مشاهدة النسخة كاملة : شبهات حــول الإســلام
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 20:09
شبهات
حــول الإســلام
للشيخ علي الحذيفي العدني هو إمام وخطيب جامع الخير
بمنطقة الفتح بمديرية التواهي بمحافظة عدن اليمنية
وهو من تلاميذ الإمام مقبل الوادعي رحمه الله
ومن تلاميذ الشيخ عبد الرحمن بن مرعي العدني حفظه الله
مقدمة
حلقات شبـهات حول الإسلام:
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فيقول ربنا سبحانه وتعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون0هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله).
ودين الإسلام دين جمع الله فيه المحاسن كلها، كيف لا يكون كذلك وهو دين رب العالمين سبحانه ؟! ولكن الألسن الحاقدة والأقلام المستأجرة أرادت أن تطفئ نور الله !! فأثارت على الإسلام شبهات متهافته لتشوه بالإسلام وتشوش عليه، فلذلك هم يناقشون المسلمين في شريعتهم ودينهم.
نشرت صحيفة "يديعوت احرونوت" اليهودية 26/8/2003م عن توماس فريدمان أنه قال: (إذا أراد الغرب تجنّب حرب الجيوش مع الإسلام، فإن عليه خوض حرب المبادئ في داخل الإسلام).
ولكن هيهات فالدين دين رب العالمين وهو الذي تولى حفظة والدفاع عنه.
ومثل هؤلاء الغربيين الذين أثاروا هذه الشبهات حول الإسلام كمثل رجل اجتمعت فيه أصناف الأمراض وألوان الأسقام، ثم ذهب ليقاتل رجلاً صحيحاً مستوياً في غاية القوة، فمجتمعات الدول الغربية قد امتلأت بأصناف الانحرافات وألوان المظالم، ثم يثيرون الشبهات حول الإسلام !! وكان الأولى بهم أن يخجلوا من انحرافاتهم التي قد علم بها القاصي والداني.
وقد كتبت شيئاً يسيراً في الرد على هذه الشبه، دفعني إلى ذلك ما أراه من هجوم عنيف على الإسلام ولاسيما من أبناء جلدتنا في الصحف والقنوات ومواقع الانترنت، وزاد الطين بلة ما أجده من افتتان كثير من الشباب بل وغيرهم بالمجتمعات الغربية جاهلين أو متجاهلين ما تعيشه هذه المجتمعات من جحيم لا يطاق.
ولعلك ترى أيها القارئ الكريم أنني أحرص على النقل من كلام رؤوس الغرب كثيراً، والسبب في ذلك ما قاله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كما في "مجموع فتاوى ومقالا ت متنوعة": (وأنا أنقل لك بعض ما اطلعت عليه من ذلك، وإن كان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام علماء الإسلام ما يشفي ويغني عن كلام كتاب أعداء الإسلام، ولكن بعض الناس قد ينتفع من كلامهم أكثر مما ينتفع من كلام علماء الإسلام بل أكثر مما ينتفع من الآيات والأحاديث وما ذاك إلا لما قد وقع في قلبه من تعظيم الغرب وما جاء عنه، فلذلك رأيت أن أذكر هنا بعض ما اطلعت عليه من كلام كتاب وكاتبات الغرب) أ.هـ
وقد جعلت هذه الكتابات على صورة حلقات، والشبه في هذا الجزء كما يلي:
الأولى: شبهة الرق في الإسلام.
الثانية: شبهة أن إقامة الحدود من الوحشية.
الثالثة: شبهة انتشار الإسلام بالسيف.
الرابعة: شبهة أن الإسلام ضد حرية الرأي.
الخامسة: شبهة أن الإسلام ضد حرية الاعتقاد.
السادسة: شبهة أن الإسلام ظلم المرأة.
السابعة: اعتراضهم على بقاء المرأة في البيت،
و منعها من الخروج إلى ميدان الرجل .
الثامنة: الرياضة النسوية.
التاسعة: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم.
العاشرة: تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
الحادية عشرة: هل في شعائر الحج بقايا وثنية ؟!
الثانية عشرة: ختان الإناث.
الثالثة عشرة: الزواج المبكر.
الرابعة عشرة: فضائح الغرب.
الخامسة عشرة: دية المرأة وإرثها.
ولعله سيلحق به جزء آخر، أسأل الله أن ييسر ذلك، وأن ينفع بها الكاتب والقارئ في الدارين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
علي الحذيفي
عــدن / اليمــن
1429هـ
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 20:33
الشبهة الأولى:
شبهة الرق في الإسلام:
كان الرق منتشراً في حياة الناس قبل الإسلام ولكنه رق غير الرق الذي شرعه الله، فهو رق ظالم في الغاية والوسيلة، ثم استبدله الإسلام برق من نوع آخر، ظاهره الرق وباطنه الرحمة بالرقيق والمسترق، قد اشتمل على صور كثيرة من العدل الكامل والأدب العظيم الذي لم تعرف البشرية قط ما يقاربه فضلاً عن أن يماثله.
لكن أعداء الإسلام أثاروا حوله شبهات، حيث جعلوا هذا من مساوئ الإسلام، فأعداء الإسلام يرون أن مسألة الرقيق من أكبر السلبيات في الإسلام، ويزعمون أن مدنيتهم أرقى من الإسلام، لأن الإسلام يأمر باستعباد البشر وهم يحررون الأرقاء حباً في الإنسانية !!
ونجيب عن هذا قائلين: ليس للإسلام مساوئ بل المساوئ في أنظمة البشر الظالمة، ونظام الرق في الإسلام يعد بحق من أعظم محاسن الإسلام وحسناته، لما فيه من المقاصد العظيمة والوسائل الكريمة، وسيرى القارئ من خلال هذا البحث: هل الغرب صادقون في هذه الدعاوى أو أنهم مفترون ؟!
وقد جعلنا هذه الحلقة في الرد عليهم، وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
الأول: بيان السبب الشرعي للرق.
الثاني: توحد سبب الرق، وتعدد أسباب العتق.
الثالث: أدب التعامل بين الرقيق والسيد.
الرابع: المصالح المترتبة على الرق في الإسلام.
الخامس: الرق والعنصرية في الدول الغربية.
المبحث الأول: بيان السبب الشرعي للرق:
لله في كل شيء يشرعه حكم عظيمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها ومن ذلك الرق، فإن الذي يؤسر في المعركة مع المسلمين إنما هو الكافر المحارب فقط وليس كل محارب، فمن كان كافراً مقاتلاً لجيوش التوحيد، صاداً عن دين الإسلام، فقد اقتضى العدل الإلهي أن يقاتَل، فإن قتل وإلا فيؤسر ثم يكون عبداً رقيقاً، لأنه فر من العبودية لله فعوقب بالعبودية لغيره، وأراد أن يقتل جنود التوحيد ويتسلط عليهم فكان العدل أن يعاقب بنقيض قصده فيتسلطوا عليه.
من هنا قال العلماء في تعريف الرق: (هو عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر).
وزيادة في التوضيح نقول: ليس الكفر وحده هو سبب الرق، بل سبب الرق الكفر مع المحاربة، فالكافر المحارب هو الذي يسترق دون غيره من الناس، وفقولنا: (الكافر المحارب) خرج به من لم يقاتل وإن كان كافراً كالراهب في الصومعة، والشيخ الكبير الطاعن في السن والمجنون ومن دفع الجزية ونحوهم فهؤلاء لا يؤسرون وإن كانوا كفاراً، وهذا قول طائفة من الفقهاء وهم الأئمة الثلاثة وأحد قولي الشافعي، واختاره شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى: (28/354) واستدل بالآية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم).
وذهب آخرون منهم الشافعي في القول الآخر إلى أن سبب الاسترقاق هو الكفر وإن لم يصحبه قتال، والأول هو الصواب.
والسؤال هنا: ما هي الحكمة في هذا الرق الذي شرعه الله ؟
والجواب وبالله التوفيق: أن الناس جميعاً عبيدٌ الله تعالى، له عليهم حق الطاعة، والإيمان به، واتباع رسله، والانقياد لشرائعه، فالخلق كلهم عبيده، والأرض أرضه، فإذا أرسل إلى الناس رسولاً يأمرهم بما له عليهم فعصوه وتمردوا عليه وحاربوا رسله وكفروا بالرسالة، في الوقت الذي يكون هناك عباد آخرون، آمنوا برسوله واتبعوا دينه وانقادوا لشرائعه، وبذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الله، كان من العدل، أن يكون أولئك رقيقاً وعبيداً عند هؤلاء، فيكون المحارب عبداً عند هذا المجاهد، لأنه هرب من العبودية لله فعوقب بهذه العبودية، يملك رقبته ونسائه وذريته وماله، جزاءً على ما صدر منه من محاربة الرسل، فكل واحد منهما وجد جزاء ما قدم.
من هنا نعرف خطأ من نفى نظام الرق في الإسلام مطلقاً، ومن هؤلاء سيد قطب فقد قال في شرح آية الأصناف الثمانية في الزكاة: ("وفي الرقاب" ذلك حين كان الرق نظاماً عالمياً، تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم، ولم يكن للإسلام بدٌ من المعاملة بالمثل حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق) أ.هـ
وقد تعقبه شيخنا ربيع في "العواصم" (ص 18).
قال الشنقيطي في الأضواء عند آية الإسراء (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم): (ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: ملك الرقيق المعبر عنه في القرآن بملك اليمين في آيات كثيرة) ثم ساق آيات كثيرات، ثم قال: (وسبب الملك بالرق: هو الكُفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر الله المسلمين المجاهدين الباذلين مهجهم وأموالهم وجميع قواهم، وما أعطاهم الله لِتكون كلمة الله هي العليا على الكفار جعلهم ملكاً لهم بالسبي).
وقال: (فتمرد الكفار على ربهم وطغوا وعتوا، وأعلنوا الحرب على رسله لئلا تكون كلمته هي العليا، واستعملوا جميع المواهب التي أنعم عليهم بها في محاربته وارتكاب ما يسخطه، ومعاداته ومعاداة أوليائه القائمين بأمره، وهذا أكبر جريمة يتصورها الإنسان، فعاقبهم الحكم العدل اللطيف الخبير جلَّ وعلا عقوبة شديدة تُناسب جريمتهم فسلبهم التصرف، ووضعهم من مقام الإنسانية إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات، فأجاز بيعهم وشِراءهم، وغير ذلك من التصرفات المالية، مع أنه لم يسلبهم حقوق الإنسانية سلباً كلياً، فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم، كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، مع الإيصاء عليهم في القرآن، كما في قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى) إلى قوله: (وما ملكت أيمانكم) أ.هـ
المبحث الثاني: توحد سبب الرق وتعدد أسباب العتق:
1- سبب الرق هو قتال الكافر لأهل الإسلام:
جعل الشارع للرق سبباً واحداً وهو الكفر مع القتال وقد تقدم بيانه، ومنع من استرقاق الأنفس بغير ذلك مهما كانت الأسباب والدوافع، ونهى عن بيع الأحرار وأكل ثمنهم كما كان في الجاهلية، وقد روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره).
فالسبب الوحيد للرق هو الكفر مع المحاربة.
2- وليس كل كافر يؤسر في المعركة يصير رقيقاً:
والرق في الإسلام ليس هو الحل الوحيد في حق أسرى الحرب، بل أسير الحرب أمام خيارات إما أن يُعفى عنه ويُمنّ عليه وإما أن يُفادِي نفسه وإما أن يتم تبادل الأسرى بين المسلمين وعدوّهم وإما أن يُسترقّ
وكما أن الاسترقاق ليس هو الخيار الوحيد فكذلك خيار الحرْب ليس هو الخيار الوحيد.
3- تعدد طرق العتق:
وفي الوقت نفسه جعل الشارع عدة منافذ للخروج من هذا الرق، وطرقاً كثيرة لتحرير الرقاب وتخليصها من العبودية.
قال الشنقيطي في "الأضواء": (وتشوف الشارع تشوفاً شديداً للحرية والإخراج من الرق فأكثر أسباب ذلك، كما أوجبه في الكفارات من قتل خطأ وظِهار ويمين وغير ذلك، وأوجب سراية العتق، وأمر بالكتابة في قوله: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) ورغب في الإعتاق ترغيباً شديداً) أ.هـ
وإليك ما نستحضره من هذه الطرق والمخارج:
1- الزكاة:
فالرقاب أحد أصناف الزكاة الثمانية كما في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل).
وإن هذه الآية لهي من أعظم الأدلة على أن الإسلام قد أولى عناية فائقة بعتق هذه الرقاب وتحريرها، حيث جعل لها نصيباً من زكاة الأموال فهو بهذا يضع (قضية الرقاب) في مقدمة القضايا التي ينبغي حلها، فدين الإسلام لا يتشوف إلى أسر الرقاب، بل يتشوف إلى عتقها وتحريرها.
2- الكفارات:
أ- كفارة القتل: قال تعالى: (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا).
ب- كفارة الظهار: كما قال تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير0فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أَن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً).
وفي قوله تعالى: (فمن لم يجد) إشارة إلى أن الرقاب قد يأتي عليها وقت لا توجد في المجتمع الإسلامي لقلة مصدرها ولكثرة عتقها.
ج- كفارة الجماع في نهار رمضان: فقد روى الشيخان عن أبى هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله، قال: "وما أهلكك ؟" قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة" قال: لا قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" قال: لا، قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً". قال: لا، قال: "ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر" فقال: "تصدق بهذا"، قال أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: "اذهب فأطعمه أهلك"). واللفظ لمسلم.
د- كفارة اليمين: قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أَيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهلِيكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة).
3- القربة:
أي: جعلها من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى ربه، كما في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة0وما أدراك ما العقبة0فك رقبة).
وقد وردت في الباب عدة أحاديث سنذكر ما تيسر منها:
أ- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه، عضوا منه في النار، حتى فرجه بفرجه) متفق عليه.
ب- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل ؟ قال: (الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله) قال: قلت: أي الرقاب أفضل ؟ قال: (أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمناً) متفق عليه.
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقـبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم.
والشاهد من الحديث أن عتق الرقاب فيه أجر عظيم.
د- روى أبو داود في "سننه" عن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار)، وقد صححه العلامة الألباني.
وهذه بعض الأحاديث التي يذكرها العلماء في أبواب (فضل العتق).
قال ابن كثير في "تفسيره": (وقد ورد في ثواب الإعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضو منها عضوا من مُعتقها حتى الفَرْج بالفرج، وما ذاك إلا لأن الجزاء من جنس العمل).
4-العتق بالقرابة:
أي: من ملك شخصاً من قرابته المحارم فالشرع يعطيه حق العتق، كأن يملك أباه أو أمه أو أخاه أو أخته أو نحو هؤلاء، للحديث الوارد بلفظ: (من ملك ذا رحم فهو حر) أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم عن سمرة مرفوعاً، ولكن الحديث معل قد أعله البخاري وعلي ابن المديني كما في "نصب الراية" وأبو داود والترمذي والبيهقي.
وله شاهد من حديث ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وهو معل أيضاً قد أعله الترمذي والنسائي والبيهقي والمنذري كما في "نصب الراية".
ولكن في الباب آثار عن الصحابة وغيرهم، وقد صح هذا عن عمر وابن مسعود، ولا أعرف خلافاً بين الصحابة في العتق بالقرابة، وإنما اختلف الفقهاء في ضابط هذه القرابة والله أعلم.
5- عتق أم الولد:
لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تباع أم الولد)، وقد صححه العلامة الألباني في "الصحيحة" برقم: (2417) وهو كما قال.
6- سراية العتق:
لحديث: (من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه قيمة العدل) متفق عليه.
قال الشيخ البسام رحمه الله في "تيسير العلام": (للشارع الحكيم الرحيم تشوف إلى عتق الرقاب من الرق، فقد حث عليه ورغَب فيه، وجعله أجل الكفارات وأعظم الإحسان، وجعل له من السراية والنفوذ، ما يفوت على مالك الرقيق رقة بغير اختياره في بعض الأحوال، التي منها ما ذكر في هذا الحديث، وهي أن من كان له شراكة ولو قليلة في عبد أو أمة ثم أعتق جزءاً منه، عتق نصيبه بنفس الإعتاق.
فإن كان المعتق موسراً بحيث يستطيع دفع قيمة نصيب شريكه عتق العبد كله، نصيبه ونصيب شريكه، وقوم عليه نصيب شريكه بقيمته التي يساويها وأعطى شريكه القيمة، وإن لم يكن موسراً بحيث لا يملك قيمة نصيب صاحبه فلا إضرار على صاحبه فيعتق نصيبه فقط، ويبقى نصيب شريكه رقيقا كما كان).
7- المكاتبة:
والكتابة اتفاق بين العبد وسيده تكون في مدة معينة، يتفقان على أن يدفع الطرف الأول للطرف الثاني مبلغاً من المال قد يزيد قليلاً على قيمة شرائه أو ينقص عنها، ومنذ بداية هذا الاتفاق يصبح ما يجنيه هذا العبد من المال ملكاً له لا لسيده حتى تنتهي هذه المدة المتفق عليها، فإن أتى بالمال في هذه المدة وإلا عاد رقيقاً.
قال تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أَيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً).
قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره": (جعل الله للعبيد حقاً في الاكتساب لتحرير أنفسهم من الرق ويكون في ذلك غنى للعبد إن كان من ذوي الأزواج، أمر الله السادة بإجابة من يبتغي الكتابة من عبيدهم تحقيقا لمقصد الشريعة من بث الحرية في الأمة وإكثار النسل وتزكية الأمة واستقامة دينها) أ.هـ بتصرف.
وشرط هذا العتق كله وفي جميع صوره إسلام هذا العبد على الصحيح من الأقوال كما رجحه ابن القيم في "زاد المعاد" وغيره.
المبحث الثالث: أدب التعامل بين الرقيق والسيد:
1- تعامل السيد مع المملوك:
ومع أن هذا العبد مملوك الرقبة إلا أن الشريعة أوصت بإكرامه والأدب في معاملته حتى لا يشعر بشيء من التنقص والاحتقار.
وهناك توجيهات كثيرة يذكرها العلماء في: (باب: الإحسان إلى المملوك)، منها الوصية الربانية العامة وهي قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم).
يمكن ذكر بعض هذه الآداب والتوجيهات بالتفصيل فمنها:
1- أن الشارع اعتبر الإخوة بين المالك والرقيق لا زالت قائمة:
عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر رضي الله عنه وعليه حلة وعلى غلامه (أي: مملوكه) مثلها، فسألته عن ذلك، فذكر أنه قد ساب رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) متفق عليه.
2- عدم تكليفه ما لا يطيق، فإن كلفه فعليه أن يعينه:
لحديث أبي ذر المتقدم، قال النووي في "شرح مسلم": (وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل مالا يطيقه فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره).
3- أن يأكل معك مما تأكل، وتلبسه مما تلبس:
لحديث أبي ذر المتقدم، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي علاجه) رواه البخاري.
والأُكلة - بضم الهمزة -: هي اللقمة.
4- المنع من ضربه إلا بالطرق الشرعية:
أ- روى مسلم في "صحيحه" عن زاذان أبي عمر قال: أتيت ابن عمر وقد أعتق مملوكاً قال: فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال: ما فيه من الأجر ما يسوى هذا إلا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه).
ب- وروى مسلم في "صحيحه" أيضاً عن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لنا فهربت، ثم جئت قبيل الظهر فصليت خلف أبي - وهو سويد بن مقرن - فدعاه ودعاني ثم قال امتثل منه، فعفا ثم قال: كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة، فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أعتقوها) قالوا ليس لهم خادم غيرها قال: (فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها).
ج- وروى كذلك عن أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي (اعلم أبا مسعود) فلم أفهم الصوت من الغضب قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود قال فألقيت السوط من يدي فقال: "أعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام" قال فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبداً).
وفي رواية له: (فقلت يا رسول الله: هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار).
المنع من التمثيل به:
روى أحمد وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن زنباعاً أبا روح وجد غلاماً له مع جاريته فقطع ذكره وجدع أنفه، فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما فعلت ؟ قال: فعل كذا كذا قال: اذهب فأنت حر).
وقد حسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" برقم: (1744).
قال الشنقيطي بعد كلام متقدم: (مع أنه لم يسلبهم حقوق الإنسانية سلباً كلياً، فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم، كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، مع الإيصاء عليهم في القرآن، كما في قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى" إلى قوله: "وما ملكت أيمانكم") أ.هـ
قارن أيها القارئ الكريم بين هذه الأخلاق العظيمة وبين ما يجري في سجون المحتلين لأراضي المسلمين من أصناف التعذيب وألوان الأذى، ولاسيما في سجون هذه الدول التي تتبجح بالعدل وحقوق الإنسان، ستعرف بعدها عظم الفارق بين الطريقتين.
2- تعامل المملوك مع سيده، وترتيب الشارع
الأجور العظيمة للملوك الناصح لسيده:
والشارع لم يهمل أيضاً العبد المملوك بل اعتنى بنفسيته عناية كبيرة وصبره على خدمة سيده، فقد أخبر الشارع أن العبد المملوك إن كان ناصحاً لسيده فله أجر عظيم.
1- ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (للعبد المملوك الصالح أجران) قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك".
وهذا الذي قاله أبو هريرة: (لأحببت أن أموت وأنا مملوك) إنما قاله بسبب هذه الأجور العظيمة التي شوق إليها الشارع من قام بحقوق سيده على الوجه المطلوب منه.
قال النووي في "شرح مسلم": (فيه فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح وهو الناصح لسيده والقائم بعبادة ربه المتوجهة عليه، وأن له أجرين لقيامه بالحقين ولانكساره بالرق).
2- وفي "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين).
3- وروى البخاري في "صحيحه" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران وأيما عبد أدى حق الله وحق مواليه فله أجران).
3- شبهة والجواب عليها:
قال الشنقيطي: (فإن قيل : إذا كان الرقيق مسلماً [أي: إذا أسلم بعد الرق] فما وجه ملكه بالرق؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكقر ومحاربة الله ورسله قد زال ؟
فالجواب: أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء: أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها، فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع وهو الحكيم الخبير، فإذا استقر هذا الحق وثبت ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه كما هو معلوم عند العقلاء، نعم يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم، وقد أمر الشارع بذلك ورغب فيه، وفتح له الأبواب الكثيرة كما قدمنا فسبحان الحكيم الخبير: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) فقوله:صدقاً) أي: في الأخبار وقوله: (وعدلاً) أي: في الأحكام، ولا شك أن من ذلك العدل: الملك بالرق وغيره من أحكام القرآن) أ.هـ
المبحث الرابع: المصالح المترتبة على الرق:
قد تخفى على الناس الحكم التي أودعها الله في بعض تشريعاته، فإن لله حكماً كثيرة في شرائعه كلها حتى في عقوباته، ومن ذلك ما ذكره ابن خلدون في "مقدمته" في بيان الحكمة في قوله تعالى: (إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) حيث قال: (ويظهر من مساق الآية ومفهومها أن حكمة ذلك التيه مقصودة وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة وتخلقوا به، حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز لا يعرف الأحكام والقهر ولا يسام بالمذلة، فنشأت لهم ذلك عصبية أخرى اقتدروا بها على المطالبة والتغلب.
ويظهر لك من ذلك أن الأربعين سنة أقل ما يأتي فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر، سبحان الحكيم العليم) أ.هـ باختصار يسير.
وإنما قدمنا كلام ابن خلدون ليكون مثالاً على أن كل شيء في الإسلام له حكمة، حتى طريقة العقوبة الإلهية فإنه يقصد بها إصلاح الفرد والمجتمع.
ومن ذلك نظام الرق في الإسلام فإنه نظام بديع في غايته ووسائله، يختلف عن سائر أنظمة الرق في الغايات والوسائل، وله ثمار كريمة ومصالح عظيمة ومحاسن كثيرة منها:
1- أنها نوع عقوبة من الله لهؤلاء الكفار لأنهم فروا من العبودية لله، فابتلاهم الله بالعبودية للمخلوق.
2- أن مخالطة الرقيق للمسلمين أدت إلى إسلام كثير منهم عن قناعة ومحبة للإسلام، فكان الرق أعظم نعم الله عليهم إذ هو السبب في هدايتهم، ومن تتبع سير علماء المسلمين وقادتهم وجد الكثير منهم ممن أسلم من الموالي ثم سادوا بعد إسلامهم، وهذا من المقاصد العظيمة والغايات الكريمة، ولو لم يكن للرق إلا هذه الثمرة لكانت كافية.
فتبين من هذا أن نظام الاسترقاق في الإسلام أفضل بكثير من نظام القتل الذي بعد انتهاء المعارك التي تسلكه الكثير من الأنظمة، لأن هذا فيه دعوة الكافر إلى الاختلاط بالمسلمين والتعرف على هذا الدين الذي يدعون إليه ويقاتلون من أجله، ولهذه العلة أيضاً قَبِل الإسلام من الكفار الجزية مقابل أن يعيشوا بين أوساط المسلمين، ليعرفوا حقيقة هذا الدين ويتأملوا في محاسنه عن قرب.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان": (ولو فرضنا - ولله المثل الأعلى - أن حكومة من هذه الحكومات التي تنكر الملك بالرق، وتشنع في ذلك على دين الإسلام، قام عليها رجل من رعاياها كانت تغدق عليه النعم، وتسدي إليه جميع أنواع الإحسان، ودبر عليها ثورة شديدة يريد بها إسقاط حكمها، وعدم نفوذ كلمتها، والحيلولة بينها وبين ما تريده من تنفي أنظمتها، التي يظهر لها أن بهما صلاح المجتمع، ثم قدرت عليه بعد مقاومة شديدة فإنها تقتله شر قتلة، ولا شك أن ذلك القتل يسلبه جميع تصرفاته وجميع منافعه، فهو أشد سلباً لتصرفات الإنسان ومنافعه من الرق بمراحل) أ.هـ
فما أحلى هذه الشريعة وما أعظمها لو كان هؤلاء يفقهون أسرارها وحقائقها.
3- أنه تخفيف عظيم عن الدولة المسلمة وبيت مال المسلمين، فأسرى الحروب يحتاجون إلى سجون ونفقات، وحراسهم يحتاجون إلى أجور كبيرة، بخلاف الرقيق في الإسلام فإنه يقوم سادتهم بكفالتهم في جميع ما يحتاجون، بدون أي أعباء على الدولة.
4- التوسعة على الأسر المسلمة بتوفير خدم يعملون لهم بدون أي مقابل سوى إطعامهم من طعام البيت وإسكانهم معهم.
5- الرق من أسباب إبقاء الزوجة الحرة التي تزوجها زوجها للدين والخلق، فإنه إذا لم يعجبه جمالها أو كانت مريضة، فله أن يشتري أمة حسناء يقضي منها وطره، ويبقي على زوجته.
6- السراري سبب عظيم من أسباب إعفاف الرجل المسلم، ففيه وقاية المجتمعات من الزنا، لأنه يحل مشكلة الذين لا يجدون طول المحصنات من الشباب المسلم حيث أحل الله له ملك اليمين.
7- أنه نوع من أنواع تخويف أعداء الإسلام وإحاطة الإسلام بهيبة عظيمة فوق ما هو عليها، فإن الكفار إذا علموا أن من وقف لجيوش التوحيد كان جزاؤه أن يكون رقيقاً خافوا من الوقوف في وجهه، ولهذه العلة نجد الكفار يشنون اليوم حرباً ظروساً على الرق.
المبحث الخامس: الرق والعنصرية في الدول الغربية:
ينبغي أن يعرف أن هذه الشبهات يثيرها أعداء الإسلام لأسباب منها أن يستروا الفضائح التي ابتلوا بها في مجتمعاتهم من أنواع المظالم على مدى التاريخ، ومن ذلك العنصرية - المعروفة في بلدانهم - التي أعيت المصلحين، وعجز الأطباء أن يجدوا لها دواءً، رغم تنظيم المؤتمرات والندوات العالمية لاستئصالها ولكن دون جدوى !!.
1- الرق في الغرب قديم:
لقد استعبد المحتلون الأسبان والبرتغاليون والإنجليز والفرنسيون سكان أمريكا الأصليين، فعاثوا في أراضيهم فساداً في سبيل البحث عن الذهب وإنشاء المزارع، فمارسوا فيهم أكبر أعمال القرصنة في التاريخ من القتل والخطف، تلك التي راح ضحيتها أكثر من أربعين مليوناً من زنوج إفريقيا، فقد سُلسلوا بالحديد، وشحنوا في سفن الحيوانات، لتقوم على دمائهم وعظامهم المزارع والمصانع والمناجم التي صنعت رفاهية الرجل الأبيض في أمريكا وأوروبا – وهل بنى الأوروبيون حضارتهم إلا على أنقاض دول وشعوب - ولا يزال أحفاد هؤلاء الزنوج السود يعانون من التفرقة العنصرية في الغرب حتى الآن.
وهناك كتاب (إلغاء نظام الرق) ومؤلفة هذا الكتاب باحثة فرنسية واسمها "نيلي شميدت" وهي مديرة قسم في المركز القومي للبحوث العلمية الفرنسية، وهي أيضاً عضوة في اللجنة الفرنسية المشرفة على ذكرى العذاب الذي وجده العبيد السود نتيجة نظام الرق الذي تاجر بهم طيلة عدة قرون، وقد تحدثت مؤلفته عن العذاب الذي وجده السود حيث أُسروا من بلادهم ثم رحلوا إلى خارج بلادهم، مع مواضيع أخرى كثيرة في هذا الباب.
حتى دعوة الدول الغربية المتأخرة لتحرير الرقيق لا تخلو من مصلحة !! فعندما سعت أوروبا في القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام الرق وتحريم تجارته، لم تكن الدوافع دوافع إنسانية، وإنما كانت في الأساس دوافع مادية، فلقد أصبح الرق في موازينهم الاقتصادية عبئاً على رأس المال، الذي هو أعظم أهدافهم.
2- مظاهر العنصرية في أمريكا:
1- العنصرية في أمريكا لها مظاهر عديدة متأصلة في المجتمع الأمريكي، من ذلك العنصرية بين البيض والسود في صور كثيرة منها التفرقة في المقابر في المطاعم وفي غير ذلك، بل يكتب بعضهم على مطعمه: (يمنع دخول الكلاب والرجال السود) !!
2- حتى إن الفرقة بين الجنسين يعتبر شيئاً ملحوظاً في المجتمع الأمريكي، بل هو من أعظم الأسباب في ضعف العلاقات الاجتماعية بين الأمريكيين، حتى إن (أندرو شايير) مؤلف كتاب: (نحن القوة الأولى) يقول عن السود: (إنهم هنا في أمريكا يعيشون كأفراد غرباء وأجانب على أرض ولدوا وترعرعوا فيها، ولا يعرفون سواها.. يمكننا النظر إلى أمريكا على أنها دولة تتكون من شعبين: البيض وهم الأغلبية المسيطرة، والسود وهم الأقلية المضطهدة).
3- ونشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) تقريراً عن وضع السود في مجال الشرطة ذكرت فيه أن شرطياً من أصل أفريقي وصل إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي وهذه هي المرة الرابعة التي يصل فيها أسود لهذه الرتبة ولكن بعض البيض اعترض على هذه الترقية، مما جعل السلطات القضائية تتدخل للنظر في القضية.
أما في المدن الأخرى فالحال ليست أفضل، ففي ولاية نيويورك حيث يبلغ الأمريكيين الأفارقة 28.7% من عدد سكان الولاية، ولكنهم لا يؤلفون أكثر من 11.4% من قوة الشرطة، أما الذين وصلوا إلى رتبة قيادية فلم يتجاوز 6.6%. ويقول التقرير إن السود بالرغم مما بلغوه في العصر الحاضر فأنهم لا يزالون يعانون من العقبات في التوظيف والترقيات والمضايقات من زملائهم البيض الذين يعترضون على ترقية زملائهم السود، حتى إن بعضهم يرفض إطاعة أوامر رئيس أسود).
4- وقد انفجرت الأوضاع الأمنية في مدينة لوس أنجلوس حيث اندلعت أعمال عنف وشغب بسبب قيام محطات التلفاز بعرض شريط لبعض رجال الشرطة من البيض وهم يضربون أحد السود وهو رودني كينج بعنف ووحشية، وكانت نتائج هذه الاضطرابات أن قتل ثمانية وخمسون منهم عشرون شرطياً، وبلغ عدد الجرحى 2382، منهم 220 جريحاً في حالة خطرة، واعتقل 13505شخصاً، ودمرت الحرائق 5537 محلاً تجارياً، وقدرت الخسائر المالية ب785 مليوناً، وساهم من رجال الشرطة والحرس القومي وجنود البحرية واحد وعشرون ألفاً.
5- وذكر (كارل بيل) مدير مجلس الصحة العقلية بشيكاغو: (إن المواطنين السود لا يزالون يتعرضون يومياً للإهانة والعنف بحيث أصبح ذلك جزءاً من لا شعورهم المحبط).
6- ويحاول مأمون أفندي- الأستاذ بجامعة "جورج تاون" تفسير أصول هذه العنصرية بقوله: (إن الرجل الأبيض ينظر باحتقار للإنسان الأسود ويبرر عنفه تجاهه من خلال منظومة ثقافية والتي معها كان يقتل البيض إخوانهم السود ويعلقونهم في الأشجار في حفل عنف جماعي، وكانوا يبررون ذلك لأنفسهم من خلال كتابهم المقدس فاللون الأسود بالنسبة للمسيحي الجنوبي هو لون الشيطان).
3- تفرقة عنصرية من نوع آخر:
1- والتفرقة العنصرية في دول الغرب - ومنها أمريكا -لم تقتصر على السود فقط بل شملت حتى الآسيويين، فقد أوردت (وكالة الأنباء الفرنسية) تقريراً من لوس أنجلوس مفاده أن جرائم الكراهية ضد الأسيويين قد ارتفعت بنسبة ثمانين بالمئة في العام الماضي في ولاية كاليفورنيا عن العام الذي سبقه، وقد نقلت الوكالة عن التقرير السنوي الثاني للتجمع القانوني لأسيويي المحيط الهادي الأمريكيين بأن هناك أربعمائة وثمان وخمسين حالة اتهام مثبتة لحوادث ضد الأسيويين مع وجود حالات كثيرة لا تصل إلى الشرطة بسبب اللغة والحاجز الثقافي وعدم وجود سجلات كاملة لدى الشرطة.
2- ومن مظاهر التفرقة العنصرية ما ذكروه من التفرقة بين الرجال والنساء، فهناك وظائف أو مناصب لا تصل إليها المرأة في أمريكا بسبب أنوثتها مهما بلغت من الذكاء.
ومن هذه التفرقة أن المصابات بأمراض القلب يحصلن على عناية أقل من الرجال من حيث الأدوية، وفي الغالب يواجهن الموت أكثر من الرجال، كما أكدت ذلك ثلاث دراسات مختلفة، وهناك أدلة على أن الأطباء يميزون الرجال المصابين بالقلب على النساء، فقد فحص الباحثون ثمانمائة حالة على مدى خمس سنوات فوجدوا أن ثلث النساء قد توفين بعد ست أشهر من الإصابة بأول أزمة قلبية.
وقد كشف (موقع القناة السابعة الإسرائيلية على الإنترنت، 18/8/2003م) عن فتوى يهودية جديدة أطلقها الحاخام (شلوموه افينار) قال فيها: إن حياة الرجل أهم من حياة المرأة، وإذا وقعت حادثة في طريق مثلاً وكان بينها رجل وامرأة والضرورة تحتم نقل أحدهما أولاً، فإنه ينبغي معالجة الرجل أولاً حتى لو أدى ذلك لموت المرأة، لأن حياة الرجل هي الأوْلى والأهم في هذه الدنيا !! وأما النساء اليهوديات فقد رفضهن هذا التمييز العنصري.
وتُشير الإحصائيات إلى أن "إسرائيل" تعتبر أكثر مكان في العالم يتم فيه ضرب الزوجات من قِبَل أزواجهن.
هذه بعض الصور المظلمة التي ضجت بها المجتمعات الغربية حتى أصبحت مجتمعات متأزمة، وهي قليل من كثير، فأين هذا من نظام الرق في اٍلاسلام بصوره المشرقة وأحواله العادلة.
4- العنصرية في الدول الأخرى:
وحتى الآن لا يستطيع السود والبيض والملونين والهنود أن يصلّوا معاً في أغلب الكنائس الهولندية البروتستانتيتية لوجود هذه التفرقة فيهم، وقد عبر الإمبراطور المسيحي جوليانوس عن الكراهية بين الطوائف المسيحية بدقة حيث قال:
(لا توجد وحوش مفترسة تتسم بالعداوة للإنسان كما تعادي الطوائف المسيحية بصفة عامة بعضها البعض) إ.هـ من كتاب "روح الإسلام".
5- لا عنصرية في الإسلام:
هذه العنصرية بجميع صورها حاربها الإسلام بكل قوة، وقد علمنا القرآن أنه لا قيمة للألوان في صنع الكرامة والشرف إلا ما يقدمه الإنسان من الإيمان والعمل الصالح.
1- قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).
فأخبر أن خير الناس هو من اجتمعت فيه هاتان الصفتان وهما: الإيمان والعمل الصالح، ولم يعول على الألوان والمناصب والأنساب فدل على أن الإيمان والعمل الصالح هما الميزان وغيرهما لا قيمة له.
2- ومثل ذلك قوله تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
3- ولما قال أبو ذر الغفاري لمملوك من مماليكه: (يا ابن السوداء) اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا من موازين الجاهلية كما مر معنا في الحديث.
وقد أثار بعض الجهلة شيئاً عجيباً يدل على فقه عجيب وهو أن النبي قد كانت عنده مثل هذه الموازين الجاهلية لأنه قال: (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي) !!
والجواب: حاشاه صلى الله عليه وسلم من مثل هذه الموازين بأبي هو وأمي، كيف يكون ذلك وهو الذي أرسله الله ليعلم البشرية أن هذه موازين لا قيمة لها، أليس هو القائل كما في حديث جابر في "صحيح مسلم": (ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي) ؟! أليس هو القائل: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ؟!
وإنما المراد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمته بالسمع والطاعة لمن تولى عليهم ولو كان من الأحباش، وقد كانت العرب تترفع وتستكبر أن تسمع لشخص فيه مثل هذا الوصف، فأخبرهم أنه يجب عليهم الصبر عموماً لكل من تولى عليهم ولو كان بهذه الصفة.
بل الحديث نفسه فيه حجة على أنه لا قيمة لهذه الموازين بقرينة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع لكل من تولى بدون تفريق بين عربي وغيره، والله أعلم.
ومثلها العنصرية في المناطق والبلدان فكلها مذموم، وأما الدعوة التي نسمعها اليوم باسم العروبة والدعوة إليها فشيء لا قيمة له أيضاً، ومن أراد أن يعرف حقيقة هذه الدعوة فليقارن بين وضع العرب قبل الإسلام ووضع العرب بعد الإسلام، وليقارن بين وضع العرب عندما تمسكوا بالإسلام ووضعهم عندما ابتعدوا عنه، وبعد هذا سيعرف بُعد هذه الدعوة عن الإسلام وخطورتها على المسلمين.
فالعرب قبل الإسلام كانوا متفرقين متنازعين لا قيمة لهم بين الأمم، بل كانوا معدودين من الأمم المتأخرة التي لا حضارة لها، لا يملكون إلا أغناماً يتتبعون بها مواضع المطر والكلأ، كلما سمعوا بمطر نزل في مكان نقضوا بيوت الشعر وسافروا إليه، مجالسهم مليئة بالغزل والفخر والحماسة والهجاء واحتقار الآخرين، بلادهم مملوكة للأعاجم فالشام مع الروم واليمن ونحوها مع الفرس إلى غير ذلك.
حتى جاءهم الإسلام فأعزهم الله به وأكرمهم باتباعه فارتفعوا بعد وضيعة وانتصروا بعد هزيمة وملكوا الدنيا بعد أن كانوا غنائم تتقاسمهم الأمم.
واليوم أصابهم شيء من الذلة بسبب ابتعادهم عن دينهم، ولا كرامة لهم إلا بالرجوع إلى دينهم والتمسك به.
فأين العروبة، وماذا حققت قديماً حتى تطالبوا بها اليوم ؟! فالعرب أعزهم الله بإسلامهم لا بعروبتهم !!
إن وراء هذه الدعوة أخطاراً عظيمة أذكر منها:
1- مصادمتها لعقيدة الولاء والبراء لأن الرابطة بين الناس ستكون هي العروبة، فالعربي أخونا ولو كان العربي كافراً، والأعجمي عدونا ولو كان مسلماً !!
2- ابتعاد المسلمين عن الهدف الحقيقي وهو السعي إلى تحقيق التوحيد في أرض الله، واستبداله بالجري وراء هذه الشعارات الكاذبة.
- خطورة هذه الدعوة على القضايا الإسلامية منها على سبيل المثال لا الحصر (قضية فلسطين)، فإننا كثيراً ما نسمع أن فلسطين عربية، وهذا ليس بصحيح بل فلسطين مسلمة، يجب أن يكون هذا شعارنا، حتى لا يطمع نصارى العرب وغيرهم في مشاركة المسلمين فيها بعد تطهيرها من اليهود.
هذه بعض مخاطر الدعوة إلى القومية العربية، وهي باختصار تذويب للهوية الإسلامية.
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 20:51
الشبهة الثانية:
ما أثاروه حول الحــدود
في الشريعة الإسلامية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة الثانية من (شبهات حول الإسلام) سنتكلم فيها عن محاسن إقامة الحدود وحاجة المجتمعات إليها، رداً على الشبه الهزيلة التي أثارها أعداء الإسلام حول إقامة الحدود، فقالوا: إن إقامة الحدود وحشية، وأنها لا تناسب العصر إلى غير ذلك من الشنشنة المعروفة.
والحق أن هؤلاء الذين ينادون بترك "إقامة الحدود" في المجتمعات يعدون بحق من أفسد الناس عقولاً، وأشأمهم على المجتمعات، لأنهم خالفوا بذلك المعقول والمنقول، فماذا تنتظر من قوم تأخذهم الرأفة بالجاني ولا تأخذهم الرأفة بمن وقعت عليه المصيبة في ماله ودمه، ويترفقون باللص دون النظر إلى ما فعله من سرقة الأموال وإخافة الآمنين والتعدي على حرمات البيوت.
فهؤلاء الذين ينفرون من إقامة الحدود يجب – والله - جهادهم بكل ما يستطاع، بالسيف والقلم واللسان وغير ذلك لأنهم أقلام مسعورة مستأجرة تكتب ما يملى عليها مقابل حفنة من المال.
وهذه الحلقة تتكون من عدة مباحث:
المبحث الأول: الحدود من دلائل رحمة الله.
المبحث الثاني: عقوبة المفسدين مستحسن في العقول.
المبحث الثالث: حفاظ الشريعة على المتهم.
المبحث الرابع: تفاوت العقوبات وتنوعها.
المبحث الخامس: الفروق بين الحدود الشرعية، والقوانين الوضعية.
المبحث السادس: مناسبة العقوبة للحد.
المبحث السابع: دعاوى المنفرين عن إقامة الحدود.
المبحث الثامن: تشوق الغرب لهذه الحدود.
أسأل الله أن يكتب لهذه الحلقات القبول، وينفع بها الكاتب والقارئ في الدارين.
المبحث الأول: الحدود من دلائل رحمة الله:
1- الحدود رحمة بالمجتمع:
1- قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/329-330): (فينبغي أن يُعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده، فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات لا شفاء غيظه وإرادة العلو على الخلق بمنزلة الوالد إذا أدب ولده، فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تشير به الأم رقةً ورأفةً لفسد الولد، وإنما يؤدبه رحمةً به وإصلاحاً لحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب، وبمنزلة الطبيب الذي يسقى المريض الدواء الكريه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، والحجم وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة، فهكذا شرعت الحدود وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها) أ.هـ
وانظر "مجموع الفتاوى" (15/288-296).
2- وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين: (2/95): (فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال،كالقتل والجراح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غير حقه) أ.هـ
2- السبب في أن الله تولى تشريع الحدود بنفسه:
يبين لنا ابن القيم السبب في أن الله لم يكل تشريع الحدود إلى غيره فقال في "إعلام الموقعين": (2/95-96): (ومعلوم أن لهذه الجنايات الأربع مراتب متباينة في القلة والكثرة، ودرجات متفاوتة في شدة الضرر، وخفته كتفاوت سائر المعاصي في الكبر والصغر وما بين ذلك، ومن المعلوم أن النظرة المحرمة لا يصلح إلحاقها في العقوبة بعقوبة مرتكب الفاحشة، ولا الخدشة بالعود بالضربة بالسيف، ولا الشتم الخفيف بالقذف بالزنا والقدح في الأنساب، ولا سرقة اللقمة والفلس بسرقة المال الخطير العظيم، فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنساً ووصفاً وقدراً لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب، ولعظم الاختلاف واشتد الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين مؤنة ذلك وأزال عنهم كُلفته، وتولى بحكمته وعلمه ورحمته تقديره نوعاً وقدراً، ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة ويليق بها من النكال، ثم بلغ من سعة رحمته وجوده أن جعل تلك العقوبات كفاراتٍ لأهلها، وطهرة تزيل عنهم المؤاخذة بالجنايات إذا قدموا عليه، ولاسيما إذا كان منهم بعدها التوبة النصوح والإنابة، فرحمهم بهذه العقوبات أنواعاً من الرحمة في الدنيا والآخرة، وجعل هذه العقوبات دائرة على ستة أصول قتل وقطع وجلد ونفي تغريم مال وتعزير) أ.هـ
3- الحدود ليست الحل الوحيد لمنع الجريمة:
يخطئ كثير من الناس عندما يظن أن إقامة الحدود هو الحل الوحيد لمنع الجريمة في الإسلام، وغاب عنهم أن إقامة الحدود عقوبة أخيرة للمجرمين، وأن هذه العقوبة قد سبقتها وسائل كثيرة ومختلفة لمنع هذه الجريمة.
1- فقد سلكت مع هذه النفوس مسلك التذكير المستمر بالله وعقابه في الدنيا والآخرة، وتذكيرها بحقارة هذه الدنيا وسرعة زوالها، وتذكير من يسارع في شيء من ملذات الدنيا بالصبر عليها وأن الله معوضها في الدار الآخرة بما هو أعظم له من هذا الفاني.
2- وسلكت الشريعة مسلك تأديب النفوس وتهذيب الأخلاق بمثل هذه العبادات التي لها أثر كبير على أخلاق المسلم وتأدبه، فلا يخفى علينا ما تفعله الصلاة في نفوس المسلمين، فإن (الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) كما أخبر الله.
3- وشرع الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعطت الحق لكل من يرى المنكر أن يغيره في حدوده الشرعية، وهذا من شأنه يقلل المنكر في المجتمع ويضعف شوكته ويقضي على جو الجريمة.
4- أمرت بكل وسيلة تباعد من هذه الجرائم كالأمر بالتعفف عموماً ولاسيما أمرين هما عفة الفروج وعفة البطون.
5- فمن لم ينفعه هذا التذكير ولا هذه الموعظة وجد أمامه عقبة أخرى وسداً مانعاً من الزواجر وهي الحدود الشرعية، فيبقى جرس الخطر يرن في أذنيه كلما عزم على الإقدام على مثل هذه الاعتداءات، لأن المجرم يفكر مراراً وتكراراً قبل أن يقدم على فعله، لأنه يعلم مقدماً الحكم الذي سينزل به ومدى فاعليته.
6- فمن لم ينفع معه ولم تخوفه هذه العقوبات فارتكب هذا الاعتداء فهنا ينتقل العلاج من الناحية الوعظية والتوجيهية إلى ناحية العقوبة المباشرة، فيقام عليه هذا الحد بعد ذلك حتى لا تتكرر هذه الاعتداءات.
المبحث الثاني: عقوبة المفسدين مستحسَن في العقول:
قال ابن القيم في"إعلام الموقعين": (2/102-103) في سياق الرد على المعترضين على الحدود: (أما قوله: "كيف تردعون عن سفك الدم بسفكه! وإن ذلك كإزالة النجاسة بالنجاسة" !! سؤال في غاية الوهن والفساد، وأول ما يقال لسائله: هل ترى ردع المفسدين والجناة عن فسادهم وجناياتهم وكف عدوانهم مستحسناً في العقول موافقا لمصالح العباد أو لا تراه كذلك ؟
فإن قال لا أراه كذلك كفانا مؤنة جوابه بإقراره على نفسه بمخالفة جميع طوائف بني آدم على اختلاف مللهم ونحلهم ودياناتهم وآرائهم، ولولا عقوبة الجناة والمفسدين لأهلك الناس بعضهم بعضاً، وفسد نظام العالم، وصارت حال الدواب والأنعام والوحوش، أحسن من حال بني آدم، وإن قال بل لا تتم المصلحة إلا بذلك، قيل له: من المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم، ويجعل الجاني نكالاً وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله، وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة) أ.هـ
المبحث الثالث: حفاظ الشريعة على المتهم:
ينبغي أن يعرف أن الشريعة كما أنها تحافظ على سلامة المجتمع وطهارته من الفواحش ومظاهر الفسق، فكذلك تحافظ على المتهم، ومما يدل على ذلك:
1- أنها لا تقيم الحد إلا على المكلف المختار العالم بالتحريم، فلا تقيمه على مجنون ولا صبي ولا مُكره، ولا جاهل إذا كانت دعوى الجهل مقبولة، كأن يكون عاش بعيداً عن المسلمين.
2- اشتراط الشريعة لإقامة الحد أن يكون الحد ثابتاً على المتهم بإقرار صحيح أو بشهادة مقبولة، ولا يكون الإقرار صحيحاً حتى يكون المقر مكلفاً مختاراً قد أقر إقراراً صريحاً، ولا تقبل الشهادة حتى يكون الشهود مرضيين قد شاهدوا ما يوجب الحد.
3- ندبت الشريعة إلى التوبة وستر المسلم على نفسه.
4- الشريعة تمنع من إقامة الحد على غير الجاني فلا يقام الحد على المرأة الحامل.
5- منعت الشريعة من أن يقيم الحدود غير ولاة الأمور أو من ينوبهم، حتى لا تعم الفوضى.
قال القرطبي في "تفسيره" عند آية: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) المسألة الثانية: (اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض وإنما ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض).
وقال أيضاً في "تفسيره" عند آية: (كتب عليكم القصاص) المسألة الرابعة: (لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك، لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود).
6- الشريعة تمنع من أن يؤذى المحدود قبل إقامة الحد وفي أثناءه أو بعده، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن الرجل الذي يشرب الخمر وعن التثريب على الأمة إذا أقام عليها حد الزنى.
7- الشريعة قد تسقط الحد على المتهم إذا خشي عليه أن يقع في سوء، فالمسلم إذا وقع في حد من الحدود في غزوة من الغزوات فقد أمرنا بتأخير هذا الحد إلى أن يرجع المتهم إلى بلاد المسلمين فيقام عليه الحد هناك، رحمة به وخشية أن يلحق بالكفار فيدخل في دينهم، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحد في الغزو.
8- الشريعة بينت أن الحدود كفارة لأهلها.
المبحث الرابع: تفاوت العقوبات وتنوعها:
1- تفاوت العقوبات:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/102-103): (ومن المعلوم ببدائه العقول أن التسوية في العقوبات مع تفاوت الجرائم غير مستحسن بل مناف للحكمة والمصلحة، فإنه إن ساوى بينهم في أدنى العقوبات لم تحصل مصلحة الزجر وإن ساوى بينها في أعظمها كان خلاف الرحمة والحكمة، إذ لا يليق أن يقتل بالنظرة والقبلة، ويقطع بسرقة الحبة والدينار، وكذلك التفاوت بين العقوبات مع استواء الجرائم قبيح في الفطر والعقول، وكلاهما تأباه حكمة الرب تعالى وعدله وإحسانه إلى خلقه، فأوقع العقوبة تارة بإتلاف النفس إذا انتهت الجناية في عظمها إلى غاية القبح كالجناية على النفس أو الدين، أو الجناية التي ضررها عام فالمفسدة التي في هذه العقوبة خاصة والمصلحة الحاصلة بها أضعاف أضعاف تلك المفسدة كما قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فلولا القصاص لفسد العالم وأهلك الناس بعضهم بعضاً ابتداء واستيفاءً، فكأن في القصاص دفعاً لمفسدة التجري على الدماء بالجناية وبالاستيفاء، وقد قالت العرب في جاهليتها: "القتل أنفى للقتل وبسفك الدماء تحقن الدماء" فلم تغسل النجاسة بالنجاسة، بل الجناية نجاسة والقصاص طهرة، وإذا لم يكن بدٌ من موت القاتل، ومن استحق القتل فموته بالسيف أنفع له في عاجلته وآجلته، والموت به أسرع الموتات وأوحاها وأقلها ألماً، فموته به مصلحة له ولأولياء القتيل ولعموم الناس، وجرى ذلك مجرى إتلاف الحيوان بذبحه لمصلحة الآدمي، فإنه حسن وإن كان في ذبحه إضرار بالحيوان فالمصالح المرتبة على ذبحه أضعاف أضعاف مفسدة إتلافه، ثم هذا السؤال الفاسد يظهر فساده وبطلانه بالموت الذي حتمه الله على عباده، وساوى فيه بين جميعهم، ولولاه لما هنأ العيش، ولا وسعتهم الأرزاق ولضاقت عليهم المساكن والمدن والأسواق والطرقات، وفي مفارقة البغيض من اللذة والراحة ما في مواصلة الحبيب، والموت مخلص للحي، والموت مريح لكل منهما من صاحبه، ومخرج من دار الابتلاء والامتحان، وباب للدخول في دار الحيوان).
إلى أن قال: (فكم لله سبحانه على عباده الأحياء والأموات في الموت من نعمة لا تُحصى، فكيف إذا كان فيه طهرة للمقتول، وحياة للنوع الإنساني، وتشفٍ للمظلوم، وعدل بين القاتل والمقتول، فسبحان من تنـزّهت شريعته عن خلاف ما شرعها عليه من اقتراح العقول الفاسدة والآراء الضالة الجائرة) أ.هـ
2- تنوع العقوبات:
أ- القتل:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/96): (فأما القتل فجعله عقوبةَ أعظم الجنايات، كالجناية على الأنفس فكانت عقوبته من جنسه، وكالجناية على الدين بالطعن فيه والارتداد عنه، وهذه الجناية أولى بالقتل وكف عدوان الجاني عليه من كل عقوبة، إذ بقاؤه بين أظهر عباده مفسدة لهم، ولا خير يرجى في بقائه ولا مصلحة، فإذا حبس شره وأمسك لسانه وكف أذاه والتزم الذل والصغار وجريان أحكام الله ورسوله عليه وأداء الجزية لم يكن في بقائه بين أظهر المسلمين ضرر عليهم، والدنيا بلاغ ومتاع إلى حين، وجعله أيضا عقوبة الجناية على الفرج المحرمة لما فيها من المفاسد العظيمة واختلاط الأنساب والفساد العام) أ.هـ
ب- القطع:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/96-97):
(وأما القطع فجعله عقوبة مثله عدلاً وعقوبة السارق، فكانت عقوبته به أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد، ولم تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل فكان أليق العقوبات به إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس وأخذ أموالهم، ولما كان ضرر المحارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظمُ، ضُمَّ إلى قطع يده قطع رجله ليكف عدوانه وشر يده التي بطش بها، ورجله التي سعى بها، وشرع أن يكون ذلك من خلافٍ، لئلا يفوت عليه منفعة الشق بكماله، فكف ضرره وعدوانه، ورحمه بأن أبقى له يداً من شق ورجلاً من شق) أ.هـ
وانظر الجواب الكافي (ص 172).
ج - الجلد:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/97): (وأما الجلد فجعله عقوبة الجناية على الأعراض، وعلى العقول وعلى الأبضاع، ولم تبلغ هذه الجنايات مبلغاً يوجب القتل، ولا إبانة الطرف، إلا الجناية على الأبضاع فإن مفسدتها قد انتهضت سبباً لأشنع القتلات، ولكن عارضها في البكر شدة الداعي (أي: شدة الشهوة) وعدم المعوض (أي: عدم الزوجة)، فانتهض ذلك المعارض سبباً لإسقاط القتل، ولم يكن الجلد وحده كافياً في الزجر فغُلظ بالنفي والتغريب ليذوق من ألم الغربة ومفارقة الوطن ومجانبة الأهل والخلطاء ما يزجره عن المعاودة.
وأما الجناية على العقول بالسُكر فكانت مفسدتها لا تتعدى السكران غالباً ولهذا لم يحرم السُكر في أول الإسلام كما حرمت الفواحش والظلم والعدوان في كل ملة وعلى لسان كل نبي، وكانت عقوبة هذه الجناية غير مقدرة من الشارع، بل ضرب فيها بالأيدي والنعال وأطراف الثياب والجريد، وضرب فيها أربعين، فلما استخف الناس بأمرها وتتابعوا في ارتكابها غلّظها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أُمرنا باتباع سنته، وسنته من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلها ثمانين بالسوط ونفى فيها وحلق الرأس، وهذا كله من فقه السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الشارب في المرة الرابعة ولم ينسخ ذلك، ولم يجعله حداً لا بد منه، فهو عقوبة ترجع إلى اجتهاد الإمام في المصلحة ،فزيادة أربعين والنفي والحلق أسهل من القتل) أ.هـ
ثم شرع في بيان الحكمة من تشريع تغريم المال، والتعزير، فراجعه.
ثم بين الحكمة في جعل القصاص بالإتلاف في بعض الأحيان دون بعض، كالقصاص في النفوس دون القصاص في الأموال والبهائم والديار والزروع، فراجعه في"الإعلام" (2/104-106).
3- ترتيب الحدود تبعاً لترتيب الجرائم:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/108-109): (وتأمل كيف جاء إتلاف النفوس في مقابلة أكبر الكبائر وأعظمها ضرراً وأشدها فساداً للعالم وهي الكفر الأصلي والطارئ والقتل وزني المحصن، وإذا تأمل العاقل فساد الوجود رآه من هذه الجهات الثلاث، وهذه هي الثلاث التي أجاب عنها النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود بها حيث قال له يا رسول الله: أي الذنب أعظم ؟ قال: أن تجعل الله نداً وهو خلقك، قال قلت: ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك) فأنزل الله عز و جل تصديق ذلك والذين (لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) الآية.
ثم لما كان سرقة الأموال تلي ذلك في الضرر وهو دونه جعل عقوبته قطع الطرف، ثم لما كان القذف دون سرقة المال في المفسدة جعل عقوبته دون ذلك وهو الجلد، ثم لما كان شرب المسكر أقل مفسدةً من ذلك جعل حده دون حد هذه الجنايات كلها، ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة، وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة، جعلت عقوبتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم، فمن سوّى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع، واختلفت عليه أقوال الصحابة وسيرة الخلفاء الراشدين وكثير من النصوص ورأى عمر قد زاد في حد الخمر على أربعين والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين، وعزر بأمور لم يعزر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفذ على الناس أشياء عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فيظن ذلك تعارضاً وتناقضاً وإنما أتى من قصور علمه وفهمه وبالله التوفيق) أ.هـ
المبحث الخامس: الفروق بين الحدود الشرعية، والقوانين الوضعية:
مهما كانت القوانين الوضعية دقيقة في وضعها ومحكمة في بنيانها، ومهما حرص أهلها على العدل، فهي في الأخير من وضع البشر الذين لا تبلغ عقولهم عمق المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، كما يعلمها ربهم لهم قال تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
وتبقى هناك فروق ظاهرة لكل ذي عينين بين الشريعة والقوانين الوضعية - فضلاً عن الفروق الباطنة التي لا تظهر للناس - فمن هذه الفروق:
1- أن القوانين الوضعية لا تعاقب على الجرائم الباطنة التي تكون فيها الجناية خفية، ولا يباشر فيها الجاني جنايته ظاهراً كالسحر، فالسحر أصبح في المجتمعات المنحرفة من الفنون التي تجد عناية فائقة، بينما يعاني المجتمع في الحقيقة من جرائمه وتعديه على الأعراض والعقول والأموال والدين وغير ذلك، ويكون الساحر فيها حراً طليقاً !!.
2- ومنها أن الشريعة قد تؤخر العقوبة لمصلحة شرعية، سواء كانت المصلحة عائدة على الإسلام والمسلمين كتأخير الحد في الغزو، أو لمصلحة المحدود كتأخير الحد عن المريض وفي وقت البرد أو الحر الشديدين، أو لمصلحة غير المحدود كتأخير الحد عن الحامل حتى تضع، والمرضع حتى تنتهي مدة الرضاعة.
3- ومنها أن القوانين الوضعية لا تهتم بالجانب الروحي للإنسان ولا تعامله كآدمي له روح، ولذلك لا نجد أي عناية للآداب والأخلاق والمكارم في هذه القوانين.
4- القوانين لا تهتم بالحقوق والواجبات التي على الإنسان لغيره مثل بر الوالدين وتربية الأبناء وصلة الأرحام إلا ما كان مأخوذاً من هذه شريعة الإسلام.
5- القوانين لا تسعى إلى الترابط الأخوي للمجتمع، وإنما غاية ما تسعى إليه هو منع اعتداء الناس بعضهم على بعض، دون الحث على الترابط والتآخي والتآلف الذي يحث عليه الشرع.
6- القوانين الوضعية لا تنظر إلى جانب سد الذرائع ولا منع الوسائل الموصلة إلى الممنوعات.
7- القوانين الوضعية عاجزة عن حل كثير من القضايا العصرية والمستجدات التي تحدث في المجتمع، بل ويفاجأ الواضعون لها بظهور أنواع من الخلل فيها، ولذلك نجدها دائماً تتغير في كل بضع سنوات، وشريعة الإسلام فيها من المرونة والحيوية ما يجعلها دائماً صالحة لكل زمان ومكان.
المبحث السادس: مناسبة العقوبة للحد:
وقد ذكر ابن القيم وجوهاً أخرى من حكمة هذه الحدود، سنذكرها على حسب الحدود:
أ- حد الزنى:
الحكمة في الأمر بعقوبة الزانيين علانية:
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (15/285-286): (فقوله تعالى: (الزانية والزاني) الآية فأمر بعقوبتهما وعذابهما بحضور طائفة من المؤمنين، وذلك بشهادته على نفسه أو بشهادة المؤمنين عليه، لأن المعصية إذا كانت ظاهرة كانت عقوبتها ظاهرة).
الحكمة من اختلاف حد الزاني المحصن عن حد الزاني البكر:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/107-108): (ثم إن للزاني حالتين إحداهما: أن يكون محصناً قد تزوج فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة واستغنى به عنها وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنا فزال عذره من جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام.
والثانية: أن يكون بكراً لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله فحصل له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف، فحقن دمه وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعا على المعاودة للاستمتاع بالحرام وبعثاً له على القنع بما رزقه الله من الحلال، وهذا في غاية الحكمة والمصلحة جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه).
الحكمة من تغليظ شهادة الزنى:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/96): (وإنما أمر الله سبحانه بالعدد في شهود الزنا لأنه مأمور فيه بالستر، ولهذا غلظ فيه النصاب فإنه ليس هناك حق يضيع وإنما حد وعقوبة والعقوبات تدرأ بالشبهات بخلاف حقوق الله وحقوق عباده التي تضيع إذا لم يقبل فيها قول الصادقين).
ب- حد السرقة:
الفرق بين ثمن اليد في الدية وفي نصاب القطع في حد السرقة:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/63): (وأما قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار فمن أعظم المصالح والحكمة، فإنه احتاط في الموضعين للأموال والأطراف فقطعها في ربع دينار حفظاً للأموال وجعل ديتها خمسمائة دينار حفظا لها وصيانة، وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال وضمنه بيتين فقال:
يد بخمس مئين من عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكـوت لـه وأن نستجير بمولانا من النار
فأجابه بعض الفقهاء بأنها كانت ثمينة لما كانت أمينة فلما خانت هانت وضمنه الناظم قوله:
يد بخمس مئين من عسجد وديت لكنها قطعت في ربع دينـار
حمــاية الدم أغلاها وأرخصها خيانة المال فانظر حكمة الباري
وروى أن الشافعي رحمه الله أجاب بقوله:
هناك مظلومة غالت بقيمتها وههنا ظلمت هانت على الباري
وأجاب شمس الدين الكردي بقوله:
قل للمعـري عـار أيما عـار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عار
لا تقدحن زناد الشعر عن حكم شعائر الشـرع لم تقدح بأشعـار
فقيمة اليد نصف الألف من ذهب فإن تعـدت فلا تسـوى بديـنار).
الحكمة من جعل نصاب السرقة ربع دينار:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/64): (وأما تخصيص القطع بهذا القدر فلأنه لا بد من مقدار يجعل ضابطاً لوجوب القطع، إذ لا يمكن أن يقال يقطع بسرقة فلس أو حبة حنطة أو تمرة، ولا تأتي الشريعة بهذا وتنزه حكمة الله ورحمته وإحسانه عن ذلك، فلا بد من ضابط وكانت الثلاثة دراهم أول مراتب الجمع وهي مقدار ربع دينار، وقال إبراهيم النخعي وغيره من التابعين كانوا لا يقطعون في الشيء التافه فإن عادة الناس التسامح في الشيء الحقير من أموالهم إذ لا يلحقهم ضرر بفقده، وفي التقدير بثلاثة دراهم حكمة ظاهرة فإنها كفاية المقتصد في يومه له ولمن يمونه غالباً وقوت اليوم للرجل وأهله له خطر عند غالب الناس وفي الأثر المعروف: "من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها") أ.هـ
قلت: خلاصة ما ذكره ابن القيم:
الأول: أن الثلاثة الدراهم أقل مراتب الجمع.
الثاني: أن الثلاثة الدراهم هي الدخل اليومي للإنسان المتوسط.
الثالث: أن ما دون ذلك من الأشياء الحقيرة التي عادت الناس التسامح فيها.
والأثر المشار إليه حديث صحيح رواه البخاري في "الأدب المفرد" عن عبيد الله بن محصن الأنصاري مرفوعاً، وهو في "صحيح الجامع" و "صحيح الأدب المفرد".
الحكمة من قطع يد السارق دون لسان القاذف وفرج الزاني:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/106-107): (وأما معاقبة السارق بقطع يده وترك معاقبة الزاني بقطع فرجه ففي غاية الحكمة والمصلحة، وليس في حكمة الله ومصلحة خلقه وعنايته ورحمته بهم أن يتلف على كل جان كل عضو عصاه به فيشرع قلع عين من نظر إلى المحرم وقطع أذن من استمع إليه ولسان من تكلم به ويد من لطم غيره عدواناً ولا خفاء بما في هذا من الإسراف والتجاوز في العقوبة وقلب مراتبها وأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة تأتي ذلك وليس مقصود الشارع مجرد الأمن من المعاودة ليس إلا ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط وإنما المقصود الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب وأن يعتبر به غيره وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبة نصوحاً وأن يذكره ذلك بعقوبة الآخرة إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.
ثم إن في حد السرقة معنى آخر وهو أن السرقة إنما تقع من فاعلها سراً كما يقتضيه اسمها ولهذا يقولون فلان ينظر إلى فلان مسارقة إذا كان ينظر إليه نظراً خفياً لا يريد أن يفطن له، والعازم على السرقة مختف كاتم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران، ولهذا يقال وصلت جناح فلان إذا رأيته يسير منفرداً فانضممت إليه لتصحبه، فعوقب السارق بقطع اليد قصا لجناحه وتسهيلا لأخذه إن عاود السرقة فإذا فعل به هذا في أول مرة بقي مقصوص أحد الجناحين ضعيفاً في العدو ثم يقطع في الثانية رجله فيزداد ضعفا في عدوه فلا يكاد يفوت الطالب ثم تقطع يده الأخرى في الثالثة ورجله الأخرى في الرابعة فيبقى لحماً على وضم فيستريح ويريح).
وقال في "إعلام الموقعين" (2/108): (ثم إن قطع فرج الزاني فيه من تعطيل النسل وقطعه عكس مقصود الرب تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم، وفيه من المفاسد أضعاف ما يتوهم فيه من مصلحة الزجر وفيه إخلاء جميع البدن من العقوبة وقد حصلت جريمة الزنا بجميع أجزائه فكان من العدل أن تعمه العقوبة، ثم إنه غير متصور في حق المرأة وكلاهما زان فلا بد أن يستويا في العقوبة فكان شرع الله سبحانه أكمل من اقتراح المقترحين).
يمكن تلخيص ما ذكره ابن القيم في هذه النقاط:
1- أن فرج الزاني عضو مستور لا يرى، وعليه فلا مصلحة من قطعه لأن المقصود من قطع العضو أن تراه العيون لتحصل العبرة من القطع.
2- أن في قطع العضو التناسلي قطعاً للنسل وقضاء على النوع الإنساني وهذا بخلاف قطع يد السارق.
3- أن لذة الزنى سرت إلى جميع البدن فكان من العدل جلد الظهر لا قطع العضو.
4- أن قطع العضو يفوت العدل بين الزاني والزانية لأنه لا يتصور ذلك في حقها.
انظر: الحدود والتعزيرات عند ابن القيم" للشيخ بكر أبو زيد.
الرد على شبهة من قال: إن قطع يد السارق تجعله عالة على غيره:
أقول: إن هذا القول فيه تعاطف كاذب مخالف للحقيقة، وهو غير صحيح لأمور:
الأول: أن السارق أصلاً عبء ثقيل على الناس وعالة على المجتمع من قبل القطع، إذ هو مصدر خوف وقلق وذعر فهل يرضى هؤلاء المتعاطفون مع المجرمين بأن يكون اللصوص عالة على المجتمع بالتلصص على الأموال واقتناص غفلة كثير من الناس عن أموالهم ؟
الثاني: أن الواقع يكذب هذه المزاعم، فهناك حالات كثيرة حصل لها من أنواع الإعاقة بحوادث مختلفة أشد بكثير من قطع اليد ولم يكونوا يوماً من الأيام معاقين عن العمل ولا عالة على غيرهم، أضف إلى ذلك أن هناك من أقيم عليه الحد فلم يكن عالة على المجتمع، بل سعى للأكل من كسب يده وكان قطع يده درساً كبيراً له.
الثالث: لو سألناهم ماذا تريدون من الحلول غير قطع اليد ؟! لقالوا: السجن أفضل من قطع اليد.
ونقول لهم: إن استبدال قطع اليد بالسجن كما تفعله القوانين الوضعية يعتبر حلاً فاشلاً لعدة أمور:
1- أنه لا يردع المجرمين، فعقوبة السجون لم تستطع أن تمنع الجريمة، وأحوال المجتمعات اليوم شاهدة على ذلك، لأن اللصوص يخرجون من السجون فينظمون لسرقات أخرى هي أكبر من السرقات السابقة، بل يخرجون منها وقد تبادلوا الخبرات فيما بينهم لأن السجون أصبحت مدارس للجريمة.
2- أن السارق في السجن سيبقى عالة على الدولة وسيكلفها الكثير من النفقات، وهذا عين ما فروا منه.
3- أن في السجن تضييعاً لأوقات هؤلاء الجناة وأعمارهم، وإهدار لطاقة كان من الممكن أن يستفاد منها.
الرد على قولهم: إن التكنولوجيا استطاعت أن تكشف الجريمة:
فإن قالوا: إن التكنولوجيا استطاعت أن تكشف المجرم بسهولة !!
قلنا: هذا بعد وقوع الجريمة، ولكنها لم تستطع أن تمنع الجريمة من أصلها، لأن في إقامة الحدود من الزجر والردع لهؤلاء المجرمين ما لا تملكه هذه القوانين بهذه التقنية العصرية المزعومة، فالجريمة في البلاد المتطورة أكثر من الجريمة في غيرها، فالولايات المتحدة الأمريكية تعاني من وقوع جريمة قتل كل ثلث ساعة تقريباً، فقد كشفت وزارة العدل في الولايات المتحدة الأمريكية في تقرير صدر أخيراً أن سير الجرائم في الولايات المتحدة قد ازداد بنسبة تسعة في المائة بالنسبة للعام السابق، وبنسبة خمسة وخمسين في المائة خلال اثنتي عشرة سنة أخيرة، وطبقاً للتقرير تقع كل جريمة وعمل عنيف كل نصف ساعة، وجريمة قتل كل ثلث ساعة، وانتهاك حرمة كل ست دقائق وكشفت الإحصائيات الرسمية أن عدد القتلى بلغ إلى 33 ألف و 544 وأكثرهم تتراوح أعمارهم بين عشرين وتسعة وعشرين عاماً.
