المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما حدث ليس إلا بداية النهاية


المعزلدين الله
2009-11-03, 04:39
ما حدث ليس إلا بداية النهاية
محمد كتيلة


03/11/2009

http://www.alquds.co.uk/images/empty.gif
نهايات أخرى قادمة على الطريق اللانهائي للشقاء والعذاب الفلسطيني، وعلى المفارق الضيقة الخانقة المسورة بالحواجز الإسمنتية والأسلاك الكهربائية ورجال الأمن من كلا الطرفين ومن العسكر المدججين بالكراهية والحقد لكل ما يدب على الأرض الفلسطينية من بشر وتراب وشجر.. نهايات متوقعة، تعادل في صميمها وجوهرها صمت سلطة الوهم والغبار عن الحضور الطاغي والمرعب عن جدار الفصل العنصري البشع والمقيت، لا فرق بين نهاية تصب الإسمنت على جسد الأرض وأخرى تصب خيانتها في الروح وفي العلن .. نهايات كثيرة لا وقفة فيها ولا استراحة، تتعدد وتتجدد على أرض الفواجع والمواجع، وعلى الفلسطيني الحر أن يجدد إستعداده الدائم لكافة الجرائم والفظائع المقبلة والقائمة في كل ثانية وثانية ولا انفصال فيها أو بينها على أرض الواقع !!
نهايات أخرى في الإنتظار، كالبدايات تماماً وتضاهيها سرعة وخفة وقوة، تصهر العظم وتفتت الأعصاب، لا تتوقف أبداً عن إشعال النار وتسعيرها في الجسد الملقى مزقاً ونتفا ، وفي الهياكل التي تتآكل على مقربة ما يشبه الحياة، ليس بعيداًً عن الخيام، وأينما كان الفلسطيني وعلى أية ارض: إن كان لاجئاً مبعداً أم نازحاً على ذات الأرض، في السلطة أم في المقاومة، في المخيمات البعيدة الممتدة على طول الصحراء أم الجديدة منها وليدة الحرب على العراق، نهايات تلاحقنا في الصحراء وفي الماء والهواء وفي كافة المدن والعواصم، إن كنا نحمل جواز سفر أخضر أم أحمر، كحلي أم رمادي، وثيقة تنكرنا أم هوية طارئة أو عاجلة تحملنا إلى الفناء... لا إستثناء للفلسطيني، كلهم سواء وسواسية في ساحات القتل الواسعة عن طريق العدو الجلاد ومن يحمل الشبه.
مر الوقت سريعاً وانفرط زمن الميثاق الوطني تدريجياً وبشكل متسلسل هائل متلاحق، لا سلاسة فيه، بل بلاهة غير منزهة وعهر سياسي يجعل من الأساسي فكرة هشة قابلة للتغيير ، من فكرة التحرير إلى نقيضها دون الإستفادة من أسباب مبرراتها ودون الرجوع إلى من هم كانوا وما زالوا ُيغيبون عن الوجود لأجلها .
انشق ميثاق الدم الذي كان يجمع رفاق الطريق والأحرار القدامى (حراس الثورة) وبات لزوماً عليهم أن يلتقوا في نهاية النفق خانعين مسالمين مستسلمين لرأس الأفعى قبل أن تنفث سمــومها الأخيرة في وجوههم المحنطة خوفاً من الإنقراض وتسميتهم بالديناصورات .
من بارك الحرب والتي هي ليست بأخيرة - على الأهل في غزة لا يمكن له أن يلعنها أو أن يعلن سأمه منها ليوقف صراخ الثكالى واليتامى فيها والمعروضين أمام العالم برمته للإندثار بعد الدمار والمعرضين للتلاشي .. ومن كانوا حوله من الرجالات الأشاوس الذين أعياهم الصمت وأدماهم من شدة الحصار الدائم على أبناء جلدتهم وما آلت إليه الأمور بعد الحرب وأثناء الحرب، لن يأبهوا جميعاً لسيلان الدم والقضية وذوبان الأرض والشعب الضحية.
هؤلاء هم ديناصورات ما قبل التاريخ البشري، لن تهتز لهم شعرة أو عضلة ولن تسيل قطرة ماء من وجوههم الكالحة ومهما تلطخت الأرض والشعب الفلسطيني بالجرائم والأثام.. هؤلاء هم وحل المستقنعات الآسنة.
ونسأل : أين نحن من الآن، من الخيبة الكبرى والإفلاس العام ؟ نصعد الهاوية خفافاً متلفعين بالشكر لرب السماء والأرض وفي الظن أننا اقتربنا من المغفرة وبان الضوء في عتمة الخلاص !!
أين نحن جميعاً من فائض الزمن المتعالي على مهرجانات الخسارات الصاخبة والمليئة بالرقص والغناء الجنوني والشهية المفرطة لإلتهام الأخضر واليابس، الناشف والمبلول من الدم، القاسي من المعدن الثقيل والطري من الأجساد الآدمية وحتى رماد الجثث المحترقة الطالعة من آتون الحرب الأخيرة؟
هذا ليس إدمان على الخراب، بله تشويش على العقل وجره عنوة إلى الضلال وانسحاب الروح من معاقلها إلى ظلام أكثر عتمة ووحشة، قطيعة رهيبة مع الجذور وانتهاك للمقدس.. نحن وما النحن بعد أن اصابها الغثيان، تجاوزنا أسباب العجز والتخلف والتخاذل، الإنسحاب والتراجع المقزز، قطعنا أشواطاً هائلة من الإنهيار، إقتربنا طواعية من حدود الإندحار الجماعي . نعيش في اللامبالاة العامة، بياض في الذاكرة، ثلج في الأعماق، مهارة في النسيان، أما الكآبة فهي عرض لا يؤذي واحتماله قد يؤدي إلى الفرح من غير مهدئات أو أقراص منومة، أما انقسام الذات ليس إلا خلاف بسيط لا يستدعي أي إهتمام، لا تعارض ولا تناقض ومهما افترقنا نظل على وئام ولا يفرق بيننا اي اغتراب أو خلاف أو تقاتل، كل ما هو قائم مجرد إختلاف بسيط على وجهتي نظر حول الحرب والسلام !!
ونسأل ههنا من نقطة النهاية العمياء والسائلة في مسالك الرجوع الفطن هروباً من الإجــــابات الناجــــزة الناشفة الجاهزة ، متمردين على فقه الحياة المؤجلة وتائهين عن المعنى وقواميس النجاة في لغة آيلة للسقوط والهبوط في لجة الصمت المطبق على النفوس والأنفاس : من هذا الرجل ومن هؤلاء الرجال؟ أيمكن أن تكون الخيانة مجرد وجهة نظر قابلة للتعديل بخيانة أقل ضررا ؟
ما حدث هو بداية النهاية لما هو أخطر وأفظع وأبشع ...فلنؤجل الصراخ قليلا لكي نليق بالمشهد المأساوي أو لنعلن الحداد والإضراب العام عن الصمت لكي يليق بنا المشهد .

' كاتب فلسطيني يقيم في كندا