في تكوين الجنين ، وإنما وظيفتها ترطيب المهبل.

. ولكن العلم الحديث يكشف شيئا مذهلا ؛ أن الحيوانات المنوية يحملها ماء دافق هو ماء المني , كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة " جراف " محاطة بالماء

فإذا انفجرت الحويصلة تدفق الماء..

وتلقفت أهداب البوق البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم حيث تلتقي بالحيوان المنوي لتكون النطفة الأمشاج.. هذا الماء يحمل البويضة تماما كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية

, كلاهما يتدفق , وكلاهما يخرج من بين الصلب والترائب : من الغدة التناسلية ؛ الخصية أو المبيض .

وتتضح مرة أخرى معاني الآية الكريمة في إعجازها العلمي الرائع : ماء دافق من الخصية يحمل الحيوانات المنوية , وماء دافق من حويصلة " جراف " بالمبيض يحمل البويضة " انتهى .

"خلق الإنسان بين الطب والقرآن" (ص/114-124) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:09
تقدير المسافات في الأحاديث النبوية

السؤال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات

على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وفى حديث آخر فيما معناه : ( وإن ريحها ليشم من مسيرة مئة عام )

والسؤال هو : لماذا عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسافة بوحدة زمنية وهي العام ، أما كان أحرى أن يقول : مائة كيلو ، أو أي وحدة من وحدات المسافة ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الواجب على المؤمن أن يكون معظماً للرسول صلى الله عليه وسلم متأدباً معه ، ولا يجوز له أن يجترئ على مقام النبوة فيزعم أن الأفضل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول كذا ولا يقول كذا

فمقام النبوة أعظم من هذا ، فما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل وهو الأحكم والأحسن .

ولا مانع من أن يسأل المؤمن عن حكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا ، ولكن يختار لذلك من الألفاظ ما لا يخدش جناب النبوة ومقامها العظيم .

ثانياً :

بعث النبي صلى الله عليه وسلم في العرب وكانوا أمة أمية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الجمعة/2 ، وكانت أشهر مقاييسهم في تحديد المسافات هي تحديد ذلك بالمسافة التي تقطع في الوقت معين .

فذلك الضبط بالنسبة لهم كان أظهر وأوضح في بيان المقصود من أي تقدير آخر ، لأنهم كانوا يكثرون السفر والتنقل ، ويعرفون كم تقطع الإبل بهم في مسيرة اليوم والليلة الواحدة ، فكثر ذلك في خطابهم .

فكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل المقاييس المشهورة المعروفة عندهم ، حتى يحصل المقصود من الكلام ، ويفهم معناه ، ولو تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمقاييس

غير المشهورة عندهم لكان هذا خلاف البيان والبلاغة ، حيث يخاطب الناس بما لا يعرفون ، أو بما لا يعرفه أكثرهم ، من غير فائدة لذلك .

وليس في تحديد المسافة بذلك أي غضاضة ، بل هو أمر اصطلاحي يختلف باختلاف الزمان والمكان ، ولا يزال هذا التقدير مستعملاً إلى اليوم .

فنحن نسمع اليوم في المقاييس الحديثة ما يسمى بـ "السنة الضوئية" : وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة ، يعني مسيرة سنة بالنسبة للضوء .

فهذا يوافق التقدير المنقول في بعض الأحاديث ، والتقدير المشهور عند العرب في الجاهلية قبل الإسلام ، وفي صدر الإسلام .

قال الدكتور جواد علي :

"استخدم الجاهليون مصطلحات خاصة في تقدير المسافات والأبعاد ، ولا سيما في الأسفار . فاستعملوا مصطلح : مسيرة ساعة ، ومسيرة ليلة ، ومسيرة نهار ، ومسيرة قافلة

وأمثال ذلك ، وقصدوا بذلك معدَّل ما يقطعه الإنسان والقافلة في المدد المذكورة" انتهى .

"المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (14/313) .

وقد جاء في السنة النبوية استعمال مصطلح "الميل" :

فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ) رواه مسلم (2864) .

كما استعمل العرب وحدة : " الإصبع "، و " الشبر "، و" الباع "، و " البريد "، و " الفرسخ "، وغير ذلك من الوحدات المشتهرة في كتب الفقهاء

ويمكن الرجوع إلى بعض الدراسات المعاصرة التي تبين مقادير هذه الوحدات بالمقاييس المعاصرة . منها بحث الشيخ عبد الله بن منيع المقدم للندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:13
شرح حديث ويل للأعقاب من النار

السؤال

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( تخلَّفَ عنَّا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ

فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : ( ويل للأعقاب من النار ) مرتين أو ثلاثا . أريد شرحا مفصلا للحديث

الجواب

الحمد لله

يمكن الكلام عن هذا الحديث ضمن المباحث الآتية :

أولا : نص الحديث وتخريجه .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ :

( تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا

فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ) رواه البخاري (حديث رقم/60) ، ورواه مسلم (رقم/241) بلفظ آخر فيه :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ :

( رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ )

وقد روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ، كما قال الإمام الترمذي رحمه الله – بعد أن روى الحديث نفسه عن أبي هريرة رضي الله عنه - :

" وفي الباب عن عبد الله بن عمرو ، وعائشة ، وجابر ، وعبد الله بن الحارث ، ومعيقيب ، وخالد بن الوليد ، وشرحبيل ابن حسنة ، وعمرو بن العاص ، ويزيد بن أبي سفيان " انتهى.

" سنن الترمذي " (1/96)

ثانيا : راوي الحديث .

هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكان من علماء الصحابة ومن المكثرين مِن الرواية ، فقد كان يَكتب كل شيء يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في صحف خاصة عنده

حتى اشتهرت إحدى صحائفه التي سماها بـ " الصادقة "، توفي ليالي الحرة بالطائف.

ثالثا : معاني كلماته ( غريب الحديث ).

( تخلف عنا ) : أي تأخر عنا .

( أرهقتنا الصلاة ) : أي كاد وقتها أن يخرج .

يقول بدر الدين العيني رحمه الله :

" أي : غشيتنا الصلاة . أي : حملتنا الصلاة على أدائها . وقيل قد أعجلتنا لضيق وقتها . وقال القاضي : ومنه المراهق بالفتح في الحج ، ويقال بالكسر : وهو الذي أعجله ضيق الوقت أن يطوف " انتهى.

" عمدة القاري " (2/8)

( ويل ) : اختلف العلماء في معناها ، فمنهم من قال : هو واد في جهنم ، ومنهم من قال غير ذلك ، والجميع متفق على أنها كلمة وعيد وتخويف وتهديد .

يقول بدر الدين العيني رحمه الله :

" ويل من المصادر التي لا أفعال لها وهي كلمة عذاب وهلاك " انتهى.

" عمدة القاري " (2/9)

( الأعقاب ) : جمع عقب ، وهو مؤخر القدم .

رابعا : الفوائد الفقهية المستنبطة من الحديث .

1- وجوب غسل الرجلين في الوضوء ، وعدم إجزاء المسح من غير غسل ، نأخذ ذلك من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة مسحهم أرجلهم مسحا سريعا من غير غسل وإجراء للماء عليها

وهذا الحكم متفق عليه بين مذاهب المسلمين الأربعة، ولذلك بوب عليه الإمام البخاري بقوله :

" باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين " انتهى

. " صحيح البخاري " (كتاب الوضوء/ باب رقم 27)، وقال الإمام الترمذي رحمه الله

: " وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان " انتهى

. " سنن الترمذي " (1/96) وبوب عليه النسائي بقوله : باب إيجاب غسل الرجلين

. " سنن النسائي " (كتاب الطهارة/ باب رقم 89)، كما بوب عليه البيهقي رحمه الله بقوله : " باب الدليل على أن فرض الرجلين الغسل وأن مسحهما لا يجزئ " انتهى.

" السنن الكبرى " (1/68)، وبوب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله :

" باب التغليظ في ترك غسل العقبين في الوضوء ، والدليل على أن الفرض غسل القدمين لا مسحهما إذا كانتا غير مغطيتين بالخف أو ما يقوم مقام الخف

لا على ما زعمت الروافض أن الفرض مسح القدمين لا غسلهما ، إذ لو كان الماسح على القدمين مؤديا للفرض لما جاز أن يقال لتاركٍ فضيلةً : ويل له "

انتهى. " صحيح ابن خزيمة " (1/83)

2- وجوب تعميم أعضاء الوضوء بالغسل ، وذلك بإيصال الماء إلى جميع أجزاء أعضاء الوضوء وعدم ترك أي محل منها ، نجد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث

: ( ويل للأعقاب من النار ) فتخصيصه ذكر الأعقاب لأنها في مؤخرة القدم، فهي مظنة لعدم وصول الماء إليها لمن لم يتعاهدها بذلك ، فدل على ضرورة العناية بإسباغ الوضوء

في محل الفرض . وقد استنبط الإمام البخاري رحمه الله هذه الفائدة من الحديث في إحدى المواضع التي أخرجه فيها ، فقال : " باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين " انتهى.

" صحيح البخاري " (كتاب الوضوء/باب رقم 27) وبوب النووي رحمه الله على هذا الحديث في " شرح مسلم " بقوله : باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما . " صحيح مسلم " (كتاب الوضوء/باب رقم 9)

. وبوب عليه أبو داود في سننه : باب في إسباغ الوضوء . " سنن أبي داود " (كتاب الطهارة، باب رقم 46)

خامسا : الفوائد الأخرى المستنبطة من الحديث .

في هذا الحديث فوائد كثيرة أخرى للمتأمل ، منها :

1- شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ، حيث كان يتأخر عن القافلة ويمشي آخرها كي يعين ضعيفهم ويحمل عاجزهم ويتفقد أحوالهم .

2- حرص الصحابة رضوان الله عليهم على أداء الصلاة وعدم تأخيرها عن وقتها ولو كانوا في حال السفر والتعب والنصب .

3- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه وبيان الحكم الشرعي عند حاجتهم إليها ، وعدم سكوته صلى الله عليه وسلم عن الخطأ إن وقع منهم .

4- وفي الحديث فائدةٌ نبَّه عليها البخاري رحمه الله بقوله في تبويب الحديث بقوله : " باب من رفع صوته بالعلم "

انتهى. صحيح البخاري " (كتاب العلم/باب رقم 3).

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله : ( فنادى بأعلى صوته ) ، وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك

ويلحق بذلك ما إذا كان في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته ) الحديث أخرجه مسلم "

انتهى. " فتح الباري " (1/143)

5- وفي قول الراوي رضي الله عنه ( مرتين أو ثلاثا ) دليل أيضا على الأسلوب التعليمي النافع الذي كان يستعمله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بتكرار الكلام بالعلم كي يحفظ عنه المستمعون ويتثبت المتشككون

وقد أخرج البخاري الحديث أيضا في موقع آخر وبوب عليه بقوله : باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه . " صحيح البخاري " (كتاب العلم/ باب رقم 30)

6- وفي الحديث أيضا تذكير المسلم بضرورة تحري موافقة الشريعة في جميع أفعاله وأقواله ، ولا يتهاون في شيء منها ، فقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الذين لا يبلغ الماء أعقابهم

في الوضوء بالويل والنار يوم القيامة ، وهو أمر يسير في نظر كثير من الناس ، ولكنه عند الله عظيم ، فليحذر

المسلمون أن يتهاون فيما قد يكون سبب هلاكه في الآخرة

وقد قال الله تعالى : ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) النور/15.

والله أعلم .
.

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:16
حديث : (من فطر صائما...) يَعُمُّ الغني والفقير

السؤال

حديث : (من فطر صائما كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيئاً) هل المقصود بالصائم الفقير؟

أو يدخل في هذا الأقارب والأصدقاء؟

وهل صيام التطوع فيه نفس الأجر إذا فطر صائما؟

الجواب

الحمد لله

"الحديث عام يعم الغني والفقير، والفرض والنفل، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (25/207) .

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:18
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)؟

السؤال

ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ؟

الجواب

الحمد لله

"هذا حديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى (ومثله معه) يعني أن الله أعطاه وحيا آخر وهو السنة التي تفسر القرآن وتبين معناه

كما قال الله عز وجل : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44

فالله أوحى إليه القرآن وأيضا السنة وهي الأحاديث التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من أمور الدين والدنيا

فالسنة وحي ثان أوحاه الله إليه لإكمال الرسالة وتمام البلاغ ، وهو صلى الله عليه وسلم يعبر عن ذلك بالأحاديث التي بينها للأمة قولا وفعلا وتقريرا ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم

: (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى) وقوله عليه الصلاة والسلام : (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تقبل صلاة بغير طهور

ولا صدقة من غلول) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس ، ورمضان إلى رمضان ، والجمعة إلى الجمعة ، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في كل ما يحتاجه العباد

وفيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وهذا الوحي وحي أوحاه الله إليه ، وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبَيَّنه للأمة

فهو من الله وحي بالمعنى ، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات . . . إلخ).

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا . . . إلخ) الحديث .

ويدخل في الوحي الثاني الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم : الأحاديث القدسية التي يرويها الرسول عن ربه عز وجل ، فهي وحي من الله

ومن كلامه سبحانه ، ولكن ليس لها حكم القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : (يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا ، يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته

فاستهدوني أهدكم .

. . إلى آخر الحديث) وهو حديث طويل رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، وكل ذلك داخل في قوله سبحانه : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى *

مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * [يعني محمدا صلى الله عليه وسلم] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/1-4" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (25/58-61) .

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:22
كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع

السؤال

نرجو إيضاح كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع الوارد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، هل المقصود به التفريق بين البنين والبنات ، أم بين البنين بعضهم بعضا ، وبين البنات بعضهن بعضا ؟

وهل المقصود به التفريق بينهم في الفرش أم لا بد أن يكون كل منهم في غرفة مستقلة ؟

الجواب

الحمد لله

"الحديث عام ، يعم البنين والبنات

والتفريق يكون بجعل كل واحد من البنين

وكل واحدة من البنات في فراش مستقل

ولو كانوا في غرفة واحدة

لأن وجود كل واحد مع الآخر في فراش واحد قد يكون وسيلة لوقوع الفاحشة .

وفق الله الجميع لكل خير" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (25/357) .

*عبدالرحمن*
2018-11-25, 17:26
حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)

السؤال

هل هذا الحديث صحيح : (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) يعني : جهاد النفس ؟

الجواب

الحمد لله

"حديث : (رجعنا من الجهاد الأصغر ، إلي الجهاد الأكبر) رواه البيهقي بسند ضعيف

قاله الحافظ العراقي في تحقيق أحاديث الإحياء ، نقله عنه العجلوني في كشف الخفاء

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

هو كلام إبراهيم بن أبي عبلة وليس بحديث ، نقله أيضا العجلوني عن الحافظ في الكشف ، وهذا ملخص ما ذكره العجلوني ، وفي رواية البيهقي : (قالوا : وما الجهاد الأكبر؟

قال : جهاد القلب) ، ورواه الخطيب البغدادي بلفظ : (رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر ، قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟

قال : مجاهدة العبد هواه) ، وقد روياه جميعا عن جابر ، كذا في كشف الخفاء

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (11/197)

أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في عزوة تبوك : (رجعنا من الجهاد الأصغر ، إلى الجهاد الأكبر ، فلا أصل له) ، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (26/381) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:25
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


شرح حديث: (خير صفوف النساء آخرها)

السؤال

نحن مجموعة من النساء نصلي في المسجد في رمضان في مكان منعزل عن الرجال بحيث لا يروننا ولا نراهم ، وقد لاحظت أن الأخوات لا يكملن الصفوف الأول ولا يسوينها

وقد احتج بعضهن بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (خير صفوف الرجال أولها ، وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها

وشرها أولها) فقلت لهن : إن هذا الحديث يقصد به عندما كان النساء يصلين خلف الرجال بدون ساتر ، أما الآن فقد اختلف الوضع . فهل هذا الكلام الذي قلته صحيح ؟

الجواب

الحمد لله

"الحديث المذكور صحيح ، ولكنه محمول عند أهل العلم على المعنى الذي ذكرت

وهو كون الرجال ليس بينهم وبين النساء حائل

أما إذا كُنَّ مستورات عن الرجال فخير صفوفهن أولها، وشرها آخرها كالرجال

وعليهن إتمام الصفوف الأول فالأول

وسد الفرج ، كالرجال

لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك . وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (25/145) .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:28
الجمع بين حديث غربة الدين وبقاء الطائفة المنصورة

السؤال

ما الجمع بين حديث (بدأ الإسلام غريبا) وحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) ؟

الجواب

الحمد لله

"لا منافاة بينهما: فالأول ظاهر من الواقع. وتمامه: (فسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) وفي رواية لغير مسلم : (يحيون ما أمات الناس من سنتي) وفي رواية أخرى: (الذين يُصلحون ما أفسد الناس ).

والحديث الثاني يدل على بقاء الإصلاح والدعوة والعلم والتعليم، وفيه بشارة أن هنالك طائفة لا تزال ظاهرة على الحق، فالغربة لا تنافي الطائفة

ولا يلزم أن تكون بمكان واحد، والحق لا بد من بقائه حتى يخرج الدجال، وحتى تأتي الريح [ التي تقبض أرواح المؤمنين قُبيل قيام الساعة] .

ثم إن هذه الغربة قد تزداد في مصر من الأمصار وتقل في مصر آخر، وقد تكون الغربة ذات معان متعددة: في كثرة البدع ، أو إنكار صلاة الجماعة

أو عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعظمها : غربة أهل التوحيد وظهور الشرك. نسأل الله العافية.

وقد يظهر الإسلام في ناحية ويكون فيها أحسن مما قبل ، كما هو الواقع، وقد يكون في زمان أفضل من زمان آخر.

أما حديث: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه) فهو محمول على الأغلب

فلا يمنع أن يكون في بعض الزمان أحسن مما قبله، كما جرى في زمان عمر بن عبد العزيز ، فإن زمانه أحسن من زمان سليمان والوليد

وكما حصل في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من ظهور السنة والرد على المبتدعة، وكما جرى في الجزيرة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (25/103) .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:33
طلب الصفات الدنيوية في الخاطب والمخطوبة

السؤال

عندما جاء أحد الأشخاص لخطبتي , ذكر الحديث التالي , قال صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع : لدينها ، ومالها ، وجمالها ، ونسبها ,

فاظفر بذات الدين تربت يداك ) سؤالي هو :

هل يجوز للمرأة أن تتزوج شخصا ما لتلك الأسباب نفسها ؟ إذا كان ذلك جائزا , فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث نفسه ، أم كان الخطاب خاصاً بالرجال دون النساء؟

وفيما يتعلق باختيار المرأة لزوجها , فقد قرأت حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه

, إلا تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد كبير ) فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفة واحدة للرجل وهي الدين ,

ولم يذكر باقي الصفات التي ذكرها في حق المرأة من أنها تنكح لأربع ؟

وهل يجوز تطبيق الحديث الأول عل كلٍ من الرجل والمرأة ؟

ولماذا كان التخصيص فقط للرجل ؟

الجواب

الحمد لله

ينبغي أولا أن نوضح أن الشريعة الإسلامية إنما حثت على طلب الزوجة الصالحة ذات الدين، وكذلك الزوج الصالح صاحب الدين المستقيم ، فالدين هو المقصد الأول والرئيس

وغيره من الصفات كالجمال والمال والحسب والنسب إنما هي تابعة ، ليست مذمومة في نفسها ، ولا هي مقصودة بالأساس

ولكنها صفات تكميلية إذا وجدت فهي الغنيمة الكاملة ، وإذا لم توجد فالدين معيار كل خير .

يدل على ذلك ما جاء في السنة من الثناء على بعض هذه الصفات في الزوجة ، ومنه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ ؟

قال : التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ )

رواه أحمد (2/251) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838)

وكذلك الشأن بالنسبة للزوج ، فالأصل طلب الزواج من الصالح التقي الذي جاء وصفه في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ترضون دينه وخلقه )

فإن صاحَبَ ذلك جمال ومال وحسب فذلك مِن نعم الله تعالى ، فقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إضاعة الرجل ماله وعدم قدرته على الإنفاق على زوجته سببا في العدول عن الزواج به

وذلك في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها قالت : ( لَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ – تعني للنبي صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ) رواه مسلم (1480)

يقول العلامة السعدي رحمه الله :

" فإن حصل مع الدين غيرُه فذاك ، وإلا فالدين أعظم الصفات المقصودة " انتهى.

" بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/120)

إذا تبين ما سبق عرفنا الجواب عما ذُكِر ، وعرفنا أن المال والحسب والجمال من الأمور المرغوبة في الزوجين عند عامة الناس ، مؤمنهم وكافرهم

والرغبة بها مركوزة في طبائع البشر وعادات الناس ، والشريعة لا تعارض ذلك ، وإنما لم يأت التنبيه عليها لأن الناس ـ بطبيعتهم ـ منتبهون إلى ذلك ويطلبون ، حتى إنهم ليبالغون فيه

ويهملون غيره من المهمات ؛ فجاءت الشريعة بالتأكيد على ما يغفل الناس عنه ، أو يهملونه ، مع أن هذا هو المقصود الأعظم من الصفات في ميزان الشرع

وهذا ـ أيضا ـ هو الذي يميز مسلك المؤمن الصالح من مسلك غيره من الناس .

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور :

( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )

رواه البخاري (5090) ومسلم (1466)

قال الإمام النووي رحمه الله :

" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة ، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع ، وآخرها عندهم ذات الدين ، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين ، لا أنه أمر بذلك " انتهى.

" شرح مسلم " (10/51-52)

وقال رحمه الله :

" ومعنى ذلك : أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع ، فاحرص أنت على ذات الدين واظفر بها ، واحرص على صحبتها " انتهى.

" رياض الصالحين " (ص/454)

وقال القرطبي رحمه الله :

" هذه الأربع الخصال هي الْمُرغِّبة في نكاح المرأة ، وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء ، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك ، لا أنه أمرٌ بذلك

وظاهره إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال ، أو لواحدة منها ، لكن قصد الدِّين أولى وأهم " انتهى.

" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (4/215)

ويقول الشيخ سليمان بن منصور العجيلي الجمل – من فقهاء الشافعية - :

" وبعضهم استدل بهذا الحديث على استحباب كونها جميلة ، واعترضه الزركشي بأن الاستدلال بذلك على كونها جميلة عجيب ؛ لأن هذا بيان لما هو عادة الناس

ولا أمر فيه بنكاح الجميلة ، وهو اعتراض واضح ، كما لا أمر فيه بنكاح ذات المال والجمال والحسب " انتهى.

" فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل " (4/118)

وانظر جواب السؤال القادم

وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الصفات مرغب بها شرعا ، وأنه يستحب للخاطب تطلبها في مخطوبته ، لكن بشرط أن يكون الدين هو الأساس ـ أيضا

وألا تعارضه غيره من الصفات المذكورة ؛ فإن حصل تعارض قدم الدين حتما .

قال ابن حجر رحمه الله :

" ويؤخذ منه – أي من هذا الحديث - أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة ، إلا إن تعارض : نسيبة غير دينة ، وغير نسيبة دينة ، فتقدم ذات الدين ، وهكذا في كل الصفات .

قوله : ( وجمالها ) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة ، إلا إن تعارض : الجميلة الغير دينة ، والغير جميلة الديِّنَة ، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى ، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق .

قوله : ( فاظفر بذات الدين ) في حديث جابر : ( فعليك بذات الدين ) والمعنى :

أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء ، لا سيما فيما تطول صحبته ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية

وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجة رفعه [ وفيه ضعف ] :

( لا تزوجوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهن أن يرديهن - أي يهلكهن - ، ولا تزوجوهن لأموالهن : فعسى أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ، ولأمة سوداء ذات دين أفضل ) " انتهى باختصار.

" فتح الباري " (9/135-136) .

وقد استدلت كثير من كتب الشافعية بهذا الحديث على استحباب التزوج من الجميلة .

وجاء في " شرح منتهى الإرادات " (2/623) - من كتب الحنابلة - : " ويسن أيضا تخير الجميلة للخبر – يعني الحديث السابق – " انتهى.

والأمر في ذلك واسع إن شاء الله ، ما دام المقصود الرئيس في الزوجين متفقا عليه وهو الدين ، وما دامت الصفات الدنيوية الأخرى غير مذمومة بل ممدوحة .

أما عدم ذكر الصفات المقصودة من الرجال في الزواج كما ذكرت صفات النساء ، فليس ذلك بسبب التفريق بينهما

بل لأن الرجل في العادة هو الذي يبحث عن الزوجة ويطلب فيها ما يختاره من الصفات

والمرأة إنما تفكر في صفات من يتقدم لها ، فكان الأنسب أن يوجه الخطاب في حديث ( تنكح المرأة لأربع ) على ما يجري به الغالب من عوائد الناس ، وليس على القليل النادر .

ثم إن الغالب في خطاب الشريعة أنه موجه للرجال ، وقد قرر الأصوليون أن خطاب الرجال يشمل النساء إلا بقرينة صارفة ، وإلا فليس من اللازم ورود نص في كل حكم شرعي للرجال

وآخر للنساء . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ) .

رواه الترمذي (113) وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:36
شرح حديث : (تنكح المرأة لأربع . . . .)

السؤال

لم أفهم معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع مالها وجمالها وحسبها ودينها )

فهل هذا يعني أن المرأة يجب أن تكون غنية وجميلة وذات حسب وأن تكون متدينة ؟

موضوع التدين واضح بالنسبة لي ولكن ماذا عن بقية الأشياء ؟

الجواب

الحمد لله :

هذا الحديث رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .

وليس في الحديث أمر أو ترغيب في نكاح المرأة لأجل جمالها أو حسبها أو مالها.

وإنما المعنى : أن هذه مقاصد الناس في الزواج

فمنهم من يبحث عن ذات الجمال ، ومنهم من يطلب الحسب ، ومنهم من يرغب في المال ، ومنهم من يتزوج المرأة لدينها ، وهو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) .

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :

" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع ، وآخرها عندهم ذات الدين

فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين ، لا أنه أمر بذلك ... وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم " اهـ باختصار .

وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي :

" قال القاضي رحمه الله :

من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون ، لا سيما فيما يدوم أمره ، ويعظم خطره " اهـ .

وقد اختلف العلماء في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تربت يداك ) اختلافاً كثيراً ، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :

" وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ : أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلُهَا اِفْتَقَرَتْ , وَلَكِنَّ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ , فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك ,

وَقَاتَلَهُ اللَّه , مَا أَشْجَعه , وَلَا أُمّ لَهُ , وَلَا أَب لَك , وَثَكِلَتْهُ أُمّه , وَوَيْل أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء , أَوْ الزَّجْر عَنْهُ , أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ , أَوْ اِسْتِعْظَامه , أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ , أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَم " اهـ .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:40
حديث إخراج أناس من النار لم يعملوا خيرا قط لا يعني الكفار

السؤال

كيف نجمع بين حديث : ( أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان )... قال : ( فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط.. )

وبين خلود الكافر في النار ؟

الجواب

الحمد لله

لا تعارض بين إخراج أناس من النار جاء في وصفهم أنهم ( لم يعملوا خيرا قط )، وبين الآيات الكثيرة التي تقرر خلود الكفار في نار جهنم ، وذلك لأن هؤلاء الموصوفين في الحديث ليسوا من الكفار

بل هم من المؤمنين الموحدين ، ولكنهم فرطوا في جنب الله ، وأسرفوا على أنفسهم حتى تركوا أكثر العبادات والطاعات ، ولم يبق لهم ما يدخلهم الجنة إلا الشفاعة.

والحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183)

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ

يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَحُجُّونَ . فَيُقَالُ لَهُمْ :

أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ .

فَيَقُولُ : ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا .

ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا .

ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا .

وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )

فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ

وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا ، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ

فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ )

والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى .

وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله ، وجاء بأصل التوحيد ، ولكنه لم يعمل خيرا قط .

يقول ابن حجر رحمه الله :

" وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط " انتهى.

" فتح الباري " (11/428)

ويقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله –

في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله ، حيث جاء فيها : ( قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد )

– قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وهذه اللفظة – يعني ( إلا التوحيد ) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل ، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى ، والأصول كلها تعضدها

والنظر يوجبها ؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار

لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا ، وهذا ما لا مدفع له ، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة ، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث : ( لم يعمل حسنة قط )

أو ( لم يعمل خيرا قط لم يعذبه ) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير

وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها ، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض ، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له : لم فعلت هذا ؟ فقال : من خشيتك يا رب )

والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق ، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم

كما قال الله عز وجل: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) قالوا : كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به . وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده .

ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله : خذ ما يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا . فلما هلك قال الله : هل عملت خيرا قط ؟ قال لا

إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس ، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا ، قال الله قد تجاوزت عنك )

قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه ( لعل الله يتجاوز عنا ) :

إيمان وإقرار بالرب ، ومجازاته ، وكذلك قول الآخر : ( خشيتك يا رب ) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى.

" التمهيد " (18/40-41)

ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله

– وقد أورد هذا الحديث تحت باب : " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص " :

" هذه اللفظة : ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب ، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام

فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل : لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال ، لا على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى.

" التوحيد " (2/732)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:46
كيف التوفيق بين قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم وحديث إن ابني هذا سيد

السؤال

يقول الله تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) وعند البخاري وغيره يقول صلى الله عليه وسلم في حق الإمام الحسن رضي الله عنه : (

‏ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) سؤالي رعاك الله : هل يصح أن نقول إن الإمام الحسن أو الحسين أبناء النبي صلى الله عليه وسلم لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم ؟

أم إنهم يدخلون في عموم قوله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم . . الآية

) فيما يخص النهي عن التبني بشكل عام ، ويدخل فيه تبني رجل أحدا ليس من صلبه مباشرة ، وإن كان من سلالته وإن نزلت ؟

وهل منزلة البنوة التي أثبتها صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور آنفاً حقيقية أم مجازية؟

وفقكم الله ، وفتح عليكم من واسع فضله وعلمه .

الجواب

الحمد لله

ليس بين الآية والحديث تعارض والحمد لله ، وإنما يقوم التعارض في ذهن بعض السامعين بسبب عدم تمكنهم من تصور مقصود السياق تصوراً تاما .

فالآية الكريمة إنما تتحدث عن شأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بعد أن طلقها زيد بن حارثة الذي كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم قبل تحريم التبني

فأنزل الله تعالى هذه الآيات الكريمات ليزيل ما قد يقع في قلوب بعض الناس من إنكار زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني سابقا

فذكر عز وجل أن التبني باطل ، وأنه لا تنبني عليه أحكام أبوة النسب الحقيقي ، فقال عز وجل :

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ

عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ

عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) الأحزاب/37-39.

ومعلوم أنه ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة من الأولاد الذكور ، وولد له حفيدان اثنان من ابنته فاطمة رضي الله عنهما ، وليس هؤلاء الأولاد محل إشكال ولم يدخلوا في النفي أصلا ، لأسباب عدة :

1- أن سياق الآيات لا يقصدهم أصلا ، بل يقصد نفي وجود أبوة نسب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المسلمين كي لا تنكر قلوبهم زواجه من زينب رضي الله عنها

ولذلك جاءت الآية بلفظ الخطاب فقال : ( من رجالكم )، فلا يدخل فيه أصلا أبناء النبي صلى الله عليه وسلم .

2- أن أبناءه الذكور صلى الله عليه وسلم ماتوا جميعا قبل بلوغ الحلم ، وهذا من حكمة الله عز وجل ، لما في ذلك من تقرير ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ونفي توهم كون النبوة تنتقل بالوراثة بين الأب وأبنائه

وأما الحسن والحسين فهما وإن كانا من أحفاده صلى الله عليه وسلم لكنهما لا ينتسبان إليه من جهة الأبوة

بل ينتسبان إلى أبيهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولذلك كان بقاؤهما أحياء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من حكمة الله عز وجل أيضا ، فلم يدَّعِ أحد لهما النبوة بعد جدهما من أمهما النبي صلى الله عليه وسلم

فلا تعارض مع نفي أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من رجال المسلمين .

3- ثم إن الآية نفت أبوة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية لأحد من المسلمين ، وليس الأبوة المجازية ، وأبوة الرجل لأحفاده من جهة ابنته أبوة مجازية

بل أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لسائر المسلمين أبوة مجازية ، وفي تفسير بعض الصحابة لقول الله تعالى : (وأزواجه أمهاتهم ) قال : وهو أب لهم .