الحكمة من ترك إقامة الحد في الغزو ولاسيما حد السرقة:
ورد في الباب حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تقطع الأيادي في الغزو) رواه أبو داود عن بسر بن أبي أرطأة، وهو صحيح كما في "تحقيق المشكاة" (2/299) وانظر: بحث الحديث من الناحية الحديثية والفقهية في "الحدود والتعزيرات" (ص39-68).
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/17): (فهذا حد من حدود الله تعالى وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضباً كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم، وقد نص أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود لا تقام على أرض العدو وذكرها أبو القاسم الخرقي في مختصره).
قلت: وقد أدخل العلماء غير القطع في النهي وإن كان خاصاً بالقطع للعلة نفسها، فيحرم إقامة أي: حد في الغزو، والله أعلم.
السبب في قطع اليد بالسرقة دون الغصب والانتهاب والاختلاس:
قال القاضي عياض رحمه الله كما في "توضيح الأحكام" (5/308): (صان الله الأموال بإيجاب القطع للسارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغصب لأنه قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمر وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها، فعظم أمرها واشتدت عقوبتها أبلغ في الزجر عنها).
ج – حد الشرب:
الحكمة من تحريم الخمر:
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (20/194): (وأما من السيئات فكقوله: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) فبين فيه العلتين:
إحداهما: حصول مفسدة العداوة الظاهرة والبغضاء الباطنة.
والثانية: المنع من المصلحة التي هي رأس السعادة وهي ذكر الله والصلاة، فيصد عن المأمور به إيجاباً أو استحباباً) أ.هـ
قلت: فالسبب في تحريم الخمر إذاً علتان أحدهما: حصول مفسدة العداوة والبغضاء، والعداوة هي الخصومة الظاهرة، والبغضاء هي العداوة الباطنة، الثانية: المنع من المصلحة التي هي رأس السعادة، وهي عبادة الله والأنس به تعالى والتنعم بالقرب منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (34/191): (فإن الله تعالى قال: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) فإن المفسدة التي لأجلها حرم الله سبحانه وتعالى الخمر هي أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتوقع العداوة والبغضاء وهذا أمر تشترك فيه جميع المسكرات لا فرق في ذلك بين مسكر ومسكر).
الحكمة في وجوب حد شارب الخمر ولو قطرة:
حرمت شريعتنا شرب الخمر ولو قطرة، وأوجبت فيه الحد لأنه وسيلة إلى شرب الكثير من الخمور، وهو يختلف عن سائر الوسائل أن الحد فيه خفيف بخلاف حد الزنى وغيره.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (34/191-192): (وهذا أمر تشترك فيه جميع المسكرات لا فرق في ذلك بين مسكر ومسكر، والله سبحانه وتعالى حرم القليل، لأنه يدعو إلى الكثير وهذا موجود في جميع المسكرات).
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/84): (ومنع قليل الخمر وإن كان لا يسكر إذ قليله داع إلى كثيره).
وقال ابن حزم في "مراتب الإجماع": (واتفقوا أن من شرب نقطة خمر وهو يعلمها خمراً من عصير العنب وقد بلغ ذلك حدَّ الإسكار ولم يتب ولا طال الأمر وظفر به ساعة شربها ولم يكن في دار الحرب أن الضرب يجب عليه إذا كان حين شربه لذلك عاقلاً مسلماً بالغاً غير مكره ولا سكران، سكر أو لم يسكر).
قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص32): (فإن شرب قطرة من الخمر مقتصراً عليها يحد كما يحد من شرب ما أسكره وخبل عقله مع تفاوت المفسدتين، ولم يجعل الوسائل إلى الزنا والسرقة والقتل مثل الزنا والسرقة والقتل، والفرق بينهما وبين شرب القطرة من الخمر خفة حد السكر وثقل ما عداه من الحدود).
د – حد القذف:
الحكمة في حد القذف بالزنا دون حد القذف بالكفر:
من المعلوم أن التهمة بالكفر أشد من التهمة بالزنا، ولكن لماذا لم تحكم الشريعة بالحد على من قذف غيره بالكفر ؟!
يوضح لنا ابن القيم الفرق بين الأمرين فيقول في "إعلام الموقعين" (2/64): (وأما إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون الكفر ففي غاية المناسبة فإن القاذف غيره بالزنا لا سبيل للناس إلى العلم بكذبه، فجعل حد الفرية تكذيباً له وتبرئة لعرض المقذوف وتعظيما لشأن هذه الفاحشة التي يجلد من رمى بها مسلماً، وأما من رمى غيره بالكفر فإن شاهد حال المسلم واطلاع المسلمين عليها كاف في تكذيبه ولا يلحقه من العار بكذبه عليه في ذلك ما يلحقه بكذبه عليه في الرمي بالفاحشة، ولاسيما إن كان المقذوف امرأة فإن العار والمعرة التي تلحقها بقذفه بين أهلها وتشعب ظنون الناس وكونهم بين مصدق ومكذب لا يلحق مثله بالرمي بالكفر).
الحكمة في جلد قاذف الحر دون العبد:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/65): (وأما جلد قاذف الحر دون العبد فتفريق لشرعه بين ما فرق الله بينهما بقدره فما جعل الله سبحانه العبد كالحر من كل وجه لا قدراً ولا شرعاً، وقد ضرب الله سبحانه لعباده الأمثال التي أخبر فيها بالتفاوت بين الحر والعبد وأنهم لا يرضون أن تساويهم عبيدهم في أرزاقهم فالله سبحانه وتعالى فضل بعض خلقه على بعض وفضل الأحرار على العبيد في الملك وأسبابه والقدرة على التصرف وجعل العبد مملوكاً والحر مالكاً ولا يستوي المالك والمملوك، وأما التسوية بينهما في أحكام الثواب والعقاب فذلك موجب العدل والإحسان فإنه يوم الجزاء لا يبقى هناك عبد وحر ولا مالك ولا مملوك).
هـ - حد القتل:
تقدم الكلام على الحكمة من تشريع حد القتل عموماً، فلا حاجة إلى الإعادة.
حكمة الاكتفاء بشاهدين دون الزنا:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/65): (وأما اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزنا ففي غاية الحكمة والمصلحة، فإن الشارع احتاط للقصاص والدماء واحتاط لحد الزنا فلو لم يقبل في القتل إلا أربعة لضاعت الدماء وتواثب العادون وتجرؤا على القتل، وأما الزنا فإنه بالغ في ستره كما قدر الله ستره فاجتمع على ستره شرع الله وقدره فلم يقبل فيه إلا أربعة يصفون الفعل وصف مشاهدة ينتفي معها الاحتمال، وكذلك في الإقرار لم يكتف بأقل من أربع مرات حرصاً على ستر ما قدر الله ستره وكره إظهاره والتكلم به وتوعد من يحب إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة).
قلت: الصواب أنه لا يشترط أن يكون الإقرار أربع مرات، والله أعلم.
المبحث السابع: دعاوى المنفرين عن إقامة الحدود:
والمحاربون لإقامة الحدود لهم دعاوى كثيرة باطلة منها دعواهم أن إقامة الحدود لا تناسب مدنية هذا العصر.
قال الشيخ محمد خاطر "مفتي جمهورية مصر العربية" سابقاً وهو يرد على هذه الفرية: (وما لنا نذهب بعيداً في الرد على هؤلاء الذين يقولون: إن تنفيذ الحدود في العصر الحديث يتنافى مع مدنيتهم الكاذبة ولا يلائمها، ولا يأتي بالنتيجة المطلوبة، وأمام أعينهم من المشاهد الملموس المحسوس ما يقضي على كل ما يزعمون، فلقد نفذت المملكة العربية السعودية الحدود فاستقر الأمن واستتب، وأمن الناس على أموالهم وأعراضهم، وكلنا يعرف ما كان يلاقيه الحجيج قبل تنفيذ الحدود من ترويع وخوف واعتداء على النفس والمال، فما استقر إلا من بعد تنفيذها، وإنك لترى بعينيك أصحاب المتاجر والحوانيت يتركونها مفتحة الأبواب دون حراس، ويذهبون لأداء العبادة والصلاة وهم في غاية الاطمئنان.
ثم إن هذا الأمن في المملكة لم يحدث في مجتمع متقوقع انعزل بنفسه وأهله عن العالم والحضارة، بل بلغ في الحضارة شأواً مع الأمن والأمان).
المبحث الثامن:[/COLOR[COLOR="DarkOrange"]] تشوق الغرب لهذه الحدود:
إن دعاة التنفير من إقامة الحدود لا يعتبرون من واقعهم الملموس في دولة المملكة العربية السعودية، فقد كانت الدول قبل تولي الملك عبد العزيز - رحمه الله - الحجاز ترسل مع رعاياها من الحجاج قوات مسلحة لتأمين سلامة الحجاج من الاعتداء عليهم، ومع ذلك لم تكن هذه القوات الخاصة ولا القوات الحجازية قادرة على إعادة الأمن، ووقف هذه العصابات عن جرائمها، ومنعها من قطع الطريق وسلب الحجاج وخطفهم والتمثيل بهم، حتى طبقت الشريعة الإسلامية وأقيمت الحدود على عهد الملك عبد العزيز، فتغير الوضع وساد الأمن في بلاد الحجاز وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين، وانتهى عهد الخطف والنهب والسلب وقطع الطريق، وأصبحت الجرائم التي كانت ترتكب في عهد الأشراف أخباراً تروى فلا يكاد يصدقها من لم يعاصرها أو يشهدها، فبعد أن كان الناس يسمعون أشنع الأخبار عن الإجرام في الحجاز، أصبحوا يسمعون أعجب الأخبار عن استتباب الأمن واستقرار النظام.
ومن هنا يكاد يتفق الناس في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وتفاوت مشاربهم على أن الأمن والاستقرار الذين تنعم بهما المملكة العربية السعودية كان نتيجة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتنفيذ أوامر الشرع الحنيف.
لقد أثبت تطبيق أحكام الشريعة في المملكة أثره الفعال، ودوره الإيجابي في استتباب الأمن واستقراره، وإشاعة الطمأنينة في النفوس، والحفاظ على الأخلاق والقيم، وحماية وحدة المجتمع، وهذه كلها أمور مشاهدة ومحسوسة وملموسة في المملكة.
إن هناك قصتين تدل على مدى تعطش الغرب للعقوبات الصارمة، وهاتان القصتان قد عاشهما الدكتور قاسم السامرائي وهو يعمل في جامعة لايدن منذ أكثر من عشرين سنة، وعمل فترات مختلفة في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم الثقافة الإسلامية.
القصة الأولى: ملخصها أن هذا الدكتور ذهب إلى محطة وقود لملأ خزان سيارته، فوجد العامل في المحطة مهموماً مغموماً، فسأله ما بك ؟ فقال له: (لقد جاءني اثنان قبل قليل وقيداني وأخذا كل ما في الصندوق) فقال له: (وما يحزنك وشركة التأمين تتكفل بدفع ما سُرِق، قال: (ليس هذا ما يهمني، ولكن لو وجد نظام عقوبات كما في السعودية لما أقدم هذان على فعلتهما).
أما القصة الثانية: فقد وقعت له في متجر لبيع الساعات، كان يقف في مكان من المتجر فسمع حواراً بين صاحب المحل وصديق له، وكان صاحب المحل يروي حادثة دخول بعض اللصوص وسرقة عدة ساعات ثمينة جداً، وتمنى لو طبق نظام العقوبات الذي يطبق في السعودية لوضع حد لهذه السرقات.
نقلاً عن كتاب "الغرب من الداخل".
فالغربيون أصبحوا غير مقتنعين بعقوبات القوانين الوضعية، فهي تعلم أن عقوبات القوانين الوضعية لم تمنع من وقوع الجريمة، فهي متشوفة إلى عقوبات أشد من هذه العقوبات.
1- وقد نشرت جريدة (الحياة) عدد (11729) 2 ذو القعدة 1415هـ (2 ابريل 1995م) أن نائبة بريطانية تطالب بجلد المجرمين، وأن تعرض هذه العقوبة خلال برنامج اليانصيب الذي يشاهده أكبر عدد من الجمهور.
2- وهناك مطالبات بإعادة تطبيق حد القتل في المجرمين، وقد عادت بالفعل في بعض الولايات الأمريكية، ولكن بعض الأصوات مازالت تعارض معاقبة المجرمين بما يستحقون.
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 21:22
الشبهة الثالثة:
دعواهم أن الإسلام انتشر بالسيف:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه هي الحلقة الثالثة من حلقات (شبهات حول الإسلام) وفي هذه الحلقة نستعرض الرد على قولهم: إن الإسلام انتشر بالسيف، وهي شبهة متهافتة كما سيرى القارئ.
وللناس أقوال منحرفة في هذه المسألة:
الأول: من ينادي بحرية الاعتقاد على الإطلاق، وهؤلاء قسمان: قسم بعضهم محسوب على الإسلام وهم من المنبهرين بالحضارة الغربية، حيث زعموا أن هذه الآية: (لا إكراه في الدين) ناسخة لآيات جهاد الطلب، بل وناسخة لـ"حد الردة" على حد زعمهم، وأن الإسلام دعا إلى حرية الاعتقاد، ويستدلون بمثل قوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
وهم كثير اليوم على الفضائيات العربية وغيرها، تحت اسم "الباحث الإسلامي" و "المفكر الإسلامي" ولاسيما وقد انهزموا أمام القوانين الوضعية التي تكفل للكافر حق المواطنة كما يعيشها المسلم !!
وقسم آخر هم من المستشرقين، اندسوا بين المسلمين ساعين إلى أهداف خبيثة منها نزع كلمة الجهاد من قاموس المسلمين، حيث يدعون أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وإنما انتشر بالدعوة البريئة من كل قوة.
الثاني: من يقول إن الإسلام انتشر بقوة السيف: ويريد أن يوهم الآخرين أن الإسلام أجبر الناس على الدخول فيه، وهذا قول لبعض الغربيين الذين يفترون على الإسلام بكل ما يقدرون عليه من التهم والافتراءات، وقد دفعهم إلى هذا ما يرونه من الآيات الدالة على أن الإسلام حق، وأن محمد صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه، لأنهم رأوا أنه استطاع أن يجمع الجزيرة العربية بعد تفرقها وكثرة ضغائنها وأحقادها، ثم قامت على يديه الفتوحات العظيمة وبسرعة فائقة فقاموا يعللون هذه الفتوحات بأنه قامت بقوة السيف لا عن قناعة الناس.
وهناك قول ثالث هو أوسط الأقوال: وهم أهل الحق الذين ساروا على هدى الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح حيث قالوا: إن الإسلام لم يجبر أحداً على الدخول فيه بغير رضى واختيار منه، ولكن ليس معنى هذا أن الإسلام لا جهاد فيه، بل فيه جهاد تفتح به البلدان، غايته إخراج الناس من الظلمات من النور، وهدم معالم الطاغوت وقيام معالم التوحيد وقيام القسط والعدل بين الناس، ثم من شاء أن يدخل في الإسلام فهذا خير عظيم ومن لم يدخل فيقر على دينه بمعنى أنه يترك ولا يؤذى، ويعامل بما أمر به الإسلام من السماحة والرفق، ولكنه على خطر عظيم ولا نقول: إن له حق اختيار العقيدة التي يريدها لأن معنى هذه الكلمة هو أنه في دائرة المباح، فلا يستحق العقاب.
وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
الأول: الغاية من الجهاد في سبيل الله.
الثاني: الجهاد ليس للدفاع فقط.
الثالث: الفرق بين أدب الإسلام، وهمجية الكفار.
الرابع: تكذيب الشرع والواقع.
الخامس: الرد على ما يستدل به في هذا الموضع.
أسأل الله أن يكتب لهذه الحلقات القبول، وينفع بها الكاتب والقارئ في الدارين.
المبحث الأول: الغاية من الجهاد في سبيل الله:
لو ألقينا نظرة في تاريخ المجتمعات قبل الإسلام، لوجدناها كانت تعيش حالة رديئة، فالمجتمعات مظلمة بظلمات الشرك من عبادة الأوثان والأصنام، ومليئة بأنواع الظلم، مع ما تعانيه هذه المجتمعات من الجهل والفرقة.
فشرع الله الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته وإظهار دينه وعبادته وحده لا شريك له وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولن تتحقق هذه الغاية مع وجود الطواغيت الجاثمة على الصدور، كأهل الرئاسة والأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل.
قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله).
وفي الآية إشارة إلى فساد مجتمعاتهم من حيث الدنيا والدين، ففساد الدنيا حاصل بأكل الأموال، وفساد الدين حاصل بالصد عن سبيل الله،
فهؤلاء الطواغيت لهم مصالح عظيمة من بقاء أممهم على الكفر، فهم قطاع طريق ما بين الناس وربهم سبحانه، فشرع الله الجهاد لإزالة هذه الموانع وإزاحة هذه الطواغيت، ونقل العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة": (فهؤلاء الكفرة من الكبراء والأعيان يعرفون الحق وأن ما جاءت به الرسل هو الحق، ولكن تمنعهم الرئاسات والتسلط على العباد وظلم العباد والاستبداد بالخيرات يمنعهم ذلك من قبول الحق، لأنهم يعرفون أنهم إذا قبلوا صاروا أتباعاً وهم لا يرضون بذلك إنما يريدون أن يكونوا متبوعين ورؤساء ومتحكمين ومتسلطين، فالإسلام جاء ليحارب هؤلاء ويقضي عليهم ليقيم دولة صالحة بقيادة صالحة) أ.هـ
والخلاصة أن الإسلام جاء بالسيف لكسر الطواغيت، ولم يأت بالسيف لإجبار الناس على الإسلام.
المبحث الثاني: الجهاد ليس للدفاع فقط:
1- الجهاد ليس لدفع العدو فقط:
يقع الكثير من الدعاة في حبائل الكفار عندما ينفي فريضة جهاد الطلب، ويزعم أن الله إنما شرع الجهاد لدفع العدو فقط !! وهذا عين ما يريده أعداء الإسلام، إذ أنهم يثيرون مثل هذا الشيء لنزع لفظة (الجهاد) من قاموس المسلمين، أو على الأقل لتشكيكهم في شرعيته.
والحق أن الجهاد نوعان:
الأول: جهاد لدفع العدو، وهذا شيء جاءت به الشريعة بل دعت إليه الشرائع كلها، مع كونه مستقراً في النفوس ومعروفاً في قوانين الناس، إذ أن الأمم لا تنكر على من دفع العدو عن نفسه ورد الصائل عليه، بل هو معدود من كمال القوة وتمام الشجاعة0
والثاني: جهاد الطلب، وهذا هو الذي نتكلم عنه، وقد جاءت به الشريعة لغاية واحدة وهي إعلاء كلمة الله.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263): (فالمقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه، وهكذا قال الله تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب" فمن عدل عن الكتاب قوّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف.
وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا - يعنى السيف - من عدل عن هذا - يعنى المصحف-) أ.هـ
وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية": (وبعثه الله تعالى بالكتاب الهادي والسيف الناصر بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه ...
فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والسنان، كلاهما في نصره أخوان شقيقان) أ.هـ
أقول: وأما استدلالهم بالآية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) فقد أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن ذلك فقال كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة": (قال بعض السلف في هذه الآية: "إنه أمر في هذه الآية بقتال من قاتله والكف عمن كف عنه"، وقال آخرون في هذه الآية: "إن هذه الآية ليس فيها ما يدل على هذا المعنى وإنما فيها أنه أمر بالقتال للذين يقاتلون أي من شأنهم أن يقاتلوا إلخ، ويصدوا عن سبيل الله وهم الرجال المكلفون القادرون على القتال بخلاف الذين ليس من شأنهم القتال كالنساء والصبيان والرهبان والعميان والزمناء وأشباههم فهؤلاء لا يقاتلون لأنهم ليسوا من أهل القتال.
وهذا التفسير كما سيأتي إن شاء الله تعالى أظهر وأوضح في معنى الآية، ولهذا قال بعدها بقليل: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" فعلم بذلك أنه أراد قتال الكفار لا من قاتل فقط) أ.هـ
2- الإسلام والسيف:
وقولنا: إن الإسلام لم يكره أحداً على الدخول فيه ليس معناه نفي السيف وتعطيله مطلقاً، و ليس معناه أن الشرع لم يأت بالسيف، بل جاء الشرع بالسيف ليقوم الدين ويعبد الله وحده.
1- قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (10/12): (فذكر تعالى أنه أنزل الكتاب والميزان وأنه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط، وليعلم الله من ينصره ورسله ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر "وكفى بربك هادياً ونصيراً").
وقال كما في "مجموع الفتاوى"(28/232): (فأخبر أنه أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنه أنزل الحديد كما ذكره، فقوام الدين بالكتاب الهادي والسيف الناصر "وكفى بربك هادياً ونصيراً"، والكتاب هو الأصل، ولهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب، ومكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر وصار له أعوان على الجهاد).
2- وقد روى أحمد في "مسنده" ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم).
والحديث قد حسنه شيخ الإسلام والحافط العراقي والحافظ ابن حجر والشيخ الألباني رحمة الله عليهم جميعاً.
قال الشيخ الألباني في "إرواء الغليل": (قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات غير ابن ثوبان هذا ففيه خلاف وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق يخطئ وتغير بآخره") أ.هـ
3- استدلال خاطئ ومناقشته:
وهناك من يرى أن معنى لا إكراه في الدين أن الدين يدعو إلى حرية العقيدة، فيستدل على ذلك بأن القرآن خيّر الناس بين الكفر والإيمان وأن لكل واحد من الناس الحق في اختيار الطريق الذي يريده ويحتج بقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) !! حتى قال بعضهم: إن الآية نص في أن من اختار الإيمان فله اختياره، ومن اختار الكفر فله اختياره فلا إكراه.
وهذا الاستدلال غلط لأن الآية سيقت مساق التهديد لا مساق التخيير والإباحة، ويدل على المعنى الذي ذكرناه قوله: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها).
نعم شريعة الإسلام في الدنيا تأمر بإقرار الكافر على ما هو عليه إذا دفع الجزية أو عاهد المسلمين، ونعني بإقراره أي: بتركه دون التعرض له كما هو تعبير الفقهاء، لكن هناك فرق بين أن يقال: إن القرآن أعطى الحق في اختيار العقيدة ويستدل بالآية على ذلك، وبين أن يقال: إن الشريعة أمرت بترك الكافر إذا دفع الجزية.
المبحث الثالث: الفرق بين أدب الإسلام، وهمجية الكفار:
1- الفرق بين ديننا وبينهم في الوسيلة والغاية:
الذي يقارن بين أدب الإسلام وهمجية الكفار – ولا مقارنة – يجد الفروق الكثيرة والعظيمة بين الأمرين، كالفرق بين الظلمات والنور، والظل والحرور، ونلخصها في وجهين لعل الله أن يبصر المتأثرين ببريق الغرب الكاذب فنقول وبالله التوفيق:
1- الغاية:
فالكفار إذا قاتلوا فغاية قتالهم هي في الغالب مطامع دنيوية، فهذه الدول العظمى ما قامت مجتمعاتها، ونهضت حضارتها، إلا على أنقاض دول وشعوب أخرى، غزتها وأعملت فيها السلاح مستغلة تأخرها المادي وفقرها الشديد، فبسطت على أراضيها ونهبت ثرواتها وخيراتها من الذهب والبترول والمعادن وأنواع الكنوز، وصدرتها إلى دولها البعيدة.
فما تراه من تطور وتحضر في الدول الغربية فإنه إنما بني على أنقاض وجثث ودماء وأشلاء، واعتداء على حقوق كثيرة من الأموال والثروات.
في الوقت الذي تعتبر فيه غاية الجهاد الوحيدة في الإسلام هي إعلاء كلمة ونصرة دينه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور كما قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) والفتنة هنا هي الشرك، أي: قاتلوهم حتى لا يوجد شرك، وإذا كانت غاية الجهاد هي تطهير المجتمعات من مظاهر الشرك والخرافة ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده فلا شك أن هذه غاية عظيمة وهي رأس الحق العدل.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه الشيخان.
وما يحصل من عشوائية من قتل وتدمير وسفك للدماء باسم "الجهاد" !! فهو انحراف مرفوض في ديننا وشريعتنا، ولا يضر الإسلام أن هؤلاء الظالمين لأنفسهم ينسبونه للإسلام، فقد بين العلماء وحذروا من ذلك بما يكفي، فلا يحق لأحد أن ينسب هذه الأفعال إلى الإسلام، مع أن هذه الأشياء بالنسبة إلى جرائم هؤلاء الكفار شيء لا يذكر.
2- الوسيلة:
فالكفار قد استخدموا كل وسيلة ليصلوا إلى غاياتهم ومقاصدهم الدنيئة، فاستخدموا القتل والتشريد وانتهاك الأعراض وسَجْن الأبرياء ومداهمة البيوت وتخويف الصبيان والنساء والشيوخ، واستخدموا أنواع التعذيب وإبادة كل من يقف في طريقهم، دون التفريق بين الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والقادر والعاجز، ولم يفرقوا بين الأشهر الحرم وغيرها، ولم يفرقوا بين شهر صيام المسلمين وغيره.
2- شيء يسير من التاريخ الأسود للغرب:
1- ويقول ابن الأثير في "الكامل": (خلال ثلاثة أيام أعملت الفرنجة السيف في المسلمين فقتلت أكثر من مائة ألف شخص، كانت تطرح جثثهم في الخنادق بعد أن مثلوا بها، والتهموا جزءاً منها بشراهة هذا بالإضافة إلى أعداد الأسرى).
2- ويصف ابن الأثير في "الكامل" الاستيلاء على القدس فيقول: (ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين، وقتل الفرنج في المسجد الأقصى ما يزيد على السبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان وجاور ذلك الموضع الشريف، ثم بدأ النهب والسلب).
3- يقول الفرنسي جان كلود جويبو في كتابه "على خطى الصليبيين": (تحت ضغط الحجاج قرر رايموند دي سال جيل بدءً من 23 نوفمبر محاصرة "معرة النعمان" بسوريا كان الحصار طويلاً صعباً لكن الصليبيين أفلحوا في الاستيلاء على المدينة وذبحوا سكانها).
4- ويذكر الكثيرون ماذا فعل ريتشارد قلب الأسد في الحملة الصليبية الثالثة عند احتلاله لمدينة "عكا" بأسرى المسلمين فقد ذبح 2700 أسير من أسرى المسلمين الذين كانوا في حامية "عكا" وقد لقيت زوجات وأطفال الأسرى مصرعهم إلى جوارهم.
5- أما المسيحيون الأسبان فكانوا إذا دخلوا بلداً يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم، كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء, ثم يخبطون رأسه بالصخر أو بجذوع الشجر, أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون، وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه, ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد، وكانوا يقتلون الطفل ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه وقدميه قائلين: أنها أشهى لحم الإنسان.
6- وكان الأسبان باسم الدين المسيحي - الذي يبرأ منه المسيح عليه السلام - يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين ألقوا سلاحهم وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم وحرماتهم، لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب والتنكيل والقهر والفتك طوال مائة سنة.
7- أما فاسكو دي جاما فقد ضرب "كلكتا" - من مدن الهند - بالقنابل حينما تبين له أن أهلها كانوا مسلمين، كما أمر بإحراق مجموعة من السفن التجارية الإسلامية كانت محملة بالأرز، وقطع أيدي وآذان وأنوف بحَّارتها.
8- كما أغرق فاسكو دي جاما سفينة فى خليج عُمان تنقل الحجاج من الهند إلى مكة وعلى ظهرها مائة حاج حيث أعدمهم جميعاً.
9- حاول ماجلان سنة 1519م تنصير أهل الجزر من المسلمين، وحينما فشل فى مهمته لتمسك أهلها المسلمين بالإسلام أحرق مساكنهم ومثل بهم، وقد أطلق على هذه الجزر التى أشهرها مندناوا، اسم الفليبين (نسبة إلى فيليب الثاني ملك أسبانيا).
10- وسار الكابتن هنس البريطاني على نفس المنوال في احتلاله فقط لمدينة عدن في اليمن، دع عنك ما فعله البريطانيون بعد ذلك طوال سني احتلالهم، بل زور الكابتن هنس وثيقة مكذوبة على سلطان عدن ولحج وهو السلطان العبدلي فزعم أن العبدلي باعه أرض عدن، وهذا كذب كما حققه د/ القاسمي في كتابه حول هذا الموضوع.
فدخل مدينة عدن فقتل أهلها من الصيادين وغيرهم وعاثوا في الأرض فساداً، ولم يخرجوا إلا بعد قرابة مائة وثلاثين عاماً.
11- أما عن جرائم انجلترا وفرنسا وهولندا والدانمارك وألمانيا وإيطاليا فى البلاد الإسلامية التى اغتصبوها فحدِّث ولا حرج.
12- ناهيك عن اختطاف المسلمين الأفارقة وبيعهم لخدمة البيض فى المستعمرات التابعة لهم، الذى يبلغ عدد من نقل منهم إلى أمريكا فقط بأكثر من مليونين وثلث مليون، تبعا لتقدير أحد المؤرخين البرتغاليين.
13- فهذا النقيب الفرنسي "دي ليل" يحكى أهوال غرف التعذيب التى عثروا عليها فى أحد الأديرة: (رأينا غرفاً صغيرة فى حجم جسم الانسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدوداً بها حتى يموت. وتبقى الجثث فى السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم وتأكله الديدان، ولكى تُصرَف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي، وقد عثرنا فى هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت فى أغلالها.
ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشرى، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوق، والدماء الممزوجة باللحم المفروم.
14- وقد صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في شهر ديسمبر لسنة 1992 بشأن جرائم الصرب في البوسنة والهرسك: (إنني لا أرضى على ما يحدث فى البوسنة من جرائم بشعة، لكنني لن أسمح بأن تكون البوسنة دولة إسلامية فى قلب أوروبا).
15- وفي أيامنا هذه قد نقلت وسائل الإعلام العالمية ما يفعله الجيش الأمريكي في العراق من الجرائم والعنف والوحشية، فقد استخدم الأسلحة الممنوعة فيما يسمى بـ"حرب المطار" واستخدم الفوسفور الأبيض في مداهمته للفلوجة، وفعل بالمساجين في سجن أبي غريب ما عرفه العالم كله من أنواع التعذيب، واعتدى على النساء العراقيات بأنواع من الاغتصاب والاعتداء كما صورته الصحف العالمية.
16- وكذلك ما يفعله اليهود في فلسطين طوال هذه السنين الطويلة، فقد ارتكبوا المجازر في المخيمات وقصفوا المدن بأكملها وهدموا المنازل وقتلوا الأبرياء، وآخرها ما حدث من اعتداء مجرم على المسلمين في غزة بما لم يشهد له التاريخ مثيلاً إلا في النادر.
ثم العجيب أنهم بعد كل هذا يأتون ليثيروا على الإسلام هذه الشنشنة المعروفة، بل ولا يستحيون من الكلام على الإرهاب والعنف !! فيالها من مهزلة وياله من استخفاف بعقول الناس.
ولما هدم بعض الأفغان صنماً كبيراً في أفغانستان قامت الدنيا وما قعدت وتكلمت عنه الصحف وتحدثت عنه القنوات تعاطفاً مع هذه الحجر الجامد بحجة أنه من التراث، ولم يظهروا أي تعاطف مع قضية المسلمين الضعفاء في غزة فقاتل الله مدنية الغرب الزائفة !!
17- وفي عام 1992م وبمناسبة مرور 500 عام على اكتشاف أمريكا واستعمارها، زار "البابا يوحنا بولس الثاني" جنوب أمريكا، فقوبل بمظاهرات دامية مندّدة وبتحطيم تماثيل قادة المستكشفين والقديسين، لأنهم فعلوا في أمريكا ما لا يخفى.
18- وما محاكم التفتيش التي جرت بعد ذلك على سمع وبصر العالم كله لمسلمي الأندلس بخافية على أحد؛ ويكفي كي يعرف المرء الفرق في التعامل بيننا وبينهم؛ أن يعلم أن الملكة إيزابيلا قد أصدرت عام (1502م) مرسوماً يخيّر جميع الأندلسيين بين التنصير أو الرحيل !! ومن لم يرض بهذا أو بذاك، نال مصيره المحتوم الذي سمعت به الدنيا كلها ولم يخف على أحد.
3- ما يفعلونه من الجرائم إنما هو باسم الدين المسيحي:
1- هذا ما اغتصبه المحتل الأوروبى باسم الدين المسيحي، ولقد أكد ملك إسبانيا ذلك أمام البابا قائلاً: "إن إسبانيا قد جندت نفسها لحرب المسلمين فى أفريقيا حرباً لا تنفك عنها حتى تغرس الصليب فى ديار المسلمين وتجعل أتباع محمد يخضعون له قهراً".
2- ويقول أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط فى وزارة الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى سنة 1967: (يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية).
3- وقد صرح جورج بوش الابن بنحو هذه العبارة في أثناء رئاسته لأمريكا قبيل احتلاله لأفغانستان.
وكل ما تقدم إنما هو قطرة من جرائم هؤلاء المجرمين في حق البشرية عموماً، وفي حق الإسلام خصوصاً.
4- الأدلة على أدب الإسلام:
لابد بعد هذه الجولة من عقد مقارنة ولو سريعة بين هذه الهمجية التي سار عليها الغربيون في حروبهم، وبين أدب الإسلام، ليستبين الجاهل والمنبهر بحضارة الغرب الفرق بين الأمرين.
فوسيلة الإسلام في الجهاد هي كما يلي:
1- الدعوة إلى الإسلام أولاً وقبل كل شيء، فإن رفضوا الإسلام فالجزية، فإن رفضوا الجزية فالقتال.
2- مقاتلة من يقاتل فقط، وترك الراهب في صومعته، والمرأة والشيخ الكبير وغيرهم ممن لم يقاتل.
3- عدم التمثيل بالجثث إلا على سبيل المقابلة على أحد قولي الفقهاء.
4- ترك انتهاب الأموال من الغنائم، والغلول منها حتى تقسم بالعدل.
5- عدم تحريق البيوت والأشجار ونحو ذلك إلا في حالات خاصة.
6- قبول الجزية منهم إن أرادوا ذلك، وهذا فيه دليل على أن الإسلام لا يجبر أحداً بالدخول فيه، بل فيه إعطاء فرصة عظيمة لهذا الكافر ليدرس الإسلام عن قرب، ويتأمل في محاسنه ومصالحه، فلعله يدخل في الإسلام عن قناعة.
دلت على ذلك عدة أدلة منها:
1- ففي "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان).
2- وما رواه مسلم في "صحيحه" عن بريدة قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا).
قال النووي في "شرح مسلم": (وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي: تحريم الغدر وتحريم الغلول وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة).
3- وروى ابن ماجه في "السنن" عن حنظلة الكاتب قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس فأفرجوا له فقال: "ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل" ثم قال لرجل: "انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرك يقول: لا تقتلن ذرية ولا عسيفاً").
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (701) و"صحيح أبي داود" برقم: (2395).
والعسيف: الأجير.
4- وفي العهدة العمرية عهد عمر مع نصارى القدس ونصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء (وهي القدس) من الأمان أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها، أنّه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيّزها، ولا من صليبهم، ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم .. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله، وذمة الخلفاء، وذمة المسلمين).
ذكره ابن جرير الطبري في تاريخ "الأمم والملوك".
5- أدب المسلمين:
1- اعترف المؤرخ جوستاف لوبون بتسامح صلاح الدين وعدله فقال: (وتم طرد الصليبيين من القدس على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي، ولم يشأ صلاح الدين أن يفعل فى الصليبيين مثل ما فعله الأولون من ضروب التوحش فيبيد النصارى عن بكرة أبيهم، فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعاً سلب شىء منهم).
2- وأشار المؤرخ "أيوركا" بما لقيه الصليبيون من حسن معاملة صلاح الدين لهم يوم فتح القدس، فقال: (لقد أظهر الجند المسلمون الذين رافقوا المطرودين من أهل الصليب شفقة مؤثرة، ولاسيما على النساء والأطفال، ولا يوجد دليل على ذلك أكبر من تهديد صلاح الدين لأصحاب السفن من رعايا الجمهوريات الإيطالية لنقل هؤلاء البائسين من الصليبيين).
3- ولما علم صلاح الدين بمرض خصمه ريتشارد قلب الأسد، وبأنه بحاجة إلى بعض الفاكهة والثلج، فبعث إليه صلاح الدين بحاجته، وأرفقها بالدواء والشراب، ولم يكد ريتشارد يشفى من مرضه حتى عاد مرة أخرى إلى قتال صلاح الدين !!
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/85): (إن المسلمين لم يفتحوا البلدان إلا بعد أن فتحوا القلوب أولاً بالدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه بالقول وبالفعل) أ.هـ
المبحث الرابع: تكذيب الشرع والواقع:
1- تكذيب الشرع والواقع لهذه الدعوى:
دعواهم أن الإسلام انتشر بالسيف شيء يكذبه الشرع والواقع الملموس بل وشهادة الكفار أنفسهم.
أولاً تكذيب الشرع:
وفي ذلك عدة أدلة تدل عل ما ذكرناه، منها:
1- قوله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
قال ابن كثير: (أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بيّنه، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً) أ.هـ
ونحب أن نبين أن قتل المرتد ليس داخلاً في الآية لأن بين الأمرين فرقاً، فقد ذكر الطاهر بن عاشور في "تفسيره" أن حكمة تشريع قتل المرتد - مع أن الكافر أصلاً لا يقتل - هو أن المرتد بخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه ينادي على أنه خالط هذا الدين فوجده غير صالح فهذا تعريض بالدين واستخفاف به، ففيه تمهيد طريق لمن يريد أن ينسل من هذا الدين وذلك يفضي إلى انحلال الجامعة، فلو لم يجعل لذلك زاجر ما انزجر الناس ولا نجد شيئا زاجرا مثل توقع الموت، فلذلك جعل الموت هو العقوبة للمرتد حتى لا يدخل أحد في الدين إلا على بصيرة، وحتى لا يخرج منه أحد بعد الدخول فيه، وليس هذا من الإكراه في الدين المنفي بقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) على القول بأنها غير منسوخة، لأن الإكراه في الدين هو إكراه الناس على الخروج من أديانهم والدخول في الإسلام وأما هذا فهو من الإكراه على البقاء في الإسلام.
2- قوله تعالى عن نوح أنه قال لقومه: (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون).
3- وقال تعالى : (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره": (والاستفهام في "أفأنت تكره الناس" إنكاري، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لحرصه على إيمان أهل مكة وحثيث سعيه لذلك بكل وسيلة صالحة، منزلة من يحاول إكراههم على الإيمان حتى ترتب على ذلك التنزيل إنكاره عليه).
4- قوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن).
والشاهد أن الله أمر بدعوة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ليدخلوا عن قناعة.
5- وثمامة بن أثال الحنفي من بني حنيفة أسره المسلمون وهم لا يعرفونه، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه وأكرمه وأبقاه عنده ثلاثة أيام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضاً كريماً فيأبى ويقول: (إن تسأل مالاً تُعطه، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ، وإن تنعم تنعم على شاكر، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أطلق سراحه).
تأثر ثمامة بهذه السماحة وهذه المعاملة الكريمة فذهب واغتسل، ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً مختاراً وقال له: يا محمد، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلىّ، والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلىَّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إلي، ثم أسلم بإسلامه كثير من قومه، وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه سروراً عظيماً، ولما ارتد كثير من قومه مع مسيلمة لم يرتد ثمامة بن أثال مع قومه بل ظل ثابتاً لأنه دخل عن قناعة.
ولم يقف أثر تسامح النبي صلى الله عليه وسلم في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه، فقد ذهب مكة معتمراً فهمَّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة، فآلى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئاً من الحبوب حتى يأذن محمد صلى الله عليه وسلم) والقصة إلى هنا في "الصحيحين".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (زاد ابن هشام: "ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلى بينهم وبين الحمل إليهم") أ.هـ
6- أسلم المهاجرون والأنصار قبل نزول آيات الجهاد بوقت كثير لأن الجهاد شرع في المدينة ولم يشرع في مكة، وآيات الأمر بالجهاد كلها مدنية، فدل على أن إسلامهم كان عن قناعة.
بل وأسلم بعض الناس باختيارهم دون أن تفتح بلادهم ودون أن يدخلها المجاهدون في سبيل الله كأهل اليمن كما هو معلوم ومعروف.
ثانياً تكذيب الواقع:
ومن نظر إلى واقع الناس اليوم يرى كذب هذه الدعوى ويدل على ذلك أمور:
1- أننا نجد الكثير من الناس من يدخل في الإسلام اليوم مع عدم وجود الجهاد الشرعي الصحيح، ولاسيما الذين أسلموا في بلاد الكفر اليوم - ومنها أوروبا وأمريكا – فإنهم يدخلون في دين الله أفواجاً، لما يرون فيه من محاسن عظيمة، وعقيدة سهلة صحيحة، ودين يحل مشاكلهم، ويجيب على إشكالاتهم المحيرة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في الأديان الأخرى، حتى اعترف الرئيس الأمريكي السابق "بل كلينتون" بأن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا من أقوى المؤكدات على أن الناس يدخلون في دين الإسلام عن قناعة ودراسة لجوانب الإسلام وحباً لمحاسنه.
2- أن كثيراً ممن أسلم صرح مبيناً سبب إسلامه، فقد ذكر بعضهم أن السبب أنه وجد القرآن ينهى عن كل قبيح ويأمر بكل جميل، وآخر ذكر أنه تأثر بقصة عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلقاء، وآخر يقول: إن الحقائق العلمية العصرية قد دل عليها القرآن قبل كذا وكذا عام، إلى غير ذلك من القصص.
3- لو كان الإسلام انتشر بالسيف لما بقي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أناس متمسكون بهذا الدين في أنفسهم ويعلمونه أبناءهم إلى يومنا هذا، فقد مرت بهم ظروف قاسية ومحن شديدة وقرون كثيرة وهم ثابتون على دينهم، ولو دخلوا في الإسلام بإكراه لكانت هناك فرصة للإنسلاخ من هذا الدين والتخلص منه، لكنهم دخلوا عن قناعة فصبروا عليه، وضربوا أروع الأمثلة في الثبات على الدين مما يدل على أنهم راغبون فيه ومحبون له.
4- لو كان الإسلام قد انتشر بالسيف، ودخل الناس في الإسلام عن طريق الإجبار لاعتناقه، لما بقي كتابي واحد في أرض الإسلام قديماً ولا حديثاً في مختلف أقطار الشرق، وإن وجود هذه الأقليات الكتابية وغيرهم في مجتمعات المسلمين وهي تنعم بالرخاء والثراء لأكبر دليل على سقوط هذا الدعوى.
5- إن بعض الفتوحات التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده رضي الله عنهم تدل على أن الجيوش التي خرجت من المدينة خرجت هادية للناس وداعية إلى دين الله وناشرة له، وليست جيوش تخرج لاحتلال بلاد وإجبار أهلها على دخول دين لا يرغبون فيه لأنها قليلة في كثير من الأحيان، وغالباً ما تدخل البلاد بعد عودتها من بلاد أخرى منهكة القوى ومتعبة في نفسها.
ثالثاً شهادة الكفار وآخرين من غيرهم:
1- يقول شارلكن: (إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وأنهم مع امتشاقهم السيف نشراً لدينهم، تركوا من لم يرغبوا فيه أحراراً فى التمسك بتعاليمهم الدينية).
2- ويستشهد الدكتور أ. س. ترتون مؤلف "أهل الذمة فى الإسلام" بشهادة البطريرك النصراني (عيشويابه): (إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قديسينا وقسيسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا).
3- يقول المؤرخ الشهير (ولز) فى صدد بحثه عن تعاليم الإسلام: (إنها أسست فى العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ فى الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة، ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما غمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي عما فى أية جماعة أخرى سبقتها ...... إنه مليء بروح الرفق والسماحة والأخوة).
5- ويقول (رينو) فى كتابه تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط: (إن المسلمين فى مدن الأندلس كانوا يعاملون النصارى بالحسنى، كما أن النصارى كانوا يراعون شعور المسلمين فيخنتون أولادهم ولا يأكلون لحم الخنزير).
6- ويقول (أرنولد) وهو يتحدث عن المذاهب الدينية بين الطوائف المسيحية: (ولكن مبادئ التسامح الإسلامي حرَّمت مثل هذه الأعمال التى تنطوي على الظلم، بل كان المسلمون على خلاف غيرهم، إذ يظهر لنا أنهم لم يألوا جهداً فى أن يعاملوا كل رعاياهم من المسيحيين بالعدل والقسطاس، مثال ذلك: أنه بعد فتح مصر استغل اليعاقبة فرصة إقصاء السلطات البيزنطية ليسلبوا الأرثوذكس كنائسهم، ولكن المسلمين أعادوها أخيراً إلى أصحابها الشرعيين بعد أن دلَّلَ الأرثوذكس على ملكهم لها).
7- ويقول كاتب غربي كبير هو "توماس كارليل" صاحب "كتاب الأبطال" ترجمه الكاتب الصحفى أنيس منصور تحت عنوان: "العظماء مائة أعظمهم محمد" فإنه اتخذ نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام مثلاً لبطولة النبوة، فقال ما معناه: (إن اتهامه - أي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم، إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ويستجيبون له، فإذا آمن به من لا يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها).
من كتاب "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" للعقاد.
8- الدكتور نبيل لوقا بباوي الذى أصدر مؤخرًا دراسة تحت عنوان : "انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء" رد فيها على الذين يتهمون الإسلام بأنه انتشر بحد السيف وأجبر الناس على الدخول فيه واعتناقه بالقوة.
9- ذكر المؤرخ النصراني "فيليب فارج" والمؤرخ "يوسف كرباج" في كتاب "المسيحيون في التاريخ الإسلامي العربي والتركي" (ص 25، 46، 47) أن عدد سكان النصارى واليهود في مصر إبان خلافة معاوية حوالي 2500.000 نسمة، وبعد نصف قرن أسلم نصف هذا العدد في عهد هارون الرشيد بسبب عدالة وسماحة الإسلام.
10- تقول بوجينا غيانا ستشيجفسكا المستشرقة البولونية في كتابها "تاريخ التشريع الإسلامي":
(ومع هذا فلما انتصر عليهم يوم فتح مكة عفا عنهم وأحسن إليهم، ولذلك أحبوه وأسلموا طواعية واختيارا، والقول أن الإسلام انتشر بالسيف كلام يكذبه التاريخ ويكذبه الواقع).
11- يقول د. مراد هوقمان فى كتابه: "الإسلام عام 2000": (ولكن حتى اليوم - لحفظ ماء الوجه - يُصر العالم الغربي على الأسطورة التى اخترعها، أن الإسلام انتشر بالسيف والنار)
ثم قال: (ويعجب المرء أشد العجب من استمرار تلك الأسطورة حتى اليوم، حيث المسلمون مستضعفون فى مشارق الأرض ومغاربها، ومع هذا يزيد تمسكهم بالإسلام فى بلاد مثل كشمير والبوسنة والهرسك وشيشان وغيرها، بل ويدخل الآلاف الأمريكيون والأوروبيون فى الإسلام سنوياً، ناهيك عن البلاد التى دخلت الإسلام بأكملها دون أن يصلها جندي مسلم واحد!!. ومثال ذلك أندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين، فيها عدد من المسلمين يتجاوز المسلمين العرب، كذلك كل إفريقيا المسلمة إذا استثنينا شمال إفريقيا) أ.هـ
2- لو فرضنا أن الدين انتشر بالسيف لم يكن في هذا عيب لأنه لمصلحة البشرية:
غاية الجهاد هي تطهير المجتمعات من مظاهر الشرك والخرافة ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده وليقوم الناس فيما بينهم بالقسط والعدل، وهذه غاية عظيمة وهي رأس الحق العدل وهي لمصلحة البشرية كلها.
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (ما رأيكم في قول من قال: إن الإسلام انتشر بالسيف، ونريد أن نرد عليهم رداً منطقيا ؟
فقال: هذا القول على إطلاقه باطل، فالإسلام انتشر بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأيد بالسيف، فالنبي صلى الله عليه ويسلم بلغه بالدعوة بمكة ثلاثة عشر عاماً ثم في المدينة قبل أن يؤمر بالقتال، والصحابة والمسلمون انتشروا في الأرض ودعوا إلى الله ومن أبى جاهدوه لأن السيف منفذ، قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فمن أبى قاتلوه لمصلحته ونجاته، كما يجب إلزام من عليه حق لمخلوق بأداء الحق الذي عليه ولو بالسجن أو الضرب، ولا يعتبر مظلوما فكيف يستنكر أو يستغرب إلزام من عليه حق لله بأداء حقه فكيف بأعظم الحقوق وأوجبها وهو توحيد الله سبحانه وترك الإشراك به، ومن رحمة الله سبحانه أن شرع الجهاد للمشركين وقتالهم حتى يعبدوا الله وحده ويتركوا عبادة ما سواه، وفي ذلك سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة. والله الموفق) أ.هـ
المبحث الخامس: الرد على ما يستدل به في هذا الموضع:
استدل هؤلاء على دعواهم أو استدل لهم من تأثر بقولهم بأن الإسلام انتشر بالسيف ببعض الأدلة، فنحن نذكرها ونبين الجواب عن هذه الاستدلالات.
استدلالهم على ذلك بحديث: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف" وفي الحديث كذلك: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي):
هذا الحديث صحيح كما تقدم، وليس فيه ما يدل على ما ذكروه لا من قريب ولا من بعيد، وإنما غاية ما يدل عليه هو أن الإسلام يدعو إلى الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) فليس فيه أن الاسلام أجبر الناس على الدخول فيه من غير أي شيء يدل على رضاهم، وإنما فيه إثبات الجهاد وأن الله أباح الغنائم لأمة الإسلام، فهي لهم حلال بخلاف الأمم السابقة.
استدلالهم بحديث: "جئتكم بالذبح":
روى أحمد في "المسند" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما كانت تظهر من عداوته قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا، قال فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفاً بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال: فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فقال: تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وصاه قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم انصرف راشداً فوالله ما كنت جهولاً قال: فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون له أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه قال وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول وهو يبكى (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط).
وسنده حسن وقد صححه ابن حبان فرواه في "صحيحه" وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح موارد الظمآن" و"صحيح السيرة" وأحمد شاكر في "تحقيق المسند".
وتوجيه الحديث هو أن يقال: إن هذه الكلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قالها بعد أن استهزؤوا به ثلاثاً وهم جلوس في الحجر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، وبعد أن وجد منهم العناء الشديد، فمقولته صلى الله عليه وسلم هذه إنما قالها على أنها عقوبة من الله لا ليدخلهم في الدين بالإكراه وقد خاطبهم صلى الله عليه باللين واللطف بما فيه الكفاية، والسياسة تقتضي أن تتغير اللهجة فتارة تكون لهجة فيها لين وتارة تكون لهجة شديدة كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم).
قال ابن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة": (فذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو:
1- فإنه إما أن يكون طالباً للحق راغباً فيه محباً له مؤثراً له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة ولا جدال.
2- وإما أن يكون معرضاً مشتغلاً بضد الحق ولكن لو عرفه لآثره واتبعه، فهذا يحتاج مع الحكمة إلى الموعظة بالترغيب والترهيب.
3- وإما أن يكون معانداً معارضاً فهذا يجادل بالتي هي أحسن فإن رجع إلى الحق وإلا انتقل معه من الجدال إلى الجلاد) أ.هـ
وقيل: إنه قالها بعد أن أطلعه الله على ما سيكون من مصارعهم، وقد ثبت عنه أنه قد أخبر بمصارع القوم في غير هذه المناسبة.
ولقد قال بعضهم: إنه يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها لهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب بل هم وثنيون والوثنيون لا يخيرون ما بين القتال والجزية على قول للفقهاء، بل يلزمون بالإسلام أو القتال، ولكن هذا القول غير مقبول عند من يرى أنه لا فرق بين الكتابيين والوثنيين فكلهم تقبل منهم الجزية وهو الصحيح.
استدلالهم بأن "النبي خطب على معتمداً على سيف":
قال ابن القيم في "زاد المعاد": (ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف وهذا جهل قبيح من وجهين:
أحدهما: أن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس.
الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف) أ.هـ
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 21:32
الشبهة الرابعة:
أن الإسلام ضد حرية الرأي
وهذه الحلقة تتكون من عدة مباحث:
المبحث الأول:[/COLOR[COLOR="darkorange"]] حقيقة حرية الرأي.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة.
المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الرأي.
المبحث الرابع: الرقابة على وسائل الإعلام ومنها الصحافة.
المبحث الأول: حقيقة حرية الرأي:
1- احترام الإسلام للرأي:
إن الإسلام يرحب بكل الآراء التي تخدم المجتمع وتدفعه نحو تحقيق الغاية التي خلق لها والتي هي سبب سعادته ونجاته، لا الآراء التي هي محض زبالة الأذهان ولا خير فيها سوى التنقص من الشرائع والتعدي على الأعراض.
ومما يدل على أن الإسلام أعطى الحق في إبداء الرأي أشياء منها:
الأول: حق نقد الخطأ وهذا أمر مجمع عليه وقد حكى الإجماع غير واحد، ولا شك أن شرط هذا النقد ثبوت الخطأ ببراهين قوية عند المنتقد، ثم العلم بما ينتقده.
الثاني: النصح لكل إنسان، وتوجيهه إلى ما فيه الخير له في الدنيا والآخرة.
الثالث: رأي المختصين في اختصاصهم كالعالم في بابه وكذلك الطبيب والمهني وغيرهما، بحيث يقوم كل شخص بإثراء الفن الذي هو مشتغل به وخدمة المجتمع ونفع الناس.
الرابع: الحق في اختيار الإنسان الشيء الذي يريده في كثير من الأبواب بشروطه الخاصة، كاختيار الزوجة والوظيفة المناسبة له ونحو ذلك.
الخامس: الحق في رفض أي شيء لا يريده الإنسان ولا يرغب فيه كذلك بشروطه.
السادس: مبدأ الشورى الذي تميز به الإسلام، فهو من أوضح البراهين على أن الإسلام يحترم الآراء وأنه لا دكتاتورية فيه.
إلى غير ذلك من البراهين الدالة على ما ذكرنا، ويرى القارئ أن بعض هذه الأمور المذكورة تعتبر من الواجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشورى وحق نقد الأخطاء والنصح، فهذا يدل على أن الرأي له مكانته في الإسلام لكن بالقيود الشرعية.
2- ليس كل الآراء مقبولة في الإسلام:
ولكن ينبغي أن يعرف أن هذه الآراء مهما كانت منازل أصحابها فهي عرضة للخطأ والانحراف، فلا بد إذاً من التقيد بقيود الشريعة ليضمن المجتمع السلامة من مخاطر الآراء وآفاتها.
1- قال الله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم).
أي: أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم لكم من رأيكم، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، وعبارات المفسرين تدور حول هذا، فالله تعالى قد أبدل الصحابة بالإتباع الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الطريق الذي أنعم الله به عليهم هو طريق الرشاد والسداد، ولو ابتلوا بكثرة الآراء لكان فيه مشقة عظيمة عليهم.
- قال ابن جزي في تفسيره المسمى بـ"التسهيل": (أي لشقيتم والعنت المشقة، وإنما قال: لو يطيعكم ولم يقل لو أطاعكم، للدلالة على أنهم كانوا يريدون استمرار طاعته عليه الصلاة والسلام لهم والحق خلاف ذلك، وإنما الواجب أن يطيعوه هم لا أن يطيعهم هو، وذلك أن رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأصوب من رأي غيره، ولو أطاع الناس في رأيهم لهلكوا، فالواجب عليهم الانقياد إليه والرجوع إلى أمره).
- قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره": (لأنه اقتضى أن لبعضهم رغبة في أن يطيعهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرغبون أن يفعله مما يبتغون مما يخالونه صالحا بهم في أشياء كثيرة تعرض لهم، والمعنى: ولكن الله لا يأمر رسوله إلا بما فيه صلاح العاقبة وإن لم يصادف رغباتكم العاجلة) أ.هـ
وهذا مع أصحاب رسول الله وهم أزكى الناس نفوساً وأرجحهم عقلاً وأصدقهم إيماناً وأبرهم قلوباً فكيف بغيرهم من أهل الجهالات والخبال والانحراف والضلال ؟!
2- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي اجتهاداً فوالله ما آلو عن الحق وذلك يوم أبي جندل حتى قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تراني أرضى وتأبى") أخرجه البيهقي والطبري والطبراني.
وقال أيضا رضي الله عنه: (السنة ما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة).
ولقد اجتهد عمر في الأعمال الصالحة ليكفر ما بدر منه في تلك الحادثة، فقد جاء عند ابن إسحاق في السيرة أنه قال: (مازلت اتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذى صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذى تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً)، وفي رواية عند الواقدي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال عمر: (لقد أعتقت بسبب ذلك رقاباً وصمت دهراً).
3- وعن أبي وائل قال: لما قدم سهل بن حنيف رضي الله عنه من صفين أتيناه نستخبره، فقال: (اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت والله ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا؛ إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسد منها خصماً إلا انفجر علينا خصم؛ ما ندري كيف نأتي له ؟!).
رواه الشيخان، وهذا لفظ البخاري.
3- حدود حرية الرأي عند الغرب:
1- وأكون صادقاً إذا قلت: إن الدول التي تنادي بحرية الرأي وتدعو إليها هي نفسها لا تتصور إلى الآن حدود هذه حرية الرأي المطلوبة، فهي تعلم تمام العلم أنها لا تستطيع أن تقبل كل رأي لأن تعارض الآراء واختلاف وجهات النظر مما جبل عليه الناس، ولذلك لجأت إلى طرق الترجيح كالأخذ برأي الأكثرية والضرب على سائر الآراء، وقاعدة الأخذ برأي الأكثرية قاعدة خاطئة لأن الصواب ليس مربوطاً بقول الأكثرين، بل الأكثرية مذمومة في القرآن الكريم إذا خالفت الصواب كما قال تعالى: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وقال: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) وقال: (وقليل من عبادي الشكور) وقال: (وإن كثيراً من الناس لفاسقون) ونحو هذه الآيات.
2- ثم ينبغي أن يعلم أن هناك خطوطاً حمراء لهذه الآراء لا ينبغي تجاوزها ولا الاقتراب منها، لأنها تعلم أن فتح هذا الباب على مصراعيه معناه القضاء على قوانينها ومصالحها مع فتح أبواب من الشر لا تغلق أبداً.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة:
1- حقيقة هذه الدعوة:
في الأزمنة الأخيرة يلاحظ القارئ أن هناك حملة شديدة للإنتصار لقضية حرية الرأي، والدعوة إلى فتح أبواب هذه الحرية على مصراعيه، ولا يعلم ما وراء هذه الدعوة من الأخطار إلا من بصرهم الله بحقائق الأمور وهم أهل العلم.
وهذه الدعوى حقيقتها فتح الباب لكل الناس في أن يقولوا ما يريدون من الأقوال دون أن يكون هناك أي رقيب أو أي مانع من هذه الأمور، ويرفع سيف الرقابة على أهل التطاول والوقاحة، وهذا يساعد على فتح الباب لأمثال الصحفيين ومن يسمون بالمفكرين والأدباء والشعراء في أن يتعرضوا لمعالم الدين وشرائعه وكتبه ودواوينه بالنقد والتشكيك بل وبالرد الصريح، في الوقت الذي لا يسمح لأحد الرد عليهم لأنه هذا مناقض تماماً لحرية الرأي والتعبير.
2- تصور هذه الأخطار تفصيلاً:
وأضرار هذه الدعوة يمكن تلخيصها إلى أمور:
3- التعدي على الأصول الثابتة في ديننا ومناقشة الأمور التي لا تقبل الجدل والمناقشة، وعرضها للأخذ والرد ولو من قبل لا معرفة لهم بها.
4- إماتة روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام وبين المسلمين.
5- التسوية بين من فرق الله بينهم بفارق الجنس أو الدين أو العلم أو الاستقامة أو غير ذلك، ولكي نكون واقعيين نضرب أمثلة على ذلك فنقول: إن حرية الرأي تسوي بين الرجل والمرأة فرأيها كرأي الرجل ونظرتها كنظرته، والتسوية بين العالم والجاهل فرأيهما متساويان، والفاسق والطائع كذلك، والمؤمن والكافر.
6- انسلاخ المجتمعات من الآداب والأخلاق جملة وتفصيلاً، والدعوة إلى الرذيلة والفاحشة بحجة حرية الرأي.
ولكي لا أذهب بعيداً أذكر للقارئ ما حل ببعض المجتمعات من النكبات والتفسخ الأخلاقي باسم حرية الرأي، فمن ذلك:
- تحول الذكور إلى ما يسمى بالجنس الثالث، وقد اشتهر هذا الأمر أخيراً بشيء يثير الغرابة وفي بعض الدول العربية بالذات، وهذا من بركات حرية الرأي.
- بل بحجة حرية الرأي أجرت بعض القنوات مقابلة مع مثل هذا الصنف من الناس ليرى الجمهور بدايته ونشأته وأسباب سلوك مثل هذا الطريق مع عرض تحليلات شرعية وقضائية وطبية، وهذا أقل ما فيه نشر مثل هذه الرذيلة !! فيا لها من مهزلة واستخفاف بعقول المشاهدين.
- بل طلع علينا في هذه الأيام ما يسمى بالجنس الرابع وهن الفتيات المترجلات، فهنيئاً لهذه المجتمعات.
- وبحجة حرية الرأي كثرت أندية العراة في أوروبا وأمريكا، بل يقول بعض المسلمين الذين يسكنون في دول أوروبا: إن عندنا شوارع بأكملها من العراة.
- وبحجة حرية الرأي قُننت القوانين التي تبيح زواج الذكور بالذكور والفتيات بالفتيات، فأصبحت الكنيسة تبارك مثل هذه الزواجات وتشرف عليه، بل وتقوم هي بعقد هذه العقود وتسجيله بالسجل المدني.
7- تزوير الحقائق والكذب على الشعوب والأمم، ولكي يعلم القارئ أن هذا ليس من نسج الخيال فإني أضرب مثالاً على هذه المسألة فأقول: إن الكابتن البريطاني المجرم هنس الذي كان سبب دخول بريطانيا إلى اليمن واحتلالها لها قرابة مائة وثلاثين سنة، تصورها صحيفة يمنية في أكثر من عدد على أنه "المستكشف البريطاني" ولا تصورها للناس على حقيقته وأنه محتل معتدي على بقاع المسلمين، لأن علاقة صحيفة الأيام بالسفيرة البريطانية في اليمن شيء معلوم لكل الناس، وتخصها الزيارات من دون سائر الصحف، دع عنك مقالات الثناء والمديح التي تكيله هذه الصحيفة لهذه السفيرة.
8- إيذاء الآخرين في أعراضهم، وإثارة التهم والريبة فيهم بحجة حرية الرأي، كما تفعله بعض الصحف المشهورة عندنا فإن لها جناحاً خاصاً بعنوان: (أصحيح هذا ؟!) ثم تقول مثلاً: (بلغنا أن رئيس المؤسسة الفلانية استلم مالاً بقدر كذا وكذا مقابل أن يفعل كذا، أصحيح هذا ؟!) !!.
ولا يخفى ما في مثل هذه الأساليب العفنة من الإضرار بأعراض الناس، فإن أعراض الناس مصونة إلا بحق الإسلام، فاليوم في رئيس المؤسسة الفلانية وغداً في رئيس المرفق الفلاني وبعده في إمام المسجد وبعده في العالم الفلاني وبعده في رئيس البلاد، وهكذا من أراد أن يصطاد أعراض الناس فليذهب إلى الصحف وليكتب فيها ما شاء أو ليرسل إلى الصحفيين ليكتب له فيها ما يشاء فإن محاطة ومحمية بحق الرأي.
9- تشكيك الناس في مراجع الأمة ودواوين العلم والتي أقل ما يقال فيها إنها من تراثهم الإسلامي ككتب السنة ودواوينها كالصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم ونحو ذلك.
لقد كتب أحد الكتاب المصريين وهو "إسلام بحيري" مقالاً أو كتاباً نشرت "جريدة 14 أكتوبر اليمنية" بعض هذا المقال، وقد انتهى فضيلة هذا الصحفي العبقري إلى تضعيف بعض أحاديث الصحيحين، وستأتي مناقشته إن شاء الله في حلقات لاحقة والذي يهمنا هنا أنه قال في آخر البحث:
(لذا فإننا نستطيع وبكل أريحية أن نستدرك على كل كتب الحديث والفقه والسيرة والتفسير، وأن ننقدها ونرفض الكثير مما جاء فيها من أوهام وخرافات لا تنتهي، فهذه الكتب في النهاية محض تراث بشري لا يجب أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية أبداً، فنحن وأهل التراث في البشرية على درجة سواء، لا يفضل أحدنا الآخر، فصواب أعمالهم لأنفسهم والأخطاء تقع علينا) أ.هـ
تأمل في كلمة من هذه الكلمات تجدها مليئة بالحقد الدفين على الإسلام باسم حرية الرأي، وحرية القلم ونحو هذه العبارات التي هي ستار لهدم الدين والفضيلة.
المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الرأي:
1- حرية الرأي والتعبير:
واحترام الإسلام للرأي شيء معلوم، فالرأي في الإسلام ليس ممنوعاً على الإطلاق، ولكن في المقابل له حدود لا ينبغي تجاوزها وتعديها، لأنه إذا فتح له الباب على الإطلاق كانت الآراء سبباً للفوضى العارمة وحلول الكوارث والحروب والنكبات كما لا يخفى.
ويمكن ضبط الرأي المقبول بأمور:
الأول: أنه الرأي الذي لم يصادم شرائع الإسلام المنزلة، والتي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلت بها الكتاب، لأن رأياً يصادم دين رب العالمين ويصادم أمره ونهيه فهو رأي فاسد كرأي إبليس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": (وحديث سهل بن حنيف وعمر بن الخطاب وإن كان يدل على ذم الرأي لكنه مخصوص بما إذا كان معارضاً للنص، فكأنه قال اتهموا الرأي إذا خالف السنة) أ.هـ
الثاني: لا يتضمن الاعتداء على حقوق الآخرين.
الثالث: أنه لا يصادم مصلحة خالصة أو مصلحة راجحة في كافة النواحي.
وهذه القيود في الحقيقة ليست تقييداً للحرية بقدر ما فيها من ضمان للمصلحة العامة التي يسمو لها المجتمع.
2- حرية الرأي في الإسلام:
كل الأمم متفقة على أن حرية الرأي لها حدود لا تتجاوزها، وخطوط حمراء لا تتعداها، لكن حرية الرأي في الإسلام تختلف عن كل أصوات الحرية التي تنادي بها الشعوب والأمم، لأنه تميزت عنها بأمور:
1- أن هذه الخطوط الحمراء مأخوذة من ديننا الذي أنزله الله رحمة بعباده ولطفاً بهم، بخلاف سائر الأمم فإنه تضع حدود هذه الحريات من منطلق سياساتها ومصالحها الدنيوية العاجلة.
2- أن حرية الرأي في الإسلام ليست وليدة هذا العصر كما هو حال الحرية المزعومة في الغرب، فإنها وليدة هذه الأزمنة المتأخرة.
3- أن حرية الرأي في الإسلام تختلف عما يفعله الغربيون من حيث إن الغرب يمكن للمفكرين فيه أن يطرحوا آراءهم بين الناس ثم يتركون الناس يتصارعون ويتقاتلون دون أي: تحديد أو توجيه، تاركين للناس اختيار الطريق الذي يريدونه، وهذا فيه من العبث بقدر ما في هذه الشعار من بريق الحرية، وفيه من كتم النصيحة ما يجعل المجتمع بأسره يقع ضحية هذه الخيانة، بخلاف دين الإسلام فإن الله من رحمته قد كفانا هذا العبث والجهد فدلنا على طرق الحق بأحسن أسلوب وأسهل طريقة.
4- حرية الرأي والتعبير في الإسلام مفتوحة ما لم تؤد إلى الفساد في الأرض أو تسلك الوسائل الموصلة إليه، فالإسلام يمنع من تقديم مواد الجريمة ومن تسهيل أسبابها للناس على أن ذلك من حرية التعبير كما يفعل الغرب، فقد قدموا الإلحاد والتطاول على الشرائع والعنف وأسباب الفاحشة - وهي التي يسمونها بالجنس - والشذوذ وغير ذلك على أنه من أنواع الحرية الشخصية.
5- استغلت حرية الرأي استغلالاً سيئاً في الغرب، فهذه الحرية أداة يجني بها أصحاب رؤوس الأموال الكثير من الصفقات على حساب المجتمع فهم يملكون وسائل الإعلام ومن هنا قاموا بتوجيه الرأي العام إلى الهدف الذي يريدونه.
وهذا غير استغلال حرية الرأي في الأمور السياسية والاقتصادية والنواحي الأخرى، فالإعلام في الغرب يملكه اليهود في الغالب وهم بهذا استطاعوا أن يغرسوا في المجتمعات النصرانية الكثير من مبادئهم المنحرفة لتحقيق أهدافهم ومآربهم.
وقد سلكت بعض هذه المسالك بعض القنوات في الدول العربية، فقد فتحت باب عرض الآراء في البرامج التلفزيونية حيث تعرض فيها بعض الآراء المتعاكسة لجذب الجماهير ومن ثم تكون هذه القناة محل شهرة يتجه إليها أصحاب رؤوس الأموال للإعلان عن بضائعهم التي تدر على هذه القنوات أرباحاً هائلة.
6- حرية الرأي في الإسلام بالقيود المذكورة شيء ثابت لا يتغير، بخلاف حرية الرأي في الدول الغربية فإنها تتغير على حسب المصالح والظروف.
7- ديننا وازن بين حرية الرأي وبين سلامة المجتمع من الآراء المطروحة والمعلولة، والتي لا تحمل للمجتمع إلا الوبال، فكما نظر إلى حرية الرأي كذلك نظر إلى سلامة المجتمع وصيانته.
والخلاصة أن حرية الرأي في الإسلام مقيدة بديننا وخاضعة للقيم المأخوذة من ديننا الإسلامي، بخلاف الحرية في الغرب فإنه لا حدود لها، وهذه في الحقيقة ليست من الحرية في شيء، بل هو طريق الردى والهلاك.
المبحث الرابع: الرقابة على وسائل الإعلام ومنها الصحافة:
1- الرقابة على الصحافة:
ما أحوج الإعلام اليوم إلى الرقابة الشديدة ولاسيما الصحف بعد أن ظهرت الكثير من الآراء التي تدعو إلى التفلت من الشرائع، والانسلاخ منها.
والصحافة بدلاً من أن تجعل نفسها رقيبةً على ما تريده وتترك ما تريده بحسب ما يملى على أصحابها، هي أولى بأن تكون المراقبة.
إننا اليوم نرى تفخيماً وتعظيماً عجيبين للصحافة خصوصاً والإعلام عموماً، وليس أدل على ذلك من إضافة الألقاب الفضفاضة على مثل الصحف كلقب: (صاحبة الجلالة) ولقب (السلطة الرابعة) أي: بعد السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية ونحو هذه الألفاظ، بل أنشئت منظمات وجمعيات للدفاع عن حقوق الصحفيين وحرية تعبيرهم.
و(حرية الرأي والتعبير) أقل ما فيها أنها كلمة مطاطة تصلح مدخلاً لأي باطل ومعولاً في ضرب الفضيلة لأي هادم، فيمكن لأي شخص أن ينسلخ من الدين ويتنكر له من خلال ما يكتبه، ويمكن كذلك لأي دولة من الدول العظمى وغيرها أن تضرب أمن دولة أخرى من خلال تحريض الصحفيين على زعزعة أمن البلاد وإثارة الفتن والقلاقل فيها، ويمكن لأي صحيفة أن تثير تشويهاً على شركة من الشركات الكبرى التي لها سمعتها في السوق على حساب شركة أخرى إلخ.
ويمكن لأي أحد أن يخرج فيها من عهدة المسئولية بحجة حرية الرأي، ولا يمكن لأي أحد أن يطالب بمنع مثل هذه الفوضى لأنه سيتهم بأنه يمنع من حرية الرأي وحرية الكلمة وحرية التعبير ونحو هذه التفاهات.
وكم من عرض انتهك، وكم من شخص ظلم، وكم من فتنة قامت من بعد هؤلاء الصحفيين، فإذا ضرب أو أوذي جعلوه بطلاً من الأبطال وأسطورة من الأساطير !!.
2- نماذج مما تكتبها صحفنا:
في هذا المقام لن أتعرض لكل ما تكتبه صحفنا العربية فهذا شيء لا أقدر عليه، ولكن سأختار نموذجاً مما تكتبه صحفنا اليمنية من الجهالات، وتخرجه للناس على أنه من حرية الرأي التي ينشدونها ويسعون لها.
1- فقد نشرت جريدة "14 أكتوبر" العدد (14427) مقالاً بعنوان: (كتب التاريخ والتراث الإسلامي محرفة ومزورة) !!
2- وفي العدد نفسه والصفحة نفسها عنوان (ملعون من قال: إن والدي رسول الله في النار) !!
وتحته مقال لكاتب مصري وهو "إسلام بحيري" وهو من أجهل الناس وأضلهم عن سواء السبيل انتهى فضيلته إلى تضعيف حديث في "صحيح مسلم".
ومما جاء في المقال: (زين مسلم هكذا باستنتاجه الفطن باب الحديث باسم "بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين"، ولا أعلم كيف جزم مسلم بهذا الجزم الذي ليس فيه فقط إيذاء لرسول الله في أهله ولكن الأعظم هو الافتراء على القرآن ...
لم يشاركه في إخراجه معلمه وأستاذه البخاري ولكنه الزهو بالنفس أن يخرج الرجل حديثاً على شرطه مخالفاً للقرآن) أ.هـ
هذا ما قاله فضيلة هذا الصحفي العجيب، ولا يدري المسكين أن التبويب ليس من صنع مسلم، وليس له فيه أدنى عمل، وإنما هو من النووي الذي شرح "صحيح مسلم"، والذي جاء بعده بأكثر من قرنين !! دع عنك قلة الأدب والتطاول على هذا الإمام الكبير رحمه الله رحمة واسعة.
ولا ندري هل العنوان من الكاتب أو من الصحيفة، وعلى كل حال فقد أرادوا أن يظهروا أنفسهم أنهم يحسنون الكتابة فأساءوا إلى أنفسهم من حيث لم يشعروا.
3- وقد نشرت هذه الجريدة قبلها مقالاً انتهى فيه الكاتب إلى التطاول كذلك على حديث عائشة في "صحيح البخاري": (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى [أي: ودخل بي] وأنا بنت تسع سنين) وضعفه بطريقة غريبة !!
وقد كتبت مقالاً ناقشت فيه الكاتب المصري وأرسلت به إلى مدير تحرير الصحيفة المذكورة، لكن فاجأني الجواب أنهم لا يريدون نشر المقال المكتوب !! فتعجبت حينها من تبجح هذه الصحف بـ(حرية الرأي) و(حرية الرد) و (حرية التعبير) وغير ذلك من الألفاظ التي يتسللون منها للتطاول على الشريعة، دون أن يسمحوا لأحد أن يرد عليهم لأن هدفها أن تراقب كل أحد و ليس لأحد أن يراقبها.
ولعلنا نتعرض لمقالة هذا الصحفي في الكلام على" الزواج المبكر" إن شاء الله.
4- ونشرت هذه الجريدة أيضاً مقالاً لا أذكر عددها الآن، والكاتب هو صبحي منصور المصري وهو من المعروفين برد السنة جملة وتفصيلاً وعدم الإقرار بها، وقد انتهى إلى أن الإسلام الحقيقي في القرآن واللغة هو المسالمة، وهو يريد أن يصل إلى أن من كان مسالماً لا يؤذي أحداً فهو المسلم ولو كان معلقاً للصليب أو عابداً للوثن، ومن كان مؤذياً فهو الكافر ولو كان مؤذناً أو من أهل الصف الأول !!
5- وهناك صحيفة أخرى وهي "صحيفة الأيام" كتبت في عددها: (4189) بتاريخ 1/ يونيو / 2004 م مقالاً بعنوان: (الجمعة زيارة ولي الله العيدروس) ثم قالت:
(يصادف يوم الجمعة القادم 4/ يونيو / 2004م الموافق 16/ ربيع ثاني / 1424 هـ موعد زيارة الإمام العدني أبو بكر بن عبد الله العيدروس طيب الله ثراه.
وفي هذا اليوم يتوافد جموع غفيرة من العلماء والفقهاء ورجال الدين والمواطنين في مختلف مديريات ومحافظات الجمهورية منذ الصباح، ويتجمعون في تمام الساعة الثامنة صباحاً أمام منزل منصب عدن السيد مصطفى العيدروس، ويصحبهم في موكب تتخلله الابتهالات والتواشيح الدينية ويتوجهون صوب مسجد العيدروس ويدخلون قبته المهيبة حيث مقامه المبارك – طيب الله ثراه – وتستمر الجموع في زيارة المقام والتبرك به طيلة اليوم) أ.هـ
ولا يخفى ما في هذا من الانحراف الخطير !! فهذا بعض ما تنشره الصحف (صاحبة الجلالة) في أعدادها، وتطبع منها مئات الآلاف من الأعداد وتوزع على الناس، وهذا غير ما هو موجود في صفحات الإنترنت، فإنا لله وإنا إليه راجعون نشكو إلى الله غربة هذا الدين.
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 21:40
الشبهة الخامسة
أن الإسلام ضد حرية الاعتقاد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة الخامسة من (شبهات حول الإسلام) وسنتكلم فيها عن "حرية الاعتقاد" وعن قولهم: إن الإسلام ضد حرية الاعتقاد، وسنبين أبعاد هذه الكلمة عندهم، وما تترتب عليها من مفاسد عظيمة ومخاطر كثيرة، كل ذلك ببحث مختصر يسهل على القارئ أن يتناوله، ويتكون هذا البحث من عدة مباحث:
المبحث الأول: حقيقة حرية الاعتقاد.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة.
المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الاعتقاد.
المبحث الأول: حقيقة حرية الاعتقاد:
1- حقيقة هذه الدعوة:
في الأزمنة الأخيرة يلاحظ القارئ أن هناك حملة شديدة للإنتصار لقضية "حرية الاعتقاد"، والدعوة إلى فتح أبواب هذه الحرية على مصراعيه، ولا يعلم ما وراء هذه الدعوة من الأخطار إلا أهل العلم الذين عرفوا مغزى هؤلاء الطاعنين في الإسلام، وعرفوا ما وراء الوسائل التي يسلكونها والطرق التي يسيرون عليها.
وهذه الدعوى حقيقتها فتح الباب لكل الناس في أن يعتقدوا ما يشاؤون من العقائد دون أن يكون هناك أي رقيب أو مانع.
والحق أن الله لم يكل إلى الناس اختيار الطريق الذي يعتقدون فيه أمور الغيبيات، ويحددون فيه المعالم الأساسية والخطوط العريضة التي تتعلق بأسمائه وصفاته وأمور البرزخ وأمور القيامة وما يكون في الجنة وما يكون في النار إلى غير ذلك، فهذه المسألة ليست هينة، فالإنسان في هذا الكون يحتاج إلى عقيدة صحيحة يتعامل بها مع هذا الكون الكبير والمليء بالغموض، وإلا فإنه سيتخبط فيه تخبطاً عظيماً، وينحرف فيه انحرافاً خطيراً يسيره باتجاه آخر غير الاتجاه الذي خلق له بل مناقض له تماماً، لذلك حدد الله الأصول العظيمة التي يسير عليها المؤمن في عقيدته، رحمة منه سبحانه وتعالى، ولا بأس أن نذكر بعضها:
أولاً: أمور العقائد أغلبها أمور غيبية، فلا نعتمد إلا على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع.
قال اللالكائي في أصول الاعتقاد (1/22): (أما بعد فإن أوجب ما على المرء: معرفة اعتقاد الدين.. وكان من أعظم مقول.....كتاب الله الحق المبين ، ثم قول رسول الله وصحابته الأخيار المتقين ، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع..).
وقال البيهقي: (فأما أهل السنة فمعولهم فيما يعتقدون الكتاب والسنة)( ).
وقال ابن أبي زمنين في "أصول السنة": (وأعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً والعجز عن ما لم يدع إليه إيمانا وأنهم إنما ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه).
وقال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى" (12/235): (الذي يجب على الانسان اعتقاده في ذلك وغيره، ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله واتفق عليه سلف المؤمنين، الذين أثنى الله تعالى عليهم وعلى من اتبعهم وذم من اتبع غير سبيلهم).
وقال شيخ الإسلام – كما في الفتاوى الكبرى (5/426)- : (فلهذا لا يعتمد أهل العلم والإيمان في مثل مسائل العلم والدين إلا على نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإن كان عندهم في بعض ذلك شواهد وبينات مما شاهدوه ووجدوه) أ.هـ المراد.
وعليه فلا يعتمد في الغيبيات على الأذواق أو المنامات أو الآراء أو المكاشفات، أو نحو ذلك.
قال شيخ الإسلام– كما في "مجموع الفتاوى" (13/27)– : (فكان من الأصول المتفق عليها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده ...فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، و لا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط : قد تعارض - في هذا - العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل... ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها، أو بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسرها، فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تبين القرآن وتدل عليه، وتعبر عنه).
ثانياً: ولقد ذم الله سبحانه من يتكلم في "الأمور الغيبية" بدون حجج وإنما اعتماداً على الظنون، كما قال تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم، إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) إلى غير ذلك من الآيات.
------------------------------------------------------------------------------
حاشية/( )نقلاً من: (تبيين كذب المفتري) لابن عساكر ، و(درء تعارض العقل والنقل) لشيخ الإسلام .
-----------------------------------------------------------------------------
ثالثاً: ما ثبت بالسنة فهو حـق وحجة كما لو ثبت بالقرآن، فقد قال الشافعي: (إذا استبانت سنة رسول الله فلا يحل لأحد أن يدعها).
وقال الطحاوي–رحمه الله-: (وما صح عن رسول الله فهو حق) أ.هـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"(19/85): (وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها، وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة، والموجبة لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين إلا من نازع في ذلك من الخوارج المارقين) أ.هـ
1- وإذا كان ذلك كذلك فلا فرق بين المتواتر والآحاد أو العقائد والأحكام، فالسنة حجة بنفسها، وإن انفردت بخبر أو بحكم ما لم ينسخ.
وقال ابن عبد البر في "جامع بيان فضل العلم": (ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصاً في كتاب الله أو صح عن رسول صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه) أ.هـ
2- ولا نقول: إن القرآن مقدم على السنة !! بل القرآن كالسنة من حيث الدلالة على الحكم، فعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه [أي: يضيفوه] فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه).
رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح ، وصححه الألباني.
3- وشرط القبول لهذا الحديث الوارد أن يكون ثابت الإسناد كما قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى"(1/250): (ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة)، وقد أشار إلى هذا الطحاوي فيما تقدم من كلامه.
رابعاً: لا بد من الجمع بين النصوص في كل شيء ولاسيما أبواب العقيدة، حتى يخرج المسلم بمعتقد صحيح في جميع مسائل العقيدة في "الأسماء والصفات" و "الوعد والوعيد" و"أبواب القدر" وغير ذلك.
خامساً: لابد من ربط نصوص الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والحذر من الخروج عن فهمهم وطريقتهم، فإن الله أثنى عليهم في كتابه الكريم، وبين مالهم من المنازل العالية والدرجات الرفيعة، وما كانوا عليه من استقامة الفهم وصحة المعتقد وصدق النية، وأثنى الله على من اتبعهم وسار على طريقهم.
قال شيخ الإسلام – كما في مجموع الفتاوى (13/243)-: (وقد تبين بذلك أن من فسر القرآن أو الحديث، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة أو التابعين، فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام) أ.هـ
والناس إذا خرجوا عن هذه القواعد العظيمة في باب العقيدة حصل منهم تخبط كبير، ولا بأس أن نذكر شيئاً من آثار الفساد الناشئ عن فساد العقيدة:
أولاً: التطاول على جناب "الرب" سبحانه وتعالى، ووصفُه بما لا يليق به، والتقول عليه بلا علم، كالذي حصل من هذه الطوائف في باب "الأسماء والصفات" و"القدر" و "والقرآن" ونحو ذلك، حتى ظهرت من المخازي والفضائح لهذه الفرق ما لا يعد ولا يحصى، ولذلك بعض أهل العلم يتعرض في كتب "العقيدة" لمخازي هذه الفرق كاللالكائي في "أصول الاعتقاد" حيث قال رحمه الله (2/648): (ما ذكر من مخازي مشايخ القدرية وفضائح المعتزلة) أ.هـ وسلك هذا المسلك جماعة من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم في بعض كتبهما.
ثانياً: التطاول على جانب "الرسل" و"الرسالات" بما لا يليق ذكره مع المقام العظيم للرسل.
ثالثاً: التطاول على جانب أفضل الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة رضي الله عنهم، وكأنهم شر الناس وأسوأهم، كما تفعل الرافضة والنواصب والمعتزلة !!.
رابعاً: فساد العقيدة يؤدي إلى فساد العقل، ولذلك فإن المشرك من أفسد الناس عقلاً وأسوأ الناس أخلاقاً وإن ظهر أنه من أذكى الناس، والأمر كما قال الله تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).
إلى غير ذلك من المفاسد التي لا تحصى عدداً.
2- أين حرية الاعتقاد يا أيها الغرب؟
وفي الوقت الذي يكثف فيها الغرب من الدعوة إلى حرية الاعتقاد نجد في المقابل أنهم لا يقفون عند حدود هذه المبادئ التي يدعون إليها ليثبتوا للناس أنهم واقفون في حدود يحترمونها - وإن كانت منحرفة من الناحية الشرعية – بل ظهر منهم من البراهين ما يدل على أن لهم فيها أغراضاً أخرى خفية.
وإليك بعض البراهين على أن هذه الدعوة إنما يدعو إليها الغرب ليخدعوا من استطاعوا من المسلمين ببريقها:
أولاً: في الوقت الذي ينادون بحرية الاعتقاد نجدهم يحاولون أن يشوهوا بالصورة الجميلة التي عليها نبي الإسلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما فعلت بعض دول الغرب والتي اعترف بعض كبارهم أنه لا توجد شخصية قريبة من شخصيته على مدى التاريخ فضلاً عن أن تكون هناك ما تماثلها.
وقد أيدتها دول أخرى على هذا الباطل، وإنما دفعهم إلى هذه أنهم يرون انتشار دين الإسلام بينهم كبير، بل صرح بعض كبرائهم بأنه لا يسمح بأن يقوم الإسلام في أوروبا كما تقدم في "الحلقة الثالثة".
ثانياً: في الوقت الذي ينادون بحرية الاعتقاد نجدهم يمنعون من ارتداء الحجاب في جامعاتهم:
1- فمنعت الفتيات اللواتي يدرسن في الجامعات من ارتداء الحجاب في فرنسا - مع قطع النظر في مسألة الدراسة في الجامعة - لكن شاهدنا من ينادي بحرية الاعتقاد كيف يكيل بمكيالين مما يدل على أن القضية قضية دعوة للإنسلاخ من الدين، في الوقت الذي تسمح مثل فرنسا بأن تخرج الفتيات في الشوارع متبرجات ولو بما يسمى بالبكيني وهو ما يستر السوأتين والثديين فقط، بل ولو تمارس الفاحشة في الحدائق العامة.
2- ويتكرر مثل هذا الفعل الدنيء في دول أخرى أوروبية كتركيا وإيطاليا وغيرهما، بل وتكررت في دول أخرى تنتمي إلى الإسلام مثل تونس ومصر وغيرهما، ففي تونس قام المسئولون هناك بإصدار تعليمات بمنع الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب ومنعوا المحجبات من دخول المدارس والجامعات.
ثالثاً: في سويسرا منعوا من بناء المآذن – بغض النظر عن حكمها الشرعي – لأن الإسلام انتشر هناك انتشاراً كبيراً.
رابعاً: يكتمون ما استطاعوا من شهادة بعضهم على أن الإسلام دين حق وأنه دين الله الذي رضيه للناس، كشهادة بعض الأدباء وشهادة بعض المفكرين عندهم وغير هؤلاء، وهذا يبين أن مثل هذه الشعارات مهما زخرفوها فإنه لا يمكن أن ينسوا حقدهم على الإسلام والمسلمين.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة:
1- تصور هذه الأخطار جملة:
يمكن لنا تصور هذه الأخطار جملة فنقول: إن مثل هذه المبادئ الهدامة والأفكار المنحرفة لها عدة أضرار على الدين والعقيدة والمجتمع بأكمله، منها: هدم الدين وتقويض أركانه، وتسويته بجميع الأديان، واعتباره واحداً منها يوصل إلى ما توصل إليه هذه الأديان ويؤدي ما تؤديه، والقضاء على أصل الولاء والبراء، وإذابة الفوارق بين من فرق بينهم الشرع، إلى غير ذلك مما يتضمن فساد الدنيا والدين، وهذا كله ينافي الغاية التي خلق لها الناس وأوجدهم الله من أجلها وهي عبادته وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دونه.
2- تصور هذه الأخطار تفصيلاً:
وأضرار هذه الدعوة يمكن تلخيصها إلى أمور:
1- عدم الكفر بالطاغوت، ويعتبر الكفر بالطاغوت الركن الثاني من أركان التوحيد، فالكفر بالطاغوت محذوف من قاموس القوانين الوضعية العصرية التي تنادي بحرية الاعتقاد، ولا يخفى ما في ذلك من المصادمة الظاهرة لكلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله، بل القضاء على معناها كلياً، فلا يحل في المجتمعات التي تنادي بحرية الاعتقاد أن تضلل عبادة غير الله من الأوثان والأصنام وغيرها من المعبودات، بل لو قام مجتمع بأكمله بعبادة الفـئران والقطط وصرف أنواع القرابين والنذور لها، لما كان هناك أدنى حق لأحد من الناس - ولو للعلماء - في أن ينكروا هذا العمل، أو يحكموا عليه بأنه شرك، بل ليس لهم الحق أن يمنعوا أبناءهم من الدخول في هذا الانحراف الخطير والذي تمجه العقول والأسماع، فحرية الرأي حق لكل أحد عند هؤلاء الذين ينادون بها ولو أدت إلى أن تسقط قوامة الآباء على الأبناء.
2- فتح باب الردة لكل شخص وإسقاط الحدود التي تترتب على هذه الردة، وهذا فتح لباب الانسلاخ من دين الإسلام، بل من الأديان كلها جملة وتفصيلاً.
ونضرب مثلاً على هذا فنقول: لو أن رجلاً مشهوراً يقتدي به الناس، يدخل في أول يومه إلى دين ثم يتركه آخر النهار إلى دين آخر لما كان هناك حق لأحد في أن ينكر مثل هذا التلاعب بدين الله ولو اغتر به الآلاف من الناس.
4- إماتة روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام وبين المسلمين.
5- التسوية بين من فرق الله بينهم بفارق الجنس أو الدين أو العلم أو الاستقامة أو غير ذلك، وإذابة الفوارق بينهما، فمثلاً يشرع للكافر في عرف هذه القوانين الوضعية الزواج بالمؤمنة لأنها أذابت جميع الفوارق بينهما، ويشرع القصاص بين المسلم والكافر وإرث المسلم للكافر والعكس، وهذا يجرنا إلى مفسدة عظيمة أخرى وهي:
5- القضاء على أصل الولاء والبراء بين أهل الإيمان وأهل الكفر.
6- فتح باب الإلحاد والتطاول على الدين والرسالات كما فعل سلمان رشدي - الهندي الأصل والبريطاني الجنسية - في كتابه: "آيات شيطانية".
3- أضرار أقرت بها الدول الغربية اليوم:
1- اليوم تشتكي بعض الدول الغربية من فتح باب حرية الاعتقاد على مصراعيه في مجالات كثيرة، ومن ذلك ما اشتهر من الأزمنة المتأخرة بما يسمى بـ"عبدة الشيطان" الذين انسلخوا من كل فضيلة وخلق وأدب في الدين والأعراف وسقطوا في أوحال الرذيلة فلم يفرح بهم أحد على ظهر الكرة الأرضية، بل الأديان والأعراف والقوانين كلها تتعجب من مثل هذه العقيدة، ولم تتصور يوماً أن يصل الإنسان إلى مثل هذه الهاوية، فهذه الطائفة المنسلخة بدأت تشتكي منها بعض المجتمعات اليوم، بل وتطاردها في بعض الأحيان لأنها رأت اقترافها للجرائم البشعة، وتعديها على الدماء والأعراض بحجة أنها من الطقوس والمناسك التي يأمر بها دينهم.
فقد نشرت عدة مواقع أخباراً عن عبدة الشيطان وتاريخهم وأحوالهم، ومن ذلك ما نشره موقع "ابتسامة" عن "عبدة الشيطان"، فقد ذكرت عنهم مقالاً جاء فيه:
(قد وقعت عام 1993م في مدينة "سانتا مونيكا" بولاية "كاليفورنيا" حادثة غريبة، فقد تقدم الأهالي بشكوى لدى السلطات ضد أفراد ينتمون للملة الشيطانية قاموا باستدراج أربع فتيات تتراوح أعمارهن بين 11-15 سنة إلى منزل شبه مهجور يقع في غابة بعيدة عن المدينة، وقد أوهموهن بوجود حفل كبير هناك.
تقول إحدى الفتيات: عندما كانت تسير بنا السيارة وسط الغابة تملكنا شيء من الخوف لكننا حاولنا إخفاءه، وعند وصولنا للمنزل شاهدنا حشداً من الرجال والنساء يرقصون ويغنون حول نار مشتعلة وهم شبه عراة، ثم أجبرنا على شرب "الفودكا" – وهو نوع من الخمور – واستنشاق نوع من المخدرات، وبعد ذلك طرحنا أرضاً بالقرب من النار، وجردنا من جميع ملابسنا، ثم وقف أحدهم وسكب على أجسادنا بول آدميين ودماً، وصاح قائلاً: في سبيل أيها الشيطان العظيم، وقام الجميع بلعق أبداننا وما عليها من نجاسات وهم يتمتمون بكلام غير مفهوم، ثم قام رجل منهم وبدأ يقرأ من كتاب: "الشيطان المقدس" بعد ذلك قام عباد الشيطان باغتصابنا عشرات المرات وبأوضاع غريبة جداً حتى إذا قضوا وطرهم عصبوا أعيننا مرة أخرى وألقونا في أحد شوارع المدينة وبعد أيام عثر رجال الشرطة على المنزل ووجدوا رماداً لتلك النار الكبيرة، أما الجناة فلا أثر لهم) أ.هـ بتصرف يسير.
2- وهناك دول أخرى تشتكي من تعدي مثل هذه الطائفة على الدماء بحجة أنها من الطقوس والمناسك، والعجيب أن مثل هذه العقائد المنحرفة دخلت حتى في الدول العربية، بل وبين أناس تبوأوا مناصب كبيرة، ففي برلمان بعض الدول العربية قام رئيس الوزراء في تلك الدولة فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فاعترض أحد النيابيين – وهو من عبدة الشيطان أو ما يسمون باليزيديين- قائلاً: (لا ينبغي مثل هذا التصرف من مثل رئيس الوزراء) فقدم رئيس الوزراء اعتذاره وقال: إنه لا يقصد أي إهانة !!
3- وهذا غير ما تعانيه بعض الدول اليوم من خطر الروافض والخوارج والمعتزلة وغيرها ممن تفطن لها الناس مؤخراً حتى الدول العلمانية، ولاسيما بعد أن عرفت أن فتح الباب لمثل هؤلاء يضرها في أمنها، لأن هذه الطوائف تبدأ دعوتها بما يشبه الدعوة الدينية ثم تتجه إلى الاتجاه السياسي.
فهذه بعض ثمار فتح باب "حرية الاعتقاد" فهنيئاً لهذه المجتمعات هذه الثمار المريرة، فحقيقة الدعوات تعرف من ثمارها ومن النتائج التي تؤول إليها.
المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الاعتقاد:
سنختصر الموضوع للقارئ الكريم ونذكر له الأمر الذي ينجي من هذه الانحرافات الفكرية التي تسمى بـ"حرية الاعتقاد" ونبين له أن النجاة من هذا كله هو التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على طريقة سلفنا الصالح رضي الله عنهم وهم الصحابة والتابعون وأتباعهم، والسير في طريقهم في كل شيء من العبادات والعقائد والأخلاق والسلوك وغيرها، لأن الخروج عن طريق هؤلاء ضر الأمة فمزق صفها، وفرق كلمتها، وأضعف قوتها، وأخرها حتى عادت إلى الخلف وتأخرت كثيراً بعد أن كانت في أعلى المراتب.
وإذا كانت هناك أضرار عظيمة قد ظهرت في المجتمعات الإسلامية بعد انحراف هذه الفرق مع وجود الطائفة الناجية والفرقة المنصورة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فكيف بفتح هذا الباب على مصراعيه وتشجيع مثل هذه العقائد الفاسدة، فماذا عسى أن تكون النتائج، وماذا عسانا أن نجد من العواقب ؟!!
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 21:50
الشبهة السادسة:
دعواهم: أن الإسلام ظلم المرأة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة السادسة من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن دعوى أعداء الإسلام أن الإسلام ظلم المرأة واعتبرها نصف إنسان ومنعها الكثير من حقوقها، إلى غير ذلك من الباطل الذي ينطق به الغرب ومن اغتر بهم.
وهذه المقالة الفاجرة يلهج بها كثير من المنحرفين اليوم، فهذا باحث مغربي يدعى عبد الصمد الديميالي يقول في مؤتمر نسوي عقد في اليمن أشارت إليه مجلة "الأسرة" في عددها (81) شهر ذي الحجة 1420هـ: (إن الدين ظلم المرأة حينما لم يسو صراحة بينها وبين الرجل)، ويقول بكل وقاحة: (إذا لم تكن النصوص القرآنية صريحة وواضحة في المساواة بين الرجل والمرأة فلنلق بها في مزبلة الأيدلوجية).
ونحب أن نبين أن هذه المقالة الآثمة – من هذا الرجل أو غيره - لها جوابان: أحدهما إجمالي والثاني تفصيلي، فهذه الحلقة للجواب الإجمالي، وستأتي حلقات أخرى فيها جواب تفصيلي عن شبههم في مثل عمل المرأة والزواج المبكر والإرث ونحو ذلك من القضايا التي شغبوا بها باسم الدفاع عن حقوق المرأة، وهم الجناة الحقيقيون على المرأة وعلى الفضيلة.
وهذا الموضوع يتكون مما يلي:
مقدمـة: وفيها مقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية والإسلام.
المبحث الأول: وضع المرأة في الجاهلية.
المبحث الثاني: المرأة في الإسلام.
المبحث الثالث: المرأة في أوروبا وأمريكا.
المبحث الرابع: المرأة في شرق آسيا.
المبحث الخامس: اعتراف المنصفين في الغرب أن الإسلام أكرم المرأة.
المبحث السادس: الفوارق الكبيرة بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل.
المبحث السابع: وقفة مع دعاة الضلال والانحراف.
مقدمـة وفيها: مقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية والإسلام:
لاشك أننا إذا أردنا أن نعرف قدر الفارق بين أمرين فإن أحسن طريقة لذلك هي عقد مقارنة منصفة متجردة عن الهوى بين الأمرين من كل وجه أو من أغلب الوجوه ليظهر لنا الفارق بوضوح، ومن ذلك المقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية ووضعها في الإسلام، ليعرف الجميع كيف كانت المرأة وكيف أصبحت، حيث كانت في الحضيض ثم قفزت قفزة لم تكن تحلم بها امرأة في مجتمع من المجتمعات.
ووالله إن الفارق بينهما لعظيم جداً، ولكن كثير من الكتاب العصريين - مع ما ابتلوا به من عمى البصيرة وانعدام الإنصاف - تراهم يكثرون من الكتابات المسعورة التي تنادي بتحرير المرأة وإعطاءها حقوقها !! فكان المطلوب ممن يكتب في هذا الباب أن يخاطبهم على قدر عقولهم.
المبحث الأول: وضع المرأة في الجاهلية:
1- كانت المرأة في الجاهلية مصدر شؤم على أهلها منذ أن تولد ومنذ أن يبشر أبوها بقدومها، وقد أخبرنا الله بذلك في كتابه الكريم حيث قال: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم0يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب سـاء ما يحكمون)، ولاحظ أن القرآن الكريم يسوق مثل هذه الآية الكريمة سياق الإنكار عليهم، لا مجرد الإخبار.
2- وكانت الفتاة في الجاهلية توأد غالباً – أي: تدفن وهي حية - خشية العار، فيأخذها أبوها - دون رحمة وشفقة ويذهب بها بعيداً عن أنظار الناس ثم يحفر لها الحفرة ثم يدفنها فيها وهي حية، فتموت بهذه القتلة الشنيعة، دون أن يكون بينهم أي إنكار، وقد أشار الله إلى هذا المعنى كما في الآية السابقة: (أم يدسه في التراب) وكذلك قوله تعالى: (وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت).
3- فإذا كبرت وشبّت فإنها لا تزيد عن أن تكون متاعاً من الأمتعة لا قيمة لها، وربما تزينت بكامل زينتها ثم تخرج على الرجال وتضرب برجلها، فيقتنصها الجميع ويصطادونها بأنظارهم، دون أن تكون محفوظة ومصانة عن الأنظار.
4- وإذا زوجها أبوها فليس لها رأي، ولاحق في اختيار الزوج ولو كانت بالغة، وقد يزوجها على رجل طاعن في السن طمعاً في شيء من المال دون أن يكون لها أي اختيار، وربما تكون هناك عدة نسوة تحت هذا الرجل قد يزدن على الأربع بل أكثر بكثير، وله أن يميل إلى بعض نسائه دون الأخريات، وله أن يترك هذه الزوجة كالمعلّقة لا هي مزوجة ولا هي مطلّقة !! وله أن يحلف على تركها من الجماع السنة بل والسنتين فتبقى تحت رحمته !! وربما طلقها طلاقاً غير محدود !! وربما لا يعطيها حقوقها في عدتها كالنفقة، ونحوها، وله أن يضربها ضرباً مبرحاً فيكسر لها عظماً أو يشق لها جلداً.
5- وإذا مات زوجها فتحد عليه السنة الكاملة !! فقد روى البخاري عن زينب بنت أم سلمة قالت: وسمعت أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا" مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول).
6- وإذا مات زوجها تورث بعده كأي متاعٍ من أمتعة البيت، وقد أنزل الله في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً) فكان الرجل في الجاهلية يرث امرأة قريبه، فإن شـاءوا تزوجوها بلا مهر، وإن شاءوا زوجوها من غيرهم وقبضوا مهرها فنهوا عن ذلك كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، وكلامه في "صحيح البخاري" !!.
المبحث الثاني: المرأة في الإسلام:
1- المرأة عند غير المسلمين:
1- كان الآشوريون والبابليون يبيعون المرأة بيعاً علناً كما يباع الرقيق في الأسواق! ويشرف على ذلك الكهان والزعماء الروحيون، فكانت المرأة في نظرهم من سقط المتاع.
2- وكان اليونان يمنعون المرأة من التصرف في مالها، ولا يبيحون لها التملك والأخذ والإعطاء، بل يعتبرونها مملوكة للرجل يتصرف فيها كيف شاء، يبيعها ويشتريها ويؤجرها.
3- وكان الفرس يقولون: إن المرأة من حقوق الرجل، فله قتلها متى شاء ومتى بدا له ذلك!! ولا حظّ لها في التعليم، وهي عرض من العروض تباع وتشترى.
4- وكان الأتراك القدامى يقدمون النساء جماعات لشهواتهم في الليل!! وفي النهار كانوا يستعملونهن للحراسة إلا أنهم كانوا يقدسون الأم فقط، وعند بلوغ البنت تكون منبوذة لا يبيحون لها الزواج إذا طُلقت، وإذا مات زوجها فلا بد أن تحرق جثتها مع جثته!! وزوجها يملكها في حياته كسائر المتاع.
5- وتعتبر المرأة عند البربر سمّاً للرجل، لا تكلمه ولا تأكل معه ولا تنطق باسمه، ويقولون: ليس السم والأفاعي والجحيم والموت أسوأ من المرأة.
6- وكانت المرأة في شريعة حمورابي تعد من ضمن الماشية !! حتى إن من قتل امرأة يسلم ابنته بدلاً عنها، ويتصرف ولي الدم في هذه البنت كيف شاء، إن شاء قتلها وإن شاء باعها، وإن شاء تمتع بها !!
7- وأما الصينيون فقد كانوا يحتقرون المرأة ويحرمونها من ميراث زوجها وأبيها، ويضاعفون عليها العقوبة أكثر من الرجل !! وكان في بعض شرائعهم وأنظمتهم أنه يجوز للرجل أن يجمع إلى ثلاثين ومائة امرأة بعصمة رجل واحد !!
8- وفي فرنسا عام 568م عقد مؤتمر للبحث هل تعد المرأة إنسانا أم غير إنسان ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان، لكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.
9- وبقيت المرأة لدى اليابانيين حتى عام 1875م لا وزن لها في المجتمع، فهي عندهم وسيلة متاع فقط، ويعتبرونها رجساً من عمل الشيطان، وتباع وتشترى في الأسواق كما يباع الرقيق !!
10- والقانون الإنكليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات.
11- لم تسلم المرأة عند اليهود من الظلم، فكانوا يعتبرونها من القاصرين الثلاثة الذين لا بد أن يُحجر عليهم وهُم: الطفل والمجنون والمرأة، ولم يُعدّل هذا القانون إلا منذ أربعين سنة! ويعتبرونها في منزلة الخادم!! ويعتبرونها لعنة؛ لأنها هي السبب في إخراج أبينا آدم من الجنة.
2- المرأة في الإسلام:
أما الإسلام فقد أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وكانت منته سبحانه عليهم كبيرة و لاسيما المرأة ، فقد جعل لها الإسلام قيمةً ومكانةً لم تكن تحلم بها:
1- أنكر على أهل الجاهلية هذا التشاؤم، وجعله حكماً سيئاً جائراً: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم0يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ساء ما يحكمون) ونهى عن كُره البنات ففي الحديث: (لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات) رواه أحمد عن عقبة بن عامر، وهو في الصحيحة برقم: (3206) وفي سنده محمد بن عمرو بن علقمة، فمن رأى حديثه حسناً حسن له هذا الحديث.
2- وتطييباً لخاطر الإناث وجبراً لكسرهن قدم الإناث على الذكور في بعض النصوص، كما في قوله: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن الذكور..) على أحد الأقوال في التفسير، وقد عقد العلامة ابن القيم في تحفة المودود باباً قال فيه: (باب: كراهية تسخط البنات) ثم قال:
قال الله تعالى: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير).
فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام: اشتمل عليها الوجود وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضاً لمقته أن يتسخط ما وهبه.
وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل: جبراً لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن، وقيل: - وهو أحسن - إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان فان الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالباً، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان.
وعندي وجه آخر: وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر.
وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث وعرف الذكور، فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير بالتعريف، فإن التعريف تنويه كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم لما ذكر الصنفين معاً قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير والله أعلم بما أراد من ذلك.
والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم0 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) وقال: (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) أ.هـ
3- حرم الله وأدها في كتابه وعلى لسان رسوله قال تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت) وأيضاً يستفاد المنع من الأحاديث الناهية عن ذلك مثل قول رسول لله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال)، والحديث رواه الشيخان عن المغيرة بن شعبة.
4- حثت الشريعة على تربية البنات، وجعلت في تربيتهن الفضل الكبير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) رواه الشيخان عن عائشة، وهناك أحاديث كثيرة في هذا الباب.
5- وإذا كبرت تحجبت واستترت عن أعين الناظرين كأنها جوهرة مصونة ودرة مكنونة، ونهى عن تبرجها لأن تبرجها معناه تطاول الأعين عليها، وطمع القلوب المريضة فيها، فأمر بحجبها عن الأعين حتى لا تكون عرضة للإنتهاك فهذا صيانة لها، وقد حصلت أشنع جرائم الاغتصاب والانتهاك والاختطاف من بعد هذا التبرج الذي صان الله المرأة منه، وحفظ لها كرامتها باجتنابه.
6- وجعل لها حق اختيار الزوج إذا بلغت، وجعل صحة العقد مترتبة على ذلك الحق.
7- وجعل للرجل عدداً معيناً من النساء وهو أربع، لا يجوز له أن يتجاوزه بإجماع أهل العلم.
8- وأمره مع ذلك بالعدل بينهن في النفقة والمبيت، وحرم عليه الميل الكامل لإحداهن على حساب الأخرى.
9- وحدد للرجل مدة للإيلاء قال تعالى: (والذين يؤلون من نساءهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم0وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) فإن جاوز المدة المذكورة – وهي أربعة أشهر - فإن المرأة لها الحق الكامل في رفع القضية إلى القاضي ليقضي لها إما بالرجوع والفيئة ويكفر عن يمينه، وإما بالطلاق.
.1- وخفض مدة الإحداد بعد موت الزوج من سنة إلى مدة أربعة أشهر وعشر ليال، أي: إلى قرابة الثلث، وإنما أبقى الإسلام هذا الإحداد لأنه حق للزوج عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً) رواه الشيخان.
11- ولم يجعل لأحد عليها سبيلاً فيمنعها من الزواج بعد موت زوجها.
المبحث الثالث: المرأة في أوروبا وأمريكا:
وأما المرأة في أوروبا وأمريكا اليوم فأمرها في غاية الهوان، تعيش وضعاً مزرياً، وحالة متردية إلى أبعد الحدود بل هو أسوأ بكثير من وضعها في الجاهلية، لقد استغلها الرجل أسوأ استغلال واستخدمها أسوأ استخدام، حيث استعملها كورقة رابحة، وبضاعة رائجة تدر عليه الأرباح، وإليك بعض صور هذه الإهانات:
1- المرأة في أوروبا وأمريكا تعمل اليوم في معارض الأزياء، فتأكل لقمة عيشها من عرض جسدها، واستغلال غيرها لمفاتنها، دفعها إلى ذلك المجتمع القاسي الذي لا يرحم، لأنها لو بقيت في بيتها ما أعطاها أحد شيئاً إلا بمقابل.
2- المرأة اليوم تعمل في السينما فتمثل الأفلام الغرامية الهابطة ويصورها المصورون وهي في حالة رديئة ومزرية، فتؤخذ أفلامها فتعرض في السينما على الملايين من الناس، فتحقق هذه الأفلام الأرباح الخيالية، خسرت كرامتها وربح الرجال الأموال الطائلة.
3- بل المرأة اليوم تمثل الأفلام الهابطة، ويقوم بإنتاج هذه الأفلام شركات عالمية كبيرة، وتعتبر هذه التجارة من أكثر التجارات من حيث المردود المادي، ولهذه الأفلام الخليعة رواج عجيب مواقع (الإنترنت) و(قنوات فضائية).
4- المرأة تستخدم كمتعة حقيرة في نوادي الليل، يستمتعون بها في الرقص وغيره، فهي في تلك النوادي جسد لا روح له، ومتعة لا تزيد عن ذلك.
5- وهي كذلك على أغلفة المجلات، وكلها صور غير لائقة بمكانة المرأة.
6- وهي كذلك على كرسي الاستعلامات في الفنادق، وساقية في الحانات، وسكرتيرة في مرافق العمل، ومضيفة في الطائرات وغير ذلك، ما من أحد إلا ويسترق منها النظرة تلو النظرة على أقل الأحوال، وهذا غير ما يسمى بالتحرش الجنسي وغيره.
7- والمرأة عندهم تستخدم في الدعايات لأشياء حقيرة، فتجد صور المرأة على أنواع الصابون والصلصة وأصناف معجون الأسنان وأدوات المنزل، فصور المرأة على ما يقارب ثلاثة أرباع البضائع.
والخلاصة أن المرأة في أوروبا وأمريكا وما كان على شاكلتهما في غاية الإهانة، فهذا حال المرأة في دول النصرانية، وإن ما يراه الناس من ابتسامة المرأة الغربية إنما هي ابتسامة لا تتجاوز الأسنان، فنفوسهن خاربات، وحياتهن نكدة، وقلوبهن أشبه ما يكون بالميت في القبر !!.
المبحث الرابع: المرأة في شرق آسيا:
وللمرأة في الدول الوثنية شأن عجيب لا يقل عن شأن المرأة في دول أوروبا وأمريكا، تكاد لا تصدق أنك في زمن ينادون فيه بالحقوق:
1- فالمرأة في شرق آسيا عليها أيضاً واجب الكفاح من أجل لقمة العيش كالرجل تماماً، فربما ترحل من بيتها وتقطع المسافات الطويلة إلى أماكن بعيدة، وتتحمل الغربة وتعاني من مشقة الأسفار لكي تبحث عن لقمة العيش، وربما تعمل في مناجم الفحم، أو مشاريع سفلتة الطرقات، أو عاملة فحم في قطار، أو غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا تليق بطبيعة المرأة وجسمها.
والفتاة منهم إذا انتهت من دراستها في الثانوية، أو الجامعة أخرجها أبوها من البيت وأمرها أن ترحل للقمة العيش، فترحل - على سبيل المثال - من (بكين) إلى (شنجهاي) !! فتغيب الأشهر عن بيتها بحثاً عن لقمة العيش وربما لا تعود !!
إن الإسلام كلف المرأة بواجبات كثيرة، ولكن نظر أيضاً إلى طبيعتها فكلفها بما يليق بها وبطبيعتها، وجنبها هذه الأعمال الشاقة التي هي بمنزلة الإهانات للمرأة، وإن جلوسها في بيتها أهون لها من هذه الإهانات.
فأين ضجيج هؤلاء الذين ينادون بحقوق المرأة ؟! لماذا لا ينقذونها من هذا الوضع الرديء، ويحررونها من هذه القسوة والعنف والإهانات ؟!
المبحث الخامس: اعتراف المنصفين في الغرب أن الإسلام أكرم المرأة:
1- بداية المرأة ونهايتها في الغرب:
بدأت المرأة في الغرب - كشأنها في الدول العربية اليوم - تسمع الشعارات ذات العبارات البراقة في الدعوة إلى تحرير المرأة، وأنها مظلومة يوم قعدت في البيت وتركت المجال للرجل، وأن قعودها معناه أن نصف المجتمع معطل، إلى غير ذلك من الشعارات الكاذبة، ونادوا عليها وصاحوا في أذنها بأنك تساوي الرجل في الحقوق وتساويه في الواجبات، فخرجت لتزاحم الرجل وتثبت له أنها تساويه في كل شيء، فلم تجد من وراء ذلك إلا التعب.
لقد صدمت المرأة لما رأت الرجل يريد بهذا الشعارات أن يتخلص من المسئولية التي ألقيت عليه تجاه المرأة وأن يفلت من واجب النفقة لها والرعاية والكفالة لها، ويريد بذلك كله أن يصطادها ليربح منها الأموال الطائلة.
إن المنصفين من الغربيين يرى وضع المرأة في الدول الغربية وما وصلت إليه فيعلمون أنها في حال يرثى لها، وفي وضع يندى له الجبين، وأن هذه الحقوق المكذوبة ما هي إلا تكاليف شاقة وأعباء على المرأة أرادوا أن تلتزم بها، والدكتور هنري ماكوو - أستاذ جامعي و"باحث متخصص في الشؤون النسوية والحركات التحررية" له تآليف منها ما كشف فيها زيف إدعاءات تحرير المرأة ويصفها بالخدعة القاسية إذ يقول: (تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات وخربت الحضارة الغربية).
وأكثر من ذلك شهادة النساء اللواتي جربن هذه الأوضاع فعرفن أنهن خدعن بهذه الشعارات، وأنها كانت صيداً يصطادهن بها الرجال، ففي كتاب صدر أخيراً عن حياة الكاتبة الإنجليزية المشهورة "أجاثا كريستي" ورد فيه قولها: (إن المرأة الحديثة مُغفلة لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق، لأننا بذلنا الجهد خلال السنين الماضية، للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجل.
والرجال ليسوا أغبياء، فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج.
ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف الضعيف أننا نعود اليوم لنساوي في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده).
ويمكن أن نذكر بعض الأضرار التي عانت منها المرأة خصوصاً والمجتمع عموماً من دعوى المرأة بما يلي:
1- انتشار الفواحش والرذيلة، وقد نتج من هذا الضرر حالات كثيرة من الإجهاض، ففي عام 1980من السنة الميلادية 1.553000 حالة إجهاض في أمريكا وحدها، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عامًا من أعمارهن، وقد قالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك.
2- تضييع المرأة لحضانة الأطفال الذين كانوا أولى بالعناية، حتى أنشئت الكثير من الحضانات لأطفال ليسوا من الأيتام بل آباؤهم موجودون.
يقول غورباتشوف عن "البيروسترويكا" إن المجتمع ظَلَم المرأة والرجل والأبناء، حين لا تَعُد المرأة تجد وقتاً للراحة في بيتها، ولممارسة حق الأمومة ورعاية أبنائها وزوجها.
ويقول: (ولكن في غمرة مشكلاتنا اليومية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة بدورها أما وربة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربية للأطفال).
ويتابع فيقول: (فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء والإنتاج وقطاع الخدمات وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بشؤون الحياة اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرد الراحة المنزلية، وقد تبين أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية).
وكذلك أشار نيكسون في كتابه: "ماذا بعد الإسلام" عن انهيار الأسرة في أمريكا وانتشار الجريمة والفساد في المجتمع، وقدّم إحصائيات هامة عن هذه القضايا، وعن انهيار التعليم والمواليد غير الشرعيين وغير ذلك.
لقد كان من أخطر نتائج انفلات المرأة من ضوابط الإسلام انتشار الجريمة وفساد الأجيال، حتى لم يعد العلم قادراً على ضبط المجتمع ومنع الجريمة، ولا المعاهد ولا دوائر المن ولا رجال الشرطة ولا القانون.
3- ظلمت المرأة ظلماً كبيراً يوم أن أخرجها المجتمع وهي شابة ليستفيد منها ومن جمالها، ثم رمى بها وهي كبيرة في السن في إحدى دور العجزة وكبار السن.
2- شهادة الغرب أن الإسلام أكرم المرأة:
بعد هذا كله تيقن المنصفون من الغرب وعلموا أن الإسلام أصاب عندما منع المرأة من مزاحمة الرجل في مجالات الحياة، وإليك شهادة بعضهم على ذلك:
1- قال الإنجليزي "هلمتن" قال: (إن أحكام الإسلام في شأن المرأة صريحة في وفرة العناية بوقايتها من كل ما يؤذيها ويُشين سمعتها).
2- وقالت جريدة "المونيتور" الفرنسية: (قد أوجد الإسلام إصلاحاً عظيماً في حالة المرأة في الهيئة الاجتماعية، ومما يجب التنويه به أن الحقوق الشرعية التي منحها الإسلام للمرأة تفوق كثيراً الحقوق الممنوحة للمرأة الفرنسية).
3- وقد أكدت الراهبة "كارين أرمسترونغ" الفرق بين حبس الرجل الغربي لامرأته في البيت قبل عقود طويلة، وبين بقاء المرأة المسلمة في البيت فقالت: (إن رجال الغرب النصراني حين حبسوا نساءهم ومنعوهم من مخالطة الرجال ووضعوهن في غرف منعزلة في جوف البيوت لأنهم يكرهونهن ويخافونهن ولا يأمنون عليهن، ويرون الخطيئة والغواية كامنة فيهن، فهم يخرجوهن من الحياة بهذا الحبس إلى خارجها أو هامشها، بينما حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديرا لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حرماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق) أ.هـ
وما يؤسف له أن هذا الفارق لم يفهمه دعاة تحرير المرأة عندنا في بلاد المسلمين.
المبحث السادس: الفوارق الكبيرة بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل:
1- الشرع فرق بين الرجل والمرأة:
ينبغي أن نعلم أن الشرع سوى في الأصل بين الرجل والمرأة في باب الأحكام والتكاليف والكرامة الإنسانية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) رواه أحمد وأبو داود، وصححه الشيخ الألباني في : "الصحيحة" برقم: (2863).
لكن قد يفرق الشرع بين الرجل والمرأة في مسائل كثيرة من الأحكام وغيرها، وهذا التفريق لا ينبغي أن نظن أنه من العبث، فإنه تعالى منزه عن الظلم والعبث، بل فرق الشرع بينهما لحكم كثيرة راجعة إلى قدرة المرأة وطبيعة خلقتها والعواقب التي تنتهي إليها الأمور.
وفي الحقيقة أن هذه التفرقة بين الرجال والنساء التي أتت بها الشريعة حققت التوازن المطلوب في المجتمع، ولما خرج المجتمع الغربي ومن تأثر به عن هذا التوازن الدقيق اختل نظامه وانفرط عقده وسقط في الحضيض.
2- أسباب هذه التفرقة:
تقول جليندا جاكسون حاملة الأوسكار التي منحتها ملكة بريطانيا وساماً من أعلى أوسمة الدولة، والتي حصلت على جائزة الأكاديمية البريطانية، وجائزة مهرجان مونتريال العالمي تقول: (إن الفطرة جعلت الرجل هو الأقوى والمسيطر بناءً على ما يتمتع به من أسباب القوة تجعله في المقام الأول بما خصه الله به من قوة في تحريك الحياة واستخراج خيراتها، إنه مقام الذاتية عند الرجل التي تؤهله تلقائياً لمواجهة أعباء الحياة وإنمائها، واطراد ذلك في المجالات الحياتية) أ.هـ
ويمكن أن نذكر شيئاً من أسباب هذه التفرقة وعدم التسوية بين الجنسين:
أولاً: نفسية المرأة وعاطفتها غير نفسية الرجل وعاطفته، فالغالب على المرأة أن تحمل الكثير من العاطفة والحنان والتودد مما جعل الشارع يوجهها إلى وظيفة المنزل لتقوم بالعناية الأسرية المطلوبة تجاه الزوج والأولاد فهذا أنسب لها.
ثانياً: أن المرأة تمر بفترات وتغيرات جسدية تعاني منها كثيراً كالحيض والحمل والولادة، وهذا له أثره البالغ على نفسيتها وأخلاقها وطريقة تعاملها مع الناس، بل على طريقة تفكيرها، مما يعرضها للإصابة بالإحباط والكسل والاضطراب وسرعة الانفعال.
ثالثاً: أن قلب المرأة غير قلب الرجل، وثباتها في المواقف غير ثباته، وشجاعتها غير شجاعته، فالمرأة في كثير من الأحيان تخاف من سماع الشيء قبل معاينته ولو كانت من أحقر الأشياء.
رابعاً: المرأة ليس متجلدة للأشغال والأعمال القاسية كالرجل، وهذا شيء مستقر في نفوس الخلائق ذكوراً وإناثاً، وعندما يعطي الشرع وظيفة لكل إنسان على حسب قدرته وبنيته يكون هذا قمة العدل والرحمة، فإذا خرج عن هذه الوظيفة إلى ما هو أشق منها كان هذا هو الظلم بعينه.
خامساً: أن خروج المرأة وانطلاقها ومزاحمتها للرجال واختلاط أنفاسها بأنفاسه، تترتب عليه مفاسد عظيمة تعود إلى تدمير الأخلاق وفساد الفطر والقضاء على القيم، وقد صور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائي كانت في النساء)، أي: أن فتنة النساء كانت مفتاح الفتن، وتوالت بعدها كل الفتن مثل فتنة الشرك وفتنة الدماء وغيرهما.
تقول طبيبة نفسية أمريكية: (أيما امرأة قالت: أنا واثقة بنفسي، وخرجت دون رقيب أو حسيب فهي تقتل نفسها وعفتها).
ولقد أثبتت الدراسات في الدول التي تعاني من كثرة حالات الاغتصاب، أن حالات الاغتصاب تقل كثيراً في فصل الشتاء، وهذا يدل على أن خروج النساء له أثره البالغ في مثل هذه الظاهرة.
المبحث السابع: وقفة مع دعاة الضلال والانحراف:
أولاً: أبناء جلدتنا:
1- وهناك رجل لا أدري كيف دخل في قاموس الدعاة، له برنامج في بعض القنوات واسم هذا البرنامج: "صناع الحياة" يزعم أنه في هذا البرنامج يدعو الشباب إلى استغلال طاقاتهم والمشاركة في المجتمع، وفي إحدى الحلقات والتي أسماها "ظلم المرأة"، تمنينا من مثل هذا أن يتكلم عن ظلم المرأة في المجتمعات الغربية وما تعانيه هناك، ولكن فوجئنا عندما سمعنا أنه ذكر الختان، وتعدد الزوجات بدون سبب، ولزوم السفر بمحرم، وعدم مشاركتها في الحياة السياسية ونحو ذلك.
2- ومن عجائبه ذكر أنه يجب على صاحب العمل أن يقدم المرأة على الرجل إذا تقدم رجل وامرأة لوظيفة معينة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما قال: (النساء ناقصات عقل و دين) على سبيل الدعابة !! حيث قال: (دا الرسول كان بيهزر) !! أي: يمزح.
3- وفي حلقة أخرى تسمي "الثقافة والفن" قال: إن المعازف مباحة، ويجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله.
4- وفي حديث له في إحدى المجلات انتقد الفنانات المعتزلات للغناء، وناشدهم بالرجوع إلى عملهم وأن يساهموا بأعمال هادفة بدلاً من أن يتركوا الوسط الفني للأعمال الهابطة !!
إذا نطق الغراب فقال خيراً فأين الخير من وجه الغراب
هذا شيء يسير من دعوة عمرو خالد الذي تسير دعوته بالاتجاه المعاكس للإسلام !! وهؤلاء هم الدعاة الشباب، ودعاة فقه الواقع الذين يفقهون واقعهم ويدرون بما يكيده أعداء الإسلام !! ها هم اليوم ينفذون خطط أعداء الإسلام خطة خطة، وحرفاً حرفاً.
والعجيب أن عندنا في مدينة عدن أقيم بما يسميه بعضهم بمهرجان أو حفل اشترك فيه "الإخوان المسلمون" وهم عندنا يعرفون بـ"حزب الإصلاح" - هداهم الله وأصلحهم الله – اشتركوا فيه مع "منظمة اليونسيف" للتحذير من ختان المرأة، وقد رأيت بنفسي اللافتة التي فيها الإعلان عن هذا الحفل، ثم سلم لي بعض الإخوة أوراقاً نشروا فيها التنفير عن "ختان الإناث" وهي أوراق كتبها بعض الأطباء، وأخرى هي فتوى للقرضاوي فتح لهم الباب على مصراعيه، وقد أجاب فيها عن ختان الإناث بجواب سياسي، ومن قرأ هذه الأوراق عرف أن هذا الرجل خائن للإسلام وللمسلمين.
أقول: هذه هي فتاوى أمثال هؤلاء، وهي كما ترى ليس لها في أبواب الاجتهاد أي صلة، وإنني أتعجب ممن يرد عليهم ويريد أن يعقب على أمثال هؤلاء كيف يناقشهم بكل أدب كأنهم بذلوا الوسع في شيء يسوغ لهم الخلاف فيه، وأقول: لا والله الذي لا إله إلا هو لم يجتهدوا، وإنما قالوا ما قالوا ليرضوا الغرب ومن كان على طريقتهم، والمجتمعات قد أصابتها عقدة عظيمة من جماعة "الإخوان المسلمين" لا يرجى حلها، لأنها تعرف عنها أنه تكفر الحكام وتسعى إلى السلطة بكل وسيلة وستقفز إلى السلطة متى ما سنحت الفرصة فدعوتها سياسية محضة، ولما رأى "الإخوان المسلمون" هذه العقدة عند الناس ذهبوا يميعون الفتاوى ويتلاعبون بالنصوص لعلهم يفكون هذه العقدة التي في نفوس الناس، ولعل الناس يقتنعون بأنهم دعاة مرنون ومعتدلون وليسوا متشددين !!.
ليس هكذا يا من تريد أن تثبت أن الإسلام لم يظلم المرأة، وإنما كان عليك أن تعرض الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله ولا تخجل من الحق الذي يحمله هذا الدين العظيم، بل مناهج الغرب الظالمة هي أحق بهذا الخجل.
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 21:59
الشبهة السابعة:
اعتراضهم على بقاء المرأة في البيت،
و منعها من الخروج إلى ميدان الرجل
.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة السابعة من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن قولهم: (إن الإسلام منع المرأة من مشاركة الرجل في ميدان العمل)، وهذه من محاسن الإسلام وليس من مساوئه لو كانوا ينصفون، فعجيب أمر هؤلاء والله الذين يرون محاسن الإسلام من المساوئ، ويرون عفن الغرب من المحاسن، وهل هذا إلا لفساد فطرتهم، وانطماس بصيرتهم.
ونبين إن شاء الله أن هذا الذي شرعه الله هو الحق من قبل ومن بعد، وأن ما يدعون إليه هو الباطل، ويكفينا أن ربنا أمرنا بذلك فهذا وحده دليل على أنه الحق، وهذا غير ما اعترف به المنصفون من الغرب، ومن ذلك ما قالته إحدى الصحفيات الغربيات: (امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا) أ.هـ وسيأتي كلامها إن شاء الله.
وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
المبحث الأول: أمر الله بمكوث المرأة في بيتها.
المبحث الثاني: شروط خروج المرأة من بيتها.
المبحث الثالث: شروط عمل المرأة خارج المنزل.
المبحث الرابع: حرص أعداء الإسلام على إخراج المرأة المسلمة من البيت.
المبحث الخامس: حقائق مخيفة عن خروج المرأة في الغرب.
المبحث السادس: أضرار مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله.
المبحث الأول: أمر الله بمكوث المرأة في بيتها:
1- الوظيفة الحقيقية للمرأة:
وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بمسئولية البيت من خدمة الزوج وتربية الأطفال وتهيئة الجو المناسب لجميع الأسرة، فقد خلق الله المرأة لهذه المهنة وزودها بكثير من الحنان والعطف والرحمة واللين بما يناسب وظيفتها، وخلق فيها مقومات هذه المهنة التي يعجز عنها مجموعة من الرجال، فهي تحمل الجنين وتلده وترضعه وترعاه وتقوم بحضانته وتربيته عدة سنوات، وترعى الزوج وتطبخ له الطعام وتغسل له الثياب وتعينه في إكرام الضيف وتدبر شؤون المنزل، وهي في الفراش زوجة يجد الزوج فيها السكنى، ويجد عندها المودة والرحمة كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فمن قال بعد هذا كله إن المرأة معطلة ؟!.
2- قعودها في البيت كرامة لها بشهادة الأعداء:
1- قالت الراهبة "كارين أرمسترونغ": (حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديرا لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حرماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق) أ.هـ
2- ويقول غورباتشوف عن "البيروسترويكا": (ولكن في غمرة مشكلاتنا اليومية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة بدورها أماً وربة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربية للأطفال) أ.هـ
ويتابع فيقول: (وقد تبين أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية).
3- نشرت فيه مجلة "ماري كير" الفرنسية نتيجة استفتاء للفتيات الفرنسيات شمل 2.5 مليون امرأة وكان عنوان هذا الاستفتاء "وداعا عصر الحرية وأهلا بعصر الحريم"، وكان الاستفتاء عن قبول الزواج من العرب ولزوم البيت فأجابت 90% من النساء بنعم، وأوضحن أن أسباب ذلك هو أن المرأة الغربية ملت المساواة الكاذبة، وملت الاستيقاظ عند الفجر للركض وراء القطار، وسئمت الحياة العائلية التي لا ترى فيها الأولاد إلا على مائدة الطعام، وضاقت ذرعاً بالحياة الزوجية التي لا ترى الزوج إلا عند النوم.
4- وقد شهدت كاتبة أمريكية وهي واحدة ممن نصبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة واسمها (فيليس ماكجنلي)، فقد قالت في مقال لها بعنوان: "البيت مملكة المرأة بدون منازع": (وهل نعد نحن النساء بعد أن نلنا حريتنا أخيراً، خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت).
وتجيب على هذا السؤال بقولها: (إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإنني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا، وأهميتها في الحقل البشري، إلى حد أدنى أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
هذا تقرير امرأة غربية مثقفة، لكنها لم تجهل دور المرأة الحقيقي، لقد عرفت منزلة المرأة في بيتها أحسن من كثير من الأبـواق اليوم الذين ينادون بخروج المرأة من بيتها.
5- يقول الإنجليزي "صامويل سمايلس" وهو من أركان النهضة عند الإنجليز: (إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية، فإنه بسلبه الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتبرية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية، ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة القرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق).
6- وهذه الصحفية الأمريكية "هيلسيان ستاسنبري" بعد أن قضت في إحدى العواصم العربية عدداً من الأسابيع عادت إلى بلادها، ولم يكن ذلك ليمنعها من أن تدلي بشهادتها حيث تقول:
(إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تُقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا, امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا) أ.هـ
7- وقال الفيلسوف الألماني شوبنهور في بدايات القرن العشرين الميلادي: (اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة دون رقيب، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة، و لا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب، وإذا متّ فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة).
3- دعاة تحرير المرأة يعنون تحريرها من الدين:
وقد نشرت مجلات تركية مؤخراً صوراً لاحتفالات تركيا بذكرى مصطفى كمال أتاتورك - وهو من سقطت الخلافة العثمانية على يديه - نشرت صوراً لفتيات المدارس الصغيرات وهن يطفن المدن وإحداهن مسلسلة بالقيد والحديد وعليها الحجاب ثم يتقدم منها أحد الفتيان فينـزع عنها حجابها ويفك عنها أسرها ويصفق الجميع.
وسيأتي معنا تصريح لأحد محرري الصحف أنه يطالب بتحرر المرأة من الدين والأخلاق.
ويقول آخر: (لا تستقيم حالة الشرق الإسلامي لنا – أي: لا يسيرون على الطريق الذي نريده - حتى يُرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن)، أي: تخرج المرأة من العزلة ويكون القرآن هو المعزول.
ويقول آخر: (لا بد أنْ نجعل المرأة رسولاً لمبادئنا ونخلصها من قيود الدين).
ويقول محمد طلعت حرب باشا في كتاب له بعنوان "المرأة والحجاب": (إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي).
المبحث الثاني: شروط خروج المرأة من بيتها:
الأول: الخروج لحاجة ماسة، والثاني: أن لا تخرج إلا بإذن زوجها.
الثالث: أن تخرج بالحجاب الشرعي، وعندما نقول الحجاب الشرعي فنعني به الحجاب التي توفرت فيه جميع الشروط وهي ثمانية شروط وهي: أن يستر جميع البدن بدون استثناء، أن يكون فضفاضاً غير ضيق، وأن يكون كثيفاً غير شفاف، وأن لا يكون مبخراً ولا معطراً، وأن لا يكون مزيناً في نفسه، وأن لا يكون فيه تشبه بالرجال، وأن لا يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، وأن لا يكون ثوب شهرة.
الرابع: أن تسير في جوانب الطريق فلا تزاحم الرجال، فقد روى أبو داود والبيهقي في "شعب الإيمان" وغيرهما أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق)، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به".
وفي سنده مقال لكن تقويه طرق أخرى، وقد قال الألباني في "الصحيحة" برقم: (856): (وبالجملة فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله أعلم).
وإذا كان الخروج إلى سفر فلابد لها من محرم، فقد رويت في ذلك أحاديث كثيرة منها:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم) رواه الشيخان عن أبي هريرة.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها) رواه مسلم في "صحيحه" عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه.
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم) رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر.
المبحث الثالث: شروط عمل المرأة خارج المنزل:
1- شروط خروج المرأة:
ذكرنا فيما تقدم أن وظيفة المرأة الأولى هي القيام بمسئولية البيت وأنها تقدم للمجتمع في بيتها ما لا يقدر عليه كثير من الرجال وهذا هو الأصل، وخروج المرأة إنما هو للضرورة الطارئة، وعلى هذا فالإسلام لا يمنع المرأة أن تعمل على الإطلاق، فقد تكون هناك ظروف خاصة تجبر المرأة على الخروج من منـزلها لتعمل، فإذا اضطرت المرأة للخروج جاز لها ذلك بشروط:
الأول: مسيس الحاجة للخروج إلى العمل، ويدل على هذا قوله تعالى: (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير).
قال ابن كثير في "تفسيره": ("وأبونا شيخ كبير" أي: فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى) أ.هـ
قلت: فهذا الخروج له سبب وهو أن الأب شيخ كبير في السن، فخروج المرأتين إذاً لم يكن للمزاحمة على الماء، ولكن دفعتهن الضرورة إلى ذلك ولولاها لما خرجوا، ثم إنهما انتظرتا إلى أن يسقي الرعاة وبقيتا محتجبتين بعيداً، فجاء موسى عليه السلام بعد ذلك ليقوم بهذه المهمة التي هي في الأصل للرجل.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن المرأة إذا خرجت ثم وجدت من يكفيها الخروج من المنزل فإنها ترجع إلى الاستقرار، وعلى ولي المرأة أن يستعمل كل وسيلة لمنع المرأة من الخروج، ولذلك قالت المرأة: (يا أبت استأجره) أي: ليكفيها الخروج من المنزل.
فإذا كانت هناك وظائف تقوم بها المرأة وهي في بيتها فهذا حسن كأن تكون مرضعة أو تخيط الثياب أو تطبخ الطعام وترسل ولدها الصغير لتبيع ما تطبخه ونحو ذلك.
الثاني: أن يكون العمل مباحاً في نفسه، لعمومات النصوص التي تشمل الرجال والنساء.
الثالث: أن يكون سالماً من الاختلاط بالرجال أو الخلوة بهم، والأدلة التي تمنع من اختلاط الرجال بالنساء ولكن المقام لا يسمح أن نذكرها كاملة فنذكر منها دليلين:
1- منها قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب): وهذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد أنهم إذا خاطبوا زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهن من النساء لحاجة، فعليهم أن يسألوهن بغير مقابلة ولا تواجه في الوجوه، لأن هذا يؤدي إلى مفاسد عظيمة كما قال تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
وهذا في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وغيرهن من المؤمنات، وإذا تصورنا المسألة فنقول: إن مثل عمر - الذي إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً آخر - إذا أراد أن يخاطب عائشة أم المؤمنين لأمر طارئ وعاجل فعليه أن يخاطبها من وراء حجاب ويسألها من وراء الباب، وإذا كان هذا في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن الضعفاء ؟!
2- قد فصل الشرع بين الرجال والنساء في أشرف بقعة وهي المساجد، وأطهر وضع وهو الصلاة، فإذا صلت النساء مع الرجال في المسجد فعليهن أن يتأدبن بالأدب الإسلامي العظيم فتدخل من باب النساء الخاص بهن ولا تزاحم الرجال من أبوابهم الخاصة بهم، وتصف في صف النساء الخاص بهن، وكلما كان الصف أبعد من الرجال كان أفضل وأعظم في الأجر، لأن خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وإذا حدث للإمام شيء وتنبهت له المرأة دون الرجال فعليها أن تصفق دون أن تنطق بكلمة واحدة، وإذا انتهت الصلاة فلا ينبغي للرجال أن يلتفتوا حتى تنتهي النساء من صلاتهن، ومع هذا التحرز البالغ فإن الشرع يقول لها إن صلاتها في بيتها أفضل لها من صلاتها في المسجد ولو كانت الصلاة في المساجد التي أجورها مضاعفة.
ويلاحظ القارئ أنه ليس هناك مواجهة في الوجوه بين الرجال والنساء في مثل هذه الأوضاع إلا على سبيل النادر والصادر عن الخطأ.
ومن نظر إلى الكليات والمدارس في الآونة الأخيرة، يرى نقيض هذا الوضع تماماً، فالفتيات في كامل زينتهن وقمة المراهقة، ويتحدثن مع الشباب ويضحكن ويخلو الشباب بهن ويراسلونهن ويتم تبادل الأفلام والكليبات الخليعة بينهم، وهل حصلت مثل هذه الأوضاع إلا لأن الباب انفتح على مصراعيه فتطور الشر حتى أصبحنا نسمع عن أطفال غير شرعيين يرمون في القمامة، وعن زواج الصداقة، وهذا النوع ليس له من الزواج إلا الجماع الذي يكون بين الرجل والمرأة، وهو ما يسمى بالاتصال الجنسي فقط، دون قضية النفقة والقوامة والتربية والتوجيه وغيرها.
والعجيب أن هناك من أصحاب الفقه العجيب من يقيس الانحراف على الاستقامة، ويلحق الخطأ بالصواب كالشاعر الحداثي اليمني عبد العزيز المقالح الذي أجاز الاختلاط في جامعة صنعاء – وهو من أسوأ أنواع الاختلاط وأقدمه – أجازه واستدل بأن النساء كن يصلين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال !!
سارت مشرقة وسرت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب
والأدلة على منع الاختلاط والرد على مثل هذا القول كثيرة في هذا الباب لكن في هذين الدليلين كفاية وعبرة لأهل الإنصاف.
2- وجود الفارق بين الرجل والمرأة:
يقول البروفسور "ستيفن جولد بيرج" قد كتب يقول محذراً: (الرجال ليسوا أفضل من النساء، ولكنهم مختلفون، إن المخ لدى الرجل يعمل بطريقة مختلفة عن مخ المرأة، وإن الرجال والنساء من ذوي المستوى الذكاء المتساوي يميل الرجال إلى تسجيل درجات أعلى في حل المشكلات المنطقية والتحليلية بينما يكون أداء النساء أعلى في المهارات الشفهية).
ويضيف قائلاً: (بأن النساء لديهن وعي عاطفي أعظم حتى قبل أن يكون لهن أولاد وإن البنات الصغيرات في الشائع أكثر وعياً وحساسية لمزاج الوالدين من الأولاد الصغار).
ويرى كارليل في كتابه: "الإنسان ذلك المجهول": (بأن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الاختلاف الخاص بالأعضاء التناسلية ووجود الرحم والحمل أو من نوع التعليم، إن هذه الاختلافات ذات طبيعية جوهرية، إنها تأتي من الاختلاف الأساسي في الخلايا ومن تلقيح الجسم كله بالمواد الكيميائية التي تفرزها المبايض.
ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق لدى دعاة "الأنثوية" إلى المطالبة بنوع واحد من التعليم لكلا الجنسين وكذلك المطالبة بقوة واحدة ومسؤوليات متساوية، وفي الحقيقية تختلف النساء بعمق عن الرجال، فكل خلية من جسمها تحمل علامة على جنسها) أ.هـ
بل يتفق الجميع من العلماء والأطباء أن هذه الفروق بين الرجل والمرأة هي منذ بداية طفولتهما إلى نهاية أعمارهما، بل إن هذه الفروق تشمل كذلك أيضاً الفروق في التفكير والغايات والوسائل التي يتوصلون بها إليها.
فهناك اختلاف شاسع في سلوك الطفل الذكر عن سلوك الطفلة ولو كانا توأمين، فالصَّبي عادةً أكثر عُنفاً ونشاطاً وإدراكاً من أخته، ولذلك تشكو الأم في العادة من نَشاط أولادها الزائد وما يُسبِّبونه لها من متاعب كتحطيمٍ الأثاث في المنزل، بينما البنات في العادة هادئاتٌ، وتميل الصَّغيرات إلى اللعب بالعرائس وإلى تسريحها والعناية بها، ويقومن بتمثيل دور الأم في البيت وكيف تصنع الطعام وترتب الدار، مع ما يلاحظ عليها من كثرة وقوفها أما المرآة وكيف تتصرف وتتحرك كفتاة شابة من حيث التدلل والتكسر، والاهتمام بالثياب الجميلة، ولذلك كثيراً ما نرى ونسمع من الفتاة الصغيرة توجيه الأنظار إليها لنرى ثوبها الجميل وتسريحة شعرها.