وننقل هنا كلام أهل العلم في هذه الآية ، وفي بعضه جواب عن التعارض الذي عرض للسائل الكريم :

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وقوله : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) نهى تعالى أن يقال بعد هذا : " زيد بن محمد " أي : لم يكن أباه وإن كان قد تبناه

فإنه صلوات الله عليه وسلامه لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم ؛ فإنه ولد له القاسم ، والطيب ، والطاهر ، من خديجة ، فماتوا صغارا ، وولد له إبراهيم من مارية القبطية

فمات أيضا رضيعا ، وكان له من خديجة أربع بنات : زينب ، ورقية

وأم كلثوم ، وفاطمة ، رضي الله عنهم أجمعين ، فمات في حياته ثلاث ، وتأخرت فاطمة حتى أصيبت به ، صلوات الله وسلامه عليه ، ثم ماتت بعده لستة أشهر " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (6/428)

ونحوه في " معالم التنزيل " للبغوي (6/358)، و" اللباب " لابن عادل (15/557) .

وقال بهاء الدين ابن قدامة (682هـ) رحمه الله :

" وقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن : ( إن ابني هذا سيد ) – رواه البخاري (2704) - مجاز بالاتفاق ، بدليل قول الله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ) " انتهى.

" الشرح الكبير " (6/224)

ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" فقوله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) إنما سيق لانقطاع حكم التبني ، لا لمنع هذا الإطلاق المراد به أنه أبو المؤمنين في الاحترام والإكرام " انتهى.

" الصواعق المحرقة " (2/462)

وجاء في " الدرر السنية " (13/368) :

" وسئل أيضا الشيخ عبد الله بن الشيخ عن قوله تعالى : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ) سورة الأحزاب آية/40

هل هذه الآية قطعت كون رسول الله صلى الله عليه وسلم والدا للحسن والحسين ، مع ما ورد من الأحاديث الدالة على تسميتهما ابنين له ؟

فأجاب :

سبب نزول الآية يزيل هذا الإشكال ; وذلك أنه ذكر المفسرون : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس : تزوج امرأة ابنه

وأنزل الله هذه الآية – يعني : زيد بن حارثة – يعني : لم يكن أبا لرجل منكم على الحقيقة ، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح .

فإن قيل : قد كان له أبناء : القاسم ، والطيب ، والطاهر ، وإبراهيم ، وقال للحسن : ( إن ابني هذا سيد ) ؟

فالجواب : أنهم قد خرجوا من حكم النفي بقوله : ( من رجالكم ) ، وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال .

وأجاب بعضهم : بأنه ليس المقصود أنه لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا ، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين

وإضافة ( رجالكم ) إلى المخاطبين يخرج من كان من بنيه ، لأنهم رجاله لا رجال المخاطبين " انتهى.

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:52
شرح حديث لا يشاد الدين أحد إلا غلبه

السؤال

ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه ) ؟

الجواب

الحمد لله

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :

( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816)

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" معنى الحديث : النهي عن التشديد في الدين ، بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة

وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) يعني : أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة ، فمن شاد الدين غلبه وقطعه .

وفي " مسند الإمام أحمد " – (5/32) وحسنه محققو المسند - عن محجن بن الأدرع قال :

( أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كنا بباب المسجد إذا رجل يصلي قال

: " أتقوله صادقا " ؟ قلت : يا نبي الله هذا فلان ، وهذا من أحسن أهل المدينة أو من أكثر أهل المدينة صلاة ، قال : " لا تسمعه فتهلكه - مرتين أو ثلاث - إنكم أمة أريد بكم اليسر )

وفي رواية له : ( إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره ) – " مسند أحمد " (3/479) وحسنه المحققون -.
وقد جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا :

( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله ؛ فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطع ، ولا ظهرا أبقى ) – " السنن الكبرى " البيهقي (3/19) وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1/64) -

والمُنْبَتُّ : هو المنقطع في سفره قبل وصوله ، فلا سفرا قطع ، ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك

بل هو كالمنقطع في المفاوز ، فهو إلى الهلاك أقرب ، ولو أنه رفق براحلته واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره وبلغ إلى المنزل " انتهى باختصار. "

فتح الباري " لابن رجب (1/136-139)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب .

قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة ، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع .
وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة

فإنه من الأمور المحمودة ، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال

أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل ، أو إخراج الفرض عن وقته ، كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة

أو إلى أن خرج الوقت المختار ، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة " انتهى.

" فتح الباري " لابن حجر (1/94)

ويقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

" ما أعظم هذا الحديث وأجمعه للخير والوصايا النافعة والأصول الجامعة ، فقد أسّس صلّى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير ، فقال: ( إن الدين يسر ) أي : ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله ، وفي أفعاله وتُروكه :

فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره : هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب ، وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب .

وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق وأصلح الأعمال ، بها صلاح الدين والدنيا والآخرة ، وبفواتها يفوت الصلاح كله ، وهي كلها ميسرة مسهلة ، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه ولا تكلفه .

عقائده صحيحة بسيطة ، تقبلها العقول السليمة ، والفطر المستقيمة .

وفرائضه أسهل شيء :

أما الصلوات الخمس : فإنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في أوقات مناسبة لها ، وتمم اللطيف الخبير سهولتها بإيجاب الجماعة والاجتماع لها ؛ فإن الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها

ورتب عليها من خير الدين وصلاح الإيمان وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها ، ويحمد الله على فرضه لها على العباد ؛ إذ لا غنى لهم عنها .

وأما الزكاة : فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي ،

وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم ، وتنمية لأموالهم وأخلاقهم

ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم ، وتطهيراً لهم من السيئات ، ومواساة لمحاويجهم ، وقياماً لمصالحهم الكلية ، وهي مع ذلك جزءٌ يسير جداً بالنسبة إلى ما أعطاهم الله من المال والرزق .

وأما الصيام : فإن المفروض شهر واحد من كل عام ، يجتمع فيه المسلمون كلهم ، فيتركون فيه شهواتهم الأصلية - من طعام وشراب ونكاح - في النهار , ويعوضهم الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم

وزيادة كمالهم ، وأجره العظيم ، وبره العميم ، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير ، ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها ، وترك المنكرات .

وأما الحج : فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع ، وفي العمر مرة واحدة ، وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده ، قال تعالى: ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) الحجّ/28, أي: دينية ودنيوية.

ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق الله وحق عباده . فهي في نفسها ميسرة ، قال تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185

ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض مرض أو سفر أو غيرهما ، رتب على ذلك من التخفيفات ، وسقوط بعض الواجبات ، أو صفاتها وهيئتها ما هو معروف .

ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة المتنوعة من فرض ونفل ، وصلاة وصيام وصدقة وغيرها ، وأراد أن يقتدي فيها بأكمل الخلق وإمامهم محمد صلّى الله عليه وسلم

رأى ذلك غير شاق عليه ، ولا مانع له عن مصالح دنياه ، بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها : حقّ الله ، وحقّ النفس ، وحقّ الأهل والأصحاب ، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق وسهولة .

وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلّى الله عليه وسلم ، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه ، بل غلا وأوغل في العبادات : فإن الدين يغلبه ، وآخر أمره العجز والانقطاع

ولهذا قال : ( ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه )

فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو ولم يقتصد : غلبه الدين ، واستحسر ، ورجع القهقرى
.
ولهذا أمر صلّى الله عليه وسلم بالقصد ، وحثّ عليه فقال : ( والقصد القصد تبلغوا )

ثم وصى صلّى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربة، وتقوية النفوس بالبشارة بالخير، وعدم اليأس.

فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد ، ويعمل العمل السديد ، ويسلك الطريق الرشيد ، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه

فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع ، وليقارب الغرض ، فمن لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة ، ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه .

ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16,

وقوله صلّى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ) والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر .

وفي حديث آخر : ( يسِّروا ، ولا تعسروا ، وبَشِّروا ، ولا تنفروا ) .

ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس ، وهي في غاية النفع فقال : ( واستعينوا بالغدوة والروحة ، وشيء من الدُّلجة )

وهذه الأوقات الثلاثة كما أنها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية ، مع راحة المسافر ، وراحة راحلته ، ووصوله براحة وسهولة

فهي السبب الوحيد لقطع السفر الأخروي ، وسلوك الصراط المستقيم ، والسير إلى الله سيراً جميلاً

فمتى أخذ العامل نفسه ، وشغلها بالخير والأعمال الصالحة المناسبة لوقته - أوّل نهاره وآخر نهاره وشيئاً من ليله ، وخصوصاً آخر الليل -

حصل له من الخير ومن الباقيات الصالحات أكمل حظ وأوفر نصيب ، ونال السعادة والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة ، مع حصول مقاصده الدنيوية ، وأغراضه النفسية .

وهذا من أكبر الأدلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين الذي هو مادة السعادة الأبدية ؛ إذ نصبه لعباده ، وأوضحه على ألسنة رسله ، وجعله ميسراً مسهلاً

وأعان عليه من كل وجه ، ولطف بالعاملين ، وحفظهم من القواطع والعوائق .

فعلمت بهذا : أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد :

القاعدة الأولى :

التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم .

القاعدة الثانية :

المشقة تجلب التيسير وقت حصولها .

القاعدة الثالثة :

إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.

القاعدة الرابعة

: تنشيط أهل الأعمال ، وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على الأعمال .

القاعدة الخامسة :

الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك إلى الله ، التي تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء .

فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم ونوافعها " انتهى.

" بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/77-80)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 17:59
تفصيل القول في حديث " أعضوه بهن أبيه "

والرد على من قال إنه من الفحش

السؤال

سألني ملحد : كيف يتكلم الرسول عليه السلام بالألفاظ البذيئة !! وهو نبي ، مثل : ( أعضوه بهن أبيه ) ، ويقر قول أبي بكر : " امصص بظر اللات " ، مع أنه عليه السلام : نهى عن التفحش ؟

. فما الجواب المفصل بارك الله فيكم ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

لا ينبغي للمسلم أن يلتفت لطعن الطاعنين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم

فقد زكَّاه ربُّه تعالى في خلُقه فقال ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم/ 4 ، فإذا كانت هذه تزكية رب السموات والأرض له صلى الله عليه وسلم :

فكل طعنٍ فيه لا قيمة له ، ولسنا نتبع نبيّاً لا نعرف دينه وخلُقه ، بل نحن على علم بأدق تفاصيل حياته ، وقد كانت منزلته عالية حتى قبل البعثة

وشهد له الجاهليون بكمال خلقه ، ولم يجدوا مجالاً للطعن فيها ، والعجب هو عندما يأتي ملحد قد سبَّ رب العالمين أعظم السب فنفى وجوده

يأتي ليطعن في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتهمه بالفحش والبذاءة ، ويعمى عن كمال خلقه ، وينسى سيرته وهديه ، وما أحقه بقول القائل :

وَهَبني قُلتُ هَذا الصُبحُ لَيلٌ أَيَعمى العالَمونَ عَنِ الضِياءِ

ثانياً:

قد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، ومع بعثه بأعظم رسالة للعالَمين ، وفيها أحكام لأدق تفاصيل الحياة

إلا أنه في الأبواب التي لها تعلق بالعورة لا نراه إلا عفَّ اللسان ، يستعمل أرقى عبارة

ويبتعد عن الفحش في الكلام ، ويوصل المقصود بما تحتويه لغة العرب الواسعة ، وذلك في أبواب متعددة ، مثل : قضاء الحاجة ، والاغتسال

والنكاح ، وغير ذلك ، وقد تنوعت عباراته حتى إن الرجل ليستطيع التحدث بها أمام النساء ، ولعلَّنا نكتفي بمثال واحدٍ يؤكد ما سبق ذِكره ، وإلا فالأمثلة كثيرة جدّاً :

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ

قَالَ : ( خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا ) ، قَالَتْ : كَيْفَ أَتَطَهَّرُ ؟ قَالَ : ( تَطَهَّرِي بِهَا ) قَالَتْ : كَيْفَ ؟ قَالَ : ( سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي ) ، فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ : تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ .

رواه البخاري ( 308 ) ومسلم ( 332 ) .

ومعنى ( فِرصة من مِسك ) أي : قطعة صوف أو قطن عليها ذلك الطيب المعروف .

وفي رواية للبخاري ( 309 ) :

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْمَحِيضِ ؟

قَالَ : ( خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا ) ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَا ، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ ، أَوْ قَالَ : ( تَوَضَّئِي بِهَا ) فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ثالثاً:

بخصوص الجواب عن الحديث المذكور في السؤال : فإننا ننبِّه على أمرين قبل ذِكر تفصيل الجواب :

الأول : أن هذا اللفظ الوارد في الحديث لم يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، وهو لم يكن لابتداء الكلام به ، بل هو عقوبة لقائله ، أي : أنه شُرع ردّاً على مرتكبٍ لمحرَّم وهو التعصب الجاهلي .

الثاني : أن ما يوجد في شرع الله تعالى من عقوبات وحدود إنما يراد منها عدم وقوع المعاصي والآثام التي تُفسد على الناس حياتهم ، فمن رأى قطع اليد عقوبةً شديدة فليعلم أنه بها يحفظ ماله من أهل السرقة

ومن استبشع الرجم للزاني المحصن فليعلم أنه به يأمن من تعدِّي أهل الفجور على عرضه ، وهكذا بقية الحدود والعقوبات

ومثله يقال في الحد من التعصب الجاهلي للقبيلة ، والآباء ، والأجداد ، فجاء تشريع هذه الجملة التي تقال لمن رفع راية العصبية الجاهلية ؛ لقطعها من الوجود

ولكف الألسنة عن قولها ، وفي كل ذلك ينبغي النظر إلى ما تحققه تلك العقوبات والروادع من طهارة في الأقوال ، والأفعال ، والأخلاق ، وهذا هو المهم لمن كان عاقلاً ، يسعى لخلو المجتمعات من الشر وأهله .

رابعاً:

أما الجواب التفصيلي عن الحديث الوارد في السؤال : فنحن نذكر ألفاظ الحديث ، ثم نعقبها بشروح أهل العلم له .
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ

فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ : إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ ؛ إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا : ( إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا ) .

رواه أحمد ( 35 / 157 ) وحسَّنه محققو المسند .

عَنْ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى ، فَأَعَضَّهُ أُبَيٌّ بِهَنِ أَبِيهِ ، فَقَالُوا : مَا كُنْتَ فَحَّاشًا ؟

قَالَ : إِنَّا أُمِرْنَا بِذَلِكَ .

رواه أحمد ( 35 / 142 ) وحسَّنه محققو المسند ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .

قال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله - :

ففي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن سُمِع يدعو بدعاء الجاهلية ما أمر به فيه .

فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تروون عنه : ( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء من النار ) ؟ .

قال : ففي هذا الحديث أن البذاء في النار ، ومعنى البذاء في النار هو : أهل البذاء في النار ؛ لأن البذاء لا يقوم بنفسه ، وإنما المراد بذِكره من هو فيه .

فكان جوابنا في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه :

أن " البذاء " المراد في هذا الحديث خلاف البذاء المراد في الحديث الأول ، وهو البذاء على مَن لا يستحق أن يُبذأ عليه ، فمن كان منه ذلك البذاء :

فهو من أهل الوعيد الذي في الحديث المذكور ذلك البذاء فيه ، وأما المذكور في الحديث الأول :

فإنما هو عقوبة لمن كانت منه دعوى الجاهلية ؛ لأنه يدعو برجل من أهل النار

وهو كما كانوا يقولون : " يا لبكر ، يا لتميم ، يا لهمدان " ، فمن فمن دعا كذلك من هؤلاء الجاهلية الذين من أهل النار : كان مستحقّاً للعقوبة

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوبته أن يقابل بما في الحديث الثاني ؛ ليكون ذلك استخفافاً به ، وبالذي دعا إليه ، ولينتهي الناس عن ذلك في المستأنف ، فلا يعودون إليه .

وقد روي هذا الحديث بغير هذا اللفظ

فعن عُتيّ بن ضمرة قال : شهدتُه يوماً - يعني : أبي بن كعب ، وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّه بكذا أبيه

ولم يكنه ، فكأن القوم استنكروا ذلك منه ، فقال : لا تلوموني فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : ( من رأيتموه تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ، ولا تكنوا ) .

ومعناه : معنى الحديث الذي قبله ؛ لأن معنى ( من تعزى بعزاء الجاهلية ) : إنما هو مِن عزاء نفسه إلى أهل الجاهلية ، أي : إضافتها إليهم .

" بيان مشكل الآثار " ( 8 / 51 – 54 ) باختصار وتهذيب .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 18:00
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

ولهذا قال من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة

والمصلحة ، وليس من الفحش المنهي عنه، كما في حديث أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا) رواه أحمد ، فسمع أبي بن كعب رجلاً يقول : يا فلان

فقال : اعضض أير أبيك ، فقيل له في ذلك فقال : بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

" منهاج السنة النبوية " ( 8 / 408 ، 409 ) .

وقال ابن القيم – رحمه الله – عند التعليق على حديث أبي داود : أن رجلاً عَطَسَ عند النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ ! فَقَالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَعَلَيْكَ السَّلامُ وعَلَى أُمِّكَ ) - :

ونظيرُ ذِكر الأُم هاهنا : ذكرُ " هَنِ " الأب لمن تعزَّى بعزاءِ الجاهلية ، فيقال له : اعضُضْ هَنَ أَبِيكَ ، وكَانَ ذِكرُ " هَنِ " الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبِّرِ بدعوى الجاهلية بالعُضو الذى خَرَجَ منه

وهو " هَنُ " أبيه ، فَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أن يتعدَّى طَوْرَهُ ، كما أن ذِكرَ الأُم هاهنا أحسنُ تذكيراً له ، بأنه باقٍ على أُمِّيته ، والله أعلم بمراد رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 2 / 438 )
.
خامساً:

قد عمل كبار الصحابة بهذه الوصية ، ورأوا ذلك عقوبة وقعت على مستحقها ، ولم يروا ذلك مستقبحاً في شيء ؟! وقد سبق ذِكر قول أبي بن كعب راوي الحديث لها

وقد قالها – أيضاً – أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه ، فقد قال عروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في " الحديبية " للنبي صلى الله عليه وسلم :

" فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا ، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ " ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ " ، فَقَالَ : مَنْ ذَا ؟ قَالُوا : أَبُو بَكْرٍ .

رواه البخاري ( 2581 ) .

قال ابن حجر – رحمه الله - :

و " البَظْر " : بفتح الموحدة ، وسكون المعجمة : قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة .

و" اللات " : اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها

وكانت عادة العرب الشتم بذلك ، لكن بلفظ الأم ، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه ، وحمَله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار .

وفيه : جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك

وقال ابن المنيِّر : في قول أبي بكر تخسيس للعدو ، وتكذيبهم ، وتعريض بإلزامهم من قولهم " إن اللات بنت الله ! " تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، بأنها لو كانت بنتاً : لكان لها ما يكون للإناث .

" فتح الباري " ( 5 / 340 ) .

وقال ابن القيم – رحمه الله - :

وفى قول الصِّدِّيق لعروة : " امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ " : دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة

إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال ، كما أذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه ، ويقال له : " اعضُضْ أيْرَ أبيك " ، ولا يُكْنَى له ، فلكل مقام مقال .

" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 3 / 305 ) .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 18:03
لماذا خص الصوم بقوله تعالى : (الصيام لي وأنا أجزي به)؟

السؤال

لماذا خص الله جزاء الصوم به سبحانه وتعالى ؟ .

الجواب

الحمد لله

روى البخاري (1761) ومسلم (1946) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ . . . الحديث ) .

ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها ، اختلف العلماء في قوله : ( الصيام لي وأنا أجزي به ) لماذا خص الصوم بذلك ؟

وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل ، وأهم هذه الأوجه ما يلي :

1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، قال القرطبي : لما كانت الأعمال يدخلها الرياء

والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث : (يدع شهوته من أجلي) .

وقال ابن الجوزي : جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ ( يعني قد يخالطه شيء من الرياء ) بخلاف الصوم .

2- أن المراد بقوله : ( وأنا أجزى به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته . قال القرطبي :

معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير

. ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )

أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .

3- أن معنى قوله : ( الصوم لي ) أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي . قال ابن عبد البر : كفى بقوله : ( الصوم لي ) فضلا للصيام على سائر العبادات .

وروى النسائي (2220) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ ) . صححه الألباني في صحيح النسائي .

4- أن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم ، كما يقال : بيت الله ، وإن كانت البيوت كلها لله . قال الزين بن المنير : التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ :

الوجه الأول : أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال ، وذلك لِشرفِهِ عنده ، ومحبَّتهِ له ، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه

لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله . فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام ، فلا يتناولُهُ ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه ، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك

فيترُكُه لله خوفاً من عقابه ، ورغبةً في ثوابه ، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ

واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال : ( يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي )

. وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله :

إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم .

الوجه الثاني : أن الله قال في الصوم : (وأَنَا أجْزي به) فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد ، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ

أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ ، وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين ، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها .

فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب . والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله ، وصبرٌ عن مَحارِم الله

وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين .

وقَدْ قَالَ الله تَعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10 . . . " انتهى .

"مجالس شهر رمضان" (ص 13) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-27, 18:10
حكم الشرب من فم الزجاجة

السؤال

هل النهى عن الشرب من فم السقاء ينطبق على الشرب من فم الزجاجات ؟

الجواب

الحمد لله

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ ) رواه البخاري (5628) و (5629) من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم .

و"السقاء" هو : الإناء الذي يوضع فيه الماء ويكون له فم يشرب منه ، كالقربة .

وقد ذكر العلماء رحمهم الله عدة علل لهذا النهي :

1- أن القربة لا يظهر ما بداخلها ، فقد يكون بداخلها حشرة أو حية فتؤذيه ، كما روي أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية.

وهذه العلة غير موجودة في الشرب من الزجاجات اليوم ؛ لأن الغالب أن ما بداخلها ظاهر .

2- أن الذي يشرب من في السقاء قد يغلبه الماء ، فينصب أكثر مما يحتاج إليه ، فيشرق به أو تبتل ثيابه .
وهذه العلة موجودة فيمن يشرب من الزجاجات ، كما تراه في كثير من الناس .

3- أن النهي عن ذلك حتى لا يصيب ريقه فم السقاء أو يختلط بالماء الموجود بداخله ، أو يصيب نَفَسُه فم السقاء ، فيتقذره غيره ، وقد يكون ذلك سبباً لانتقال الأمراض .

وهذه العلة ـ أيضاً ـ موجودة فيمن يشرب من الزجاجة ، ولكنها فيمن يمس الزجاجة بفمه ، أما إذا كان يَصُبُّ منها ولا يمسها بفمه فلا بأس .

وكذلك أيضاً : هي خاصة بما إذا كان سيشرب من هذه الزجاجة غيره ، أما إذا كانت الزجاجة خاصة به ، فلا بأس حينئذ من الشرب من فمها .

ولا يبعد أن يكون النهي عن الشرب من في السقاء من أجل هذه العلل كلها ، كما قال ذلك ابن العربي وابن أبي جمرة رحمهما الله تعالى .

وانظر : "فتح الباري" شرح الحديث رقم (5628) .

وبعض هذه العلل كما سبق ، موجودة فيمن يشرب من الزجاجة ، ولذلك فينبغي أن لا يشرب من فمها ، لاسيما إذا كان سيشرب من الزجاجة غيره .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 16:50
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

حديث (عمران بيت المقدس خراب يثرب)

السؤال

أرجو منكم التفضل بشرح هذا الحديث بالتفصيل: روى أحمد وأبو داود عن معاذ

: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عمران بيت المقدس خراب يثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتح القسطنطينية خروج الدجال " .

الجواب

الحمد لله

الحديث رواه ابن أبي شيبة ( 7 / 491 ) وأحمد ( 5 / 245 ) وأبو داود ( 4294 )

وعلي بن الجعد في مسنده ( ص 489 ) .

كلهم : من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل .

ورواه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " ( 4 / 930 ) من طريق ابن ثوبان عن أبيه أنه سمع مكحولا يقول : حدثني مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفيه : عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وهو ضعيف ، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته

كما في " ميزان الاعتدال " ( 4 / 265 ) .

واختلف عنه فيه أيضاً .

قال الدارقطني – وسئل عن الحديث -
:
يرويه ابن ثوبان ، واختلف عنه : فرواه أبو حيوة شريح بن يزيد عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال حدثني مالك بن يخامر عن معاذ

وخالفه علي بن الجعد فرواه عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ ، زاد في الإسناد جبيراً ، والله أعلم .

" علل الدارقطني " ( 6 / 53 ) .

والحديث ضعفه الشيخ شعيب الأرناؤط في تحقيقه لمسند أحمد ( 36 / 352 ) . وقد حسنه الشيخُ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود .

وعلى فرض صحته فإن معناه :

أن كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأُمُور أَمَارَة لِوُقُوعِ مَا بَعْده ، وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ فترة زمنية بينهما .

( عُمْرَان بَيْت الْمَقْدِس ) أَيْ : عِمَارَته بِكَثْرَةِ الرِّجَال وَالْعَقَار وَالْمَال .

( خَرَاب يَثْرِب ) : أَيْ : سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة . وَقَالَ الْقَارِي : أَيْ وَقْت خَرَاب الْمَدِينَة .

ويحتمل أن يكون المراد بعمارة بيت المقدس نزول الخلافة فيه في آخر الزمان . ويدل عليه ما رواه أبو داود (2535) عن عبد الله بن حَوَالة الأزدي

قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا ، فلم نغنم شيئا ، وعرف الجهد في وجوهنا ، فقام فينا فقال: (اللهم لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم

ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم) ثم وضع يده على رأسي أو قال:

على هامتي ، ثم قال: (يا ابن حوالة ، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل [البلابل: الهموم والأحزان] والأمور العظام ، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك) .

وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

فظاهره أن نزول الخلافة في الأرض المقدسة سيكون قريبا جداً من الساعة ، فقد يكون هذا هو المراد بعمارتها . والله أعلم .

( وَخَرَاب يَثْرِب خُرُوج الْمَلْحَمَة ) : أَيْ ظُهُور الْحَرْب الْعَظِيمة ، وتكون بَيْن أَهْل الشَّام وَالرُّوم .

(وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ) يعني : فإذا خرجت الملحمة فبعدها فتح القسطنطينية .

(وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ) يعني إذا فتحت القسطنطينية خرج الدجال .

وفي الحديث إشكال ؛ وهو كون خراب المدينة قبل الدجال ، مع ما ورد من أن الدجال يمنع من دخول المدينة ، فإنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة .

وقد أجاب ابن كثير عن هذا الإشكال فقال في "النهاية" (1/94) :

"وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال ، وإنما ذلك آخر الزمان ، بل تكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية

فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها ، يُمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيدهم السيوف المصلتة" انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 16:54
ما المقصود بـ " محارم الله " ؟

السؤال

ما المقصود بمحارم الله ، وما هو انتهاك محارم الله الواردة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء

فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله ! صفهم لنا ، جَلِّهِم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم . قال : أما إنهم إخوانكم ، ومن جلدتكم ، ويأخذون من الليل كما تأخذون

ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) هل المقصود بانتهاك محارم الله الزنا ، وهل انتهاك محارم الله يستلزم الحد عملا بقول الله تعالى : ( والحرمات قصاص ) ؟

هل من ينتهك محارم الله ومات ولم يتب جزاؤه النار ؟

هل الخلوة والوقوع بالفاحشة هي انتهاك لمحارم الله ؟

هل الشخص الذي لا يغض البصر هو منتهك لمحارم الله ؟

وهل المرأة غير المتحجبة والمبتذلة في لبسها والمتعطرة التي تفتن شباب المسلمين هي منتهكه لمحارم الله ؟

هل انتهاك محارم الله المقصود به الخيانة الزوجية أخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد برئت منها ذمة الله ورسوله )

وقوله أيضا : ( أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله ) ؟

هل من ينتهك محارم الله هو خائن لله وللرسول وللأمانة ؟

هل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) المقصود به هم الأقارب فقط ، أم أنه مصطلح عام يشمل المسلم والكافر ؟ هل محارم الله هي اقتراف السيئات وعدم التناهي عنها

وهذا نجده في قول الله تعالى : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) ؟ هل محارم الله اتباع الشهوات وترك العبادات ، وهذا نجده في قول الله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا )

الجواب

الحمد لله

محارم الله : هي كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر ، كالنظر والاختلاط والتبرج المحرم ، ومثله الزنا والربا والرشوة والظلم والسرقة والغيبة والنميمة

ونقض ما أمر الله بالوفاء به ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل

فهو لفظ عام تدخل فيه المعاصي بجميع أنواعها . قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) الرعد:25 .

وقد جاء استعمال لفظ " محارم الله " في أحاديث كثيرة ، منها :

ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (2328) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :

( مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ ، وَلَا امْرَأَةً ، وَلَا خَادِمًا ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )

ومنها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (4/182) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ :

أَيُّهَا النَّاسُ ! ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا ، وَلَا تَتَفَرَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ : وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ ! فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى

وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ) .

صححه الحاكم في "المستدرك" (1/144) على شرط مسلم، وكذا الذهبي في التلخيص، وحسنه محققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (3887) .

وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ !
فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ :

اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ ) .

رواه أحمد (2/310) والترمذي (2305) والطبراني في "الأوسط" (7/125) وغيرهم من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة .

قال الطبراني : " لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا أبو طارق ، تفرد به جعفر بن سليمان " انتهى .

وقال الترمذي : " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا ، هكذا روي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا

: لم يسمع الحسن من أبي هريرة ، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله ، ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى .

وفيه علة أخرى هي جهالة أبي طارق السعدي ، إذ لم يرد فيه توثيق ولا تجريح عن أحد من أهل العلم ، فقال فيه الذهبي في "الميزان" (4/540) : " لا يعرف " انتهى .

ولبعض جمل هذا الحديث شواهد اقتضت تصحيح الحديث عند بعض أهل العلم ، كالشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (برقم/930)

غير أن جملة الشاهد وهي ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) لم يرد ما يشهد لها ، والله أعلم بالصواب .

يقول المناوي في "فيض القدير" (1/161) :

" أي : احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك تكن أعبد الناس

أي : مِن أعبدهم ، لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض ، فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات ، فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته

فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد ، وقال الذهبي : هنا والله تسكب العبرات ، فيلزم أن يكون بصيرا بكل واجب فيقوم به ، وعارفا بكل محرم فيجتنبه " انتهى بتصرف يسير .

وقد جاء في الكتاب الكريم من التحذير والترهيب من الوقوع في محارم الله ما يغني ويكفي ،

يقول الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة/229

ويقول عز وجل : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/14

على أننا ننبه أخانا الكريم على أن حديث ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) ليس له علاقة بالأقارب أو الأهل ، أو المسلم والكافر ؛ وإنما اختلط عليك المحارم المشار إليها في هذه الأحاديث وأمثالها ، والتي يقصد بها :

ما حرمه الله على عباده ، والمحارم في باب النكاح ، كالأم والأخت ونحو ذلك ؛ وهذا لا علاقة له بما نحن فيه .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 16:57
معنى ( لعن الله من ذبح لغير الله ).

السؤال

يقول صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) ما هو المقصود من ذلك ؟

وهل الذبح للضيف يكون من الذبح لغير الله ؟

الجواب

الحمد لله

"المقصود من الحديث : تحريم الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء ؛ رجاء بركتهم ، والذبح للجن ؛ إرضاء لهم ، ورجاء قضائهم للحاجات ، أو دفعاً لشرهم ، فإن هذا شرك أكبر يستحق فاعله لعنة الله وغضبه .

أما الذبح للضيوف إكراماً لهم ، أو للأهل توسعةً عليهم ، والذبح تقرباً إلى الله من أجل أن تجعل صدقة على الأموات يرجى ثوابها من الله للحي والميت

فهذا جائز ، بل هو إحسان يرجى ثوابه من الله ، وهكذا الضحايا يوم النحر عن الأموات والأحياء .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم " انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/196) .

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضاً (1/225) :

" يجوز ذبح الذبيحة للضيف ويذكر اسم الله عليها عند الذبح ، وليس ذلك داخلا في عموم قوله تعالى : ( وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) ، بل المقصود في الآية ما ذبح لغير الله

كالذبح للأموات ونحوهم تقربا إليهم ، أما الذبح للضيف ، فالمقصود به إكرامه لا عبادته ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإكرام الضيف .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم " انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود
.
وللفائدة ينظر جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 17:01
متى يكون الذبح لغير الله شركاً

السؤال

هل كل ذبح لا يراد به وجه الله يعتبر شركاً ؟

مع التفصيل في ذلك .