هذا كله يبين لنا أن الفوارق بين الرجل والمرأة كثيرة حتى من بداية نشأتهما، مما يدل على أن هذا شيء جبل الله عليه الجنسين لا يد لهما فيه.
وتستمر الفروق بينهما وتنمو يوماً بعد يوم حتى تبلغ أعظم الاختلاف عند البلوغ عندما تستيقظ الغُدد التناسلية فترسل هرمونات الذكورة إلى الصبي ليُصبح رجلاً فينمو شعر لحيته وشاربه وغير ذلك، ويصبح صوته غليظاً، وتنمو عضلاته وعظامه وتقوى ثم يتمدد جسمه، فيكون عريض المنكبين قوي الساعدين مفتول الذراعين.
أما الفتاة فتنهمر عليها هرمونات الأنوثة فتنمو أثداؤها وأجهزتها التناسلية وتبدأ الحيض، ويحصل تغير في جسمها بحيث يخفي أي نتوءٍ أو حفرة تنفر منها الأعين، وينعم صوتها ويصير رخيماً ليس هذا فحسب, ولكن الهرمونات تؤثر في السلوك كما تؤثر في القوام والمشية فتجعل الفتى مقداماً محباً للمغامرة وتجعل الفتاة شديدة الخفر والحياء ميالة إلى الدَّلال والتغنج.
تصاب المرأة كل شهر بالعادة الشهرية وهي الحيض، وهذه العادة لها أثر كبير على المرأة من حيث سلوكها.
المرأة في فترة الحيض: ويمكن ذكر بعض هذه الآثار التي ذكرها بعض الأطباء:
1- تصاب أكثر النساء بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن، وتكون آلام بعض النساء فوق الاحتمال مما يستدعي استدعاء الطبيب واستعمال الأدوية المسكنة للألم.
2- تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته، وتكون المرأة عادة متقلبة المزاج سريعة الاهتياج قليلة التحمل، كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها.
3- تصاب بعض النساء بالصداع النصفي وهو ما يسمى بـ(الشقيقة) وذلك قرب بداية الحيض، وتكون الآلام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء.
4- تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة وخاصة عند بداية الحيض، وتميل كثير من النساء في فترة الحيض إلى العزلة والسكينة. وهذا أمر طبيعي وفسيولوجي؛إذ أن فترة الحيض هي فترة نزيف دموي من قعر الرحم، وتكون الأجهزة التناسلية بأكملها في شبه حالة مرضية.
5- فقر الدم (الأنيميا) الذي ينتج عن النزيف الشهري إذ تفقد المرأة كمية من الدم في أثناء حيضها، وتختلف الكمية من امرأة إلى أخري وقد قيست كمية الدم أثناء الحيض وزناً وحجماً فوجد ما بين أوقيتين (60 ميليليتر) وثمان أوقيات (مائتين وأربعين ميليلتر).
6- تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجة مئوية كاملة، وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تكفي في جسم الكائن الحي تكون في أدنى مستوياتها أثناء الحيض، وتسمي هذه العمليات بالأيض أو الاستقلاب ويقل إنتاج الطاقة كما تقل عمليات التمثيل الغذائي، وتقل كمية استقلاب المواد النشوية والدهون والبروتين.
7) تصاب الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
8- نتيجة للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويبطئ النبض وينخفض ضغط الدم وتصاب كثير من النساء بالشعور بالدوخة والكسل والفتور أثناء فترة الحيض.
وتأمل كيف رحم الله هذه المرأة الضعيفة ولاسيما في هذه الفترة، فخفف عنها واجباتها أثناء الحيض فأعفاها من الصلاة وأعفاها من الصوم وطالبها بقضاء فقط، ومنع الزوجين من الجماع، وأخبر الزوجين بأن الحيض أذى وطلب منهما أن يعتزل كل منهما الآخر في الحيض قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
وبعد هذا كله يقول الطبيب (ريبريت): (لا تستطيع قوى المرأة أن تتحمل من مشقة الجهد البدني والعقلي ما تتحمله في عامة الأحوال، وإن عوارض الحامل لو عرضت لرجل، أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها بالمرض بدون شك، ففي هذه المدة يبقى مجموعها العصبي مختلاً على أشهر متعددة، ويضطرب فيها الاتزان الذهني، وتعود جميع عناصرها الروحية في حالة فوضى دائمة) أ.هـ
المرأة في فترة الحمل:
1- أما الحمل فله شأن آخر: فإن المرأة تمر بما يسمى فترة الوحام فينقلب كيان المرأة أثناء الحمل ويبدأ الغثيان والقيء، وكثيراً ما يكون ذلك شديداً وخاصة في الأشهر الأولى من الحمل, وتعطي الأم جنينها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهضومة جاهزة حتى ولو كانت هي في أشد الحاجة إليها، بل إن الأمر أبعد من ذلك فإن الجنين يحصل على حاجاته من دم الأم ولو اضطرت الأم المسكينة أن تعطيه ما يحتاج إليه من عظامها، حتى لتصاب بلين العظام وتسوس الأسنان من جراء سحب الجنين للكالسيوم وفيتامين (د) من دم الأم وعظامها.
كما أن معظم الأمهات يصبن بفقر الدم أثناء الحمل وخاصة في النصف الثاني من مدة الحمل، وذلك لانتقال المواد الهامة لصنع الدم من الأم إلى الجنين وسحبها من أماكن خزنها في جسم الأم، وفقر الدم (الانيميا) ينهك الأم وإذا زادت درجته فإنه يؤدي إلى هبوط القلب.
ليس هذا فحسب ولكن الجنين يسحب كل ما يحتاج إليه من مواد لبناء جسمه ونموه حتى ولو ترك الأم شبحا هزيلاً، يعاني من لين العظام ونقص الفيتامينات وفقر الدم، وهي تفعل ذلك راضية مختارة، كما تقوم الأم بأخذ جميع المواد السامة التي يفرزها جسم الجنين وتطردها بدلا عنه.
ولا تكتفي الأم بكل هذا بل تعطي جنينها مواد المناعة ضد الأمراض وتمنع عنه المشيمة كل ما يضره من مواد موجودة في دم الأم ولا تسمح لها بالمرور إلى الجنين كما أنها تصد عنه دخول الميكروبات إلا فيما ندر.
وفي الحمل يتحمل القلب أضعاف ما يتحمله قبيل الحمل، فإن عليه أن يقوم بدورتين دمويتين كاملتين، دورة للأم ودورة للجنين ويتحمل تبعات هاتين الدورتين، وتزداد كمية الدم التي يضخها قلب الأم إلى ما يزيد عن ضعفي ما يضخه يومياً (يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يومياً أما في أثناء الحمل وخاصة قرب نهايته فتصل الكمية التي يضخها القلب إلى 15,000 لتر يومياً).
وتزداد سرعة القلب ونبضاته ويكبر حجمه قليلاً وبامتلاء البطن ونمو الجنين يضغط الحجاب الحاجز على القلب والرئتين فيصبح التنفس أكثر صعوبة وتشكو الحامل من ضيق التنفس والنهجان وخاصة عندما تستلقي على ظهرها.
ويضغط الرحم على الأوردة العائدة من الساقين فتمتلئ الساقان بالدماء وتنتفخ مسببة دوالي الساقين، كما تتورم القدمان قليلا في أواخر الحمل، ويصاب الجهاز الهضمي من أول الحمل فيكثر القيء والغثيان وتقل الشهية, ثم بعد ذلك تزداد الحرقة واللذع والتهابات المعدة، كما تصاب الحامل في العادة بالإمساك وتضطرب الغدد الصماء في وظائفها، وتصاب بعض النساء بتورم الغدد الدرقية أثناء الحمل نتيجة نقص اليود.
وهذا غير الرضاعة وأشياء أخرى، وهذا كله مما يؤيد القول بأن بقاء المرأة في بيتها أرحم لها من خروجها وممارستها للأعمال الشاقة، لأن إبقاءها في البيت بمنزلة إعفاءها من كثير من الواجبات، وإن من ينادي بخروجها من البيت ومشاركتها للعمل مع الرجل فإنه يطلب منها ما لا تستطيع، ويكلفها ما لا تقدر عليه من التكاليف فهل هذا من الرحمة بالمرأة ؟!!
المبحث الرابع: حرص أعداء الإسلام على إخراج المرأة المسلمة من البيت:
1- دعاة تحرير المرأة هم أعداؤها الحقيقيون:
هؤلاء الذين ينادون بتحرير المرأة هم أعداؤها الحقيقيون، وهم على قسمين أحدهما: من يخفي أهدافه الخبيثة تحت شعارات التقدم والحرية، والثاني: ومن يكشف أهدافه دون حياء ولا مراعاة للتدين الذي لا زال في نفوس المسلمين، ومنهم محرر "جريدة النهار اللبنانية" الذي كتب مقالاً تحت عنوان: (امرأة بلادي والعشق والجنس) قال فيه: (لنتحدث عن حرية المرأة، دعوني أعترف لكم فوراً إن حرية المرأة ليس لها غير معنى واحد إنه المعنى الجنسي، والمرأة في نظري هي مصعب الأشواق والشهوات، هي مخلوقة غرامية لا معنى لها خارج الوجد والعشق والجنس.
ما هي حرية المرأة ؟! حريتها الحقيقية هي حرية العلاقة الجنسية مع الجنس الآخر أو حتى مع بنات جنسها أو مع الجنسين معاً.
والرجل ما هو دوره ؟ عليه أن يحرض المرأة على الحرية.
إنني أطلب لامرأة بلادي الحق بأن تصادق رجلاً فجأة فإذا اشتهته حققت شهوتها، إنني أطلب لامرأة بلادي كسر طوق الاضطهاد العائلي والديني والأخلاقي، وحريتها في أن تكون حرة بلا حدود، حرة في اقامة علاقة جنسية قبل الزواج، حرة في تغيير حبيـبها متى ضجرت منه، حرة في التصرف بجسدها دون قيد ولا شرط) أ.هـ
أقول: إذن هذه هي الحرية التي يرجوها دعاة تحرير المرأة للمرأة، ولقد حصلت المرأة في الغرب على حريتها الجنسية المزعومة فماذا كانت النتيجة ؟! دمار المجتمعات وسقوط الأخلاق وضياع القيم وانهدام الأسر، 48 بالمائة من فتيات المدارس حاملات من الزنا، ومليون حالة إجهاض سنوياً !! ومليون طفل من السفاح في كل عام !! كل هذا رغم انتشار وسائل منع الحمل، وتلقين هذه الوسائل في الجامعات والمدارس من الثانوية إلى الابتدائية، وهذا غير حالات الطلاق فهناك مليون حالة طلاق في كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية فقط أغلبه من بعد ضياع الأسرة !!
2- حرص أعداء الإسلام إلى إخراج المرأة المسلمة من البيت:
تقول الصليبية "آنا مليجان": (ليس هناك لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة).
ويقول صاحب كتاب "تربية المرأة والحجاب": (إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق - لا في مصر وحدها - إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل).
ويقول د.مدرو بيرغر: (إن المرأة المسلمة هي أقدر فئات المجتمع الإسلامي على جره إلى التحلل والفساد أو إلى حظيرة الدين من جديد).
ويقول لاسي: (إن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات المسلمين توجد للإسلام داخل حصنه المنيع - الأسرة - عدواً لدوداً وخصماً قوياً لا يقوى الرجل على قهره، لأن المسلمة التي تربيها يد مسيحية تعرف كيف تتغلب على الرجل، ومتى تغلبت عليه أصبح من السهل عليها أن تؤثر على عقيدة زوجها وحسه الإسلامي وتربي أولادها على غير دين أبيهم، في هذه الحالة نكون قد نجحنا في غايتنا من أن تكون المرأة المسلمة نفسها هي هادمة للإسلام).
ويقول جان بوكارو في كتابه "الإسلام في الغرب": (إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات، ويقلب رأسا على عقب المجتمع الإسلامي، لا يبدو في جلاء مثل ما يبدو في تحرير المرأة).
ويقول زعماء صهيون "بروتوكولاتهم" وهم منظرو اليهود: (علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية).
المبحث الخامس: حقائق مخيفة عن خروج المرأة في الغرب:
1- وهذه "مارلين مونرو" الممثلة الأمريكية المشهورة التي ماتت منتحرة قبل أكثر من أربعين سنة، كتبت قبل انتحارها ترد على فتاة سألتها عن كيفية الوصول إلى الشهرة والمجد فردت عليها قائلة: (إحذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة في هذه الأرض لأني لم أستطع أن أكون أماً.
إني امرأة أفضل البيت، أفضل الحياة العائلية الشريفة على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية هي في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية الشريفة لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية، إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة) أ.هـ
ولم تلبث مارلين مونرو بعد أن كتبت هذه الرسالة إلا قليلاً حتى أقدمت على الانتحار لفرط ما عانته وقاسته من تعاسة وألم بسبب فقدانها لدور المرأة الطبيعي، دور الأم وربة البيت والحياة العائلية النظيفة الشريفة الطاهرة.
2- وقد أجريت استفتاءات في فرنسا وفي بريطانيا وفي أمريكا للنساء العاملات فوجد أن أغلبهن يفضلن العودة إلى المنزل والقيام بدور الأم وربة الأسرة، ولكنهن مضطرات إلى البقاء في العمل لأنهن لا يجدن من يعولهن.
3- ويقول المؤرخ المشهور توينبي تحت عنوان "درس من التاريخ للإنسان المعاصر": (لقد فشلت جميع جهودنا لحل مشكلاتنا بوسائل مادية بحتة، وأصبحت مشروعاتنا الجزئية موضع سخرية !! أننا ندعي إننا خطونا خطوات كبيرة في استخدام الآلات وتوفير الأيدي العاملة ولكن أحدى النتائج الغربية لهذا التقدم تحميل المرأة فوق طاقتها من العمل، وهذا ما لم نشهده من قبل فالزوجات في أمريكا لا يستطعن أن ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب.
إن امرأة اليوم لها عملان: العمل الأول من حيث هي أم وزوجة والثاني من حيث هي عاملة في الإدارات والمصانع، وقد كانت المرأة الإنجليزية تقوم بهذا العمل الثنائي فلم تر الخير من وراء عملها المرهق، إذ أثبت التاريخ أن عصور الانحطاط هي تلك العصور التي تركت فيها المرأة بيتها).
4- ويتحدث الأطباء في الغرب عن الطوابير الطويلة من النساء اللائي يذهبن إلى العيادات ويشكون من صداع وغثيان وآلام وأوجاع في الجسم، مع أرق في كثير من الأحيان، وبفحص هذه الحالات فحصاً جيداً تبين أنهن يعانين من الإرهاق الجسدي والنفسي نتيجة لخروجها إلى العمل.
5- نشرت جريدة "لاسترن ميل" الإنكليزية ما يلي: (لأن تشتغل بناتنا في البيوت كخوادم، خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف رداء.
إنه عار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها) أ.هـ
6- يقول علي عزت بيجوفتش الذي عرف الغرب عن قرب: (إن الحضارة الغربية قد أحالت المرأة إلى موضع إعجاب أو استغلال، ولكنها حرمت من شخصيتها وهو – أي: شخصيتها - الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير والاحترام، وهذا الموضوع مشهود بشكل مطرد وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال أو في مهن نسائية معينة مثل "الموديلات" وفي هذه الحالة لم تعد المرأة شخصية ولا حتى كائنا إنسانياً، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل) أ.هـ
7- وهناك كتاب "أرض النساء" لكاتب فرنسي أشار فيه إلى أن إحدى رائدات حركة "تحرير المرأة في أمريكا" في الستينيات، ترى التراجع عن هذه الحركة عندما أعلنت عام 1982 أنه كان هناك إفراط في تحرير المرأة وهو المسؤول عن أزمة القيم الأخلاقية التي تزلزل أمريكا".
8- وقد ذكرت بعض الدراسات أن نسبة الحوامل من جراء هذا الاختلاط بين الجنسين، قد زاد زيادة سريعة في المجتمعات المتحضرة!! فيقولون: (إن نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الأمريكية قد بلغت 48 % ثمان وأربعون بالمائة).
9- ونقل عن جريدة "الأحد" اللبنانية في عددها (650): (أن الفضائح الجنسية في الجامعات والمعاهد الأمريكية بين الطلاب والطالبات تتجدد وتزداد عاما بعد عام، وأن الطلاب يقومون بمظاهرة في بعض جامعات أمريكا، ويهتفون فيها قائلين: "نريد فتيات، نريد أن نرفه عن أنفسنا" وذكرت أن هجوماً ليلياً وقع من الطلاب على غرف نوم الطالبات وسرقن ثيابهن الداخلية).
10- وقال عميد الجامعة معقباً على ذلك الحدث: (إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعاً جنسياً رهيباً، ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكثر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة).
11- وقد أشارت الإحصائيات في الأعوام المتأخرة على أن (120) ألف طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية، لا تزيد أعمارهن على العشرين، وأن كثيراً منهن من طالبات الجامعات، وذكرت أن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها، وبالوسائل المتجاوبة مع العاطفة، وأن أكثر من 60 % ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات، وتعود أسباب فشلهن إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن ومستقبلهن، وأن 10% عشرة بالمائة فقط ما زلن محافظات.
انظر ما نقل من جريدة "الأحد" اللبنانية عدد (650).
ولا ندري لماذا لا تعالج صحفنا مثل هذه الظواهر السيئة التي منيت بها مجتمعات الغرب عموماً ؟!
12- إن الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن سابقاً أخرج بعض النساء من بيوتهن، تارة بالقوة في بعض المناطق وتارة أخرى بالإغراء، وكان ذلك في بعض الأرياف والمدن، فنتج من ذلك ضرر كبير وشر مستطير، حتى عم البلاء في كل مكان وعرف الناس شيئاً لم يكونوا يعرفونه من قبل، فكثرت حالات الحمل غير الشرعي وكثر إلقاء الأولاد غير الشرعيين في مزارع الأرياف، وفي قمامات المدن.
وهناك أدلة كثيرة ودامغة تدل على أن من ينادي بخروج المرأة لتعمل ليس إلا استدراجاً لها إلى الفراش لأنهم لا يرون المرأة إلا فرجاً لابد أن يشبع غرائزهم وشهواتهم.
وأخيراً نقول لدعاة التقدم ودعاة حرية المرأة إلى أي مستنقع قذر تريدوننا أن نصل وإلى أي هاوية ليس لها قرار تريدون أن تدفعونا يا من تدعون المرأة للخروج للعمل ؟
المبحث السادس: أضرار مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله:
في مشاركة المرأة للرجل عدة أضرار كثيرة يكفي منها أنها خالفت أمر الله في البقاء في البيت فإنه الأصل حيث قال الله تعالى: (وقرن في بيوتكن).
وهناك أضرار ومفاسد أخرى نذكر منها:
1- الوقوع في الفاحشة والانحراف الأخلاقي الناشئ من كثرة الاختلاط والاحتكاك، ومن ذلك كثرة المخادنة والمصادقة والخيانة الزوجية، ولاسيما وأكثر الوظائف النسوية هي من الوظائف التي يحتاجون فيها إلى جمال المرأة كأن تكون سكرتيرة أو مضيفة أو مقدمة برامج في التلفاز أو على كرسي الاستعلامات في الفندق أو نحو هذا، وهذا يدفع بعجلة التبرج والسفور إلى الأمام نسأل الله السلامة والعافية.
تقول الباحثة الأمريكية "هيلين فيشر": (إن الاختلاط يؤدي إلى إيجاد محيط يسبب نوعاً من التهيج) أي: التهيج الجنسي.
يقول أحد العاملين بـ"معهد العلاقات بين الجنسين" في مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا: (إننا لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل).
ولقد حدثني أكثر من شخص من الموظفين أنه يدخل على بعض المكاتب في مكان وظيفته فيجد رجلاً وامرأة في حالة عري فاضح.
ولم تكتف المجتمعات الغربية بتعريض المرأة للتحرش الجنسي فإنها تعرضت وما تزال تتعرض للاغتصاب،
ومن الإحصائيات الدالة على عظم مصيبة الاغتصاب في الدول الغربية ما أوردته إحدى الدراسات الصادرة في واشنطن أعدها "مركز الضحايا الوطني" و"مركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصاب" أن ثمان وسبعين امرأة يتعرضن للاغتصاب كل ساعة، أي بمعدل ستمائة وثلاثة وثمانين امرأة في السنة، وتضيف الدراسة أن 13% من النساء في أمريكا تعرضن للاغتصاب على الأقل مرة واحدة في حياتهن، وأن 61 في المائة منهن كن أقل من 18 سنة و29% منهن كن دون الحادية عشرة من العمر كما أن 32% كن بين سن الحادية عشر والسابعة عشر.
2- حرمان كثير من الرجال من الوظائف، فإننا نجد أن بعض الرجال يعمل موظفاً هو وزوجته طلباً في التوسع في دخل الأسرة فقط، في الوقت الذي نرى أن هناك رجالاً عاطلين عن العمل هو وزوجته، فتسبب خروج المرأة في قسمة ضيزى بين الرجال.
3- فساد مروءة كثير من الرجال الذين يعتمدون على زوجاتهم الموظفات في النفقة عليهم وعلى الأسرة وعلى كثير من متطلبات المنزل على سبيل الدوام والاستمرار، بل وصل الحال إلى أن بعض الرجال يعتمد على زوجته وحدها فقط في النفقة على الأسرة، دون أن يكون له أدنى عمل.
4- فساد مروءة وأخلاق كثير من الرجال الذين اختلطوا بالنساء في الوظائف والأعمال فساءت طباعهم وأصبح فيهم شيء من التكسر والميوعة.
5- تسلط الكثير من النساء على القوامة وهيمنتها على كثير من قرارات الأسرة لأنها ترى نفسها مشاركة للرجل في النفقة، فهي قد تخرج من المنزل وقد تأذن لأبنائها وبناتها في كثير من الأمور، وقد تحسم في كثير من القضايا دون أخذ مشورة الرجل، وهذا موجود بكثرة في المدن ولاسيما في الأسر التي تعمل فيها المرأة.
وقد اشتكى لي رجل وحدثني أنه يقوم من نومه أو يرجع من العمل إلى بيته فلا يجد زوجته في البيت فيتصل بها على الهاتف الجوال الخاص بها فترد عليه من "أسواق السوبر ماركت" !! فقد خرجت بحجة أنها تتبضع للمنزل !! وقد أخبرني أنها تفعل ذلك كل أسبوع مرة أو مرتين.
بل عمل المرأة في الوظيفة جر كثيراً من النساء إلى التسلط على الآباء والأمهات، مما سبب ضعف قوامة الولي على المرأة، لأنهم يرون أنهم عالة على بناتهم، مما جر الآباء والأمهات إلى إطلاق العنان لهؤلاء النساء، فحصل الكثير من تمرد النساء.
6- فقدان الاستقرار الأسري الذي ينشده كل رجل وامرأة، فليست المرأة متعة جسدية فقط، بل هي نفس شريفة يجد منها الزوج لطفاً وخفة، يصل إليها زوجها بعد أن تتكدر نفسه بما يلاقيه في عمله من اختلاط بأصناف الناس وألوانهم، فيبقى عندها يسيراً وإذا بكاهله يخف وبنفسه ترف، فتعود إلى سابق عهدها من الأنس واللطف، وهذا كله يفتقده الرجل في بيت تكون المرأة فيها دائمة الغياب، وهذا يسبب أثراً كبيراً على نفسيته.
7- فساد أخلاق كثير من النساء لأن الحياء يقل مع كثرة خروجهن واحتكاكهن بالرجال، وهذا شيء ملاحظ على الكثير من الموظفات إلا من رحم الله منهن.
وجاء في تقارير "اليوم العالمي لحقوق المرأة" ما يدل على أنها تندد بالمرأة الإنجليزية والأمريكية لمزاحمتها الرجال، وتشيد هذه التقارير بالمرأة السويسرية لعودتها إلى المنزل، وقد تضمن التقرير أنه أقيم حفل في سويسرا - معقل المنظمات المنافحة عن حقوق المرأة - لتكريم المرأة السويسرية لتفانيها في أداء واجباتها المنزلية.
حتى وصل ببعض النسوة أنه ربما تضع أطفالها أو بعضهم عند قرابتها أو عند الجيران، وفي الدول الأخرى يوضع الأطفال في دور الحضانة أو عند خادمات، ولقد كشف الدراسات عن تعامل هؤلاء الخادمات بعنف مع هؤلاء الأطفال.
8- اضطرار المرأة إلى التفكير بتحديد النسل حتى توازن بين عملها وتربية الأطفال، ولذلك نجد من دول كبرى مثل فرنسا واليابان تشكو من قلة المواليد.
9- تأخر زواج الكثير من الفتيات حتى يصلن إلى مرحلة اليأس من الزواج لأنها ترى أنها لا تتزوج حتى تكمل دراستها وتتوظف، وهذا يسبب كثرة حالات العنوسة في المجتمع.
10- خروج المرأة المتكرر إلى خارج المنزل يسبب لها الكثير من المتاعب البدنية والنفسية وترجع إلى بيتها وهي متعبة بدنياً وتشعر بصداع كبير في رأسها، وهذا إن كانت لا تبذل جهداً فكيف إذا كانت تخرج لبذل جهد.
تقول الدراسات في أمريكا: (إن النساء العاملات هناك أكثر عرضة للإصابة بضغط الدم وتصلب الشرايين والانهيار النفسي من ربات البيوت).
وعقد مؤتمر في ألمانيا أكد فيه رئيس أطباء المستشفى أن الإحصاءات تبين أنه من كل ثمان ساعات تعاني واحدة منهن من مرض القلب والجهاز الدموي بسبب الإرهاق غير الطبيعي.
11- ضياع حق كثير من الأطفال في الرعاية والعناية حتى ساءت أخلاق الأطفال ونشأوا على العنف، ولقد شاع في الغرب عصابات الإجرام من مدخني الحشيش والأفيون وأرباب القتل والاغتصاب الجنسي، لأن أكثرهم نتاج للتربية السيئة أو لإهمال الأبوين.
فقد نشرت "مجلة الأسرة" العدد (67) شهر شوال 1419 هـ (ص52) ما يدل على أن عمل المرأة يخلف آثاراً وخيمة على نشأة الجيل وتربيته، وأثبتت الدراسة أن أبناء الأمهات العاملات أكثر إخفاقاً وارتكاباً للشغب والجرائم.
ومن هذا الباب حرمان كثير من الأولاد من نعمة الرضاعة من الأم لأنها مشغولة بالوظيفة، وهي لا تعلم أن تغذية الطفل بما يحتاجه من اللبن ولاسيما لبن الأم خير من توفير المال له، ففوائد الرضاعة للطفل أكثر من أن تحصى، فمنها:
أ- لبن الأم معقم جاهز وتقل بذلك النزلات المعوية المتكررة والالتهابات التي تصيب الأطفال الذين يرضعون من القارورة، وكذلك تقل الالتهابات التي تصيب الجهاز التنفسي وذلك بسبب وجود مواد مضادة للميكروبات في لبن الأم.
ب- لبن الأم لا يماثله أي لبن آخر، فهو قد خلقه الله ليفي بحاجات الطفل يوماً بيوم منذ ولادته وحتى يكبر إلى سن الفطام، فتركيب اللبأ وهو السائل الأصفر الذي يفرزه الثدي بعد الولادة مباشرة ولمدة ثلاثة أو أربعة أيام يحتوي على كميات مركزة من البروتينات المهضومة والمواد المحتوية على المضادات للميكروبات والجراثيم، كما أنها تنقل جهاز المناعة ضد الأمراض من الأم إلى الطفل.
ج- يحتوي لبن الأم على كمية كافية من البروتين والسكر وبنسب تناسب الطفل تماماً، بينما المواد البروتينية الموجودة في لبن الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات تناسب أطفال تلك الحيوانات أكثر من مناسبتها للطفل الإنساني كما أن نوعية البروتينات والسكريات الموجودة في لبن الأم أسهل هضماً من تلك الموجودة في الألبان الأخرى.
د- تكثر لدى الأطفال الذين يرضعون من القارورة الوفيات المفاجئة، وهذا النوع من الوفيات لا يعرف لدى الأطفال الذين يلتقمون أثداء أمهاتهم.
هـ- نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أسرع وأكمل من أولئك الذين يرضعون من القارورة.
و- ينمو الطفل الذي يرضع من أمه نفسياً نمواً سليماً بينما تكثر الأمراض والعلل النفسية لدى أولئك الذين يرضعون من القارورة.
ز- يتعرض الأطفال الذين يرضعون الألبان المجففة بواسطة القارورة إلى أمراض الحساسية الجلدية بأنواعها والربو وحساسية الجهاز الهضمي بالأضافة إلى النزلات المعوية المتكررة بينما نجد الأطفال الذين يرضعون من الثدي لا يعانون من هذه الأمراض إلا نادراً.
وهذه الرضاعة تعود منافعها كذلك على الأم، ومن هذه المنافع:
أ- الارتباط النفسي بين الأم وطفلها أثناء الرضاعة عامل مهم لنفسية الأم والطفل.
ب- يعود جسم الأم إلى رشاقته وحجمه الطبيعي بسرعةٍ إذا قامت الأم بإرضاع وليدها.
ج- يعود الرحم بسرعة إلى حجمه ووضعه الطبيعي أثناء الرضاعة، وذلك لأن امتصاص الثدي يؤدي إلى إفراز هرمون "الاكسوتوسن" الذي يسرع بعودة الرحم إلى حالته الطبيعية، ولولا ذلك لأصيب الرحم بالإنتان والالتهابات.
وينظر: "عمل المرأة في الميزان" للدكتور صاحب المقالات النافعة: محمد علي البار.
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 22:11
الشبهة الثامنة:
الرياضــة النســوية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الثامنة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن "الرياضة النسوية" لأنها من فروع الكلام على حرمان المرأة من بعض حقوقها عندهم وهكذا يزعمون.
وقد روجت لهذه الرياضة كثير من وسائل الإعلام، واستجابت لهم من الفتيات من استجابت، ظناً منهن أنهن سيلحقن بركاب الغرب وحضارته، وكأن الغرب يعيش في سعادة غامرة وهذا ليس صحيحاً، ففي مقابلة صحفية أجرتها إحدى المجلات العربية مع "نادية أوبيربيه" وهي امرأة فرنسية متخصصة فيما يقال له "الفن الإسلامي" قالت: (وجدت المرأة العربية المسلمة محترمة ومقدرة داخل بيتها أكثر من الأوروبية، واعتقد أن الزوجة والأم العربيتين تعيشان بسعادة تفوق سعادتنا، وربما كان الأمر مختلفاً بالنسبة للمرأة العاملة التي تقع عليها أعباء كثيرة بالإضافة إلى أعباء البيت).
وتوجه نصحها للمرأة المسلمة فتقول: (لا تأخذي من العائلة الأوروبية مثالاً لك، لأن عائلاتها هي أنموذج رديء لا يصلح مثالاً يحتذى).
وتحذر رئيسة "جمعية الأمهات الصغيرات في أمريكا" المسلمين في مؤتمر القاهرة فتقول: (لقد دمروا المجتمع الأمريكي وجاؤوا الآن بأفكارهم للمجتمعات الإسلامية حتى يدمروها ويدمروا المرأة المسلمة ودورها فيها) أ.هـ من كتاب "سقوط الحضارة الغربية، رؤية من الداخل" لأحمد منصور.
ويتكون هذا البحث من عدة مباحث:
الأول: مقدمة في مكر أعداء الإسلام.
الثاني: حقيقة الرياضة.
الثالث: حاجة المرأة إلى الرياضة.
الرابع: أضرار الرياضة الغربية.
الخامس: ما يلحق بهذا الباب.
المبحث الأول: مقدمة في مكر أعداء الإسلام:
لأعداء الإسلام مكر بالإسلام وأهله ليلاً ونهاراً، لا يتفطن له الكثير من المسلمين وذلك بسبب الغفلة الحاصلة منهم، وشدة دهاء هؤلاء الأعداء ودقة خططهم، ولهذه الحرب صور كثيرة منها الحرب العقدية والأخلاقية والاجتماعية على بلاد المسلمين، والتي من فروعها ما تدعو إليه بعض المنظمات وبعض وسائل الإعلام من الدعوة إلى ما يسمى بـ"الرياضة النسوية" التي قام الإعلام بالدعوة إليها على قدم وساق بحجة: (الرياضة للجميع) !!
إنها الدعوة إلى "الرياضة النسوية" تلك الدعوة التي يتعجب المسلم من شدة حرص الأعداء عليها، وسعيهم الحثيث للدعوة إليها مع ضحالة فوائدها وقلة عوائدها، مقارنةً بالزخم الإعلامي والأموال الطائلة التي يدعمون بها هذه المنظمات، فهذا يدل على أن لهم أهدافاً أخرى هي أبعد مما نتصور.
والعجيب أنه قبل ثلاث سنين أو تزيد قليلاً كنا نقرأ في بلادنا "اليمن" في صحيفة يومية مشهورة من يطالب بهذه "الرياضة النسوية" ولاسيما كرة القدم منها !! وما هي إلا مدة وجيزة وفترة يسيرة، إلا ويصبح هذا واقعاً موجوداً، وشيئاً ملموساً !!
المبحث الثاني: حقيقة الرياضة:
1- حقيقة الرياضة وهدفها:
تعريف الرياضة:
الرياضة: مصدر راض، يقال: راض المهر يروضه رياضاً ورياضة فهو مروض أي ذلله وأسلس قياده، ورياضة البدن معالجته بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة.
ثمرة الرياضة:
وقد قال المختصون: إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضاً ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هي أحسن الطرق فى هذا المجال) أ.هـ بتصرف من "فتاوى الأزهر".
خروج الرياضة عن مقاصدها:
أقول: هذه هي الرياضة في الأصل، لكن لا يخفى على أحد منا ما وصلت إليه هذه الرياضة مع مرور الأيام والليالي، وكيف تطورت تطوراً ملحوظاً حتى خرجت عن مقاصدها وأهدافها، وأصبحت متعة وترفيه لكثير من المشاهدين بل واللاعبين، بل وأصبحت اليوم مصدر رزق لكثير من الناس وربما يلتحق بها الشاب لأنها مصدر رزق فقط ليس غير، كالذين يملكون "القنوات الرياضية" والمعلقين عليها وفريق التدريب وغيرهم، بل أصبحت مصدراً لتحقيق الثروات الكبيرة، فهدف كثير من الذين يشاركون فيها هو أنهم يتحصلون على ثروة هائلة، بل أصبحت الرياضة ميداناً للتنافس القومي والإقليمي، فأصبح كل بلد يطمع في الانتصار على البلد الآخر وبأي وسيلة، وأصبحت كل قارة تتفاخر بأنها حصلت على الكأس الفلاني كذا وكذا مرة، إلى غير ذلك من الأهداف التي دخلت في الرياضة وغيرت اتجاهها اليوم، فمن الظلم بعد هذا كله أن يوصف من يمنع بعض صور هذه الرياضة لخطر في بعض مقاصدها أو وسائلها بأنه منع حق المرأة وهضمها حقها، وهذا ما نريد أن نصل إليه في حلقتنا اليوم، فـ"الرياضة النسوية" اليوم بإمكانها أن تحقق الهدف المنشود منها بغير الطريقة التي تدعو إليها هذه المنظمات اليوم، لأنهم يدعون إلى رياضة بصورة معينة تهدف من وراء ذلك إلى هدم الآداب والفضيلة.
2- كلام ابن القيم في الرياضة:
وقد ذكر ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" عند الكلام على الرياضة، أن الحركة هي عماد الرياضة، وهي تخلص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلاً للغذاء.
وقد ذكر ضابط الرياضة النافعة فقال في "زاد المعاد": (والرياضة المعتدلة هي التي تحمر فيها البشرة، وتربو ويتندى بها البدن، وأما التي يلزمها سيلان العرق فمفرطة).
وقد ذكر وقت المطلوب للرياضة فقال: (ووقت الرياضة بعد انحدار الغذاء، وكمال الهضم).
وذكر أن كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، حيث قال في "زاد المعاد": (وأي عضو كثرت رياضته قوي، وخصوصاً على نوع تلك الرياضة، بل كل قوة فهذا شأنها، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة، ولكل عضو رياضة تخصه، فللصدر القراءة، فليبتدئ فيها من الخفية إلى الجهر بتدريج، ورياضة السمع بسمع الأصوات، والكلام بالتدريج، فينتقل من الأخف إلى الأثقل، وكذلك رياضة اللسان في الكلام، وكذلك رياضة البصر، وكذلك رياضة المشي بالتدريج شيئا فشيئاً) أ.هـ
ثم قال: (وأما ركوب الخيل ورمى النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهي قالعة لأمراض مزمنة).
3- شريعة الإسلام تراعي الحفاظ على الجسم:
ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم، لأن الجسم القوي أقدر على أداء التكاليف، وفي حالة ضعف الجسم عن أداء هذه التكاليف تخفف الشريعة من هذه التكاليف إبقاء على صحة الجسم، فأجازت أداء الصلاة من قعود لمن عجز عن القيام، وأباحت الفطر لغير القادرين على الصيام، ووضعت الحج والجهاد وغيرهما عن غير المستطيع كل ذلك مراعاة للقدرة وصيانة للبدن من التلف.
المبحث الثالث: حاجة المرأة إلى الرياضة:
1- حاجة المرأة إلى رياضة نزيهة:
المرأة تحتاج إلى شيء من الحركة والمرونة التي تنال بها شيئاً من النشاط والخفة وتدفع عنها الخمول والكسل، ومن ذلك ما تقوم به من الخدمة في بيتها من طبخ وكنس وغسل للثياب وحمل للماء وتكسير للحطب، ونحو ذلك مما يناسب خلقتها وطبيعة جسدها، فهذه رياضة مناسبة جداً للمرأة وهو شيء لا يستهان به من الجهد المبذول، فإنها تأوي إلى فراشها في ليلها وقد أخذ منها العمل كل قواها.
وقد عرضت "قناة العربية" في تاريخ 7/10/1429 هـ لدراسة طبية انجليزية أفادت أن ممارسة المرأة للأعمال المنزلية في حدود 20 دقيقة 5 مرات أسبوعياً يوفر اللياقة البدنية والصحية والنفسية للمرأة.
نقلاً عن رسالة: (الأندية الرياضية النسوة: نفثة تغريبية وخطوة تخريبية) للحقيل، الذي نقله عن: (الرياضة النسائية بين الصحة والاحتراف) لمحمود الشنقيطي.
فليس من الضروري أن تكون هذه الرياضة على الطريقة الغربية، والتي فيها اختلاط الشباب بالفتيات، والتكشف والسفر بدون محرم، إلى غير ذلك من المفاسد.
فمن الخطأ أن يظن الكثير أن هناك تلازماً بين رياضة النساء، وانفلاتهن من الشرع والأخلاق والقيم، فإنه يمكن للمرأة أن تمارس الرياضة بإحدى الطرق الشرعية التي كانت المرأة العربية تمارسها قديماً، أو بإحدى الطرق العصرية، وقد كانت المرأة العربية في أحسن حال وهي أقوى من هؤلاء النسوة المتأخرات وأصح بدناً وأسلم عقلاً، بل العجائز اليوم أنشط بكثير من فتيات هذا العصر.
2- أنواع الرياضة:
وهناك أنواع كثيرة من الأعمال والأفعال التي إذا قامت بها المرأة حصل لبدنها نوع من الحركة والنشاط ما تستطيع به أن تستغني عن الرياضة الغربية، فمن ذلك:
1- الصلاة ففيها بركة عظيمة على البدن عموماً وعلى الوجه خصوصاً، فضلاً عن أثرها في تزكية الروح والنفس وتهذيب الأخلاق، ولاسيما قيام الليل.
قال ابن القيم في "زاد المعاد": (ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن، وإذابة أخلاطه وفضلاته، ما هو من أنفع شيء له سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان، وسعادة الدنيا والآخرة، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شيء للبدن والروح والقلب، كما في "الصحيحين" عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن هو استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة ثانية، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان") أ.هـ
2- ومنها الصيام فقد اتفق الأطباء على أن للصيام أثراً عظيماً على البدن، وأن له وقاية كبيرة من الأمراض والتخمة – السمنة – وغير ذلك.
قال ابن القيم في "زاد المعاد": (وفي الصوم الشرعي من أسباب حفظ الصحة ورياضة البدن والنفس ما لا يدفعه صحيح الفطرة).
3- ومن ذلك الحج والعمرة فإنه جهاد النساء كما سيأتي، قال ابن القيم: (وأما الجهاد وما فيه من الحركات الكلية التى هى من أعظم أسباب القوة، وحفظ الصحة، وصلابة القلب والبدن، ودفع فضلاتهما، وزوال الهم والغم والحزن، فأمر إنما يعرفه من له منه نصيب، وكذلك الحج وفعل المناسك، وكذلك المسابقة على الخيل، وبالنصال، والمشي فى الحوائج، وإلى الإخوان، وقضاء حقوقهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، والمشي إلى المساجد للجمعات والجماعات، وحركة الوضوء والاغتسال، وغير ذلك).
4- وإذا أرادت أن تمارس الرياضة التي تحبها فتمارسها في بيتها، فقد نشرت "جريدة الرياض" العدد (10883) أن هناك دراسة أمريكية حديثة أن النساء اللواتي يمارسن الرياضة في المنزل يفقدن وزناً أكثر، ويصبح شكلهن أحسن من النساء اللواتي يمارسن نفس التمارين في النوادي الخاصّة.
5- ولها أن تمارس رياضة المشي ولاسيما في الليل مع زوجها أو أخيها أو غيرهما، أو الإتيان بأجهزة وآلات حديثة لممارسة الرياضة في البيت أو أماكن خاصة دون أدنى تكشف من النساء.
وفي مقال نشره موقع (معكم) جاء فيه: (وأوضحت الدراسة أن النساء لسن بحاجة إلى ممارسة أنشطة رياضية مرهقة في مراكز اللياقة البدنية لكي يقللن من خطورة إصابتهن بالسرطان، فالمشي لمدة ساعتين وركوب الدراجة (أي: الدراجة الثابتة) لمدة ساعة يومياً يكفي لتحقيق ذلك خاصة بعد سن اليأس، وأشارت الدراسة إلى أن النساء غير النشيطات اللاتي شملتهن الدراسة هن من اقتصرت فترة مشيهن على نصف ساعة في اليوم) أ.هـ
3- ضوابط الرياضة النسوية المشروعة:
وعلى هذا فالرياضة بالنسبة للنساء مشروعة بهذه القيود:
الأول: أن لا يكون فيها اختلاط بين الجنسين الرجال والنساء، ولا خلوة رجل بامرأة.
الثاني: أن لا يكون فيها شيء من كشف العورة للرجال أو للنساء أو تحجيمها.
الثالث: أن لا يكون فيها سفر للمرأة بدون محرم.
الرابع: أن لا يكون فيها إهمال المرأة لواجباتها في البيت أو غيره.
الخامس: أن لا يكون فيها عنف أو قسوة يضر بها أو بغيرها، أو يخرج بها عن طبيعة المرأة.
المبحث الرابع: أضرار الرياضة الغربية !!:
وينبغي أن يعرف أن الرياضة التي ينادي بها الغرب ويطالبون بها هي رياضة خاصة محددة من جهتهم، لا يريدونها لما فيها من الحيوية للمرأة كما يزعمون، ولكن لما فيها من مفاسد عظيمة، وأضرار كثيرة، وهي بالجملة ترجع إلى أمرين أحدهما: مفاسد في دين المرأة وأخلاقها، والثاني: مفاسد في بدنها.
1- المفاسد الأولى وهي المفاسد العائدة على دينها:
وهي كثيرة فمن ذلك:
1- أن هذه الرياضة فيها اختلاط الفتيات الشابات بالرجال ولاسيما الشباب، ولا يخفى ما في هذا الاختلاط من أضرار عظيمة، وعواقب وخيمة، على الفرد والمجتمع.
قال ابن القيم في "الطرق الحكمية": (ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال).
وقال رحمه الله: (ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك).
وقال رحمه الله: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة).
فالرياضة من أقوى الروابط بين الشباب والفتيات، مع كونها تكسر الحواجز بين الجنسين، وتحتم الاختلاط المستمر القائم على التهتك، فالفتاة التي هي في قمة الأنوثة وريعان الشباب، تختلط بشاب يزعم أنه يدربها أو يشرف عليها أو هو رئيس ناديها أو نحو ذلك أو يخالطها في قاعة الرياضة، فإذا كان الشاب يرى الفتاة ويلتقي بها في أماكن خاصة، ويدربها ويلقنها، فتراه يضحك معها تارةً، وتارة يصيح بها، وتارة يمسك بيديها بل وببدنها، وقد يشتبك بها ويطرحها أرضاً ويعلو عليها كما هو الحال في لعبة الدفاع عن النفس بأنواعها وفروعها، وهذا غير سائر الألعاب، فما ظنك بالنتائج المترتبة على ذلك ؟! وإذا كان هذا لا يجوز في تدريس المرأة القرآن بدون احتكاك فكيف بغيره ؟!
وقد تشارك هؤلاء الفتيات في مباريات علنية في قاعات وصالات كبيرة يحضرها جماعة كبيرة من الرجال المعجبين والمشجعين، فتعلو الأصوات وترتفع الهتافات، وتطلق الصفارات، بل حكم المباراة ومعاونوه هم أنفسهم من الرجال !! وتحصل من المهازل ما لا يعلم بها إلا الله !!.
وقد تشارك الفتيات في منافسات دولية، أو دورات خارجية، فتخرج مع الرجال والشباب وتسافر إلى الخارج، فمع من ستذهب ؟! وأين ستسكن ؟! وكم ستمكث بعيداً عن دارها وفي غربة خارج الوطن والبلاد ؟! لا شك أنها ستذهب مع رجال أجانب ليسوا من المحارم !! وستبيت في فنادق، ماذا يجري في هذا الفندق ؟! وماذا يعرض في قنواته ؟!
2- ومن ذلك التشبه بالرجال، وقد استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحاح" وغيرها بلعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء.
وقد نشرت "صحيفة الأخبار المصرية" في عددها الصادر في 20/10/1972م (ص 4): (أنه قد أقيمت في هذا الأسبوع الحفلة السنوية لسيدة العام وحضرها عدد كبير من السيدات على اختلاف مهنهن.. وكان موضوع الحديث والخطب التي ألقيت في حضور الأميرة (آن) البريطانية هو حرية المرأة وماذا تطلب المرأة، وقد حصلت على تأييد الاجتماع الشامل فتاة عمرها 17 عاماً رفضت رفضاً باتاً حركة التحرير النسائية، وقالت: إنها تريد أن تظل لها أنوثتها ولا تريد أن ترتدي البنطلون بمعنى تحدي الرجل، وأنها تريد أن تكون امرأة وتريد زوجها أن يكون رجلاً، وصفق لها الجميع وعلى رأسهن الأميرة "آن").
"كتاب المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟!" (ص 50).
2- المفاسد الأخرى وهي المفاسد العائدة على بدنها:
ومن مفاسد الرياضة التي يطالب بها الغرب رياضة شاقة على النساء، وعنيفة في حقهن، وإذا كان هناك بعض اللاعبين من يتعرض لبعض الإصابات الخطيرة في مثل كرة القدم، فيضطر للسفر لها، وإجراء بعض العمليات من أجلها، ثم الراحة الطويلة من أجلها، فماذا عسى أن تفعل المرأة المسكينة مع هذه المعارك كالمصارعة، والملاكمة، والجودو، والكارتيه، والجري لمسافات طويلة، وركوب الخيل، ونحو ذلك ؟! ألا ترى أن الشارع قد أسقط عليهن الجهاد في سبيل الله وهو أحق من هذه الرياضة بكثير، فقد قالت عائشة: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد ؟ فقال: (لكن أفضل الجهاد حج مبرور) رواه البخاري، وفي رواية لابن خزيمة: (عليكن جهاد لا قتال فيه ، الحج والعمرة).
فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم: (بالرفق بالقوارير)، فقد روى البخاري في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم سليم فقال: (ويحك يا أنجشة، رويدك سوقاً بالقوارير).
قال ابن بطال: (القوارير كناية عن النساء اللاتي كنّ على الإبل التي تساق حينئذ ، فأمر الحادي بالرفق في الحداء لأنه يحثّ الإبل حتى تسرع، فإذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط ، وإذا مشت رويداً أمن على النساء السقوط.) أ.هـ نقلاً من "فتح الباري" (10/538) تحت الحديث (6149).
ثم إن الرياضة النسوية بالمفهوم العصري لها أضرار بالغة على طبيعة المرأة وبدنها، فمن تلك الأضرار ما ذكره هشام البسطويسي "استشاري النساء والتوليد والعقم وخبير الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة" حيث قال: إن البحوث والإحصائيات في مجال الطب الرياضي وطب النساء والولادة والعقم حذرت من بعض الألعاب لتأثيرها على الصحة الإنجابية والمظهر الأنثوي ومنها رفع الأثقال تعد من الألعاب التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة أو الفتاة بصفة عامة، ولكننا وجدنهن مؤخراً ينخرطن نحوها رغم قسوتها التي تشوه شعور الأنثى وتدفعها نحو التعامل بمزيد من العنف وتفقدها رقة التعامل مع الآخر، فضلاً عن المصارعة الحرة والتايكواندو ورمي القرص والجلة وكرة اليد والقدم، فقد تنجم من ممارسة هذه الرياضات العنيفة الكثير من الأضرار التي تكون هذه الرياضات العضلية العنيفة التي تؤثر على مستقبل الإنجابي للفتاة منها:
1- ظهور بعض الشعيرات في غير المناطق الأنثوية مثل الذقن أو أسفل البطن مع ازدياد كثافة هذا الشعر في الأماكن المعتادة مثل العانة وتحت الإبطين.
2- نمو العضلات باليدين والفخذين وقلة المخزون من الدهون تحت الجلد والهرمون المسئول عن ارتفاع وظهور العضلات طبقاً لمعدل نموها كميات متزايدة من هذا الهرمون، وهو ما ينعكس بالسالب على النمو الأنثوي والصفات الأنثوية والذكورية بنسب محددة ويتحكم فيها النوع والجنس.
3- الرياضة العنيفة المستحدثة مثل رفع الأثقال ورمي القرص والجلة والجودو وكرة القدم تتجلى خطورتها في أهم المضاعفات، مثل فقدان غشاء البكارة جزئياً أو كلياً وذلك للأسباب والاحتمالات التالية:
أ - الدفع لأسفل وذلك أثناء عملية الرفعات والتمارين التي قد تسبب انفجار غشاء البكارة وتمزقه أثناء الدورة الشهرية.
ب- فتح الساقين مع التحميل على الفخذين بثقل الجسم يتسبب في تهتك الغشاء ولاسيما إذا كان – أي: الغشاء - من النوع المثقب أو الهلالي.
ج - الإصابة بالضربات الخطأ أو أي كرة طائشة مندفعة بقوة للمناطق الحساسة من الجسم قد تسبب جرحاً ونزيفاً لغشاء البكارة يحتاج لتدخل جراحي في أغلبية الأوقات لإيقاف النزيف.
4- ازدياد الإحساس بالرجولة أو تضاؤل الإحساس بالأنوثة مما يتطابق مع الشكل الظاهري من جراء ممارسة الرياضة العنيفة.
5- الاتجاه بالإعجاب بالجنس المشابه (أي: الأنثى)، وأقرب مثال لهذه النقطة اللاعبة العالمية "مارتينا نافرتيلوفا" التي تناولتها الصحف الغربية لحادثتها المشهورة. (أقول: سيأتي بيان قصتها).
5- التشبه بالرجال في التصرفات في التصرفات والملابس وطريقة الحوار وإخفاء معالم الأنوثة الظاهرة.
6- فقدان الدورة الشهرية أو عدم انتظامها على الأقل، ويحدث هذا مع الفتيات اللاتي يكون وزنهن أقل من أربعين كيلو أو من هن فوق مائة وخمسة عشر جراماً، والدورة الشهرية لا يمكن تخزينها أو ادخارها شهراً بعد شهر.
منقول من "منتديات الحريق".
قلت: وما ذكره الدكتور هشام عن "مارتينا نافرتيلوفا" هو ما نشرته "جريدة الأحرار" المصرية يوم الاثنين 27/7/1987م وغيرها من الصحف أنه (في إحدى جزر الكاريبي نبأ أغرب زواج تم خلال هذه الأيام، وهو زواج لاعبة التنس العالمية "مارتينا نافرتيلوفا" على صديقتها الحميمة "جودي"، وقد قدمت لها شبكة من الذهب الخالص، وكانت مارتينا المشهورة التي فازت ببطولة (ويمبلدون) العالمية قد أعلنت رفضها لكل محاولات الزواج من الرجال وعلل البعض أن مارتينا تعاني من خلل هرموني، والغريب أن مارتينا وصديقتها قد أعلنتا أنهما ينويان تأجيل مسألة الإنجاب قليلاً) أ.هـ ما نشرته الجريدة.
وما ذكره من أن بعض صور الرياضة قد يُذهب عليها بكارتها، فقد ذكرها الفقهاء أو أشاروا إلى هذا المعنى حيث ذكروا أن البكارة قد تذهب بالقفزة، وقد تذهب بالحيضة الشديدة، وقد تذهب بالإصبع، ونحو ذلك، وهذا شيء معروف في عرف الفقهاء والأطباء بل وغيرهم.
قال شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (3/88): (وإن كانت البكارة زالت بوثبة أو بإصبع أو نحو ذلك فهي كالبكر عند الأئمة الأربعة).
وذكر خبراء الصحة - كما جاء ذلك في أكثر من موقع - أن الرياضة العنيفة أو الإفراط في ممارسة الرياضة قد تكون سبباً من عدة أسباب لحرمان المرأة من الرشاقة التي تطلبها وتبحث عنها.
وقد ذكر الحقيل في رسالة "الأندية الرياضية نفثة تغريبية، وخطوة تخريبية" دراسات موثقة بمراجعها عن أضرار محققة للرياضة النسوية وقد نقلها عنه أكثر من موقع، فقال: (وتوجد دراسات متخصصة تبين أضرار هذا النوع من الرياضة على المرأة ومنها:
الدراسة الأولى: أطلقت "جامعة كاليفورنيا" تحذيراً لكل من تمارس الرياضة باتباع الحذر من إصابتها بما أسمته "أعراض التدريب الزائد عن الحد" وأكد اختصاصيو الطب الرياضي في جامعة كاليفورنيا أن النساء والفتيات اللاتي يمارسن الرياضة يكن عرضة للإصابة بثلاث مشكلات طبية هي: اضطرابات التغذية ومواعيد الدورة الشهرية – وقد تنقطع بسبب شدة التدريب واستدامته - ونخر العظام.
الدراسة الثانية: فريق من الأطباء "بجامعة أوريغان" الأمريكية أعلنوا أن ممارسة الجري لمسافات طويلة يمكن أن تؤثر في النساء تأثيراً سيئاً، إذ تبين أن نسبة كبيرة من النساء اللواتي يمارسن هذه الرياضة بصفة منتظمة يتعرضن لخطر انقطاع الطمث الشهري خلال مرحلة مبكرة من العمر، كما أنهن يصبحن عرضة للإصابة بسرطان الثدي أكثر من غيرهن، نتيجة لحدوث بعض الاضطرابات الهرمونية التي تؤثر بصفة خاصة على إفراز هرمون البروجستون الذي يمنع من الإصابة بهذا المرض الخطير.
وأيضاً فان ممارسة هذه الرياضة يمكن أن تؤثر على إفراز الهرمونات الجنسية مما يؤدي إلى إعاقة عملية الإباضة - أي خروج البويضة من المبيض- فيحول دون تحقيق الإنجاب.
وذكر الدكتور لاري لوفر: (أن الرياضة العنيفة تعد من الأسباب الرئيسة في نقص أو وقف الإباضة لدى المرأة, وكذلك تغير الوزن).
الدراسة الثالثة: قامت الدكتورة: "روز فريش" أستاذة الصحة العامة "بجامعة هارفارد" بدراسة أجرتها على (5398) امرأة تتراوح أعمارهن ما بين (21-80) عاماً وتقدمت بنتائج هذا البحث إلى الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم وخلصت في دراستها إلى أن (2622) امرأة ممن كن يمارسن الألعاب الرياضية قد بدت عليهن أعراض السرطان، وخاصة سرطان الثدي وسرطان الجهاز التناسلي وداء السكري، في مقابل القسم الآخر من النساء وعدده (2776) لم تظهر عليهن هذه الأعراض.
الدراسة الرابعة: بينت دراسة "جامعة هارفارد"، إضافة إلى دراسة أخرى أجرتها جامعة "البرتا" أن الأعمال البدنية التي تمارسها المرأة تؤثر جداً في إنتاج "الاستروجينات" التي تتحكم في الإنجاب لدى المرأة، وأشارت هذه الدراسة مع أخرى مماثلة أجرتها جامعة كندية إلى أن النساء اللواتي يمارسن الأعمال المجهدة يصبن باضطراب الإخصاب حتى لو استمر الطمث لديهن على وضعه النظامي.
الدراسة الخامسة: أجراها جراحون من مدرسة "روبرت وود جونسون" الطبية الأمريكية تشير إلى أن عدد النساء اللواتي تجرى لهن عمليات في الركبة تضاعف خلال عشر سنوات، وأن أكثر من نصف الذين تجرى لهم هذه العمليات من النساء الرياضيات.
وقال الطبيب "ستيوارت سبرنجر" الاختصاصي في علاج تشوهات العظام والعضلات من معهد أمراض المفاصل في نيويورك: (أن ركب النساء لا تحتمل سوى 35 أو 40 عاماً من العمل المرهق رغم أن متوسط أعمار النساء يصل حالياً إلى 80 عاماً).
وأوضحت الدراسة أن الفتيات يصبن بآلام أو تمزقات في العضلات والمفاصل أكثر بست مرات في الأشهر الثلاثة الأولى للتدريبات الرياضية.
وفي تجربة أجريت على لاعبي فريق جامعي لكرة السلة تبين أن إصابة اللاعبات كانت أكثر من 60% وأنهن احتجن وقتاً أطول للشفاء كما تطلب الأمر تدخلاً جراحياً بنسبة أكبر.
ويقول الطبيب "دان سيلفر" من "لوس انجلوس": (إن معظم النساء اللواتي يعانين من مشاكل في الركبة لديهن استعداد مسبق لذلك ربما منذ الولادة، وأن هذه المشكلة تتفاقم مع استمرار النشاطات المرهقة مثل رياضة الركض، ويذكر أن النساء اللواتي يلجأن إلى التمارين الرياضية للتخفيف من الوزن أو تقوية عضلاتهن معرضات للإصابة بأمراض في مفصل الركبة بالإضافة إلى أمراض مزمنة تتطور بشكل تدريجي خلال ممارسة النشاطات اليومية الاعتيادية).
الدراسة السادسة: أعد هذه الدراسة الدكتور "نيكولا مافولي"، وهي بعنوان: "الطب الرياضي للأعمار والقدرات الخاصة" وخلص في دراسته إلى أن الرياضة العنيفة تؤدي إلى اضطراب الهرمونات المتحكمة في الجهاز التناسلي للمرأة مما قد ينتج عنه تأخر بلوغ الفتاة, واضطراب الدورة الشهرية والعقم، كما أن الضغط النفسي للرياضيات قبل الدورات الرياضية التنافسية وأثنائها يؤثر على انتظام الدورة الشهرية.
وأثبت في دراسته أن الرياضة تغير مستوى هرموني "الاستروجين" و"البروجيستيرون" في الجسم، وأن التمارين المكثفة تؤدي إلى وقف الإباضة عند المرأة، كما أن زيادة حرارة جسم الرياضية تمنع اتحاد الهرمونات الجنسية داخل البلازما, فتؤدي إلى زيادة في الهرمونات الحرة الجزئية، ذلك أن تأخر الإباضة أو وقفها مرتبط بنقص هرمون "الإستروجين", مما يسبب العقم لدى المرأة.
وذكر في بحثه أن "هرمون الاستروجين" يمنع إنتاج الدهنيات الضارة والمسماة بـ ( إل دي إل) وهذه الدهنيات الضارة إذا زادت تؤدي إلى خطر الإصابة بأمراض القلب وخاصة الشريانية، والعادة أن هذا الهرمون ينقص في فترة سن اليأس أو في حال وقف الإباضة, مما يجعل الفتاة الرياضية الشابة بمثابة من هي في سن اليأس, وقد تتعرض لأمراض القلب وهي شابة نتيجة لنقص حماية هرمون الإستروجين، كما أن نقص هذا الهرمون يؤدي إلى نقص معدنية العظام، وتأخر الإباضة يحدث تغيرات في الهيكل العظمي للمرأة وخاصة النزكلة، وتغيير بنية العظام، وكذلك فإن الرياضة المكثفة تسبب زيادة هرمون الذكورة "الأندروجين"، وبناء على ذلك يوصي بالرياضة الخفيفة غير المكثفة ولا العنيفة لئلا تحصل هذه المضاعفات.
الدراسة السابعة: يقول تقرير نشرته صحيفة "لوبون الفرنسية": (إن الإفراط في الرياضة يتحول إلى سم قد يكون قاتلاً على حد تعبير الدكتور "بيرير" رئيس قسم الطب الرياضي في مستشفى بيتييه سالبتريير بباريس، فعندما تتجاوز مدة التدريبات عشر ساعات في الأسبوع تبدأ المشاكل وقد لوحظ في الرياضة التي تتطلب بذل جهد بدني كبير مثل العدو الريفي، ورياضة الدراجات الهوائية، والسباحة، والتزلج، لوحظ أن الإفراط في تدريباتها يؤدي إلى تدمير عدد كبير من الكريات الحمراء، وإذا لم يعالج الرياضي فقد يصاب بأنيميا.
كما لاحظ الأطباء خلال أخذ عينات من دم الرياضيين أن بذل جهود مكثفة بشكل متكرر يؤدي إلى انهيار الدفاعات المناعية فيصبح اللاعب سريع العطب وفريسة سهلة لكل الفيروسات التي يتعرض لها مثلما حدث للأمريكية "ريجينا جاكوبز" التي لم تحضر الألعاب الأولمبية بسبب التهاب فيروسي في الرئتين.
وهناك خطر آخر يتهدد لاعبي بعض الرياضات العنيفة أو طويلة المدى يتمثل في إصابة العضلات بالنخر الخلوي فتتوقف عملية التجدد فيها إذا كان التدريب مجهداً أو كانت فتراته متقاربة وفي هذه الحالة يكون اللاعب قد تجاوز حدود قدراته الجسدية معرضاً نفسه بذلك لمشكلات في القلب.
الدراسة الثامنة: وهي بعنوان: "رياضة العلوم الطبية"، مؤلفها، د.هيليج وكانستروب، وخلص في دراسته إلى أن الفتاة الرياضية عرضة للإصابة بأمراض الأكل, واضطراب الدورة الشهرية, وقلة كثافة العظام, وهذه الصورة معروفة ومسماة "ثلاثي المرأة الرياضية".
وقرر أن إمكانية استفادة العظام من التمارين العنيفة هي محدودة بالنسبة لتأثيرها السلبي من نقص هرمون الإستروجين المصاحب لوقف الإباضة في الفتاة الرياضية، كما ذكر أن اضطراب الدورة متكرر لدى الفتيات الرياضيات.
الدراسة التاسعة: أجريت الدراسة على الفتيات الرياضيات السباحات في اختبار النوم وتغيير المزاج خلال ثلاث مراحل:
1- مستهل موسم السباحة. 2- ومنتصف التمارين. 3- وانقضاء التمارين والموسم.
وفي كل مرحلة كان هناك تسجيل يومي ومقياس المزاج " بارامترات", وتسجيل أداء السباحة، وخلصت الدراسة إلى أن عدد الحركات خلال النوم سجلت في اللواتي يتمرنَّ بكثرة, مما يشير إلى اضطراب النوم، بالمقارنة بغيرهن, وكذلك فإن المزاج يتدهور خلال التمارين التنافسية.
الدراسة العاشرة: كتبتها لورا روبنسون بعنوان "الحزام الأسود" ناقشت فيها الاختلال الجنسي الذي يلازم الفتيات اللائي يمارسن الرياضة بصورة مكثفة وقوية وخصوصاً من يمارسن ألعاب القوى مثل: الوثب العالي، والماراثون والقفز بالزانة والقفز الثلاثي ورمي الجلة.. الخ.
وجاء في الدراسة حسب الفحص الدوري الذي كانت تجريه الباحثات على الفتيات الرياضيات والفتيات غير الرياضيات: أن الفتيات اللاتي يمارسن الرياضة العنيفة تنقطع لديهن العادة الشهرية لفترات متفاوتة وأحياناً لفترة طويلة - قد تمتد لأربعة أشهر - ويحدث عادة ما يشبه الاضطراب في الغدة المعنية بهرمون الجنس بجسم الفتاة.
وأن الفتاة التي تمارس رياضة عنيفة تتصلب عضلات جسمها وخصوصاً عضلات الأرجل واليدين وتصبح شبيهة إلى حد بعيد بزميلها الذي يمارس نفس ذلك النوع من الرياضة.
وذكرت الدراسة أن اللاعبة الإسبانية المشهورة "ماريا باتينا" تم الكشف عليها فتبين أن جسمها غير قادر على إنتاج الهرمون النسوي، بمعنى أن خصائص الأنوثة ضعفت فيها بشكل كبير، وتروي اللاعبة قصتها حول هذا الموضوع فتقول: إن معظم صديقاتها تنكرن لها وابتعدن عنها، وكذلك أصدقاؤها من الرجال ابتعدوا عنها، وتقول: إنني أصبحت غريبة في المجتمع الذي أعيش فيه، وتضررت سمعتي كثيراً، مما أثر على نفسيتي سلباً.
وكتبت إحدى المتخصصات في الطب الرياضي عن ضعف أربطة الركبة والعضلات لدى الفتيات أثناء الدورة الشهرية، وازدياد فرص الإصابة، فقالت: إن الدورة الشهرية عند المرأة تمثل سلسلة من التفاعلات المركبة بين الهرمونات الأنثوية, وهذه التفاعلات المتبادلة يمكن أن تلعب دوراً في تعرض النساء لإصابات خطيرة كتمزقات الأربطة المفصلية, وإن الهرمونات الجنسية أي:"الاستروجين والبروجستيرون والرلاكسين" تتذبذب وتتقلب بشكل جذري خلال مراحل الدورة الشهرية ويعتقد أنها تزيد من رخاوة ولين الأربطة وتضعف الأداء العضلي العصبي، ولهذا يمكن اعتبارها سبباً محتملاً لتناقص الاستقرار والثبات بالركبة سلباً أو إيجاباً لدى الرياضيات) أ.هـ مختصراً من رسالة "الأندية الرياضية"، وأنبه إلى أن ما نقلته عنه فقد أحلت إليه، وقد يجد القارئ عبارات في هذه الحلقة متشابهة مع ما يذكره أو ما يذكره غيره، وهي ليست منقولة من أحد، وعلى العموم فالرسالة المشار إليها جيدة في بابها فننصح بمراجعتها.
3- تلخيص أضرار الرياضة النسوية على المرأة:
ويمكن تلخيص أضرار رياضة المرأة على الطريقة التي يطلبها دعاة تحرير المرأة إلى ما يلي:
1- أنها سلكت كثيراً من الوسائل المؤدية إلى وقوع الفاحشة، من اختلاط الرجال بالنساء بل اختلاط أنفاس الرجال بالنساء، وسفرهن بدون محرم، والخلوة بهن وغير ذلك مما هو سبب عظيم لوقوع الفاحشة.
2- غيابها عن مقرها الذي فيه سعادتها وسعادة أسرتها، وحاجة الجميع إليها، وهو البيت التي تقوم فيه بخدمة المجتمع الصغير – وهو الأسرة – فهي في بيتها تقوم بتربية أفراد المجتمع بل أفراد الأمم.
3- الاستهانة بالمرأة وجعلها مجرد متعة ووسيلة تقضى بها الغايات، فأغلب هذه الرياضات تخرج الفتيات بثياب عارية لا تطلق عليها أنها ثياب، ثم تبث هذه المباريات على الملايين في "القنوات الفضائية"، لا يراد من ذلك سوى امتلاء مدرجات هذه الملاعب بالزبائن وإقبال المشاهدين على القنوات، فقد جعلت هذه الرياضة المرأة مهزلة !!
4- الضرر الكبير على المرأة من حيث عنف بعض أنواع الرياضة كالمصارعة والملاكمة، هذا إن صح أنها محسوبة من الرياضة لأنها عند التحقيق ليست من الرياضة في شيء، وقد ذكرت مجلة "هنا لندن" العدد (413) مارس 1983م أنه قد ارتفعت أصوات كثيرة في برلمانات دول كثيرة تطالب هذه الأصوات بمنع ممارسة الملاكمة للمحترفين، نظراً للأذى الذي يلحق بكثير من ممارسيها، وقد نجحت السويد في ذلك بينما فشلت دول كثيرة في تنفيذ هذا المنع، والحقيقة أن وفاة هذا العدد الكبير من الملاكمين كان السبب وراء ارتفاع أصوات كثيرة تنادي بإلغاء هذه اللعبة أو على الأقل وضع قواعد صارمة تحد من عنفها.
يقول الدكتور "روجود وهرتي" الناطق بلسان "الهيئة الطبية البريطانية في ويلز" عن أهداف الحملة التي تقوم بها الهيئة في هذا المجال: (إننا نريد أن نظهر للعالم كله أن الملاكمة لعبة خطيرة للغاية، ليس بسبب تزايد عدد من يلقون حتفهم بسببها فحسب، ولكن بسبب العاهات التي تصيب أضعاف هذا
العدد، وفي سبيل تحقيق ذلك، فإننا نحاول الضغط على هيئات رسمية مختلفة من أجل التنديد بهذه اللعبة، وعدم اعتبارها ضمن الألعاب الرياضية، وأؤكد هنا مرة ثانية أن خطورة اللعبة تكمن في الضرر الذي تلحقه بالمئات من ممارسيها نتيجة للعاهات التي تصيبهم.
وقد وصل عدد الملاكمين الذي لقوا حتفهم نتيجة إصابات لحقت بهم في لعبة الملاكمة ثلاثمائة وخمسين ملاكماً منذ 1945 إلى حدود سنة 1983 عن مجلة "هنا لندن" العدد (413) مارس 1983م، بل نشر موقع (إم.بي.سي) ما هو أدهى من هذا حيث نشر في يوم الخميس 23/ يوليو / 2009 م عن ضحية جديدة من ضحايا الملاكمة لقي حتفه متأثراً بجراح بليغة أصيب بها في مباراة ملاكمة، بمدينة بورتو فالارتا المكسيكية، وقد وجهت إليه عدة ضربات قوية إلى وجهه ورأسه، فأصابته بإصابات بالغة، مما اقتضى إجراء عملية جراحية بعد المباراة مباشرة بسبب نزيفٍ في المخ نجم عن الضربات التي تعرض لها، إلا أنه لقي حتفه اليوم متأثراً بمضاعفات الإصابة.
وجاء في الموقع المشار إليه: (وانتقدت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة توالي مقتل الملاكمين على الحلبات، وطالبت بحظر رياضة الملاكمة، حيف أفادت تقارير صحفية بأن حوالي 900 ملاكم قد توفوا نتيجة إصابات على الحلبة منذ 1920 حتى الآن تقريبًا، مطالبين بحظر الملاكمة كرياضةٍ يكون الموت فيها النتيجة المتوقعة للاحتراف الرياضي.
وأوضحت التقارير أن أضرار الملاكمة لا تقتصر على الخاسرين؛ حيث يقدر الاتحاد الأمريكي لجراحي الأعصاب أن ما بين 15% إلى 40% من الملاكمين السابقين لديهم شكلٌ ما من أشكال الإصابة المزمنة في المخ، وأن أغلب الملاكمين المحترفين لديهم درجة من الضرر بالمخ، سواء كانت تظهر عليهم أعراض أم لا) أ.هـ
وفي الوقت الذي انتهى الناس من بعض الأمور وتوصلوا إلى حقائق خطيرة، قمنا نحن في الدول العربية ولاسيما اليمن نريد بدء مشوار جديد والعجيب أنه لملاكمة النساء، فقد نشر موقع "مأرب برس" مقالاً عن ملاكمة الفتيات اليمنيات ذكر فيه عجائب لا حاجة لذكرها !!.
4- مهازل الرياضة النسوية:
جعلت هذه الرياضة المرأة مهزلة، ومحل للسخرية والاستهزاء:
1- وآخر هذه المهازل مسابقة نظمتها إحدى الجهات في روسيا لجري الفتيات بالكعب العالي أمام الجمهور وأغلبهم من الرجال !!
2- وقد قرأت مقالاً في إحدى المدونات لـ"مكتوب" لكاتب واسمه عبد العزيز بن حسن قال فيه: (عرفت الرياضة النسوية حدثين مثيرين، أول هذين الحدثين كان في ألعاب القوى عندما خرج ثديا إحدى المشاركات من القميص ورغم ذلك استمرت في السباق تحت تصفيق الجمهور الذي نهض من مكانه ليشجع العداءة البادية الثديان، فهل كان تصفيق الجمهور للعداءة أم للثديين ؟!!
والحدث الثاني: كان في كرة القدم عندما قامت إحدى اللاعبات بعد تسجيلها للهدف بنزع قميصها تقليداً للرجال وقد بدا صدرها عارياً أمام تصفيق الجمهور الذي لا يعرف هل يصفق للهدف أم للصدر العاري ؟!).
3- ومن مهازل الرياضة الغربية التي ينادي بها هؤلاء أنه ذكر لنا أن بعض "القنوات" العربية تعرض رياضة المصابين بالبدنة والسمنة الكبيرة هم على قسمين أحدهما: رجال وهؤلاء تدربهم امرأة في غاية الشباب والجمال، والقسم الثاني: نساء يقوم على تدريبهم رجل، ويعرض هذا البرنامج على الملايين من الناس !!.
4- ومن مهازلها أيضاً أنهم ذكروا أن امرأة ماجنة لها برنامج تمارين رياضية يعرض في "قناة لبنانية" ومعها شباب وشابات بثياب لا تستر من النساء سوى السوأتين فقط، وإذا كان هذا وحده مثيراً للغرائز والشهوات، فكيف إذا زادت عليه باستعراض الحركات المثيرة لغرائز الشباب ؟!! والعجيب أن هذا البرنامج يعرض للملايين من الناس في دول الخليج العربي ودول الشام ودول المغرب العربي وغيرها من الدول، وكثير من المشاهدين على شغف بها وبهذا البرنامج مع أنهم ليسوا من الذين يرغبون في الرياضة، فهل هذه دروس في الرياضة ؟!
5- وفي العام الماضي عام 1429 هـ خرجت فتيات مابين 15-16 سنة، من بعض المدارس عندنا في "مدينة عدن" في ليتسابقن لمسافة طويلة جرياً في الشارع على رصيف السيارات وباللباس المدرسي، والشباب في الشوارع يتابعون هذه المهزلة التي تسمى بـ"الرياضة النسوية".
6- ومن المهازل أن جريدة (نبإ الحقيقة) العدد (197) الإثنين 16/7/2007 م ونشرته صحيفة "الأيام" - وهي عندنا بمنزلة خضراء الدمن - أن فتاة يمنية تجيد لعبة التايكواندو اختصمت مع زوجها فضربته وقتلته !! ونشرته عنها "قناة العربية" في موقعها على الإنترنت يوم الأربعاء 27/ جمادى الأولى 1428هـ الموافق 13 يونيو 2007م.
المبحث الخامس: ما يلحق بهذا الباب:
وهناك أشياء أخرى تلحق بهذه الرياضة لأحد أمرين الأول: ما فيه إضرار بالمرأة وتكليفها ما لا تطيق، وإخراجها عما خلقها الله عليه، الثاني: أو إقحامها فيما يسبب الفتنة بها، ومن ذلك: عملها في الشرطة وعملها في الجيش وعملها في الكوماندوز النسائي ونحوها، وقد نشر موقع (المؤتمر.نت) مقالاً جاء فيه:
(قالت الرائد/ سعاد محمد – المدرب بمدرسة تدريب أفراد الشرطة في اليمن – إن المدرسة شهدت لديهم في الآونة الأخيرة إقبالاً متزايداً من قبل الفتيات من حملة الشهادة الجامعية والثانوية العامة للانخراط بسلك الشرطة النسائية في إشارة لنجاح تجربة الشرطة النسائية في اليمن.
وأوضحت الرائد سعاد محمد في تصريح لـ (المؤتمر.نت) أنها تقوم بتدريب آخر دفعة التحقت بالشرطة النسائية الفترة الماضية والتي بلغ قوامها (500) فتاة من أصل (700) متقدمة من مختلف المحافظات،
مشيرة إلى أن الدفعة الجديدة هي الثالثة من نوعها، ويجري تدريبها حالياً على الحركات النظامية واستخدام السلاح) أ.هـ باختصار.
أم سمية الأثرية
2016-01-12, 22:12
الشبهة التاسعة:
تعـدد الزوجـات:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة التاسعة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن "تعدد الزوجات" تلكم الشرعة التي شرق بها الأعداء وحاولوا النيل منها كغيرها من الشرائع ليتوصلوا بذلك إلى الطعن في الإسلام جملة وتفصيلاً، مع أن التعدد من الناحية العملية بين المسلمين يعتبر في حكم النادر إذا قارناه بالذين يقتصرون على واحدة.
والعجيب أنهم يحتجون بأن هذا ظلم للمرأة !! ويا سبحان الله !! وأي ظلم يقع عليها وهو ينفق عليها ويقوم برعايتها وحمايتها ؟! وأي ظلم يقع عليها وهي تدخل باب التعدد برضاها واختيارها ؟!
وإذا كانوا يعنون أن الظلم هو ميل الرجل – ولو ببعض قلبه – إلى غيرها من النساء، فليت شعري ففي مجتمعاتهم ما هو أشد من هذا الميل بكثير، فقد وصلوا إلى درجة الزنى واتخاذ العشيقات على زوجاتهم، وقد نشرت جريدة "الحياة" وهي صحيفة عربية لبنانية يومية تصدر في لندن، نشرت بتاريخ 29/5/1980، أن 75% من الأزواج في أوروبا يخونون زوجاتهم، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته.
وقال "بول بيورد" في كتابه: "نحو انهيار أخلاقي" وقد نشر في لندن سنة 1925م: (وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال) أ.هـ
وأي عيب في علاقة نظيفة تحافظ فيها المرأة على كرامتها وعفتها في المجتمع مع نيل كل حقوقها من النفقة والحماية والصيانة ؟!
على أننا لا نسلم أن ميلان الرجل إلى امرأة من نسائه دون حيف في المعاملة يعد من الظلم.
والكلام على تعدد الزوجات على قسمين: أحدهما: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم، وهذه شبهة أثاروها حول الإسلام، والثاني: تعديد النبي صلى الله عليه وسلم للزوجات، وهذه شبهة أثاروها حول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وفي حلقتنا هذه سيكون الكلام على القسم الأول، وسيأتي الكلام على القسم الثاني إن شاء الله تعالى.
القسم الأول: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم:
ويتكون من عدة مباحث:
المبحث الأول: هجوم الأعداء على تعدد الزوجات.
المبحث الثاني: حقيقة التعدد وأصله.
المبحث الثالث: التعدد عند الأمم.
المبحث الرابع: الحكمة من التعدد.
المبحث الخامس: شرط التعدد.
المبحث السادس: عند الغرب تعدد من نوع آخر.
المبحث السابع: بعض الغرب يطالب بتعدد الزوجات.
المبحث الثامن: شبهات حول تعدد الزوجات.
المبحث التاسع: خلاصة البحث.
المبحث الأول: هجوم الأعداء على تعدد الزوجات:
لقد اتخذ أعداء الدين من التعدد وغيره مدخلاً يظنون أنهم سيدخلون به على الإسلام، وقد أثاروا حول التعدد الكثير من الشبهات الباطلة وقعوا خلالها في الأكاذيب وأنواع التناقض وأشياء أخرى لا يمكن أن تخرج من عقلاء، فهي عند التمحيص والتدقيق لا تساوي شيئاً، وبناء على هذا فلا يحل لأحد أن يعرض التعدد أو غيره من الأشياء التي يطعن فيها أعداء الإسلام على أنها من نقاط الضعف في الإسلام، فليس في الإسلام شيء هو من نقاط ضعفه، ولا ينبغي أن نعرض مثل هذه الشرائع إلا وقلوبنا ممتلئة يقيناً وثقة بأنها حق.
ألا وإن من هؤلاء الذين طعنوا في التعدد قاسم أمين وغيره:
1- يقول "قاسم أمين" في كتابه "المرأة الجديدة": (إن في تعدد الزوجات احتقاراً شديداً للمرأة لأنك لا تجد امرأة ترضي أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما إنك لا تجد رجلاً يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته، وهذا النوع من الحب اختصاص طبيعي للمرأة كما أنه طبيعي للرجل) أ.هـ
وسيأتي بيان حقيقة هذا القياس الفاسد في الكلام على شبهات حول التعدد.
2- وهذه أمينة السعيد وهي كاتبة مصرية من أكثر الداعيات إلى تحرير المرأة، تقول كما في "مجلة حواء" 6/3/1965: (إن الجمهورية التونسية سبقتنا إلى الإصلاح فوضعت منذ ثمانية أعوام قانوناً صريحاً يحرم تعدد الزوجات تحريماً تاماً ويجعل الطلاق لا يقع إلا بإذن القاضي، وهذا أكثر ما نطالب به في الوقت الحاضر) أ.هـ
المبحث الثاني: حقيقة التعدد وأصله:
1- حقيقة التعدد:
1- والتعدد كان يفعله أهل الجاهلية وكانت له في الجاهلية مصالح ومضار، فقد كان الرجل يتزوج بما شاء من النساء لوجود كثرة في النساء وقلة في الرجال الذين يفقدون في الحروب، ويعددون الزوجات لتكثير الأولاد ولمصالح أخرى، وقد بقي هذا التعدد إلى أن جاء الإسلام حتى إنه أسلم بعض أهل الجاهلية وعنده عشر نسوة !! ولكن مع هذه المصالح العظيمة كان لتعدد الزوجات على الطريقة الجاهلية مظالم كثيرة وعظيمة تسببت في الاعتداء على كرامة المرأة، وهضم كثير من حقوق المرأة، وتسببت في معاملتها على أنها لا قيمة لها، فشرع الله تعالى لنا تعدداً آخر له ضوابطه وقيوده يأخذ مصالح التعدد، ويباين تعدد أهل الجاهلية في ظلمه ومضاره على المرأة.
2- ولم يفتح باب التعدد للرجل حتى يكون مؤهلاً لهذا الزواج، فكما أن الزواج نفسه ولو بواحدة لا ينبغي الإقدام عليه إلا بعد التهيؤ له في النفقة وغيرها، فكذلك الزواج بأخرى ينبغي الإقدام عليه بعد التأكد من أن الرجل سيقوم بحقوق هذا التعدد.
3- ثم إنه لم يأمر بالتعدد على سبيل الوجوب ولا ألزم به المرأة ولو بدون رضاها، وإنما جعل ذلك راجعاً إلى اختيار المرأة الثانية، فإن رضيت بالزاوج من رجل له زوجة أخرى وإلا فلترفض هذا الزواج، ومن هنا تسقط دعوى هؤلاء عندما قالوا: إنه ظلم على المرأة، فإن الإسلام قد حدد العدد بأربع نسوة فقط، واشترط على الرجل أن يكون قادراً على هذا الزواج، وجعله راجعاً إلى رضاها، فأين الظلم ؟!
2- أدلة التعدد:
أولاً: قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
وثانياً: قوله تعالى في سياق ذكر المحرمات من النساء: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) ووجه الدلالة هنا هو مفهوم المخالفة، أي: ولا حرج من الجمع بين امرأة وأخرى غير أختها، وقد دلت السنة على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها في وقت واحد.
ثالثاً: قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من امرأة، وإن أصل الزواج بأكثر من امرأة ليس من خصائصه، وإنما مجاوزة الأربع من النساء هي التي من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في شروط التعدد.
رابعاً: وقد تزوج كثير من الناس بأكثر من واحدة قبل أن يدركوا الإسلام، وإنما نهاهم الإسلام أن يتجاوزوا الأربع من الزوجات ولم ينههم عن الزواج بأكثر من واحدة، وتزوج آخرون بعد الإسلام وانتشر بينهم التعدد حتى كان يعرض أحدهم ابنته لصاحبه مع أنه متزوج من غيرها، وهذا أمر مشهور ومعلوم.
3- الأصل في التعدد:
والتعدد من حيث الأصل مشروع شرعه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مباح في الأصل على الإطلاق، بقطع النظر في مسألة هل الأصل التعدد أو الإفراد ؟! فإن الطرفين المتنازعين في هذه المسألة اتفقوا على أن التعدد مباح للرجل ولا يلام الرجل على تعديده للنساء.
يقول محمد قطب: (أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام) وهذا غلط سواء قصد المعنى المترتب على هذه العبارة أو لم يقصده، وقد اغتر بقوله بعض الكتاب وفيما قاله نظر، وصحيح أن ذهاب الرجل إلى تعدد الزوجات يكون في الغالب لحاجة تحصل له، وسبب يدفعه إلى هذا التعدد، لكن هناك فرق بين أن يكون الرجل له سبب يدفعه إلى التعدد وبين أن نحكم بحكم عام على التعدد يكون فيه مدخل لمن أراد أن يمنعه من الكتاب أو الحكام أو غيرهما، حتى قال بعضهم وهو محمد عبده تلميذ جمال الدين الأفغاني: (إن الأصل عدم التعدد ولا يعدد الرجل بأكثر من زوجة إلا إذا عرض أمره على القاضي ورأى القاضي أن حجته مقنعة فهنا يجوز له أن يعدد النساء) !!
وعبارة محمد قطب فيها مدخل لهؤلاء وإن لم يكن يقصد مذهبهم، فإن كان يعني مذهبهم فهو أشد وأنكى.
وأرى أن من الواجب أن لا يحملنا هجوم أعداء الإسلام على أن ننهزم فنرضيهم كما فعل ذلك المخلوق الذي يسمى عمرو خالد الذي يشكك في التعدد من طرف خفي في بعض محاضراته.
فالإسلام يقر بتعدد الزواج ولو لغير سبب فهو في الأصل مباح على الإطلاق لا كما قال محمد قطب ولا غيره، ونقول لهؤلاء الذين لم يرضوا عن التعدد: ألا فلتموتوا بغيظكم فهذا شرع الله ويكفي أنه شرع الله، ويكفينا أننا رضينا به ديناً.
المبحث الثالث: التعدد عند الأمم:
تعدد الزوجات كان موجوداً في الأديان السابقة والأمم الماضية والملل المختلفة، فما أنكره أحد مطلقاً إلا المفترين في هذا العصر !! فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة - أو تسع وتسعين - كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون).
ففي هذا الحديث أن سليمان عليه الصلاة والسلام كانت تحته قرابة مائة امرأة، فهذا يدل على بطلان الدعوى أن محمداً هو أول من أتى بالتعدد !!.
والذين كتبوا عن تاريخ الزواج بينوا أن التعدد كان معروفاً في جميع البيئات قبل الإسلام، من اليهودية والمسيحية، العربية وغير العربية، ومنها الصين والهند وفارس وغيرها من الأمم.
انظر: (تعدد الزوجات) لإبراهيم الجمل.
وقد أباحته اليهودية دون حد، وكان ذلك شائعاً في ملوكها وأنبيائها، ولا توجد في أسفار "العهد القديم" - وهي التوراة - نصوص تحرم التعدد أو تمنعه عن الآباء والأنبياء ولمن دونهم من الخاصة والعامة.
يذكر الكاتب عباس العقاد أن "وستر مارك" العالم في تاريخ الزواج قال: (إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة) أ.هـ
ويقول المستشرق الفرنسي: "إتيين دينيه" الذي أسلم وسمى نفسه "ناصر الدين": (هؤلاء ملوك فرنسا دع عنك الأفراد الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والنساء الكثيرات وفي الوقت نفسه كان لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام).
وحتى قبل المسيحية واليهودية كان التعدد مباحاً مأثوراً عن الأنبياء أنفسهم فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة وهاجر، ويعقوب تزوج ليئة وراحيل، وفي العهد القديم ما يدل على أن موسى كانت له زوجة أخرى مع ابنة الرجل الصالح، وأن كثيراً من أنبياء بني إسرائيل كانوا يعددون ومعروف أن داود وسليمان عليهما السلام كان لهما زوجات كثيرة، ولقد جاء في سفر الملوك الأول أن سليمان عليه السلام كان له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من الجواري.
فالإسلام لم يبتدع التعدد، وإنما جاء فوجده منتشراً في جميع الطبقات يمارسه اليهود والعرب وغيرهم.
المبحث الرابع: الحكمة من التعدد:
1- التفصيل في حكمة التعدد:
لقد اعتبر بعض العصريين مسألة تعدد الزوجات التي شرعها الله من سمات عصر الإقطاع، يقول بعض المتطاولين: (إن تعدد الزوجات، وتتابع الزواج واتخاذ السراري والجواري من سمات عصر الإقطاع والدولة الإقطاعية) أ.هـ
والحق الذي لا خفاء به أن تعدد الزوجات يعتبر من الإعجاز التشريعي الذي يدل على كمال شريعة الإسلام وأنها دين رب العالمين، إذا لا يمكن لبشر مهما كانت عقليته أن يأتي بهذه الشرعة المتقنة المحكمة التي خلصت التعدد من الفرث والدم الذي كان عليه في الجاهلية وغيرها، وقدمته للناس مقصوراً على مصالحه العظيمة شرعاً خالصاً سائغاً للشاربين.
والخلاصة فقد اشتمل التعدد على مصالح كثيرة، ومحاسن غزيرة، فمن ذلك:
1- تكاثر الأمة:
فالمسلمون مكلفون بأن يخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، بحكم أنهم حملة هذا الدين، ولا شك أن هذا يحتاج إلى عدد كبير وهائل تقوم عليه الدولة التي ستقوم بهذه المهمة العظيمة ولاسيما أن هذه الحروب والفتوحات ستأخذ منهم وقتاً طويلاً قد تصل إلى قرون طويلة، وفي التعدد تكثير لأفراد الأمة، وزيادة في عددها.
2- التعويض عن المفقودين، والقيام على مصالح الضعفاء:
والمسلمون في حالة نشر التوحيد، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله يتعرضون إلى حالات قتل كثيرة، فينتج عن ذلك عدة أزمات وعلى رأسها أزمتان:
الأولى: فقدان الكثير من رجال المجتمع الذين يقتلون أثناء أداء واجبهم في نشر هذا الدين بين الناس، فتعدد الزوجات له أثر كبير في استمرار هذه الفتوحات التي لم تقم إلا لإعلاء كلمة الله، ولولا كثرة المسلمين التي كان من أعظم أسبابها تعدد الزوجات والتسري بالإماء لما قدر المسلمون على مواصلة الحروب أكثر من مائتي سنة في الفتوحات من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد الخلفاء الراشدين إلى عهد الأمويين إلى عهد العباسيين، ثم قتال التتار والصليبيين وغيرهم.
و لقد خاضت أوروبا معركتين خلال ربع قرن, ففني من رجالها عشرات الملايين, وأصبحت مشكلتها الاجتماعية الكبرى نقصان الرجال وكثرة النساء، حتى استسلم كثير منها في الحروب.
الثانية: ترمل الكثير من النساء، ووجود أيتام كثيرين بين أحضانهن فقدوا آباءهم ومن يعولهم، وزواج الرجال بهؤلاء النسوة والقيام على مصالح الأيتام حل لهذه الأزمة، ونأخذ مثالاً على هذا القبائل الأفغانية حيث يقوم فيها الأفغاني بالزواج من أرملة قريبه بعد وفاته حماية للزوجة ولأولادها، ولذلك كان من الأمور التي تلفت النظر أثناء الحرب الأفغانية الروسية أنه ليس عندهم دور للأيتام رغم وجود أعداد هائلة من الأيتام.
3- وقاية المجتمع من الانحراف الأخلاقي:
فهناك من الشعوب ما يزيد عدد النساء فيها على عدد الرجال بكثير، ولاسيما أعقاب الحروب الأهلية، بل بعضها يزيد على عدد الرجال في حالة السلم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى، وأنه سيكون في آخر الزمان، فقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: (لأحدثنكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد").
ففي تعدد الزوجات وقاية لهؤلاء النسوة من هذا الإنحراف الأخلاقي، أو أنهن يذقن ألم الحرمان.
4- إستغلال طاقة الرجل وقدرته على التناسل:
إذ قد يبقى الرجل معطلاً في أيام تكون المرأة فيها غير متهيأة للجماع والتناسل، كأن تكون في أيام حيضها، أو أيام نفاسها وولادتها، أو أيام مرضها، أو أيام غيابها عن زوجها، أو أيام حملها، أو أيام رضاعها، أو في المدة التي لا ترغب فيها في الرجل، وهذه تكون في سن الخمسين فما فوق في الغالب، فيكون الرجل في هذه المدة متعطلاً، والشرع حكيم لا يقر على مثل هذا التعطيل ولاسيما من يطمع في الزواج.
5- وجود منفذ شرعي للرجل الشبق الذي لا يقدر أن يصبر على ترك النساء:
فالناس يختلفون في قدراتهم الغريزية كما يختلفون في قدراتهم البدنية والعقلية، فبعض الناس لا يقدر على الصبر على النساء، ومن المعروف أن الغريزة عند الرجل ليست كالمرأة فالغالب أنها تثور على الرجل غريزته ولو لم يتعرض لفتنة، فكيف وهو يتعرض لكثير من الفتن ويصادف الكثير من النساء في الشارع وغيره ولو بغير قصد، كل هذا لا شك أن يساعد على أن يعيش الرجل في جو من ثوران الغرائز، فإذا لم يجد شيئاً يسد غريزته فربما ذهب في طريق الفاحشة، والإسلام يأمر بكل شيء يقي المجتمع من هذا الانحراف الأخلاقي.
6- وجود البديل عن المرأة العقيم:
هناك من النساء من تكون عقيماً أي: لا تلد، فكيف يصنع زوجها الذي يريد الأولاد ؟ إنه مخير بين أن يطلق زوجته، أو يصبر على الحرمان من الأولاد، أو الزواج بأخرى وهذا أنسب الحلول ففيه حصلت المصالح كلها.
ويشبه هذا الحال ما لو أصيبت المرأة بداء أو عاهة، مثل الاحتراق في جسمها، أو مرض شديد، أو نحو ذلك، مما يكدر على الرجل حياته الزوجية فيؤدي إلى طلب الزوج بزواج آخر أو يطلقها، ففي زواجه بأخرى حل لمشكلته دون تضرر أحد.
7- عودة الأسرة المتفرقة إلى سابق عهدها:
فقد يحدث خلاف بين الزوجين ويتفرقان بالطلاق، ثم يتزوج الرجل بامرأة أخرى، ثم يرغب في العودة إلى امرأته الأولى، فهنا يأتي تشريع التعدد حلاً حاسماً لمثل هذه الحالة.
[8- أنه راحة للمرأة:
ومن حكم التعدد تفرغ المرأة في غير نوبتها لطلب العلم وقراءة القرآن وتنظيف بيتها وأشياء أخرى، وهذا لا يتيسر غالباً للمرأة التي ليس لزوجها زوجة غيرها.
9- أنه وقاية للمرأة من العنوسة ذلك الكابوس المخيف:
وقد ذكرت الدكتورة/نهى عدنان قاطرجي في كتاب: (العنوسة معاناة إنسانية تهدد البناء الاجتماعي): (واقع العنوسة في العالم العربي اليوم، والذي يشير إلى أرقام مخيفة تنبئ بخطورة المشكلة، وبالحاجة الملحة إلى إيجاد حلول لها، ومن هذه الأرقام تلك الصادرة عن "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء" في مصر والتي ورد فيها أن العنوسة وصلت في مصر إلى تسعة ملايين فتاة وشاب من أصل 76 مليون نسمة، وكذلك وصل هذا العدد إلى مليون عانس في السعودية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 25مليون نسمة.
وأجرى "مركز سلمان الاجتماعي بالرياض" دراسة حول موضوع العنوسة في دول الخليج، تبين فيها: أن العنوسة بلغت في قطر 15% وفي الكويت 18%، وفي البحرين 20%).
ومثل العنوسة وجود نساء مطلقات وأرامل ونحوها، فالمجتمع الذي فيه تعدد لا تجد فيه نساء عانسات أو مطلقات أو أرامل، وإذا وجدت شيئاً من هذه الظاهرة فإنك تجد النسبة قليلة إذا قارنتها بالمجتمعات الأخرى التي لا تقبل بالتعدد.
وقد قال بعض التشاديين من بلاد تشاد في أفريقيا: (ليس في بلادنا امرأة مطلقة) أي: لأنها تتزوج مباشرة بعد انتهاء العدة.
2- تلخيص فوائد التعدد مع زيادة مصالح أخرى:
ويمكن تلخيص هذه الفوائد بما يلي:
1- تكاثر الأمة، لأنه من الأمور المحبوبة لدى الشارع.
2-التعويض عن المفقودين، والقيام على مصالح الضعفاء.
3- وقاية المجتمع من الإنحراف الأخلاقي وسد كثير من أبواب الزنا.
4- إستغلال طاقة الرجل، وقدرته على التناسل.
5- وجود منفذ شرعي للرجل الشَبِق، الذي لا يقدر أن يصبر على ترك النساء.
6- وجود البديل عن المرأة العقيم.
7- تقليل عدد الأرامل والمطلقات في المجتمع.
8- عودة الأسرة المتفرقة إلى سابق عهدها.
9- أنه راحة للمرأة.
هذه هي بعض المصالح التي ظهرت من تعدد الزوجات، وهي إما عائدة إلى المرأة أو الرجل أو المجتمع أو غيرها.
قال الشنقيطي في "الأضواء": (فالقرآن أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر، وتحديد الزوجات بأربع تحديد من حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع) أ.هـ
المبحث الخامس: شرط التعدد:
والتعدد من أجل أن يؤتي ثماره طيبة يانعة فلا بد من أن يقيد الشرع هذا الزواج بشروط يضمن بها للمرأة حقها وسلامتها من أي حيف أو ظلم يقع عليها، وهذه الشروط هي:
أولاً: أن لا يجاوز أربع نسوة في وقت واحد:
وهذا باتفاق من يعتد بقوله، وقد نقل الإجماع غير واحد من علماء المسلمين ومنهم:
1- الشافعي رحمه الله حيث نقل عنه الحافظ ابن كثير في "تفسيره" أنه قال: (وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة).
قال ابن كثير: (وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع، وقال بعضهم: بلا حصر).
2- ابن حزم حيث قال في "المحلى": (فلم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الإسلام).
3- ابن قدامة حيث قال في "المغني": (أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحداً خالفه إلا شيئا يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعاً لقول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولواو للجمع ولأن النبي صلى الله عليه و سلم مات عن تسع، وهذا ليس بشيء لأنه خرق للإجماع وترك للسنة).
4- وشيخ الإسلام حيث قال في "إبطال التحليل": (ومنها: أنه يجمع ماءه في أكثر من أربع نسوة بل أكثر من عشر وهو ما أجمع الصحابة على تحريمه).
5- والحافظ ابن حجر حيث قال في "فتح الباري": (وقد اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه و سلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن).
6- والقرطبي في "تفسيره" (5/17) والحافظ ابن كثير في "تفسيره" - كما تقدم قبل قليل - وغيرهم، وقد ذهب بعض الرافضة إلى جواز الزيادة على الأربع وهو قول منبوذ.
قال البخاري في "صحيحه": (باب لا يتزوج أكثر من أربع لقوله: (مثنى وثلاث ورباع) وقال علي بن الحسين: يعني مثنى أو ثلاث أو رباع، وقوله جل ذكره: (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) يعني: مثنى أو ثلاث أو رباع).
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/139): (وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم).
ثانياً: العدل: لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان الزواج بأكثر من واحدة محظوراً عليه.
والمقصود بالعدل هنا هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (32/269): (يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان..) فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثاً: بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم) أ.هـ
وأما العدل في المحبة فهو غير مكلف بها، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها، وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، ولذلك قال: (فلا تميلوا كل الميل).
ثالثاً: القدرة على الإنفاق على الزوجات لقوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح أن لا يجد المهر الذي يتزوج به، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته.
وينبغي لمن أراد أن يعدد الزوجات النظر إلى مسألة القدرة على تحمل تكاليف هذا الزواج، والقيام بأعبائه، فلا ينظر الرجل إلى كونه سيحصل على شيء من المتعة، ويغض الطرف عن الباقي من الواجبات التي عليه.
فشروط هذا الزواج هي القدرة على النفقة والوطء والقيام بالعدل بين الزوجات فيما أوجب عليه الشارع العدل فيه بينهن، فإذا لم يقدر على ذلك فليدع، ولا يلج باباً لا يحسنه، ولا يقدر على تكاليفه.
المبحث السادس: عند الغرب تعدد من نوع آخر:
التعدد خير من اتخاذ الأخدان في الغرب:
1- قالت "آني بيزانت" زعيمة "التيوصوفية العالمية" وذلك في كتابها: "الأديان المنتشرة في الهند": (كيف يجوز أن يجرؤ الغربيون على الثورة ضد تعدد الزوجات المحدود عند الشرقيين ما دام البغاء شائعاً في بلادهم ؟ … فلا يصح أن يقال عن بيئة: أن أهلها "موحِّدون للزوجة" ما دام فيها إلى جانب الزوجة الشرعية خدينات من وراء ستار! ومتى وزنّا الأمور بقسطاس مستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يَحفظ ويَحمي ويُغذي ويَكسو النساء، أرجح وزناً من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يَتّخِذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره) أ.هـ
2- ويقول الفيلسوف الألماني شوبنهور: (إنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات مادام منتشراً بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام) وهو يقصد تعدد الزوجات بصورة غير مشروعة.
3- وهذا "إسكابيرا" يتحدث عن أثر محاربة "البعثات التبشيرية المسيحية" لتعدد الزوجات لدى (الكجاتلا) "أحد قبائل جنوب إفريقية" فيقول: (إن عدداً من الأعضاء في الكنيسة يتخذون عشيقات في الخفاء على غير علم من المبشرين، لاستخدامهن في زيادة أفراد القبيلة) أ.هـ
المبحث السابع: بعض الغرب يطالب بتعدد الزوجات:
1- قال مبينار "وهو عضو مجلس النواب الفرنسي":
(إن في فرنسا الآن مليون وخمسمائة ألف فتاه لن يجدن لهن أزواجاً على افتراض أن كل شاب فرنسي يتزوج فتاه واحدة، وإني أقول بصراحة ما أنا واثق بصحته وهو أن المرأة لا تتمتع بصحة جيدة ما لم تصبح أماً.
في اعتقادي أن القانون الذي يحكم على مثل تلك الفئة الكبيرة بأن تعيش على نقيض ناموس الطبيعة إنما هو قانون وحشي بل مناف للعدالة).
قلت: الله أكبر، نعم والله إن الظالم الحقيقي للمرأة هي هذه القوانين الوضعية التي قضت أن تبقى هذه المرأة محرومة من أسهل حقوقها.
2- ويقول العالم الإنجليزي "مستر جواد": (إن النظام البريطاني الجامد الذي يمنع تعدد الزوجات نظام غير مرضي فقد أضر بنحو مليون امرأة ضرراً بالغاً حيث صيرهن عوانس، وأدي بشبابهن إلى الذبول وحرمهن من الأولاد وبالتالي ألجأهن إلى نبذ الفضيلة نبذ النواة).
3- ويقول الكاتب الفيلسوف الدكتور "جو ستاف لوبون" في كتابه "حضارة الغرب": (إن تعدد الزوجات يجنب المجتمع من أخطار الخليلات).
وقال: (إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه ويزيد الأسر ارتباطاً يمنح المرأة احتراماً وسعادة لا تجدهما في أوروبا).
4- وفي ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية طالبت نساء ألمانيا أنفسهن بتعدد الزوجات لذهاب كثير من رجالها وشبابها وقودا للحروب، ورغبة في حماية المرأة من احتراف البغاء وما يثمر منه من أولاد غير شرعيين، ففي عام 1948 أوصى "مؤتمر الشباب العالمي" في "ميونخ" بألمانيا بإباحة تعدد الزوجات حلاً لمشكلة تكاثر النساء وقلة الرجال بعد الحرب العالمية الثانية، وتقول إحدى الألمانيات: (إن حل مشكلة المرأة الألمانية هو إباحة تعدد الزوجات).
5- تقول أستاذة ألمانية: (إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء لرجل ناجح على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه، إن هذا ليس رأيي وحدي، بل هو رأي كل نساء ألمانيا).
6- يقول "اتيين دينيه": (إن نظرية التوحيد في الزوجة، وهي النظرية الآخذة بها المسيحية ظاهراً تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء، تلك هي الدعارة والعوانس من النساء والأبناء غير الشرعيين، وإن هذه الأمراض الاجتماعية ذات السيئات الأخلاقية لم تكن تعرف في البلاد التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية تمام التطبيق، وإنما دخلتها وانتشرت فيها بعد الاحتكاك بالمدنية الغربية).
7- تقول الزعيمة العالمية "أني بيزانت": (كثيرًا ما يرد على فكري أن المرأة في الإسلام أكثر حرية من غيره، فالإسلام يحمي حقوق المرأة أكثر من الأديان الأخرى التي تحظر تعدد الزوجات، وتعاليم الإسلام بالنسبة للمرأة أكثر عدالة وأضمن لحريتها، فبينما لم تنل المرأة حق الملكية في إنكلترا إلا منذ عشرين سنة فقط، فإننا نجد أن الإسلام قد أثبت لها هذا الحق منذ اللحظة الأولى، وإن من الافتراء أن يقال: إن الإسلام يعتبر النساء مجردات من الروح).
وتقول أيضاً: (متى وزنا الأمور بقسطاس العدل المستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء أرجح وزنا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره).
المبحث الثامن: شبهات حول تعدد الزوجات:
وقد أثار أعداء الإسلام شبهاً كثيرة في هذا الباب، فمن هذه الشبه:
1- أنهم قالوا: كما أن الرجل لا يحب أن يشاركه أحد في زوجته كذلك المرأة لا تحب من أحد أن تشاركها في زوجها.
وهذا الكلام الفاسد هو لقاسم أمين وقد تقدمت الإشارة إليه في البداية حيث قال: (لا تجد امرأة ترضي أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما إنك لا تجد رجلاً يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته).
ونحن نقول له هذا باطل من أوجه:
أ- إن هذا قياس فاسد لأنه مصادم للنص كقياس إبليس تماماً الذي أمره ربه بالسجود فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وعند التحقيق نجد أن هذا قياس مع الفارق لأن الطين أفضل من النار من عدة وجوه ذكرها ابن القيم وغيره، وهكذا التعدد فهو وإن كان يرى ضعفاء العقول والبصائر أنه ظلم للمرأة لأن المرأة لا تريد من يشاركها في زوجها كما لا يريد هو من يشاركه زوجته، فهو أيضاً قياس مع الفارق فالرجل يصح له أن يطأ أكثر من واحدة، بينما ممنوع أن يطأ المرأة أكثر من رجل، وهل نشأت الأمراض والعاهات العصرية إلا لحصول أسباب منها أن وطء المرأة أكثر من رجل، ولذلك شرع الإسلام العدة حتى لا تختلط المياه فتضيع الأنساب وتحصل الأوبئة، ثم إن تعدد الرجال لا يفيد المرأة بل يحط من قدرها وكرامتها.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (فذلك من كمال حكمة الرب تعالى وإحسانه ورحمته بخلقه ورعايه مصالحهم ويتعالى سبحانه عن خلاف ذلك وينزه شرعه أن يأتي بغير هذا ولو أبيح للمرأة أن تكون عند زوجين فأكثر لفسد العالم وضاعت الأنساب وقتل الأزواج بعضهم بعضاً وعظمت البلية واشتدت الفتنة وقامت سوق الحرب على ساق، وكيف يستقيم حال امرأة فيها شركاء متشاكسون وكيف يستقيم حال الشركاء فيها ؟
فمجيء الشريعة بما جاءت به من خلاف هذا من أعظم الأدلة على حكمة الشارع ورحمته وعنايته بخلقه.
فإن قيل فكيف روعي جانب الرجل وأطلق له أن يسيم طرفه ويقضي وطره وينتقل من واحدة إلى واحدة بحسب شهوته وحاجته وداعي المرأة داعية وشهوتها شهوته، قيل: لما كانت المرأة من عادتها أن تكون مخبأة من وراء الخدور ومحجوبة في كن بيتها، وكان مزاجها أبرد من مزاج الرجل وحركتها الظاهرة والباطنة أقل من حركته وكان الرجل قد أعطي من القوة والحرارة التي هي سلطان الشهوة أكثر مما أعطيته المرأة، وبلي بما لم تبل به أطلق له من عدد المنكوحات ما لم يطلق للمرأة، وهذا مما خص الله به الرجال وفضلهم به على النساء كما فضلهم عليهن بالرسالة والنبوة والخلافة والملك والإمارة وولاية الحكم والجهاد وغير ذلك وجعل الرجال قوامين على النساء ساعين في مصالحهن يدأبون في أسباب معيشتهن ويركبون الأخطار ويجوبون القفار ويعرضون أنفسهم لكل بلية ومحنة في مصالح الزوجات والرب تعالى شكور حليم فشكر لهم ذلك وجبرهم بأن مكنهم مما لم يمكن منه الزوجات وأنت إذا قايست بين تعب الرجال وشقائهم وكدهم ونصبهم في مصالح النساء وبين ما ابتلي به النساء من الغيرة وجدت حظ الرجال أن تحمل ذلك التعب والنصب والدأب أكثر من حظ النساء من تحمل الغيرة فهذا من كمال عدل الله وحكمته ورحمته فله الحمد كما هو أهله) أ.هـ
ب- ثم إن من المعروف عند جميع الناس أن الرجل بفطرته يميل إلى التعدد والتنويع، وهذا بخلاف المرأة التي لا تفكر في هذا مطلقاً إلا على سبيل الشذوذ الذي لا عبرة به، وهذا يبين الفارق بين الرجل والمرأة مما يزيد في فساد هذا القياس الذي وضعه قاسم أمين وغيره.
2- قولهم: أين المحافظة على شعور المرأة من أن تشاركها زوجة أخرى في زوجها، ويقال لهم:
أ- هل الأولى أن تشاركها امرأة أخرى شريفة عفيفة تقتسم معها حقوق الزوجية، أو تشاركها كثير من الفاجرات بطريقة الحرام، مع كونهن لا يتورعن من سحب الأزواج عن زوجاتهم وأولادهم حتى ضاعت الأسر وانهدمت كثير من البيوت، إما عشقاً في هؤلاء الأزواج أو طمعاً في المال.
ب- وأيضاً يقال: إذا كان على المرأة شيء من الضرر فإنه لا يمنع أن يكون في التعدد ضرر يسير ينغمر في المحاسن الكثيرة لهذا التعدد والتي تقدم ذكر بعضها، ومن هذه المحاسن ما يعود على المرأة نفسها، فإنها إن تضررت من جهة انتفعت من عدة جهات، هذا مع انتفاع الرجل المتزوج بل المجتمع كله، والشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة.
3- ولعلهم يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما رفض زواج علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها: (إني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبداً):
والجواب قبل نقل كلام العلماء هو أن نقول باختصار: أن أصل زواج علي بن أبي طالب من أخرى غير فاطمة مباح في الأصل، لكن منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه وسيلة لأذيته، فالزواج بالثانية يؤذي الزوجة الأولى وهذا مما لاشك فيه، والزوجة الأولى هي فاطمة والتي هي بنته صلى الله عليه وسلم وبضعة منه يؤذيه ما يؤذيها ويريبه ما رابها رضي الله عنها، فكان المنع من الزواج بأخرى ليس لذاته ولكن لأنه وسيلة لأذيته صلى الله عليه وسلم.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم":
(قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال وعلى كل وجه وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحاً وهو حي وهذا بخلاف غيره، قالوا: وقد أعلم صلى الله عليه و سلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم: "لست أحرم حلالاً ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين إحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من آذاه فنهي عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة.
والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة، وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما بل معناه أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ويكون معنى لا أحرم حلالاً أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله فإذا أحل شيئاً لم أحرمه وإذا حرمه لم أحلله ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله).
4- معارضتهم آية التعدد التي اشترطت العدل كقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) بآية (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، فقد حيث قالوا بعد ذلك: إذا فلا حاجة إلى الزواج لأن العدل غير متحقق:
والجواب قد ذكره العلماء وبينوا فيه الفهم الفاسد لهؤلاء، فالآية الأولى هو عدل القلوب وهو عدل المحبة والميل، وهذا شيء لا يقدر عليه زوج في الدنيا إذ لابد أن يميل إلى واحدة ولو قليلاً، ولذلك قال: (فلا تميلوا كل الميل) وأما العدل الآخر فهو عدل النفقة وهذا هو المطلوب.
5- هناك من يقول: إن في تعدد الزوجات ووجود الضرائر في البيت الواحد، وما ينشأ عن ذلك من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم، وهذا ضرر والضرر يزال، ولا سبيل إلى منعه إلا بمنع تعدد الزوجات.
والجواب:
1- أن هذا النزاع الذي يتوقع حصوله ليس من أصل تعدد الزوجات، فقد يقع بوجود زوجة واحدة مع أخوات الزوج وقريباته، وقد لا يقع مع وجود أكثر من زوجة واحدة كما هو معروف في بعض الأسر، فهو يقع مع ضيق الصدور وقلة الانسجام بين الناس سواء كانوا من الزوجات أو غيرهن.
2- ولو سلمنا باحتمال وجود نزاع يسير فهذا النزاع لو اعتبرناه ضرراً فهو ضرر مغمور في خير كثير كما تقدم وليس هناك مصلحة إلا وهي محتفة بشيء من الضرر ولو اليسير إلا فيما ندر حتى أنكر بعض الفقهاء أن تكون هناك مصالح غير محتفة بضرر.
ثم إن لكل زوجة الحق في مسكن شرعي مستقل كما يذكر الفقهاء في كتب الفقه، ولا يجوز للزوج إجبار زوجاته على العيش في بيت واحد مشترك.
المبحث التاسع: خلاصة البحث:
خلاصة ما تقدم:
1- أن تعدد النساء قد عرفته البشرية قبل الإسلام ولاسيما على ألسنة بعض الرسل، لكن الإسلام شرع هذا التعدد وهذبه من صور المظالم التي كانت الجاهلية فكان شرعة طاهرة من أنواع المظالم.
2- أن تعدد النساء من حسنات الإسلام لا من مساوئه، وليس هو مشكلة بل هو حل لكثير من المشكلات.
3- أن من هاجم التعدد لم يهاجمه لأن فيه مفاسد ظاهرة، وإنما هاجمه لأن مهاجمته وسيلة للطعن في الإسلام والتشكيك في شرائعه وشعائره، فبعض من هاجمه له مقاصد أبعد مما يظن بعض الناس، أو على الأقل هاجمه لأنه لم يفهم الحكمة العظيمة من هذا التعدد إن أحسنا به الظن.
4- أن الغربيين الذين يهاجمون التعدد قد وقعوا في تعدد آخر وهو تعدد العشيقات، وهو تعدد قبيح لأنه قائم على استغلال المرأة بأقبح أنواع الظلم.
5- أن من منع تعدد النساء بقانون مستمر ثابت فهو ظالم للمرأة نفسها وإن ادعى أنه يدافع عن حقها.
أم سمية الأثرية
2016-01-13, 09:00
الشبهة العاشرة:
تعـدد زوجـات نبينا صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة العاشرة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن القسم الثاني من تعدد الزوجات وهو "تعدد زوجات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"، وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
الأول: الجواب المجمل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم.
الثاني: الجواب المفصل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم.
الثالث: خلاصة ما تقدم.
الرابع: اعتراف المنصفين من الغرب.
الأول: الجواب المجمل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم:
لقد تطاول الأعداء العصريون للإسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن كثرة زوجاته يدل على أنه رجل شهواني !! كبرت كلمةً تخرج من أفواههم، فهم لا يفهمون الزواج إلا لمعنىً واحد وهو قضاء الشهوة فقط !! مع أن كفار ومشركي زمانه صلى الله عليه وسلم لم يعترضوا على تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام ولا اليهود الذين جاوروه اعترضوا على ذلك، رغم أن هؤلاء كلهم كانوا يتربصون به، ويثيرون حوله التهم الباطلة لينفروا الناس منه، لأنهم يعرفون عفته وأخلاقه، وأنه لم يفعل ذلك إلا لأمور هي أرفع من أن تكون لإشباع رغباته وشهواته.
فكثرة نسائه تدل على كمال رجولته وفحولته ورحمته ورقته وعظم المسئولية التي على عاتقه، فزواجه صلى الله عليه وسلم كان بإباحة الله له، مع مقاصد أخرى سامية، وزيادةً في التفصيل سنتعرض في هذا المبحث إلى الأسباب التي دفعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزواج من كل امرأة ليعرف القارئ أن ما يقوله أعداء الإسلام هو من أبطل الباطل، ويمكن ردها إلى جوابين: الأول: مجمل، والثاني: مفصل.
أما الأول: فهو ما قاله الحافظ ابن حجر في " فتح الباري" (9/115): (والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه تقدمت الإشارة إلى بعضها:
أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.
ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
ثالثها: للزيادة في تألفهم لذلك.
رابعها: للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.
خامسها : لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه.
سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.
ثامنها: ما تقدم مبسوطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم.
تاسعها وعاشرها: ما تقدم نقله عن صاحب "الشفاء" من تحصينهن والقيام بحقوقهن، والله أعلم) أ.هـ
وأما الجواب التفصيلي فسنذكر في كل موضع الدوافع لزواجه من كل امرأة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وقد نذكر أشياء لم يذكرها الحافظ رحمه الله.
الجواب المفصل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم:
(1) خديجة بنت خويلد (2) عائشة بنت الصديق (3) حفصة بنت عمر (4) أم حبيبة (رملة) بنت أبي سفيان (5) أم سلمة (هند) المخزومية (6) سودة بنت زمعة (7) زينب بنت جحش (8) زينب بنت خزيمة (9) جويرية بنت الحارث (10) ميمونة الهلالية (11) صفية بنت حُيَىّ.
مات منهن في حياته صلى الله عليه وسلم اثنتان وهما: خديجة وزينب بنت خزيمة، المعروفة بـأم المساكين، والتسع الباقيات بقين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أعماراً مختلفة، رضي الله عنهن من أمهات للمؤمنين.
وقد جمعهن أحد العلماء في الأبيات الثلاثة الآتية:-
توفى رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشـة ميمـونة وصفيـة وحفصة تتلوهن هند، وزينب
جويـرية مـع رملة ثم سودة ثلاث وست ذكرهن مهذب
1- خديجة رضي الله عنها:
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمره خمساً وعشرين سنة، وكانت هي في الأربعين من عمرها، فهي تكبره بخمسة عشر عاماً، ثم إنها ثيب وليست بكراً فقد تزوجت قبله مرتين، فهذا ليس زواج من يبحث عن المتعة واللذة ولا سيما وهو في عنفوان الشباب، وإنما هو زواج العفيف الذي يريد العفة.
ثم إن خديجة رضي الله عنها هي التي عرضت عليه الزواج بها بعد أن أعجبت بأمانته وصدقه وسيرته، فأرسلت إليه امرأة ً- أختها أو صديقتها – فقالت له: ما الذي يمنعك من الزواج ؟ فقال: لست أملك ما أتزوج به، فقالت: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى الجمال والكفاءة والمال والشرف ألا تجيب؟ قال: فكيف لي بذلك ؟ قالت: علي ذلك).
ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه طمع في غيرها في حياتها التي بقيت معه قرابة خمس وعشرين سنة، وهو مع ذلك كان يتركها ويذهب يتعبد لله في غار حراء، يبقى فيه أياماً يكتفي بالقليل من الطعام، وهذا من أكبر الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن باحثاًً إلا عن العفة، ولما تركته رضي الله عنها، ورحلت إلى الدار الآخرة كان سنها فوق الستين سنة، ومع هذا حزن عليها حزناً شديداً، وظل طيلة حياته بعدها وفياً لها يذكرها دائماً ويثني عليها ويبر بصاحباتها ويحسن إليهن، وكل ذلك يدل على أن زواجه بها، وبقاءه معها كان عن محبة ووفاء.
2- سودة بنت زمعة:
أسلمت هي وزوجها – وهو ابن عمها – السكران بن عمرو بن عبد شمس، وقد خالفت بإسلامها هذا قومها وأقاربها.
وكانت امرأة كبيرة في السن وقد ثبت عنها أنها وهبت يومها لعائشة في آخر أيامها، وهي حسيبة في قومها لا ترضى أن يتزوجها من لا يكافئها، فتزوجها رسول الله صلى عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين ولم يدخل بها إلا في المدينة تزوجها حماية لها من قومها الغلاظ، وزواجه بها أشبه ما يكون بالتكريم لها بسبب إسلامها وهجرتها وصبرها على التمسك بعقيدة التوحيد، ومواساة لها بعد مصيبتها بموت زوجها وابن عمها فهو أشبه ما يكون برعاية لأسر الشهداء – إن صح التعبير- وفي الوقت نفسه هو استمالة لقومها، وتأليف لقلوبهم لكونهم صاروا أصهاراً له، إذن هو زواج تكريم ومراعاة لمصالح الإسلام والمسلمين، لا زواج استمتاع.
3- عائشة رضي الله عنها:
هي ابنة الصديق حبيب رسول الله وأخوه في الدين، وصاحبه في الأسفار ورفيقه في الجهاد، بذل أبو بكر نفسه وماله لنصرة الإسلام.
1- وكان أبو بكر أقرب الناس إلى قلبه صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يكرمه رضي الله عنه لسابقته في الإسلام ونصرته للرسول صلى الله عليه وسلم ولغير ذلك من الفضائل، ويزيده قرباً إلى قربه وشرفاً إلى شرفه، ولم يجد صلى الله عليه وسلم أفضل من المصاهرة، ولاسيما وأن هذا الأمر كان يحلم به الكثير من الناس، هذا مع حاجته إلى زوجة تقوم على خدمته وترعى مصالحه وتؤنسه في بيته وتنقل عنه ما تراه من السنن وتسمعه من العلم، لاسيما بعد وفاة زوجته خديجة، وكبر سن سودة، ولم يتزوج رسول الله بكراً غيرها.
2- أضف إلى ذلك أن زواجه بعائشة كان بوحي من الله حيث رآها في المنام ورؤيا الأنبياء وحي، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أريتك في المنام مرتين أى أنك في سرقة من حرير، ويقال هذا امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه).
3- وأيضاً قد كانت هناك مؤاخاة عظيمة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى أنه صلى الله عليه وسلم لما طلب من أبي بكر الزواج بعائشة قال له أبوبكر: ي رسول أنت أخي فقال له: أنت أخي فقي الدين ولكنها حلال لي، فيمكننا القول بعد هذا أنه صلى الله عليه وسلم قد قضى على عادة كانت موجودة في الجاهلية وهي عادة التآخي عند بعض العرب، وكانت عادة المؤاخاة عندهم تسوي بين هذه المؤاخاة بين الأخوة الحقيقية القائمة على صلة الدم، وكانوا يحرمون على أنفسهم الزواج بابنة أخيهم المزعوم، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العادة الجاهلية بزواجه بعائشة رضي الله عنها.
وكان عمرها تسع سنوات وقت الزواج وبقيت على قيد الحياة ثمانياً وأربعين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولعل هذا هو السر وراء هذا الزواج، ولم يعرف أنها اشتكت يوماً أو ادعت أنها ظلمت من أبيها الذي زوجها وهي صغيرة، بل كانت ترى أن ذلك شرف لها لا يقاربه شرف ولا يساويه شرف، وكانت متعلقة برسول الله صلى الله عليه وسلم لدماثة أخلاقه وطيب عشرته.
4- وظلت تنشر الدين وتبلغه إلى النساء والرجال سنين طويلة، وقد ذكر العلماء المؤرخون أنه قد انتقل ربع الأحكام الشرعية إلى الأمة المسلمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال توجيهات عائشة وجهودها التي استمرت قرابة ثمانية وأربعين سنة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
4- حفصة بنت عمر:
تزوجها أولاً خنيس بن حذافة السهمي وقد توفي جريحاً في غزوة بدر، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إكراماً لصديقه وصاحبه ووزيره الثاني عمر، وكان زواجه منها في غاية التكريم لها ولأبيها، ولقد ضاقت على عمر الأرض بما رحبت لما سمع بطلاقه لها، فجاء يتثبت فعلم بعد ذلك أنه لم يطلقها.
5- أم سلمة:
وهي هند بنت أمية حذيفة بن المغيرة المخزومي، كانت زوجةً لأبي سلمة عبدالله بن عبد الأسد بن مخزوم، ولقد كانت هذه المرأة من السابقات إلى الإسلام وكانت أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجها ثم عادا وهاجرا إلى المدينة وشهد زوجها غزوة بدر، ثم اشترك في غزوة أحد فأصابه جرح فمات منه.
ثم إن بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي سلمة صلة قرابة لأن أبا سلمة ابن برة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، وكانت أم سلمة حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة السن كثيرة الأولاد، وبهذين العذرين اعتذرت لأبي بكر وعمر لما تقدما لها، ولما تقدم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذرت بهذين العذرين فقالت: (يا رسول الله: إنني امرأة كبيرة السن، وذات عيال، وشديدة الغيرة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكبر منك سناً، وأما العيال فإلى الله، وأما الغيرة فأدعو الله فيذهبها عنك) وقد كان، ونقف هنا وقفة قصيرة عند قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكبر منك سناً) وكان هذا جواباً لها عن قولها: (أنا كبيرة) وفي هذا دليل على أنه كان لا يتتبع صغيرات السن عليه الصلاة والسلام وإنما ييتبع من كانت ذات دين أحوج ما تكون إلى وقف من يعولها وسترها.
وقد تزوجها في السنة الثانية بعد غزوة بدر، فعرف من هذا أن زواجها منها كان لإكرامها والقيام على مصالحها هي وأولادها، وليس لشهوته المحضة صلى الله عليه وسلم.
6- زينب بنت خزيمة:
من بني عامر بن صعصعة، كانت تدعى في الجاهلية بأم المساكين لكثرة إطعامها المساكين، وكانت زوجة للطفيل بن الحارث بن عبد المطلب الذي استشهد يوم أحد ولم تكن ذات جمال أو شابة، وإنما تزوجها رسول الله على كبر سنها بعد مقتل زوجها في الجهاد تعويضاً ورعاية لها، وإشفاقاً على أبنائها، ولم تعش مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهرين، أو ثلاثة أشهر ثم توفيت.
7- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب:
أسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش وأبوها غير راضٍ في وقت كان هو ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً من قومهما، ثم ارتد زوجها في الحبشة، ودعاها إلى التنصر فأبت وبقيت على إسلامها، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكرمها، ويعز من شأنها، ويهون عليها من أمر الغربة، وفي الوقت نفسه يتألف أباها أحد رؤوس الشرك في ذلك الوقت، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في الحبشة سنة ست أو سبع، وأمهرها النجاشي، وأرسلها إلى المدينة عام الهدنة مع خالد بن سعيد يوم فتح خيبر.
8- جويرية بنت الحارث:
كان أبوها سيد بني المصطلق، وقد جمع جموعاً كثيرة لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، أو غزوة بني المصطلق سنة خمس من الهجرة.
عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام فأبوا فقاتلهم رسول الله صلى الله وسلم وانتصر عليهم، فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها على سبع أواق من ذهب، فلم تجدها ولم تجد من يعينها، فذهبت إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من الأمر ما لا يخف عليك، فوقعت في سهم ثابت بن فيس فكاتبته على نفسي، وجئتك أستعينك، فقال لها: "هل لك في خير من ذلك ؟" قالت: وما هو يا رسول الله ؟ قال: "أقضي عنك كتابتك وأتزوجك" ؟ قالت: نعم قال: "قد فعلت").
فخرج الخبر إلى الناس وعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية، فقال الناس بعضهم لبعض: لقد صاروا أصهار رسول الله صلى عليه وسلم، ثم أطلقوا ما بأيديهم من سبايا بني المصطلق.
لهذا قالت عائشة: (لا نعلم امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية).
وكان اسمها برة فغيره رسول الله إلى جويرية، فلم يلبث بنو المصطلق أن أسلموا متأثرين بهذه المصاهرة، ثم صاروا في صفوف المدافعين عن الإسلام بعد أن كانوا من أعدائه، فحصلت بهذا الزواج الكثير من المصالح.
9- زينب بنت جحش:
وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب، ولزواجه منها قصة، فزيد بن حارثة الكلبي كان قد أصابه سبي في الجاهلية فاشترته خديجة رضي الله عنها، ووهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتبناه بمكة قبل النبوة وهو ابن ثمان سنين، ثم علم أبوه حارثة مكانه فخرج لفدائه ولقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى عليه وسلم: نخيره، فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً.
واختار زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنعه زيد خرج إلى الحجر وأشهد الناس أن زيداً ابنه يرث كل منهما الآخر، فطابت نفس أبيه حارثة ومن يومها نسب إلى رسول الله فكانوا ينادونه بزيد بن محمد، حتى جاء الإسلام وأبطل هذه الأمر بقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم) ومن يومها دعي زيد بن حارثة، ودعي غيره كذلك لآبائهم.
وقال ابن كثير في "تفسيره":
(وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة، فكان يقال له: "زيد بن محمد"، فلما قطع الله هذه النسبة بقوله تعالى: (وما جعل أَدعياءكم أَبناءكم ذلكم قولكم بأَفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل0ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)، ثم زاد ذلك بياناً وتأكيداً بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن حارثة، ولهذا قال في آية التحريم: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) ليحترز من الابن الدعي، فإن ذلك كان كثيرًا فيهم) أ.هـ
ثم أعلم الله رسوله بالوحي أن زيداً سيتزوج زينب ثم يطلقها، ثم يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبطال ما تعارف الناس عليه من تحريم امرأة الإبن بالتبني، ولقد انتشر هذا الأمر بينهم انتشاراً كبيراً بحيث لا يتأهل لإبطاله وإنهائه من بينهم إلا تشريع عملي يكون من الرسول صلى الله عليه وسلم، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أسامة.
قال ابن كثير:
(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية وأمها أميمة بنت عبد المطلب وأصدقها عشرة دنانير، وستين درهما، وخمارا، وملحفة، ودرعا، وخمسين مدا من طعام، وعشرة أمداد من تمر قاله مقاتل بن حيان، فمكثت عنده قريباً من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله يقول له: "أمسك عليك زوجك، واتق الله". قال الله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) أ.هـ
10- ميمونة بنت الحارث بن حزق الهلالية:
تزوجت مرتين قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ولما مات زوجها الثاني عرضها العباس رضي الله عنه على النبي يريد بذلك تشريفها، وهي قد وهبت نفسها للنبي أيضاً، وفيها نزل قوله تعالى: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) الآية، فقبل صلى الله عليه وسلم مع أنه ليس فيها ما يغري من الجمال أو الأموال وإنما كانت هذه المرأة على صلات كثيرة بأشراف العرب، فأم الفضل لبابة الكبرى زوجة العباس أختها، وكذلك لبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة أم خالد بن الوليد، وعصماة زوجة أبي بن خلف الجمحي، وعزة زوجة زياد بن عبد الله الهلالي.
ولها أخوات لأمها هن: أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب، ثم أبي بكر الصديق، وسلمى بنت عميس، زوجة حمزة بن عبد المطلب، وسلامة بنت عميس زوجة عبد الله بن كعب بن منبه الخثعمي، فمن هنا تأتي الدوافع الأخرى لزواجه منها، فإن أخواتها الشقيقات وغير الشقيقات زوجات لسادة أشراف قريش، ومن المصلحة أن يصاهرهم ويقترب منهم.
11- صفية بنت حيي بن أخطب:
كانت من اليهود وقد تزوجها اثنان لما كانت معهم، وقد وقعت في السبايا في غزوة خيبر سنة سبع، فطلب دحية الكلبي من رسول الله جارية من السبايا، فقال له: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء الصحابة فقالوا: يا رسول الله إنها بنت سيد بني قريظة وبني النضير فما تصلح إلا لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لدحية: (خذ جارية من السبايا غيرها) وخيرها رسول الله بين أن يعيدها إلى قومها أو أن يعتقها ويتزوجها، فاختارت الزواج منه رضي الله عنها، فهذا يدل على أنه أراد من زواجه بها صلى الله عليه وسلم شيئاً آخر هو تأثر قومها بهذا الخلق العظيم، ودخولهم في دين الإسلام.
12- مارية القبطية:
بعث النبي حاطب بن أبي بلتعة سنة ست بكتاب إلى المقوقس حاكم الإسكندرية ومصر يدعوه إلى الإسلام فتلقى الرسول القادم والكتاب الذي معه لقاءً حسناً، وبعث إلى النبي هدايا منها مارية القبطية ومعها أختها سيرين، وخصي يقال له المأبور، وقيل: إنه بعث أربع جوار.
فوهب رسول الله صلى عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن، واتخذ النبي مارية لنفسه فولدت له ابنه إبراهيم.
فظهر بهذا أن مارية كانت مهداة من المقوقس فهي أمة وليست زوجة من الزوجات، وكان سبب قبولها أن رد الهدايا كان معيباً في عرف الملوك والعظماء، ولو رده عليه فلربما استاء المقوقس، ولاسيما وأنه تلقى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لقاءً حسناً وزاد على فأهدى إليه أشياء، فلا حرج في قبولها ولاسيما وأن النبي يريد تأليف القلوب، وعدم تنفيرها.
الثالث: خاتمة الفصل:
أولاً: يمكن تلخيص الحكم من كثرة نسائه فيما يلي:
1- أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة من النساء، وقد تقوم المرأة بما لا تقدر عليه الأخرى.
2- لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
3- للزيادة في تألفهم لذلك.
4- للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.
5- لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه.
6- نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
7- الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه، وتزوج صفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.
8- ما تقدم مبسوطاً من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم.
9- ما تقدم نقله عن صاحب "الشفاء" من تحصينهن، والقيام بحقوقهن.
10- معرفة ما كان عليه من قوة العبادة وشدة الصلة بالله سبحانه وتعالى حيث لم تشغله هؤلاء النسوة عن عبادة ربه تعالى والدعوة إلى توحيده سبحانه وتعالى.
قال القاضي عياض في "الشفا" (1/116): (ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه درجة علياء وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره) أ.هـ
11- إظهار فضائله وإبراز مكانته صلى الله عليه وسلم في القيام بحقوق الخلق، فإنه مع هذا العدد الكبير من النساء كان ينفق عليهن ويعدل بينهن، مع كثرة انشغاله وتحمل الأعباء الكثيرة في الدعوة ونشرها بين الناس في خارج المدينة، وتدبير شئون المسلمين في الداخل.
12- معرفة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كمال الرجولة والذكورية، وقد قال القاضي عياض في "الشفا" (1/114): (والضرب الثاني: ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره كالنكاح والجاه.
أما النكاح فمتفق فيه شرعاً وعادة، فإنه دليل الكمال وصحة الذكورية ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمادح به سيرة ماضية، وأما في الشرع فسنة مأثورة، وقد قال ابن عباس: أفضل هذه الأمة أكثرها نساء مشيراً إليه صلى الله عليه وسلم) أ.هـ
13- كثرة زوجاته مع اقتصاد معيشته دليل على نبوته ولو لم يكن نبياً لما صبر نساؤه عليه، ولاسيما وأنه صلى الله عليه وسلم قد خيرهن بين أن يمتعهن ويسرحهن وبين أن يبقين معه على قلة ذات اليد فاخترنه صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: ما ذكروه من تهمة أنه شهواني كلام لا يقبله عاقل بعد التأمل في سيرته وحياته، حيث نرى أنه نشأ عفيفاً في قمة صباه وعنفوان شبابه، ثم إنه عندما أراد الزواج تزوج الكبيرات اللواتي قد تزوجن من غيره، والملوك وأهل البذخ والمترفون إذا أرادوا النكاح فإنما يرغبون في الصغيرات والأبكار من النساء اللواتي لم يمسهن أحد، مع حرصهم على تنويع أنكحتهم وتذوقاتهم، ومن تأمل سيرته صلى الله عليه وسلم وجد أنه بعيد من ذلك بكثير، حيث أبى ما عرضته عليه قريش من تزويجه بأجمل النساء مقابل ترك الرسالة، وأن أنكحته إنما تعددت بعد أن دخل في مرحلة الكبر وتجاوز فترة الشباب بكثير، وهو مع هذا كانت أنكحته إما لما لمصلحة انتشار الإسلام وترسيخه في النفوس، أو لتمكينه في الأرض، أو لمصلحة المرأة نفسها كالقيام عليها، وعلى أولادها، أو لمصلحة أقرباءها، أو تحقيقاً عملياً لبعض التشريعات كجواز الزواج من زوجة الإبن بالتبني، فلم يكن التشهي هو الدافع له إلى تعدد نسائه ولاسيما وأن تعدد نسائه كان بعد ذهاب أيام شبابه، والله أعلم.
الرابع: اعتراف المنصفين من الغرب:
هناك الكثير من الغربيين ممن تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأسباب زواجاته المتعددة فلم يملك إلا أن يشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بالعفة والخلق، وأن سبب زواجه كان لمصلحة أخرى خارجة عن شهواته، ويكفينا هنا أن نذكر في هذا المقام اثنين من هؤلاء:
1- قال الفيلسوف الإنجليزي "توماس كارليل":
(وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً، وأشد ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوياً لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ، كلاّ فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أية كانت، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله وكان طعامه عادة الخبز والماء وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار) أ.هـ
نقلاً عن"الإسلام بين الإنصاف والجحود" لمحمد عبد الغني حسن.
2- وتقول البريطانية الباحثة في الأديان "كارين أرمسترونج" في كتابها "سيرة النبي محمد":
(لقد أثار موضوع زوجات النبي تأملات كثيرة في الغرب، تتسم بالبذاءة والصفاقة، وبكثير من مشاعر الحسد التي فشل الكتَّاب في إخفائها، على نحو ما رأينا في الفصل الأول الذي بينتُ فيه أن محمداً كثيراً ما اتهم بالميل إلى الشهوة الجسدية، وقد فرض القرآن فيما بعد ألا يزيد عدد زوجات المسلم على أربع، ولو أن محمداً قد سُمح له باعتباره نبياً بأكثر من ذلك، والواقع أن الاقتصار على زوجة واحدة لم يكن يعتبر من الأعراف المستحبة في بلاد العرب إلا من جانب قلة لا تذكر، وبعد سنوات كثيرة عندما أصبح محمد من سادة العرب العظماء، كانت زوجاته الكثيرات من دلالة منزلته الرفيعة.
ويغلب أن يكون تعدد الزوجات هو العرف السائد في المجتمع القبلي، ولا يجد الكتاب المقدس - أي التوراة - غضاضة على الإطلاق في الحديث عن الإنجازات الجنسية للملك داود، أو الزوجات اللائي لا يحصى عددهن للملك سليمان، ويعتبر عدد زوجات النبي محمد، بالقياس إلى زوجاتهما، ضئيلاً إلى درجة كبيرة. والواقع أنهما كانا يعيشان مثل النبي محمد في مجتمع يمر بفترة انتقالية من الحياة القبلية إلى حياة المدينة، ولكن يخطئ من يظن أن محمداً كان ينعم بالملاذ في حديقة من المتع الدنيوية، بل إن كثرة زوجاته كانت أحياناً، على نحو ما سوف نرى، نعمة ونقمة معاً).
أم سمية الأثرية
2016-01-13, 09:11
الشبهة الحادية عشرة:
هل في شعائر الحج بقايا وثنية ؟!
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الحادية عشرة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن قولهم: (إن شعائر الحج من الوثنية) !! وهي من أعجب الشبه وأغربها، وقائلها هم أوقح من يثير شبهة على الإسلام، وفي هذه الحلقة سأرد على هذه المقالة بقدر استطاعتي فهذا جهد المقل مع مراعاة الاختصار، وإن كانت قد بقيت لنا حلقات من: (شبهات حول الإسلام) مما يتعلق بالمرأة، ولكن فضلنا تقديم ما يتعلق بالحج لأن المسلمين يعيشون في هذه الأيام موسم الحج لبيت الله الحرام فنحن الآن في أواخر ذي القعدة/ 1430 هـ.
ويتكون هذا البحث من فصلين:
الفصل الأول: مقاصد الحج ومنافعه.
الفصل الثاني: قولهم: إن شعائر الحج بقايا وثنية
الفصل الأول: مقاصد الحج ومنافعه:
المبحث الأول: فضل الحج:
للحج فضائل عظيمة وردت أغلبها في السنة الصحيحة، ونحن نذكر منها ما استطعنا، فمن ذلك:
الأول: أنه ركن من أركان الإسلام:
ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان). رواه البخاري ومسلم.
الثاني: أنه من أفضل الأعمال والقرب التي يتقرب بها العبد إلى الله:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا ؟ قال: "ثم الجهاد في سبيل الله" قيل له: ثم ماذا ؟ قال : "ثم حج مبرور) رواه الشيخان.
وإنما قدم الأيمان لأن غاية الغايات ورأس المقاصد، ثم أتبعه بالجهاد لأن منفعته المتعدية أظهر وأعظم، ولأنه يتعلق بإعلاء كلمة التوحيد وقمع الكفر، والمراد بالحج هنا حج النافلة، أما حج الفريضة فهي مقدمة على الجهاد وإن كان واجباً، ثم جعل بعده الحج بياناً لمنزلته عظيمة.
الثالث: أن الله يغفر به الذنوب:
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كهيئته كيوم ولدته أمه) رواه الشيخان.
2- وعن عمرو بن العاص أنه في سياق حكايته عند الموت لقصة إسلامه، ومن ذلك أنه قال: (فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك لأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: (ما لك يا عمرو ؟) قال: قلت أردت أن أشترط، قال: (تشترط ماذا ؟) قلت: أن يغفر لي، قال: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم في "صحيحه".
الرابع: أن الله يجازي العبد به الجنة إذا كان مبروراً:
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه الشيخان.
2- والبر في الحج هنا هو ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الذي رواه أحمد في "المسند" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ("الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، قيل: يا رسول الله وما بره ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "طيب الكلام وإطعام الطعام").
الخامس: أنه أفضل الجهاد، وأنه جهاد الضعفاء:
1- عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور) رواه البخاري.
2- وروى ابن خزيمة في "صحيحه" عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة").
3- وعن ماعز - وهي غير من أقيم عليه الحد - عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) رواه أحمد والطبراني في "الكبير".
4- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج جهاد كل ضعيف). رواه ابن ماجه، وصححه العلامة الألباني في "صحيح الترغيب".
5- وعن الحسين بن علي رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جبان وإني ضعيف قال: هلم إلى جهاد لا شوكة فيه: الحج). رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وصححه الألباني في "الإرواء".
السادس: أنه ينفي الفقر والذنوب:
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) رواه الترمذي وقال: (حديث حسن صحيح)، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب".
وفي الحج فضائل كثيرة هذه بعضها.
المبحث الثاني مقاصد الحج ومنافعه:
الحج مدرسة تربوية مليئة بالدروس الإيمانية والفوائد العقدية والتهذيب الأخلاقي، يتربى عليها المؤمن من أول خروجه من منزله ومفارقته لأهله وأحبابه إلى أن يعود كيوم ولدته أمه، ويمكننا ذكر ما نستحضره من مقاصد الشريعة في الحج والمنافع الدينية المترتبة على الحج والتي تعود على الحجاج وغيرهم، ومنها:
1- التعبد لله تعالى بأداء هذه المناسك التي اشتملت على التذلل لله تعالى وتعظيم شعائره ومفارقة المحبوبات لأجله، وإظهار الشوق إلى زيارة بيته وتقديمه على المال والزوجة والولد، وبذل النفس والنفيس لنيل مراضيه.