الجواب

الحمد لله

الذبح تارة يكون نسكا ، إجلالا لله وتعظيما له ، وتارة يكون لأجل إكرام ضيف أو أكل لحم أو نحو ذلك ، ففي الحالة الأولى ، لا يجوز أن يصرف هذا الإجلال والتعظيم إلا لله عز وجل

ومن صرفه لغير الله ، فقد أشرك شركا أكبر ، وصارت ذبيحته بمنزلة الميتة ، أما الحالة الثانية فهي جائزة

وقد تكون مطلوبة ، إلا أنه في جميع الأحوال لا يجوز ذكر اسم غير الله على الذبيحة وإلا صارت ميتة محرمة ، فذكر اسم الله عز وجل شيء ، والمقصود بالذبيحة شيء آخر .

فإن قيل : كيف نفرق بين ما يكون إكراما وبين ما يكون تقربا لغير الله ؟

فالجواب : أنه في حال التقرب لغير الله لا يقصد بالذبيحة اللحم ، وإنما يقصد بها تعظيم المذبوح له ، ويصرف اللحم لأناس آخرين ، كمن يذبح أمام رئيس لمقدمه من سفر أو نحو ذلك

ثم يعطي الذبيحة أناسا آخرين ليأكلوا منها ، وهذا كان يفعله بعض الناس في السابق ، فهذا ما ذبح للرئيس إلا تعظيما له وإجلالا ، فيكون داخلا في الشرك الأكبر .

قال الشيخ ابن عثيمين :" الذبح إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص ويقع على وجوه :

الأول : أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه ، فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى ، وصرفه لغير الله شرك أكبر ودليله قوله تعالى

: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له والنسك هو الذبح .

الثاني : أن يقع إكراما لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوبا أو استحبابا لقوله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه "

وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف : " أولم ولو بشاة " .

الثالث : أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الاتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة

لقوله تعالى : أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون يس/71 ، 72

وقد يكون مطلوبا أو منهيا عنه حسب ما يكون وسيلة له ."

شرح الأصول الثلاثة ضمن مجموع الفتاوى 6 / 62

وقال في مواهب الجليل :" وأما الذبح للأصنام ، فلا خلاف في تحريمه ، لأنه مما أهل به لغير الله

انتهى . " 3 / 213

وذكر في ردّ المحتار [ 6 / 309 ] :

أن الذبح لقدوم الأمير محرّم ، بينما الذبح للإكرام للضيف جائز

ثم قال : والفارق أنه إن قدمها ليأكل منها كان الذبح لله والمنفعة للضيف أو للوليمة أو للربح ، وإن لم يقدمها ليأكل منها بل يدفعها لغيره كان لتعظيم غير الله فتحرم " اهـ .

وقال في المجموع :" لا يجوز أن يقول الذابح : باسم محمد ، ولا باسم الله واسم محمد ، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه واليمين باسمه ، والسجود له لا يشاركه في ذلك مخلوق

. وذكر الغزالي في الوسيط أنه لا يجوز أن يقول : باسم الله ومحمد رسول الله ، لأنه تشريك " 8/384

وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين:

عن حكم الذبح لغير الله، وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة ؟

فأجاب قائلا : الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر الله به في قوله : فصل لربك وانحر . وقوله سبحانه : قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .

لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرجا عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة

أو لرسول من الرسل ، أو لنبي من الأنبياء ، أو لخليفة من الخلفاء ، أو لولي من الأولياء ، أو لعالم من العلماء ، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة والواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه

وأن لا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله فيه إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار

وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله - تعالى

حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب فهذه الذبائح التي ذبحت لغير الله من قسم المحرمات لا يحل أكلها .

وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : عن حكم الذبح لغير الله ؟

فأجاب بقوله : تقدم لنا في غير هذا الموضع أن توحيد العبادة هو إفراد الله – سبحانه وتعالى –

بالعبادة بأن لا يتعبد أحد لغير الله – تعالى – بشيء من أنواع العبادة ، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه لأن الله – تعالى – أمر به في قوله فصل لربك وانحر وكل قربة فهي عبادة

فإذا ذبح الإنسان شيئا لغير الله تعظيما له ، وتذللا ، وتقربا إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه - عز وجل - كان مشركا بالله - عز وجل - وإذا كان مشركا فإن الله - تعالى قد بين أنه حرم على المشرك الجنة ومأواه النار .

وبناء على ذلك نقول : إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور - قبور الذين يزعمون بأنهم أولياء - شرك مخرج عن الملة ، ونصيحتنا لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله - عز وجل - مما صنعوا

وإذا تابوا إلى الله وجعلوا الذبح لله وحده كما يجعلون الصلاة والصيام لله وحده ، فإنه يغفر لهم ما سبق كما قال الله - تعالى – قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف "

مجموع الفتاوى 2 / 148

للمزيد ( انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 1 / 215

تيسير العزيز الحميد 1 / 155

الدرر السنية من الأجوبة النجدية 1 / 428 ].

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 17:03
معنى المجثمة

السؤال

ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثمة فما المقصود بها ؟

الجواب

الحمد لله :

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن المجثمة ، وذلك في الحديث الذي رواه الترمذي (1393)

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ ، وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ ). وصححه الألباني في صحيح الجامع (6857).

والمقصود بالمجثمة قد بَيَّنه راوي الحديث فقال: (وهي التي تصبر بالنبل).

أي: هي الحيوان الذي يمسك أو يقيد ويرمى بالنبل حتى يموت

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها لأنها ميتة

وليست مذبوحة ذبحاً شرعياً .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 17:06
فوائد السواك الطبية في السنة النبوية

السؤال

لقد قرأت وسمعت أن هناك فوائد عديدة من استخدام المسواك ، مثلا علاج الصداع ، منع فقدان الذاكرة ، إلخ

. أتساءل ما إذا مر بكم حديث لدعم هذا القول . جزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

ورد الحث على السواك في السنة النبوية في أحاديث كثيرة ، وجاء وصف أثر استعمال السواك بأنه ( مطهرة للفم ) ، يطهره من الأذى والخبث ، ويطيب رائحته

ويمنع الفساد من التسارع إليه ، فهي كلمة مطلقة ، تثبت للسواك كل طهارة وحماية ووقاية .

يقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد :

" إنها لمعجزة حقا من الرسول الأمي الأمين صلوات الله عليه ، حين يقول : عن عائشة رضي الله عنها

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ) رواه النسائي (حديث رقم/5) وعلقه البخاري بصيغة الجزم في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم.

وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/133)، وحسنهالنووي في "المجموع" (1/267)، وفي زيادة في "المعجم الأوسط" للطبراني (7/278) ( ومجلاة للبصر ) ولكنها ضعيفة جدا، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (رقم/5276)

كيف لا يكون السواك مطهرة للفم والنبي الأمي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، علمه شديد القوى ، أمرنا بالسواك ، فوضع لنا الأسس لوقاية أسناننا وأفواهنا من الأمراض لتنظيفهما

وهذا ما يقوله الآن طب الأسنان الوقائي ، وكما يقال " الوقاية خير من العلاج " لما توفر لنا من حياة مليئة بالسعادة والهناء .

وإن جميع الوسائل المتبعة لنظافة الفم والأسنان ذات قيمة كبيرة في الطب الوقائي ، ومن هذه الوسائل المتبعة عود الأراك الذي ورد ذكره في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة ، وهذا العود يسمى " السواك "...

يقول الأستاذ الدكتور محمد سعيد الجريدلي - رئيس قسم النسج المرضية للفم بجامعة القاهرة - :

" إن المسواك يفوق من الناحية الكيماوية والميكانيكية الفرشاة والمعجون بمرات عديدة "

وبعد أبحاث عدة وجد أن المواد التي بالسواك تقتل الجراثيم ، فتشفي أفواهنا من الأمراض ، فهو بمفرده يقوم مقامهما لما يحتويه من مواد عديدة تفوق ما تحويه المعاجين السنية

وكذلك ألياف طبيعية قوية لينة ناعمة ومتينة تعمل أحسن مما تقوم به ألياف الفرشاة ، فلا تؤذي اللثة ، كما أنها تزيل بكل فعالية ما يتبقى بأفواهنا ويعلق بأسناننا من فضلات الطعام

والتي تتسبب في أمراض وآفات الفم والأسنان ، كما أنه لا يوجد حتى اليوم ، وفي عالمنا المتحضر هذا معجون للأسنان يحتوي المواد التي يحويها السواك

... كذلك جاء في مجلة جمعية أطباء الأسنان الأمريكية أن أكثر المعاجين المستعملة في الولايات المتحدة الأمريكية ليست طبية وصحية .

من هذا نرى أن أغلب المعاجين الموجودة بالسوق تجارية ورخيصة لا يقصد بها إلا الربح ، وقد لا يستفيد منها الفم ولا اللثة مطلقا..أما المسواك فلقد وجد فيه – بعد أبحاث علمية –

الكثير من المواد الفعالة التي يحملها بين أليافه من مطهرات ، كالسنجرين ، ومواد قابضة تقوي اللثة كالعفص ، وزيوت عطرية حسنة النكهة تطيب بها رائجة الفم ، وكلوريد الصوديوم

وبيكربونات الصوديوم ، وكلوريد البوتاسيوم ، وإكسالات الجير ، ومواد عديدة تجلي وتنظف الأسنان ، كما أن بعض المواد التي بالمسواك تقتل الجراثيم ، ففيهما عناصر ذات أثر وفعل يشبه فعل البنسلين .

إذن فالمسواك مطهرة للفم والأسنان حقا وصدقا ، فصلوات الله عليك يا حبيب الله ، ويا شفيع الخلق ، يا رسولنا الأمين إلى يوم الدين

جئتنا بالقرآن المبين من عند رب العالمين، وأحكم الحاكمين ، فصدقت فيما نطقت وقلت : ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) " انتهى.

"السواك والعناية بالأسنان" (ص/9-14) .

وجاء في بحث للدكتور جيمس ترنر من كلية الطب بجامعة تينيسي الأمريكية والمنشور في مجلة ( طب الفم والأسنان الاستوائية )

: إن مسواك الأراك يحتوي على مواد مطهرة وقاتلة للميكروبات أهمها : الكبريت ، ومادة ( سيتوسيترول ب ) كما يحتوي على الصوديوم .

ودلت الأبحاث والتجارب على أن السواك يحتوي على مادة مضادة لنزيف الدم ، ومطهرة للثة ، ومعقمة للجروح اللثوية . . . كما يحتوي في أليافه على كميات عديدة من الأملاح المعدنية

وشوارد الكالسيوم ، والحديد ، والفوسفات ، والصوديوم .

ويحتوي السواك على نسبة من الفيتامين (c) ومعلوم عند العلماء أن المشاركة بين هذا الفيتامين والمضادات الحيوية يعد من أرفع مستويات التقنية الطبية

كما يحتوي على مادة التانين التي تساعد على شد النسيج اللثوي المرتخي .

وانظر جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 17:10
ما هي السنة في السواك ؟

السؤال

ما معنى السواك ؟

وما حكم استعماله ؟

وما هي الأوقات التي يستعمل بها ؟

ما هي صفات السواك وكيفية طريقة استعماله ؟

هناك بعض الأنواع منه تكون بنكهة الليمون وغير ذلك فهل حكمها كحكم السواك العادي ؟.

الجواب

الحمد لله

السواك والاستياك بمعنى تنظيف الفم والأسنان بالسواك ، ويطلق السواك على الآلة وهي العود الذي يستاك به .

والسواك سبب لتطهير الفم وموجب لمرضاة الرب سبحانه وتعالى ، كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: " السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب " علقه البخاري في صحيحه (2/274) ووصله أحمد (6/47) والنسائي (1/50) وإسناده صحيح (الإرواء 1/105) .

وقد ورد في حقه الندب المؤكد كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة "

رواه البخاري (2/299) ومسلم (1/151) . وفي رواية للبخاري : " عند كل وضوء " .

وقد حكى الإمام النووي رحمه الله إجماع من يعتد برأيهم على استحباب السواك وسنيته ، ومما يدل على عظم شأنه أن بعض السلف قال بوجوبه ومنهم الإمام إسحاق بن راهويه .

الأوقات التي يستحب فيها السواك :

السواك مستحب في كل جميع الأوقات من ليل أو نهار لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة المتقدم : " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " .

وقد ذكر العلماء مواضع يتأكد فيها استحباب السواك فمن ذلك :

1- عند الوضوء والصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " وفي رواية مع كل وضوء وقد تقدم .

2- عند دخول البيت للالتقاء بالأهل والاجتماع بهم كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت : بأي شيء يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته

قالت : " كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم (1/220) .

3- عند الإنتباه من النوم لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك "

رواه البخاري (1/98) ومسلم (1/220) ومعنى : يشوص فاه ، أي : يغسله ويدلكه .

4- عند تغير رائحة الفم سواء كان التغير بأكل ماله رائحة كريهة أو بسبب طول الجوع أو العطش أو غير ذلك : لأنه إذا كان السواك مطهرة للفم فإن مقتضى ذلك أن يتأكد السواك متى احتاج الفم إلى التطهير .

5- عند دخول المسجد لأنه من تمام الزينة التي أمر الله بها عند كل مسجد ، قال تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، ولما فيه من حضور الملائكة واجتماع المصلين .

6- عند قراءة القرآن وفي مجالس الذكر لحضور الملائكة .

الاستياك للصائم :

اتفق أهل العلم رحمهم الله على أنه لا بأس في الاستياك للصائم أول النهار ، واختلفوا في الاستياك للصائم بعد الزوال فمنهم من كرهه والصحيح أنه سنة في حق الصائم كغيره

لعموم الأدلة التي تدل على سنية السواك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن وقتاً دون وقت والعام يجب بقاؤه على عمومه إلا أن يرد مخصص

وأما ما استدلوا به من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

: " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي " رواه الدارقطني وهو حديث ضعيف قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/62) : إسناد ضعيف

. فالحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم : " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " رواه البخاري (2/29) ومسلم (2/806)

فإن هذا الخلوف لا يذهبه السواك لأن سببه خلو المعدة ، ثم إنه قد يحصل في أول النهار إذا لم يستحر الصائم والجميع متفق على جواز السواك في أول النهار

فتبين بهذا أن السواك مستحب حتى للصائم من غير تفريق بين أول النهار وآخره .

ما يستاك به :

اتفق العلماء على أن أفضل ما يستاك به هو عود الأراك لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج وينقي ما بين الأسنان من بقايا الطعام وغير ذلك ، ولحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال

: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكاً من الأراك .. الحديث " وراه أحمد (3991) وسنده حسن ( الإرواء 1/104) .

ومن ثم استحب الفقهاء إذا لم يوجد عود الأراك التسوك بجريد النخل ، ويليه التسوك بعود شجرة الزيتون وقد رويت في ذلك أحاديث لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والصواب أن كل عود مُنقٍّ غير مضر يقوم مقام السواك عند عدمه في التنظيف وإزالة ما يعلق بالأسنان من أذى . وكذلك فرشاة الأسنان المعروفة نافعة واستخدامها مفيد .

ما لا يتسوك به :

ذكر أهل العلم أنه يحرم التسوك بالأعواد السامة أو ما ليس بطاهر ، وكذلك يكره الاستياك بكل عود يُدْمي أو يحدث ضرراً أو مرضاً .

صفات المسواك :

ذكر الفقهاء استحباب السواك بعود متوسط الغلظ والطول ، وحدوه بغلظ الخنصر ، وأن يكون خالياً من العُقَد ، وأن لا يكون رطباً يلتوي لأنه إذا كان كذلك فلا يزيل الأذى ، وأن لا يكون يابساً يجرح الفم أو يتفتت فيه

ولا شك أن تطلب ذلك من باب الكمال وإلا فإن الأدلة الواردة في السواك لم تقيد سواكاً دون آخر بل يجوز الاستياك بكل عود يحقق مقصود الشارع في الأمر بالسواك والحث عليه .

كيفية الاستياك :

اختلف الفقهاء في الاستياك هل يكون باليد اليمنى أو باليد اليسرى :

فذهبت طائفة وهم الجمهور إلى أن الأفضل الاستياك باليد اليمنى لعموم حديث عائشة رضي الله عنها قالت

: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله " متفق عليه . ولأن السواك طاعة وقربة لله تعالى فلا يكون باليسرى .

وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى استحباب الاستياك باليد اليسرى لأنه من باب إزالة الأذى وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

وفصّل بعض أهل العلم بأن المتسوك إن كان يقصد تحصيل السنة فيستاك باليد اليمنى وإن كان يستاك لإزالة الأذى فباليسرى ، والراجح أن الأمر في هذا واسع لعدم ثبوت النص الخاص في المسألة ولكل قول وجهه .

واستحب الفقهاء أن يبدأ المرء في استياكه من الجانب الأيمن عرضاً لأن الاستياك طولاً قد يجرح اللثة ، وذكروا من جملة آدب السواك :

- أن لا يستاك بحضرة جماعة أو في المحافل العامة لأنه ينافي المروءة .

- أن يغسل السواك بعد الاستياك لتخليصه مما علق به وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك ، فيعطيني السواك لأغسله

فأبدأ به فأستاك ، ثم أغسله وأدفعه إليه " رواه أبو داود (1/45) .

- أن يحفظ السواك بعيداً عما يستقذر .

الاستياك بالإصبع :

وفي إجزاء التسوك بالإصبع عند عدم وجود غيره خلاف بين أهل العلم ، والراجح أنه لا تحصل به السنية لأن الشرع لم يرد به ولا يحصل الإنقاء للفم به مثل حصوله بالعود ونحوه .

ومما يلحق بالعود ونحوه استعمال أدوات تنظيف الأسنان الحديثة مثل الفرشاة ونحوها مما يحصل به إزالة الأذى وطيب رائحة الفم … إلخ

ولا بأس باستعمال السواك بنكهة النعناع والليمون وما شابه ذلك ما لم تكن ضارّة ولكن على الصّائم أن يجتنب استعمال ما فيه نكهة ويقتصر أثناء صيامه على السّواك الطبيعي .

والله تعالى أعلم .

يراجع لسان العرب (مادة سوك) ، المجموع للنووي (1/269) نهاية المحتاج للرملي (1/162) حاشية ابن عابدين (1/78) نيل الأوطار للشوكاني (1/24) المغني لابن قدامة (1/78)

الفتوحات الربانية على أذكار النووي لابن علان (3/256) الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/137) .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 17:16
الجمع بين حديث الجساسة وحديث : (أرأيتكم ليلتكم هذه ...)

السؤال

سمعت في أشراط الساعة أن المسيح الدجال حي إلى خروجه من حديث تميم الداري ، وأيضا حديث النبي رضي الله عنهما (أن كل من الأرض في عهده سيموتون خلال مائة سنة) ، واستدلوا بذلك أنه لا يوجد صحابي بعد سنة 110

سؤالي كيف يتم التوفيق بين الحديثين ؟

ولماذا لم يمت المسيح الدجال ؟

أعاذنا الله وإياكم من فتنته جميعا.

الجواب

الحمد لله

حديث تميم الداري رواه مسلم في صحيحه

عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت :

( سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يُنَادِي ( الصَّلاَةَ جَامِعَةً ). فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ . ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ ؟

قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ :

« إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيماً الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِى حَدِيثاً وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ

حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْراً فِى الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا ( أي : التجؤوا ) إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ

فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ ( وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم ، الجمع قوارب والواحد قارب ) فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ (

أي : غليظ الشعر ) كَثِيرُ الشَّعَرِ ، لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ ( قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال ) .

قَالُوا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ ! انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ . قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا ( أي خفنا ) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً

قَالَ فَانْطَلَقْنَا سِرَاعاً حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقاً ، وَأَشَدُّهُ وِثَاقاً ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ ، قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟

قَالَ : قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي ، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ ، رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ ( أي هاج ) ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْراً ، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ

فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟

قَالَتِ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِاْلأَشْوَاقِ . فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعاً ، وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً ، فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ . قُلْنَا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟

قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟

قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ ؟

قُلْنَا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟ قَالُوا : هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ . قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ ؟

( وهي بلدة تقع في الجانب القبلي من الشام ) قَالُوا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ ، هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا

. قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟ قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ . قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ

قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ؟ قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّي

إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا

كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِداً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتاً يَصُدُّنِى عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا . قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ -

: هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ . يَعْنِى الْمَدِينَةَ أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ؟ . فَقَالَ النَّاسُ :نَعَمْ .

فَإِنَّهُ أَعْجَبنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ، أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ (

قال القاضي

: لفظة ( ما هو ) زائدة ، صلة للكلام ، ليست بنافية ، والمراد إثبات أنه فى جهات المشرق ) وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ . قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم )

رواه مسلم في صحيحه برقم (2942) ، فهو حديث صحيح ، رواه أهل العلم في كتبهم ، من طريقين عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها ، وقال الترمذي رحمه الله "الجامع الصحيح" (2253) : " هذا حديث صحيح غريب " انتهى

. وقال ابن عبد البر "الاستذكار" (7/338) : " ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل " انتهى .

وهو يدل على أن الدجال حي موجود الآن ، وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه سيظل محبوسا حتى يؤذن له في الخروج ، ولا يعارض هذا ما جاء في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ

: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ ، فَقَالَ : (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ) رواه البخاري (116) ومسلم (2537) .

فهذا الحديث عام ، وحديث تميم خاص ، فيكون مستثنى من العموم ، أو أن الدجال كان يومئذ في البحر ، لا على الأرض ، فلا يشمله حديث ابن عمر .

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/397) في الجواب على من قال بحياة الخضر محتجا بأن العموم ليس نصا في الاستغراق

يعني العموم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ )

قال : " لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص ، وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها

سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه حدثه به تميم الداري ، وأنه أعجبه حديث تميم المذكور ، لأنه وافق ما كان يحدث به أصحابه من خبر الدجال " ثم ذكر حديث تميم ، ثم قال :

" فهذا نص صريح في أن الدجال حي موجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث تميم الداري المذكور ، وأنه باق وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان

وهذا نص صالح للتخصيص يخرج الدجال من عموم حديث موت كل نفس في تلك المائة . والقاعدة المقررة في الأصول : أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه

فما أخرجه نص مخصِّص خرج من العموم وبقي العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدلّ على إخراجها دليل ، كما قدمناه مراراً وهو الحق ومذهب الجمهور

وهو غالب ما في الكتاب والسنة من العمومات يخرج منها بعض الأفراد بنص مخصِّص ، ويبقي العام حجة في الباقي" انتهى .

والله أعلم.

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 17:19
حديث من أصبح منكم آمنا في سربه

السؤال

ما صحة هذا الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها ) ؟

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث يرويه سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ -

قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)

رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال : حسن غريب .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه الحديث عن جماعة من الصحابة : " وبالجملة ، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر . و الله أعلم

. انتهى. "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318)

يقول المباركفوري رحمه الله في شرح هذا الحديث :

" قوله : ( من أصبح منكم ) أي : أيها المؤمنون . ( آمناً ) أي : غير خائف من عدو .

( في سِربه ) أي : في نفسه ، وقيل : السرب : الجماعة ، فالمعنى : في أهله وعياله . وقيل بفتح السين أي : في مسلكه وطريقه ، وقيل بفتحتين أي : في بيته . كذا ذكره القاري عن بعض الشراح . وقال التوربشتي :

( معافى ) اسم مفعول من باب المفاعلة ، أي : صحيحاً سالماً من العلل والأسقام .

( في جسده ) أي : بدنه ظاهراً وباطناً . ( عنده قوت يومه ) أي : كفاية قوته من وجه الحلال . ( فكأنما حيزت ) : بصيغة المجهول من الحيازة ، وهي الجمع والضم . ( له ) الضمير عائد لـ ( من )

وزاد في " المشكاة " : " بحذافيرها " . قال القاري : أي : بتمامها ، والحذافير الجوانب ، وقيل الأعالي ، واحدها : حذفار أو حذفور . والمعنى : فكأنما أعطي الدنيا بأسرها " انتهى.

"تحفة الأحوذي" (7/11)

وقال المناوي رحمه الله :

" يعني : من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها

فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، ولا يفتر عن ذكره . قال نفطويه :

إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب

فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب

" انتهى. "فيض القدير" (6/88)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-29, 17:23
حديث لا غيبة لفاسق

السؤال

ما قولكم في هذا الحديث : ( لا غيبة لفاسق ) ؟

فإذا صح فهل التحذير من صاحب العين (العائن) يعتبر غيبة له أو لا ؟

ومن الذي يحذر منه ولا تعتبر في حقه غيبة أو نميمة ؟

الجواب

الحمد لله

"الغيبة محرمة ، شديدة التحريم ؛ لقوله تعالى : (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) الحجرات/11

ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم ، قلت : من هؤلاء يا جبريل؟

قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره .

وتجوز في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك ؛ كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته ، أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده

فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره ؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك . وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين فقال :

الذم ليـس بغيبـة في ستـة متظلـم ومعـرف ومحـذر

ولمظهر فسقا ًومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر

أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذكره بما يكره فإنه يكون من الغيبة المحرمة .

وأما السؤال عن لفظ : (لا غيبة لفاسق) هل هو حديث أو لا ؟ فقد قال الإمام أحمد : منكر ، وقال الحاكم والدارقطني والخطيب : باطل .

ولكن دل على أنه لا غيبة لفاسق قد أظهر المعصية ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مُرَّ عليه بجنازة فأثنى عليها الحاضرون شراً ، فقال صلى الله عليه وسلم

: (وجبت) ومُرَّ عليه بأخرى فأثنوا عليها خيراً ، فقال صلى الله عليه وسلم : (وجبت) فسألوه صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله وجبت ؟ فقال : (هذه أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار

وهذه أثنيتم عليها خيراً فوجبت له الجنة ، أنتم شهداء الله في أرضه ) ولم ينكر عليهم ثناءهم على الجنازة شراً التي علموا فسق صاحبها ، فدل ذلك على أن من أظهر الشر لا غيبة له .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .

"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/19) .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:34
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


ما هو التنطع المذموم ؟

السؤال

ما معنى التنطع في الإسلام ؟

وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا ؟

وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا ) رواه مسلم (2670)

وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة ، تتوافق ولا تتعارض ، وكلها تجتمع في معنى واحد ، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني :

1- الغلو في العبادة والمعاملة ، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة ، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة ، ونهت عن التشدد في الدين

وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد .

يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) :

" أي : المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى .

2- الابتداع في الدين ، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) - :

" الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :

( هلك المتنطعون ) ، وقال : ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم

ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ، وأن يقوم قائما ولا يجلس

ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروه فليجلس ، وليستظل ، وليتكلم ، وليتم صومه ) رواه البخاري . وهذا باب واسع " انتهى .

3- التقعر في الكلام ، والتشدق باللسان ، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه ، حيث لا معنى ولا مضمون ، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره .

فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب "

ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ )

رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند .

وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان )

قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) :

" المُتَنَطِّعون : هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام ، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم . مأخوذ من النِّطَع ، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم ، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى .

4- الخوض فيما لا يعني ، والسؤال عما لا ينبغي ، وتكلف البحث فيما لا يغني .

قال الخطابي :

" المتنطع : المتعمق في الشيء ، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم "

انتهى . نقلا عن " عون المعبود " (12/235)

ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) :

" المتنطع : هو المتعمق ، البحاث عما لا يعنيه ؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات ، قد يوجب اعتقاد تحريمه

أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات ، فقبول العافية فيه ، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى

بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة ، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.

قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) :

" كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك .

ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض ، ويحتاج إلي الأكل والشرب ، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً

فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث : هلك المتنطعون .

ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد ؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها ، ويسألون أسئلة ما كلفوا بها

ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم ، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً

فنحن نقول لهؤلاء : إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا ، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم ، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ...

ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية ؛ فتجده يقول : يحتمل كذا ويحتمل كذا ، حتى تضيع فائدة النص

وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه . هذا غلط . خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية

فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان ، ولأورد عليها كل شيء

وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان ، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله .

ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء ، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر ، وهو في عافية من ذلك . أيضاً في الاغتسال من الجنابة

تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال ، في إدخال الماء في أذنيه ، وفي إدخال الماء في منخريه .

وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون )

فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار .

ثانيا :

أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة ، والمحافظة على حدود الله ، وامتثال أوامره ، فهذا من واجبات الدين ، وسبيل دخول جنة رب العالمين ، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة

والطعن في الأحكام الثابتة ؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها ، فكيف يكون التزامها ، والتمسك بها ، والعض عليها بالنواجذ تنطعا ؟!!

والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة ، فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية –

أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد ، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع !! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك.

أما ما لم تأت به النصوص ، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع ، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه ، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة .

ثالثا :

أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327)

فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة ، والتقصير في الواجبات

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها ، ولكن المراد بقوله ( بين أمرين ) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي

أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات ، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير .

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) :

" قوله : ( بين أمرين ) أي : من أمور الدنيا ، يدل عليه قوله : ( ما لم يكن إثما ) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها

وقوله : ( ما لم يكن إثما ) أي : ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم ، فإنه حينئذ يختار الأشد . وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط : ( إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ) " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:37
حديث ( إنَّ مِن إجلال الله ... )

السؤال

ما صحة ومعنى الحديث التالي : عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إن مِن إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم ، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرامَ ذي السلطان المُقسط )

الجواب

الحمد لله

يروي هذا الحديث الصحابي الجليل أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ : إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ

وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ )

رواه أبو داود (4843) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (رقم/358)

والذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/565) ، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/434) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (2/245) وابن حجر في "تلخيص الحبير" (2/673) والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" .

جاء في "عون المعبود بشرح سنن أبي داود" (13/132) :

" ( إِنَّ مِن إجلالِ الله ) أي : تبجيله وتعظيمه .

( إكرام ذي الشيبة المسلم ) أي : تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام ، بتوقيره في المجالس ، والرفق به ، والشفقة عليه ، ونحو ذلك ، كل هذا مِن كمالِ تعظيم الله ، لحرمته عند الله .

( وحاملِ القرآن ) أي : وإكرام حافِظِهِ ، وسماه حاملا له لِما يَحمِل لمشاق كثيرة ، تزيد على الأحمال الثقيلة ، قاله العزيزي . وقال القارى: أي : وإكرام قارئه ، وحافظه ، ومفسره .

( غيرِ الغالي فيه ) أي : في القرآن . والغلو : التشديد ومجاوزة الحد ، يعني : غير المتجاوز الحد في العمل به ، وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانية ، وفي حدود قراءته ومخارج حروفه ، قاله العزيزي .

( والجافي عنه ) أي : وغير المتباعد عنه ، المعرض عن تلاوته ، وإحكام قراءته ، وإتقان معانيه ، والعمل بما فيه .
وقيل : الغلو : المبالغة في التجويد ، أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى .

والجفاء : أن يتركه بعد ما علمه ، لا سيما إذا كان نسيه ، فإنه عُدَّ مِن الكبائر .

قال في النهاية : ومنه الحديث ( اقرؤوا القران ولا تجفوا عنه ) أي : تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته ، وتشتغلوا بتفسيره وتأويله .

ولذا قيل : " اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل ، واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم " .

وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم ، والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله صلى الله عليه و سلم في جميع الأقوال والأفعال . كذا في "المرقاة شرح المشكاة" .

( وإكرام ذي السلطان المُقسط ) بضم الميم . أي : العادل "

انتهى مِن "عون المعبود" .

وانظر جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:40
المجتمع المسلم ورعاية المسنين

السؤال

كيف يعامل المسنون في دين الإسلام ؟

هل لهم مكانة خاصة ، وهل يلاقون رعاية تليق بوضعهم الصحي ؟.

الجواب

الحمد لله

فإن دين الإسلام دين رحمة وعدل .. دين يتمم مكارم الأخلاق وينهى عن سفاسفها .. دين يعطي للإنسان كرامته – إذا التزم بشرع الله - .

ومما لا شك فيه أن الدين الإسلامي قد أعطى للمسنين مكانة خاصة ، وقد جاءت في حقهم نصوص شرعية تحث على احترامهم وإكرامهم .

وقد قامت رعاية المسنين في الإسلام على عدة مرتكزات منها ما يلي :

1- الإنسان مخلوق مكرم ، ومكانته محترمة في الإسلام ..

قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ) الإسراء/70 .

فالمسن له منزلته ومكانته في الإسلام بشكل عام أخذاً من عموم الآية .

2- المجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك ..

قال الله تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) محمد/29 .

وقال تعالى واصفاً المؤمنين : ( ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) البلد/17-18 .

ويصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد

فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) رواه مسلم (2586) .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) رواه البخاري (13) .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) رواه الترمذي (1924) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1569) .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَهْلِ الإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ ) رواه أحمد (32370) وأورده الألباني في الصحيحة (1137).