2- ومنها: اتباع الأنبياء والسير على طريقهم في كل صغيرة وكبيرة، وتذكير الناس بأن هذا الدين قائم على الإتباع لا على الاستحسان والأهواء والأذواق.
3- ومنها: تذكير الناس باليوم الآخر ومظاهر البعث والحشر، وأن الذي قدر على جمعهم في وقت واحد بأمره الشرعي قادر كذلك أن يجمعهم في وقت واحد بأمره الكوني، قال تعالى: (وما أمركم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)، فالحاج يعيش في لحظات إحرامه في عالم آخر يتذكر فيه الدار الآخرة، فالحاج يغادر أوطانه التي ألفها ونشأ في ربوعها ويتجرد من المخيط طاعة لله تعالى، فيتذكر حاله إذا غادر هذه الدنيا، وإذا جرد من ثيابه بعد موته، وإذا تنظف واغتسل عند ميقاته تذكر أنه سيغسل بعد وفاته، وإذا لبس رداء وإزارا أبيضين لمناسكه تذكر أنه سيلبس لفائف بيضاء وسيكفن فيها تكون هي لباسه إذا وضع في قبره، وإذا وقف في صعيد عرفات والمشعر الحرام وقت اجتماع الحجيج تذكر أنه يوم القيامة سيبعث الله الناس وسيساقون إلى الموقف، ولذلك نجد أن كثيراً من الحجاج يتأثرون بالحج ويتغيرون بعد عودتهم بما لا يتأثرون بالمواعظ لسنين كثيرة، فلله در هذه الشريعة العظيمة ما أحلاها في قلوب الموحدين.
4- ومنها: التقاء جميع أجناس المسلمين من الآسيويين والإفريقيين والأوروبيين وغيرهم، ففي الحج يجتمع المسلمون على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وتنوع أجناسهم ولغاتهم، فتلتقي القلوب وتزداد المحبة ويحصل الائتلاف، ولذلك يعتبر هذا الجمع من أعظم الجموع التي تستغل لتعليم الناس الأمور التي تهم جميع المسلمين.
5- ومنها: إظهار مظهر من مظاهر العدل والتسوية بين المسلمين في مظاهر العبادة، شأن الحج في هذا شأن الصلاة والصوم وغيرها من العبادات التي تقوم على التسوية، فيجتمع المسلمون من جميع أقطار الأرض في مكان واحد، يلبسون زياً واحداً، ويستوي في شعائر الحج الأمير والحقير، والكبير والصغير، والرجل والمرأة في أداء مناسكه وشعائره، إلا من خصه الدليل لضعف أو عذر آخر، فتتوحد وجهاتهم وأفعالهم في زمان واحد ومكان محدد، لا يتميز فيه قوم عن قوم في وقوفهم في عرفة ومبيتهم في مزدلفة والرمي والمبيت في منى ونحو ذلك.
6- ومنها: إظهار عظمة الإسلام في النفوس وأنه دين عالمي له أتباع من جميع الأجناس والبلدان، وليس ديناً إقليمياً يقوم على جنس من الناس، ولا شك أن معرفة هذا علماً وواقعاً له أثره على النفوس وعلى قوة إيمان أهله وزيادة حبهم لدينهم، وتأمل في قول عمرو بن عبسة للنبي - وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له -: (فمن معك على هذا الدين ؟! قال: حر وعبد).
وعندما حججنا قال لي أحد إخواننا: إن الإسلام في عيني عظيم، ولكن زادت عظمته في عيني اليوم لما رأيت أصنافاً وألواناً من الناس.
7- تعلم المسلم ضبط النفس والتأدب بأدب الإسلام وحفظ اللسان مما لا يليق بالمسلم، لأن الله أوجب على الحجاج التعامل بكل أدب قبل التوجه إلى البيت الحرام بقوله: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
8- تعلم المسلم البذل لله تعالى والنفقة في سبيل الله طلباً لوجه الله وابتغاء مرضاته، ذلك لأنه ينفق في الذهاب إلى الحج وفي طعامه وشرابه هناك وفي شراء الهدي وغير ذلك.
9- ومن منافعه تعلم المسلم تنويع العبادات، فهو يتقلب ما بين إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير ووقوف ومبيت ودعاء وذكر ورمي وغير ذلك.
10- ومن منافعه تعلم المؤمن الصبر والتجلد وتحمل ألوان المشاق لله تعالى، وأصناف الناس على اختلاف طبائعهم وألوانهم وعاداتهم.
11- زمنها: إغاظة الكفار عندما يرون الموحدين يتوجهون بمئات الآلاف إلى البيت الحرام ليؤدوا فريضة الحج، فيحصل للكفار غيظ وحنق شديد ولاسيما اليهود والنصارى الذين نجتمع معهم في الانتساب إلى أبينا إبراهيم، وذلك عندما يرون حج المؤمنين ولاسيما مع إطلاعهم على مناسك الحج عبر وسائل الإعلام، وإنما يحصل غيظهم لأشياء منها أن الله خص الموحدين بمنه وكرمه بالبيت الحرام والذي هو موضع الحج دون سائر ذرية إبراهيم فلله الحمد والمنة.
10- ومن منافع الحج، ما يحصل من فضل عظيم يعود على الفقراء والمساكين الذين يصيبون من فضل الله من الطعام في مثل هذه الأيام من الهدي أو غيره من أنواع الفدية في مكة وغيرها.
11- ومن منافعه أن المؤمن يتعود التسليم لله تعالى، وإن لم يفهم الحكمة من التشريع الإلهي فليس العبرة بكونه يفهم الحكمة – وإن كان أمراً طيباً – ولكن الشأن كل الشأن هو التسليم لله في أحكامه وشريعته.
12- ومن منافع الحج أن المؤمن يعيش بقرب عجيب من الله، ويعيش لحظات عظيمة تجعل قلبه يهفو إلى الحج كلما تذكر الحج أو سمع التلبية وغيرها مما يذكره بالحج والمشاعر.
الفصل الثاني: قولهم: إن شعائر الحج بقايا وثنية:
المبحث الأول: من هؤلاء ؟!:
هناك أشخاص ممن لا تعرفهم المجتمعات إلا بقذف الشبهات التي يظنون أنهم يسقطون بها الإسلام، وما درى المساكين أنهم هم الساقطون في الدنيا والآخرة (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين، وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً) ومن أمثلة هؤلاء:
الأول نوال السعداوي: وقد تناقلت الجرائد ومواقع الانترنت مقالتها بأن (شعائر الحج بقايا وثنية)، ومنها موقع "صحيفة نلتقي" فهذه المقالة مشهورة عنها، ومن مقالاتها العجيبة:
1- (سقوط الإله في اجتماع القمة) وهذا عنوان مسرحية لها، تسببت في إثارة الناس عليها ومنهم علماء الأزهر حيث حكموا بردتها.
2- ومن ذلك أن مذيع الجزيرة سألها عن رأيها في الشذوذ الجنسي فقالت: (أنا لم يحصل لي أن فعلت ذلك) فقال لها المذيع: نسألك عن رأيكِ في الشذوذ الجنسي ؟! فأجابت بقولها: (الناس أحرار) !!.
والمثال الثاني المدعو حسن حنفي: وهو أستاذ الفلسفة في "جامعة القاهرة"، فهذا الرجل عندما رجع من الحج كتب مقالة في صحيفة "أخبار الأدب" العدد (654) يوم الأحد 22/1/2006م وعنوان المقالة: (خواطر حاج بين تهنئة بالسفر و تهنئة بالعودة) كتبها بعد عودته من الحج، نذكر منها ما يلي:
1- (وتجمعت في ليلةٍ حاجات المجتمع المصري وإحباطاته، وعجزه عن تحقيق ما يريد فلم يبق له إلا الدعاء في الحرم المكي أو المسجد النبوي كملجئٍ أخير، بالرغم من وصف إقبال الدعاء بأنه سؤال وشحاذة، ومن يريد شيئاً عليه أن يحققه بنفسه وجهده).
2- ويقول: (كانت الحيرة يوم السفر بأي ملابس يسافر الحاج، باللباس العادي ثم يغيره بعد الوصول إلي ملابس الإحرام، وهو أقرب إلي التواضع وإخفاء النوايا وأقرب إلي التقوى، أم لبس الإحرام منذ مغادرة المنزل؟ وفضل "الأستاذ" (يعني نفسه) الخيار الأول وغادر بالملابس العادية، ووجد الناس في المطار وقد فضلوا الخيار الثاني زي الإحرام، وتذكر العَالِم (يعني نفسه) قول المسيح: إذا أردت أن تصلي فلا تصل أمام الناس حتى لا تأخذ جزاءك منهم بل ادخل إلي غرفة وأغلق الباب وصل لله حتى لا يراك إلا أبوك الذي في السماوات، والشعائر تظاهر أمام الناس، وأكثر الشعائر مظهرية مناسك الحج).
3- (والكعبة بناء أسود مغطى بقطيفة سوداء مذهبة عالية البنيان، عريضة الحائطين، يلف الناس حولها، توحي للناظر بالوثنية القديمة في العصر الجاهلي، ربطاً للجديد بالقديم، وللمسلمين بالحنفاء، وللرسول بإبراهيم، من بقايا الوثنية القديمة بعد تهذيبها).
(وإلى منى تتحرك الملايين لرمي الجمرات من علي الجسور أو الأنفاق، ومكانها من فوق الجسر إلي أسفله أو في النفق أمام الحائط المبني كالتمثال في الجاهلية).
4- (وفي النهاية يتم التحلل من الإحرام، وكان حراماً قبلها الحلق أو التطيب أو الاستحمام بصابون ذي رائحة طيبة أو حتى عند البعض دعك الأسنان بمعجون به رائحة النعناع أو الفواكه حتى لا ينعم الحاج بطيب الحياة وهو محرم، وكأن النظافة ليست من الإيمان، وكأن الإسلام ليس دين النظافة، وكأن النظافة ليست أساس الطهارة، وفي الحلق، يفضل البعض حلق شعر الرأس كلية فيصبح الحاج أصلعاً والأنوار ساطعة فوق الرؤوس بدل أن تخرج منها) أ.هـ إلى غير ذلك من الجمل التي لوث بها حسن حنفي مقالته الآثمة هداه الله.
المبحث الثاني: الرد على قولهم:
قولهم: إن شعائر الحج من بقايا الوثنية، قول من يجهل الفرق بين الحنيفية والوثنية، بل قول من يجهل حقيقة الحنيفية وحقيقة الوثنية من أصلهما وتاريخهما، لأن مقالتهم اشتملت على التسوية بين النقيضين، والجمع بين المتضادين، والخلط بين المتغايرين، وهما لا يجتمعان في أي موضع فكيف يجتمعان في أعظم العبادات وفي الركن الرابع من أركان الإسلام العملية ؟!
ويمكننا تلخيص الرد على قولهم بأوجه نبين فيها الفرق بين حنيفية الحج والوثنية:
الأول: قولهم: (بقايا وثنية) معناه أن أصل الحج من فعل المشركين ووثنيتهم وإنما الذي وصل إلى الإسلام هو بقايا منه تسربت إلى شريعة الإسلام، وهذا قول إنسان جاهل بالشريعة والتاريخ، لأن الجميع مجمعون على أن أول من دعى الناس إلى الحج هو إمام الموحدين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم استمر عليه الناس - ومنهم المشركون - حتى أدخل المشركون فيه أشياء ليست منه هو من ابتداعهم وتحريفهم، وهنا سنذكر أشياء مما أدخله المشركون على الحج والعمرة وليست هذه الأشياء منهما، من ذلك:
أ- كان أهل الجاهلية لا يرون العمرة في أشهر الحج، بل يقولون: إذا برئ الدبر - يعني: الجروح التي في ظهر الدابة - وعفا الأثر وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شرع الله في ديننا العمرة ولو في أشهر الحج.
ب- وكان المشركون يطوفون بالبيت عراة كما قال الله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا إنا وجدنا آباءنا عليها والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحج بعد هذا مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان كما جاء ذلك في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة.
ج- وكان طوافهم بالبيت كما قال الله: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية).
د- وكانت لهم أصنام على الصفا والمروة يسعون بينها، ولما أراد بعض المؤمنين الطواف بين الصفا والمروة تحرج أن يسعى بينهما لأن الصفا والمروة كانت تضم صنمين كبيرين، فكأنهم أرادوا أن يقطعوا كل صلتهم بعادات الجاهلية، فأنزل الله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم).
هـ- وكانوا يقولون: (لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك) كما في "صحيح مسلم".
إلى غير ذلك من مظاهر الشرك، التي طهرها الإسلام، وأعاد للحج صفاءه ونقاءه، فهل الحج من بقايا الوثنية، أم أن الحج من ملة إبراهيم وأتباعه الموحدين ؟!
الثاني: أن الله يقول لإبراهيم: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)، فهو أول من أمره الله بهذا الأذان، وإبراهيم هو إمام الموحدين وهو من كسر الأصنام ورفض الوثنية بجميع أشكالها فكيف يرفض نوعاً من الوثنية ويأمر بآخر من جنسه ؟!
الثالث: الوثنية قائمة على عبادة الأوثان وتعلق القلوب بها باستحسان الإنسان وابتداعه، فهو يعتقد أنها تشفع له عند الله وتقربه زلفى إليه سبحانه، بينما الحج قائم على توحيد رب العالمين، وتتبع مراضيه واقتفاء آثار رسله وأوليائه، فهل هما واحد ؟!
وأما عبادة الله عند الكعبة بالطواف حولها، وعند الحجر الأسود باستلامه وتقبيله، وعند الصفا والمروة بالسعي بينهما، وعند عرفات بالوقوف فيه، وعند مزدلفة بالمبيت فيها، فهذا ليس عبادة لها وليس من الإشراك به وإنما هو امتثال لله، والله سبحانه وتعالى أمر الملائكة بأن يسجدوا لآدم فسجدوا طاعة لله وليس عبادة لآدم، فكذلك المسلمون يذهبون إلى الكعبة ويطوفون بها طاعة لله تعالى، ويعبدون رب الكعبة وليست الكعبة هي المعبودة، وإنما المعبود ربها الذي أمر بتعظيمها وبقصدها وبالطواف حولها، إذ كيف يعبد الموحدون الكعبة وهم منهيون عن الحلف بها من دون الله، فإذا كنا قد نهينا أن نحلف بالكعبة فقط فكيف بصرف العبادة الصريحة لها ؟! فقد روى النسائي وغيره عن قتيلة: (أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون: تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت).
والناس يعلمون أن تعظيم علم الدولة الذي يرمز للدولة، ليس في الحقيقة تعظيماً لذات الخرقة المرئية ولا لألوانها، وإنما هو تعظيم لهذه البلد التي يمثلها هذا العلم، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، فما الذي أشكل على نوال السعداوي وأمثالها، وما الذي جعلهم يحتارون في هذه المسألة التي لا تشكل على عجائز القرى والأرياف، ورب جاهل أعلم من دكتور ؟! إلا أن تقول هي عن تعظيم العلم أنه من الوثنية الباقية !!
الرابع: أن عمر أراد أن يعلم الناس أن الحج ليس فيه مشابهة لا من بعيد ولا من قريب بمظاهر عبادة الأوثان التي كانت في الجاهلية، وأن الأمر كله يدور على إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نظر عمر رضي الله عنه إلى الحجر الأسود فقبله ثم قال: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك) رواه الشيخان.
قال العيني في "عمدة القاري شرح البخاري": (قال محمد بن جرير الطبري: إنما قال ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر رضي الله عنه أنه يظن الجهال بأن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله، فأراد عمر أن يعلم أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله عز وجل، والوقوف عند أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر الله تعالى بتعظيمها، وأن استلامه مخالف لفعل الجاهلية في عبادتهم الأصنام لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، فنبه عمر على مخالفة هذا الاعتقاد، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلا من يملك الضر والنفع، وهو الله تعالى جل جلاله) أ.هـ بتصرف يسير.
المبحث الثالث: أين أنتم من مظاهر الوثنية الحقيقية ؟!:
إنني أتعجب كل العجب ممن يرمي الحج بمثل هذا التشويه التي يدل على اجتماع أصناف الجهل والوقاحة في قائلها، في الوقت الذي يمر أمام عينيه ألوان من الوثنية في المجتمعات دون أن يلتفت إليها، مما يؤكد أن هؤلاء الكتاب مستأجرون لأناس يكتبون لهم ما يملون عليهم، ولاسيما بعدما أعطيت لمثل هؤلاء الكتاب الحصانة باسم حرية الرأي وحرية التعبير ونحو ذلك، فلماذا لا نراهم يكتبون عن مظاهر الوثنية في المجتمعات والتي منها:
1- الوثنية التي عند النصارى الذين يعبدون المسيح، وينصبون له ولأمه مريم عليهما السلام التماثيل على رؤوس الكنائس بل وفي الكنائس نفسها، ويحملون معهم الصلبان ويعتقدون أن لها شأناً عظيماً وهذه أظهر أنواع الوثنية والشرك، والنصارى يعيشون في دول كثيرة منها مصر - وإن كانوا أقل من المسلمين – وكنائسهم فيها كثير، فما ندري لماذا يترك هؤلاء الكتاب الفصحاء مثل هذه الوثنية الصريحة، ويهاجمون شيئاً يجهلونه ولا يفهمونه ؟!
2- ومن مظاهر الوثنية: تعظيم ما يسمى بالجندي المجهول، وزيارته في وقت خاص من السنة، والسير إليه بخطى هادئة ومنظمة، وتقديم زهور خاصة إليه يقدمها أكبر شخص في البلد، وإذا كان يحرم علينا اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وثناً يعبد فكيف بغيره ؟! فما أشبه الليلة بالبارحة.
3- وهناك لون آخر من الوثنية هو هذه التماثيل العظيمة التي تكون في وسط والعواصم وبين الشوارع العامة والتي ترمز لعظماء التاريخ أو عظماء البلد خاصة، فهذه هي بقايا الوثنية، ولذلك قرن النبي صلى الله عليه وسلم التماثيل بالقبور إذا رفعت فوق مستواها فقال لعلي بن أبي طالب: (لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) كما في "صحيح مسلم"، أليست هذه هي بقايا الوثنية ؟!
ولا أقول: إن من فعل ذلك يعد كافراً كفراً من الإسلام على الإطلاق، ولكن أقول: إن هذا الفعل لا يشك عاقل أنه مأخوذ من أفعال الكفار الذين هم غارقون في أنواع الوثنية.
4- ومن مظاهر الوثنية عبادة القبور التي عجت وضجت بها المجتمعات الإسلامية كاليمن ودول الشام ودول المغرب العربي والدول الإفريقية وغيرها، ولا شك أن لمصر من ذلك نصيب كبير فلماذا لا يكتب هؤلاء الفصحاء في مثل هذه المظاهر الوثنية الموجودة عندهم إن كانوا يريدون تطهير المجتمعات حقاً من مظاهر الوثنية.
بارك الله فيكم وفي صاحب الردود
أم سمية الأثرية
2016-01-13, 16:57
وفيكم بارك الله
وبقيت أربع شبهات أضعها غدا ان شاء الله
zozo1977
2016-01-13, 23:37
تقولين ان سبب الرق هو واقتبس من المقال
المبحث الثاني: توحد سبب الرق وتعدد أسباب العتق:
1- سبب الرق هو قتال الكافر لأهل الإسلام:
جعل الشارع للرق سبباً واحداً وهو الكفر مع القتال وقد تقدم بيانه، ومنع من استرقاق الأنفس بغير ذلك مهما كانت الأسباب والدواف
لكن لا نجد في القراءن الكريم اي اية تقول ان اسير الحرب يسترق بل نجد هده الاية
قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا
اي ان اسير الحرب يفدى او يطلق سراحه بدون اي مقابل
ثانيا ادا كان الرق مصدره اسرى الحرب فقط فلمادا يعتبر ابناء العبيد رقيق اي انك تبقى من الرقيق بالوراثة
أم سمية الأثرية
2016-01-14, 08:38
( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ( 4 ) سيهديهم ويصلح بالهم ( 5 ) ويدخلهم الجنة عرفها لهم ( 6 ) يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ( 7 ) والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ( 8 ) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ( 9 ) ) .
يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) أي : إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف ، ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا ) أي : أهلكتموهم قتلا ) فشدوا ) [ وثاق ] الأسارى الذين تأسرونهم ، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا ، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه . والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر ، فإن الله ، سبحانه ، عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذوا منهم الفداء ، والتقلل من القتل يومئذ فقال : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) [ الأنفال : 67 ، 68 ] .
ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الآية - المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه - منسوخة بقوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ] ) الآية [ التوبة : 5 ] ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقاله قتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن جريج .
وقال الآخرون - وهم الأكثرون - : ليست بمنسوخة .
ثم قال بعضهم : إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط ، ولا يجوز له قتله .
وقال آخرون منهم : بل له أن يقتله إن شاء ؛ لحديث قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر ، وقال ثمامة بن أثال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال له : " ما عندك يا ثمامة ؟ " فقال : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمنن تمنن على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت .
وزاد الشافعي ، رحمه الله ، فقال : الإمام مخير بين قتله أو المن عليه ، أو مفاداته أو استرقاقه أيضا . وهذه المسألة محررة في علم الفروع ، وقد دللنا على ذلك في كتابنا " الأحكام " ، ولله الحمد والمنة .
تفسير ابن كثير
************************************************** ******************************************
تفسير السعدي
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم
يقول تعالى -مرشدا عباده إلى ما فيه صلاحهم، ونصرهم على أعدائهم-: فإذا لقيتم الذين كفروا في الحرب والقتال، فأصدقوهم القتال، واضربوا منهم الأعناق، حتى تثخنوهم وتكسروا شوكتهم وتبطلوا شرتهم، فإذا فعلتم ذلك، ورأيتم الأسر أولى وأصلح، فشدوا الوثاق أي: الرباط، وهذا احتياط لأسرهم لئلا يهربوا، فإذا شد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من هربهم ومن شرهم، فإذا كانوا تحت أسركم، فأنتم بالخيار بين المن عليهم، وإطلاقهم بلا مال ولا فداء، وإما أن تفدوهم بأن لا تطلقوهم حتى يشتروا أنفسهم، أو يشتريهم أصحابهم بمال، أو بأسير مسلم عندهم.
وهذا الأمر مستمر حتى تضع الحرب أوزارها أي: حتى لا يبقى حرب، وتبقون في المسألة والمهادنة، فإن لكل مقام مقالا ولكل حال حكما، [ ص: 1654 ] فالحال المتقدمة، إنما هي إذا كان قتال وحرب.
فإذا كان في بعض الأوقات، لا حرب فيه لسبب من الأسباب، فلا قتل ولا أسر.
ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين، ومداولة الأيام بينهم، وانتصار بعضهم على بعض ولو يشاء الله لانتصر منهم فإنه تعالى على كل شيء قدير، وقادر على أن لا ينتصر الكفار في موضع واحد أبدا، حتى يبيد المسلمون خضراءهم.
ولكن ليبلو بعضكم ببعض ليقوم سوق الجهاد، ويتبين بذلك أحوال العباد، الصادق من الكاذب، وليؤمن من آمن إيمانا صحيحا عن بصيرة، لا إيمانا مبنيا على متابعة أهل الغلبة، فإنه إيمان ضعيف جدا، لا يكاد يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا.
والذين قتلوا في سبيل الله لهم ثواب جزيل، وأجر جميل، وهم الذين قاتلوا من أمروا بقتالهم، لتكون كلمة الله هي العليا.
فهؤلاء لن يضل الله أعمالهم، أي: لن يحبطها ويبطلها، بل يتقبلها وينميها لهم، ويظهر من أعمالهم نتائجها، في الدنيا والآخرة.
سيهديهم إلى سلوك الطريق الموصلة إلى الجنة، ويصلح بالهم أي: حالهم وأمورهم، وثوابهم يكون صالحا كاملا لا نكد فيه، ولا تنغيص بوجه من الوجوه.
ويدخلهم الجنة عرفها لهم أي: عرفها أولا بأن شوقهم إليها، ونعتها لهم، وذكر لهم الأعمال الموصلة إليها، التي من جملتها القتل في سبيله، ووفقهم للقيام بما أمرهم به ورغبهم فيه، ثم إذا دخلوا الجنة، عرفهم منازلهم، وما احتوت عليه من النعيم المقيم، والعيش السليم.
zozo1977
2016-01-14, 13:26
انتي لم تجيبي على سؤالي فالاية واضحة ومصير الاسير واضح منها والاسترقاق كان يطبق على نساء المحاربين واولادهم ايضا فما جوابك في هدا الامر فالنساء والاولاد ليسو مقاتلين
أم سمية الأثرية
2016-01-14, 16:23
قال ابن قدامة في المغني: ومنع أحمد من فداء النساء بالمال، لأن في بقائهن تعريضاً لهن للإسلام، لبقائهن عند المسلمين، وجوز أن يفادى بهن أسارى المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بالمرأة التي أخذها من سلمة بن الأكوع، ولأن في ذلك استنقاذ مسلم متحقق إسلامه، فاحتمل تفويت غرضية الإسلام من أجله، ولا يلزم من ذلك احتمال فواتها لتحصيل المال، فأما الصبيان فقال أحمد: لا يفادى بهم وذلك لأن الصبي يصير مسلماً بإسلام سابيه، فلا يجوز رده إلى المشركين. انتهى.
الإمام العز بن عبد السلام في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)، ضمن حديثه عن قاعدة اجتماع المصالح والمفاسد حيث قال: المثال الحادي والأربعون: الإرقاق مفسدة، ولكنه من آثار الكفر فثبت في نساء الكفار وأطفالهم ومجانينهم، زجراً عن الكفر وتقديماً لمصالح المسلمين. وكذلك إذا اختار الإمام إرقاق المكلفين من الرجال. أما إرقاق الرجال فمن آثار الكفر. وأما إرقاق النساء والصبيان فليس عقوبة لهم بذنب غيرهم وإنما هو عقوبة بالنسبة إلى الآباء والأمهات، وهي بالنسبة إلى النساء والصبيان مصيبة من مصائب الدنيا، كما يصابون بالأمراض والأسقام من غير إجرام. انتهى.
فالرقيق في اللغة هو: المملوك ذكراً كان أم أنثى، والرق في إصطلاح الفقهاء هو: عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر، أو هو عجز شرعي مانع للولايات من القضاء والشهادة وغيرها.
وأسبابه ثلاثة:
الأول: الأسر والسبي من الأعداء الكفار.
الثاني: ولد الأمة من غير سيدها يتبع أمه في الرق.
الثالث: الشراء ممن يملك الرقيق ملكاً صحيحاً معترفاً به شرعاً.
هذا، والأصل في الإنسان الحرية والرق طارئ، والله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض الكفر.
والأصل كذلك في الرقيق أنه مكلف كسائر المكلفين متى كان بالغاً وعاقلاً رجلاً كان أم امرأة، وهو مجزي عن أعماله خيراً أو شراً، وأنه يوافق الأحرار في أغلب الأحكام باستثناء بعض الأحكام التي يختص بها الرقيق.
أما الاستمتاع بالإماء، فإنه لا يكون مشروعاً إلا إذا كان في ملك تام للمستمتع، أو نكاح صحيح، وما خرج عن ذلك فهو محرم، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون:5-6].
فالأمة التي يحل الاستمتاع بها إما أن تكون زوجة، وإما ملك يمين، كما يشترط لوطئها الملك التام، وأن لا يقوم بها مانع يقتضي تحريمها عليه.
وإذا أراد السائل التوسع في أحكام ملك اليمين فليراجع كتب الفقه، فإنه لا يخلو كتاب من باب العتق وأحكام المملوك.
والله أعلم.
منقول
zozo1977
2016-01-14, 16:44
اقتبس من ردك ....... وأما إرقاق النساء والصبيان فليس عقوبة لهم بذنب غيرهم وإنما هو عقوبة بالنسبة إلى الآباء والأمهات، وهي بالنسبة إلى النساء والصبيان مصيبة من مصائب الدنيا، كما يصابون بالأمراض والأسقام من غير إجرام. انتهى......
ليس اي تعليق على هدا الكلام كيف اصبح الاسترقاق مثل المرض.......لكن يقولون يسترق الكافر ونسائه واولاده ..لانه كافر..لكن رغم اسلامه يبفى عبد مملوك ...فيصبح مسلم يملك مسلم ....
أم سمية الأثرية
2016-01-14, 17:08
قال المؤلف رحمه الله: باب العتق
العتق لغة: الحرية. وشرعاً: تحرير الرقبة وتخليصها من الرِّق.
المقصود بالرقبة: العبد. والمقصود بالعبد: المملوك الذي يباع ويشترى. وتخليصها من الرق: المقصود بالرق العبودية.
قال المؤلف رحمه الله: ((أفضل الرقاب أنفَسها)) رغَّب الشرع كثيراً في العتق، وجعل الله له أجراً عظيماً ترغيباً فيه، من ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- :"من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عضواً منه من النار، حتى فرجه بفرجه" متفق عليه. وأفضل أنواع الرقاب عتقاً وأكثرها أجراً أنفسها عند أهلها، لما جاء في الصحيحين عن أبي ذرٍّ قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال:"الإيمان بالله والجهاد في سبيله" قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال:"أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً" فإذا أردت الأكثر أجراً عند العتق فتبحث عن الأنفس عند أهلها أي الذين يملكونها تكون عندهم نفيسة أنفس من غيرها، يعني غالية عليهم أكثر من غيرها، ويكون ثمنها في السوق أكثر من غيرها. عتق هذه النفس أفضل من عتق غيرها. ومسألة الرق -العبودية- هذه مسألة لم يختص بها الإسلام ولكنها عامة في الأديان كلها، أمرٌ موجود في جميع الأديان، ولكن الإسلام جاء بفتح أبواب العتق وتكثير ذلك، فتجد في كفارة اليمين عتق رقبة، في كفارة الظهار عتق رقبة، في غير ذلك تحث على عتق رقبة من غير كفارات، في أشياء كثيرة فيها عتق رقبة، الشارع حث على هذا العمل ورغَّب فيه كثيراً حتى يخلص الناس من العبودية، ولكنه لم يغلق جميع أبوابه. من هنا يتساءل البعض لماذا الشرع لم يغلق أبواب الرِّق نهائياً مع أن في الرِّق إذلال وفيه امتهان للإنسان، وفيه وفيه ..الخ؟ نقول: المصلحة المرجوة من وراء فتح أحد أبواب الرِّق أعظم بكثير من المفسدة التي يراها الناس اليوم، ما هي هذه المصلحة والمفسدة؟ دخول الكثير من الناس في الإسلام من وراء الرِّق. الرق الآن بابه مفتوح أين؟ في الجهاد، في القتال، عندما يقاتل المسلمون الكفار ويأسرون النساء والأطفال يأخذونهم رقيق. ماذا يترتب على ذلك من مصالح؟ المصلحة الأولى وهي العظمى أنهم يعرفون الإسلام ويدخلون فيه، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث:"عجب ربنا من أناس يقادون إلى الجنة بالسلاسل" وهذه أعظم مصلحة، أن يمن الله على العبد بالإسلام، وإن أصابه ما أصابه من رق، عندما يرى حلاوة الإسلام ولذته ويعرف النعيم الذي دخل عليه بسبب ذلك سيعرف أن هذه نعمة وليست بنقمة.
هذه الفائدة الأولى وهي أعظم فائدة.
الفائدة الثانية: أن المعتاد في الحروب والقتال أن أعظم خاسر هم الأطفال والنساء، فالأطفال يُشَرّدون والنساء يُغتصبن ويهَنّ كثيراً في الحروب. في الإسلام في حال الرق يُحفظ الأطفال وتحفظ النساء أيضاً لأنه عندما يؤخذ الأطفال والنساء رقيقاً ويعطى الأطفال والنساء من الحقوق الشرعية التي كتبها الله تبارك وتعالى لهم في الإسلام، ويعامَلوا معاملة حقيقية كما أراد الله سبحانه وتعالى، عندئذ سيكون الرق لهم نعمة وليس نقمة. ولو يعلم حقيقةً كثير ممن يحاربون الرق ما جعل الله سبحانه وتعالى للرقيق إن أدى الحق الذي عليه وإن أدى سيده الحق الذي له لتمنى كثير من الناس أن يكونوا رقيقاً عند المسلمين، للفضائل التي يحصلون عليها من وراء ذلك. فهناك مفسدة نعم هي الذل الذي يكون فيها الرقيق والامتهان..الخ، لكن المصالح المرجوة من وراء ذلك أعظم وأعظم كثيرا
أم سمية الأثرية
2016-01-14, 17:27
الشبهة الثانية عشرة: ختـان الإناث:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الثانية عشرة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن "ختان الإناث"، أوردنا فيه من كلام المتخصصين ما يدل على أن ختان الإناث عندهم من المعروف وليس من المنكر، وهذا على نقيض موقف الذين هُزموا أمام ضجة الغرب المفتعلة.
وتتكون هذه الحلقة من عدة فصول:
الفصل الأول: حقيقة الختان عند المرأة.
الفصل الثاني: أدلة ختان الإناث.
الفصل الثالث: فوائد الختان.
الفصل الرابع: الفرق بين الشرعي والختان الفرعوني.
الفصل الخامس: المحاربون للختان.
الفصل السادس: خلاصة هذه المباحث.
الفصل الأول: حقيقة الختان عند المرأة:
المبحث الأول: تعريفه وصورته:
الختان في اللغة: مادة ختن، الغلام والجارية يختنهما، والاسم الختان والختانة، وهو مختون، وقيل الختن للرجال، والخفض للنساء.
والختان موضع الختن من الذكر، وموضع القطع من الجارية، قال أبو منصور: هو موضع القطع من الذكر والأنثى، ويقال لقطعهما الإعذار، عذر الغلام والجارية يعذرهما عذراً، وأعذرهما ختنهما، أما الخافضة فهي الخاتنة، يقال خفض الجارية يخفضها خفضاً هو كالختان للغلام، وقيل خفض الصبي خفضاً ختنه، فاستعمل في الرجل فالأعرف أن الخفض للمرأة) من "لسان العرب" لابن منظور (مادة ختن، عذر، خفض) وغيره.
والختان في الشرع: قال ابن حجر في "فتح الباري": (الختان مصدر ختن أي قطع، والختن قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص).
وأما صورته: فيكون ختان الأنثى بقطع شيء من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، والسنّة أن لا تُقطع كلّها بل جزء منها.
قال الماوردي الشافعي: (وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة، ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها).
وقال ابن تيمية كما في "الفتاوى الكبرى" في الكلام على ختان الأنثى: (ختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك).
المبحث الثاني: العمر المناسب للختان:
يمكن إجراء الختان الشرعي في العمر ما بين 6 - 10 سنوات في عدم وجود موانع، كما يمكن تأجيله إلى أي سن.
قالت الدكتورة آمال أحمد البشير في وقت ختان الإناث في كتابها "ختان الأنثى في الطب والإسلام بين الإفراط والتفريط" (ص38): (أن يكون في السن التي يسهل فيها على الطبيبة أو القابلة المدربة فصل القلفة عن حشفة البظر وقطعها دون أن تأخذ معها أي جزء آخر من المنطقة المجاورة، ويختلف ذلك بين طفلة وأخرى لذلك يجب أن يكون هناك كشف على العضو التناسلي لكل طفلة بواسطة الطبيبة المختصة قبل تحديد وقت ختانها).
المبحث الثالث: طريقة الختان الشرعي الصحيح للأنثى:
تقول الدكتورة ست البنات بنت خالد: (يتم الختان الشرعي عبر خطوات هي:
1- تهيئة الطفل من الناحية النفسية بالشرح البسيط وقراءة بعض الأدعية القرآنية.
2- يتم تعقيم سطح الجلد وتحت القلفة بالمحاليل المعقمة المعروفة مثل "الإيثانول"، وتشد القلفة إلى الخلف ومن الجوانب حتى تنفصل أي التصاقات موجودة .
3- يحقن بواسطة حقنة صغيرة (Hypodermic needle) ما يعادل ا مل من البنج الموضعي (Lidocaine 2% and Epinephrine 1:100.00) في آخر 1-2 سم في قمة الجزء الهرمي من القلفة وذلك بتثبيت الجزء الأعلى على جسم البظر بإبهام اليد اليسرى لتسهيل الحقن في لجلد القلفة والانتظار لمدة دقيقتين.
4- عند التأكد من تخدير المنطقة نقوم بسحب القلفة إلى أعلى لإبعادها عن البظر بواسطة ملقاط تشريح، ثم يقبض الجزء المراد قطعه (القلفة) بواسطة جفت ضاغط بحيث يكون الجزء المراد إزالته فوق الجفت الضاغط لفترة 5-10 دقائق حتى نطمئن لعدم حدوث نزيف ثم يزال الجفت، وتوضع قطعة نظيفة من شاش الفازلين مع القطن تثبت فقط بواسطة الملابس الداخلية للطفلة، يمكن إزالة الشاش أو القطن بعد 4 ساعات ومتابعة نظافة الجرح في الأيام التالية بواسطة الماء والصابون أو الماء والملح.
5- في حالة حدوث نزيف من الجرح يضغط مرة أخرى بالجفت الضاغط أو توضع غرزة الكاتقط الناعم مكان النزيف، بشرط عدم ملاقاة طرفي الجرح مرة أخرى بأي حال، لا يحتاج الجرح لأي غيار أو مضادات حيوية من ناحية روتينية، في حالة ظهور التهابات يمكن معالجتها بواسطة المضادات الحيوية المعروفة) أ.هـ
وتقول الدكتورة مريم بنت إبراهيم هندي: (أما عن الكيفية الطبية لهذه العملية فقد وضحت فى بحث "عملية ختان الأنثى" على النحو التالي:
1- تستمر الجرعة المنومة حتى تصبح جرعة مخدر كاملة.
2- تطهير جراحي كامل.
3- مخدر الترشيح الموضعي بحيث يتم إعطاء 5 مل من المخدر الموضعي، ويتم إعطاء 3 مل منها بطريقة خاصة خلف العانة، والباقي يتم عن طريق الترشيح المباشر على الشفر الأصغر والبظر على كلا الجانبين.
4- يتم إمساك غرلة البظر عن طريق الجفت، ورفعه إلى أعلى لمعرفة الأجزاء التى تحتاج إلى القطع فوق سطح الشفر الأسفل، ويتم قطع هذه الأجزاء بمقص صغير أو مشرط.
5- يتم تأمين أماكن النزيف حتى تجف تماماً.
6- يتم تقريب حافة الجروح عن طريق خيط غرز رفيع.
7- الأجزاء التى يتم استئصالها هي: الأجزاء البارزة من البظر والأجزاء البارزة من الشفرين الصغيرين.
ثم وضح البحث أنه ربما يكون هناك حاجة إلى المخدرات البسيطة فى اليوم الأول بعد الجراحة ويكون الشفاء سريعاً وهادئاً، ويتم الشفاء فى خلال 3 - 4 أيام) أ.هـ
المبحث الرابع: قيام ذوي الخبرة بهذا العمل:
هناك أخطاء تحصل عند القيام بعملية "ختان الإناث" ممن يتصدر لها وهو قليل المعرفة بها، أو أنه يقوم بها بدون تطهير وتعقيم للأدوات أو غير ذلك، ولقد وجد خصوم "ختان الإناث" في هذه الأمور مدخلاً للنيل من ختان الإناث، حتى إنهم يصفونها في مقالاتهم بما ينفر عنها، وهذه الأخطاء ليس لهم فيها حجة في منع ختان الإناث، فمن استعمل الشيء الجميل بطريقة مخطئة فنقول له: أنت مخطئ، ولا نقول: إن هذا الشيء الجميل قبيح من أصله فهذا غلط، ولو فرضنا أن هناك من يستخدم المساجد لأغراض غير شرعية فنقول له: عملك هذا غلط، ولا يدفعنا هذا إلى أن نمنع الصلاة في المساجد أصلاً أو أن نغلقها، وكذلك من استخدم المنابر فنخطئه ولا نمنع كل الخطب من على المنابر فهذا غلط، وبهذا أيضاً نستطيع أن نرد على من يمنع من الحجاب أو النقاب بحجة وهي أن النقاب والحجاب قد استخدمه اليوم أشخاص في غير موضعه !!.
ونقول لهم: من استخدم السيارة في السرعة المدمرة فهل تمنعون من استخدام السيارات أم أنكم تعالجون الغلط فقط يا أيها المثقفون ؟!
قالت الباحثة الدكتورة صافيناز السعيد شلبي كما في "جريــدة العربـى الناصري" 25/ 11/ 1996: (إن الختان يجب أن يجرى قبل البلوغ مباشرة وبعد فحص طبي يبين ما إذا كانت البنت فى حاجة إلـى ختان أم لا وذلك للتأكيد على أن هناك حالات عديدة لا يلزم لهن إجراء عمليـة الختان لأن المقصود ليس ذبحا ودما فقط و إنا عملية تهذيب للأعضاء التناسلية الخارجية للحفاظ على صحة المرأة).
المبحث الخامس: شهادة منظمة الصحة العالمية وغيرها لهذا الختان بأنه لا يضر:
1- قد جاء في كتاب: "العادات التي تؤثر على صحة النساء والأطفال" الذي صدر عن "منظمة الصحة العالمية" في عام 1979م ما يأتي: (إن الخفاض الأصلي للإناث هو استئصال لقلفة البظر وشبيه بختان الذكور ويعرف بالسنة .. وهذا النوع لم تذكر له إي آثار ضارة علي الصحة) أ.هـ
وإنما سقنا شهادة منظمة الصحة العالمية حجة على من أنكر ختان الإناث من المهزومين، والذي لا يقبل إلا كلام الغربيين فقط، وأما نحن فيكفينا ما جاء في السنة واتفاق العلماء أن الختان في حق الفتيات مشروع بشروطه.
2- وقد نقل الدكتور منير فوزي "أستاذ النساء والتوليد بكلية الطب جامعة عين شمس سكرتير الجمعية المصرية للأخلاقيات الطبية" في مقالة له نشرها "موقع شبكة الإعلام العربية" جاء فيه: (إن عملية الختان لا تحتاج إليها كل الإناث ولا يتم اجراؤها لكل الفتيات، وإنما لمن يثبت احتياجها فقط لإجراء هذه العملية .. ويتبين ذلك بالكشف الطبي عن طريق الطبيب المسلم المؤتمن والمتخصص ذي الخبرة، ويتم هذا الكشف تحت مخدر عام مراعاة لحياء الفتاة .... وتؤكد المراجع الطبية أن هناك بعض الحالات يكون فيها من الضروري إزالة الأجزاء الزائدة عن طريق عملية تجميلية بسيطة MINOR PLASTIC SURGERY راجع مجلة التجميل العالمية المسماة " "PLAST RECONSTR SURG).
3- بعد أن نقلت الدكتورة ست البنات بنت خالد تقرير "منظمة الصحة العالمية" المتقدم قالت: (كما أنه في بعض الأحيان يمارس في "الولايات المتحدة الأمريكية" وبعض الدول الأخرى لمعالجة عدم حدوث هزة الارتواء الجنسي عند المرأة، وفي حالة زيادة حجم قلفة البظر أو ضيقها أو وجود التصاقات) أ.هـ
المبحث السادس: شهادة الأطباء والمتخصصين بأن ختان الإناث نافع ولا يستغنى عنه:
1- من ذلك تصريح الدكتورة ماجدة الشربيني "وكيل أول وزارة الصحة" في مصر والتي تؤكد فيه وجود حالات يتحتم فيها إجراء ختان الإناث لضرورة طبية ملحة للحماية من الالتهابات والمضاعفات وتقدر بـ 30% من الفتيات.
2- وذكر الدكتور منير فوزي أن الدكتورة سوسن الغزالي "أستاذ الصحة العامة والطب السلوكي بطب عين شمس ومديرة وحدة الطب السلوكي" قدمت بحثاً بتاريخ 27 سبتمبر سنة 1997م إلى "الندوة المصرية في أخلاقيات الممارسات البيولوجية" التي نظمتها "لجنة اليونسكو بجمهورية مصر العربية" وأكدت فيه عدم حدوث الأضرار المزعومة لختان الإناث الذي يلتزم به معظم المصريين، وأكدت ضرورة إجراء ختان الإناث تحت رعاية طبية أفضل بالمستشفيات الحكومية وبواسطة الأطباء لمن يرغب من الأهل.
3- وقد قال الدكتور في مقال نشره "موقع شبكة الإعلام العربية" جاء فيه:
(العلاج بعمليات التجميل البسيطة المماثلة للختان فى أمريكا وأوروبا:-
تقوم المراكز الطبية فى أمريكا وأوربا – منذ عشرات السنين وحتى اليوم – بالعلاج الجراحي للآلاف من هذه الحالات عن طريق عملية جراحية بسيطة MINOR تماثل تماماً الدرجة الأولى من ختان الإناث التي تسمى (بختان السنة) والتي تطبق فى مصر .. ولكن هذه العملية تصنف كعملية تجميلية AESTHETIC ويقوم بها أطباء جراحة التجميل وتسمى AESTHETIC LABIOPLASTY.
وقد أوردت هذه الحقيقة مجلة جراحة التجميل المسماة PLAST RECONSTR SURG حيث ربطت بين هذه العملية التجميلية وبين ختان السنة عند المسلمين فقالت بالحرف الواحد عند شرحها لهذه العملية (تاريخياً تجرى عملية ختان الإناث منذ قرون وحتى الآن فى الدول الاسلامية والعربية).
HISTORICALLY, FEMALE CIRCUMCISION HAS BEEN PRACTICED IN ISLAMIC ARABIC COUNTRIES FOR MANY CENTURIES AND IS STILL PRACTICED IN THESE COUNTRIES.
ومن الجدير بالذكر أن هناك العشرات من المراكز فى الولايات المتحدة الأمريكية المتخصصة فى إجراء هذه العملية التجميلية المماثلة لختان الإناث والتي يطلقون عليها اسم: (عملية تجميل الشفة الصغرى) AESTHETIC LABIOPLASTY وتدعو مواقع هذه المراكز على الانترنت النساء اللاتي يحتجن إلى هذه العملية من كافة أنحاء العالم إلى إجرائها داخل هذه المراكز الأمريكية.
ومن أشهر هذه المراكز مركز LABIOPLASTY SURGEON والذي يضم فروعاً كثيرة في أكبر الولايات الأمريكية مثل نيويورك وفلوريدا وتكساس وأريزونا وكاليفورنيا وغيرها.
كما تجرى هذه العمليات ذاتها فى المراكز المتخصصة فى الدول الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا وغيرها .. وتحرص هذه المراكز على تطوير إجراء هذه العمليات التجميلية البسيطة وقد أشارت مجلة النساء والولادة العالمية عدد ابريل 2006 م إلى استخدام الليزر فى إجراء هذه العمليات LASER LABIOPLASTY ونشرت بحثاً أجري فى اسبانيا لعدد 55 حالة وتتراوح أعمار النساء بين 10 سنوات و55 سنة وتمت العمليات بنجاح وبدون مضاعفات تذكر وأدت إلى إزالة كافة المشاكل والمخاطر الناشئة عن الأجزاء الزائدة لدى هؤلاء النساء .
ومن الجدير بالذكر أن هذه المراكز تؤكد فى إعلاناتها عن هذه العمليات إنها – بالإضافة إلى إزالة المتاعب والمشاكل الصحية والنفسية الشديدة التي تحدث فى هذه الحالات – تكسب الوجه النضارة والشباب YOUTHFUL LOOK & YOUTHFUL APPEARANCE) أ.هـ
4- وأكد الدكتور سيد صبحي "أستاذ الصحة النفسية بطب القاهرة" أن مراعاة الأصول الشرعية فى إجراء الختان وعن طريق الأطباء لا ينشأ عنه أي مشاكل أو أضرار نفسية أو طبية.
وأغلب هذه النقولات هي من كتاب: "ختان الإناث" للدكتورة مريم بنت إبراهيم هندي.
5- وقالت الباحثــة الدكتورة صافيناز السعيد شلبي كما في "جريدة العربـى الناصري" 25/ 11/ 1996 وقد نشره "موقع موجي" تقول إنها أجرت الفحص علـى عينة من 100 حالة كلهن أجريت لهن عملية الختان، أكدت نتيجة البحث عدم وجود علاقة للختان بالآثار السلبية على النشاط الجنسي للمرأة سواء في عملية الرغبة أو الإشباع.
وقد ذكرت أن الدراســة كذلك دلت علـى أن إجراء الدرجة الأولى من الختان فقط يؤدى إلى تهذيب الأعضاء الخارجية التناسلية لمنع الإثارة المستمرة نتيجة الاحتكاك، وكذلك منع الالتهابات.
وقالت: إنها قابلت أكثر من عشر حالات طلبن إجراء عملية الختان قبل زواجهن مباشرة، وكذلك بعض الحالات التي أجريت لهن عملية الختان بعد الزواج بسبب الطول الزائد للبظر.
المبحث السابع: شهادة أهل هذا الشأن:
وأما من منع من الأطباء من ختان الإناث فإنه لا يستند إلى حجة علمية مقبولة لا شرعاً ولا طباً، وأما دعواهم أن ختان الإناث ضار على الفتاة طبياً ونفسياً واجتماعياً وغير ذلك، فإنها دعوى معارضة بشهادة الأطباء أنفسهم وغيرهم وهم من أهل الاختصاص أيضاً، وقد أحسن الشيخ علام نصار بك مفتي مصر في وقته فى الرد على معارضي الختان الذين قالوا: إنه يسبب أضراراً بالمرأة حيث قال رداً عليهم: (وأما آراء الأطباء مما نشر فى مجلة الدكتور وغيرها عن مضار ختان الأنثى، فإنها آراء فردية لا تستند إلى أساس علمي متفق عليه، ولم تصبح نظرية مقررة).
1- من هؤلاء الأستاذ الدكتور حامد زهران "أستاذ الصحة النفسية بتربية عين شمس" حيث أكد أن الختان عملية تجميلية بسيطة سواء للذكر أو للأنثى، وأنها أمور شخصية بحتة لا يحق لأحد إلغاؤها بين يوم وليلة بقرار.
2- ومنهم الدكتور فكرى عبد العزيز "استشاري الطب النفسي" الذى أكد أنه لم يسمع عن حالة برود جنسى نتيجة ختان الإناث، كما أنه مع كثرة الإنجاب لا يمكن اتهام ختان الإناث بإحداث العقم أو التعارض مع الإنجاب.
3- وأكد الدكتور سيد صبحي "أستاذ الصحة النفسية بطب القاهرة" أن مراعاة الأصول الشرعية فى إجراء الختان وعن طريق الأطباء لا ينشأ عنه أي مشاكل أو أضرار نفسية أو طبية.
4- كما أكد الدكتور أحمد المجدوب "المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" أن الأمهات أنفسهن يحرصن بشدة على إجراء الختان لبناتهن، وهذا وحده يؤكد أهمية وضرورة ختان الإناث.
5- كما أكد الدكتور صلاح الغول "أستاذ علم الاجتماع" أن الختان ضرورة وخاصة فى العصر الحالي للمحافظة على الحرمات والفضيلة.
المبحث الثامن: لا تقبل شهادة من عارض الأحاديث:
من وافق الأحاديث من الأطباء فكلامه مقبول، وأما من عارضه من الأطباء فكلامه مطروح لا قيمة له، إذ كيف نقبل كلام طبيب بنى كلامه على تجربة خاصة لها ظروف خاصة في الوقت الذي يكون هذا على حساب أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم ؟!
وقد شن الغرب حرباً على ختان الذكور قبل ذلك وهم اليوم يرجعون عنه، ففي عام 1990م كتب "البروفسور ويزويل" في مجلة Amer.Famil J . Physician)) يقول: (لقد كنت من أشد أعداء الختان وشاركت في الجهود التي بذلت عام 1975م ضد إجرائه، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حوادث التهابات المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين، و بعد تمحيص دقيق للأبحاث التي نشرت، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب أن يجري لكل مولود).
فهؤلاء يقولون القول اليوم ويرجعون عنه غداً، فإلى أمثال من تأثر بهؤلاء أسوق كلام ابن القيم حيث قال رحمه الله في "زاد المعاد": (وقد تقدم أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء، وأن بين ما يلقى بالوحي وبين ما يلقى بالتجربة والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق.
ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصاً عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء، لتلقوه بالقبول والتسليم، ولم يتوقفوا على تجربته) أ.هـ
الفصل الثاني: أدلة ختان الإناث:
المبحث الأول: تمهيد:
والأدلة على مشروعية ختان الإناث السنة وإجماع العلماء بل إجماع المسلمين، حيث لم يختلفوا في المشروعية وإنما اختلفوا في الوجوب.
وننقل هنا اختصاراً لاختلاف العلماء في حكم ختان الذكر والأنثى من بحث لبعض الإخوة مع تصرف يسير يناسب المقام، فنقول وبالله التوفيق: قد اختلفوا في حكم الختان عموماً على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو إيجاب ختان الذكر والأنثى على حد سواء، وإليه ذهب الشافعية والحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (21/114) وتلميذه ابن قيم الجوزية، والقاضي أبي بكر بن العربي من المالكية رحمهم الله جميعاً.
قال النووي رحمه الله في "المجموع": (الختان واجب على الرجال و النساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف كذا حكاه الخطابي، و ممن أوجبه أحمد ... والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء).
القول الثاني: وهو أن الختان سنة في حق الذكر والأنثى على حد سواء، و هو مذهب الحسن البصري، وإليه ذهب الحنفية، ومالك وهو رواية عن أحمد، واختاره الشوكاني حيث قال رحمه الله في "نيل الأوطار": (والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنة والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه).
القول الثالث: وهو أن الختان واجب متعين على الذكور، مكرمة مستحبة للنساء، و هو قول ثالث للإمام أحمد، و إليه ذهب بعض المالكية كسحنون، واختاره الموفق ابن قدامة في "المغني" وهو الصحيح.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله في "المغني": (1/ 63): (فأما الختان فواجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، و ليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم).
المبحث الثاني: أدلة ختان الأنثى:
أولاً: السنة:
وأدلة ختان الإناث على قسمين:
القسم الأول: أدلة فيها عموم تشمل الذكر والأنثى، والقسم الثاني: أدلة مختصة بالإناث، ونحن سنتعرض للنوعين بقدر الاستطاعة.
الأدلة العامة:
1- في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط).
وهذا عام في حق الرجال والنساء.
2- كان الختان موجوداً قبل الإسلام فأقره الإسلام ولم ينكره ولم ينه عنه، فدل على مشروعيته للرجال والنساء.
الأدلة الخاصة: فمن هذه الأدلة:
1- ما جاء في "صحيح مسلم" من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل).
وفي رواية الترمذي في "سننه" وغيره: (إذا التقى الختانان).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": (المراد بهذه التثنية ختان الرجل والمرأة).
2- ما رواه أبو داود والطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "الشعب" عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل)، وفي رواية: ( أشمي ولا تنهكي).
والإشمام: أخذ اليسير في الختان، والنهك: المبالغة في القطع.
والحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله في "صحيح أبي داود"، وله طرق أخرى تقويه ذكرها في "السلسلة الصحيحة" برقم: (921).
قال الشيخ الألباني رحمه الله رحمة واسعة: (وأقول مجيء الحديث من طرق متعددة ومخارج متباينة لا يبعد أن يعطى ذلك الحديث قوة يرتقى بها إلى درجة الحسن لاسيما وقد حسن الطريق الأولى الهيثمي كما سبق والله أعلم) أ.هـ
ثانياً: الإجماع:
وقد اتفق المسلمون قاطبة على مشروعية ختان الإناث ولم ينكره أحد منهم على أن الخلاف بينهم فيه إنما هو في الوجوب والندب، فقد ذهب إلى وجوب ختان النساء الشافعية والحنابلة في المشهور من مذهبهم، وجماهير أهل العلم على أنه ليس بواجب، وإنما هو سنة ومكرمة في حقهن كما تقدم.
الفصل الثالث: فوائد الختان:
المبحث الأول: أسباب ختان الإناث:
هذا المبحث استفدناه من بحث الأخت الدكتورة ست البنات بنت خالد، وقد دافعت عن هذه الشرعة بما تشكر عليه وجزاؤها عند الله، وننقل من بحثها ما يزيد موضوعنا قوة مع زيادة تناسب المقام، فنقول وبالله التوفيق: لجراحة الختان أسباب أهمها:
أسباب عضوية:
1- حجم القلفة وزيادة طولها.
2- وجود التهابات بينها وبين البظر مما يؤدي إلى شدة حساسية البظر والألم عند لمسه.
3- تراكم اللخن مما يزيد من تكاثر البكتريا والتهابات الجهاز البولي الصاعد.
قال ابن منظور رحمه الله في مادة "لخن": (اللخن قبح ريح الفرْج، وامرأة لخناء، واللخناء التي لم تختن، وفي حديث عمر: يا ابن اللخناء، هي التي لم تختن، وقيل اللخن النتن).
قال الدكتور حامد الغوابى: (أما عن الإفرازات الدهنية التي ذكرتها فهذه حقيقة لاشك فيها، ونحن أطباء أمراض النساء نعلم أكثر من غيرنا، هذه الحقيقة والتي لا علاج لها إلا بقطع الشفرين الصغيرين فمهما توالت النظافة فسيبقى أثر لهذه الرائحة).
قال الدكتورة مريم بنت إبراهيم هندي في كتابها: (ختان الإناث):
(يضاف إلى هذا أنني قد سألت فعلاً بعض من لم يختتن فأخبرنني أنهن يجدن معاناة شديدة فى تنظيف هذا المكان، فإذا كان الختان يريح المرأة طوال عمرها من المعاناة فى تنظيف هذا المكان فإن تحمل ألم الختان فى زمن قليل أخف بكثير جداً من هذه المعاناة طوال العمر).
وقد ثبت أن في اللخن smegma مادة تسبب السرطان، وأشارت الدراسات الحديثة إلى أن هذه المادة هي فيروس يدعى papillovirus وقد تمكن الباحثون من عزل هذا الفيروس من المرضي المصابين بسرطان القضيب ومن المصابات بسرطان الفرج وسرطان عنق الرحم.
4- الالتصاقات التي تحدث نتيجة لهذه الالتهابات، والتي تؤدي إلى قفل المجرى البولي والتناسلي خاصة في الأطفال قبل سن البلوغ وفي مرحلة الكبر في سن اليأس (نسبة لقلة هرمون الإستروجين).
أسباب جنسية:
1- قلة الإرتواء الجنسي نسبة لضيق القلفة للالتصاقات أو كبر حجمها، وبعد البظر إلى داخل الجسم.
2- شدة الشبق الجنسي نتيجة للالتصاقات وكثرة الاحتكاك بالمنطقة وملامستها.
أسباب نفسية:
البرود الجنسي، الهستريا، التبول اللاإرادي، بعض حالات الاكتئاب النفسي، حالة اللمفومينيا.
التكوين الجنيني للجهاز التناسلي:
إذا رجعنا إلى تكوين الجنين داخل رحم الأم نجد أنه في الفترة قبل 8 أسابيع يكون مصدر تكون الأعضاء التناسلية واحد في الذكر والأنثى ثم يكون متطابقاً تماماً من 8-10 أسابيع، وبعدها يبدأ تحور جهاز الذكر تحت تأثير بعض هرمونات الحمل وهرمون الذكور، وتستمر الأنثى على نفس الشكل الأولي، وبعد الأسبوع 12 يمكن التمييز الكامل للذكر والأنثى، ولكن هناك تطابق واضح بين الجنسين في الجهاز التناسلي الخارجي، حيث يكون كيس الصفن والجلد الذي يغطي جسم القضيب مقابل للشفرين الكبيرين، والجزء الأمامي من المجرى البولي التناسلي للذكر هو الشفرين الصغيرين والقضيب وقلفته هو البظر وقلفته، ومجرى البول في الإناث هو ما يقابل الجزء من مجرى البول الذي يمر بغدة البروستاتا، وبالتالي ما يعرف بـ(الإسكيني تيوبيولز) التي تفتح في المجرى البولي للأنثى وتقابل غدة البروستاتا في الذكر، بينما تقابل غدة بارسولين في الأنثى الموجودة داخل الشفرين الخارجيين غدة كوبرز في الذكر والتي تفتح في القناة البولية التناسلية.
أما النطف التي تنتج من الخصيتين والمبيضين فإن أصلها الجنيني يجيء من منطقة الحدبة التناسلية التي تقع ما بين العمود الفقري والأضلاع في منطقة صدر الجنين (الصلب والترائب) ثم تنزل إلى أسفل البطن وأكياس الصفن.
المبحث الثاني: فوائد ختان الإناث:
لقد جمعت ما استطعت أن أجمعه من كلام العلماء والأطباء ممن علل ختان الإناث وذكر شيئاً من فوائده ومنافعه مع أشياء أخرى زدتها غير مذكورة في رسائلهم، وذكرتها مرتبة بدون عزو لأصحابها وسأعزو إليهم في آخر هذا المبحث، فمن ذلك:
1- التعبد لله تعالى، وقد قال ابن القيم في "تحفة المودود": (فما ينكر أن يكون قطع هذا الطرف علماً على عبودية صاحبه لله سبحانه حتى يعرف الناس أنه من كان كذلك كان من عبيد الله الحنفاء، فيكون الختان علماً لهذه النسبة التي لا أشرف منها مع ما فيه من الطهارة والنظافة والزينة وتعديل الشهوة).
2- اتباع ملة إبراهيم حنيفاً فيكون هذا المختون على الفطرة الحنيفية، وقد قال ابن القيم في "تحفة المودود": (وقال غير واحد من السلف: من صلى وحج واختتن فهو حنيف، فالحج والختان شعار الحنيفة، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها).
وفي حكمة الختان يقول ابن القيم: (فشرع الله للختان صيغة الحنيفية وجعل ميسمها الختان.. هذا عدا ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، فالختان يعدلها ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النسا لا يشبع من الجماع، والحكمة التي ذكرناها في الختان تعم الذكر والأنثى وإن كانت في الذكر أبين).
3- الطهارة والنظافة من اللخن وما يؤدي إليه، وهذا يؤدي إلى انخفاض في معدل الالتهابات البولية والتناسلية، وقد رأيت ما في كلام ابن القيم المتقدم، وقد قال ابن القيم أيضاً في الكتاب نفسه:
(وقد اشتركت خصال الفطرة فى الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة التي يألفها الشيطان، ويجاورها من بني آدم، وله بالغرلة اتصال واختصاص).
4- ذهاب الغلمة والشبق وهي شدة الشهوة التي تؤدي للانشغال بها، وتعديل الشهوة عند المختونين من الرجال والنساء كما تقدم في كلام ابن القيم، ولهذا يقال في المنابذة: يا ابن الغلفاء أي: غير المختونة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "إقامة الدليل" وكما في "مجموع الفتاوى" (12/114): (ولهذا يقال في المشاتمة يا ابن القلفاء، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتار ونساء الفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين، وإذا حصلت المبالغة في الختان ضعفت الشهوة، فلا يكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود بالاعتدال، والله أعلم) أ.هـ
5- منع الروائح الكريهة الناتجة عن تراكم اللخن تحت القلفة.
6- انخفاض معدل التهابات المجاري التناسلية.
8- انخفاض معدل التهابات المجاري البولية، وفي عام 1990 كتب "البروفيسور ويزويل": (لقد كنت من اشد أعداء الختان و شاركت في الجهود التي بذلت عام 1975 ضد إجرائه، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حوادث التهابات المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين، و بعد تمحيص دقيق للأبحاث التي نشرت، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب أن يجري لكل مولود) أ.هـ وقد تقدمت الإشارة إلى كلامه.
وجد "جـنز برغ" أن 95% من التهابات المجاري البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين، ويؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً يجري لكل مولود في الولايات المتحدة منع حدوث أكثر من 50 ألف حالة من التهاب الحويضة والكلية سنوياً عند الأطفال.
9- إيجاد البديل المناسب عن الختان الفرعوني، وهو أحد الحلول للتخلص منه.
10- ومن فوائد الختان منعه من ظهور تضخم البظر أو ما يسمى بإنعاظ النساء، وهو إنعاظ متكرر أو مؤلم مستمر للبظر، كما يمنع ما يسمى نوبة البظر وهو تهيج عند النساء المصابات بالضنى يرافقه تخبط بالحركة وغلمة شديدة وهو معند على المعالجة.
11- الوقاية من السرطان، قالت الدكتورة مريم بنت إبراهيم هندي: (وقد ذكر الدكتور منير محمد فوزي والدكتور حاتم سعد شلبي، والدكتور عادل حسن عبد الفتاح، والدكتور يحيى زايد فى بحث لهم أن المسلمات أقل النساء إصابة بسرطان الفرج بسبب الختان وإزالة شعر العانة من خلال بعض المراجع الطبية الأجنبية والعربية).
وللمزيد انظر: رسالة الدكتور محمد علي البار في "ختان الإناث" وهو صاحب بحوث نافعة، ورسالة الدكتورة ست البنات، ورسالة الدكتور مريم بنت إبراهيم هندي.
المبحث الثالث: أضرار ترك ختان الإناث:
يقول الدكتور منير فوزي في المقال المشار إليه: (فى حالة وجود أجزاء زائدة عند بعض الإناث فإن ذلك يسبب العديد من الأضرار والمشاكل الطبية والتي تسجلها المراجع العالمية الأمريكية والأوربية فى جراحة التجميل ومراجع النساء والولادة، وأهم هذه الأضرار والمشاكل الطبية ما يلي:-
أ- الالتهابات المزمنة بسبب صعوبة تنظيف ما تحت الأجزاء الزائدة INFLAMMATION & POOR HYGIENE وذلك بسبب الطبيعة الخاصة لهذه المنطقة التي تكثر بها الغدد العرقية والدهنية وتعتبر وسطاً ملائماً لتكاثر البكتريا والفطريات.
ب- التأثيرات الجنسية الجامحة فى بعض الحالات وكذلك الاضطرابات النفسية والعصبية بسبب الإحساس الدائم والمستمر بالأجزاء الزائدة SELF CONSCIOUSNESS" SEXUALLY" كما أن هذه الأجزاء الزائدة فى بعض الحالات تصبح مصدر قلق وإحراج وتؤثر على ثقة المرأة بنفسها ونظرتها لنفسها كأنثى.
ج- المشاكل فى العلاقة الزوجية لكل من الزوج والزوجة.
INTERFERENCE WITH SEXUAL INTERCOURSE & ENTRY DYSPAREUNIA.
د- فى الحالات الشديدة تحدث الآلام والمتاعب DISCOMFORT بتأثير الملابس الداخلية PANTS والحركة أو التمرينات EXERCISE .. بل وفى بعض الأحيان تحدث المتاعب والآلام بمجرد المشي أو الجلوس مما يعوق النشاط اليومي الطبيعي.
الفصل الرابع: الفرق بين الختان الشرعي والختان الفرعوني:
المبحث الأول: أقسام ختان الإناث:
يقول الدكتور منير فوزي في المقال المشار إليه: (كما ورد فى كتاب "ختان الإناث" ... عــام 1965م) إلى أربع درجات وهي:-
الدرجة الأولى والثانية: ويطلق عليها فى المراجع العالمية ذاتها اسم ختان السنة SUNNA CIRCUMCISION (راجع تعريف JORDON بمجلة الولادة البريطانية عدد فبراير 1994 الجزء 101 صفحة 95) وهاتان الدرجتان لا ينشىء عنهما أية أضرار وتمثل الدرجة الأولى معظم الحالات التي تطبق فى مصر على حين لا تحتاج إلى الدرجة الثانية سوى نسبة قليلة من الحالات .. ويتم فى ختان السنة بدرجتيه إزالة الأجزاء الزائدة فقط دون إنهاك.
الدرجة الثالثة والرابعة: ولا تجرى هاتان الدرجتان من الختان فى مصر على الإطلاق وإنما فى بعض البلاد الإفريقية .. وهي التي يمكن أن يطلق عليها اسم التشويه الجنسي للإناث FEMALE GENITAL MUTILATION حيث يتم فيها إزالة اغلب الأنسجة فى منطقة الختان وضم هذه الأجزاء بعضها ببعض بالخيوط الجراحية .. ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع يخالف ختان السنة الذى سبق الإشارة إليه .. إذ انه يمثل إنهاكا ينهى عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف " اخفضي ولا تنهكي") أ.هـ
المبحث الثاني: الفرق بين الختان المشروع والختان الفرعوني:
الختان الشرعي هو ما تقدم ذكره وتعريفه في الفصل الأول، وأما الختان الفرعوني فهو ما يستأصل فيه البظر كله، وهو منتشر في بعض البلاد ولاسيما الإفريقية منها، وهذا النوع من الختان مخالف للسنة، وقد يترتب عليه كثير من الأضرار النفسية والبدنية بالنسبة للفتاة، وهذا الختان مخالف للسنة، وتحذر منه كثيراً منظمات الصحة والمؤسسات التي تعنى بالرعاية الاجتماعية.
قال الماوردي في "الحاوي": (وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة، ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها).
قال الدكتور محمد علي البار معلقاً على هذا: (هذا هو الختان الذي أمر به المصطفى، وأما ما يتم في مناطق كثيرة من العالم ومنه بعض بلاد المسلمين مثل الصومال والسودان وأرياف مصر من أخذ البظر بأكمله، أو أخذ البظر والشفرين الصغيرين، أو أخذ ذلك كله مع أخذ الشفرين الكبيرين فهو مخالف للسنة ويؤدي إلى مضاعفات كثيرة، وهو الختان المعروف باسم الختان الفرعوني، وهو على وصفه لا علاقة له بالختان الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم) أ.هـ
والختان الفرعوني فهو حرام، ويكفيه سوء نسبته إلى أئمة الكفر وهم الفراعنة وإلى ملة وثنية، أضف إلى ذلك الأضرار الكبيرة والتي منها: إعدام الشهوة عند المرأة، وعدم تحقيق المقصود للزوج، وما يحصل لها من مخاطر الولادة والنزيف، وما يكون فيه من تغيير لخلق الله وغير ذلك.
الفصل الخامس: المحاربون للختان:
تمهيد:
لقد شغل هؤلاء الناس أنفسهم بمحاربة الختان بصورة غريبة ومكثفة، ولما رأى أحد عوام المصريين هذه الضجة في بعض المواقع ذكر تعليقاً طريفاً فقال: (والله أنا حاسس بعد كده سوف يكون هناك وزارة تسمى وزارة الختان) !!.
وكلنا نعرف مدى الحرب التي يقوم بها أعداء الإسلام، وعليه فأقول: إن ههنا قاعدة عظيمة نافعة يحتاج إليها كثير من المسلمين، وهي: أن ما ينقله أعداء الإسلام من نقولات طبية أو فلكية أو غيرها، وهي مصادمة لشرع الله ولكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بصورة مباشرة أو غير مباشرة فإن الأصل في ذلك أنه مردود عليهم وأننا لا نأمن أن يكون من دسهم وتعمدهم لغرض تشكيكنا في ديننا.
المبحث الأول: دوافع المنكرين لختان الإناث:
المتحاملون على الختان المشروع ثلاثة أنواع من الناس:
أحدهم: من يخلط بين الختان السني والفرعوني، ولم يعرف الفرق بين النوعين فهذا دخل عليه الخلل من جهل بالفرق بين النوعين، كبعض أطباء أمراض النساء والتوليد.
وهناك صنف آخر يلحق بهؤلاء المخلطون وهم الجهلة من أمثال الصحفيين ومن جرى مجراهم، وما أجهل الصحفيين في علوم الشريعة فيا ليتهم عرفوا قدر أنفسهم فأراحوا واستراحوا، فقد قرأت مقالاً في "موقع نبأ نيوز" بعنوان: (اليوم الدولي لمكافحة ختان الإناث في اليمن) ذكرت فيه أشياء منها ما يشير إلى أنهم بدأوا يتوجهون إلى حرب هذه الشعائر فنسأل الله أن يكفينا شرهم كيف شاء وبما شاء.
والثاني: من وجد في التحامل على ختان الإناث فرصة ليثبت للناس أنه معتدل وليس متطرفاً:
1- ومن هؤلاء حزب "الإخوان المسلمين" في عدن، والمتمثل بحزب الإصلاح هداهم الله - قبل أشهر يسيرة - بالتعاون مع منظمة "اليونسيف" أو غيرها من المنظمات، بعمل مهرجان – على حسب تعبيرهم – لمحاربة هذا الختان في "عدن كريتر"، ورأيت بنفسي الخرق المعلقة بالجدران والتي فيها اشتراك الإصلاحيين مع هذه المنظمات: فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فهذه والله مصيبة أن يتعاون هؤلاء الناس مع مثل أعداء الإسلام لضرب الشريعة من الداخل، وقد وجدت هذا منشوراً في "موقعهم جمعية الإصلاح الخيرية" بصراحة تامة مع صور لبعض مسئوليها مع نساء غربيات سافرات، وهذه ليست أول مرة يقف "الإخوان المسلمون" مع المخالفين للشريعة والمحاربين لها، فقد وقفوا من قبل مع الذين ينادون بمساواة الرجل للمرأة في الدية، ووقفوا مع من ينادي برياضة المرأة على الإطلاق، وهم اليوم يقفون مع الحزب الاشتراكي اليمني بل ويتعاطفون مع الروافض الحوثيين، وأشياء أخرى لا أذكرها الآن وهي كثيرة.
2- ومن هؤلاء القرضاوي فقد نشر "موقع مصراوي" مقالاً جاء فيه: (القرضاوي يعارض ختان الإناث ويصفه بأنه من عمل الشيطان) وجاء فيه: (أصدر الدكتور يوسف القرضاوي فتوى يؤكد فيها أن ختان الإناث الذي تمارسه بعض الدول الاسلامية وفي مقدمتها مصر والسودان غير جائز بناء على الدراسات العلمية من المتخصصين والعلماء الذين أكدوا أن الختان يلحق ضرراً جسدياً ونفسيا بالإناث، كما يؤثر على مستقبل حياتهن الزوجية.
وأكد القرضاوي على موقعه على شبكة الانترنت أن ختان الإناث أو خفضها بالطريقة التي يجري بها الآن وبغير مسوغ يوجبه أمر غير مسموح به، ومحظور شرعاً كما يدخل ضمن باب أنه تغيير فى خلق الله الذي هو من عمل الشيطان كما أنه لا يوجد أي إذن من الله به.
وذكر الموقع أنه يقول: إنه قرر مخالفة من سبقوه من علماء وفقهاء المسلمين في قضية ختان الإناث لمنع الضرر وسد الذريعة التي تؤدي إلى الفساد مضيفا أن العلماء والفقهاء الذين سبقوه أفتوا بضرورة ختان الأنثى لأن عصرهم لم يعطهم من المعلومات والإحصاءات ما أعطانا العصر الحالي من المعلومات.
وأشار أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، قائلاً: لو أن الفقهاء السابقين ظهر لهم ما ظهر لنا لغيروا أرائهم خاصة وإنهم كانوا يدورون مع الحق حيث دار) أ.هـ
أقول: هذا هو القرضاوي فمن لم يعرفه فليعرفه الآن، ولو جئنا نناقشه لقال: أعني بقولي: (غير جائز) الختان الفرعوني وليس الختان الشرعي فقد قلت: (ختان الإناث الذي تمارسه بعض الدول الاسلامية وفي مقدمتها مصر والسودان) فهذا الذي أعنيه !! مع أن في بداية المقال: (القرضاوي يعارض ختان الإناث) هكذا على الإطلاق، فإما أن الرجل جاهل بأصول الفتوى وهذا بعيد، وإما أن الرجل مغالط وهذا هو الصواب، فالقرضاوي مشهور بهذه الطريقة، وهل هذه طريقة العلماء في الفتوى يا "رئيس الاتحاد العالمي للعلماء" والذي يضم معه الروافض والصوفية والأشاعرة وغيرهم ؟!
وأهل العلم قد انتهوا من الكلام في مثل القرضاوي فحاله معروف والحمد لله، لكن النقاش مع أمثال السروريين ومن جرى مجراهم فأقول لهم: ما هو موقفكم من مثل هذا الكلام لماذا لا نسمع لكم أي إنكار على مثل هذا الرجل مع كثرة انحرافاته وتلاعبه بالشريعة ؟! وأنتم الذين إذا سمعتم بعالم من علماء أهل السنة ينتقد مبطلاً من المبطلين أقمتم الدنيا وأقعدتموها تزعمون - كذباً - الدفاع عن الاعراض، فلماذا لا تدافعون عن الإسلام من مثل القرضاوي فهو أولى لكم من الدفاع عن هذه الأعراض ؟!
وأسأل الله أن ييسر فرصة للرد على القرضاوي ومن يستدل بمثل قول الفقهاء: (الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان).
والثالث: من هو متحامل على ختان الإناث لحقد في نفسه على الإسلام، وقد وجد هذا سلماً للطعن في الإسلام ونبي الإسلام، كالمنظمات المدعومة بواسطة المنظمات الكنسية العالمية:
ولهم مقصدان اثنان أحدهما: التشويه بالاسلام ونبي الاسلام صلى الله عليه وسلم، والثاني: فتح الباب على مصراعيه للغرائز الجنسية، فإذا كانوا يمنعون من ختان الفتاة ويمنعون من زواجها مبكراً، وفي الوقت نفسه يقذفون بالآلاف من الأفلام الجنسية من خلال القنوات والمواقع الخليعة، فما هي النتيجة المتوقعة بالله عليكم ؟!
ولك أن تتصور ما هي الفائدة التي تعود على قناة مثل "قناة سي إن0إن" الأمريكية - وهي قناة عالمية - في عرضها فيلماً فيه عملية ختان لحلاق يختن فتاة صغيرة ؟!
يقول الدكتور سالم نجم "أمين عام نقابة الأطباء": (إن الادعاءات بأن ختان الإناث يؤدى إلى موت الغريزة الجنسية كذب، وإنما هذا كلام الغرب الذى يدعو إلى الإباحية).
وإليك علامات القلق الأوروبي والأمريكي من الختان في الدول العربية ومنها مصر، فقد صدر قانون في مصر بمنع ختان الإناث، ثم ألغي هذا القانون بعد مدة بعد أن كثرت عليه الاعتراضات، فماذا كان الرد من هؤلاء ؟!
جاء فى "جريدة الأهرام" الصادرة فى 27/6/1997م هذا العنوان: (الخارجية الأمريكية تطالب بإعادة الحظر على عمليات ختان الإناث)، وفي "جريدة الأهرام" الصادرة فى 12/8/1997م جاء هذا العنوان: (الأمم المتحدة تعرب عن استيائها من الحكم بإعادة ترخيص ختان الإناث)، وفى "جريدة الأخبار" الصادرة فى 12/8/1997م: (صندوق الأمم المتحدة يكافح ختان الإناث)، وفي "جريدة الأحرار" الصادرة فى 4/10/1997م: (الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي منزعجون جداً من إلغاء القضاء لقرار حظر الختان)، وجاء فى "صوت الأمة" 23/9/2002م هذا العنوان: (إيطاليا تدفع 13 مليون يورو لمنع الختان فى مصر)، ومما جاء تحت هذا العنوان أن هيئة "إيدوس" تقدم 13 ألف يورو لإنشاء موقع على الإنترنت يعرض كافة أشكال التوعية بخطورة إجراء الختان وما يسببه من أضرار على صحة الطفلة فى مراحل عمرها المختلفة مع التأكيد على أن هذه العادة ليس لها أي أساس ديني يرتكز عليه).
وتأمل في قول هذه المنظمة: (يعرض كافة أشكال التوعية بخطورة إجراء الختان) وأنه (ليس لها أي أساس ديني يرتكز عليه) !!
فإيطاليا النصرانية تريد أن تعلم المسلمين أمور دينهم !! فما شاء الله، وبلغ الأمر بـ "صحيفة واشنطن بوست": (أنها تدعو الكونجرس الأمريكي لتخفيض المعونة لمصر إذا استمر ختان البنات) !!
أيها المسلم: هل سمعت شيئاً من هذه الأصوات أو قرأت شيئاً من هذه الجرائد في أثناء الحرب على غزة قبل أشهر ؟! وهل رأيت أحداً من هذه الدول تتحرك ؟!
لقد بخلت كثير من وسائل الإعلام الغربية ولاسيما الأوروبية والأمريكية حتى في نقل هذه الجرائم للناس في الغرب، تلك الجرائم التي لم يعرف لها التاريخ نظيراً، وبقيت صامتة طوال فترة الحرب، بل صامتة لأكثر من نصف قرن، لأنهم يرون أن من جهر بانتقاد أفعال اليهود فقد ارتكب جريمة في حق الجنس السامي، وهذه الجريمة يعاقب عليها القانون !!
دماء سفكت وأرواح أزهقت وأبدان مزقت وبيوت هدمت وأسر كثيرة شردت فما حركوا ساكناً، ثم إذا بالخارجية الأمريكية برمتها تغضب لختان الفتاة !! فواعجباً.
المبحث الثاني: أهذه هي حرية ممارسة العقيدة ؟!
في الوقت الذي تتبجح هذه المنظمات بالمناداة بحرية ممارسة العقيدة نراها تشن حرباً ضروساً على ختان الإناث، وتشوه به لتشكيك المسلم في عقيدته ونبيه صلى الله عليه وسلم.
وفي جريدة "الأحرار" الصادرة فى 4/10/1997م: (الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي منزعجون جداً من إلغاء القضاء لقرار حظر الختان).
وفي "أخبار اليوم" المصرية الصادرة فى 30/8/1997م جاء هذا المقال: (بسبب الختان - فتحي سرور ينتقد قرار البرلمان الأوروبي:
أصدر البرلمان الأوروبي قراراً يدين فيه حكم مجلس الدولة الصادر بشأن الختان ورداً على هذا القرار أرسل الدكتور أحمد فتحي سرور "رئيس مجلس الشعب" إلى رئيس البرلمان الأوروبي خطاباً يشير فيه إلى أن هذه الإدانة لا تتفق مع ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشأن استقلال القضاء، وهو ما أكدته أيضاً الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وأضاف فى رده أنه وإن كان يجوز التعليق على الأحكام من الناحية الفنية فإنه لا يجوز إدانتها سياسياً، وأكد أن حكم مجلس الدولة المشار إليه لم يتطرق لإباحة الختان وإنما ألغى قرار وزير الصحة لأسباب إجرائية).
المبحث الثالث: أين أنتم من المعتدين الحقيقيين ؟!:
1- لا ندري لماذا لا تنظر هذه المنظمات إلى المسلمين الذين يقتلون على أيدي النصارى في أندونيسيا وغيرها، وعلى أيدي السيخ في الهند.
2- ولا ندري لماذا لم تنظر هذه المنظمات إلى جرائم اليهود طوال نصف قرن وأكثر، ولقد بقيت صامتة طوال هذه الفترة رغم الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت والأبدان التي مزقت والبيوت التي هدمت والأسر الكثيرة التي شردت فلماذا لم نرهم يحركوا ساكناً ؟!!
3- ولا ندري لماذا لا تنظر هذه المنظمات إلى أحوال المسلمين في سجون "جوانتامو" وما شاكلها، والتي يحصل فيها من التعذيب ما لا يتوقعه إنسان وكل ذلك باسم أكذوبة أمريكا "محاربة الإرهاب".
4- ولا ندري لماذا لا تنظر هذه المنظمات إلى كثرة حالات الإجهاض في البلاد العربية والتي يشرف عليها كثير من الأطباء والذين هم من التجار والسماسرة في نفس الوقت لهذه المنظمات نفسها ؟! دون أن يكون هناك سبب شرعي لهذا الإجهاض كالضرر على الأم ونحوه، وغاية ما هنالك خوف الفتاة من فضيحة الزنى أو أسباب أخرى، بل إن هناك أجنحة خاصة في بعض المراقص الليلية لإسقاط هذه الأجنة فأين تعظيم هذه النفوس ؟! وأين دوركم يا أيها الفصحاء ؟!
إلى غير ذلك من صور البؤس التي يعيشها المسلمون فلا نرى هذه المنظمات تتحرك خطوة واحدة لترفع عنهم شيئاً – ولو يسيراً – من هذا البؤس، في الوقت الذي تمثل علينا أنها تغار على حقوق الإنسان في ختان الإناث !!.
السادس: خلاصة هذه المباحث:
1- أن ختان مشروع، لأدلة السنة وإجماع المسلمين عليها، وليس لإجماع العلماء خاصة.
2- أن ختان الإناث قسمان أحدهما: الختان الفرعوني وهذا فيه ضرر كبير على الفتاة، والثاني: الختان المشروع والذي يسمى بالختان السني وهذا الذي نعنيه إذا قلنا إن الختان مشروع.
3- أن الختان السني المشروع له منافع كثيرة وكبيرة على الفتاة، يعود على صحتها وعلى حالتها النفسية وعلى طباعها وغير ذلك.
4- أن ختان الإناث ينبغي أن يتم بطريقة صحيحة حتى تحصل الوقاية من المخاطر كالمخاطر التي تحصل من جراء عدم تعقيم الأدوات أو عدم مهارة القابلة التي تختن الفتيات أو غير ذلك.
5- أن من طلع علينا يحارب هذه الشعيرة فنحن نسيء الظن به إن كان من الغربيين أو المتأثرين بهم، ومن كان من غيرهم فنقول هو جاهل على أحسن الأحوال.
أم سمية الأثرية
2016-01-15, 11:36
الشبهة الثالثة عشرة: الزواج المبكر:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله صحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الثالثة عشرة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن (الزواج المبكر) أقدمها بين يدي المنصفين ليعلموا أن القول بمحاربة الزواج المبكر على الإطلاق قول فاسد شرعاً وعرفاً، والذين يدعون إلى المنع من الزواج المبكر على الإطلاق لا نعرفهم إلا بالدعوة إلى تدمير المرأة باسم: (تحرير المرأة) ومحاربة (العنف ضد المرأة) ونحو هذه الشعارات إلا القليل من هؤلاء ممن يصيح بمحاربة الزواج المبكر وهو لا يدري ما وراء الأكمة.
وينبغي التنبيه على أمر مهم جداً وهو أن الفتيات يختلفن من فتاة إلى أخرى، فرب فتاة لا تكون صالحة للزواج المبكر لمرض في بدنها، أو لضعف في بنيتها، أو لضعف في عقلها، أو لقلة معرفتها بتدبير شئون المنزل ونحو ذلك، فمثل هذه الفتاة المشار إليها ربما ينتهي زواجها إلى الفشل مع ما فيه من إضرار بها أو بالزوج، وقد أشار النووي في "شرح صحيح مسلم" إلى ذلك حيث نقل عن بعض الأئمة: (حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها) أ.هـ
والفتيات غير المتأهلات للزواج المبكر حالاتهم قليلة في المجتمع، وهؤلاء الفتيات لا ينبغي أن يجعلن كقاعدة مطردة لنمنع من الزواج المبكر ولو كانت الفتاة متأهلة للزواج بدنياً ونفسياً كما هو حال الكثير من الفتيات، ومن هنا نعلم أن سن قوانين تمنع من هذا الزواج على الإطلاق وبدون مراعاة للفتاة وحالها باطل شرعاً وظلم للناس كما صنعت بعض الدول العربية والإسلامية فمنعت من الزواج المبكر مطلقاً لوجود بعض الحالات الفاشلة والتي تعود أسباب فشلها إلى شيء خارج عن التبكير في الزواج، وإنما إلى أشياء أخرى منفصلة عن الزواج المبكر مثل عدم فهم الفتاة للمطلوب منها من الحياة الزوجية ونحو ذلك.
وقد استغل هؤلاء الحاقدون مثل هذه الأخطاء الحادثة في المجتمع - وهي قليلة - فأقاموا الدنيا وأقعدوها، وشنوا حرباً على الزواج المبكر في جميع وسائل الإعلام انتهت إلى قرار وقانون يمنع من الزواج المبكر، وأعرضوا عن مئات الحالات بل آلاف الحالات التي كان الزواج المبكر فيها موفقاً وناجحاً له آثاره العظيمة على المجتمع بأسره، فالشريعة بريئة من مثل هذه الجهالات.
وفي الأخير الشيء الذي يستوقفنا جميعاً ويستوقف العقلاء كلهم هو أن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمنافقين وغيرهم لم يثيروا هذه القضية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد عهده، فلماذا لم ينكروا ذلك على رسول الله ولم يشوشوا بهذه القضية عليه، وهم قد استخدموا كل وسيلة للطعن في المقام النبوي العظيم ؟!
فإن كانوا لا يزالون مصرين على أن هذا لا يصح أصلاً إلى رسول الله، ولم يثبت عنه !!
فنقول لهم: ولو سلمنا لكم بهذا: فلماذا لم يطعن هؤلاء المذكورون في حديث "البخاري" المذكور، مع العلم أن هؤلاء المستشرقين عندهم إلمام بعلوم السنة أكثر من كثير المسلمين، وأيضاً قد استخدموا كل وسيلة لحرب الإسلام والمسلمين؟!.
الجواب: هؤلاء المنافقون وغيرهم من الحاقدين لم يطعنوا في الحديث لأنهم يعرفون أن هذا ليس مطعناً، ولم يخطر في بالهم يوم من الأيام أن يثيروا مثل هذا الشيء لعلمهم أن هذا ليس مما يثار به على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن العرب تعارفت عليه، وهو معروف حتى من الناحية الواقعية، فكثير من النساء يتزوجن في هذا السن وينجبن ولم يحدث لهن شيء مكروه، وهذا أمر معروف ولاسيما في المجتمعات العربية.
وهذه الحلقة تتكون من عدة فصول:
الفصل الأول: حقيقة الزواج المبكر، وحكمه: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: حقيقته.
الثاني: حكمه.
الفصل الثاني: دراسة حديث عائشة: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: مكانة "الصحيحين" ولاسيما "صحيح البخاري".
الثاني: تخريج حديث عائشة.
الثالث: المطاعن في حديث عائشة إجمالاً وردها.
الرابع: الشبهة الأولى والجواب عنها.
الخامس: الشبهة الثانية والجواب عنها.
الفصل الثالث: محاسن تعجيل الزواج، ومفاسد تأخيره:
ويتكون من عدة مباحث:
الأول: مصالح الزواج المبكر.
الثاني: مفاسد تأخير الزواج.
الفصل الرابع: قيود الزواج المبكر:
الفصل الخامس: شبهات الداعين إلى تأخيره: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: شبه القوم والجواب عنها.
الثاني: بيان مهم.
الفصل السادس: مناقشة قانون تحديد سن الزواج.
الفصل السابع: ماذا يريدون ؟! ويتكون من عدة مباحث:
الأول: خطط الأعداء.
الثاني: لنا عبرة فيما مضى.
الثالث: هلا كتبتم عن هذه المواضيع ؟!
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه وسبباً لمرضاته، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
الفصل الأول: حقيقة الزواج المبكر، وحكمه:
المبحث الأول: حقيقته:
1- تعريف التبكير:
الزواج المبكر: هو الزواج قبل أوانه، أو المتقدم على وقته، فهذا ما تحمله كلمة "مبكر" من المعنى، وفي "لسان العرب": (وقال ابن جني أصل "ب ك ر" إنما هو التقدم أي وقت كان من ليل أو نهار).
وقد تأتي بكّر بمعنى فعل الشيء في أول وقته وليس قبل وقته كما لو قيل: بكرنا بصلاة الفجر أو الظهر أي: صليناها في أول وقتها.
والذين يحاربون الزواج المبكر مرادهم هو المعنى الأول، لأنهم يرون هذا الزواج زواجاً قبل وقته، ونحن إذا ذكرنا الزواج المبكر فنعني به الزواج بالمعنى الثاني وهو الزواج في أول وقته، فلنا مقصد آخر غير مقصدهم.
2- أوان الزواج ووقته:
وهناك خلاف في تحديد أوان الزواج عند الناس:
1- فالمحاربون للزواج المبكر يرون أن سن الزواج عندهم هو سن ثمانية عشر سنة - أو نحو هذا السن على اختلاف فيما بينهم - فإذا تزوجت الفتاة قبل هذا السن فقد تزوجت مبكراً.
2- والذين ينهون عن التحديد بهذا السن- وهم الطرف الثاني - يقولون: إن أوان الزواج هو كون الفتاة جاهزة بدنياً ونفسياً للزواج، فإذا كانت جاهزة لذلك ورأى الزوج والأهل أنها صالحة للزواج - ولو قبل السن المذكور - جاز الزواج بها.
والحق أن تحديد سن الزواج بهذا السن المذكور في القول الأول تحكم لا دليل عليه كما سيأتي، والقول بأن من تزوج قبل ذلك السن فقد بكّر في الزواج دعوى لا دليل عليها، لأنه لا يرجع إلى قاعدة شرعية، والميزان هو ما إذا كانت الفتاة تطيق الجماع، وإنما يعد الزواج مبكراً إذا كانت الفتاة لا تطيق الجماع، حتى زواج عائشة ليس مقياساً عاماً لكل فتاة، وإنما المقياس تحملها وقوتها، فالفتاة التي تطيق الجماع تزوج وإن كانت تحت التاسعة، ولا تزوج إن كانت لا تطيقه لضعف أو مرض وإن كانت ذات ثمانية عشر سنة، فهو يختلف من امرأة إلى أخرى.
قال النووي في "شرح مسلم" (9/ 206): (وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها) أ.هـ
المبحث الثاني: حكمه:
1- حكمه في الشريعة:
الزواج المشروع على ما ذكرنا - والذي يسميه هؤلاء بالزواج المبكر – جائز شرعاً وطباً كما سيأتينا، وإليك الأدلة على ذلك.
الأدلة القرآنية:
1- قال الله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاث أشهر واللائي لم يحضن).
ففي هذه الآية جعل الله سبحانه وتعالى عدة الفتاة الصغيرة ثلاثة أشهر بعد دخول زوجها بها، فدل على جواز العقد بها وهي صغيرة بل ودخول زوجها بها، وذلك لأن هناك فرقاً بين البلوغ وكون الفتاة مهيأة للجماع، فإن الفتاة تخرج عن طور الطفولة فتكون جاهزة للجماع قبل الحيض بما يقارب السنتين، فتكون مهيأة للجماع ولو لم تحض، والحيض يأتي بعد نضوج هذه الفتاة، فالميزان إذاً هو اكتمال بنيتها لا حيضها وبلوغها.
وقال الجصاص في كتابه " أحكام القرآن": (فتضمنت الآية جواز تزويج الصغيرة).
وقال ابن قدامة في "المغني": (وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق).
2- ويقول الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تفسير هذه الآية عندما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير: (يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنَّ إلا أن يقسطوا لهنَّ، ويبلغوا بهنَّ أعلى سنتهنَّ في الصداق) متفق عليه.
فقولها رضي الله عنها: فيريد أن يتزوجها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا يدل على مشروعية زواج الصغيرة التي لم تبلغ، لأن اليتم إنما يكون قبل البلوغ، فلا يتم بعد البلوغ.
3- ويقول الله تعالى: (ويستفتونَك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللآتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك). متفق عليه.
الأدلة من الأحاديث:
من أدلتنا هنا حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى [أي: ودخل بي] وأنا بنت تسع سنين) متفق عليه.
وحديث عائشة المذكور قد تطاول عليه رجل هو أشبه ما يكون بالصحفي، وستأتي مناقشته بإذن الله تعالى.
إجماع العلماء على مشروعية زواج الفتاة قبل البلوغ:
إنعقد الإجماع على جواز تزويج الصغيرة بشرط أن الذي يتولى تزويجها أبوها، وزاد الشافعي وآخرون الجد من جهة الأب أيضاً.
1- قال ابن المنذر: (أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفءٍ، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها) أ.هـ
2- قال ابن قدامة في "المغني": (أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها) أ.هـ
3- ونقل الحافظ في "فتح الباري" عن البغوي أنه قال: (أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كُنَّ في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهنَّ إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال).
4- قال الحافظ في "فتح الباري": (وقال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد، لكن لا يمكّن منها حتى تصلح للوطء).
5- قال النووي "شرح مسلم" (9/ 206): (وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها).
2- معرفة صدر هذه الأمة بالنكاح المبكر:
الآثار الدالة على اشتهار الزواج المبكر بين الصحابة من غير نكير كثيرة، فلم يكن ذلك خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يتوهمه بعض الناس، بل هو عام له ولأمته.
قال عروة بن الزبير: (زوج الزبير رضي الله عنه ابنة له صغيرة حين ولدت) رواه سعيد بن منصور في "سننه" وابن أبي شيبة في "المصنف" بإسناد صحيح، وله لفظ آخر رواه ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه زوج ابنا له ابنة لمصعب صغيرة وسنده صحيح كذلك.
قال الشافعي في "كتاب الأم": (وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة) أ.هـ قلت: وهذه هي العادة في كثير من بلاد العرب، وهي إلى اليوم لا تزال في أرياف المسلمين.
3- وجوده عند سائر الأمم:
الزواج المبكر عند الغربيين في هذا العصر:
الزواج المبكر عرفه الناس ممن هم من غير المسلمين، ففي القانون الروماني جعل سن زواج الرجل الرابعة عشرة للرجل والمرأة الثانية عشرة، وشريعة اليهود جعلت سن زواج الرجل الثالثة عشرة والمرأة الثانية عشرة، والنصارى قريبون من ذلك، بل يذكرون أن مريم حملت بعيسى وهي ذات ثلاث عشرة سنة أو أقل.
وفي عصرنا كذلك حددت الكنيسة الكاثوليكية في أسبانيا أن من شروط صحة الزواج أن يبلغ الزوج من العمر 14 سنة، والزوجة 12 سنة.
فإذا كانت البنت في أسبانيا تعد صالحة للزواج في سن 12 سنة، فما بالكم بالبنت في الجزيرة العربية أوفي جنوب أفريقيا ؟
وفي الأرجنتين يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 14، والزوجة 12.
وفي ولاية فلوريدا وولاية أيداهو يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 14 ، والزوجة 12.
وفي ولاية كلورادو الأمريكية يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 21 والزوجة 12
وفي يوغسلافيا (في الصرب ومونتيجرو يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 15، والزوجة 13.
وفي إيطاليا يجب أن يكون الزوج قد بلغ 16 سنة، والزوجة 14.
وفي ولاية ألاباما الأمريكية يجب أن يكون الزوج قد بلغ 17 سنة والزوجة 14.
وفي اليونان يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 18 سنة، والزوجة 14.
وفي بلجيكا يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 18، والزوجة 15.
وفي اليابان يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 17 سنة ، والزوجة 15 سنة.
وفي النمسا يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 21سنة ، والزوجة 16 سنة.
وفي الدنمارك يجب أن يبلغ الرجل من العمر 20 سنة، والزوجة 16 سنة على الأقل.
وفي المجر وهولندا يشترط أن يبلغ الرجل من العمر 18 سنة ، والزوجة 16 سنة.
وفي السويد وسويسرا يجب أن يبلغ الرجل من العمر 21، والزوجة 18 سنة على الأقل.
نقلا ًعن الزواج والطلاق في "جميع الأديان"( ص 383 ، 418).
وجاء في "الموسوعة العربية العالمية": (ليست عادة الزواج المبكر وقفًا على القبائل في الشرق فحسب، بل إن كثيرًا من قبائل الهنود الحمر في الأمريكتين يتزوجون في عمر مبكر، فتتزوج الفتيات في عمر بين 11 و15 عامًا، أما الفتيان فيتزوجون فيما بين 15 و20 من العمر. ويقوم الوالدان باختيار زوجة ابنهما في قبائل الهنود الجنوبية، أما في أمريكا الشمالية فيسمح للابن باختيار زوجته، ويقوم في سبيل إقناع والدي زوجة المستقبل، بتقديم كثير من الهدايا القيمة لينال قبولهما. وبينما يسكن ابن القبائل في الشرق مع أسرته، يسكن الفتى الهندي مع أهل زوجته ويعمل لهم إلى أن ينجبا الطفل الأول).
الزواج المبكر في أعراف العرب قبل الإسلام:
الزواج المبكر كان معروفاً عند العرب توارثه المتأخرون عن المتقدمين، واللاحقون عن السابقين، وهو إلى يومنا هذا موجود ومنتشر بين القبائل والقرى العربية، ولم يستنكر إلا في المدن التي تأثرت بنظام الغرب في التعليم، ذلك النظام الذي أخر الزواج إلى ما بعد التخرج من الجامعة والحصول على وظيفة.
وما زالت أجيال كبيرة في أرياف المسلمين تزوج أبناءها وبناتها إلى اليوم وهم في أول مراحل المراهقة بل قبل ذلك ولا تجد في ذلك أدنى حرج ولا عيب، بل تعده من محاسن الأرياف التي تميزت به عن المدينة، قبل أن تأتي هذه الغيرة المزعومة من هؤلاء المثقفين العصريين الذين استوردوا مبدأ إنكار هذا الزواج من الغرب.
5- أقوال الأطباء:
زواج الفتاة في سن مبكرة شيء لا غبار عليه طبياً، وقد قال الإمام الشافعي كما في "سير أعلام النبلاء" (10/91) -: (رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيراً).
قال البيهقي في "الكبرى" (1/319): (فيما أجاز لي أبو عبد الله الحافظ روايته عنه عن أبي العباس الأصم عن الربيع عن الشافعي قال: (أعجل من سمعت من النساء يحضن نساء بتهامة يحضن لتسع سنين).
وتهامة: اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة، قال ابن فارس: "سميت من التَّهَم: وهو شدة الحر، وركود الريح، وقيل: لتغير هوائها، وتجمع على تهائم "تهذيب الأسماء واللغات".
وقال الشافعي كذلك: (رأيت بصنعاء جَدَّةً بنت إحدى وعشرين سنة! حاضت ابنة تسع، وولدت ابنة عشر، وحاضت البنت ابنة تسع، وولدت ابنة عشر).
قال العمراني في "البيان في مذهب الشافعي"(1/344): (قال أصحابنا: ويجيء على أصله أن تكون جدة لها تسع عشرة سنة، لأنها تحبل لتسع سنين، وتضع لستة أشهر، ثم تحبل ابنتها لتسع سنين، وتضع لستة أشهر، فذلك تسع عشرة سنة).
ويذكر مثل هذه الأخبار عن الحسن بن صالح وعن عباد بن عباد المهلبي وعن ابن عقيل وغيرهم.
انظر "التحقيق في أحاديث الخلاف" (2|267) لابن الجوزي و"السنن الكبرى"(1/320) للبيهقي.
والثابت طبياً أن الحيض يتأخر قرابة سنتين عن الوقت التي تجهز فيه الفتاة للجماع، ولذلك فإن العلماء عندما يذكرون وطء الصغيرة، يريدون الفتاة التي أصبحت جاهزة، وإن كانت لم تحض، مع التنبيه على أن تغير الفتاة من بيئة إلى أخرى أمر مساعد على تهيئة الفتاة بدنياً للزواج، فالمناطق الباردة تختلف عن المناطق الحارة، فالبلوغ عند نساء المناطق الحارة أسرع من غيرهن، ومدة الحيض أطول من غيرهن، وهذا على سبيل الغالب ، ومن هنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة، واستحب لها الاغتسال لكل صلاة لأن الماء يكسب جسمها برودة فيضعف النـزيف عندها، لأن الحرارة لها أثر على نزول النزيف كما لا يخفى.
وهؤلاء ينكرون حتى تأثير البيئة على الفتاة من جهة سرعة البلوغ وتأخره، ومن جهة كثرة عدد أيام الحيض وقلتها، وهذا أمر معروف في الطب والفقه والعرف لا ينكره إلا جاهل من أمثال الكاتب المتخبط إسلام بحيري الذي يستهزئ بمثل هذا الأمر وينكر تأثير البيئة على سرعة البلوغ، فأبان عن جهل ووقاحة في وقت واحد، وخالف هو وغيره بذلك الشرع والعقل والعرف.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
وقد ذكرت الطبيبة الأمريكية د. دوشني: أن الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة، والفتاة الأمريكية ذات الأصل الأفريقي عند السادسة.
الفصل الثاني: دراسة حديث عائشة:
والذي دفعني إلى بيان طرق هذا الحديث أن هناك من تكلم في سنده وهو ليس من أهل هذا الشأن وهو الكاتب العقلاني إسلام بحيري الذي ما فتئ يشوشر على الأحاديث بترهات وحماقات يظنها من العلم وليس من العلم في شيء، ولقد نشرت له صحيفة يمنية – ومن المؤسف أنها حكومية – مقالاً هاجم فيه حديث عائشة، فكتبت مقالاً وأرسلته إلى هذه الجريدة ولكن لم يكتب الرد، وقال لي الأخ الذي أرسلته: ( إن القائمين على الصحيفة لا تريد نشر الرد) !!
فمرحباً بالرأي والرأي الآخر وحرية العقيدة وحق الرد !!
1- مكانة "الصحيحين" ولاسيما "صحيح البخاري":
أولاً: مكانة الصحيحين:
وقال ابن الصلاح في "مقدمته": ( أول من صنف في الصحيح ، البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز).
ونقل بعضهم عن إمام الحرمين أنه قال: لو حلف بطلاق زوجته أن ما في "الصحيحين" من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته بالطلاق.
قال النووي في "مقدمة شرح البخاري" (ص18): (ثم إن أصح مصنف في الحديث بل في العلم مطلقاً الصحيحان للإمامين القدوتين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري رضي الله عنهما فليس لهما نظير في المصنفات) أ.هـ
وقال رحمه الله هناك (ص40): (واعلم أن الأمة اجتمعت على صحة هذين الكتابين) أ.هـ
وقال في "شرح مسلم": ( اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصحَّ الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول).
وقال في "رياض الصالحين" عند حديث: (الأعمال بالنيات): (رواه إماما المحدثين ... أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رضي الله عنهما في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة ).
والأمة قد اجتمعت على صحة هذين الكتابين كما قال النووي رحمه الله، ولكن لم يجتمعوا على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله، فهناك من يقول: بأنه موطأ مالك أصح منهما، ومنهم من سوّاه بهما ومنهم من أخره عنهما وهو الصحيح وهو الذي ذكره النووي كما تقدم كلامه في "شرح البخاري".
وقال الحافظ في "النكت على ابن الصلاح": (وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز، قال النووي باتفاق العلماء).
وقد نقل السخاوي في" فتح المغيث" حكاية الجزم بكل خبر متلقى بالقبول عن جمهور المحدِّثين وعامة السلف، وذكر الإسفرائيني إجماع أهل الصنعة على القطع بصحة ما في الصحيحين وأن من حكم بخلاف ما فيهما بغير تأويل سائغ نقض حكمه.
ونقل السيوطي في" التدريب" عن الحافظ السجزي إجماع الفقهاء أن من حلف على صحة ما في البخاري لم يحنث.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار": ( واعلم أن ما كان من الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما جاز الاحتجاج به من دون بحث، لأنهما التزما الصحة وتلقت ما فيهما الأمة بالقبول).
ولقد أتى على هذين الصحيحين أكثر من أحد عشر قرناً انتشر فيها ذكرهما في أقطار البلاد، وبين طبقات المسلمين، في شرق البلاد وغربها، وما زال علماء المسلمين ينقلون منهما، ويستدلون بأحاديثهما، ويرجعون إليهما عند التنازع.
وقل أن يوجد مؤلف في العبادات أو الاعتقادات لعالم معتبر إلا وفيه ذكر الصحيحين أو مؤلفيهما، أو النقل منهما أو من أحدهما.
ولم يذكر عن أحد من العلماء المعتبرين طوال هذه القرون الطعن على الشيخين بعدم الحفظ، أو أن ما في الكتابين غير ثابت أو نحو ذلك.
2- مكانة "صحيح البخاري":
وبعد تقديم الصحيحين على غيرهما اختلف العلماء في أيهما يقدم على أقوال، فذهب أبو علي النيسابوري وآخرين إلى تقديم صحيح مسلم، وذهب آخرون إلى التسوية بينهما، وذهب الجمهور إلى أن البخاري أولى بالتقديم، وذكر السخاوي في "فتح المغيث" قولاً رابعاً وهو التوقف، والصحيح هو أن صحيح البخاري أصح كتب الأئمة إذا نظرنا إليها إجمالاً، أما عند التفصيل فلكل واحد منهما مزية، فمزية البخاري علو الإسناد وصحته، مع ما فيه من الفوائد الفقهية، مع ما يتمتع به صحيحه من القوة لقوة مؤلفه ورسوخه في فن العلل ودقته في هذا الباب، ومزية مسلم حسن الترتيب وجودته وعدم إضافة شيء من آرائه واجتهاداته.
قال أحدهم:
تشاجر قوم في البخاري ومسلم لـدي وقالـوا: أي ذين تقدم ؟!
فقلت: لقد فاق البخاري صحة كما فاق في حسن الصناعة مسلم.
لكن الذي يهمنا هنا ما نذكره من ثناء عاطر على "صحيح البخاري".
قال الإمام النسائي: (ما في هذه الكتب المصنفة أجود من كتاب محمد بن إسماعيل).
وقال الدارقطني: (لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء).
وقال النووي في مقدمة "شرح مسلم": (وصحيح البخاري أَصَحُّهُما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة ، وقد صحَّ أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث).
وقال في "التقريب والتيسير": (أول مصنف في الصحيح المجرد، صحيح البخاري، ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن، والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد، وقيل مسلم أصح، والصواب الأول).
وقال الذهبي كما في "الحطة في ذكر الكتب الصحاح الستة":( وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى).
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" عن الإمام البخاري: (أجَلُّ من صَنَّفَ في الحديث الصحيح).
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: (وأجمع العلماء على قبوله - يعني صحيح البخاري - وصحة ما فيه وكذلك سائر أهل الإسلام).
وقال ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى": (وأما كتابه الجامع الصحيح فأجل كتب الإسلام بعد كتاب الله).
وقال ولي الله الدهلوي في "الحجة البالغة": ( أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين).
وقال العلامة أحمد محمد شاكر في "الباعث الحثيث": ( الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف ، وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه . وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها . فلا يهولنك إرجاف المرجفين، وزعم الزاعمين أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها وانقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم واحكم عن بينة، والله الهادي إلى سواء السبيل).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" : ( كيف والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم، فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة على قواعد متينة وشروط دقيقة وقد وفقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم في جمع الصحيح؛ كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ،حتى صار عرفاً عاماً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل في طريق الصحة والسلامة ، ولا ريب في ذلك وأنه هو الأصل عندنا).
المبحث الثاني: تخريج حديث عائشة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى [أي: ودخل بي] وأنا بنت تسع سنين".
الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" ومسلم في "صحيحه" وابن ماجه في "السنن" وابن أبي شيبة في "المصنف" مرتين، والنسائي في "الكبرى" والحميدي في "المسند" والطبراني في "الكبير" والدارمي في "السنن" والبغوي في "شرح السنة" وابن الجارود في "المنتقى".
كلهم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "فذكرته".
ولحديثها شاهــد من حديث ابن مسعود، رواه ابن ماجه في "سننه" عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: (تزوج النبي صلى الله عليه و سلم عائشة وهي بنت سبع سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين، توفي عنها وهي بنت ثماني عشر سنة).
قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه": (إسناده صحيح على شرط الشيخين إلا إنه منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه قاله شعبة وأبو حاتم وابن حبان في الثقات والترمذي في الجامع والمزي في الأطراف وغيرهم).
قلت: وفيه أنها بنت سبع وهو مخالف لما في "الصحيحين".
المبحث الثالث: المطاعن في حديث عائشة إجمالاً وردها كذلك:
اعترض هذا الصحفي على الحديث باعتراضين:
الاعتراض الأول:
أن التاريخ ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج عائشة وهي بنت تسع سنين، بل المصادر تؤكد أنها كانت بنت ثمانية عشرة سنة، كذا قال إسلام بحيري !!وزعم أنها ولدت في الجاهلية وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بها وهي ابنة ثمانية عشر أو سبعة عشر سنة حيث قال:(إذن يتأكد بذلك أن سن عائشة كان أربع سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي: أنها ولدت قبل بدء الوحي بأربع سنوات كاملات).
وهذا شيء لم يسبق إليه، وإذا كانت الغرائب مردودة على قائليها ولو من كانوا من أفاضل الناس فكيف بمثل هذا الكاتب، ويكفي في رد كلامه وتخليطه أن نذكر أموراً:
الأمر الأول: إجماع أهل العلم على أن عائشة تزوجت وهي بنت ست سنين، ودخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع سنين، وقد نقل الإجماع جماعة من أهل العلم منهم:
1- الإمام ابن عبد البر "الاستذكار" (16/49-50) حيث قال: (أجمع العلمـاء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها).
2- وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص901): (تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة قبل الهجرة بسنتين - هذا قول أبي عبيدة، وقال غيره: بثلاث سنين - وهي بنت ست سنين وقيل: بنت سبع وابتنى بها بالمدينة وهي ابنة تسع لا أعلمهم اختلفوا في ذلك).
3- ابن كثير في "البداية والنهاية" حيث قال: (وقوله: "تزوجها وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع" ما لا خلاف فيه بين الناس- وقد ثبت في الصحاح وغيرها - وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة).
الأمر الثاني: أن التاريخ يؤيد ما اتفقوا عليه، فقد توفيت عائشة عام ثمان وخمسين من العام الهجري، عن ست وستين سنة، فدل على أنها كانت عند زواجها ذات تسع سنين تقريباً.
قال ابن سعد في "الطبقات" (8/78): (قال محمد بن عمر[أي: شيخه الواقدي]: توفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ودفنت من ليلتها بعد الوتر وهي يومئذ بنت ست وستين سنة).
الأمر الثالث: أن هناك من نص أن عائشة ولدت في الإسلام وليس في الجاهلية كما قال هذا الرجل.
1- قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(2/139): (وعائشة ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين، وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين).
2- قال الحافظ في "فتح الباري" تحت "باب: فضل عائشة" من "كتاب الفضائل" من صحيح البخاري: (وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها، ومات النبي صلى اله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاماً).
3- وقال رحمه الله في "الإصابة": (ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، فقد ثبت في "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست، وقيل: سبع، ويجمع بأنها كانت أكملت السادسة ودخلت في السابعة).
الاعتراض الثاني:
يزعم إسلام بحيري أن هشام بن عروة قد تغير حفظه بالعراق، وأن رواية البخاري هذه من هذا الصنف فهي ضعيفة إذاً، كذا قال !!، وهذا فيه رد لأحاديث هشام بن عروة التي حدث بها في العراق كلها بدون تفصيل، وهذا شيء لم يسبق إليه، ثم على فرض أن ما ذكره صحيح فهو مدفوع بأنه قد روى غير هشام عن عروة بن الزبير، وروى غير عروة بن الزبير عن عائشة كما سترى هنا إن شاء الله.
المبحث الرابع: الشبهة الأولى والجواب عنها:
اعتمد هذا الصحفي على أمور بنى عليها كلامه المتقدم من أن عائشة ولدت في الجاهلية، نذكرها مع الأجوبة:
1- تعلقه بكلام ابن جرير:
حيث ذكر ابن جرير في "تاريخ الأمم والملوك"(ص472) أبناء أبي بكر وهو عبد الله وأسماء وعبد الرحمن وعائشة، ثم قال ابن جرير:(فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية.
وتزوج في الإسلام أسماء بنت عميس .....
وتزوج أيضاً في الإسلام حبيبة بنت خارجة ....).
وهذا الصحفي لم يسق للقارئ لفظ ابن جرير حتى ينظر فيه، وإنما عزاه إليه متصرفاً فقال هذا الصحفي: (الطبري يجزم بيقين في كتابه "تاريخ الأمم والملوك" أن كل أولاد أبي بكر قد ولدوا في الجاهلية).
كذا قال !! وهو إما أنه لم يفهم عبارة ابن جرير، أو أنه يريد أن يغالط القراء !! فإنه لم يسق كلام ابن جرير كاملاً كما ساق كلام غيره، فإن ابن جرير يريد بكلامه المتقدم أن هاتين الزوجتين تزوجهما أبو بكر في الجاهلية، ولم يرد أن الأولاد ولدوا كلهم في الجاهلية فإن عائشة لم تولد في الجاهلية، فالجار والمجرور وهما: (في الجاهلية) يتعلقان بالزوجتين، لا بالولادة، والمعنى: (فكل هؤلاء الأولاد الأربعة من أولاده، ولدوا من زوجتيه اللتين تزوجهما أبو بكر في الجاهلية).
ومما يدل على أن ابن جرير أراد ما ذكرناه أمران أحدهما: أنه ساق بعد ذلك الزوجات اللاتي تزوجهن أبو بكر في الإسلام، فعرف أنه قصد أولاً الزوجات اللاتي تزوجهن في الجاهلية.
والثاني: أن ابن جرير قال في "تاريخ الأمم والملوك" (ص472): (ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة بعدما قدم المدينة وهي يوم بنى بها ابنة تسع سنين).
فنحن نطلب من هذا الصحفي أن يبين لنا: كيف يرى ابن جرير أن عائشة ولدت في الجاهلية ثم يقول: (وهي يوم بنى بها ابنة تسع سنين) ومن المعلوم أن يوم البناء بها كان في السنة الأولى من الهجرة، أي: قد مر على الجاهلية قرابة أربعة عشر سنة ؟!!
2-كلام ابن كثير:
نقل هذا الصحفي عن ابن كثير أنه قال: (ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" عن الذين سبقوا بإسلامهم: "ومن النساء ... أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة، فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في خفية، ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة" وبالطبع هذه الرواية تدل على أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام 4 من بدء البعثة النبوية، بما يوازي عام614م ومعنى ذلك أنه آمنت على الأقل في عام 3 أي: عام 613م فلو أن عائشة على حسب رواية البخاري ولدت عام 4 من بدء الوحي، معنى ذلك أنها لم تكن عل ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في عام 4 منن بدء الدعوة أو أنه كانت رضيعة، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة) أ.هـ
وأنا أسوق إليك كلام ابن كثير في "البداية والنهاية" (ص378) حيث قال رحمه الله: (وقد سرد ابن إسحاق أسماء من أسلم قديماً من الصحابة رضي الله عنهم.
قال: ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد، وامرأته فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر - وهي صغيرة - وقدامة بن مظعون، وعبد الله بن مظعون، وخباب بن الارت، وعمير بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، ومسعود بن القاري، وسليط بن عمرو، وعياش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلمة بن مخرمة التيمي، وخنيس بن حذاقة، وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش، وأبو أحمد بن جحش، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث، وامرأته فكيهة ابنة يسار، وحطاب بن الحارث وامرأته فكيهة بنت يسار، ومعمر بن الحارث بن معمر الجمحي، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد مناف.
وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سهم، والنحام واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخالد بن سعيد، وأمينة ابنة خلف بن سعد بن عامر بن بياضة بن خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة التميمي حليف بني عدي، وخالد بن البكير، وعامر بن البكير، وعاقل بن البكير، وإياس بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بني سعد بن ليث، وكان اسم عاقل غافلاً فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقلاً، وهما حلفاء بني عدي بن كعب، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان.
ثم دخل الناس في الاسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا أمر الاسلام بمكة وتحدث به.
قال ابن إسحاق: ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث سنين من البعثة بأن يصدع بما أمر، وأن يصبر على أذى المشركين).
هذا كلام ابن كثير، وليس فيه: (ومن النساء) ولا فيه (فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في خفية) !! فلا أدري من أين أتى به ؟!!فربما تصرف فيه كسابقه !!.
وقد أخذ من قوله: (قال ابن إسحاق: ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث سنين من البعثة) إلخ، أن عائشة أسلمت قبل العام الثالث وهو العام الذي أمر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدع بالدعوة، مما يدل على أنها لم تولد في العام الرابع كما المؤرخون.
والجواب عن ذلك:
أولاً: ما ذكره ابن كثير لا يفيد أن عائشة أسلمت قبل العام الرابع، وإنما فيه أن عائشة من السابقين بإسلامها، ولا شك أن من أسلم في مكة فهو من السابقين الأولين وعائشة منهم رضي الله عنها، وتأمل قول ابن كثير: (فصل: في ذكر أول من أسلم، ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة وغيرهم ...)، وتأمل في قوله: (وقد سرد ابن إسحاق أسماء من أسلم قديماً من الصحابة)، فالسياق سياق من أسلم قديماً.
والسبب في اشتباه الموضوع على الكاتب أن المؤرخ قد يسوق قصة حصلت في عام معين، ثم يستطرد في ذكر القصص المشابهة لهذه القصة وإن كانت متأخرة، فيخرج عن العام الذي هو في صدده، فيظن الظان أن هذه القصص كلها حصلت في ذلك العام، وهذا شيء معروف من أساليب المؤرخين.
فكيف يرى ابن كثير أن عائشة من مواليد الاسلام وهو الذي قال في عائشة: (تزوجها وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع" ... وقد ثبت في الصحاح وغيرها، وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة) ؟! أي: هي عند ابن كثير من مواليد الاسلام لا الجاهلية.
3- كلام عائشة في صحيح البخاري:
قال البخاري في "صحيحه": (باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده).
ثم ساق بإسناده إلى عائشة قالت: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، وقال أبو صالح حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: "لم أعقل أبوي قط، إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتى إذا بلغ برك العماد لقيه ابن الدغنه - وهو سيد القارة - فقال أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر: "أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربى" قال ابن الدغنه: "إن مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنه فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: "إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق ؟" فأنفذت قريش جوار ابن الدغنه وأمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنه: "مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا" قال ذلك ابن الدغنه لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبى بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنه فقدم عليهم، فقالوا له إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبى بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلى ذمتي، فإنى لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له" قال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي. قال أبو بكر: "هل ترجو ذلك بأبي أنت قال: "نعم"، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر).
قال هذا الصحفي: (ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا ؟! فعائشة تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهم يدينان الدين، وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكرت، وتقول إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم، وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات، والمؤكد أن هجرة الحبشة إجماعاً بين كتب التاريخ كانت في عام "5" من بدء البعثة النبوية ما يوازي عام "615م" فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام 4 من بدء الدعوة عام 614م فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحاً ..) إلخ ما قاله.
والجواب:
أولاً: إن قول عائشة: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين) ليس فيه ما يشكل، لأنها تخبـر عن نفسها، وهذا هو الذي وقع فعائشة عرفت نفسها وأبواها مؤمنان، ولا يلزم أن يكون ذلك قبل الهجرة.
وأما بقية الخبـر ولاسيما خبر الهجرة إلى الحبشة فليس ضرورياً أن تكون عائشة قد عاصرته، وليس مع هذا الصحفي ما يدل على أن عائشة ادعت سماع مثل ذلك، فقد ترويه عن غيرها ممن عاصر هذا الشيء مثل أبيها أو أمها أو أختها أسماء أو غيرهم، وهذا ما يسمى عند المحدثين بمرسل الصحابي، وهو مقبول إذا كان مميـزاً عند موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى ابن عباس وغيره أحاديث كثيرة من هذا الصنف، وهذا أمر معروف بين أهل العلم بالحديث.
قال ابن الصلاح في "مقدمته" (ص75): ( .. مرسل الصحابي، مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث [أي: صغار] الصحـابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه، لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم).
ولما كان هذا الصحفي يجهل ذلك قال فضيلته: (ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا ؟!).
أقول: ألا سألت فيعلمك الناس ؟! بدلاً من هذه العجائب !!
4- تعلقه بحديث خوله بنت حكيم :
قال هذا الصحفي: (أخرج الإمام أحمد أيضاً عن خولة بنت حكيم حديثاً طويلاً عن خطبة عائشة، ولكن المهم فيه ما يلي:"قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه والله ما وعد أبو بكر وعداً قط فأخلفه ... لعلك مصبي صاحبنا" والمعنى ببساطة أن المطعم بن عدي وكان كافراً قد خطب عائشة لابنه جبير بن مطعم قبل النبي الكريم وكان أبو بكر يريد أن لا يخلف وعده فذهب إليه فوجده يقول له: لعلي إذا زوجت ابني من عائشة يصبي أي: يؤمن بدينك، وهنا نتوقف مع نتائج مهمة جداً وهي: لا يمكن أن تكون عائشة مخطوبة قبل ست سنوات لشاب كبير – لأنه حارب المسلمين في بدر وأحد – يريد أن يتزوج مثل جبير، كما أنه من المستحيل أن يخطب ابنته لأحد من المشركين وهم يؤذون المسلمين في مكة مما يدل على أن هذا كان وعداً بالخطبة وذلك قبل بدء البعثة النبوية حيث كان الاثنان في سن صغيرة، وهو ما يؤكد أن ولدت قبل بدء البعثة النبوية يقيناً).
خرج هذا الصحفي بعد شدة التنقيب والعناء الكبير بنتيجتين:
الأولى: وهي أنه:(لا يمكن أن تكون عائشة مخطوبة قبل ست سنوات لشاب كبير) !!.
والثانية: هي أنه: (كما أنه من المستحيل أن يخطب ابنته لأحد من المشركين وهم يؤذون المسلمين في مكة) !!.
ويؤسفني أن أقول: إن هاتين ليستا نتائج مثمرة، ولا تدل على ما ادعاه من أن عائشة ولدت في الجاهلية، لأنها دعوى مجردة فقط دون برهان وهي قوله: (لا يمكن ..)، وقوله: (من المستحيل ..) !! وتبقى مشكلة هذا الصحفي أنه إلى الآن لا يتصور أن بنات العرب كانت تُخطب في سن مبكرة، وهذا يدل عليه العرف والشرع.
قال الحافظ في "فتح الباري" في "كتاب النكاح" من "صحيح البخاري" تحت باب: "تزويج الصغار من الكبار": (وقال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد، لكن لا يُمكّن منها حتى تصلح للوطء).
فأرجو ممن اغتر بكلام هذا الصحفي أن يتأمل في هذه الحكم المدعوم بالإجماع، وسيأتي مزيد من التفصيل في ذلك.
وأما النتيجة الثانية: وهي أن أبا بكر لا يمكن أن يزوج ابنته بمشرك حارب المسلمين، فهذا يدل على جهله، لأن تحريم زواج المسلمة بالكافر نزل في المدينة بعد الهجرة، في قوله تعالى: (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم، ولا هم يحلون لهن). وقد تزوج أبو العاص وهو مشرك بزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، ولم يسلم إلا متأخراً بعد أن هاجرت زوجته إلى المدينة.
وأما قوله: (وهم يؤذون المسلمين في مكة) فهذا جهل آخر، فليس كل المشركين كانوا يؤذون المؤمنين، فقد هناك من المشركين من كان له حسن جوار، أو ود لبعض المؤمنين، بحكم الصحبة القديمة قبل الإسلام، أو له حماية لقرابة بينهما كما فعل أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو للصفات الجميلة التي يتحلى بها بعض المؤمنين كأبي بكر، ولعل الصحفي نسي أنه استدل قبل قليل بقصة ابن الدغنه فقد كان مشركاً وكان يحب أبا بكر ويجله كثيراً، ولذلك أجاره من المشركين.
والخلاصة: ليس مع فضيلة هذا الصحفي دليل تاريخي على أن عائشة ولدت قبل الإسلام.
5- تعلقه بحديث عائشة:
روى البخاري في "صحيحه" عن عائشة أم المؤمنين قالت: لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة ، وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر).
قال البخاري: (باب قوله: "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر").
قال هذا الصحفي: (والمعلوم بلا خلاف أن سورة القمر نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحي بما يوازي 614م فلو صدقنا رواية البخاري تكون عائشة إما أنها لم تولد أو أنها رضيعة حديثة الولادة عند نزول السورة، ولكن عائشة تقول: "كنت جارية ألعب" أي: أنها طفلة تلعب فكيف تكون لم تولد بعد ؟ ولكن الحساب المتوافق مع الأحاديث يؤكد أن عمرها عام 4 من بدء الوحي عند نزول السورة كان 8 سنوات كما بينا مراراً وهو ما يتفق كلمة: "جارية ألعب").
والجواب:
1- لقد بحثت كثيراً عن هذا الذي ادعاه الكاتب - وهو عدم الخلاف - فلم أجد شيئاً يذكر، وقد كنا نتمنى من الكاتب أن يحيل القراء إلى مراجع معتمدة عند أهل العلم ولاسيما في بحوث دقيقة كهذه.
2- القول بأنها نزلت في السنة الرابعة بدون خلاف غير صحيح، فقد قال بعضهم بأنها نزلت في بدر، وقد قال السيوطي في "الدر المنثور": (أخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال: كان ذلك يوم بدر قالوا (نحن جميع منتصر) فنزلت هذه الآية).
قال أبو حيان في "البحر المحيط": (والجمهور على أنها مكية، وتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مستشهداً بها، وقيل: نزلت يوم بدر) أ.هـ فهذا نقل صريح للخلاف فمن أين أتى الكاتب بـ (عدم الخلاف) ؟!
3- من المعلوم في (علوم القرآن) أن الآية الواحدة قد تنزل مرتين، إن صح أن الآية نزلت كما قاله الكاتب، وعلى هذا فإن استدلاله على ما ذكر باطل، ويراجع كتاب: "الإتقان" للسيوطي.
قال الصحفي: (أخرج البخاري في "باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها" قال رسول الله: "لا تنكح البكر حتى تُستأذن" قالوا يا رسول الله ! وكيف إذنها ؟ أن تسكت" فكيف يقول الرسول الكريم هذا ويفعل عكسه ؟ فالحديث الذي أورده البخاري عن سن أم المؤمنين عند زواجها ينسب إليها أنها قالت: كنت ألعب بالبنات – العرائس – ولم يسألها أحد عن إذنها، في الزواج من النبي، وكيف يسألها وهي طفلة صغيرة جداً لا تعي معنى الزواج، حتى موافقتها في هذه السن لا تنتج أثراً شرعياً، لأنها موافقة من غير مكلف، ولا بالغ ولا عاقل).
والجواب: إنني لأتعجب من مثل هذا الإشكال الذي أجزم أنه لم يطرأ على أحد من أهل العلم، وإنما أوقع هذا الصحفي في ذلك أنه جعل حديث استئذان المخطوبة هو الأصل، وحديث عائشة الآخر مشكلاً لأنه يخالف ذلك الأصل فرد حديثاً بآخر!! ولم يدر أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ بها كلها لأنها جميعاً أصول، ويجمع بينها إذا ظهر تعارضها فيما بينها،ولا يضرب بعضها ببعض كما فعل هذا الصحفي !! ولو أنه سأل أهل العلم لأفادوه.
والجمع بين هذه الأحاديث أن البالغة لابد من استئذانها وغير البالغة يجوز إجبارها وعدم استئذانها لأنها لا تعي معنى الزواج كما قال الأخ، ولكن هذا للأب وحده دون غيره.
1- قال الحافظ في "الفتح"(9/98): (ثم إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكراً كانت أو ثيباً صغيرة كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، لكن تستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها).
2- قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"(32/22): (وأما إجبار الأب لابنته البكر البالغة على النكاح ففيه قولان مشهوران: هما روايتان عن أحمد، أحدهما: أنه يجبر البكر البالغ كما هو مذهب مالك والشافعي وهو اختيار الخرقي والقاضي وأصحابه.
والثاني: لا يجبرها كمذهب أبي حنيفة وغيره، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز بن جعفر، وهذا القول هو الصواب).
3- وقال في الصفحة التي بعدها: (والصحيح أن مناط الإجبار هو الصغر، وأن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح).
والخلاصة: كذلك ليس مع فضيلة هذا الصحفي دليل تاريخي على أن عائشة ولدت قبل الإسلام.
المبحث الرابع: الشبهة الثانية والجواب عنها:
وأما الرد على الشبهة الثانية وهي أن هشاماً قد نزل العراق فتغير حفظه، وأن هذه الرواية من تلك الروايات التي تغير فيها حفظه، فالجواب عنها من عدة أوجه:
الوجه الأول: أن هناك من روى عنه هذه الرواية من غير أهل العراق:
1- فقد أخرج الحميدي في "المسند" (231) ومن طريقه الطبراني في "الكبير" قال الحميدي: ثنا سفيان قال ثنا هشام بن عروة - وكان من جيد ما يرويه - عن أبيه عن عائشة قالت : (تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا بنت ست سنين أو سبع سنين وبنى بي وأنا بنت تسع).
وسفيان هنا هو سفيان ابن عيينة أبو محمد الهلالي المكي فهو وتلميذه الحميدي من أهل مكة.
الوجه الثاني: أن هشاماً قد توبع ولم ينفرد بالحديث، فقد تابعه غير واحد عن أبيه عن عائشة، حتى وصلت الطرق عن عائشة إلى درجة التواتر، فقد تابعه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة كما في "السنن الكبرى" للنسائي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، وأبو عبيدة عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، ويحي بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، والأسود عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، وابن سعد في "الطبقات" وعبد الملك بن عمير كما في "المعجم الكبير" للطبراني، وأبو الزناد عن أبيه عن عائشة كما في "المعجم الأوسط" للطبراني، وعبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان: كما في "المعجم الكبير" للطبراني.
فهذه ثمان طرق، وهي غير المراسيل الكثيرة التي تؤيد ما ذكرناه وتزيد الحديث قوة فوق قوته، وهذه المراسيل تدل على اشتهار الأمر واستفاضته حتى عند التابعين، من هذه المراسيل مرسل ابن أبي مليكة عند الطبراني في "الكبير"، ومرسل أبي عبيدة، ومصعب بن سعد، والزهري عند ابن سعد في "الطبقات".
الوجه الثالث: فيما قاله من أن هشاماً تغير حفظه لما نزل العراق نظر، فقد نقل هذا الصحفي عن الإمام مالك أنه قال: (إن حديث هشام بالعراق لا يقبل)، وهذا اللفظ لم أجده عن الإمام مالك، وإنما وجدت عنه ما يلي: (قال يحي: رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة فقال: أما ما حدث به وهو عندنا فهو أي كأنه يصححه، و ما حدث به بعدما خرج من عندنا، فكأنه يوهنه).
وهذا الكلام الصريح هو أولاً ليس حقيقة، وإنما هو منام رآه يحي بن يحي التميمي النيسابوري وهو من تلاميذ مالك، ولكن هذا لا يعتد به في ميزان "الجرح والتعديل"، ولا هو مما يجرح به الثقات ولاسيما بعد أن ثبتت عدالته، وثانياً ليس فيه أنه قال لا يقبل.
ولمالك كلام آخر فيه هذا الغمز، ولكن ليس فيه "أنه لا يقبل" كما نقل هذا الصحفي !! وإنما فيه ما سنذكره:
1- وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: ( كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقاً تدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق).
2- وقال يعقوب بن شيبة: "ثبت ثقة"، لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي يرى أن هشاماً يسهل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه).
والخلاصـــة:
1- أن دعواه غير صحيحة، بل هي كذب على الإمام مالك.
2- أنهم نقموا على هشام أنه أدخل في الرواية عن أبيه ما لم يسمعه منه مباشرة، وإنما سمعه بواسطة عنه، وليس هذا الحديث منه فإن هشاماً قد سمع أباه في هذه الرواية بدليل أن هشاماً قد توبع.
وهذا الصحفي المشار إليه حالة نادرة حيث ذهب يشكك في أحاديث أصح الكتب بعد كتاب الله وهي أحاديث البخاري ومسلم معتمداً على مثل ما رأيت أيها القارئ الكريم، ثم يتهم هذه الأحاديث بكل وقاحة بأنها بلغت المنتهى في المخالفة، فخالفت كل ما يمكن أن يُخالف فقال فضيلته !!: (رغم أنها تخالف كل ما يمكن مخالفته، فهي تخالف القرآن والسنة الصحيحة وتخالف العقل والمنطق والعرف والعادة والخط الزمني لأحداث البعثة النبوية).
أقول: سبحان الله !! كل الأجيال الذين قرأوا هذا الحديث ما عندهم أدنى إلمام بعلم الشريعة !! وليس عندهم مُسكة عقل !! ولا هم يعيشون بين الناس !! إلى يومنا هذا لم تخرج لنا هذه الأمة رجلاً يفهم هذا الحديث حق الفهم ويعطيه المنـزلة اللائقة به حتى جاءنا هذا الصحفي العجيب !!
إن علماء الأمة قاطبة – ومن وراءهم عوام الناس - أجمعوا على صحة هذا الحديث، وتلقيه بالقبول الحسن، والعمل به، وحفظه وكتابته في دواوين الاسلام، ولا يعرف أحد غمز فيه فضلاً عن أن يتجرأ على هذا الرد الصريح كما صنع هذا الصحفي، مع العلم أن "صحيح البخاري" بما فيه هذا الحديث قد مرت عليه أجيال من العلماء والمحققين، وقوافل من النقاد والمؤرخين، فما علمنا أحداً أنكر هذا الحديث أو أشار على الأقل إلى نكارة فيه، مع كثرة ما يستدلون به في عدة أبواب، في "أبواب النكاح" "باب: نكاح الصغيرة"، و"أبواب السيرة" باب: زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة"، و"باب: فضائل عائشة"، وغير ذلك من الأبواب.
ولو كان هناك أحد أنكره لما تأخر هذا الصحفي في النقل عنه، والاستناد إلى كلامه ليخرج من شبهة التفرد بهذا الرأي الغريب !!.
بل نقول: لقد مر على كتاب "صحيح البخاري" العوام من الناس، فمنـزلة "صحيح البخاري" لا تخفى على أحد، فهو يُقرأ على الناس في المساجد بعد الصلوات، وفي خطب الجمعة من على المنابر، ومع هذا فإن الكاتب لم يسأل نفسه سؤالاً: وهل أنكر هذا الحديث أحد في نفسه، وهل أشكل على أحد قبلي بقطع النظر هل هو صحيح من الناحية الاسنادية والتاريخية أم لا ؟!!
إن التحقيق العلمي يكشف لنا مدى تلبيس هذا الصحفي، ومغالطاته الصريحة، فنحن في زمن يبيع فيه المرء دينه بدراهم معدودة !! ولو ببحث يرضي به الأعداء ويكون الكاتب فيه مستأجراً، وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن في زمن يمجد فيه الكثير من الكتاب ما عليه أعداء الإسلام من حضارة زائفة، في الوقت الذي يهاجمون فيه الإسلام ويشككون في مسلماته وثوابته ؟!!
أم سمية الأثرية
2016-01-15, 11:42
الفصل الثالث: محاسن تعجيل الزواج، ومفاسد تأخيره:
المبحث الأول: مصالح الزواج المبكر:
منافع الزواج المبكر كثيرة، نذكر منها:
الأولى: الزواج المبكر يقلل من الوقوع في الرذيلة والانحراف.
الثانية: فيه التقارب في السن بين الآباء والأبناء بحيث يكون الفارق في السن بينهما قليلاً، فيستطيع الآباء رعاية أبنائهم والسهر على راحتهم وهم أقوياء، كما يستفيدون من خدمة أبنائهم لهم.
الثالثة: تحمل الزوجين للمسؤولية وعدم الاعتماد على الآخرين.
الرابعة: إمكانية الحمل، لأن الحمل خلال فترة الزواج عند الفتيات في سن مبكر، تفوق الفتيات في الأعمار الأخرى كما سيأتي من شهادة الأطباء.
الخامسة: التكاثر في أفراد الأمة، فالأمة التي يتزوج شبابها مبكراً يكثر عدد أفرادها بما لا يكثر عدد أفراد غيرها من الأمم.
السادسة: تخفيف الحمل على الأب الفقير، وقضاء وطر الزوج بالطريقة المشروعة.
المبحث الثاني: مفاسد تأخير الزواج:
تأخير الزواج له أضرار أقر بها أعداء الإسلام، وهي كثيرة منها:
الأول: إن البحوث العلمية والدراسات العالمية، تثبت أنه لا يوجد زيادة في مضاعفات الحمل عند النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15-19 سنة، وإن المضاعفات التي تحصل عند الحوامل أقل من 15 سنة هي نسبياً قليلة، هذا ما أثبته العالم الأمريكي Satin من .“Parkland Hospital- Texas
الثاني: من أضرار تأخير الزواج عزوف الشباب عن الزواج وضعف الرغبة فيه ومن ثم فتكثر العنوسة، فقد نشرت صحيفة "الحياة" تقريراً صادراً عن مركز دراسات الزواج بجامعة "روتشرز" مفاده أن نسبة الزواج في الولايات المتحدة الأمريكية قد هبطت إلى أدنى من الرقم القياسي في نهاية القرن الحالي ويعزو هذا الانخفاض إلى أن الأمريكيين يؤجلون سن الزواج إلى سن أكبر، ففي عام 1960 كان متوسط العمر للزواج 20 سنة للفتاة و 23 سنة للرجل وفي عام 1997 ارتفع 25 للفتاة و27 للرجال.
الثالث: يقول التقرير كذلك إنه كلما تأخر سن الزواج كلما قلة رغبة الناس في الزواج، ونتيجة لذلك إن أمريكيات كثيرات يلدن ويربين أطفالاً دون زواج، ففي الستينات ولد 25.3 % من إجمالي المواليد في الولايات المتحدة من أمهات غير متزوجات، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى رقم أكبر في عام 1997 لتصل إلى 32 % من الأمهات غير المتزوجات.
الرابع: تجنب الأورام، فإن أورام الثدي والرحم والمبايض هي أقل عند النساء اللواتي يبدأن الحمل والإنجاب في السنين المبكرة.
الخامس: تجنب الحمل المهاجر"خارج الرحم"، فقد أثبت العالم الأمريكيRubin في أبحاثه عام 1983م أن حالات الحمل خارج الرحم هي 17,2 /1000 عند النساء اللواتي يزدن عن 35 سنة, وأن النسبة تقل إلى 4،5/1000 عند النساء اللواتي تتراوح أعمارهن 15-24 سنة.
السادس: تعرض الفتاة للإجهاض، فقد ذكر العالم الأمريكيHawen أن نسبة الإجهاض من 2-4 أضعاف عند النساء بعد 35 سنة من العمر.
السابع: إن العمليات القيصرية والولادة المبكرة، والتشوهات الخلقية ووفاة الجنين داخل الرحم ووفاة الأطفال بعد الولادة، جميعها تزداد نسبياً كلما زاد عمر الحامل.
إن الحمل والإنجاب هو عمل متكرر وإن المرأة بحاجة إلى فترة زمنية طويلة لإنجاب ما كتب الله لها من أطفال، فالمرأة التي تتزوج في سن متأخر فإنها سوف تنجب أطفالها وهي في سن متأخر، ومن المعروف طبياً أن الأمراض المزمنة تبدأ بالظهور أو تزيد كلما تقدم الإنسان في العمر، وهذه الأمراض المزمنة تزيد مخاطر الحمل والإنجاب وأحياناً تقف عائقاً للحمل والإنجاب.
الفصل الرابع: قيود الزواج المبكر:
إن القول بمشروعية الزواج المبكر في الأصل ليس معناه جوازه على الإطلاق مع كل الفتيات وفي مختلف الأحوال، فقد تحتف ببعض الفتيات بعض الأحوال التي تدل على أن تركه أفضل في حقها، وإنما الذي أنكرناه هو أن يسن قانون عام يمنع فيه جميع الفتيات من هذا الزواج مطلقاً ولو كانت الفتاة متأهلة، دون النظر إلى اختلاف أحوال الفتيات.
وإننا سنذكر هنا القيود التي إذا أضيفت إلى الزواج المبكر جعلته سالماً من هذه الآفات، فمنها:
الأول: أن تكون الفتاة مهيأة بدنياً، فرب فتاة تكون في سن التاسعة أو العاشرة أو الخامسة عشر أو أكثر من ذلك ومع هذا لا تكون مهيأة للزواج لضعف في بدنها أو مرض تعاني منه يجعلها ركيكة لا تقدر على القيام بأعباء الزوجية.