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خاب عبد و خسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر ) . قال الألباني في السلسلة الصحيحة (456) : إسناده حسن اهـ .

3- المجتمع المسلم مجتمع متعاون متكاتف ..

روى ابن أبي الدنيا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم

أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبُّ إليّ من أن اعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة - شهرا . .

. ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزول الأقدام ) حسنه الألباني في الترغيب والترهيب (2623)

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ

فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) رواه مسلم (2699) .

4- المسن له مكانته عند الله إذا استقام على شرع الله

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا ) رواه مسلم (2682) .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ألا أنبئكم بخياركم ؟ خياركم أطولكم أعمارا إذا سددوا) قال الألباني في السلسلة الصحيحة (2498) : حسن لغيره اهـ .

( سددوا ) أي استقاموا وعملوا بالصالحات

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خياركم أطولكم أعمارا ، وأحسنكم أعمالا) صححه الألباني في صحيح الجامع (3263) .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الإِسْلامِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ ) رواه أحمد (1404) وقال الألباني في السلسة الصحيحة (654) : إسناده حسن اهـ .

وروى الترمذي (2329) أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ : مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1899) .

5- توقير الكبير وإكرامه من سمات المجتمع المسلم

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ . . . ) رواه أبو داود (4843) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4053) .

وجَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا . رواه الترمذي (1919) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1565) .

6- أوجه رعاية الإسلام للمسنين ..

1- الأمر ببر الوالدين ..

وهذا مظهر من مظاهر رعاية المسنين في الإسلام إذ الغالب أن الوالدين يكونان من كبار السن .

وقد اقترن الأمر ببر الوالدين بالأمر بتوحيد الله والنهي عن الشرك به في آيات كثيرة منها :

قال الله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء /36 .

وقال : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الإسراء /23 .

وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا

. قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي . رواه البخاري (527) .

2- الأمر برعاية صديق الوالدين ولو بعد موتهما واعتبار ذلك من بر الوالدين .

قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من البر أن تصل صديق أبيك) . قال الألباني في السلسلة الصحيحة (2303) : صحيح بمجموع طرقه اهـ

روى مسلم (2552) . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ) .

وبلغ الأمر ببعض السلف أنه كان يسافر ليصل صديق أبيه . روى أحمد (26998)

عن يُوسُف بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَقَالَ لِي يَا ابْنَ أَخِي مَا أَعْمَدَكَ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ أَوْ مَا جَاءَ بِكَ قَالَ قُلْتُ لا إِلا صِلَةُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ وَالِدِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ .

فهذه إحدى صور رعاية المسنين في الإسلام ، فحين يزور أفراد المجتمع أصدقاء آبائهم فإنهم يساعدون على دمج المسن في المجتمع والقضاء على العزلة التي يشعر بها

وبالتالي التخفيف من التغيرات الاجتماعية والنفسية التي يمر بها المسن .

بخلاف ما يحدث في المجتمعات غير الإسلامية . فتطالعنا الأخبار بين حين وآخر عما يحدث لبعض المسنين هناك ، ومدى العزلة التي يعيشون فيها .

فهذا مسن يبقى متوفياً داخل شقته أربع سنوات ولم تكتشف جثته إلا صدفة . صحيفة الجزيرة عدد (7751) . تاريخ /7/1414 هـ .

وفي تقرير من وزارة الأسرة والشبيبة والكهولة في ألمانيا عام 1993 م جاء فيه أن هناك 440 ألف مسن تعرضوا للإيذاء الجسدي والمعاملة السيئة من أقاربهم وأفراد أسرهم مرة واحدة على الأقل في العام .

وهذه عجوز عاجزة عن الحركة تموت جوعاً في شقتها بسبب ابنها الذي قطع عنها الماء والكهرباء والغاز ، حتى اكتشف الجيران أمرها .. ولكن بعد فوات الأوان .

ومات رجل مسن في لندن في شقته وله خمسة أولاد ولم يعلم أحد بموته إلا بعد ستة أشهر .

وهذه امرأة عجوز في ألمانيا لمنزلها حديقة لا تُصدق ، لروعة جمالها ، وإنها تُعدها ليوم واحد في العام ، حينما يأتي أولادها إليها ، من شدة محبتها لهم وهم معرضون عنها

زينت لهم هذه الحديقة ذات يوم وصنعت لهم طعاماً نفيساً ، ثم فوجئت أنهم اعتذروا عن المجيء ، فبكت بكاء ، كادت تموت من البكاء .

وفي حي من الأحياء الراقية في طوكيو عُثر على مسن في شقته قد مَرَّ على موته سنة ونصف .

وهذه مسنة عُثر عليها وقد ماتت جوعاً في شقتها .

وأغرب من ذلك هذا المسن الذي تجاوز التسعين عاماً ولم يدر أحد بموته إلا بعد خمسة أيام

. ووجه الغرابة أنه مات في دار خاصة بالمسنين في مدينة سابور بجزيرة هوكايدو ولم يشعر أحد من العاملين في الدار بوفاته حتى جاء بعض أقاربه لزيارته فاكتشفوا الأمر .

فالحمد لله على نعمة الإسلام .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:44
حكم سفر الإنسان بمفرده

السؤال

هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر الإنسان بمفرده ؟

الجواب

الحمد لله

نعم ، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك في أحاديث ، منها
:
1- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ ) رواه البخاري (2998)

وقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (2/91) هذا الحديث بزيادة فيها :

( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ )

إلا أن هذه الرواية تعتبر شاذة ، وترجح عليها رواية البخاري لسببين اثنين :

أ‌- أن رواية البخاري رواها تسعة من أصحاب عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر . كلهم يقتصر على ذكر السفر دون المبيت

وانفرد واحد من تلاميذ عاصم بن محمد وهو عبد الواحد بن واصل بذكر النهي عن المبيت وحده . وهو وإن كان ثقة ، إلا أن رواية الثقات أرجح من روايته .

ب‌- ويدل عليه أن رواية أحمد مروية بالمعنى ، إذ لم يذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف رواية الأكثرين .
ولذلك حكم محققو مسند أحمد (9/467) ومثلهم الشيخ مقبل الوادعي في "أحاديث معلة" (249) بشذوذ رواية عبد الواحد . بخلاف الشيخ الألباني حيث حكم بصحتها ، كما في "السلسلة الصحيحة" (60)

وقد ورد النهي عن مبيت الرجل وحده مرسلا عن عطاء ، كذا رواه أبو داود في "كتاب المراسيل" (380) وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/726)

وروى الطبراني في "الأوسط" (2079) من طريق محمد بن القاسم الأسدي عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا

ولا نام رجل في بيت وحده )

إلا أنها رواية مردودة بسبب محمد بن القاسم الأسدي ، لأنه متهم بالكذب .

كما جاء النهي عن المبيت وحيدا في بعض الآثار الصحيحة : فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " لا يسافرن رجل وحده ، ولا ينامن في بيت وحده " انتهى .

صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/130)

وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده ؟

قال : أحب إليَّ أن يتوقى ذلك . نقلا عن "الآداب الشرعية" (1/428)

2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ ) رواه الترمذي (1674) وقال حديث حسن . وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (62)

وهذه الأحاديث تدل على كراهة الوحدة فيما يخشى المرء فيه على نفسه

من ضعف وهلكة ومشقة ، أو ما يخشاه من إغواء الشيطان وإضلاله ، فإن الفائدة من وجود الرفقة والصحبة الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة ، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى ، فإن الشيطان من الإثنين أبعد .

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) :

" وترجم له ابن خزيمة : " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة "

لأن معنى قوله ( شيطان ) أي : عاص . وقال الطبري : " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة ، وليس بحرام

فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش ، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف .

والحق أن الناس يتباينون في ذلك ، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وَقَعَ لحسم المادة ، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك ، وقيل في تفسير قوله : ( الراكب شيطان ) أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان

أو أشبه الشيطان في فعله ، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه ، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه ، بخلاف الثلاثة ، ففي الغالب تؤمن تلك الخشية " انتهى .

والظاهر من الحديث أن النهي وارد على من يسافر في الطرق الخالية الموحشة ، أما الطرق الآهلة ، والتي يأمن فيها المرء ألا تنقطع به السبيل ، ولا يعدم معينا ولا أنيسا

فلا يرد الكراهة ولا النهي عنه ، ومثله السفر في أيامنا هذه في الطائرات أو السفن أو الحافلات ، لأن من فيها كلها يعتبرون رفقة ، فلم يتحقق وصف الوحدة المنهي عنه .

يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (متفرقات/الآداب) :

" وهذا يدل على الحذر من سفر الإنسان وحده ، ولكن هذا في الأسفار الذي لا يكون طريقها مسلوكاً بكثرة ، وأما الأسفار الذي يكون طريقها مسلوكاً بكثرة وكأنك في وسط البلد

مثل طريق القصيم الرياض ، أو الرياض الدمام وما أشبه ذلك من الطرق التي يكثر فيها السالكون

ومثل طريق الحجاز في أيام المواسم ، فإن هذا لا يعد انفراداً في الحقيقة ؛ لأن الناس يمرون به كثيراً ، فهو منفرد في سيارته وليس منفرداً في السفر ، بل الناس حوله ووراءه وأمامه في كل لحظة " انتهى .

ويقول الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث "الصحيحة" (62) :

" ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس ، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات . والله أعلم " انتهى .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:52
حديث هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان

السؤال

أود أن أعرف رأيكم بشأن شرح الحديث رقم (990) في صحيح البخاري ، الذى لَمْ يَدعُ فيه النبى صلى الله عليه وسلم لِنَجد ، حيث قال : إن الفتنة والزلازل ونفير الشيطان سيخرجون من نجد

. وقد سمعت بعض العلماء يشيرون إلى هذا الحديث عند الحديث عن علماء نجد ، كالشيخ عبد الوهاب رحمه الله

كما يصح القول بأن كثيرا من زعماء الحركة السلفية ينحدرون من نجد .

فما هو الشرح الصحيح لهذا الحديث الصحيح .

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث المقصود في السؤال جاء عن جماعة من الصحابة ، ورواه عنهم جماعة كبيرة من التابعين ، وأنقل واحدا من هذه الأحاديث ، فهي متقاربة في اللفظ والمعنى :

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا . قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا .

قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ) رواه البخاري (1037) ومسلم (2905) ، واللفظ للبخاري .

ثم الكلام على هذا الحديث في مسائل :

المسألة الأولى :

من المعلوم لدى أهل العلم أن ما ورد في الكتاب أو السنة من النصوص التي فيها تفضيل بعض الأماكن أو الأقوام على بعض ، لا يعني ذلك أبدا تفضيلا لكل من انتسب إلى ذلك المكان

أو لأولئك القوم ، على غيرهم من البشر ، وكذلك ما ورد في النصوص من ذم بعض الأماكن ، وذكر ما فيها من الشر ، فلا يعني ذلك – بأي حال من الأحوال – ذم وانتقاص جميع من ينتمي إلى ذلك المكان
.
والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم (2564)

فميزان الصلاح والفساد هو القلب والعمل ، وليس القبيلة أو العرق أو الجنس أو اللون ، وهذا التقرير متفق عليه بين أهل العلم .

روى مالك في "الموطأ" (1459) عن يحيى بن سعيد : أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي أن هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة – يعني بلاد الشام -

فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُهُ " انتهى .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (27/45-47) :

" وهو كما قال سلمان الفارسى ، فإن مكة حرسها الله تعالى أشرف البقاع ، وقد كانت فى غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها ، وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها

وقد كانت الشام فى زمن موسى عليه السلام قبل خروجه ببني إسرائيل دار الصابئة المشركين الجبابرة الفاسقين ، وفيها قال تعالى لبنى إسرائيل: ( سأريكم دار الفاسقين )

فإن كون الأرض دار كفر أو دار السلام أو إيمان ، أو دار سلم أو حرب ، أو دار طاعة أو معصية ، أو دار المؤمنين أو الفاسقين ، أوصافٌ عارضةٌ لا لازمة

فقد تنتقل من وصف إلى وصف ، كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم ، وكذلك بالعكس .

وأما الفضيلة الدائمة فى كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل الصالح ، كما قال تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ) الآية

. وقال تعالى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ) الآية .

وقال تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم )

فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة فى فضل أهلها مطلقا ، بل يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه ، ولكن العبرة بفضل الإنسان فى إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب .

وإذا فضلت جملة على جملة لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد : كتفضيل القرن الثاني على الثالث ، وتفضيل العرب على ما سواهم ، وتفضيل قريش على ما سواهم ، فهذا هذا والله أعلم " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:52
المسألة الثانية :

وعليه فلا يجوز أن يفهم الحديث السابق على أنه ذم لجميع أهل نجد عبر التاريخ ، بل وليس فيه ذم ( نجد ) مطلقا

وإنما ورد الذم والتنفير عنها مقيدا بوجود الفتن والشرور ، ولا يلزم أن يكون ذلك في جميع القرون مُطَّرِدًا ، بل قد يكون في عصر من العصور منارة علم وهدى وفضل وخير .

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "مجموعة الرسائل والمسائل" (4/265) :

" وعلى كل حال ؛ فالذم إنما يكون في حال دون حال ، ووقت دون وقت ، بحسب حال الساكن ؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل

وإن كانت الأماكن تتفاضل ، وقد تقع المداولة فيها ، فإن الله يداول بين خلقه ، حتى في البقاع ، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر ، وبالعكس " انتهى .

المسألة الثالثة :

ليس في لفظ الحديث ذم لأهل ( نجد ) وساكنيها ، وإنما فيه ذكر الفتن والشرور التي ستقع وتخرج منها ، ولا يعني ذلك ذمَّ الساكنين مطلقا .

فقد جاء في السنة النبوية ذكر وقوع الفتن في المدينة المنورة ، كقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ ) رواه البخاري (1878) ومسلم (2885)

ولا يجوز أن يفهم من ذلك أي ذم لأهل المدينة المنورة .

يقول الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي (ت 1326هـ) في كتابه "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" (ص/500) :
" وهذه الأحاديث وغيرها مما ورد في هذا الباب دالة على وقوع الفتن في المدينة النبوية

فلو كان وقوع الفتن في موضع مستلزماً لذم ساكنيه ، لزم ذم سكان المدينة كلهم أجمعين ، وهذا لا يقول به أحد ، على أن مكة والمدينة كانتا في زَمَنٍ موضع الشرك والكفر

وأي فتنة أكبر منهما ، بل وما من بلد أو قرية إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمان موضع الفتنة

فكيف يجترئ مؤمن على ذم جميع مسلمي الدنيا ؟

وإنما مناطُ ذم شخصٍ معينٍ كونُه مصدراً للفتن من الكفر والشرك والبدع " انتهى .

فالمقصود من الحديث هو ذكر ما سيقع في منطقة ( نجد ) من الفتن والبلايا العظيمة في مرحلة من التاريخ ، وأنها ستكون كالزلازل التي تطال كل من فيها

وسيكون كثير من أهل تلك البلاد ضحايا الفتنة ، ولا يعني أن جميع أهلها هم من يُثيرُها ويقومُ عليها ، ومَن فهم ذلك من الحديث فقد أساء وظلم .

يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (5/305) :

" وجهلوا أيضاً أنَّ كونَ الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضاً إذا كان صالحاً في نفسه , والعكس بالعكس ، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر

, وفي العراق من عالم وصالح , وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلي الشام : أما بعد , فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً , وإنما يقدس الإنسان بعمله " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:53
المسألة الرابعة :

فسر العلماء المتقدمون هذا الحديث ، وقالوا المقصود بالفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي فتنة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة ، والشر الذي يأتي به ، وما يلحقه من المتنبئين الكذابين .

يقول الحافظ ابن حبان رحمه الله كما في "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان" (15/24)

بعد أن روى حديث عبد الله بن عمر أنه قال : ( ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق ويقول : إن الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان )

قال أبو حاتم رحمه الله :

" مشرق المدينة هو البحرين ، ومسيلمة منها ، وخروجه كان أول حادث حدث في الإسلام " انتهى .

كما فسره بعض أهل العلم أيضا بالفتن التي تحدث في ( العراق ) ، فهي في جهة المشرق عموما بالنسبة لمن في الحجاز ، وفي العراق ( نجد ) أيضا

فإن كل منطقة مرتفعة بالنسبة لغيرها تسمى نجدا ، وقد شملها بعض الصحابة في فهمهم لهذا الحديث :

فعن سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال : ( يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ ! سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ ، وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ) رواه مسلم (2905)

فالحديث يشمل كل ( نجد ) : أي كل مرتفع من الأرض بالنسبة للحجاز في جهة المشرق ، وذلك يشمل نجد الحجاز ونجد العراق .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (27/41-42) :

" هذه لغة أهل المدينة النبوية فى ذاك الزمان ، كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق " انتهى .

ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/47) :

" كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية ، فكان كما أخبر ، وأول الفتن كان من قبل المشرق

فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين ، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به ، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة
.
وقال الخطابي : ( نجد ) من جهة المشرق ، ومَن كان بالمدينة كان نَجدُهُ باديةَ العراق ونواحيها ، وهي مشرق أهل المدينة ، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض

وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها ، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة . انتهى كلام الخطابي .

وعُرف بهذا وهاء ما قاله الداودي : أن ( نجدا ) من ناحية العراق ، فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص ، وليس كذلك ، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا ، والمنخفض غورا "

انتهى كلام الحافظ ابن حجر .

ويقول علامة العراق محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق في "غاية الأماني" (2/148) :

" ولا بدع ، فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية ، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية ، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى

وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق ، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري وتواتر النقل به...إنما نبغوا وظهروا بالبصرة

ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت ، والقول الشنيع في علي وسائر الأئمة ومسبة أكابر الصحابة..كل هذا معروف مستفيض " انتهى باختصار .

وللشيخ "حكيم محمد أشرف سندهو" رحمه الله ، رسالة في بيان ما ذكرناه بعنوان : " أكمل البيان في شرح حديث : نجد قرن الشيطان "

وهي مطبوعة ، قال الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي في تقدمته لها ـ ص (8) ـ :

" والموضع الذي يُعَيَّن من قِبَل أهل الجهل والضلالة اليوم [ يعني : نجد المعروف في السعودية ]

لم يقله أحد من السلف ولا من الخلف ، إلا بعد ظهور دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، التجديدية للدين الحنيف ، إلا هؤلاء الذين لم يفهموا هذه العقيدة الصحيحة

أو يتجاهلون عنها ، ولم يعرفوا التاريخ الإسلامي الصحيح الذي يدلهم على تلك الفتن العظيمة التي ظهرت ظهورا واضحا بينا في ذلك النجد الحقيقي ... " انتهى .

*عبدالرحمن*
2018-12-02, 17:54
المسألة الخامسة :

ويخطئ كثير من الناس حين يظنون أن المقصود بـ ( قرن الشيطان ) شخص معين ، إذ المقصود هو مطلع الشمس وما يعتريها عند الشروق

فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( فَإِنَّهَا – يعني الشمس - تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ) رواه البخاري (3273) ومسلم (612)

ودليل ذلك ما في رواية البخاري (7092) : قال صلى الله عليه وسلم : ( الْفِتْنَةُ هَا هُنَا ، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا ، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ، أَوْ قَالَ : قَرْنُ الشَّمْسِ ) والشك من الراوي .

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/46) :

" وأما قوله: " قرن الشمس " فقال الداودي : للشمس قرن حقيقة ، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان ، وما يستعين به على الإضلال ، وهذا أوجه

وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له ، قيل : ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه " انتهى .

المسألة السابعة :

فأي حجة تبقى بعد ذلك لمن استدل بهذا الحديث على ذم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

ودعوته التجديدية ؟!!

وبأي برهان يُعَيِّنُ بعضُ الحاقدين - من غلاة المتصوفة ومن الرافضة - مقصودَ النبي صلى الله عليه وسلم من الذم في واحد من أشهر علماء المسلمين

وأشهر دعاة الإصلاح في القرون المتأخرة ، والذي تحمل دعوة التوحيد علما وعملا ودعوة ، وعَدَّهُ أهلُ العلم مجدِّدَ ذلك القرن؟!!

أهكذا تُفَسَّرُ الأحاديث النبوية ، بالهوى والتشهي !

وهكذا تحول الأحاديث لأغراض مذهبية أو عنصرية أو طائفية ؟!!

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:10
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى حديث ( مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ )

السؤال

ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ...) ؛ وكيف أكون في ذمة الله ؟

وهل صلاة الرجل مع زوجته في البيت جماعة له نفس معنى الجماعة المراد في الحديث ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

روى مسلم (657) عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) .

قال النووي في "شرح مسلم" (5/158) :

" الذِّمَّة هنا : الضمان ، وقيل الأمان " انتهى .

قال الطيبي رحمه الله :

" وإنما خص صلاة الصبح بالذكر ؛ لما فيها من الكلفة والمشقة ، وأداؤها مظنة خلوص الرجل ، ومنه إيمانه ؛ ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله تعالى وعهده . "

شرح مشكاة المصابيح ، للطيبي (2/184) .

وفي المراد بالحديث قولان للعلماء :

الأول : أن يكون في الحديث نهي عن التعرض بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح ، فإن من صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه ، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله

ومن تعرض له ، فقد أخفر ذمة الله وأمانه ، أي أبطلها وأزالها ، فيستحق عقاب الله له على إخفار ذمته ، والعدوان على من في جواره .

انظر : فيض القدير للمناوي (6/164) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/591) :

" في هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذي صدَّقوا إسلامهم بصلاة الفجر ؛ لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن ، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم " انتهى .

ويدل لهذا المعنى ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/5) بسنده ، وقال الألباني عنه في "صحيح الترغيب" (1/110) : صحيح لغيره :

عن الأعمش قال : كان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدا عند الحجاج ، فقال له الحجاج : قم فاضرب عنق هذا ، فأخذ سالم السيف ، وأخذ الرجل ، وتوجه باب القصر ، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل

فقال : أتراه فاعلا ؟! فردَّه مرتين أو ثلاثا ، فلما خرج به قال له سالم : صليت الغداة ؟

قال : نعم . قال : فخذ أي الطريق شئت ، ثم جاء فطرح السيف ، فقال له الحجاج : أضربت عنقه ؟

قال : لا ، قال : ولِمَ ذاك ؟ قال : إني سمعت أبي هذا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ ) !!

والقول الثاني : أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها ، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه ، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها .

قال البيضاوي :

" ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان ، فالمعنى : لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها ، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم ، فيطلبكم الله به

ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه ، ومن أدركه كبه على وجهه في النار ، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل ، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي ، والمخلص في أمان الله "

انتهى . نقلا عن "فيض القدير" (6/164)

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره ، المذكورة في هذا الحديث ، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة ؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله

في تبويبه لصحيح مسلم : باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة ، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله ، فذكر الحديث في كتابه

الترغيب والترهيب ، باب : ( الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة ، في جماعة ، والترهيب من التأخر عنهما ).

بل إن هذا هو ظاهر صنيع الإمام مسلم ؛ حيث روى قبل الحديث نحوا من عشرين حديثا ، وبعده بضعة عشر حديثا ، كلها تتحدث عن صلاة الجماعة ، وما يتعلق بها .

ولذلك أورده الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الجمع بين الصحيحين له ، في باب : صلاة الجماعة (923) .

واعتمده المباركفوري في شرح الترمذي . قال : "( من صلى الصبح ) في جماعة ". انتهى .

وقال ابن علان في دليل الفالحين (3/550)

: " أي : جماعة ، كما في رواية أخرى " .

ويشهد لهذا التقييد ـ من حيث الرواية ـ حديث أبي بكرة رضي الله عنه : ( من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ... )

قال الهيثمي رحمه الله (2/29) :

رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله رجال الصحيح ، وقال المنذري في الترغيب : "ورجال إسناده رجال الصحيح " ، وقال الألباني : صحيح لغيره .

انظر : صحيح الترغيب ، رقم (461) .

تنبيه : هذه الزيادة اعتمدها المناوي أيضا ، ونسبها إلى مسلم . وهو وهم منه ، فزيادة ( جماعة ليست في مسلم ، بل ولا في شيء من الكتب الستة .

وقيل : إن هذه الفضيلة تحصل لكل من صلى صلاة الصبح في وقتها ، حتى ولو لم يدرك الجماعة ، لعدم التقييد بذلك في رواية مسلم وغيره من أصحاب الكتب الستة .

وهذا هو الظاهر من تبويب ابن ماجة رحمه الله على هذا الحديث في سننه : باب : المسلمون في ذمة الله ، من كتاب الفتن .
وعلى ذلك ـ أيضا ـ ابن حبان في صحيحه (5/36) : " باب ذكر إثبات ذمة الله جل وعلا للمصلي صلاة الغداة " ، هكذا بإطلاق المصلي .

ثانيا :الجماعة الشرعية التي جاء الأمر بها وترتيب الأجور عليها هي جماعة المسجد ، وليست أي جماعة أخرى

وقد سبق تفصيل ذلك في الأسئلة الثلاثة القادمة

وفي خصوص فضل صلاة الصبح في جماعة جاءت بعض الأدلة :

فقد جاء في تفسير الطبري (3/270) في تفسير قوله تعالى ( وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ ) عن زيد بن أسلم أنه قال : هم الذين يشهدون الصبح في جماعة .

وفي تفسير قوله تعالى ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ) السجدة/16 قال أبو الدرداء والضحاك : صلاة العشاء والصبح في جماعة .

انظر "زاد المسير" (6/339)

وفي صحيح مسلم (656) من حديث عثمان رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ ) .

وروى البخاري (615) ومسلم (437) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا )

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة .

"الاستذكار" (2/147)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:15
الأدلة على وجوب صلاة الجماعة في المسجد

السؤال

أنا مسلم جديد وأريد أن أعرف هل الأفضل للمسلم أن يصلي صلاة الفريضة في المسجد وما الدليل على ذلك ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نحمد الله سبحانه وتعالى الذي كتب لك الهداية للدخول في دين الإسلام فهذه نعمة عظيمة تستوجب حمد الله وشكره .

ثانياً :

لا بد أن يعلم المسلم أن الصلاة أعظم أركان الإسلام العملية ، وهي الفاصل بين المسلم والكافر كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " .

رواه مسلم ( 82 ) .

ثالثاً :

اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم صلاة الجماعة على أقوال عدة :

أصحها : أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة ، وعليه تدل الأدلة الشرعية .

وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والأوزاعي وأبي ثور ، والإمام أحمد في ظاهر مذهبه ، ونص عليه الشافعي في " مختصر المزني "

فقال : " وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر " ، واختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .

وأما الأدلة على الوجوب فكما يلي :

1. قال الله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك النساء / 102 .

قال ابن المنذر :

ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف : دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب .

" الأوسط " ( 4 / 135 ) .

وقال ابن القيم :

ووجه الاستدلال بالآية من وجوه :

أحدها : أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله : ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك

وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ، ولو كانت الجماعة سنَّة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف ، ولو كانت فرض كفاية : لسقطت بفعل الطائفة الأولى

ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان ، فهذه ثلاثة أوجه : أمره بها أولاً ، ثم أمره بها ثانياً ، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف .

" الصلاة وحكم تاركها " ( ص 137 ، 138 ) .

2. قوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين البقرة / 43 ، ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه أمرهم بالركوع وهو الصلاة

وعبر عنها بالركوع لأنه من أركانها ، والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجوداً وقرآناً وتسبيحاً ، فلا بد لقوله مع الراكعين من فائدة أخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك

إذا ثبت هذا فالأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور مُمتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال ؛ فإن قيل فهذا ينتقض بقوله تعالى : يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين آل عمران / 43

والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة ، قيل : الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها أمرت بذلك بخلاف قوله : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين

ومريم كانت لها خاصية لم تكن لغيرها من النساء ؛ فإن أمها نذرتها أن تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه

فأمرت أن تركع مع أهله ولمَّا اصطفاها الله وطهَّرها على نساء العالمين أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى : وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك

على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين آل عمران / 42 و 43 .

فإن قيل : كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين التوبة / 119

فالمعية تقتضي المشاركة في الفعل ولا تستلزم المقارنة فيه ، قيل : حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها ، وهذه المصاحبة تفيد أمراً زائداً على المشاركة ولا سيما في الصلاة

فإنه إذا قيل : صلِّ مع الجماعة أو صليتُ مع الجماعة ، لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة .

" الصلاة وحكم تاركها " ( 139 – 141 ) .

3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال

: " والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم

والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً ، أو مِرْمَاتين حسنتين لشهد العشاء " .

رواه البخاري ( 618 ) ، ومسلم ( 651 ) .

عرْق : العظم .

مرماتين : ما بين ظلفي الشاة من اللحم .

والظّلف : الظفر

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً يصلي بالناس

ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ".

رواه البخاري ( 626 ) ، ومسلم ( 651 ) .

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:15
قال ابن المنذر :

وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم : أبين البيان على وجوب فرض الجماعة ، إذ غير جائز أن يحرِّق الرسول صلى الله عليه وسلم مَن تخلف عن ندب ، وعما ليس بفرض .

" الأوسط " ( 4 / 134 ) .

وقال الصنعاني :

والحديث دليل على وجوب الجماعة عيناً لا كفايةً ، إذ قد قام بها غيرهم فلا يستحقون العقوبة ، ولا عقوبة إلا على ترك واجب أو فعل محرم .

" سبل السلام " ( 2 / 18 ، 19 ) .

4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى [وهو ابن أم مكتوم] فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ

فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأَجِبْ . ولفظ أبي داود (552) وابن ماجه (792) : ( لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً )

والحديث : قال عنه النووي : إسناده صحيح أو حسن .

" المجموع " ( 4 / 164 ) .

قال ابن المنذر :

فإذا كان الأعمى لا رخصة له : فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة .

" الأوسط " ( 4 / 134 ) .

وقال ابن قدامة :

وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائدا فغيره أولى .

" المغني " ( 2 / 3 ) .

5. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : من سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم

في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم ، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة

يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف .

وفي لفظ ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمَنا سنن الهدى ، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه .

رواه مسلم ( 654 ) .

قال ابن القيم :

فوجه الدلالة : أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم ؛ وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه ، ومن استقرأ علامات النفاق في السنَّة : وجدها إما ترك فريضة

أو فعل محرم ، وقد أكد هذا المعنى بقوله : " من سرَه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ

على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن " وسمَّى تاركَها المصلي في بيته متخلفاً تاركاً للسنَّة التي هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته

وليس المراد بها السنَّة التي مَن شاء فعلها ومَن شاء تركها ؛ فإن تركها لا يكون ضلالاً ، ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الإثنين والخميس .

" الصلاة وحكم تاركها " ( ص 146 ، 147 ) .

6. إجماع الصحابة :

قال ابن القيم :

إجماع الصحابة رضي الله عنهم ونحن نذكر نصوصهم :

قد تقدم قول ابن مسعود رضي الله عنه : ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له .

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له .

وعن علي رضي الله عنه قال : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، قيل : ومَن جار المسجد ؟ قال : مَن سمع المنادي " .

وعن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر .

وعن علي رضي الله عنه قال : من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له .

" الصلاة وحكم تاركها " ( ص 153 ) .

والأدلة كثيرة اكتفينا بما سبق ، ويمكن الرجوع إلى كتاب ابن القيم " الصلاة وحكم تاركها " ففيها زوائد وفوائد . وللشيخ ابن باز رسالة مفيدة بعنوان وجوب أداء الصلاة في جماعة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:18
بيته بعيد عن المسجد فهل يصلي العشاء والتراويح مع أهله في البيت ؟

السؤال

أنا مبتعث للدراسة في دولة غربية وبرفقي زوجتي ، والمسجد بعيد عن المنزل كثيراً ولا يوجد حولي مسلمون

فهل يجوز أن أصلي الفريضة والتراويح جماعة أنا وزوجتي ؟.

الجواب

الحمد لله

أولا : صلاة الجماعة واجبة في المسجد على المقيم والمسافر على حد سواء .

ثانيا: لا تجب صلاة الجماعة في المسجد إلا على من كان قريبا من المسجد ، بحيث يسمع الأذان من المسجد بدون مكبرات الصوت ، لما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ ) رواه مسلم ( 653)

فمن كان بعيدا من المسجد بحيث لا يسمع النداء بلا مكبرات الصوت فلا تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد .

فإذا كان بيتك بعيدا عن المسجد بهذا الحد فلا حرج عليك

من أداء الفريضة والتراويح في بيتك جماعة مع أهلك ، بل هو أفضل عند الله من صلاتك وحدك .

والأجر يكثر في النوافل والفرائض بحسب كثرة المصلين في جماعة فيهما .

عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "

... صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى " . رواه النسائي ( 843 ) – وأبو داود ( 554 ) .

انظر : " السلسلة الصحيحة " ( 1912 ) .

قال الشيخ ابن عثيمين :

فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل مع الرجل بأنها أزكى من صلاته وحده ، وهذا يقتضي أنها أكثر أجراً .

" أسئلة الباب المفتوح " ( السؤال رقم 1464 ) .

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:21
يصلون الجماعة في البيت

السؤال

هل تجوز صلاة الجماعة في البيت ، ولا يذهب إلى المسجد ؟.

الجواب

الحمد لله

" ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى ، ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد ، فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد

وأنه لا يجوز للرجل أن يتخلف عن صلاة الجماعة في المساجد إلا إذا كان لعذر , لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول : ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام

, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس , ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) .

هؤلاء القوم قد يكونون يصلون , لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع , والجماعة الذين نصبهم الشرع هم الجماعة الذين يصلون في المساجد

, المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة , ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ) .

فقال : (حيث ينادى بهن) , و (حيث) ظرف مكان , أي : فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه . هذا في الصلوات الخمس .

أما الجمعة فواجبة في المساجد قطعاً.

وأما النافلة فيقول النبي صلي الله عليه وسلم : ( أفضل صلاة في بيته إلا المكتوبة ) .

وعلى هذا فالأفضل للإنسان أن يصلي صلاة التطوع في بيته ماعدا التطوع الذي شرع في المساجد كصلاة الكسوف مثلاً على القول بأنها غير واجبة , والله الموفق " انتهى .

فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/19) .

وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً :

" لا يجوز لأحد , أو لجماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم , أما إذا كان المسجد بعيداً ولا يسمعون النداء فلا حرج عليهم أن يصلوا جماعة في البيت

, وتهاون بعض الناس في هذه المسألة مبني على قولٍ لبعض العلماء رحمهم الله من أن المقصود في صلاة الجماعة أن يجتمع الناس على الصلاة ولو في غير المسجد , فإذا صلى الناس جماعة ولو في بيوتهم فإنهم قد قاموا بالواجب .

ولكن الصحيح أنه لا بد أن تكون الجماعة في المساجد ، لقول النبي صلي الله عليه وسلم : ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام . . . ثم ذكر الحديث السابق ) " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/20) .

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:24
هل حرّم الإسلام كنز المال؟

السؤال

لم حرم الإسلام كنز الأموال ؟

الجواب

الحمد لله

الإسلام لم يحرم كنز المال مطلقا ، وإنما ورد التحريم والوعيد الشديد على صاحب الكنز إذا لم يؤد زكاته ، وأما إن أدى الزكاة ، فليس بصاحب كنز مذموم .

قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) التوبة/34.

وروى أبو داود (1564) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .

وروى البخاري (1404) عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :

مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ .

وروى مالك في الموطأ (595) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ .

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية التوبة : " وأما الكنز

فقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر : هو المال الذي لا يؤدى زكاته .

وروى الثوري وغيره عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وما كان ظاهراً لا تؤدى زكاته فهو كنز

وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً

وقال عمر بن الخطاب نحوه : أيما مال أديت زكاته فليس بكنز ، وإن كان مدفوناً في الأرض ، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض " انتهى

فتبين بهذا أن الكنز المذموم هو الذي لا تؤدى زكاته ، وأما ما كان دون النصاب ، أو بلغ النصاب وأديت زكاته فليس بكنز .

وبهذا يتبيّن أن الإسلام لم يحرم كنز المال وإنما حرّم عدم إيتاء الزكاة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:31
ليس في شريعتنا جواز إتيان الدبر

السؤال

أرجو مساعدتي في معرفة الصواب ، في البخاري الحديث رقم (4170) و (4171) إن الإتيان في الدبر حلال ، وموقعكم يقول إنه حرام ، فما هو الصواب ؟

الجواب

الحمد للَّه

أولاً :

الأحاديث الصحيحة التي جاءت في تحريم إتيان الزوجة في الدبر كثيرة ، فمن ذلك :

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ) رواه أبو داود (3904) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

2- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ ) رواه الترمذي (1165) وصححه ابن دقيق العيد في "الإلمام" (2/660) ، والألباني في صحيح الترمذي .

3- وعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ ) رواه ابن ماجه (1924) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

والأحاديث في ذلك كثيرة ، حتى قال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (3/43) : "جاءت الآثار متواترة بذلك " انتهى .

ولذلك كانت كلمة العلماء على الأخذ بهذه الأحاديث .

قال الماوردي رحمه الله تعالى في "الحاوي" (9/319) :

" لأنه إجماع الصحابة : روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء " انتهى .

وجاء في "المغني" (7/32) :

" ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم : منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة

وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر "

ثانياً :

يتوهم بعض الناس جواز إتيان المرأة في دبرها ، ويفهمون من قول الله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) البقرة/223 ، أن الله سبحانه أباح في هذه الآية كل شيء

حتى الوطء في الدبر ، وقد يتأكد هذا الوهم عندهم إذا قرؤوا الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه –

ولعله الحديث الذي قصده السائل - والذي فيه : عن جابر رضي الله عنه قال : كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ : إِذَا جَامَعَهَا مِن وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَل فنزلت ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وهذا فهم خاطئ للآية

فإن قوله تعالى : ( فأتوا حرثكم أنى شئتم ) يعني إباحة أحوال وأوضاع الجماع المختلفة

إذا كانت في موضع الحرث : وهو الفرج ، وليس الدبر ، فيجوز أن يأتي الرجل زوجته من الخلف أو الأمام أو على جنب إذا كان ذلك في موضع الحرث ، وليس الدبر .

ودليل ذلك أن رواية مسلم برقم (1435) لحديث جابر السابق في سبب نزول الآية فيها : (إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ ) .

(مُجَبِّيَةً) : أي : منكبة على وجهها ، كهيئة السجود .

(في صمام واحد) : هو القبل .

وفي رواية أبي داود للحديث نفسه برقم (2163) : عن محمد بن المنكدر قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ : إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ

فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وفي سنن الترمذي (2980) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلَكْتُ . قَالَ : وَمَا أَهْلَكَكَ ؟

! قَالَ : حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ . قَالَ : فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا

قَالَ : فَأُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ . حسنه الألباني في صحيح الترمذي .

فهذه الأحاديث والروايات توضح المقصود من الآية ، فلا يجوز لمسلم أن يتجاوز ذلك إلى فهمه الذي لا يدل عليه الأثر ولا اللغة .

قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/261) :

" وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين : أحدهما أنه أباح إتيانها في الحرث ، وهو موضع الولد، لا في الحُش الذي هو موضع الأذى ، وموضع الحرث هو المراد من قوله : ( من حيث أمركم الله )

الوجه الثاني : أنه قال : ( أنى شئتم ) أي : من أين شئتم : من أمام أو من خلف . قال ابن عباس : ( فأتوا حرثكم ) يعني : الفرج " انتهى بتصرف .

ثالثاً :

ولعل السائل يعني أيضا ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال : يأتيها في .
. .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/189) :

" هكذا وقع في جميع النسخ ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور " انتهى .

ثم ذكر ما جاء من بعض الروايات خارج صحيح البخاري أن ابن عمر قال : يأتيها في دبرها.

وقد أجاب عن ذلك أهل العلم بجوابين :

الأول :

أنه حصل خطأ من بعض الرواة عن ابن عمر ، وأنهم فهموا منه جواز إتيان الدبر ، وهو إنما كان يحكي جواز إتيان المرأة في قبلها من خلفها

بدليل ما جاء من طرق صحيحة عنه أنه كان يرى حرمة إتيان الزوجة في دبرها ، فقد روى النسائي في "السنن الكبرى" (5/315) بسند صحيح أن ابن عمر سئل عنه فقال : أو يفعل ذلك مسلم ؟!

قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (6/142) :

" فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر ،وهو الذي رواه عنه نافع ، وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج

فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء أو هو مأتى ، واشتبه على من اشتبه عليه معنى (من) بمعنى (في) فوقع الوهم " انتهى .

الجواب الثاني :

أنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما في فهم الآية ، وقد دلت السنة ، وأقوال سائر الصحابة ، أنه اجتهاد مجانب للصواب ، وقد روى أبو داود برقم (2164) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :

إِنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ -

مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ - ، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ

وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا ، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ

فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ،فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ : إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي . حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا

فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أَيْ : مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ .

وهذا قد يؤيد أن ابن عمر كان يقول بجواز الإتيان في الدبر ، فلعله رجع إلى الصواب

بعد أن بَيَّن له ابن عباس أو غيره سبب نزول الآية ومعناها الصحيح ، ولذلك ثبت عنه – كما تقدم – أنه كان يقول بتحريمه ، ويقول : أو يفعل ذلك مسلم !!

والحاصل أن شريعتنا جاءت بتحريم هذا الفعل ، وليس فيها شيء يدل على جوازه ، ومن ظن في شيء من الكتاب أو السنة ما يدل عليه فقد أخطأ وأوهم .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-04, 17:34
حديث : ( اللهم أحيني مسكيناً )

السؤال

ما معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكيناً) ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه الترمذي (2352) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا ، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . وقَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ .

ورواه ابن ماجه (4126) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

وقد ضعفه كثير من أهل العلم ، وعلى فرض صحته فالمراد بالمسكنة هنا التواضع والإخبات ، وليس المراد قلة المال .

قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/75) :

" فأمَّا الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( اللهم أحيني مسكيناً . . . الحديث ) فإنَّه حديث ضعيف

لا يثبت من جهة إسناده ، لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرَّهاويّ وهو ضعيف جداً ، والله أعلم .

وقد رواه التّرمذيّ من وجه آخر عن أنس . . . ثم قال : هذا حديث غريب .

قلت (ابن كثير) : وفي إسناده ضعف ، وفي متنه نكارة ، والله أعلم " انتهى .

وَقَالَ الْحَافِظُ فِي "التَّلْخِيصِ" (3/109) بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ :

" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ , وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ . وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا , وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ " انتهى .

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث فقال :

" هذا يُرْوَى ، لكنه ضعيف لا يثبت ، ومعناه : أحيني خاشعا متواضعا ، لكن اللفظ لم يثبت " انتهى . "مجموع الفتاوى" (18/357) .

وقال أيضاً (18/326) :

" هذا الحديث قد رواه الترمذي ، وقد ذكره أبو الفرج (ابن الجوزي) في الموضوعات ، وسواء صح لفظه أو لم يصح : فالمسكين المحمود هو المتواضع الخاشع لله ; ليس المراد بالمسكنة عدم المال

بل قد يكون الرجل فقيراً من المال وهو جبار ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : ملك كذاب ، وفقير مختال

وشيخ زان ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ) فالمسكنة خلق في النفس

وهو التواضع والخشوع واللين ضد الكبر . كما قال عيسى عليه السلام : ( وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ) مريم/32 . ومنه قول الشاعر :

مساكين أهل الحب حتى قبورهم عليها تراب الذل بين المقابر

أي : أذلاء " انتهى .

وفي "لسان العرب" (13/216) :

" وأَصل المسكين في اللغة الخاضع ، وأَصل الفقير المحتاج .

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أَحْيِني مِسْكيناً ) أَراد به التواضع والإِخْبات ، وأَن لا يكون من الجبارين المتكبرين . أي : خاضعاً لك يا رب ذليلاً غير متكبر ، وليس يراد بالمسكين هنا الفقير المحتاج " انتهى .

ونقل الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/109) عن البيهقي أنه قال عن هذا الحديث :

" وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْقِلَّةِ , وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الإِخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ " انتهى .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 18:55
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حديث تميم الداري عن المسيح الدجال

السؤال

ما حقيقة أن جماعة من المسلمين كانوا على سفر ، فالتقوا برجل سألهم عن الزمان وعن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، فرجع وقال إن هذا ليس زمن خروجه ، فقيل إنه الدجال ؟.

الجواب

الحمد لله

القصة التي ذكرتها جاءت في حديث مشهور ، يعرف بـ ( حديث الجسّاسة ) ، وهو حديث عظيم ، فيه علم من أعلام النبوة ، فأترك لك فرصة الاستفادة والاستمتاع بقراءته .

عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت :

( سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يُنَادِي ( الصَّلاَةَ جَامِعَةً ). فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ . ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ ؟

قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ :

« إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيماً الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِى حَدِيثاً وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ

حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْراً فِى الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا ( أي : التجؤوا ) إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ

فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ ( وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم ، الجمع قوارب والواحد قارب ) فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ (

أي : غليظ الشعر ) كَثِيرُ الشَّعَرِ ، لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ ( قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال ) .

قَالُوا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ ! انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ . قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا ( أي خفنا ) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً ، قَالَ فَانْطَلَقْنَا سِرَاعاً حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ

فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقاً ، وَأَشَدُّهُ وِثَاقاً ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ ، قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي ، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟

قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ ، رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ ( أي هاج ) ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْراً ، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ

فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟

فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟

قَالَتِ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِاْلأَشْوَاقِ . فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعاً ، وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً ، فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ . قُلْنَا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟

قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ ؟ قُلْنَا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟ قَالُوا : هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ

. قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ ؟

( وهي بلدة تقع في الجانب القبلي من الشام ) قَالُوا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ ؟

وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟

قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ ، هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟

قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ . قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟

قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ ، قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ؟ قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّي

إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ

عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِداً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتاً يَصُدُّنِى عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا .

قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ - : هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ . يَعْنِى الْمَدِينَةَ أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ؟ . فَقَالَ النَّاسُ :نَعَمْ .

فَإِنَّهُ أَعْجَبنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ، أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ

مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ( قال القاضي : لفظة ( ما هو ) زائدة ، صلة للكلام ، ليست بنافية ، والمراد إثبات أنه فى جهات المشرق )

وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ . قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم )

رواه مسلم في صحيحه برقم (2942) ، فهو حديث صحيح ، رواه أهل العلم في كتبهم ، من طريقين عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها ، وقال الترمذي رحمه الله "الجامع الصحيح" (2253) : " هذا حديث صحيح غريب "

انتهى . وقال ابن عبد البر "الاستذكار" (7/338) :

" ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 19:07
فتنة المسيح الدجال

السؤال

أرجو أعطائي معلومات كافية عن الدجال ؟

وما هي فتنته ؟

وكيفية النجاة منها ؟.

الجواب

الحمد لله

*معنى المسيح :

ذكر العلماء ما يزيد عن خمسين قولاً في معنى " المسيح " .

وقالوا أن هذا اللفظ يطلق على الصدّيق وعلى الضلّيل الكذاب ، فالمسيح عيسى ابن مريم الصدّيق ، مسيح الهدى ، يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحي الموتى بإذن الله .

والمسيح الدجال هو الضلّيل الكذاب ، مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات كإنزال المطر وإحياء الأرض بالنبات وغيرهما من الخوارق .

فخلق الله المسيحين أحدهما ضد الآخر .

وقال العلماء في سبب تسمية الدجال بالمسيح : أن إحدى عينيه ممسوحة

وقيل : لأنه يمسح الأرض في أربعين يوماً .. والقول الأول هو الراجح ، لما جاء في الحديث الذي رواه مسلم برقم 5221 عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ .. " .

*معنى الدجال :

الدَّجل : هو الخلط والتلبيس ، يقال دَجَلَ إذا لبّس ومَوَّهَ ، والدجال : المُمَوِّه الكذاب ، الذي يُكثِر من الكذب والتلبيس .

ولفظة " الدجال " أصبحت عَلَمَاً على المسيح الأعور الكذاب ، وسمي الدجال دجالاً : لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم .

*صفة الدجال والأحاديث الواردة في ذلك :

الدجال رجل من بني آدم ، له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث لتعريف الناس به

وتحذيرهم من شره ، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون فلا يفتنون به ، بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس

فلا يغتر به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة . نسأل الله العافية .

ومن هذه الصفات :

أنه رجل شاب أحمر ، قصير ، أفحج جعد الرأس ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، ممسوح العين اليمنى ، وهذه العين ليست بناتئة - منتفخة وبارزة - ولا جحراء - غائرة - كأنها عنبة طافئة .

وعينه اليسرى عليها ظفرة - لحمة تنبت عند المآقي - غليظة . ومكتوب بين عينيه " ك ف ر " بالحروف المقطعة ، أو " كافر " بدون تقطيع ، يقرؤها كل مسلم ، كاتب وغير كاتب .

ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له .

وهذه بعض الأحاديث الصحيحة التي جاء فيها ذكر صفاته السابقة وهي من الأدلة على ظهور الدجال :

1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ . فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ

أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ " رواه البخاري برقم 6508 ، وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ .

2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال : " إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ .. " رواه البخاري برقم 3184 .

3- وفي الحديث الطويل الذي رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ .

. " فقال في وصف الدجال : " إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ - شديد جعودة الشعر- عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ " رواه مسلم برقم 5228 .

4- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لا تَعْقِلُوا

إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلا حَجْرَاءَ فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " رواه أبو داود برقم 3763 ، والحديث صحيح ( صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 2455 ) .

5- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " .. وَأَمَّا مَسِيحُ الضَّلالَةِ فَإِنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ أَجْلَى الْجَبْهَةِ عَرِيضُ النَّحْرِ فِيهِ دَفَأٌ - إنحناء - .. " رواه أحمد برقم 7564 .

6- وفي حديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى ، جُفَالُ الشَّعَرِ - كَثِيرُهُ - مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ " رواه مسلم برقم 5222 .

7- وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ " رواه البخاري برقم 6598 ، وفي رواية

: " وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر " مسلم برقم 5219 ، وفي رواية عن حذيفة : " يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ " مسلم برقم 5223 .

وهذه الكتابة حقيقية على ظاهرها ، ولا يشكل رؤية بعض الناس لهذه الكتابة دون بعض ، وقراءة الأمي لها " وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء ، فهذا يراه المؤمن بعين بصره

وإن كان لا يعرف الكتابة / ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة ، كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ولا يراه الكافر فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلّم ، لأن ذلك الزمن تنخرق فيه العادات " فتح الباري لابن حجر العسقلاني ( 13 / 100 ) .
ومختصر الجواب عن الإشكال أنّ الله على كلّ شيء قدير فهو قادر على أن يري هذه الكتابة بعض الناس دون بعض وقادر على أن يجعل الأمّي يقرؤها .

قال النووي : " الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها ، وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله يظهرها الله لكل مسلم كاتب وغير كاتب

ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ، ولا امتناع في ذلك " شرح النووي لصحيح مسلم ( 18 / 60 ) .

8- ومن صفاته أيضاً ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها في قصة الجسّاسة ، وفيه قال تميم الداري رضي الله عنه

: " فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا " رواه مسلم برقم 5235 .

9- وفتنته عظيمة جدا لدرجة أنه ليس بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من فتنة المسيح الدجال كما جاء وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال

: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ " رواه مسلم برقم 5239

. وفي رواية أحمد عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ . مسند الإمام أحمد 15831

10- وأمّا أن الدجال لا يُولَدُ له فلما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصته مع ابن صياد ، فقد قال لأبي سعيد : " أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّهُ لا يُولَدُ لَهُ ؟ قَالَ قُلْتُ : بَلَى .. " رواه مسلم برقم 5209 .

والملاحظ في الروايات السابقة أن في بعضها وصف عينه اليمنى بالعور وفي بعضها وصف عينه اليسرى بالعور ، وكل الروايات صحيحة ، وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الروايات ، فقال القاضي عياض :

" أن عيني الدجال كلتيهما معيبة ، لأن الروايات كلها صحيحة ، وتكون العين اليمنى هي العين المطموسة والممسوحة ، العوراء الطافئة - بالهمز- التي ذهب نورها كما في حديث ابن عمر . وتكون العين اليسرى

التي عليها ظفرة غليظة وطافية - بلا همز - معيبة أيضاً "

. فهو أعور العين اليمنى واليسرى معاً ، فكل واحدة منها عوراء أي معيبة ، فإن الأعور من كل شيء المعيب ، لا سيما ما يختص بالعين ، فكلتا عيني الدجال معيبة عوراء ، إحداهما بذهابهما والأخرى بعيبها .

ووافق القاضي عياض على هذا الجمع النووي ، ورجحه القرطبي .

*مكان خروج الدجال :

يخرج الدجال من جهة المشرق من خراسان ، من يهودية أصبهان ، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلداً إلا دخله ، إلا مكة والمدينة ، فلا يستطيع دخولهما لأن الملائكة تحرسهما .

ففي حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال :

" أَلا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ لا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ " رواه مسلم برقم 5228 .

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ " رواه الترمذي برقم 2163

. صححه الألباني ( صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 3398 ) .

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ " رواه أحمد برقم 12865 .

الأماكن التي لا يدخلها الدجال :

حرم على الدجال دخول مكة والمدينة حين يخرج في آخر الزمان ، لورود الأحاديث الصحيحة بذلك ، وأما ما سوى ذلك من البلدان فإن الدجال سيدخلها واحداً بعد الآخر .

جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن الدجّال قال

: " وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الأَرْضِ فَلا أَدَعَ قَرْيَةً إِلا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً

غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلائِكَةً يَحْرُسُونَهَا " رواه مسلم برقم 5228 .

وثبت أيضاً أن الدجال لا يدخل مسجد الطور ، والمسجد الأقصى . روى الإمام أحمد برقم 22572 من حديث جنادة بن أبي أمية الأزدي قال : أتيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له

: حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ ، فذكر الحديث وقال : " وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِيكُمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا يَرِدُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ إِلا أَرْبَعَ مَسَاجِدَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالطُّورِ وَمَسْجِدَ الأَقْصَى " .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 19:07
أتْباع الدجال :

أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك ، وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء .

روى الإمام مسلم في صحيحه برقم 5237 عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ "

والطيالسة : كساء غليظ مخطط . وفي رواية للإمام أحمد : " سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ " حديث رقم 12865 .

وجاء في حديث أبي بكر السابق : " يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ " رواه الترمذي برقم 2136 .

وأما كون الأعراب يتبعون الدجال ، فلأن الجهل غالب عليهم ، أما النساء لسرعة تأثرهن وغلبة الجهل عليهن . جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم

: " يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّقَنَاةَ - وادٍ بالمدينة - فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ " رواه أحمد برقم 5099 .

فتنة الدجال :

فتنة الدجال أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة ، وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول وتحير الألباب .

فقد ورد أن معه جنة وناراً ، جنته ناره وناره جنته ، وأن معه أنهار الماء وجبال الخبز ، ويأمر السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت

وتتبعه كنوز الأرض ، ويقطع الأرض بسرعة عظيمة كسرعة الغيث استدبرته الريح ، إلى غير ذلك من الخوارق

. وكل ذلك جاءت به الأحاديث الصحيحة . روى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى

جُفَالُ الشَّعَرِ - كَثِيرُهُ - مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ " رواه مسلم برقم 5222 .

ولمسلم أيضاً عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" لأنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ : مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ

فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ " رواه مسلم برقم 5223 .

وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في ذكر الدجال : أن الصحابة قالوا : " يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ يَوْمًا ؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ "

" .. قالوا : وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ . فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ

وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ - الماشية - أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا - الأعالي والأسنمة - وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ - كناية عن الامتلاء وكثرة الأكل -

. ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ . وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ

. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ " رواه مسلم برقم 5228 .

وجاء في رواية البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن هذا الرجل الذي يقتله الدجال من خيار الناس أو خير الناس ، يخرج إلى الدجال من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول للدجال :

" أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ . فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ ؟

فَيَقُولُونَ لا . فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ : وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ " البخاري برقم 6599 .

وفي حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال :

" وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لأَعْرَابِيٍّ أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ ؟

فَيَقُولُ : نَعَمْ . فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ فِي صُورَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَقُولانِ يَا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ رَبُّكَ " رواه ابن ماجه برقم 4067 . وصححه الألباني ( صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 7752 ) .

نسأل الله العافية ونعوذ به من الفتن ..

الوقاية من فتنة الدجال :

أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما يعصمها من فتنة المسيح الدجال ، فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك

. فلم يدع خيراً إلا دل أمته عليه ولا شراً إلا حذرها منه ، ومن جملة ما حذّر منه : فتنة المسيح الدجال لأنها أعظم فتنة تواجهها الأمة إلى قيام الساعة ، وكان كل نبي ينذر أمته الأعور الدجال

واختص محمد صلى الله عليه وسلم بزيادة التحذير والإنذار ، وقد بين الله له كثيراً من صفات الدجال ليُحذِّرَ أمته فإنه خارج في هذه الأمة لا محالة

لأنها آخر الأمم ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين . وهذه بعض الإرشادات النبوية التي أرشد إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته لتنجو من هذه الفتنة العظيمة التي نسأل الله العظيم أن يعافينا ويعيذنا منها :

التمسك بالإسلام ، والتسلح بسلاح الإيمان ومعرفة أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد ، فيعلم أن الدجال بشر يأكل ويشرب ، وأن الله تعالى منزه عن ذلك

وأن الدجال أعور والله ليس بأعور ، وأنه لا أحد يرى ربه حتى يموت والدجال يراه الناس عند خروجه مؤمنهم وكافرهم .

التعوذ من فتنة الدجال ، وخاصة في الصلاة ، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة ، منها ما روي عن أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة

: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ " رواه البخاري برقم 789 .

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " رواه مسلم برقم 924 .

حفظ آيات من سورة الكهف ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة فواتح سورة الكهف على الدجال ، وفي بعض الروايات خواتيمها ، وذلك بقراءة عشر آيات من أولها أو آخرها

. ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان الطويل ، وفيه قوله : " فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ " حديث رقم 5228 .

وروى مسلم برقم 1342 عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ "

أي : من فتنته ، قال مسلم : قال شعبة : " مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ و قَالَ هَمَّامٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْف " .

قال النووي : " سَبَب ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلهَا مِنْ الْعَجَائِب وَالآيَات , فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَن بِالدَّجَّالِ , وَكَذَا فِي آخِرهَا قَوْله تَعَالَى : ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا .. ) " شرح صحيح مسلم 6 / 93 .

وهذا من خصوصيات سورة الكهف فقد جاءت الأحاديث بالحث على قراءتها وخاصة في يوم الجمعة ، روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُوْرَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ الْنُّوْرِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " المستدرك ( 2 / 368 ) ، وصححه الألباني ( صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 6346 ) .

ولا شك أن سورة الكهف لها شأن عظيم ، ففيها من الآيات الباهرات كقصة أصحاب الكهف وقصة موسى مع الخضر وقصة ذي القرنين وبناءه للسد العظيم حائلاً دون يأجوج ومأجوج

وإثبات البعث والنشور والنفخ في الصور ، وبيان الأخسرين أعمالاً وهم الذين يحسبون أنهم على الهدى وهم على الضلالة والعمى .

فينبغي لكل مسلم أن يحرص على قراءة هذه السورة وحفظها وترديدها وخاصة في خير يوم طلعت عليه الشمس ، وهو يوم الجمعة .

الفرار من الدجال والابتعاد منه ، والأفضل سكنى مكة والمدينة ، والأماكن التي لا يدخلها الدجال ، فينبغي للمسلم إذا خرج الدجال أن يبتعد منه وذلك لما معه من الشبهات والخوارق العظيمة التي يجريها الله على يديه فتنة للناس

فإنه يأتيه الرجل وهو يظن في نفسه الإيمان والثبات فيتبع الدجال ، نسأل الله أن يعيذنا من فتنته وجميع المسلمين .

روى الإمام أحمد ( 19118 ) وأبو داود (3762 ) والحاكم ( 4/531 ) عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ - يبتعد - مِنْهُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَتَّبِعُهُ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ " .

* هلاك الدجال :

يكون هلاك الدجال على يدي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، وذلك الدجال يظهر على الأرض ويكثر أتباعه وتعم فتنته ، ولا ينجو منها إلا قلة من المؤمنين

. وعند ذلك ينزل عيسى بن مريم عليه السلام على المنارة الشرقية بدمشق ، ويلتف حوله عباد الله المؤمنين ، فيسير بهم قاصداً المسيح الدجال

ويكون الدجال عند نزول عيسى عليه السلام متوجهاً نحو بيت المقدس ، فيلحق به عيسى عند باب " لُد " - بلدة في فلسطين قرب بيت المقدس - ، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء

فيقول له عيسى عليه السلام : " إن لي فيك ربة لن تفوتني " فيتداركه عيسى فيقتله بحربته ، وينهزم اتباعه فيتبعهم المؤمنون فيقتلونهم حتى يقول الشجر والحجر : يا مسلم يا عبد الله

هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود .

وإليك بعض الأحاديث الواردة في هلاك الدجال وأتباعه :

روى مسلم برقم 5233 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ .. " فذكر الحديث ، وفيه : " فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ " .

وروى الإمام أحمد برقم 14920 والترمذي برقم 2170 عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ " .

وروى مسلم برقم 5228 عن النواس بن سمعان رضي الله عنه حديثاً طويلاً عن الدجال ، وفيه قصة نزول عيسى وقتله للدجال ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :

" فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ "

وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال :

" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنْ الدِّينِ وَإِدْبَارٍ مِنْ الْعِلْمِ " فذكر الحديث وفيه : " ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيُنَادِي مِنْ السَّحَرِ

فَيَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى الْكَذَّابِ الْخَبِيثِ فَيَقُولُونَ هَذَا رَجُلٌ جِنِّيٌّ فَيَنْطَلِقُونَ فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُقَامُ الصَّلاةُ

فَيُقَالُ لَهُ تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ فَيَقُولُ لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ فَإِذَا صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ خَرَجُوا إِلَيْهِ قَالَ فَحِينَ يَرَى الْكَذَّابُ يَنْمَاثُ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَيَمْشِي إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ حَتَّى

إِنَّ الشَّجَرَةَ وَالْحَجَرَ يُنَادِي يَا رُوحَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ فَلا يَتْرُكُ مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُهُ أَحَدًا إِلا قَتَلَهُ " حديث رقم 14426 .

وبقتله - لعنه الله - تنتهي فتنته العظيمة ، وينجي الله الذين آمنوا من شره وشر أتباعه على يدي روح الله وكلمته عيسى بن مريم عليه السلام وأتباعه المؤمنين ولله الحمد والمنة.

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 19:11
قصة ماشطة ابنة فرعون

السؤال

أسأل عن صحة القصة التالية :

خلال المعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم وجد رائحة طيبة كرائحة المسك وعندما سأل عليه الصلاة والسلام عن ذلك ، أجابه جبرائيل عليه السلام أنه رائحة الوصيفة التي كانت تعمل في بيت فرعون ( زمن موسى عليه السلام ) .

وهي امرأة كانت قد تركت دينها سراً لكن افتضح أمرها عندما سقط المشط من يدها وقالت " بسم الله " . وعندما سمع فرعون بذلك أحرقها هي وأبناءها

. وقد قيل إن رضيعها كلمها في تلك اللحظة وطلب منها أن تحتفظ بهدوئها والتمسك بإيمانها . وبسبب إيمانها العظيم ، رفع الله مكانتها . هل هذه القصة صحيحة ؟

أم هل توجد قصص مقاربة ؟ وهل هذه القصة مأخوذة من مصادر نصرانية أو يهودية ؟.

الجواب

الحمد لله

وردت قصة ماشطة ابنة فرعون كما يلي :

‏عَنِ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ‏‏قَالَ ‏ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (‏ ‏لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي ‏‏أُسْرِيَ ‏‏بِي فِيهَا ، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ، فَقُلْتُ : يَا ‏جِبْرِيلُ ‏

‏ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ ؟ فَقَالَ : هَذِهِ رَائِحَةُ ‏‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ‏‏وَأَوْلادِهَا ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا شَأْنُهَا ؟ قَالَ : بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ ‏‏فِرْعَوْنَ ‏‏ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ سَقَطَتْ ‏‏الْمِدْرَى ‏‏مِنْ يَدَيْهَا

فَقَالَتْ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ ‏ ‏فِرْعَوْنَ :‏ ‏أَبِي ؟ قَالَتْ : لا ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ ، قَالَتْ : أُخْبِرُهُ ‏‏بِذَلِكَ ! قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَخْبَرَتْهُ ، فَدَعَاهَا فَقَالَ : يَا فُلانَةُ ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟

قَالَتْ : نَعَمْ ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ‏ ‏تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا ، قَالَتْ لَهُ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكِ ؟

قَالَتْ : أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا ، قَالَ : ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ

وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ ، قَالَ : يَا ‏‏أُمَّهْ ؛‏ ‏اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاقْتَحَمَتْ ) . ‏‏قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ‏تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ :

‏‏عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام ،‏ ‏وَصَاحِبُ ‏جُرَيْجٍ ،‏ ‏وَشَاهِدُ ‏‏يُوسُفَ ‏، ‏وَابْنُ ‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ .

أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (1/309) ، والطبراني (12280) ، وابن حبان (2903) ، والحاكم (2/496) .

قال الذهبي في " العلو " (84) عن: " هذا حديث حسن الإسناد " ، وقال ابن كثير في " التفسير " (3/15) : " إسناده لا بأس به " ، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (4/295)

وقال الأرنؤوط في تخريج المسند (5/30 – 31 رقم 2821) : " إسناده حسن ، فقد سمع حماد بن سلمة من عطاء قبل الاختلاط عند جمع من الأئمة " .

وبهذا يتبين أن هذه القصة صحيحة ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، وليست مأخوذة من مصادر يهودية أو نصرانية .

( المِدْرَى ) : هي حديدة يسوَّى بها شعر الرَّأس .

( فأمَر ببَقَرة من نُحاس فأُحْمِيت ) : قال ابن الأثير في " النهاية " (1/145) : قال الحافظ أبو موسى : الذي يقَعُ لي في معناه أنه لا يريد شيئاً مَصُوغا على صورة البَقرة

ولكنَّه ربَّمَا كانت قِدرا كبيرةً واسعة ، فسماها بقرة ، مأخوذا من التَّبقُّر : التوسع ، أو كان شيئاً يَسع بقَرة تامَّة بِتَوابِلِها فسمِّيت بذلك .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 19:15
ما ثياب الكفار التي نهينا عن لبسها ؟

السؤال

كيف كان المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يميزون أنفسهم عن الكفار في اللباس ؟

هل كان كفار مكة يلبسون هم أيضا الثوب الطويل ( الذي يعرف اليوم بالجلابية ) ؟

وبناء على ذلك هل يعتبر الثوب الواسع من الملابس اللائقة إسلاميّا ؟.

الجواب

الحمد لله

اللباس من نعم الله تعالى على عباده ، فهي تستر العورة وتقي الحر والبرد

وقد امتن الله به عليهم فقال : ( يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف/26

وقال : ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) النحل/81 .

والأصل في اللباس الإباحة ، فللمسلم أن يلبس ما يشاء مما يصنعه هو أو يصنعه له غيره من المسلمين وغيرهم ، وهذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم في مكة وفي غيرها

فلم يكن من يُسلم منهم يلبس لباساً خاصّاً به ، وكان النبي صلى الله صلى الله عليه يبلس الجبة الشامية والحلة اليمنية ، ولم يكن أهل صناعتهما من المسلمين

فالعبرة بموافقة اللباس للشروط الشرعية

وتجد في جواب السؤال القادم ملخصاً لأحكام اللباس بالنسبة للرجال ، فلينظر .

وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار عموماً – في اللباس وغيره -

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود ( 4031 )

وصححه العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/342) والألباني في "إرواء الغليل" (5/109) .

ونهانا نهياً خاصاً عن : التشبه بهم في اللباس ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ) رواه مسلم ( 2077 ) .

و روى مسلم (2069) عن عمر رضي الله عنه أنه كتب للمسلمين في أذربيجان : ( إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ) رواه مسلم ( 2069 ) .

وثياب الكفار التي يحرم على المسلمين لبسها هي ما يختص بلبسه الكفار , فلا يلبسها غيرهم , أما ما يلبسه الكفار والمسلمون , فلا حرج في لبسه ولا كراهية فيه ، لأنه ليس خاصاً بالكفار .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن المشابهة بالكفار المنهي عنها فأجابوا :

" المراد بمشابهة الكفار المنهي عنها : مشابهتهم فيما اختصوا به من العادات ، وما ابتدعوه في الدين من عقائد وعبادات ، كمشابهتهم في حلق اللحية ... .

أما لبس البنطلون والبدلة وأمثالهما من اللباس ، فالأصل في أنواع اللباس الإباحة ، لأنَّهُ من أمور العادات ، قال تعالى : ( قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الآية

ويستثنى من ذلك ما دلَّ الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال ، والذي يصف العورة لكونه شفافاً يُرى من ورائه لون الجلد ، أو ككونه ضيقاً يحدد العورة

لأنه حينئذ في حكم كشفها , وكشفها لا يجوز ، وكالملابس التي هي من سيما الكفار فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم ، وكلبس الرجال ملابس النساء

, ولبس النساء ملابس الرجال , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال .

وليس اللباس المسمى بالبنطلون مما يختصُّ بالكفار ، بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول ، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد لعدم الإلف ومخالفة عادة سكانها في اللباس

وإن كان ذلك موافقاً لعادة غيرهم من المسلمين ، لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك اللباس ألاَّ يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطرقات " انتهى .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 3 / 307 - 309 ) .

وقالوا أيضاً :

" يجب على المسلمين والمسلمات أن يحرصوا على الأخلاق الإسلامية ، وأن يسيروا على منهج الإسلام في أفراحهم وأتراحهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وجميع شؤونهم .

ولا يجوز لهم أن يتشبَّهوا بالكفار في لباسهم بأن يلبسوا الملابس الضيقة التي تحدِّد العورة ، أو الملابس الشفافة الرقيقة التي تشف عن العورة ولا تسترها ، أو الملابس القصيرة التي لا تغطي الصدر أو الذراعين أو الرقبة أو الرأس أو الوجه " انتهى .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 3 / 306 ، 307 ) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن مقياس التشبُّه بالكفار ؟

فأجاب :

" مقياس التشبه : أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به ، فالتشبُّه بالكفار أن يفعلَ المسلم شيئاً من خصائصهم .

أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبُّهاً ، فلا يكون حراماً من أجل أنَّه تشبّه إلاَّ أن يكون محرَّماً من جهة أخرى .

وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة

وقد صرَّح بمثله صاحب "فتح الباري" حيث قال (10/272) :

" وقد كره بعض السلف لبس البرنس ؛ لأنَّهُ كان من لباسِ الرهبانِ ، وقد سئل مالكٌ عنه فقال : لا بأس به

قيل : فإنَّهُ من لبوس النصارى ، قال : كان يلبس ههنا " انتهى . قلت : لو استدلَّ مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم ؟ فقال : ( لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس ... ) لكان أولى .

وفي "الفتح" أيضاً (10/307) :

" وإن قلنا النهي عنها ( أي : عن المياثر الأرجوان ) من أجل التشبُّه بالأعاجم : فهو لمصلحة دينية ، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار

ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى ، فتزول الكراهة ، والله أعلم " انتهى .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / 290) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" وتباح ثياب الكفار إذا لم تعلم نجاستها ؛ لأن الأصل الطهارة ؛ فلا تزول بالشك ، ويباح ما نسجوه أو صبغوه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وصبغوه " انتهى ‏. ‏

" الملخص الفقهي " ( 1 / 20 ) .

وخلاصة الجواب : أنه يحرم على المسلم أن يتشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من اللباس وغيره , أما ما لا يختص به الكفار فلا حرج فيه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 19:19
ملخص من أحكام اللباس بالنسبة الرجال

السؤال

ذُكر في القرآن - وبوضوح - كيف يجب أن تلبس المرأة ، في أي بلد

وأي مجتمع ، سواء في بلد إسلامي أو غير إسلامي ، وأريد أن أعرف كيف هو الحال بالنسبة للرجل ولباسه في ، أي بلد ، وأي مجتمع ، سواء في بلد إسلامي أو غير إسلامي ؟.

الجواب

الحمد لله

هذه جملة مختصرة من أحكام اللباس بالنسبة الرجال ونسأل الله تعالى أن تكون كافية وينفع بها

1. الأصل في كل ما يلبس أنه حلال جائز ، إلا ما ورد نصٌّ بتحريمه كالحرير للذكور لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ )

رواه ابن ماجة (3640) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة ، وكذلك لا يجوز لبس جلود الميتة إلا أن تدبغ . أمـا الملابس المصنوعة من الصوف أو الشعر أو الوبر فهي طاهرةٌ حلالٌ .

2. ولا يجوز لبس الشفاف الذي لا يستر العورة

3. ويحرم التشبه بأهل الشِّرك والكفر في لباسهم ، فلا يجوز لبس الألبسة التي يختص بها الكفار.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين ، فقال : إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها . رواه مسلم ( 2077 ) .

4. ويحرم تَشَبُّهُ النساء بالرجال والرجال بالنساء في اللباس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم : " لعنَ المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال " . رواه البخاري ( 5546 )

5. من السنة أن يبدأ المسلم لبس ثوبه باليمين ، ويقول : باسم الله ، ويبدأ في خلعه باليسرى .

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم " . رواه أبو داود ( 4141 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 787 ) .

6. ويسنُّ لمن لبس ثوباً جديداً أن يشكر الله عزّ وجلّ ويدعو .

عن أبي سعيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ثم يقول :

اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له . رواه الترمذي ( 1767 ) وأبو داود ( 4020 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4664 ) .

7. ومن السنة الاعتناء بنظافة الثوب من غير كبر ولا مبالغة .

عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس . رواه مسلم ( 91 ) .

8. استحباب لبس الأبيض من الثياب .

عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم " . رواه الترمذي ( 994 ) حسن صحيح وهو الذي يستحبه أهل العلم ، وأبو داود ( 4061 ) وابن ماجه ( 1472 ) .

9. ويحرم على المسلم الإسبال في جميع ما يلبس من ثياب ، فحدُّ الثياب إلى الكعبين .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار . رواه البخاري ( 5450 ) .

وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار

قال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل ، والمنَّان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب . رواه مسلم ( 106 ) .

10. ويحرم لباس الشهرة ، وهو ما يتميز به اللابس عن الآخرين ليُنظر إليه ويُعرف به ويُشتهر .

عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله " .

وفي رواية بزيادة " ثم تلهب فيه النار " ، وفي رواية أخرى " ثوب مذلة " . رواه أبو داود ( 4029 ) وابن ماجه ( 3606 ) و ( 3607 ) . والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 2089 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-06, 19:23
ما هي التلبينة ؟

وكيف يتم العلاج بها ؟

السؤال

أرجو إفادتي عن طريقة العلاج بالتلبينة الواردة بالطب النبوي ؟.

الجواب

الحمد لله

ورد ذِكر " التلبينة " في أحاديث صحيحة ، منها :

أ. عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ

ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : كُلْنَ مِنْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ ) رواه البخاري ( 5101 ) ومسلم ( 2216 ) .

ب. وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ ، وَكَانَتْ تَقُولُ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ

وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ ) رواه البخاري ( 5365 ) ومسلم ( 2216 ) .

قال النووي :

" ( مَجَمَّةٌ ) وَيُقَال : ( مُجِمَّةٌ ) أَيْ : تُرِيح فُؤَاده , وَتُزِيل عَنْهُ الْهَمّ , وَتُنَشِّطهُ " انتهى .

وواضح من الحديثين أنه يعالج بها المريض ، وتخفف عن المحزون حزنه ، وتنشط القلب وتريحه .

والتلبينة : حساء يُعمل من ملعقتين من مطحون الشعير بنخالته ، ثم يضاف لهما كوب من الماء ، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق .

وبعض الناس يضيف عليها ملعقة عسل .

وسمِّيت " تلبينة " تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها .

قال ابن القيم :

" وإذا شئتَ أن تعرف فضل التلبينة : فاعرف فضل ماء الشعير ، بل هي ماء الشعير لهم ؛ فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته ، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً

والتلبينة تطبخ منه مطحوناً ، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن ، وقد تقدم أن للعادات تأثيراً في الانتفاع بالأدوية والأغذية

وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صحاحاً ، وهو أكثر تغذية ، وأقوى فعلاً ، وأعظم جلاءً .... " انتهى .

" زاد المعاد " ( 4 / 120 ) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعريف التلبينة :

" طعام يتخذ من دقيق أو نخالة ، وربما جُعل فيها عسل ، سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض والرقة ، والنافع منه ما كان رقيقاً نضيجاً ، لا غليظاً نيئاً " انتهى .

" فتح الباري " ( 9 / 550 ) .

ومما لا شك فيه أن للشعير فوائد متعددة ، وقد أظهرت الدراسات الحديثة بعضها

منها : تخفيض الكولسترول ، ومعالجة القلب ، وعلاج الاكتئاب ، وعلاج ارتفاع السكر والضغط ، وكونه مليِّناً ومهدِّئاً للقولون ، كما أظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون .

قالت الدكتورة صهباء بندق – وقد ذكرت العلاجات السابقة وفصَّلتها - :

وعلى هذا النحو يسهم العلاج بـ " التلبينة " في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية

إذ تحمي الشرايين من التصلب - خاصة شرايين القلب التاجية - فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية ، واحتشاء عضلة القلب .

أما المصابون فعليّاً بهذه العلل الوعائية والقلبية : فتساهم " التلبينة " بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية

وهذا يُظهر الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " التلبينة مجمة لفؤاد المريض ... " أي : مريحة لقلب المريض " انتهى .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

smail adn
2018-12-07, 11:48
جعله الله في ميزان حسناتك

smail adn
2018-12-07, 11:48
شكرا جزيلا لك

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:00
جعله الله في ميزان حسناتك

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:02
شكرا جزيلا لك

الشكر موصول لحضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:05
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


متى يقال " الصلاة خير من النوم " في الأذان الأول أم الثاني ؟

السؤال

قد كشف أحد المشايخ عما يقال إنه حقيقة مذهلة أن لفظة " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر بدعة ؛ لأن بلالاً كان يورد هذه اللفظة في أذان التهجد ، غير أن ابن مكتوم كان ينادي لأذان الفجر ولم يكن يذكرها .

والدليل الثاني : أنه بمعنى هذه الكلمات فالمرء يحاول أن يقارن النوم بصلاة الفجر ، وهذا مما لا يجب ، فإذا كان مدرسي على حق فلماذا يعمل بذلك في مكة والمدينة ؟.

الجواب

الحمد لله

ورد التثويب في أذان الفجر وهو قول : " الصلاة خير من النوم " في عدد من الأحاديث الصحيحة

وقد ذُكر في بعضها التثويب في الأذان الأول مجملاً دون بيان ما هو المقصود بالأذان الأول ، هل هو الأذان الذي يكون قبل الفجر أم أنه هو أذان الفجر ذاته ، ومن هذه الأحاديث :

1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال : كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكنت أقول في أذان الفجر الأول : " حي على الفلاح ، الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " .

رواه أبو داود ( 500 ) والنسائي ( 647 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان في الأذان الأول بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ) .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

أخرجه الطحاوي ( 1 / 82 ) بسند حسن كما قال الحافظ في " التلخيص " ( 3 / 169 ) .

" الثمر المستطاب " ( ص 131 ) .

وعلى هذه الأحاديث اعتمد من قال : إن التثويب في أذان الفجر يكون في الأذان الأول الذي يكون في آخر الليل ، والصحيح أنه يكون في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة . وذلك لأمور :

أ. أن لفظة " الأول " تعني الأول بالنسبة للإقامة ، وتكون الإقامة هي الأذان الثاني ، وقد ورد في السنة الصحيحة تسمية الإقامة أذاناً

وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بين كل أذانين صلاة ) رواه البخاري ( 598 ) ومسلم ( 838 ) .

وجاء في صحيح مسلم ( 739 ) تسمية الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت بالأذان الأول ، وذلك فيما حدثته عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت

: ( كان ينام أول الليل ويحيي آخره ، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت : وثب فأفاض عليه الماء ، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين ) .

والمقصود بالركعتين : سنة الفجر الراتبة . قاله النووي في "شرح مسلم" .

ب. جاء التصريح في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذا التثويب يقال في " أذان صلاة الصبح " و " أذان الفجر "

و " وصلاة الغداة " وهي ألفاظ تدل على أن التثويب يكون بعد دخول وقت الصلاة والآذان الذي يكون آخر الليل يكون قبل دخول وقت الصلاة ، ومن هذه الأحاديث :

1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال :

قلت يا رسول الله علِّمني سنة الأذان ، قال : فمسح مقدم رأسي وقال : تقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... فإن كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم , الصلاة خير من النوم .

وفي رواية أخرى نحو هذا الخبر وفيه : ( الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح ) .

رواه أبو داود ( 501 ) والنسائي ( 633 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " .

وفي رواية أخرى عند أبي داود ( 504 ) من حديث أبي محذورة رضي الله عنه : ( وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم ) وصححها الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".

2- عن أنس رضي الله عنه قال : من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر : حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ( مرتين ) .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

أخرجه الدارقطني ( 90 ) وابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " ( 1 / 423 ) ، وقال : " إسناده صحيح " .

ثم أخرجه الدارقطني والطحاوي أيضا ( 1 / 82 ) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ : ( كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن : حي على الفلاح

قال : الصلاة خير من النوم ) ( مرتين ) ، وهذا اللفظ رواه ابن السكن وصححه

كما في " التلخيص " ( 3 / 148 ) .

" الثمر المستطاب " ( ص 132 ) .

ففي هذه الأحاديث : أن التثويب يكون في أذان صلاة الصبح .

والأذان الذي يكون للصلاة هو الذي يكون بعد دخول الوقت ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) متفق عليه .

وأما الأذان الذي يكون في آخر الليل فليس أذاناً لصلاة الصبح , وإنما هو ( ليرجع القائم ويوقظ النائم ) كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين .

وبهذا يتبين أن التثويب في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة ليس بدعة بل هو السنة .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :

ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في التثويب في الأذان الأول للفجر كما جاء في سنن النسائي وابن خزيمة والبيهقي ؟

فأجابوا :

" نعم ، ينبغي الإتيان بالتثويب في الأذان الأول للفجر امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وواضح من الحديث أنه الأذان الذي يكون عند طلوع الفجر الصادق ، وسمي أولاً بالنسبة للإقامة

فإنها أذان شرعاً ، كما في حديث : ( بين كل أذانين صلاة ) ، وليس المراد بالأذان الأول ما ينادى به قبل ظهور الفجر الصادق ؛ فإنه شرع ليلاً ليستيقظ النائم ، وليرجع القائم

وليس أذاناً للإعلام بالفجر ، ومن تدبر أحاديث التثويب لم يفهم منها إلا أن التثويب في أذان الإعلام بوقت الفجر لا الأذان الذي يكون ليلا قبيل الفجر " انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 6 / 63 ) .

وانظر تفصيلاً علميّاً في الرد على من قال إن التثويب يكون في الأذان الذي قبل دخول وقت الصلاة للشيخ العثيمين رحمه الله

في كتاب "الشرح الممتع" ( 2 / 61 – 64 ) .

وأما قول مدرسك : إنه بهذا يقارن المرء بين النوم وصلاة الفجر!

فهذا ليس بصحيح , لأن هذا اللفظ هو خبر بأن الصلاة خير من النوم , وفي ذلك حث للنائم أن يترك النوم ويقوم إلى ما هو خير .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:09
معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

السؤال

ما معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

أما " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " فمعناها - عند جمهور العلماء - : من الله تعالى : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار ، ومن الآدميين : الدعاء ، وذهب آخرون

ومنهم أبو العالية من المتقدمين ، وابن القيم من المتأخرين ، وابن عثيمين من المعاصرين – إلى أن معنى " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " هو الثناء عليه في الملأ الأعلى ،

ويكون دعاء الملائكة ودعاء المسلمين بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأن يثني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى

وقد ألَّف ابن القيم – رحمه الله

كتاباً في هذه المسألة ، سمّاه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " وقد توسع في بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحكامها ، وفوائدها ، فلينظره من أراد التوسع .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" قوله : " صلِّ على محمد " قيل : إنَّ الصَّلاةَ مِن الله : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار ، ومن الآدميين : الدُّعاء .

فإذا قيل : صَلَّتْ عليه الملائكة ، يعني : استغفرت له .

وإذا قيل : صَلَّى عليه الخطيبُ ، يعني : دعا له بالصلاة .

وإذا قيل : صَلَّى عليه الله ، يعني : رحمه .

وهذا مشهورٌ بين أهل العلم ، لكن الصحيح خِلاف ذلك

أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة ، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن ، واختلفوا : هل يُصلَّى على غير الأنبياء ؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه .

وأيضاً : فقد قال الله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة157 ، فعطف " الرحمة " على " الصلوات " والعطفُ

يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة ، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع : أن الصَّلاة ليست هي الرحمة .

وأحسن ما قيل فيها : ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه : ثناؤه عليه في الملأ الأعلى .

فمعنى " اللَّهمَّ صَلِّ عليه " أي : أثنِ عليه في الملأ الأعلى ، أي : عند الملائكة المقرَّبين .

فإذا قال قائل : هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ ؛ لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء وليست الثناء : فالجواب على هذا

: أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة ، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات ؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال ، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة .

وعلى هذا فالقول الرَّاجح : أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني : الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى .

" الشرح الممتع " ( 3 / 163 ، 164 ) .

ثانياً :

وأما معنى " السلام عليه صلى الله عليه وسلم " : فهو الدعاء بسلامة بدنه – في حال حياته - ، وسلامة دينه صلى الله عليه وسلم ، وسلامة بدنه في قبره ، وسلامته يوم القيامة .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

قوله : " السلام عليك " : " السَّلام " قيل : إنَّ المراد بالسَّلامِ : اسمُ الله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ " كما قال الله تعالى في كتابه :

( الملك القدوس السلام ) الحشر/23 ، وبناءً على هذا القول يكون المعنى : أنَّ الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك ، فكأننا نقول : اللَّهُ عليك ، أي : رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك ، وما أشبه ذلك .

وقيل : السلام : اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) الأحزاب/56 فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم : أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة .

إذا قال قائل : قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واضحاً ، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلى الله عليه وسلم ؟

فالجواب : ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة ، فهناك أهوال يوم القيامة ، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط : " اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ " ، فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته .

إذاً ؛ ندعو للرَّسول صلى الله عليه وسلم بالسَّلامةِ من هول الموقف .

ونقول - أيضاً - : قد يكون بمعنى أعم ، أي : أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِه ِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين

كما قال العلماءُ في قوله تعالى : ( فردوه إلى الله والرسول ) النساء/59 ، قالوا : إليه في حياته ، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته .

وقوله : " السلام عليك " هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ ؟ يعني : هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه ؟

الجواب : هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه ، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء .

ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً ؟ .

الجواب : لا ، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به ؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين ؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم

ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه ، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم " : لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه ، كأنه أمامك تخاطبه .

ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون : السلام عليك ، وهو لا يسمعهم ، ويقولون : السلام عليك ، وهم في بلد وهو في بلد آخر ، ونحن نقول : السلام عليك ، ونحن في بلد غير بلده ، وفي عصر غير عصره " انتهى .

" الشرح الممتع " ( 3 / 149 ، 150 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:11
حكم الانتحار والصلاة على المنتحر والدعاء له

السؤال

لدي ابنة خالة توفيت ومعظم الاحتمالات تبين أنها انتحرت ، فما حكم من ينتحر ؟

وما حالته عند ربه ؟

وماذا يفعل والداها ليخففا عنها ؟.

الجواب

الحمد لله

الانتحار من كبائر الذنوب ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

: ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً

ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) رواه البخاري ( 5442 ) ومسلم ( 109 ) .

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) رواه البخاري ( 5700 ) ومسلم ( 110 ) .

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات . قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) رواه البخاري ( 3276 ) ومسلم ( 113 )

وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر ، عقوبةً له ، وزجراً لغيره أن يفعل فعله ، وأذن للناس أن يصلوا عليه ، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم .

فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه ) رواه مسلم ( 978 ) .

قال النووي :

" المَشاقص : سهام عراض .

وفي هذا الحديث دليل لمن يقول : لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه ,

وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء : يصلى عليه ,

وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة " انتهى .

" شرح مسلم " ( 7 / 47 ) .

ولا يعني هذا – إن ثبت انتحارها – أن تتركوا الدعاء لها بالرحمة والمغفرة ، بل هذا يتأكد في حقها لحاجتها له ، والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس

بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها ، فلا تتهاونوا بالدعاء لها ، وأخلصوا فيه ، فلعله يكون سببا لمغفرة الله لها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:14
قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ومعناها

السؤال

هل الحديث بخصوص تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للسحر صحيح ؟ فقد سمعت الكثير حول الموضوع .

الجواب

الحمد لله

حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح ، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث ، وتلقاه أهل السنَّة بالقبول والرضا ، ولم يُنكره إلا المبتدعة

وفيما يلي نص الحديث ، وتخريجه ، ومعناه ، ورد العلماء على من أنكره .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ : أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي ؟

أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟

قَالَ : مَطْبُوبٌ ؟ قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَ : فِيمَا ذَا ؟ قَالَ : فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ . فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ :

نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . فَقُلْتُ : اسْتَخْرَجْتَهُ ؟ فَقَالَ : لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ ) رواه البخاري (3268) ومسلم (2189) .

مطبوب : مسحور .

(مُشط) : آلة تسريح الشعر .

(مشاقة) أو (مشاطة) : ما يسقط من الشعر .

(وجف طلع نخلة ذَكَر) : هو الغشاء الذي يكون على الطلع ، ويطلق على الذكر والأنثى , فلهذا قيده بالذَّكَر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قال المازري : أنكر المبتدعة هذا الحديث ، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها , قالوا :

وكل ما أدَّى إلى ذلك فهو باطل , وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ ( هناك )

, وأنه يوحي إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء , قال المازري : وهذا كله مردود

لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ ,

والمعجزات شاهدات بتصديقه , فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل ، وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض

, فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين .

قال : وقد قال بعض الناس : إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن , وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة .

قلت – أي : ابن حجر - : وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة عند البخاري ، ولفظه : ( حتى كان يرى ( أي : يظن ) أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ) وفي رواية الحميدي : ( أنه يأتي أهله ولا يأتيهم ) .

قال عياض : فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ... .

وقال المهلب : صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده , ففي الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه , فكذلك السحر ، ما ناله من ضرره لا يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ ,

بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام , أو عجز عن بعض الفعل , أو حدوث تخيل لا يستمر , بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين " انتهى .

"فتح الباري" (10/226، 227) باختصار .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به :

قد أنكر هذا طائفة من الناس ، وقالوا : لا يجوز هذا عليه ، وظنُّوه نقصاً وعيباً ، وليس الأمر كما زعموا ، بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام والأوجاع ، وهو مرض من الأمراض

وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت

: ( سُحِر رسول الله حتى إن كان ليخيَّل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن ، وذلك أشد ما يكون من السحر ) قال القاضي عياض : والسحر مرض من الأمراض ، وعارض من العلل

يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر ، ولا يَقدح في نبوته .

وأما كونه يخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله : فليس في هذا ما يُدخل عليه داخلة في شيء من صدقه ؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ، وإنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها

ولا فُضِّل من أجلها ، وهو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر ، فغير بعيد أنه يخيَّل إليه مِن أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان " انتهى .

"زاد المعاد" (4/124) .

وبعد ، فقد تبيَّن صحة الحديث ، وعدم تنقصه من منصب النبوة ، والله سبحانه وتعالى يعصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم قبل السحر وأثناءه وبعده

ولا يعدو سحره عن كونه متعلقاً بظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي أهله وهو لم يفعل

وهو في أمرٍ دنيوي بحت ، ولا علاقة لسحره بتبليغ الرسالة البتة ، وفيما سبق من كلام أهل العلم كفاية ، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "فتح الباري" و "زاد المعاد" .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:17
معنى حديث : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ )

السؤال

ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ) ، وورد في حديث آخر : ( لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبد اللات والعزى )

وفي رواية : ( حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة )

والإشكال : أنه في الحديث الأول يفهم أن الشرك لا يقع في الجزيرة العربية والحديث الثاني يدل على أنه سيقع ؟.

الجواب

الحمد لله

من الأمور المقررة عند أهل العلم أن الشرك واقع في هذه الأمة كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة ، والواقع يؤيد ذلك .

وقد ارتد أكثر العرب بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكثير منهم رجع إلى عبادة الأوثان .

وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان ، ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك .

وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ... ) فللعلماء عليه أجوبة :

1- أن الشيطان قد أيس أن يجمع كل المصلين على الكفر .

واختار هذا القول العلامة ابن رجب الحنبلي . الدرر السنة (12/117)

2- أن هذا إخبار عما وقع في نفس الشيطان من اليأس لما رأى الفتوح

ودخول الناس في دين الله أفواجاً ، فالحديث أخبر عن ظن الشيطان وتوقعه ، ثم كان الواقع بخلاف ذلك لحكمة يريدها الله عز وجل

. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

. القول المفيد (1/211)

3- أن الشيطان أيس من المؤمنين كاملي الإيمان ، فلم يطمع فيهم الشيطان أن يعبدوه ، واختاره الألوسي .

وانظر دعاوى المناوئين . (224)

4- أن ( أل ) في كلمة ( المصلون ) للعهد ، والمراد بهم الصحابة .

والأقوال كلها قريبة ، وأقربها الثاني ، والله أعلم .

انظر " أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين " (2/232-238)

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:19
هل هذا الحديث مخالف لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام ؟

السؤال

ما صحة الحديث الذي رواه أبو داود وغيره ونصه : ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) لأنني قرأت أن بعض الناس شكك فيه لأنه يعارض القرآن الكريم وآياته الداعية إلى إقامة المساواة والعدل .

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

: ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) وله طرق كثيرة لا تخلو من مقال ، ولكنه بمجموعها يكون حديثاً حسناً .

ومعنى الحديث : استحباب ترك مؤاخذه ذي الهيئة إذا وقع في زلة أو هفوة لم تعهد عنه إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ الحاكم فيجب إقامته .

والمراد بـ (ذوي الهيئات) أهل المروءة والخصال الحميدة من عامة الناس ، الذين دامت طاعتهم واشتهرت عدالتهم ، ولكن زلت في بعض الأحايين أقدامهم ، فوقعوا في ذنب وخطأ

ورد هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله قائلاً : إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعبر عن أهل التقوى والطاعة والعبادة بأنهم ذوو الهيئات

ولا عهد بهذه العبارة في كلام الله ورسوله للمطيعين المتقين ، والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد ، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم

فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده ، وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته ، بل تقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع

فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرق لقطعت يدها ) متفق على صحته

وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة ، وسياستها للعالم وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد . انتهى كلامه .

وبما تقدم ذكره يتبيّن أن معنى الحديث ليس معارضاً لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام وإنما فيه رفع المؤاخذة بالخطأ والذنب الذي ليس فيه حد إذا صدر عمن لم يكن من عادته ذلك ، لم يترتب على ترك تعزيره مفسدة .

فتاوى اللجنة الدائمة (22/18-20)

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:22
يسأل عن معنى كلمة أنواط

السؤال

في حديث أبي واقد الليثي ، رضي الله عنه ، قال : ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء

عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ...)

فما معنى كلمة أنواط ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه الإمام أحمد21390، والترمذي 2180وقال : حسن صحيح ، وابن أبي عاصم في السنة ، وقال المناوي : إسناده صحيح ، وصححه الألباني في رياض الجنة رقم 76 ]

وردت هذه الكلمة في حديث أبي واقد الليثي ، رضي الله عنه : ( أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم ،ْ يُقَالُ لَهَا

: ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه

كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة .)ً وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة : ( ونحن حديثو عهد بكفر )

سدرة أي : شجرة

وقَوْلُهُ : يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، الأنواط : جمع نوط ، وهو كل شيء يعلق ، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق .

قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ :

هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين ، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ .

وقوله : " قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ "

شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم ، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله .

( إنها لسنن ) ، أي : طرق ، ( لَتَرْكَبُنَّ ) أي : لَتَتَّبِعُنَّ ، ( سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) أي : طريقة من كان قبلكم من الأمم ، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ : " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا , وَذِرَاعًا ذِرَاعًا , حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى . قَالَ " فَمَنْ " ؟

قال النووي : وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ؛َ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وفي هذا الحديث من الفوائد :

1- التحذير من الشرك ، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله ، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه ، ويقربه من سخطه .

2- بيان أن التبرك بالأشجار والأحجار ، والعكوف عليها ، والتعلق بها ، من الشرك الذي وقع في هذه الأمة ، وأن من وقع فيه فهو تابع لطريق اليهود والنصارى ، تارك لطريق النبي ، صلى الله عليه وسلم .

3- أن العبرة بالمعاني ، وليس بالألفاظ ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه قولهم بقول بني إسرائيل ، مع أنهم لم يطلبوا إلها من دون الله ، صراحة .

4- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم .

5- وفيه أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده ، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة الذين طلبوا ذلك لم يكن مضى على إسلامهم إلا أيام معدودة ، لأنهم أسلموا يوم فتح مكة

ثم خرج بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزوة حنين فوقعت تلك الوقعة وهم في طريقهم إلى حنين .

[ انظر فتح المجيد ، بشرح كتاب التوحيد ، 139-147 ، القول المفيد ، للشيخ ابن عثيمين ] .

ونذكر السائل الكريم بأن هذا الحديث قد ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، في كتابه المبارك : كتاب التوحيد ، في باب : من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما . فننصح لتمام الفائدة ،

باقتنائه ، مع شيء من شروحه ، خاصة الشرحين المشار إليهما .

والله الموفق .

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:26
شرح حديث " صنفان من أهل النار لم أرهما ..."

السؤال

قرأت جوابًا على أحد الأسئلة ولم أستطع فهم الحديث الذي ذكرتموه هناك،

حيث قلتم : فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة

لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه أحمد ومسلم في الصحيح . أرجو تفسير هذا الحديث شيئًا ما حتى أفهمه ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث فيه إخبار عن صنفين من الناس لم يرهما النبي صلى الله عليه وسلم ، يظهران بعد مضي زمنه صلى الله عليه وسلم ويكون مصيرهما إلى النار لعصيانهما

وقد عدَّ العلماء ظهورَ هذين الصنفين من أشراط الساعة الصغرى ، وهما :

الصنف الأول : رجال معهم سياط... ، والمراد بهم من يتولى ضرب الناس بغير حق من ظَلَمَة الشُّرَط أو من غيرهم ، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة .

قال النووي :

" فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة "

شرح النووي على صحيح مسلم 17/191

. وقال السخاوي :

" وهم الآن أعوان الظلمة ويطلق غالبا على أقبح جماعة الوالي ، وربما توسع في إطلاقه على ظلمة الحكام "

. الإشاعة لأشراط الساعة ص 119

. والدليل على كون ظهورهم من أشراط الساعة روايةُ الإمام أحمد وفيها " يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم أسياط كأنها أذناب البقر ، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه " .

المسند 5/315 . صححه الحاكم في المستدرك 4/483 وابن حجر في القول المسدد في الذب عن المسند ص53-54 .

الصنف الثاني : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة .

قال النووي في المراد من ذلك : " أَمَّا ( الْكَاسِيَات العاريات ) فمَعْنَاهُ تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا , فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات . وقيل : يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف

مَا تَحْتهَا , كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى . وَأَمَّا ( مَائِلات مُمِيلات ) :

فَقِيلَ : زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى , وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا , وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ , وَقِيلَ : مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ , مُمِيلات أَكْتَافهنَّ ,

وَقِيلَ : مَائِلات إِلَى الرِّجَال مُمِيلات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا . وَأَمَّا ( رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت ) فَمَعْنَاهُ : يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس , حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الإِبِل الْبُخْت

, هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره , قَالَ الْمَازِرِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ , وَلا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ .... "

شرح النووي على صحيح مسلم 17/191 . باختصار

قال الشيخ بن عثيمين :

" قد فُسِّر قوله " كاسيات عاريات " : بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة ، لا تستر ما يجب ستره من العورة ، وفسر : بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة ،

وفسرت : بأن يلبسن ملابس ضيقة ، فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة " .

فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 2/825 .

وفي الحديث الترهيب والوعيد الشديد من فعل هاتين المعصيتين :

1- ظلم الناس وضربهم بغير حق .

2- تبرج المرأة وإظهارها مفاتنها وعدم التزامها بالحجاب الشرعي والخلق الإسلامي النبيل .

وهَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة , فَقَدْ وَقَعَ هَذَانِ الصِّنْفَانِ , وَهُمَا مَوْجُودَانِ . كما قال النووي رحمه الله .

يراجع للأهمية جواب سؤال القادم

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:30
شرح معنى مائلات مميلات

السؤال

ما معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث مائلات مميلات ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

: ( صنفان من أهل النار لم أرهما رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات

عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) وهذا وعيد عظيم يجب الحذر مما دل عليه .

فالرجال الذين في أيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرط أو من غيرهم ، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة . فالدولة إنما تطاع في المعروف

قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ) فقد فسر ذلك أهل العلم بأن معنى " كاسيات " يعني من نعم الله .

" عاريات " يعني من شكرها ، لم يقمن بطاعة الله ، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره ، وفسر الحديث أيضا بمعنى آخر وهو أنهن كاسيات كسوة لا تسترهن إما لرقتها أو لقصورها

فلا يحصل بها المقصود ، ولهذا قال : " عاريات " ، لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن .

" مائلات " يعني : عن العفة والاستقامة . أي عندهن معاصي وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة ، أو يقصرن في أداء الفرائض ، من الصلوات وغيرها .

" مميلات " يعني : مميلات لغيرهن ، أي يدعين إلى الشر والفساد ، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي ويتعاطين الفواحش لعدم إيمانهن أو لضعفه وقلته

والمقصود من هذا الحديث الصحيح هو التحذير من الظلم وأنواع الفساد من الرجال والنساء .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) ، قال بعض أهل العلم : إنهن يعظمن الرءوس بما يجعلن عليها من شعر ولفائف وغير ذلك ، حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة

والبخت نوع من الإبل لها سنامان ، بينهما شيء من الانخفاض والميلان ، هذا مائل إلى جهة وهذا مائل إلى جهة ، فهؤلاء النسوة لما عظمن رءوسهن وكبرن رءوسهن بما جعلن عليها أشبهن هذه الأسنمة .

أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) فهذا وعيد شديد ، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي ، إذا متن على الإسلام

بل هن وغيرهن من أهل المعاصي كلهم متوعدون بالنار على معاصيهم ، ولكنهم تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم وإن شاء عذبهم ، كما قال عز وجل في سورة النساء في موضعين

: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) النساء / 48

ومن دخل النار من أهل المعاصي فإنه لا يخلد فيها خلود الكفار بل من يخلد منهم كالقاتل والزاني والقاتل نفسه لا يكون خلوده مثل خلود الكفار بل هو خلود له نهاية عند أهل السنة والجماعة

خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من أهل البدع

لأن الأحاديث الصحيحة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل المعاصي من أمته ، وأن الله عز وجل يقبلها منه صلى الله عليه وسلم عدة مرات

في كل مرة يحد له حدا فيخرجهم من النار ، وهكذا بقية الرسل والمؤمنون والملائكة والأفراط كلهم يشفعون بإذنه سبحانه ، ويشفعهم عز وجل فيمن يشاء من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بمعاصيهم وهم مسلمون

ويبقى في النار بقية من أهل المعاصي لا تشملهم شفاعة الشفعاء ، فيخرجهم الله سبحانه برحمته وإحسانه ، ولا يبقى في النار إلا الكفار فيخلدون فيها أبد الآباد كما قال عز وجل في حق الكفرة :

( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) الإسراء / 97

وقال تعالى : ( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ) النبأ / 30

وقال سبحانه في الكفرة من عباد الأوثان : ( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) البقرة / 167

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) المائدة / 36 – 37

والآيات في هذا المعنى كثيرة .

نسأل الله العافية والسلامة من حالهم .

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 355

*عبدالرحمن*
2018-12-11, 19:34
ما هي درجة حديث : " لا يصيب رجلاً خدشُ عود .. " ؟

السؤال

ما هي درجة هذا الحديث :

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يصيب رجلا خدش عود ، ولا عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق إلا بذنب , وما يعفو الله أكثر ) .

وهل يعني أن كل ما يصيب الإنسان هو بسبب ذنوبه ؟

هذا قرأته في " تفسير القرطبي " . مع العلم أني بحثت في " صحيح البخاري " وفي " فتح الباري " ولكني لم أجده

الجواب

الحمد لله

أولاً :

هذا الحديث رواه الطبري في " التفسير " ( 5 / 175 ) والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 7 / 153 ) من مرسل قتادة .

والمرسل هو ما يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم دون واسطة بينهما ، وهو من أقسام الضعيف، فالحديث إسناده ضعيف . وقد ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1796) .

ثانياً :

معنى الحديث صحيح شهدت له أدلة أخرى من كتاب اله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فالمصائب التي تصيب الإنسان قد تكون بذنب أذنبه ، فيكون البلاء كفارة لذلك الذنب .

قال الله عز وجل : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) النساء /79

وقال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى /30 .

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/529) :

( ما أصابك مِن حسنة فمِن الله ) أي : مِن فضل الله ومنَّته ولطفه ورحمته ، ( وما أصابك مِن سيئة فمِن نفسك ) أي : فمِن قِبَلك ومن عملك أنت

كما قال تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )

قال السدي والحسن البصري وابن جريج وابن زيد :

( فمِن نفسك ) أي : بذنبك ، وقال قتادة في الآية ( فمن نفسك ) عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك اهـ .

ثالثاً :

المصائب التي يصاب بها المؤمن في الدنيا ، ترفع في درجاته وتكفر عنه سيئاته .

ولذلك ينبغي للمؤمن أن يرضى بما يقدره الله تعالى عليه من المصائب ، ويعلم أن ذلك خير له .

عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ) . رواه البخاري (5640) ومسلم (2572) .

وروى مسلم (2572) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً ، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

.

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 17:40
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


النمرود وأصحاب الأخدود

السؤال

في أي كتب الحديث ورد شرح لقصة قتل النمرود للطفل خلال أيام حضرة إبراهيم ؟.

الجواب

الحمد لله

النمرود ملك بابل ، وهو ملك كافر ، وقد جرى له مع إبراهيم عليه السلام

ما ذكره الله بقوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ

قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) البقرة / 258

ولم يرد في شأنه قصة مع طفل أو غلام من وجه ثابت فيما نعلم .

وإن كنت تسأل عن قصة الغلام المؤمن مع الملك الكافر ، وما جرى فيها من قتل الغلام

وإيمان الناس بالله ، واحتمالهم الأذى في سبيل ذلك . وهي قصة أصحاب الأخدود ، فقد رواها مسلم (3005) من حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال :

" كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ

رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي

أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ

أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى

فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَ

حَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ فَأَخَذَهُ

فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ فَجِيءَ بِالْغُلامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِي

بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيء

بِالْغُلامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ

فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ

فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ

فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ ارْمِنِي

فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ

فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ

قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا

أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَق".

وقولك في سؤالك : ( حضرة إبراهيم ) تعبير حادث الأولى اجتنابه

فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم شعار اختصوا به ، وهو ( الصلاة والسلام عليم ) ، وقد انعقد الإجماع على ذلك ، كما نقله ابن القيم في ( جلاء الأفهام ) عن الإمام النووي رحمهما الله .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 17:43
الجمع بين أحاديث تفضيل الجماعة على صلاة المنفرد

السؤال

يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (645 , 646) - بترقيم فتح الباري - في الحديث رقم (645) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "

وفي الحديث رقم (646) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ".

أرجو الشرح والتوضيح .

الجواب

الحمد لله

الحديث الأول جاء من حديث عبد الله بن عمر ، وقد رواه البخاري ( 619 ) ومسلم ( 650 )

ولفظه : "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " .

والثاني : جاء من حديث أبي سعيد الخدري ، وقد رواه البخاري ( 619 )

ولفظه : " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " .

وقد جمع العلماء بين الحديثين ، فقال النووي – رحمه الله - :

والجمع بينهما من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه لا منافاة فذكر القليل لا ينفي الكثير , ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين .

والثاني : أن يكون أخبر أولاً بالقليل ثم أعلمه الله - تعالى - بزيادة الفضل فأخبر بها .

الثالث : أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة , وتكون لبعضهم خمس وعشرون ,

ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك , والله أعلم .

" المجموع " ( 4 / 84 ) .

وهناك وجوه أخر في الجمع غير هذا ، وبعضه متفرع عما سبق

وقد رجَّح الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 2 / 132 )

وجهاً في الجمع غير ما ذكره النووي وهو أن " السبع والعشرين " للصلاة الجهرية ، و " الخمس والعشرين " للصلاة السريَّة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 17:46
نسبة أهل الجنة إلى أهل النار

السؤال

يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (6529 , 6530) بترقيم فتح الباري

, في الحديث رقم (6529) ما يفيد أن:

" بعث جهنم من كل مائة تسعة وتسعين " ، وفي الحديث رقم (6530) ما يفيد أن : " بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين " .

أرجو الشرح والتوضيح جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

الحديث الأول رواه البخاري (6529) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ ، فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ ، فَيُقَالُ : هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ . فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ

فَيَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، كَمْ أُخْرِجُ ؟

فَيَقُولُ : أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا ؟ قَالَ : إِنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ .

الحديث الثاني رواه البخاري (3348) ومسلم (222) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : يَا آدَمُ ، فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ

وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ ، فَيَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ : وَمَا بَعْثُ النَّارِ ؟

قَالَ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ

وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ ؟ قَالَ : أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلا ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا . ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَكَبَّرْنَا .

فَقَالَ : أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ : أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ : مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ .

ومعنى "بَعْثَ النَّارِ" أي : الذين يبعثون إلى النار من ذرية آدم .

ومعنى "أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ" أي : مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرهمْ .

ففي الحديث الأول أن عدد الناجين يوم القيامة عشرة من الألف ، وفي الحديث الثاني واحد من الألف .

وقد جمع العلماء بين الحديثين بعدة طرق ، ومنها :

1- أن مفهوم العدد لا اعتبار له ، فالتخصيص بعددٍ لا يدل على نفي الزائد ، والمقصود من العددين واحدٌ وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين .

2- حمْل حديث أبي سعيد الخدري على جميع ذرية آدم ، فيكون مِن كل ألف واحدٌ

وحمْل حديث أبي هريرة على مَن عدا يأجوج ومأجوج ، فيكون من كل ألف عشرة ، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة .

3- ويحتمل أن تقع القسمة مرتين : مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل ألف واحدٌ ، ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة .

4- ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار : " الكفار ومن يدخلها من العصاة " فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافراً ، ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصياً .

ذكر هذه الأجوبة الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 11 / 390 ) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 17:51
ما صحة حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة " ؟

السؤال

سؤال عن صحة الحديث التالي قبل أن أوزعه على الأصدقاء :

منكر أو تارك الصلاة يعاقبه الله خمس عشرة عقوبة 6 أثناء حياته و3 حين الموت و3 في القبر و3 يوم القيامة :
العقوبات في الدنيا :

1- يمحق الله البركة في عمره

2- لا يستجيب الله لدعائه

3- تذهب من وجهه علامات الصلاح

4- تمقته جميع المخلوقات على الأرض

5- لا يثيبه الله على عمله الصالح

6- لن يشمله الله في دعاء المؤمنين

العقوبات أثناء الموت :

1- يموت ذليلاً

2- يموت جوعاناً

3- يموت عطشاناً ولو شرب جميع ماء البحر

العقوبات في القبر :

1- يضيق الله قبره حتى تختلف أضلاعه

2- يوقد الله عليه ناراً ذات جمر

3- يرسل الله إليه ثعباناً يقال له الشجاع الأقرع يضربه من الفجر للظهر لتركه صلاة الفجر ومن الظهر للعصر لتركه صلاة الظهر وهكذا ... وفي كل ضربة يدخله في عمق الأرض 70 ذراعاً .

العقوبات يوم القيامة :

1- يرسل الله إليه من يسحبه على وجهه

2- ينظر الله إليه نظرة غضب يسقط معها لحم وجهه

3- يحاسبه الله بصرامة ويقذف به في النار .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة : ستة منها في الدنيا ، وثلاثة عند الموت ، وثلاثة في القبر ، وثلاثة عند خروجه من القبر ... " :

حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال عنه سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في مجلة " البحوث الإسلامية " ( 22 / 329 )

: أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة الخ

: فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي في " لسان الميزان " والحافظ ابن حجر وغيرهما .

وكذلك أصدرت " اللجنة الدائمة " فتوى برقم 8689 ببطلان هذا الحديث

كما في " فتاوى اللجنة " ( 4 / 468 ) ومما ورد في الفتوى مما يحسن ذكره قول اللجنة :

( ... وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي ، قال تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ) النساء / 103

وقال تعالى عن أهل النار : ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ... ) المدثر 42 – 43

فذكر من صفاتهم ترك الصلاة ... ، وقال صلى الله عليه وسلم : (

العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه الترمذي ( 2621 ) والنسائي ( 431 )

وابن ماجه ( 1079 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2113 ) ، والآيات والأحاديث من ترك الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً .

راجع السؤال القادم

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد نشره إلا مقروناً ببيان أنه موضوع حتى يكون الناس على بصيرة منه .

" فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة " ( 1 / 6 ) .

نسأل الله تعالى أن يثيبك على حرصك على دعوة إخوانك ونصحهم إلا أنه ينبغي أن يتقرر

عند كل راغب في بذل الخير للناس وترهيبهم من الشر أن ذلك لابد أن يكون بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن في الصحيح غنية وكفاية عن الضعيف .

سألين الله أن يكلل مسعاك بالنجاح وأن يهدي من تدعوهم إلى سلوك طريق الاستقامة وجميع المسلمين .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 17:53
أحكام تارك الصلاة

السؤال

صرحت الأحاديث الصحاح بكون تارك الصلاة كافراً وإذا أخذنا بظاهر الحديث وجب منع تارك الصلاة عمداً من جميع حقوقه في الإرث ، وتخصيص مقابر خاصة بهم وعدم الصلاة والسلام عليهم

بحيث إنه لا أمن وسلام على كافر ، ولا ننسى أنه لو قمنا بإحصاء المصلين من بين الرجال المؤمنين وغير المؤمنين قد لا يتعدى 6% والنساء أقل من ذلك

فما رأي الشرع فيما سبق وما حكم إلقاء السلام أو رده على تارك الصلاة ؟

الجواب

الحمد لله

اختلف العلماء في تارك الصلاة عمداً من المسلمين إذا لم يجحد وجوبها فقال بعضهم هو كافر كفراً يخرج من ملة الإسلام ويعتبر مرتداً ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب فيها ؛ وإلا قتل لردته

فلا يصلى عليه صلاة الجنازة ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يسلم عليه حياً أو ميتاً ولا يرد عليه السلام ولا يستغفر له ولا يترحم عليه ولا يرث ولا يورث ماله بل يجعل ماله فيئا في بيت مال المسلمين

سواء كثر تاركو الصلاة عمداً أم قّلوا ، فالحكم لا يختلف بكثرتهم وقلتهم .

وهذا القول هو الأصح والأرجح في الدليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم :

" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح ، وقوله صلى الله عليه وسلم : "

بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أ

خرجه الإمام مسلم في صحيحه مع أحاديث أخرى في ذلك .

وقال جمهور العلماء إن جحد وجوبها فهو كافر مرتد عن دين الإسلام وحكمه كما تقدم تفصيله في القول الأول

وإن لم يجحد وجوبها لكنه تركها كسلاً مثلاً فهو مرتكب كبيرة غير أنه لا يخرج بها من ملة الإسلام وتجب استتابته ثلاثة أيام فإن تاب فالحمد لله وإلا قتل حداً لا كفراً

وعلى هذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة والرحمة ويدفن في مقابر المسلمين ويرث ويورث ، وبالجملة تجري عليه أحكام المسلمين العصاة حياً وميتاً .

فتاوى اللجنة الدائمة 6/49

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 17:56
متعجب من طول آدم عليه السلام

السؤال

في صحيح البخاري ، حديث رقم 246 ذكر رسول الله بأن آدم خُلق وطوله 30 متراً ، أنا لا أستطيع أن أفهم هذا أو أتخيله ، فأرجو أن تشرح لي .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

لفظ هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم قال : اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك

فإنها تحيتك وتحية ذريتك . فقال السلام عليكم فقالوا : السلام عليكم ورحمة الله . فزادوه : ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) . رواه البخاري ( 3336 ) ومسلم ( 7092 ) .

وفي لفظ مسلم : ( فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) .

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 6/367 ) : ( أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله ، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك ) أ.هـ.

وعلى المسلم أن يؤمن بكل خبر جاء به الدليل من كتاب الله والسنة الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله : ( آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله

وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ) انظر الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد ص ( 89 ) .

فالمؤمن يجب عليه أن يؤمن إيماناً جازماً بكل ما أخبر به الله جل جلاله

وبكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت صحته إليه صلى الله عليه وسلم ، إيماناً جازماً لا يعتريه أدنى شك ويجب عليه أن يقبله جملة وتفصيلاً سواء فهمه أو لم يفهمه

أو استغربه أم لم يستغربه ؛ لأن عدم استيعابه للأمر الصادق المجزوم بصحته وثبوته لا يعني عدم ثبوت هذا الأمر

ولكن القضية أن عقله لم يستطع أن يستوعب ذلك الأمر ويفهمه ، والمولى سبحانه وتعالى أمرنا أن نؤمن بكل ما أخبر عنه سبحانه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم

قال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) الحجرات / 15 .

ومن جملة الإيمان الإيمان بالغيب ، وهذا الحديث الذي بين أيدينا من هذا القبيل

ولقد أثنى الله جل جلاله على الذين يؤمنون بالغيب

فقال تعالى : ( آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ... ) البقرة / 1-3 .

واعلم أخي الكريم أن الله على كل شيء قدير فكما خلق الإنسان في صورته التي هو عليها الآن قادر على أن يخلقه في صورة أكبر من ذلك أو أصغر .

وإذا أشكل عليك هذا الأمر فاعتبر ذلك بهؤلاء الأقزام الذين نراهم وهم رجال في حجم الأطفال فإذا كان ذلك واقعاً فما الذي يمنع من العكس وهو أن يكون رجلاً وطوله ستون ذراعاً

وقد وجد في التاريخ البشري عماليق كما يقول ذلك علماء الآثار والحفريات .

وأصل المسألة هو التسليم لكمال قدرة الله تعالى والتسليم لخبره وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونقول كما قال الراسخون في العلم : ( آمنا به كل من عند ربنا ) آل عمران / 7

نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .

والله تعالى أعلم

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 18:01
ما هي الاستطاعة في حديث الحث على الزواج

السؤال

ما المقصود بكلمة " من استطاع " في الحديث الذي حث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج ؟.

الجواب

الحمد لله

عن ابن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .

رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .

وجاء : أي وقاية من الوقوع في الفاحشة .

وقد اختلف العلماء في معنى " الباءة " هنا على قولين

فقال بعضهم : إنها القدرة على مؤن النكاح [أي : تكاليفه ونفقاته] ، وقال آخرون : إنها القدرة على الجماع ، ولا منافاة بينهما ، فيكون المعنى : من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤونته فليتزوج .

قال النووي :

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِد أَصَحّهمَا

: أَنَّ الْمُرَاد مَعْنَاهَا اللُّغَوِيّ وَهُوَ الْجِمَاع , فَتَقْدِيره :

مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاع لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنه وَهِيَ مُؤَن النِّكَاح فَلْيَتَزَوَّجْ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاع لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنه فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَع شَهْوَته , وَيَقْطَع شَرّ مَنِيّه , كَمَا يَقْطَعهُ الْوِجَاء اهـ .

" شرح مسلم " ( 9 / 173 ) .

وقال ابن القيم :

وقوله " من استطاع منكم الباءة فليتزوج " : فسرت الباءة بالوطء ، وفسرت بمؤن النكاح ، ولا ينافي التفسير الأول إذ المعنى على هذا مؤن الباءة .

" روضة المحبين " ( ص 219 ) .

وقال شيخ الإسلام :

وَاسْتِطَاعَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَئُونَةِ لَيْسَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَطْءِ , فَإِنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْقَادِرِ عَلَى فِعْلِ الْوَطْءِ , وَلِهَذَا أُمِرَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصُومَ فَإِنَّهُ وِجَاءٌ اهـ

الفتاوى الكبرى (3/134) .

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 18:04
النصيحة لمن يريد الزواج ولا يقدر عليه

السؤال

حصل عندنا في المسجد برنامج يتناقش فيه شباب المسلمين مع من هو أكبر منهم سنّاً عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الزواج وأنه يجب عليهم تسهيل أمور الزواج للشباب

هذا الموضوع فتح العديد من النقاشات حيث أن الآباء مهتمون بحالة ورفاهية الزوجين وخصوصاً عند إنجاب الأطفال .

والشباب الآن لا ينتهون من الدراسة الجامعية إلا في سن 21 أو 23 لطلاب الطب ولا يستطيعون على مصاريف الزواج ، فما هي النصيحة العملية التي تنصحهم بها ،

والكثير من شباب المسلمين في الغرب الذين يريدون أن يكملوا نصف دينهم ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

النقاش في الأمور الشرعيَّة وقضاء الوقت في ذلك هو من أنفع ما يقدمه المرء لنفسه

لأن طلب العلم فريضة وعبادة ، وهو يقضي وقته فيما ينفعه وينفع غيره ، وإذا أشكل على المتناقشين شيء فإن عليهم أن يسألوا أهل العلم .

ثانياً :

النصيحة لمن يعيش في بلاد الفسق والكفر أن يهاجر منها إلى بلاد المسلمين حيث لا يجد فيها من فتن الدنيا والنساء ما يجده هناك ، وهي متفاوتة فيما بينها وعليه أن يختار أحسنها .

وننصحه بترك كل بيئة يمكن أن تزل فيها قدمه سواء كانت البيئة مسكناً أم عملاً أم دراسة .

وننصحه بتعجيل الزواج ، واختيار المرأة الصالحة والتي لا ترهقه في مهرها وطلباتها .

وننصحه إن عجز عن الزواج أن يتقي الله تعالى فلا يطلق بصره ولا سمعه في المحرمات ولا يمشي إلى حرام ولا يلمس ما لا يحل له لمسه ، وليستعن على ذلك بالصيام والصلاة والدعاء والرفقة الصالحة

وليشتغل بما ينفعه من طلب العلم وحفظ القرآن والدعوة إلى الله ، فإن النفس إن لم تشغَلها بطاعة الله أشغلتْك بمعصيته .

ثالثاً :

النصيحة لأولياء الأمور والشباب والفتيات ألا يعتبروا إكمال التعليم عائقاً ومانعاً من الزواج .

فمتى كان الزواج عائقا عن التحصيل العلمي ؟‍! بل الواقع والتجربة شاهد على العكس

لأن الزواج يعين على تفرغ الذهن وصفاء النفس وراحة الفكر . وفوق كل ذلك فيه المبادرة إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويج الشباب .

وعلى أولياء الأمور ألا يرهقوا كاهل الشباب بكثير من الطلبات التي تعتبر نوعاً من الترف والإسراف

وليقتصروا في طلباتهم على ما تحتاج إليه المرأة والبيت فقط . وليعلموا أن الزواج من الأسباب التي يطلب بها الرزق ،

قال الله تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 18:07
صحة حديث الحج كل خمس سنوات ومعناه

السؤال

كيف نفهم الحديث الموجود في صحيح الترغيب والترهيب للألباني وهو حديث قدسي ، ويقول الله " من أعطاه الله الصحة ولم يزر بيت الله كل خمس سنوات فهو محروم " ؟

. هل يقصد الحج أم العمرة أم كلاهما ؟ ماذا نفهم من الحديث ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نص الحديث :

عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله : " إنَّ عبداً أصححتُ له جسمه ووسعتُ عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم " .

رواه أبو يعلى ( 2 / 304 ) والبيهقي ( 5 / 262 ) .

ثانياً :

الكلام عليه :

قد تكلم بعض أهل العلم على الحديث فذهب بعضهم - كابن العربي المالكي - إلى أنه موضوع

وضعفه آخرون كالدارقطني والعقيلي والسبكي ، وقد ذهب ابن حبان والشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1662 ) إلى أنه صحيح .

ثالثاً :

حمل بعض العلماء معنى الحديث على الحج أو العمرة ، وعلى هذا بوَّب الهيثمي للحديث في كتابه " موارد الظمآن " ، فقال : " باب فيمن مضت عليه خمسة أعوام وهو غني ولم يحج أو يعتمر " .

" موارد الظمآن " ( ص 239 ) .

وحمله آخرون على الحج فقط كما بوب له المنذري في الترغيب والترهيب بقوله : ( ترهيب من قدر على الحج فلم يحج ) ا.هـ

وقد استدلَّ بعض العلماء بالحديث على وجوب الحج في كل خمس سنوات مرة على المستطيع ، وهو قول ضعيف ، إما لضعف الحديث وعدم صحته أو لأن الحديث محمول على الاستحباب لا الوجوب .

قال السبكي :

وقد اتفق العلماء على أن الحج فرض عين على كل مكلف حر مسلم مستطيع مرة في العمر إلا من شذ فقال : إنه يجب كل خمسة أعوام مرة ,

ومتعلقه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام " حكاه ابن العربي ، وقال : قلنا : رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به ، انتهى كلامه .

وقال الدارقطني : وقد روي من غير طريق ، ولا يصح منها شيء .

" فتاوى السبكي " ( 1 / 263 ) .

وقال الحطاب :

( وقال بعض من شذ : إنه يجب في كل سنة وعن بعضهم أنه يجب في كل خمسة أعوام لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام " ،

قال ابن العربي : رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به ؟ , يعني أنه موضوع , وقال النووي : هذا خلاف الإجماع فقائله ، محجوج بإجماع من قبله . ا.هـ

وعلى تسليم وروده فيحمل على الاستحباب والتأكد في مثل هذه المدة . أ.هـ

" مواهب الجليل " ( 2 / 466 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-12-13, 18:11
شرح معنى مائلات مميلات

السؤال

ما معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث مائلات مميلات ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

: ( صنفان من أهل النار لم أرهما رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها )

وهذا وعيد عظيم يجب الحذر مما دل عليه .

فالرجال الذين في أيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرط أو من غيرهم ، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة .

فالدولة إنما تطاع في المعروف

قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف )

وقال عليه الصلاة والسلام

: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ) فقد فسر ذلك أهل العلم بأن معنى " كاسيات " يعني من نعم الله .

" عاريات " يعني من شكرها ، لم يقمن بطاعة الله ، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره ، وفسر الحديث أيضا بمعنى آخر وهو أنهن كاسيات كسوة لا تسترهن إما لرقتها أو لقصورها

فلا يحصل بها المقصود ، ولهذا قال : " عاريات " ، لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن .

" مائلات " يعني : عن العفة والاستقامة . أي عندهن معاصي وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة ، أو يقصرن في أداء الفرائض ، من الصلوات وغيرها .

" مميلات " يعني : مميلات لغيرهن ، أي يدعين إلى الشر والفساد ، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي ويتعاطين الفواحش لعدم إيمانهن أو لضعفه وقلته

والمقصود من هذا الحديث الصحيح هو التحذير من الظلم وأنواع الفساد من الرجال والنساء .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) ، قال بعض أهل العلم : إنهن يعظمن الرءوس بما يجعلن عليها من شعر ولفائف وغير ذلك ، حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة

والبخت نوع من الإبل لها سنامان ، بينهما شيء من الانخفاض والميلان ، هذا مائل إلى جهة وهذا مائل إلى جهة ، فهؤلاء النسوة لما عظمن رءوسهن وكبرن رءوسهن بما جعلن عليها أشبهن هذه الأسنمة .

أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) فهذا وعيد شديد ، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي

إذا متن على الإسلام ، بل هن وغيرهن من أهل المعاصي كلهم متوعدون بالنار على معاصيهم ، ولكنهم تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم وإن شاء عذبهم

، كما قال عز وجل في سورة النساء في موضعين : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) النساء / 48

ومن دخل النار من أهل المعاصي فإنه لا يخلد فيها خلود الكفار بل من يخلد منهم كالقاتل والزاني والقاتل نفسه لا يكون خلوده مثل خلود الكفار بل هو خلود له نهاية عند أهل السنة والجماعة

خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من أهل البدع ؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل المعاصي من أمته

وأن الله عز وجل يقبلها منه صلى الله عليه وسلم عدة مرات ، في كل مرة يحد له حدا فيخرجهم من النار ، وهكذا بقية الرسل والمؤمنون والملائكة والأفراط كلهم يشفعون بإذنه سبحانه

ويشفعهم عز وجل فيمن يشاء من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بمعاصيهم وهم مسلمون

ويبقى في النار بقية من أهل المعاصي لا تشملهم شفاعة الشفعاء ، فيخرجهم الله سبحانه برحمته وإحسانه ، ولا يبقى في النار إلا الكفار فيخلدون فيها أبد الآباد كما قال عز وجل في حق الكفرة :

( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) الإسراء / 97

وقال تعالى : ( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ) النبأ / 30

وقال سبحانه في الكفرة من عباد الأوثان : ( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) البقرة / 167

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) المائدة / 36 – 37

والآيات في هذا المعنى كثيرة .

نسأل الله العافية والسلامة من حالهم .

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 355

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:19
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


معنى الإحسان في حديث ( فأحسن إليهن )

السؤال

ما معنى الإحسان إلى البنات في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار ) ؟.

الجواب

الحمد لله

الإحسان للبنات ونحوهن بتربيتهن التربية الإسلامية ، وتعليمهن وتنشئتهن على الحق ، والحرص على عفتهن وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره

وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور إلى غير ذلك من وجوه الإحسان حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله

والبعد عن محارم الله والقيام بحق الله سبحانه وتعالى ، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط بل المراد ما هو أعظم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا .

فتاوى الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 107

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:21
أسماء شروح لصحيح الإمام مسلم

السؤال

أريد شروح موسعة لصحيح الإمام مسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

عليك بكتاب ( فتح الملهم لشرح صحيح مسلم ) للإمام السبكي

وكذلك كتاب الشراج الوهاج لأبي الطيب صديق بن حسن خان القنوجي البخاري المولود عام 1248 هـ والمتوفي عام 1307 هـ وهو مكون من 13 مجلد .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:23
معنى قوله " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره .. " الخ

السؤال

ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي : ( وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ) ؟.

الجواب

الحمد لله

إذا أدى المسلم ما فرض الله عليه .. ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات واستمر على ذلك ما وسعه أحبه الله تعالى

وكان عوناً له في كل ما يأتي ويذر فإذا سمع كان مسدداً من الله في سمعه ، فلا يسمع إلا إلى الخير ، ولا يقبل إلا الحق وينزاح عنه الباطل بتأييد الله وتوفيقه ، فيرى الحق حقاً والباطل باطلاً

وإذا بطش بشيء بطش بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق ، وإذا مشى كان مشيه في طاعة الله طلباً للعلم ، وجهاداً في سبيل الله

وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه .

وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم ، ويُرشِد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى : ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه

وما جاء في بعض الروايات من قوله تعالى : فبي يسمع وبي يبصر .. الخ ففي ذلك إرشاد إلى المراد من أول الحديث ، وتصريح بسائل ومسؤول ومستعيذ ومُعيذ .

. وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر : (

يقول الله تعالى : عبدي مرضتُ فلم تعُدني الخ ... ) فكل منهما يشرح آخره أوله ، ولكن أرباب الهوى يتبعون ما تشابه من النصوص ، ويعرضون عن المُحْكم منها فضلوا سواء السبيل .

اللجنة الدائمة من كتاب فتاوى إسلامية 1/35

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:29
معنى حديث : ( من وبَّخ أخاه بذنب ) ودرجة صحَّته

السؤال

روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ". رواه الترمذي .
أرجو أن تشرح الحديث أعلاه بالتفصيل ؟.

لجواب

الحمد لله

الحديث رواه الترمذي ( كتاب صفة القيامة والورع/2429)

ولفظه : " من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله " .

والحديث قال عنه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " رقم ( 5710 ) : ( موضوع ) .

والحديث الضعيف والموضوع لا يُبنى عليهما أحكام ولا يُعمل بهما .

أما معنى الحديث ، فقال الشيخ المباركفوري :

قَوْلُهُ : ( مَنْ عَيَّرَ ) مِنْ التَّعْيِيرِ أَيْ عَابَ ( أَخَاهُ ) أَيْ فِي الدِّينِ ( بِذَنْبٍ ) أَيْ قَدْ تَابَ مِنْهُ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ ( لَمْ يَمُتْ ) الضَّمِيرُ لِمَنْ ( حَتَّى يَعْمَلَهُ ) أَيْ الذَّنْبَ الَّذِي عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ , وَكَأَنَّ مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ أَيْ عَابَهُ مِنْ الْعَارِ ,

وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ بِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ يُجَازَى بِسَلْبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى يَرْتَكِبَ مَا عَيَّرَ أَخَاهُ بِهِ وَذَاكَ إِذَا صَحِبَهُ إِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ لِسَلامَتِهِ مِمَّا عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ .

" تحفة الأحوذي " ( 7 / 173 ) .

هذا ، ولا يعني ضعْف الحديث جواز التعيير لمن وقع في الذنب ، والذي يقع منه الذنب أقسام :

منهم من يتوب ويرجع إلى ربه تعالى أو يقام عليه الحد ، فهذا لا يحل تعييره لأنه طهَّر نفسه بالتوبة أو بالحد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " التائب من الذنب كمن لا ذنب له "

رواه ابن ماجه ( 4240 ) وصححه البوصيري كما في " الزوائد / حاشية سنن ابن ماجه " .

وقد حمل الإمام أحمد العقوبة التي في الحديث على من عيَّر من تاب من ذنبه كما نقل عنه الترمذي بعد تخريجه الحديث قال : قال أحمد : مِن ذنب قد تاب منه .

ومنهم من يعمل الذنب ولا يجهر به ، فيجب على من علم به نصحه والستر عليه .

ومنهم من يجهر بذنبه ، فهذا ينصح كذلك ، ويحذَّر منه حسب المقام الذي يقتضي التحذير .

قال ابن القيم رحمه الله :

ويحتمل أن يريد : أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب ، وأن أخاك باء به

ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب :

أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها .

فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله ، وما أقرب هذا المُدِّل من مقت الله ، فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِلُّ بها عليه ، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا ؛ فإن المعجب لا يصعد له عمل

وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدِلِّين ، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر

فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون

وقد قال النبي : " إذا زنت أمة أحدكم فليُقم عليها الحد ولا يُثرَّب " أي : لا يعير ، كقول يوسف عليه السلام لإخوته لا تثريب عليكم اليوم فإن الميزان بيد الله ، والحكم لله

فالسوط الذي ضُرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب ، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب

ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله

وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به وأقربهم إليه وسيلة ولولا أن ثبَّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا وقال يوسف الصديق وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين

وكانت عامة يمين رسول الله " لا ، ومقلِّب القلوب " ، وقال : " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه "

ثم قال : " اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " .

" مدارج السالكين ( 1 / 177 ، 178 ) .

والله أعلم.

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:32
معنى حديث استوصوا بالنساء خيرا

السؤال

في الحديث : استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه إلخ الحديث

الرجاء توضيح معنى الحديث مع توضيح معنى : أعوج ما في الضلع أعلاه . .

الجواب

الحمد لله

هذا حديث صحيح رواه الشيخان في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

قال صلى الله عليه وسلم : استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيراانتهى .

هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا وأن يحسنوا إليهن وألا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير

وهذا هو الواجب على الجميع لقوله عليه الصلاة والسلام : استوصوا بالنساء خيرا وينبغي ألا يمنع من ذلك كونها قد تسيء في بعض الأحيان إلى زوجها وأقاربها بلسانها أو فعلها لأنهن خلقن من ضلع

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه . ومعلوم أن أعلاه مما يلي منبت الضلع فإن الضلع يكون فيه اعوجاج ، هذا معروف .

فالمعنى أنه لا بد أن يكون في خلقها شيء من العوج والنقص

ولهذا ورد في الحديث الآخر في الصحيحين : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن والمقصود أن هذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم

وهو ثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

ومعنى نقص العقل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد

وأما نقص الدين فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي؛ يعني من أجل الحيض ، وهكذا النفاس ، وهذا نقص كتبه الله عليها ليس عليها فيه إثم .

فينبغي لها أن تعترف بذلك على الوجه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت ذات علم وتقى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق

عن الهوى وإنما ذلك منه وحي يوحيه الله إليه فيبلغه الأمة كما قال عز وجل : { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى . وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى

مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - الجزء الخامس

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:37
صحة حديث : ( لا تكتبوا عني ... ) وبيان معناه

السؤال

هل هذا الحديث صحيح , وما هو معنى هذا الحديث , لا تكتبوا عني ومن كتب غير القرآن فليمحه ... وجزاكم الله خير .

الجواب

الحمد لله

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ ... ) رواه مسلم (الزهد والرقائق/5326)

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم :

قَالَ الْقَاضِي : كَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلاف كَثِير فِي كِتَابَة الْعِلْم , فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ , وَأَجَازَهَا أَكْثَرهمْ , ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازهَا , وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلاف .

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث الْوَارِد فِي النَّهْي , فَقِيلَ : هُوَ فِي حَقّ مَنْ يَوْثُق بِحِفْظِهِ , وَيُخَاف اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَابَة إِذَا كَتَبَ . وَتُحْمَل الأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لا يَوْثُق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ :

" اُكْتُبُوا لأَبِي شَاه " وَحَدِيث صَحِيفَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَحَدِيث كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِض وَالسُّنَن وَالدِّيَات . وَحَدِيث كِتَاب الصَّدَقَة وَنُصُب

الزَّكَاة الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يَكْتُب وَلا أَكْتُب , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الأَحَادِيث

. وَقِيلَ : إِنَّ حَدِيث النَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الأَحَادِيث , وَكَانَ النَّهْي حِين خِيفَ اِخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَة , وَقِيلَ : إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَة الْحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صَحِيفَة وَاحِدَة ; لِئَلا يَخْتَلِط ,

فَيَشْتَبِه عَلَى الْقَارِئ فِي صَحِيفَة وَاحِدَة . وَاللَّهُ أَعْلَم .ا.هـ

. "شرح مسلم" (18/129-130) .

وحديث أبي شاه أخرجه البخاري من حديث أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قَالَ : ( لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ

إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا

وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ

أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ : اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ ) ( اللقطة/2254 ) ومسلم (الحج/1355) .

قال ابن حجر : وَيُسْتَفَاد ..َ مِنْ قِصَّة أَبِي شَاه ( أكتبوا لأبي شاه ) أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي كِتَابَة الْحَدِيث عَنْهُ ,

وَهُوَ يُعَارِض حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْر الْقُرْآن " رَوَاهُ مُسْلِم .

وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِوَقْتِ نُزُول الْقُرْآن خَشْيَة اِلْتِبَاسه بِغَيْرِهِ , وَالإِذْن فِي غَيْر ذَلِكَ .

أَوْ أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِكِتَابَةِ غَيْر الْقُرْآن مَعَ الْقُرْآن فِي شَيْء وَاحِد وَالإِذْن فِي تَفْرِيقهمَا ,

أَوْ النَّهْي مُتَقَدِّم وَالإِذْن نَاسِخ لَهُ عِنْد الأَمْن مِنْ الِالْتِبَاس وَهُوَ أَقْرَبهَا مَعَ أَنَّهُ لا يُنَافِيهَا .

وَقِيلَ النَّهْي خَاصّ بِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ الاتِّكَال عَلَى الْكِتَابَة دُون الْحِفْظ , وَالإِذْن لِمَنْ أُمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ ..

قَالَ الْعُلَمَاء . كَرِهَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كِتَابَة الْحَدِيث وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا , لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتْ الْهِمَم وَخَشِيَ الأَئِمَّة ضَيَاع الْعِلْم دَوَّنُوهُ ..

أهـ "فتح الباري" (1/208).

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:41
معنى حديث لا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول

السؤال

قرأت حديثا غريبا فيه نفي الهامة والصفر والنوء والغول فما معنى هذه العبارات.

الجواب

الحمد لله

قال ابن مفلح الحنبلي :

في المسند والصحيحين وغيرها عنه عليه السلام قال : " لا هامة ولا صفر " ، زاد مسلم وغيره " ولا نَوء ولا غُول " .

فالهامَة : مفرد الهام ، وكان أهل الجاهلية يقولون :

ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامَة ، وكانت العرب تزعم أن عظام الميت تصير هامَة فتطير ، وكانوا يقولون : إن القتيل يخرج من هامته أي : من رأسه هامة

فلا تزال تقول : اسقوني ، اسقوني حتى يؤخذ بثأره ويقتل قاتله .

وقوله " لا صَفَر " قيل : كانوا يتشاءمون بدخول صفر ، فقال عليه السلام " لا صَفَر "

وقيل : كانت العرب تزعم أن في البطن حية تصيب الإنسان إذا جامع وتؤذيه وإنما تعدي فأبطله الشارع . وقال مالك : كان أهل الجاهلية يحلون صفر عاماً ويحرمونه عاماً .

والنَّوء : واحد الأنواء ، وهي ثمانية وعشرون منـزلة ، وهي منازل القمر ومنه قوله تعالى والقمر قدرناه منازل ، ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر

ويطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع نظيرها يكون مطر فينسبونه إليها فيقولون مطرنا بنوء كذا

وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالغرب ناء الطالع بالشرق ينوء نوءا أي : نهض وطلع ، وقيل : أراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد .

فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى وأراد بقوله مطرنا بنوء كذا أي : في نوء كذا أي : إن الله أجرى العادة بالمطر في هذا الوقت فلنا خلاف في تحريمه وكراهته .

والغول : أحد الغيلان وهي جنس من الجن ، والشياطين

كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة يتراءى للناس فيتغول تغولا أي : يتلون تلونا في صور شتى ويغولهم أي : يضلهم عن الطريق ويهلكهم ، فنفاه الشارع وأبطله قيل هذا .

وقيل : ليس نفياً لعين الغول ووجوده وإنما فيه إبطال زعم العرب وتلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون معنى " لا غول " لأنها لا تستطيع أن تضل أحداً ، ويشهد له الحديث الأخير " لا غول ولكن السعالي "

وهو في مسلم وغيره ، و " السعالي " : سحرة الجن لكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ،

... وروى الخلال عن طاوس أن رجلا صحبه فصاح غراب فقال : خير ، خير ، فقال له طاوس : وأي خير عند هذا ، وأي شر ؟ لا تصحبني .

" الآداب الشرعية " ( 3 / 369 ، 370 ) .

وقال ابن القيم :

ذهب بعضهم إلى أن قوله " لا يورد ممرض على مصح " منسوخ بقوله " لا عدوى "

وهذا غير صحيح ، وهو مما تقدم آنفاً أن المنهي عنه نوع غير المأذون فيه ، فإن الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " لا عدوى ولا صَفَر "

هو ما كان عليه أهل الإشراك من اعتقادهم ثبوت ذلك على قياس شركهم وقاعدة كفرهم ، والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من إيراد الممرض على المصح فيه تأويلان :

أحدهما : خشية توريط النفوس في نسبة ما عسى أن يقدره الله تعالى من ذلك إلى العدوى ، وفيه التشويش على من يورد عليه وتعريضه لاعتقاد العدوى فلا تنافي بينهما بحال .

والتأويل الثاني : أن هذا إنما يدل على أن إيراد الممرض على المصح قد يكون سبباً يخلق الله تعالى به فيه المرض ،

فيكون إيراده سبباً ، وقد يصرف الله سبحانه تأثيره بأسباب تضاده أو تمنعه قوة السببية وهذا محض التوحيد بخلاف ما كان عليه أهل الشرك .

وهذا نظير نفيه سبحانه الشفاعة في يوم القيامة بقوله لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فإنه لا تضاد الأحاديث المتواترة المصرحة بإثباتها

فإنه سبحانه إنما نفى الشفاعة التي كان أهل الشرك يثبتونها وهي شفاعة يتقدم فيها الشافع بين يدي المشفوع عنده وإن لم يأذن له

وأما التي أثبتها الله ورسوله فهي الشفاعة التي تكون من بعد إذنه كقوله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقوله ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وقوله ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له . "

حاشية تهذيب سنن أبي داود " ( 10 / 289 - 291 ) .

والله الموفق للصواب .

الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:43
معنى أن الإيمان يأرز للمدينة

السؤال

ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث يقول فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام -

: ( إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها).

و(يأرز) بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم , ومعنى (يأرز) يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه ,

وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها.

وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا ً, فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة ,

ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد هاجروا إلى المدينة , فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان .

وقال بعض أهل العلم : إن هذا إشارة إلى أمر سبق , وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية .

ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح .

مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 55

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:46
معنى حديث إلا رقماً بثوب

السؤال

ما المقصود بالرقم في حديث ( إلا رقماً في ثوب ) ؟.

الجواب

الحمد لله

فسر العلماء رحمهم الله الرقم بأمرين :

أحدهما أنه الصورة التي تكون في البسط ونحوها فيداس ويمتهن كالوسائد ، فهذا معفو عنه ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عنه ، والمقصود : العفو عن استعماله أما التصوير فلا يجوز .

والثاني : أنه النقوش التي تكون في الثياب من غير الصور ، فإن النقوش في الثياب لا تضر وليس حكمها حكم الصورة

إنما المحرم صورة ما له روح من آدمي وغيره ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على عائشة ورأى ثوباً فيه صورة فغضب وهتكه

وقال ( إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم )

قالت عائشة : فجعلت منها وسادتين يرتفق بهما النبي صلى الله عليه وسلم ، واخرج النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان على موعد مع جبرائيل عليه السلام فتأخر

عنه فخرج إليه ، ينتظره فقال له جبرائيل : إن في البيت تمثالاً وستراً فيه صورة ، وكلباً ، فأمر برأس التمثال أن يقطع حتى يكون كهيئة الشجرة

وأمر بالستر أن يتخذ منها وسادتان منتبذتان توطآن ، وأمر بالكلب أن يخرج ، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل جبرائيل عليه السلام ، قال أبو هريرة : وكان الكلب جرواً تحت نضد في البيت أدخله الحسن والحسين .

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . ص / 91

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:54
ما معنى حديث إنا أمة امية لا نكتب ولا نحسب

السؤال

ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب) وهل ينافي هذا ما يتعلمه المسلمون اليوم ؟.

الجواب

الحمد لله

ليس لفظ الحديث كما ورد في السؤال وإنما سياقه كما يلي : عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

: " إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ". رواه البخاري ( 1814 ) ومسلم ( 1080 ) .

وقد ورد هذا الحديث في مسألة دخول الشهر الهلالي

وهو يدل على أنه لا يُلتفت في معرفة دخول الشهر إلى الحسابات الفلكية وإنما يُعتمد على الرؤية الظاهرة للقمر عند ولادته فنعرف دخول الشهر

فالحديث سيق لبيان أنّ الاعتماد على الرؤية لا على الحساب ولم يأت لحثّ الأمة الإسلامية للبقاء

على الجهل وترك تعلّم الحساب العادي وسائر العلوم النافعة ولذلك فلا ينافي هذا الحديث ما يتعلمه المسلمون اليوم من العلوم المختلفة التي تفيدهم في دنياهم

والإسلام دين العلم ، وهو يدعو إليه ويوجبه على كلّ مسلم أن يتعلّم ما افترضه الله عليه ويتعلم أحكام ما يحتاج إليه من العبادات والمعاملات وأما العلوم الدنيوية كالطبّ والهندسة والزراعة

وغيرها فيجب على المسلمين أن يتعلّموا منها ما تحتاج إليه الأمّة ولو احتاج المسلمون لصنع إبرة لوجب عليهم أن يكون فيهم من يتعلّم صنعة تلك الإبرة .

ولشيخ الإسلام ابن تيمية شرح وافٍ لهذا الحديث استقصى فيه فأجاد وفيما يلي مختارات من جوابه :

قوله " إنا أمة أمية " ليس هو طلبا

فإنهم أمِّيُّون قبل الشريعة كما قال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم وقال وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإذا كانت

هذه صفة ثابتة لهم قبل المبعث لم يكونوا مأمورين بابتدائها ، نعم قد يؤمرون بالبقاء على بعض أحكامها ، فإنا سنبيِّن أنهم لم يؤمروا أن يبقوا على ما كانوا عليه مطلقاً .

والأمة التي بعثه الله إليها فيهم مَن يقرأ ويكتب كثيراً كما كان في أصحابه ، وفيهم من يحسب ، وقد بعث صلى الله عليه وسلم بالفرائض التي فيها مِن الحساب ما فيها وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم

أنه لما قدِم عاملُه على الصدقة ابن اللتبيَّة حاسَبه ، وكان له كتاب عدة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية يكتبون الوحي ويكتبون العهود

ويكتبون كُتُبَه إلى الناس إلى مَن بعثه الله إليه مِن ملوك الأرض ورؤوس الطوائف وإلى عماله وولاته وسعاته

وغير ذلك وقد قال الله تعالى في كتابه لتعلموا عدد السنين والحساب في آيتين من كتابه فأخبر أنه فعل ذلك ليُعلم الحساب .

وإنما الأمي هو في الأصل منسوب إلى " الأمة " التي هي جنس الأميين وهو من لم يتميز عن الجنس بالعلم المختص من قراءة أو كتابة كما يقال " عامي " لمن كان من العامة غير متميز عنهم بما يختص به غيرهم مِن علوم

وقد قيل : إنه نسبة إلى " الأم " أي : هو الباقي على ما عوَّدته أمُّه من المعرفة والعلم ونحو ذلك .

ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة إلى الاختصاص تارة يكون فضلاً وكمالاً في نفسه كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالمتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه

وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالتميز عنهم بالكتابة وقراءة المكتوب

فيمدح في حق من استعمله في الكمال ويذم في حق من عطَّله ، أو استعمله في الشر ، ومن استغنى عنه بما هو أنفع له كان أكمل وأفضل ، وكان تركه في حقه مع حصول المقصود به أكمل وأفضل .

فإذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان ؛ فالأمة التي بُعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم أولاهم العرب وبواستطهم حصلت الدعوة لسائر الأمم

لأنه إنما بُعث بلسانهم فكانوا أميين عامة ليست فيهم مزية علم ولا كتاب ولا غيره مع كون فِطَرهم كانت مستعدة للعلم أكمل من استعداد سائر الأمم بمنزلة أرض الحرث القابلة للزرع

لكن ليس لها من يقوم عليها فلم يكن لهم كتاب يقرأونه منزَّل من عند الله كما لأهل الكتاب ، ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة ونحوهم ، وكان الخط فيهم قليلاً جدّاً

وكان لهم من العلم ما ينال بالفطرة التي لا يخرج بها الإنسان عن الأموَّة العامة كالعلم بالصانع سبحانه

وتعظيم مكارم الأخلاق ، وعلم الأنواء ، والأنساب ، والشِّعر

فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه كما قال فيهم هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم وقال تعالى قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ

فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب ، فالكتابي غير الأمي .

فلما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به من الكتاب وتدبره وعقله والعمل به وقد جعله تفصيلاً لكل شيءٍ وعلَّمهم نبيُّهم كلَّ شيءٍ حتى الخراءة : صاروا أهلَ كتاب وعلم ، بل صاروا أعلم الخلق وأفضلهم في العلوم النافعة

وزالت عنهم الأميُّة المذمومة الناقصة وهي عدم العلم والكتاب المنزل إلى أن علِموا الكتاب والحكمة وأورثوا الكتاب كما قال فيهم هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة

وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين فكانوا أميين مِن كل وجهٍ فلما علمهم الكتاب والحكمة :

قال فيهم ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله وقال تعالى

: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أُنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم

واستجيب فيهم دعوة الخليل حيث قال : ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم

وقال : لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .

فصارت هذه الأميَّة منها ما هو محرَّم ، ومنها ما هو مكروه ، ومنها ما هو نقص وترك الأفضل ، فمن لم يقرأ الفاتحة أو لم يقرأ شيئاً من القرآن تسمِّيه الفقهاء في " باب الصلاة " أميّاً ويقابلونه بالقارئ

فيقولون : لا يصح اقتداء القارئ بالأمي ، ويجوز أن يأتم الأمي بالأمي ونحو ذلك من المسائل ، وغرضهم بالأمِّيِّ هنا الذي لا يقرأ القراءة الواجبة سواء كان يكتب أولا يكتب يحسب أولا يحسب .

فهذه الأميَّة منها : ما هو تَرك واجبٍ يُعاقب الرجل عليه إذا قدر على التعلم فتركه .

ومنها : ما هو مذموم ، كالذي وصفه الله عز وجل عن أهل الكتاب حيث قال : ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته

كما قال الحسن البصري : نَزَل القرآن ليُعمل به فاتَّخذوا تلاوتَه عملاً

فالأمي هنا قد يقرأ حروف القرآن أو غيرها ولا يفقه بل يتكلم في العلم بظاهر من القول ظنّاً فهذا أيضا أميٌّ مذموم كما ذمَّه الله لنقص علمه الواجب سواء كان فرض عين أم كفاية .

ومنها : ما هو الأفضل الأكمل ، كالذي لا يقرأ مِن القرآن إلا بعضه ، ولا يفهم منه إلا ما يتعلق به ، ولا يفهم من الشريعة إلا مقدار الواجب عليه ، فهذا أيضاً يقال له أميٌّ وغيره ممن أوتى القرآن علماً وعملاً أفضل منه وأكمل .

فهذه الأمور المميزة للشخص عن الأمور التي هي فضائل وكمال فقدها إما فقد واجب عيناً أو واجب على الكفاية أو مستحب ، وهذه يوصف الله بها وأنبياؤه مطلقا

فإن الله عليم حكيم جمع العلم والكلام النافع طلباً وخبراً وإرادةً وكذلك أنبياؤه ونبينا سيد العلماء والحكماء .

وأما الأمور المميزة التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها فهذه مثل الكتاب الذي هو الخط والحساب فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها

وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به كان هذا فضلاً في حقه وكمالا

وإن استعان به على تحصيل ما يضره أو يضر الناس كالذي يقرأ بها كتب الضلالة ويكتب بها ما يضر الناس كالذي يزوِّر خطوط الأمراء والقضاة والشهود : كان هذا ضرراً في حقه وسيئةً ومنقصةً

ولهذا نهى " عمر " أن تعلَّم النساءُ الخطَّ ، وان أمكن أن يستغني عنها بالكليَّة بحيث ينال كمال العلوم من غيرها وينال كمال التعليم بدونها كان هذا أفضل له وأكمل

وهذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه الذين يتبعون الرسول النبي الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فان أموَّته لم تكن من جهة فقْدِ العلم والقراءة عن ظهر قلبٍ فإنه إمام الأئمة في هذا ،

وإنما كان مِن جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوباً كما قال الله فيه : وما كنت تتلو مِن قبله مِن كتاب ولا تخطه بيمينك .

( ثم عاد رحمه الله لبيان المُراد بحديث إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، وأنّ فيه قرينة تدلّ على المراد فقال : )

فلما قرن ذلك بقوله الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون بيَّن أن المراد به : إنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب ، إذ هو تارة كذلك ، وتارة كذلك ، والفارق بينهما هو الرؤية فقط ليس بينهما فرقٌ آخر من كتابٍ ولا حسابٍ

وظهر بذلك أن الأميَّة المذكورة هنا صفة مدح وكمال مِن وجوه :

من جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب بما هو أبيَن منه وأظهر وهو الهلال .

ومن جهة أن الكتاب والحساب هنا يدخلهما غلط .

.. إلى آخر كلامه رحمه الله .

" مجموع الفتاوى " ( 25 / 164 - 175 )

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 16:57
ما معنى لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر

السؤال

هل الحديث لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان صحيحا, فكيف تفسره؟ فقد أشكل علي هذا الموضوع.

الجواب

الحمد لله

الحديث ليس بهذا اللفظ " لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت " ، وإنما هو بلفظ " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " ( وقد يكون اللفظ المذكور جاء بسبب طريقة ترجمة السؤال )

وقد رواه مسلم عن أبي هريرة ( 5827 ) ، وفي لفظ آخر: " لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر " ، وفي لفظ آخر : " لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر "

وفي لفظ : " قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن يا خيبة الدهر فأنا الدهر أقلب الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما " .

و أما معنى الحديث فقد قال النووي :

قالوا: هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون " يا خيبة الدهر

" ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر "

أي : لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها ، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى .

ومعنى " فإن الله هو الدهر " أي : فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم .

" شرح مسلم " ( 15 / 3 ) .

وينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم " الدهر " وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير

أي : أنه خالق الدهر ، بدليل وجود بعض الألفاظ في نفس الحديث تدل على هذا مثل قوله تعالى : " بيدي الأمر أقلِّب ليلَه ونهارَه " فلا يمكن أن يكون في هذا الحديث المقلِّب - بكسر اللام - والمقلَّب - بفتح اللام - واحداً

وإنما يوجد مقلِّب - بكسر اللام - وهو الله ، ومقلَّب - بفتح اللام - وهو الدهر ، الذي يتصرف الله فيه كيف شاء ومتى شاء .

انظر " فتاوى العقيدة " للشيخ ابن عثيمين ( 1 / 163 ) .

قال الحافظ ابن كثير - عند قول الله تعالى : وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر [ الجاثية / 24 ] - :

قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : " يا خيبة الدهر

" فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار

لأن الله تعالى هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال .

وهذا أحسن ما قيل في تفسيره ، وهو المراد . والله أعلم

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 152 ) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن حكم سب الدهر :

فأجاب قائلا:

سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام .

القسم الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم : فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر .

القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر : فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله .

القسم الثالث : أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة : فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر ؛ لأنه ما سب الله مباشرة ، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً .

" فتاوى العقيدة " ( 1 / 197 ) .

ومن منكرات الألفاظ عند بعض الناس أنه يلعن الساعة أو اليوم الذي حدث فيه الشيء الفلاني ( مما يكرهه ) ونحو ذلك من ألفاظ السّباب فهو يأثم على اللعن

والكلام القبيح وثانيا يأثم على لعن ما لا يستحقّ اللعن فما ذنب اليوم والسّاعة ؟

إنْ هي إلا ظروف تقع فيها الحوادث وهي مخلوقة ليس لها تدبير ولا ذنب ، وكذلك فإنّ سبّ الزمن يعود على خالق الزّمن ، فينبغي على المسلم أن ينزّه لسانه عن هذا الفحش والمنكر . والله المستعان .

لشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 17:02
ما معنى أن الله يحبّ الجمال

السؤال

ما معنى حديث إن الله جميل يحبّ الجمال ، ما هو المقصود بالجمال خصوصا وأن بعض الناس يستدل بهذا الحديث على جواز النظر إلى النساء الجميلات وجواز الاستمتاع بكل شيء جميل ، هل من توضيح .

الجواب

الحمد لله

الحديث المذكور في السؤال قد أخرجه مسلم في صحيحه رقم 131

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ .

قال ابن القيم رحمه الله شارحا ومبيّنا :

وقوله في الحديث إن الله جميل يحب الجمال يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء ، وفي صحيح مسلم برقم 1686 :

" إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا " ، وفي سنن الترمذي " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " رواه الترمذي برقم 2963 وقال حسن صحيح

وعن أبي الأحوص الجشمي قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار فقال هل لك من مال قلت نعم قال من أي المال قلت من كل ما آتى الله من الإبل والشاه قال فلتر نعمته وكرامته عليك "

رواه أحمد برقم 15323 والترمذي 1929 والنسائي 5128

فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن ، فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها

ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم ؛ فقال : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير " الأعراف 26

وقال في أهل الجنة : " ولقَّاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) " الإنسان

فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيأة يبغض القبيح من الأقوال والأفعال

والثياب والهيأة فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله ولكن ضلّ في هذا الموضوع فريقان : فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحبّ كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا

قالوا : ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة .

. وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم وربما

غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها .

وقابلهم الفريق الثاني فقالوا قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة فقال عن المنافقين :

" وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم " المنافقون 4 وقال :

" وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " مريم 74 أي أموالا ومناظر ، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "

صحيح مسلم رقم 4651 .. وفي الحديث : " البذاذة من الإيمان " رواه ابن ماجه 4108 وأبو داود 3630 وصححه الألباني رحمه الله

وفصل النزاع أن يقال الجمال في الصورة واللباس والهيأة ثلاثة أنواع منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه مالا يتعلق به مدح ولا ذم ، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ

أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء

فيه فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه والمذموم منه

ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك ، وأما مالا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين .

والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين فأوله معرفة وآخره سلوك فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ويعبد بالجمال الذي يحبه

من الأقوال والأعمال والأخلاق فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه

في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان

وتقليم الأظفار فيعرفه بصفات بالجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه فجمع الحديث قاعدتين المعرفة والسلوك .

الفوائد 1/185

أين هذه المعاني العظيمة للحديث من ضلالات أصحاب الهوى الذين يريدون فهما منحرفا لتبرير مقاصدهم السيئة نسأل الله العافية وصلى الله على نبينا محمد .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-12-15, 17:05
و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

مع جذء اخر من

سلسله الحديث

و من لاديه استفسار بهذا الجزء او لديه حديث يريد تفسيرة يتقدم به

و اسال الله ان يجمعني بكم
دائما علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

kababi100
2018-12-18, 17:50
لا اله الا الله