الثاني: أن تكون ناضجة في نفسها، قد تربت على تحمل المسئولية، وليس معنى هذا أن تكون ملمة بجميع أمور الحياة الزوجية من العشرة والحضانة ونحوها، فهذا تفتقر إليه كثير من الفتيات حتى الكبيرات منهن ولاسيما في أزماننا، ولو منعنا الزواج لهذه العلة لمنعنا الزواج مطلقاً، ولكننا نعني أنها فتاة تعرف معنى المسئولية، ثم لا يضرها ما فيها من تقصير فإن أغلب الفتيات يكملن النقص بعد الزواج، مستفيدات من أمهاتهن أو أمهات أزواجهن أو غيرهن من النساء.
وإن مما يدل على مراعاة الأمرين المتقدمين وهما التهيؤ والنضوج هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر جميع الشباب بالزواج، وإنما أمر من كان متهيئاً له بالباءة وهي القدرة على النفقة، فدل على أن الاستعداد للزواج مطلوب .
الثالث: الأفضل عند زواج الصغيرة أن يراعى في الرجل أن يكون قريباً منها في السن إلا لمقصد صحيح، فقد أخرج النسائي في "سننه" وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك"، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، عن بريدة قال: (خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة رضي الله عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة، فخطبها علي رضي الله عنه فزوجها منه، وهذا إسناد صحيح، وبوَّب النسائي على الحديث بقوله: (تزويج المرأة مثلها في السن).
فيؤخذ من الحديث أن يراعى في الرجل أن يكون قريباً من الفتاة في السن لكونها أقرب إلى الائتلاف بين الزوجين، وأدعى لاستمرار الزواج ، وأما زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها فقد دلت الأحاديث على أن زواجها كان عن طريق الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق، فهو أمر أراده الله لها وله صلى الله عليه وسلم، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أريتك في المنام ثلاث ليال: جاءني بك الملك في سرقة من حرير- أي قطعة من حرير- فيقول: هذه امرأتك، فاكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه) وهذا لفظ مسلم، وقد حصل في هذا الزواج المبارك خير عظيم، ومع هذا فلا ندعي الخصوصية فليس معنا دليل على ذلك ولا يقدر أحد على منعه ما دامت المصالح متحققة.
وهذا على القول بما ذهب إليه النسائي في التبويب المشار إليه.
الفصل الخامس: شبهات الداعين إلى تأخيره:
صدق الله لما قال: (الشيطان يعدكم الفقر) فهذه الشبه وأمثالها إنما يلقيها الشيطان وأتباعه من اليهود والعلمانيين على أسماع ضعفاء الإيمان، ليخوفهم من الشرائع.
الشبهة الأولى: أنها إذا حملت في فترة مبكرة فإنها لا تتم حملها بمدته الكاملة لأن جسمها لم يكتمل نموه بعد وأنها قد تتعرض للإجهاض المتكرر.
وهذا غلط، لأن الفتاة لا تحيض ولا تحمل إلا وقد هيأ الله في بدنها ما يجعلها جاهزة لهذه الوظيفة وإلا فكيف تكون حائض ولا تكون جاهزة للحمل فهذا مخالف لقول الأطباء وغيرهم.
والشيء العجيب الذي يستوقف العقلاء أن الله يخلق جسم الجنين على قدر بدن الأم وبطنها، فيخرج الجنين من أم سنها خمسة عشر سنة وجنين آخر من أم سنها ثلاثين سنة في وقت واحد والأول أصغر حجماً من الثاني، وما هي إلا أيام ثم تبدأ علامات التساوي والتماثل في البدن تظهر جلياً على الجنينين فسبحان الله العظيم.
الشبهة الثانية: قد يحصل فيها تشوه للجنين.
وقد أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا السؤال فقال في "مجموع فتاواه": (هذا ما لا نعرفه، الزواج المبكر مطلوب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج)، هذا هو المشروع، فإذا زوجه عند أهليته للزواج، وعند وجود الشهوة فقد أحسن وليس عليه بذلك بأس، وقول هذا الذي قال تخرص من القول ولا أصل له أن الجنين يخلق مشوهاً في الزواج المبكر، هذا شيء لا أصل له، وإنما هو تنفير من الزواج المبكر بغير حق وبغير علم، وقد زوجنا وزوج الناس أولادهم مبكرين وما رأوا إلا خيراً، ولا نحمل ذلك على الشر الذي قاله هذا القائل)أ.هـ
الشبهة الثالثة: وقد تتعرض الفتاة إلى فقر الدم وخاصة خلال فترة الحمل.
وهذا كسابقه ليس إلا تنفيراً من الزواج المبكر، وكثير من الأطباء يخالفون مثل هذه الدعاوى، وهناك الكثير من الفتيات اللواتي تزوجن في سن مبكرة ولم يحصل لهن شيء من هذه الدعاوى.
الشبهة الرابعة: قد تزداد وفيات أطفال الأمهات الصغيرات بنسبة أكبر من الأمهات الأكبر سناً وذلك لقلة الدراية والوعي بالتربية والتغذية.
وهذه الدعوى إن صحت فليست هي مشكلة الزواج المبكر، وإنما هي مشكلة قلة الوعي والتعليم بخطر المسئولية، على أننا نقول: إن الفتيات الصغيرات إذا ولدن لا يبقين لوحدهن يتحملن مسئولية هذا الطفل الصغير، بل تحطهن القابلات بالعناية التامة والنصائح المتواصلة في باب الرضاعة والغسل والتعامل مع الطفل عندما يمرض وغير ذلك، ولاسيما أم الزوج والتي هي جدة الولد الصغير وهي بمنزلة أمه في الرحمة والشفقة، فتظل القابلات في نصائح مستمرة مع الأم حتى تتكون عند الأم خبرة كبيرة تستطيع أن تقوم بنفسها على الجنين في الحمل القادم وإن كانت في سن صغيرة، وتستغني عن غيرها من القابلات ، وهذا شيء عاشرناه وعرفناه، ولقد رأينا بأم أعيننا فتيات شابات يعلمن نساء كبيرات تزوجن متأخرات، يعلمهن القيام على حضانة الطفل لأنهن تزوجن مبكرات وأصبحن ذات خبرة بحضانة الطفل.
الشبهة الخامسة: ينتج عن الزواج المبكر الحرمان من التعليم.
ونرد على هذه المقالة بأمور:
أولاً: اعتقاد أنه يجب على كل امرأة أن تتعلم وأن تصير جامعية شيء لا يقبله الشرع ولا العقل ولا العرف، فإنه من المعلوم أن هناك من لا ترغب في مواصلة دراستها، وكثير من الفتيات ليس لها رغبة في مواصلة الدراسة وإن لم تتزوج، فجعل الزواج من أسباب حرمان الفتيات من الدراسة غلط.
ثانياً: الزواج المبكر لا يمنع تعليم الفتاة ولا يصادمه لا من بعيد ولا من قريب، وللفتاة أو أبيها أن يشترط على الزوج مواصلة تعليمها الشرعي المنضبط بالشرع، وهناك الكثير من الفتيات تزوجن وبقين على تعليمهن وكانت تجربتهن ناجحة، وإن مما يدل على ذلك تجربة المراكز السلفية في اليمن وبعض الجامعات – غير الاختلاطية – في بعض الدول العربية، فكثير من النساء يدرسن فيها وقد حفظن القرآن وتعلمن شيئاً من الفقه والحديث والنحو وغير ذلك، في الوقت الذي هي تعتبر زوجة في الفراش وأُماً مطالبة بحضانة أطفالها.
سئل الشيخ ابن باز: ما رأي سماحتكم في زواج الطالب القادر على الزواج ، والذي يدرس في الجامعة، هل في ذلك تأثير على دروسه ؟
فأجاب :(الذي أنصح به هو الزواج المبكر لأنه لا يؤثر على الدروس، وقد كان السلف الصالح من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، يدرسون ويتعلمون ويتزوجون، فالزواج يعينه على الخير، إذا كان عنده قدرة ، يعينه على الخير ولا يصده عن الدراسة ، ولا يعطله عن الدراسة ، بل يسبب غض بصره ، وطمأنينة نفسه، وراحة ضميره، وكفه عما حرم الله عليه، فإذا تيسر له الزواج ، فالنصيحة له أن يتزوج، وأن يتقي الله في ذلك، وأن يعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج "لحديث )أ.هـ
ثالثاً: إن المرأة بزواجها المبكر قد لا تتعلم، لكنها في الوقت نفسه تعد لنا أجيالاً من العلماء والمتعلمين والأدباء، وأكثر العلماء والعظماء إذا بحثت عن أمهاتهم تجدهن لا يعرفن القراءة والكتابة.
الشبهة السادسة: اعتبار الفتى والفتاة في سن المراهقة ولا يقوى كل منهما على أخذ القرار المناسب.
والجواب: هذه حجة واهية لأمور:
أولاً: أن الفتاة ستأخذ رأي وليها وتستشيره في أمورها وخصوصاً موضوع الزواج، والمجتمع الإسلامي هو مجتمع المحبة والمؤاخاة والتناصح والتكاتف لا الأنانية.
ثانياً: كيف يفعل المجنون والمجنونة أليسا يزوجان، أم أن هؤلاء لا يرون زواج هذا الصنف من الناس حتى يستقلا برأيهما وقرارهما ؟!
الشبهة السابعة: أن الفتاة لا تستطيع أن تنسجم مع زوجها وأهل زوجها بسبب صغر سنها، وعليه فإن الزواج المبكر يعني الطلاق المبكر:
والجواب من أوجه:
الأول: أن الدراسات الحديثة تبين أن الفتاة الصغيرة فيها من مقومات وأسباب الإنسجام مع الزوج وأهله ما ليس عند الكبيرة، وذلك بسبب أمور منها أن الكبيرة ترى في نفسها استقلالية الشخصية ولاسيما مع دعوى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، في الوقت الذي تزوجت فيه بعض الفتيات وهي كبيرة ولم تستطع الانسجام مع الزوج وأهله لأسباب كثيرة منها اختلاف العادات أو الشخصيات أو طريقة التفكير أو غير ذلك.
ثم إن الواقع يبين لنا أن الزواج المبكر أبعد من الطلاق، فكل تأخير للفتاة عن الزواج معناه اقتراب الزواج من الطلاق.
2- بيان مهم:
ننبه في الأخير إلى مسائل مهمة وهي:
1- إن بعض هذه الشبه المذكورة لا تتعلق بالزواج المبكر لذاته، فهذه لا تصلح أن تكون شبهة ولا ينبغي أن يثار بها على الزواج المبكر، بل يمكن أن تثار على كل زواج.
2- أن أغلب هذه الشبهات إنما أثارها الأعداء وهم ليسوا محل ثقة بل هم واقعون في تهمة التنفير عن الزواج المبكر.
3- أنه إذا حصل زواج مبكر – إن صح التعبير - ثم حصل فيه نوع من الفشل أو الفرقة، فينبغي النظر فيه إلى أسباب هذا الفشل أو الفرقة، ولا ينبغي النظر إلى التبكير في الزواج على أنه هو سبب هذا الفشل، فإن هذه الأسباب واردة على كل زواج، فهناك مثلاً من لا يحسن التعامل مع الفتاة في ليلة الدخول بها، وهذا شيء موجود حتى مع الزواج المتأخر، وكذلك إذا كانت الفتاة لا تحسن القيام بوظيفتها كزوجة من حيث الفراش وواجب البيت ونحو ذلك.
الفصل السادس: مناقشة قانون تحديد سن الزواج:
تحديد سن الزواج بسن سبعة عشر سنة خطأ لأمور أكتفي بثلاثة منها:
أولاً: منع الزواج بما دون سن السابعة عشرة للفتاة هو منع لما الله تعالى وأباحه، فهو مردود على صاحبه من هذه الجهة.
وإذا كان هناك براهين تثبت تضرر كثير من الفتيات بالزواج المبكر وجب على ولاة الأمر معالجة هذه الأضرار ودفعها عن الفتيات بما لا يمنع من زواجها مبكراً، فكيف وهذا القرار لم يعتمد على دراسات وافية ولا حجج مقبولة سوى الاستجابة لمطالب كثير من المنظمات التي كان مثل هذا القرار ناشئاً عن ضغوطها.
ثانياً: هذه الأضرار الواقعة على الفتاة التي ادعاها من سن مثل هذا القانون، إن صحت أنها أضرار فهي معارضة بأضرار أخرى هي أشد على الفتيات فوجب تقديم الأخف دفعاً للأشد منها، فالفتاة منذ بلوغها سن المحيض إلى سن السابعة عشر تعيش سنوات من الصراع مع الغرائز، ولاسيما تحت هذه الأجواء الملبدة بالمهيجات الجنسية والانحرافات الأخلاقية، فهذا ضرر ينبغي دفعه عنها، بل هو أشد من تلك الأضرار المشار إليها لأنها عامة تتعلق بالفرد والمجتمع، والضرر يزال ولا يزال إلا بهذا الزواج.
ثالثاً: سن البلوغ عند الفتاة يكون قبل السابعة عشر بكثير أحياناً، فقد تبلغ الفتاة في نصف هذا السن أو بعده بقليل، وعليه فإن هذا تفريق بين البلوغ وسن الزواج، فكأن سن البلوغ لا يعني تأهل الفتاة للزواج وهذا لم يقل به أحد، فالكل مجمعون على أن بلوغ الفتاة سن المحيض معناه تهيؤها للزواج والحمل.
الفصل السابع: ماذا يريدون ؟!
المبحث الأول: خطط الأعداء:
إن حرب هؤلاء للزواج المبكر وكذلك الختان، ودعوتهم إلى الإباحية عبر القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت وتحريضهم على الاختلاط بين الجنسين والرياضة النسوية ونحو ذلك، لهي قرائن واضحة على أنهم يريدون سوء بالمرأة المسلمة، فإنهم قد عرفوا أن هذه الأمور صمام أمان بالنسبة للمجتمعات المسلمة فأرادوا أن يهتكوها.
إن ما ذكرناه لك من وقاحتهم في رد حديث عائشة وهو في "الصحيحين" لهو دليل على أنهم يسعون من وراء هذا إلى أهداف خطيرة وهي:
الهدف الأول: تشكيكهم في دواوين السنة ومراجعها العظيمة، وهذا ما صرح به هذا الصحفي الذي تقدمت الإشارة إليه: (لذا فإننا نستطيع وبكل أريحية أن نستدرك على كل كتب الحديث والفقه والسيرة والتفسير، وأن ننقدها ونرفض الكثير مما جاء فيها من أوهام وخرافات لا تنتهي، فهذه الكتب في النهاية محض تراث بشري لا يجب أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية أبداً، فنحن وأهل التراث في البشرية على درجة سواء، لا يفضل أحدنا الآخر، فصواب أعمالهم لأنفسهم والأخطاء تقع علينا).
أقول: هذه هي مقاصد القوم إذاً، فقلوبهم حاقدة على الأحاديث النبوية العظيمة التي اشتملت عليها كتب السنة، لأنها لا ترضي أسيادهم في أوروبا وأمريكا !!
ثم يقول: (فهذه الكتب في النهاية محض تراث بشري لا يجب أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية) !!
وأقول له ولأمثاله: وهل رضيتم عن كتاب الله أصلاً حتى ترضوا عن السنة ؟! فقد شرقتم بإقامة الحدود وحجاب المرأة وتنصيف ميراثها وابتعادها عن الاختلاط بالرجال، والغناء وغيرها وكلها في كتاب الله.
الهدف الثاني: يريدون أن يشككوا المسلمين في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم إذا استطاعوا أن يقنعوا غيرهم بأن هذا من العنف مع المرأة، إذن فالرسول صلى الله عليه وسلم قد مارس العنف ضد المرأة بزواجه من عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين وأقر غيره على هذا العنف حيث زوج فاطمة من علي بن أبي طالب وهي بنت ثلاثة عشرة سنة، وكذلك أبو بكر الصديق لأنه رضي لابنته بذلك، وكذلك على بن أبي طالب في تزويجه أم كلثوم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي بنت ثلاثة عشرة سنة، هذا ما يريدونه عليهم من الله ما يستحقون.
الهدف الثالث: تقليل عدد المسلمين والحد من تكاثرهم، لأن الزواج المبكر فيه مصلحة تكاثر المسلمين، وهذا السبب من أعظم أسباب عزة المسلمين وقوتهم.
ولقد فطن الرحالة الألماني "بول أشميد" إلى الخصوبة في النسل لدى المسلمين، واعتبر ذلك عنصرا من عناصر قوتهم فقال في كتاب "الإسلام قوة الغد" الذي ظهر سنة 1936: (إن مقومات القوى في الشرق الإسلامي، تنحصر في عوامل ثلاثة:
(أ) في قوة الإسلام كدين" وفي الاعتقاد به وفي مثله، وفي تآخيه بين مختلفي الجنس واللون والثقافة.
(ب) وفي وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الإسلامي الذي يمتد من المحيط الأطلسي، على حدود مراكش غرباً إلى المحيط الهادي على حدود أندونيسيا شرقاً.
وتمثيل هذه المصادر العديدة لوحدة اقتصادية سليمة قوية ولاكتفاء ذاتي لا يدع المسلمين في حاجة مطلقا إلى أوربا أو غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا.
(ج) وأخيرا أشار إلى العامل الثالث وهو: خصوبة النسل البشري لدى المسلمين، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة، ثم قال: "فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة وتوحيد الله، وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزايد عددهم، كان الخطر الإسلامي خطراً منذرا بفناء أوربا، وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله).
الهدف الرابع: الزواج المبكر يحفظ المجتمع من الانحراف الأخلاقي، فالزواج المبكر له منافع عظيمة، ومصالح كبيرة تفطن لها أعداء الإسلام.
ولك أن تتصور مع وجود القنوات الفضائية ومواقع الانترنت وغيرها من الأسباب المثيرة للغرائز والشهوات، فلا شك أن الفتاة والشاب سيعيشان مرحلة المراهقة في صراع مع الشهوة، ولاسيما مع الاختلاط الحاصل في كل مكان في الشوارع والأسواق والكليات، ولا شك أن هذا الحال سيؤتي ثماراً مريرة، ولاسيما مع أوضاع الشباب المتردية في الانحلال الخلقي، فما هي النتيجة بعد هذا كله إذا كان الزواج ممنوعاً حتى تبلغ الفتاة سبع عشرة سنة، فما هي الأضرار التي ستنشأ من هذا التأخير ؟!
ولا يمنع أن يكون هناك أهداف أخرى مثل الخوف من الانفجار السكاني وغيره، والله أعلم.
المبحث الثاني: لنا عبرة فيما مضى في دعاة تحرير المرأة:
ففي عهد الشيوعية عندنا - وأنا ممن عاصرتها - كانوا يناضلون عن حق المرأة المزعوم:
1- فأخرجوا النساء بالقوة من القرى والأرياف في بعض النواحي بعد أن سالت الدماء، ونقلوهن إلى أماكن بعيدة عن أهاليهن لتوظيفهن واستغلال طاقتهن المعطلة زعموا !! وبعض النساء عرفن مغزاهم فانتحرن ورمين بأنفسهن من أماكن عالية قبل أن يخرجوا بهن إلى ذلك المكان !!
2- ودعوا في المدن مثل عدن وغيرها - بواسطة المظاهرات النسائية إلى تحريق الشياذر – وهي جمع شيذر وهو عباية قديمة للنساء في المدن - !! وتحريق الشياذر كناية عن تحرير المرأة وتمردها على الشريعة.
3- ودعوا إلى الاختلاط بين الشباب والفتيات في الابتدائية والثانوية فحصل شر كبير، وأقسم بالله الذي لا إله إلا هو أننا إلى اليوم ما زلنا نعاني من آثاره !! ولم يكتفوا بهذا بل إذا رأوا الفتاة متحجبة نزعوا الحجاب عنها.
وما زلت أذكر إلى ساعتي هذه تلك الأيام – وكان ذلك قرابة عام 1406 هـ - كان يدخل بها علينا بعض المدرسين - وهو اليوم من الصحفيين !! - كان يدخل علينا في الثانوية فيأمر الفتيات بنـزع الحجاب من على رؤوسهن، فمن امتثلت بقيت وإلا فينـزعه هو بنفسه، فإذا استسلمت بقيت في الصف وإلا فتطرد، وكم طردت من الفتيات من المدرسة لأنها متحجبة !!
4- ودعوا إلى الاختلاط في العمل الزراعي في بعض المحافظات المجاورة لعدن فأنتج هذا شراً عظيماً !!.
إن فتح الصحف اليوم لهذا الباب لمناقشة مثل هذه الأحاديث وفي هذا الوقت العصيب الذي نعاني فيه من هجوم حاقد على الاسلام على جميع المستويات، وبمثل هذه الأساليب الساخرة، والمتطاولة على أهل العلم، لهو دليل على أن القوم يمكرون المكر السيئ بالشريعة، فأسأل الله أن يحفظ دينه ويعلي كلمته.
وهم لا يهدفون إلى تنقية الشريعة كما يزعمون فأنى لهم ذلك وفاقد الشيء لا يعطيه !! ولو صدقوا لذهبوا ينقون أذهانهم المتلوثة فهذا أولى بهم.
المبحث الثالث: هلا كتبتم عن هذه المواضيع ؟!
وسؤال أخير أوجهه إلى هذا النوع من الصحفيين: أتناضلون عن حقوق المرأة حقاً ؟!! هل قض مضجعكم تدهور حال المرأة ؟!!
فلا تكتبوا عن الزواج المبكر وإنما اكتبوا عن الزنى بجميع صوره، ومنه الزنى بالفتيات الصغيرات اللواتي تجاوزن البلوغ بمدة قليلة بل أقل من ذلك، وهن في سن لو تزوجت الواحدة منهن فيه لغضبتم كثيراً فهو من الزنى المبكر على تعريفكم، فهل ترضون أن تنتقل الواحدة منهن من رجل إلى رجل طوال الليلة ؟!!
اكتبوا عن النوادي الليلية التي تشتمل على الدعارة وأماكن إجهاض الأولاد غير الشرعيين !! اكتبوا عن الفتيات اللواتي ضيعن أخلاقهن في المنتزهات والمحلات التجارية الكبيرة مع الشباب !! واكتبوا عن حال الفساد الأخلاقي الموجود في الجامعات المتمثل بالعلاقات غير الشرعية والمعاكسات، والمراسلة بالصور الخليعة بالجوالات بالبلوتوث وغيره !! اكتبوا عن مثل هذه الحالات فإنكم إذا فعلتم ذلك قدمتم خدمة حقيقية للمرأة !!
اكتبوا عن ترك الصلوات فالمساجد تقيم الجماعة والشوارع ممتلئة كأننا في دول غير مسلمة !! بل اكتبوا عن أمر أهم من ذلك كله اكتبوا عن الذين يسبون الله !! لماذا لا تسخرّون مثل هذه الصحف لمثل المواضيع النافعة التي تصلح العقائد والأخلاق ؟!
إن إعراضكم عن مثل هذه المواضيع، وتركيزكم على الرياضة النسوية، ومحاربة الزواج المبكر، والحجاب، والختان، وغير ذلك من الأمور الشرعية المتعلقة بالمرأة لهو دليل على أنكم تريدون تخريب وتدمير المرأة ، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا: إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
فأنصحكم أن تتقوا الله فيما تكتبون، فإنكم ستسألون يوم القيامة إذا وقفتم بين يدي الله (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
أم سمية الأثرية
2016-01-15, 11:55
الشبهة الرابعة عشرة:
المجتمعات الغربية أسوأ حالاً:
مقدمـــة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الرابعة عشرة" من: (شبهات حول الإسلام) أوردنا فيها قول من يقول: إن الإسلام هو سبب تخلف المجتمعات الإسلامية، ونحن العرب نعيش في ظلام دامس، وأننا نحن العرب اليوم ننعم بفضل ذكاء هؤلاء الغربيين والذين بسببهم تعيش مجتمعاتنا في رفاهية وتنور، وأن الإنسان - ولاسيما المرأة - يعيش في مجتمعاتنا مهضوماً، بينما في مجتمعات الغرب يعاملونه كإنسان له احترامه وتقديره.
كذا قالوا! وسنكشف للقارئ الكريم زيف هذه الدعاوى، وأن للغرب تاريخاً مخزياً في الماضي وواقعاً مثله في الحاضر، لا تتشرف أي حضارة بأن يكون هذا تاريخها في الماضي، وإن أظهر للعالم أنه بيت التكنولوجيا وموردها إلى دول العالم.
وسنكشف للقارئ حقيقة ما تعيشه المجتمعات الغربية من انحلال وتفسخ أخلاقي إذا رآه أهل البوادي والقرى والشعاب يحمدون الله على نعمة العافية وأنهم نشأوا بعيداً من هذه المجتمعات المنحلة.
وهذه الحلقة تتكون من عدة فصول:
الفصل الأول: الغرب عالة على المسلمين في العلوم.
الفصل الثاني: الغرب عالة على سائر الأمم في الثروات.
الفصل الثالث: فضائح الغرب من الداخل.
الفصل الرابع: الأسباب الحقيقية لتخلف المجتمعات الإسلامية.
الفصل الأول: الغرب عالة على المسلمين في العلوم:
المبحث الأول: اعتراف كبار الغرب بذلك:
1- يقول "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب": (إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدَّنوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوروبا مدينة للعرب بحضارتها، وإن العرب هم أول من علَّم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين).
ويقول مقدمته لكتابه "حضارة العرب": (وكلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة).
ويقول: (ويعزى إلى "بيكون" على العموم أنه أول من أقام التجربة والملاحظة اللتين هما أساس المناهج العلمية الحديثة مقام الأستاذ، ولكنه يجب أن نعترف قبل كل شيء بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم).
ويقول: (والإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشاف العلم).
ويقول: (إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها).
2- ويقول المستشرق الأمريكي "سنكس" في مقدمة كتابه "ديانة العرب": (إن الفكرة الدينية الإسلامية أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلَّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان).
3- وتقول المستشرقة الألمانية "زيغريد هونكه" في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب": (نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها، وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعلِّمون ويتعلمون، بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة والكتابة).
4- يقول الكاتب الفرنسي "موريس بوكاي" في كتابه "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم":ونحن نعلم أن الإسلام ينظر إلى العلم والدين كتوأمين، وأن تهذيب العلم كان جزءاً من التوجيهات الدينية منذ البداية، وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم العلمي العجيب في عصر الحضارة الإسلامية العظمى، التي استفاد منها الغرب قبل نهضته).
5- ويقول "دانييل بريفولت" في كتابه "نشأة الإنسانية": (ومنذ عام 700م بدأت إشراقة الحضارة العربية الإسلامية تمتد من شرقي المتوسط إلى بلاد فارس شرقاً وإسبانيا غرباً، فأعيد اكتشاف قسم كبير من العلم القديم، وسجلت اكتشافات جديدة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم.. وفي هذا المجال كما في غيره، كان العرب معلمين لأوروبا، فساهموا في نهضة العلوم على هذه القارة).
6- ويقول المستشرق الأمريكي "إدوارد رمسي": (لقد منح الإسلام المدنية والحضارة قوة جديدة وشجع العالم على درس العلوم باتساعٍ متناهٍ، وهكذا خرج إلى الدنيا فلاسفة وخطباء وأطباء ومؤرخون يفخر بهم الإسلام..
والمسلمون بلا نزاع هم مخترعو علم الكيمياء ومؤسسوه، أما علم الطب والصيدلة فقد حسنوهما تحسيناً عظيماً، وبواسطة المسلمين تقدم علم الفلك سريعاً حتى الطيران، وهم مخترعو علم الجبر ومكتشفو علم الطيران).
7- ويقول المستشرق "روم لاندو" في كتابه "الإسلام والغرب": (حين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم، يصبح مدى التقدم الثقافي الذي أحرزوه خلال مائتي سنة، وعمق ذلك التقدم، أمراً يدعو إلى الذهول حقاً! ذلك بأن علينا أن نتذكر أيضاً أن النصرانية احتاجت إلى نحو ألف وخمسمائة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة نصرانية، وفي الإسلام لم يولِّ كل من العلم والدين ظهره للآخر، بل كان الدين باعثاً على العلم).
8- ويقول المؤرخ العلامة "سيديو": (لم يشهد المجتمع الإسلامي ما شهدته أوربة من تحجر العقل وشل التفكير، وجدب الروح، ومحاربة العلم والعلماء حيث يذكر التاريخ أن اثنين وثلاثين ألف عالم قد أحرقوا أحياء! ولا جدال في أن تاريخ الإسلام لم يعرف هذا الاضطهاد الشنيع لحرية الفكر، بل كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في العقيدة كل أسباب الحرية كما فعل الإسلام).
9- وقال "سيديو" في كتابه "تاريخ العرب العام" إذ قال: (ونحن حين نلخص ما تمَّ على يد العرب من تقدم في العلوم الصحيحة، نرى سبقهم إلى كثير من الاكتشافات التي يعزى فخر أكثرها إلى علماء أوروبا في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر).
10- وقول المستشرقة الألمانية "زيغريد هونكه" في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب": (إن روجر بيكون أو غاليلو أو دافنشي ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي.. إنما السباقون في هذا المضمار كانوا من العرب الذين لجؤوا - بعكس زملائهم النصارى - في بحثهم إلى العقل والملاحظة والتحقيق والبحث المستقيم، لقد قدم المسلمون أثمن هدية، وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقة لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم، وإن كل مستشفى وكل مركز علمي في أيامنا هذه إنما هي في حقيقة الأمر نصب تذكارية للعبقرية العربية.. وقد بقي الطب الغربي قروناً عديدة نسخة ممسوخة عن الطب العربي، وعلى الرغم من إحراق كتب ابن سينا في مدينة بازل بحركة نصرانية عدائية، فإن كتب التراث العربي لم تختفِ من رفوف المكتبات وجيوب الأطباء، بل ظلت محفوظة يسرق منها السارقون ما شاء لهم أن يسرقوا).
11- يقول "دانييل بريفولت" في كتابه "نشأة الإنسانية": (إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه لنا من كشوف مدهشة، ونظريات مبتكرة، بل إنه مدين بوجوده ذاته.. ولم يكن بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلامي إلى أوربة النصرانية، وهو لم يملَّ قط من التصريح بأن اللغة العربية وعلوم العرب هما الطريق الوحيدة لمعرفة الحق).
12- ويقول الكاتب الفرنسي الشهير "موريس بوكاي" في كتابه "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم": (وينبغي أن نذكر أنه ما بين القرن الثامن والثاني عشر الميلادي، فترة عظمة الإسلام، حيث كانت التغيرات العلمية مرفوضة في بلادنا النصرانية، كانت كميات معتبرة من الأبحاث والاكتشافات قد تحققت في الجامعات الإسلامية.
هناك وفي ذلك العصر، كنا نرى الوسائل الفائقة في التثقيف، فكانت مكتبة الخليفة في قرطبة تحتوي على 400.000 كتاب، وكان ابن رشد يعلِّم فيها، وينقل فيها العلم اليوناني والهندي والفارسي، ولهذا كان الناس يذهبون إليها من مختلف البلدان الأوربية للدراسة، كما يذهبون في أيامنا هذه لإتمام بعض الدراسات في الولايات المتحدة).
إلى أن يقول: (كان الإسلام منذ القديم موضوع (الذم) في بلادنا. إن كل غربي حصَّل بعض المعارف المعمقة عن الإسلام، يدرك إلى أي مدى قد شوه تاريخه وعقيدته وأهدافه) أي: الإسلام.
13- وتقول "د. لويجي رينالدي": (لما شعرنا بالحاجة إلى دفع الجهل الذي كان يثقل كاهلنا، تقدمنا إلى العرب ومددنا إليهم أيدينا، لأنهم كانوا الأساتذة الوحيدين في العالم).
14- أما المؤرخ الفرنسي "سيديو" فيقول في كتابه "تاريخ العرب العام": (قال همبولد: والعرب هم الذين أوجدوا الصيدلية الكيميائية.. وأدت الصيدلة ومادة الطب اللتان يقوم عليهما فن الشفاء، إلى دراسة علم النبات والكيمياء في وقت واحد).
ويقول: (اتفق للعلوم الطبيعية عند العرب مثل ما اتفق للعلوم الرياضية من الرقي، ويرى همبولد وجوب عدِّ العرب مؤسسين حقيقيين للعلوم الطبيعية بالمعنى الحديث).
وبعد أن يستعرض "سيديو" أغلب وجوه الحضارة الإسلامية ينتهي إلى أن يقول: (وهكذا تجلَّى تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الأوربية الحديثة).
15- ويقول الفرنسي "لوي سيديو": (إن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي في مذهب مالك هو شرح الدردير على متن خليل).
منقول عن "الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام" (ص47) للمستشار علي بن علي منصور.
وقال: (إن نتاج أفكار العرب والمسلمين يشهد بأنهم أساتذة أوروبا في جميع فروع المعرفة).
16- يقول جار ريسلر في " الحضارة العربية": (لقد وصلت الثقافة العربية إلى درجات العرش حيث كان الخليفة يتحاور مع ابن رشد حول " أرسطو وأفلاطون " في وقت كانت طبقة النبلاء في الغرب تتباهى بجهلها بالقراءة والكتابة، وفي قرطبة كان الحاكم الأموي يملك مكتبة تضم أكثر من 400.000 كتاب بينما لم يكن ملك فرنسا شارل الخامس قادراً بعد ذلك بأربعة قرون على جمع أكثر من ألف كتاب . أما مكتبة ابن عباد فكانت تحوي من الكتب أكثر مما كان يمكن إحصاؤه في كل مكتبات أوروبا مجتمعة).
الفصل الثاني: الغرب عالة على سائر الأمم في الثروات:
المبحث الأول: الغرب نهبوا ثروات المسلمين وغيرهم:
لم تصل أمريكا وأوروبا إلى هذا المستوى من القوة والتمكين والنهضة الاقتصادية، إلا بعد أن اجتاحت بلاد العالم فسرقت موارده وأكلت خيراته ونهبت ثرواته ولاسيما بلاد المسلمين، كما صنعت روسيا في الجمهوريات الإسلامية المجاورة لها وكذلك وبريطانيا في كثير من الدول العربية في آسيا وغيرها واسبانيا والبرتغال في دول أمريكا بقارتيها وغيرهم، ثم استطاعوا بخبرتهم وسياستهم أن يمتصوا هذه الخيرات لتقوية اقتصادهم، وقواتهم العسكرية وبنوكهم الربوية حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم، فهذه النهضة التي يعيشونها اليوم إنما قمت على أنقاض دول وجثث شعوب بأكملها.
المبحث الثاني: الغرب عالة على المسلمين في احتياطي النفط:
حين اجتمعت الدول العربية لأول مرة فمنعت البترول عن بعض دول أوروبا عانى بعض الناس في البلاد الباردة من البرد، واضطروا إلى ركوب الدراجات الهوائية لأنه لا يوجد بترول.
ومنطقة "الشرق الأوسط" تشمل المنطقة العربية التي تملك 60% من احتياطي النفط العالمي وعلى رأس ذلك تأتي مكانة العراق، وهذا يعني أنه باحتلال أمريكا للعراق وسيطرتها على نفطه إضافة إلى السيطرة الأمريكية المطلقة على كل حقول النفط من كازاخستان في الشمال وحتى الخليج تكون قد سيطرت على أكثر من 90% من احتياطي النفط العالمي، وعندما تسيطر أمريكا على هذا الاحتياطي فمعنى ذلك أنها تحكمت بمصادر الطاقة العالمية والذي هو العصب الوحيد الآن للصناعة والتنمية، أي أنها وضعت يدها على أصل استراتيجي كبير في مواجهة منافسيها وخصومها المحتملين في العالم وخاصة في أوروبا وآسيا.
وقد عبر الخبير الاستراتيجي ورئيس تحرير التقريرالاقتصادي العربي أحمد السيد النجار في حوار مع "جريدة البيان الإماراتية" ( 14/2/2003م ) عما يمثله نفطه بالنسبة لأمريكا وما يمكن أن تجنيه من مكاسب من وراء حربها ضد العراق، بقوله: يكفي أن نشير هنا إلى ما قاله "لورانس ليند ساي" قبل عدة أسابيع، وهذا الرجل هو مستشار الرئيس بوش للشؤون الاقتصادية، لقد قال بأن النفط هو الهدف الرئيسي لمساعي الولايات المتحدة لشن الحرب ضد العراق، فالولايات المتحدة عبَّرت - وأكثر من مرة - عن أن السعر المناسب لبرميل النفط هو ما يتراوح بين 15 - 18 دولاراً للبرميل، وغزوها للعراق واحتلاله أو تنصيب حكومة عميلة هناك سيعني على الفور أنها ستتمكن من تحقيق ذلك، بل وربما يغريها الوضع إلى تخفيض السعر إلى ما هو أدنى من ذلك.
وهذا القلق من العراق لأن الشعب بالجملة مسلم قد يستثمر هذه القوة يوماً من الأيام ضد مصالح أمريكا.
يقول "وينبرغر" وزير الدفاع الأمريكى الأسبق: (إنه من غيرالمعقول أن تبقى قوة طليقة تتحكم بنصف احتياطي النفط العالمي، إن ذلك يهدد مصالحنا وطريقها في الحياة) "الشرق الأوسط".
المبحث الثالث: الغرب عالة على المسلمين في أموالهم التي يضعونها في بنوكهم:
وفي بحث بعنوان: "هجرة رؤوس الأموال الإسلامية إلى الخارج في ظل العولمة" وهو مقدم إلى المؤتمر الدولي الثالث للاقتصاد الإسلامي، قدمه دكتور/ عادل حميد يعقوب عبد العال أستاذ الاقتصاد المشارك - قسم العلوم الإدارية، كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية والإدارية – "جامعة الملك خالد كلية الشريعة/ جامعة أم القرى" يقول: (حجم الأموال والاستثمارات العربية بالخارج من 800 - 2400 مليار دولار طبقاً للدراسات المختلفة).
الفصل الثالث: فضـائح الغــرب من الداخل:
المبحث الأول: فضائح الشذوذ:
1- أكثر من 15 ألف مثلي عقدوا قرانهم في بريطانيا في ظرف 9 أشهر. والمثلي: هو من تزوج بمثله كالمرأة تتزوج بالمرأة، والرجل يتزوج بالرجل.
2- ابنة الرئيس الأمريكي تعترف بأنه شاذة جنسياً.
3- ألمانيا تمنح الشاذين جنسياً مزيداً من الحقوق الأسرية.
4- نشرت مجلة " الأوبر فاتوار" الفرنسية تحقيقاً كشفت فيه النقاب عن تهاون القضاء الفرنسي في معالجة قضايا الاعتداءات الشاذة التي ارتكبها بالغون بحق أطفال صغار وذلك بالنظر إلى الأحكام المخففة التي تصدر في مثل هذه القضايا، وجاء في إحصاءات عام 1992م أن 2000إلى 2500طفل ضحية سنوية، ويعانون من حالات خطيرة، وأعلنت وزارة الصحة الفرنسية أنه على مستوى المدارس فإن طفل على الأقل في كل فصل يكون ضحية للاعتداءات الشاذة، أما ما يصل إلى المحاكم فلا يتجاوز 30% من هذه الحوادث).
من "مجلة الأسرة" العدد (9) 1414 هـ - 1994م.
5- روعت بلجيكا بأخبار المجرم الذي اختطف عدداً من الفتيات وتم اكتشاف جثثهن في حديقة منزله، ثم قادت التحريات إلى أن المجرم إنما هو فرد من عصابة تقوم باختطاف الأطفال لاستغلالهم في الدعارة، وقد كتبت جريدة "الحياة" تقول: (لا تزال بلجيكا تعيش حالة ذهول بعد كشف التفاصيل المروعة لأعمال شبكة من الشاذين الذين يقيمون علاقات جنسية مع الأطفال، وهذه القضية تعد الأخيرة في سلسلة شبكات مماثلة كشف عن تورطها في ارتكاب جرائم جنسية ضد أطفال أوروبا وأمريكا الشمالية خلال السنوات الأخيرة).
وأوردت صحيفة أخرى قائلة: (إن ما حدث في بلجيكا لم يكن حالة منعزلة حيث تفيد الأوساط القضائية في بروكسل أن منطقة وسط أوروبا وشرقها قد تحولت بعد انهيار الشيوعية إلى أهم المراكز العالمية للإتجار بأجساد الأطفال ومخزن كبير لتطعيم أسواق الدعارة التي تقوم عليها سياحة الجنس في تلك البلدان).
6- وقد أوردت صحيفة "الشرق الأوسط" أن عدد الأطفال تحت سن 18 الذين يعملون في الدعارة تجاوز المليون طفل في آسيا، ومن مئة إلى ثلاثمائة ألف طفل في أمريكا الشمالية وفقا لإحصائيات اليونسيف والمركز الوطني للأطفال المشردين والمفقودين في واشنطن، وتشير الصحيفة إلى أن السياح الأوروبيين يعدون من أبرز الأسباب في انتشار هذه التجارة نظراً لما يبذلونه من أموال في الدول الفقيرة مثل تايلند والفلبين وغيرهما، حيث تقول الصحيفة: "إن السياح الأجانب وبسبب المبالغ الطائلة التي ينفقونها على هذه الممارسات جعلوا سوق الدعارة أكثر نشاطاً، كما إنهم أغرقوا العالم أيضا بالأفلام الجنسية الخليعة وزادوا من انتشارها).
7- وقد أصبح المؤتمر فرصة لفضح كثير من الممارسات الأوروبية في مجال الدعارة والصور الفاحشة سواء بالنسبة للأطفال أو الكبار فقد أورد تقرير وكالة الأنباء الفرنسية أن تقريراً إيطاليا كشف عن أرقام مثيرة للصدمة بالنسبة لممارسات دعارة الأطفال ولاسيما في جنوب إيطاليا، وذكر التقرير أن الفضيحة التي أثيرت منذ شهرين في "مدينة باليرمو" بجزيرة صقلية حول استغلال عدد من الأطفال الإيطاليين دون العاشرة في الدعارة المباشرة مع بالغين ليست هي حالات معزولة بحال).
والحقيقة أن استغلال الأطفال جنسياً ليس بالأمر الجديد فالغرب يعرف هذا، وقد سنت الحكومة الألمانية عدداً من التشريعات ضد مواطنيها الذين يسافرون إلى جنوب شرق آسيا لممارسة هذه الجرائم، وقد نشرت الصحف الأوروبية أيضا عن اكتشاف شركات دنماركية تتاجر في الصور الخليعة للأطفال، كما أن الولايات المتحدة تعاني من ظاهرة الأطفال الضائعين والهاربين أو المخطوفين، وقد خصصت محطة التلفاز الإخباري (سي إن إن) عدة برامج لبحث هذه المشكلة، ومما ورد في هذه البرامج أن أمريكا تعاني من تفاقم مشكلة اختطاف البنات والأولاد دون سن العشرين، وذكرت المحطة أن عدد المخطوفين يصل إلى عشرات الألوف، وقد تكونت جمعيات تطوعية للبحث عن الأطفال المخطوفين وتستخدم هذه الجمعيات وسائل كثيرة من بينها الطائرات.
المبحث الثاني: نتائج الزنى:
1- إن نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الأمريكية قد بلغت 48 % ثمان وأربعون بالمائة.
2- ونقل عن جريدة "الأحد" اللبنانية في عددها (650): (أن الفضائح الجنسية في الجامعات والمعاهد الأمريكية بين الطلاب والطالبات تتجدد وتزداد عاما بعد عام، وأن الطلاب يقومون بمظاهرة في بعض جامعات أمريكا، ويهتفون فيها قائلين: (نريد فتيات، نريد أن نرفه عن أنفسنا) وذكرت أن هجوماً ليلياً وقع من الطلاب على غرف نوم الطالبات وسرقوا ثيابهن الداخلية).
3- وقال عميد الجامعة معقباً على ذلك الحدث: (إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعاً جنسياً رهيباً، ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكثر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة).
4- وقد أشارت الإحصائيات في الأعوام المتأخرة على أن (120) ألف طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية، لا تزيد أعمارهن على العشرين، وأن كثيراً منهن من طالبات الجامعات، وذكرت أن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها، وبالوسائل المتجاوبة مع العاطفة، وأن أكثر من 60 % ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات، وتعود أسباب فشلهن إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن ومستقبلهن، وأن 10% عشرة بالمائة فقط ما زلن محافظات، انظر ما نقل من جريدة "الأحد" اللبنانية عدد (650).
5- وتقول إحصائية رسمية أمريكية: إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك "صحيفة الأخبار المصرية" العدد 2/ 7 / 1968، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا.
6- إن إحصائيات عام 1979م تدق ناقوس الخطر، فعدد اللواتي يلدن سنوياً من دون زوج شرعي وفي سن المراهقة لا يقل عن ستمائة ألف فتاة بينهن لا أقل من عشرة آلاف فتاة دون سن الرابعة عشر من العمر، وإذا أضيف عدد اللواتي يلدن بدون زوج بعد سن المراهقة فإن العدد الإجمالي يتجاوز المليون. "عمل المرأة في الميزان" (ص131) عن كاتب أمريكي في مجلة أمريكية كبرى.
7- ومن عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء. وفي عام 1995م: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار.
8- والخيانة الزوجية لا تشكل جريمة في القانون الإنجليزي والفرنسي والإيطالي والألماني والبلجيكي والياباني والدول الاسكندينافية وقوانين الدول الاشتراكية والاتحاد السوفيتي سابقاً وعدد كبير من الولايات الأمريكية.
المبحث الرابع: ظلم المرأة:
قتل النساء في الولايات المتحدة وغيرها:
كل يوم تقتل عشر نساء من قبل الزوج أو الصديق, من هذه الحالات (75%) يتم القتل بعد أن تترك المرأة صديقها فينتقم منها بالقتل، أو تطلب الطلاق من زوجها, أو تعصي زوجها.
في روسيا عام 1995 نصف حالات القتل هناك تمت ضد النساء من قبل أزواجهن, أو أصدقائهن, وفي عام 93 قتل (14000) امرأة, وجرح (54000 ) جراحات شديدة.
ملاجئ النساء:
في الولايات المتحدة فقط 1400 ملجأ للنساء المضروبات, أو الهاربات من أزواجهن, وهن اللاتي لا يجدن ملجأ عند أهل أو أقارب.
- في كندا 400 ملجأ، وفي ألمانيا 325، وفي بريطانيا 300، وفي أستراليا 270، وفي نيوزيلندا 53، وفي هولندا 40، وفي استراليا 19، وفي إيرلندا 10، وفي اليابان 5.
ضرب النساء:
ونشرت "مجلة التايمز" تحقيقاً حول حوادث الضرب التي تتعرض لها الزوجات الأمريكيات، فقالت: إن من بين 2000 إلى 4000 زوجة تتعرض للضرب الذي يفضي إلى الموت.
- المقتولات في أمريكا من قبل أزواجهن أو أخلائهن: طبقا لإحصائيات مكتب التحقيقات الفدرالي، فإن30 % من ضحايا قتل الإناث بالولايات المتحدة الأمريكية في 1990م قد قتلن من قبل أزواجهن أو أخلائهن، وقد بلغ ذلك تقريبا 3000 امرأة.
- 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن، 75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي.
- و80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد. و 87% لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرن المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومن اللواتي يرفعن شعاراتها.
- و42% من الأمريكيات يتعرضن لتحرشات جنسية في أماكن العمل والدراسة والمنتديات والشوارع.
- 6 ملايين امرأة تضرب في بيوتهن دون أن يبلغن الشرطة أو يذهبن إلى المستشفى، وعشرات الآلاف دخلن المستشفيات للعلاج من إصابات تتراوح بين كدمات سوداء حول العين وكسور في العظام وحروق وجروح وطعن بالسكين وجروح الطلقات النارية وبين ضربات أخرى بالكراسي والقضبان المحماة.
- 20% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة (دراسة عن النساء المغتصبات في أمريكا) اعترفن أنهن اغتصبن من قبل أصدقائهن. و24 امرأة جرى الاعتداء عليهن نهارا في إحدى حدائق نيويورك.
- دلت الإحصاءات الحديثة أن ربع طالبات المدارس الثانوية حبالى، وأن البكارة مفقودة البتة، وفي مدينة (نفز) عاصمة (كولورادو) تبلغ نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية 48%. يقول القاضي لندرس: (إنه يسقط في أمريكا مليون حمل على الأقل في كل سنة، ويقتل آلاف الأطفال فور ولادتهم). وفي أمريكا مليون طفل يولدون سنوياً من السفاح.
- 85% من الزيجات في الدول الغربية تنتهي بالطلاق.
- في دراسة باسم (جهنم شخصية) في "مجلة تايم الأمريكية" بالنسبة للطفل أو المرأة يعتبر البيت أشد خطرا من الشارع والعنف المنزلي يسبب في سقوط ضحايا أكثر مما تسببه الأمراض أو حوادث الطريق، وحسب الإحصائيات الأمريكية: 80% من جرائم القتل هي جرائم عائلية، و (24،500) جريمة عائلية في عام 1993م، و 48 % من الجرائم مسرحها البيت.
- وفي عام 1982م: 80% من المتزوجات منذ 15 عاما أصبحن مطلقات.
- في عام 1995م: 82 ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً.
- 70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح، و4 آلاف يقتلن كل عام ضربا على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن.
74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
- ومن 1979م إلى 1985م: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر، وذلك دون علمهن.
من 90ـ95% من ضحايا العنف العائلي في أمريكا هم من النساء.
- ضرب الزوجات في أمريكا: انتشرت عادة ضرب الرجل زوجته في الغرب على المستويات الاجتماعية والثقافية ودون ضوابط، وتقول الإحصاءات إن في أمريكا كل 15ثانية يضرب أحد الأزواج زوجته ضربا مبرحاً.
74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
تجارة الرقيق الأبيض:
انتشرت في أوروبا تجارة النساء فبعد أن كانت بضاعتها تأتي من الدول الأسيوية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أصبحت دول أوروبا الشرقية منبعا لهذه التجارة، ويحكي تقرير "جريدة التايمز اللندنية" عن امرأة بولندية كانت تبحث عن وظيفة لإعالة ولديها، عرضت عليها وكالة عمل وظيفة مقابل ثمانمائة دولار شهرياً للعمل في مطعم في ألمانيا، ولكنها لم تعمل قط في مطعم حيث أخذت واغتصبت وأجبرت على العمل بغياً، ثم نقلت بعد عدة أشهر إلى هولندا لتعمل في المنطقة الحمراء من المدينة، ولما حاولت الهرب أعيدت واعتدي عليها بالضرب المبرح على رأسها وفي بطنها وكان يطلب منها دخل معين كل يوم.
وتداعت أوروبا أيضا بعقد مؤتمر للنظر في هذه التجارة المتزايدة في شهر يونيه عام 1996م، وتقول "أنيتا جاردين" المكلفة من قبل الاتحاد الأوروبي بتنظيم هذا المؤتمر بأن القضية ليست قضية أمن بحيث يمكنك إغلاق الحدود، وحتى لو تم القبض على المجرمين المتهمين بتهريب الأشخاص فإن الأحكام في العادة لا تتجاوز سنة أو سنتين في السجن بينما عقوبة تهريب المخدرات بين عشر إلى اثنتي عشرة سنة في السجن، وذكر التقرير أن القائمين على تجارة الرقيق الأبيض غاية في التنظيم، فمن بين هؤلاء تم القبض على رجل بولندي مسؤول عن إرسال أكثر من مائتي امرأة إلى ألمانيا وهولندا منذ عام 1994م، ومن بين هؤلاء النساء من لا تتجاوز أعمارهن السادسة عشرة.
ومما يدفع النساء إلى العمل هو الحصول على المال، ولكنهم بعد فترة من العمل الإجباري على البغاء ولو قررت إحداهن ترك العمل فإنها في الغالب لا ترجع إلا بأقل المكاسب بينما يحقق الغنيمة الكبرى هم الذين يديرون شبكات استرقاق النساء.
المبحث السابع: الأمراض العقلية:
تقول الإحصائيات في "الولايات المتحدة الأمريكية": (إن المرض العقلي يشكل أخطر تهديد لصحة أبناء شعبها إذ يشير تقدير المعهد القومي للصحة العقلية الصادر في يوليو 1954 إن عدد المرضي الذين ترعاهم مستشفيات الأمراض العقلية يناظر مرضي المستشفيات الأخرى مجتمعة على اختلاف أنواعها ولا يتدرج بطبيعة الحال في هذا الإحصاء عشرات الآلاف من الحالات المرضية التي لم تقصد المستشفيات وإنما تولى علاجها إذا قدر لها أن تحظى بالعلاج أطباء الأمراض العقلية).
ذكر الكاتب الأمريكي "إريك جون ونج وول" في كتابه (المرأة الأمريكية) أن في الولايات المتحدة نحو عشرين مليونا ممن يعانون الأمراض النفسية والعصبية.
وورد في تقرير رسمي خطير لوزارة الشئون الاجتماعية السويدية: أعلنت الدولة أن 25% من السكان في السويد مصابون بأمراض عصبية ونفسية، وأن 30% من مجموع المصروفات الطبية في السويد تنفق في علاج الأمراض العصبية والنفسية، وأن 40% من مجموع الأشخاص الذين يحالون إلى التقاعد قبل سن المعاش بسبب العجز التام عن العمل هم من المرضى المصابين عقليا.
المبحث الثامن: الاختطاف:
1- تعاني الولايات المتحدة من ظاهرة الأطفال الضائعين والهاربين أو المخطوفين، وقد خصصت محطة التلفاز الإخباري (سي إن.إن) عدة برامج لبحث هذه المشكلة، ومما ورد في هذه البرامج أن أمريكا تعاني من تفاقم مشكلة اختطاف البنات والأولاد دون سن العشرين، وذكرت المحطة أن عدد المخطوفين يصل إلى عشرات الألوف، وقد تكونت جمعيات تطوعية للبحث عن الأطفال المخطوفين وتستخدم هذه الجمعيات وسائل كثيرة من بينها الطائرات.
2- إن هناك 75% من نساء ألمانيا يشعرن بالخوف خارج المنزل عند حلول الظلام، وترتفع النسبة في بعض المدن إلى 85%، وقد خصصت بلدية لندن حافلات خاصة بالنساء من الساعة السادسة مساء إلى منتصف الليل بسبب الاعتداء عليهن.
المبحث التاسع: الاغتصاب والاعتداء الجنسي:
1- في تقرير أخير نشرته مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل ذكرت أنه 42% من النساء العاملات يتعرضن له، وأنه فقط أقل من 7% من الحوادث يرفع إلى الجهات المسئولة وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسيا و12% منهن يذهبن لطلب المعونة الطبية النفسية.
مترجم من مجلة "الطب النفسي" الأمريكية يناير 1994(ص10).
2- في أمريكا نسبة "إمكان اغتصاب المرأة" ما بين واحدة إلى خمس, والتقديرات المحافظة, واحدة إلى سبع, أي أنه من بين كل (خمس نساء) إلى (سبع نساء) تكون إحداهن تعرضت للاغتصاب, أو ستتعرض له في حياتها.
3- عدد المغتصبات اللاتي سجلن حوادث اغتصابهن عند الشرطة في عام 96 كان90430, أما اللاتي لم يسجلن حادثة الاغتصاب فيقدرن بـ 310000 حالة.
4- عدد حالات الاغتصاب في كندا: المسجلة (20530) وليس هناك إحصاء لغير المسجلات, ولكن في كندا (150) مركزاً لمساعدة المغتصبات اللاتي يأتين لطلب المساعدة, بعد الاغتصاب، ورقم المراكز في (أمريكا) لا تتوفر له إحصائية, وذلك أن منه الرسمي, والتطوعي.. ومن يعرف المجتمع, يعرف مدى انتشار هذه المراكز, فهي خدمة اجتماعية منتشرة في الأحياء, والجامعات.
حالات الاغتصاب المسجلة في ألمانيا (5527) لم تشر الكاتبة لتقدير الأرقام غير المسجلة".
6- في جنوب إفريقيا (2600 ) حالة مسجلة, وغير المسجل يقدر بـ386000، وإسرائيل بها سبعة مراكز لمساعدة المغتصبات، وبنغلاديش بها مركز واحد، وروسيا سجل فيها (14000) أما التقدير للحالات فهو من أعلى دول العالم : (700000)، في أستراليا (75) مركزا لمساعدة المغتصبات، وفي نيوزيلاندا (66).
وقد نشر "مركز الضحايا الوطني" و"مركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصاب" أن ثمان وسبعين امرأة يتعرضن للاغتصاب كل ساعة أي 683 ألف امرأة سنوياً، أما التعرض للمضايقات الجسدية أو التحرش الجنسي فحدث ولا حرج، فإذا كان الاغتصاب يصعب تحديد حالاته بدقة لأن نسبة كبيرة من النساء لا يبلغن عن حدوثه وذلك لصعوبة إثباته أو للمضايقات التي يتعرض لها إذا ما أقدمن على الشكوى(125)، فإن تعرض المرأة للمضايقات الجنسية بلغ حداً كبيراً، ومما يلفت الانتباه أن ثلثي الشرطيات البريطانيات يتعرضن للمضايقات الجنسية من زملائهن في العمل مما أدى إلى قيام إدارة الشرطة بتكليف عالمة نفس بدراسة الوضع واقتراح الحلول المناسبة.
اغتصاب الرجال:
ومن العجائب أن جرائم الاغتصاب في الغرب لم تقتصر على اغتصاب النساء فقط، بل إن الغرب بدأ يشهد أمراً عجيباً وهو تعرض الرجال للاغتصاب، فقد ذكرت "صحيفة التايمز اللندنية" أن الرجال أصبحوا هم أيضاً ضحايا الاغتصاب، وأن القانون قد يعترف بجريمة جديدة هي اغتصاب الرجال، فالقانون الذي وضع عام 1956م لا يعترف باغتصاب الرجال، ولكن الاتجاه الآن إلى اعتبار الاغتصاب جريمة بغض النظر على من وقعت رجلا أو امرأة، وقدمت الصحيفة بعض الأرقام حول حوادث اغتصاب الرجال فقد وصلت إلى الشرطة 516 حالة عام 1982م ارتفعت إلى 1255 حالة عام 1992م، أما حالات التحرش بالرجال فقد ارتفعت من 2082 حالة عام 1982م إلى 3119 عام 1992م وأشارت الصحيفة إلى أن مثل هذه الحالات تقع في السجون.
المبحث العاشر: ضياع الأطفال وبيعهم:
1- -60% من أطفال الحضانات يعانون من المشاكل النفسية، أهمها العناد والعدوانية.
جريدة "الشرق الأوسط" عدد (5250).
2- في بدايات 1990 م أقيم لقاء تلفزيوني مع رئيسة وزراء بريطانيا ما رجريت تاتشر جاء فيها: (تضاعف عدد الرجال والنساء المرتبطين بعلاقة غير شرعية ثلاث مرات في الفترة من 1979 حتى 1987 والمحصلة 000, 400 طفل غير شرعي وهذا دفع المعلقين إلى المطالبة بإعادة النظر في العلاقات الإنسانية).
فقالت: (إن الحكومة سوف تتخذ من الإجراءات ما يجبر هؤلاء الآباء على تحمل نصيبهم من المسئولية).
وتقول: (إن المرأة هي الخاسرة، وهي التي تتحمل العبء الثقيل لهذا التحرر المزعوم). "الشرق الأوسط" 21/1/1990م.
3- وهناك 6 ملايين حالة ضرب شديد من قبل الوالدين في أمريكا، 3 آلاف منهم يؤدي بهم الضرب إلى الموت.
4- - في تقرير نشر في أمريكا جاء فيه: (إن واحداً من بين كل ستة أطفال في أمريكا يعاني من الفقر، وفي التقرير السنوي لصندوق الدفاع عن الأطفال الأمريكيين والمسمى الكتاب الأخضر: أظهرت إحصاءات الحكومة عن الفقر لعام 1999م أن أكثر من 12 مليونا من أطفال أمريكا يعيشون تحت خط الفقر على المستوى الاتحادي.
5- يعتقد الخبراء مثل "رايان ريني" من المركز الوطني لادعاء الاعتداء على الأطفال أن عدد وفيات الأطفال سنوياً بسبب القسوة قد يصل إلى (5،000).
6- في الولايات المتحدة في عام واحد (5600) طفل دخلوا المستشفى بسبب ضرب أمهاتهم العاملات لهم غالبهم تعرض لعاهات بسب الضرب.
7- وهناك 12 مليون طفل أمريكي مشرد في ظروف غير صحية، وفي إحصائية أخرى تبين أنه يباع في أمريكا أكثر من (5000) طفل كل سنة، في عام 1990م اتخذ البرلمان الأوربي قراراً يدين الولايات المتحدة على قيام الأمريكيين على نطاق واسع بشراء الأطفال في الأحياء الفقيرة في هندوراس وغواتيمالا، لاستخدام أعضائهم لزراعتها في أجسام أخرى.
8- كتبت جريدة الأهرام في 29/5/1974م: (زادت أعداد الأمهات اللائي يعرضن الأولاد غير الشرعيين للبيع في أوربا بعد أن وصل السعر إلى أكثر من ألف جنيه للطفل الواحد وأكثر من ذلك.. إن صفقات البيع تتم قبل أن يولد الطفل، وقوائم الانتظار تضم مئات الطلبات).
وتجري الآن دراسات واسعة حول انتشار هذه الظاهرة الخطيرة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وأمريكا بعد أن بدأت تأخذ شكلَ سوق سوداء يديرها طبيب إنجليزي اسمه: د. سانج، له مستشفى ولادة خاص به في لندن".
المبحث الحادي عشر: الإجهاض:
يعتبر الإجهاض جريمة في كل الشرائع والقوانين، وفي أمريكا قضية الإجهاض له زخم إعلامي كبير، وما زالت المواجهات محتدمة بين أنصار الإجهاض وخصومه, ولذلك أثره الكبير ونقاشه العام, حتى على مستوى من يفوز في الانتخابات, قد يساعد على أن يحدد مصيره, موقفه من الإجهاض، فالمحافظون المتدينون ضده, ويتهمون المجهضين والموافقين بأنهم قتلة للأطفال, والمعارضون يسمون أنفسهم أنصار الاختيار, وقد اشتدت المواجهات بالسلاح بينهم، وكل ذلك حول أطفال أغلبهم من السفاح.
وإليك هذه الإحصائية: بين عامي 1990 و1995 تم اغتيال خمسة من العاملين في عيادات الإجهاض و12 حادثة محاولة أخرى, و196 حالة تهديد بالقتل, و65 حادثة مسلحة أو تفجير, تمت للعيادات, و30 محاولة غير ناجحة, و 115 تهديدا بالتفجير, و372 محاولة تخريب و إضرار بالعيادات التي تنفذ الإجهاض.
ويموت في العالم ما يزيد عن 200000 امرأة, تموت سنوياً، بسبب محاولات الإجهاض غير المسموح به, أغلبهن في آسيا ص 38 - 39 وقد كان شعار أنصار "عدم الإجهاض": (أوقفوا القتل).
ولكن لما زادت محاولاتهم في قتل الأطباء وتخريب العيادات، بدأت تظهر دعايات ضدهم, وكاريكاتيرات تقول : (أوقفوا القتل أنتم أيضاً), وهناك أحد هؤلاء الذين فجروا عيادات في "كارولاينا", لم يزل هارباً - منذ ما يزيد عن عام - وينشر الرعب, هو وأنصاره, ولم يقبض عليه إلى الآن, وهو هارب في الغابات, ويتهم مجموعة من "المتدينين" أنهم يناصرونه.
كتبت "صحيفة التايمز" اللندنية مقالة بعنوان (أمريكا تفقد حريتها) تناولت حوادث القتل التي يقوم بها جماعة من المتطرفين الدينيين ضد الأطباء والعاملين في عيادات الإجهاض، ويتعجب كاتب المقال عن هذه الحضارة المزعومة التي يضطر فيها الطبيب أن يرتدي سترة ضد الرصاص وهو متوجه إلى عمله أو أن تضطر هذه العيادات للاستعانة بالشرطة.
في تقرير إحصائي أصدرته منظمة الصحة العالمية في عام 1962م ذكرت منظمة الصحة أنه يجري في كل عام 15 مليون حادثة إجهاض أو قتل جنين، وهذا الرقم يمثل فقط العمليات السرّية غير المشروعة قانونًا، أما الدول التي تسمح بهذا العمل كالدول الإسكندنافية ومعظم دول أوربا التي تبيح الإجهاض فهي غير داخلة في الإحصاء.
وفي المجر أعلن بروفسور مجري أن عدد حالات الإجهاض التي تحدث في العالم أصبحت تبلغ 30 مليون حالة سنويًا، وأن عدد تلك العمليات في بعض الدول كألمانيا والنمسا وبلجيكا يفوق عدد حالات الوضع.
وفي إنجلترا يبلغ العدد الإجمالي لحوادث الإجهاض عام 1391هـ تقريبا 80723 حادثة، والأرقام في زيادة مستمرة.
المبحث الثاني عشر: احترامهم للإنسان:
نأتي إلى ما يدلل على مدى احترام هذه الدول الغربية للإنسان، فهناك اقتراح يدعو إلى تصدير التلوث إلى العالم الثالث, أي: يدعو إلى نقل النفايات والمواد الملوثة إلى العالم العربي والإسلامي, وقد كان هناك خبير اسمه "لويس سومر" وهو كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي, يقترح تصدير الصناعات التي ينتج عنها التلوث إلى دول العالم الثالث, يعني أن تنتقل إلى دول العالم الثالث.
وهناك تقرير نشر في عدد من الصحف والمجلات منها مجلة "المجتمع الكويتية" ومنها جريدة "المدينة" وهو تقرير غريب وخطير يقول بعد كلام طويل: (إن الغرب يصدر كل شيء ملوث إلى العالم الإسلامي, دون تحفظ).
ويقول: (إن أمريكا اكتشفت أن هناك بعض "البجامات" تتسبب في السرطان, وفوراً منع تداول هذه "البجامات", وبعد هذا المنع قامت الشركة التي انتجتها بتصديرها إلى دول آسيا وإفريقيا، وفي خلال تسعة أشهر بعد المنع استطاعت أن تصدر ما يزيد على مليونين "بجاما" إلى أطفال آسيا وإفريقيا.
وأول شيء فعله الرئيس "ريجان" بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة هو الغاء القرار السابق, والقاضي بعدم تصدير مواد سامة إلى العالم الثالث دون علمه, ولا تزال القوانيين الأمريكية والأوربية حتى هذه اللحظة تبيح تصدير جميع المواد السامة والأغذية الملوثة, والمواد المسببة للسرطان والمبيدات الحشرية الممنوعة في أوربا وأمريكا, تبيح تصدير ذلك كله إلى إي دولة من دول العالم الثالث, ودون أن تخبر هذه الدولة بالمواد السامة المرسلة إليها).
ومن عجائب هؤلاء الناس ما ذكره أحدهم في كتابه حول "التنصير" من أن هذه البعثات الطبية التنصيرية تستغل في إجراء التجارب حول مدى صلاحية الأدوية التي ترفض هيئات الأغذية والأدوية إجراءها على المجتمع الغربي، قبل أن تثبت فعاليتها في الأرانب أو الفئران، فيؤتى بها إلى المناطق التي تتركز فيها مستشفيات ومستوصفات ومختبرات تنصيرية، فتجرى فيها التجارب على البشر، ثم يكتب بها تقارير إلى هيئات الأغذية والأدوية الغربية لإقرار استخدامها لتركب وتصنع ثم تصرف للناس.
المبحث الثالث عشر: الأمراض الجنسية:
1- في عام 1993 كان هناك 13000 ألف شخص يصاب يوميا في العالم، والمتوقع أن يصاب بالإيدز ما يقدر بـ60 إلى سبعين مليوناً من البشر بل هو أكثر من ذلك بكثير، ومناطق العالم الإسلامي هي الأقل إصابة به في العالم.
2- في عام 1995 في أمريكا وكندا بلغ عدد المصابين ما يزيد عن مليون وثلاثمائة رغم التوعية الصحية والإعلامية، وأعلى الأرقام في "إفريقيا - جنوب الصحراء" يصل إلى 3 ملايين و360000.
ونتيجة لانتشار البغاء والزنا والشذوذ الجنسي فقد انتشرت الأمراض التناسلية انتشاراً ذريعاً في المجتمعات الغربية، ويعتبر السيلان "الجونوريا" أحد أكثر الأمراض انتشاراً في العالم وهناك مئات الملايين الذين يصابون به في كل عام، وقد كان هذا المرض من أسهل الأمراض علاجاً ولكنه اليوم لم يعد كذلك فقد تعودت البكتريا المسببة له على مختلف المضادات الحيوية وأصبح من العسير القضاء عليها، وجاء في "مرجع مرك الطبي" "عام 1977 الطبعة الثالثة عشر: (أن عدد المصابين بالسيلان في الولايات المتحدة عام 1976 كانوا ثلاثة ملايين نسمة، وأن عددهم في العالم بلغ أكثر من 250 مليون نسمة حسب إحصاءات هيئة الصحة العالمية وكذلك عاد إلى الظهور مرض الزهري بعد أن كاد يندثر ويختفي بعد ظهور البنسلين، ولكنه الآن عاد بمناعة ضد البنسلين، وفي الولايات المتحدة سجلت 400،00 حالة عام 1976، وذكرت هيئة الصحة العالمية أن عدد المصابين بالزهري جاوزوا الخمسين مليوناً عام 1976 م).
3- ليس ذلك فحسب ولكن ظهرت أمراض تناسلية لم تكن معروفة من قبل وخاصة بين الشاذين جنسياً، فقد انتشر بين هؤلاء الشاذين التهاب الكبد الفيروسي من فصيلة (ب) فإن الفيروس ينتقل مع إفرازات الجهاز الهضمي من الشرج وينتقل إلى القضيب ومنه إلى جسم الشاذ والعكس صحيح ينتقل مع المني إلى القناة الشرجية ومنه إلى بقية الجسم.
4- وكذلك دلت الأبحاث على زيادة كبيرة في سرطان القناة الشرجية والمستقيم لدى المخنثين، وانتشر مرض هربس التناسل في أمريكا وأوروبا، وقد بلغ عدد حالات الهربس عام 1982 في الولايات المتحدة عشرين مليون حالة، وفي بريطانيا مائة ألف حالة.
كما ظهر مرض الايدز أي مرض فقدان المناعة المكتسب وهو مرض مميت خلال عامين أو ثلاثة من بداية ظهور الأعراض، ويصيب أساساً المخنثين 70%من مجموع الحالات، وقد بلغ عدد الحالات المسجلة بمرض الإيدز ما يقارب خمسين مليون إنسان، طبقاً لآخر التقارير الصادرة من "منظمة الصحة العالمية".
أم سمية الأثرية
2016-01-15, 11:59
الفصل الرابع: الأسباب الحقيقية لتخلف المجتمعات الإسلامية:
الأمة الإسلامية تمثل أكبر تجمع بشري على وجه الأرض، ويفوق تعداده الألف مليون نسمة، وتربو مساحة دولها الخمسين على ربع مساحة اليابسة أرضاً متصلة ومتكاملة من حيث المناخ والتضاريس والطبيعية وتوسط العالم وتنوع مصادر المياه فيها, وتبلغ مساحة المزروع منها نحو أربعمائة مليون فدان خلافاً للمساحات الشاسعة الصالحة للزراعة, وتمتلك نحو ثلاثة أرباع احتياطي النفط في العالم وأكثر من ربع احتياطي الغاز الطبيعي, خلافاً للطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المائية والهوائية والهيدروجينية الهائلة, وتمتلك رصيداً ضخماً من خامات المعادن, وتسيطر على خطوط المواصلات البحرية والجوية في العالم، ولكن مع هذا فهي دول متأخرة تكنولوجياً لعدة أسباب:
الأول: تجزئة العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة، وتفرقة أهله والتحريش بينهم بأنواع المكائد، حتى تبقى هذه الدول ضعيفة عاجزة عن أن تأخذ حقها، لكل دولة قضايا خاصة بها غير قضايا الدول الأخرى: وتعتبر هذه القضية هي أكبر ضربة ضرب بها المسلمون، فلقد أنهكتهم القوى وسلبتهم التناصر على الحق والدين.
ولم يكتف الأعداء بهذا التفريق الجغرافي بل ذهبوا يدسون الدسائس بالأفكار والأقوال التي تزيد المسلمين شتاتاً وفرقة، فقد زرعوا بينهم الحركات الهدامة والمذاهب الباطنية كالبهائية والبابية والقاديانية والإسماعيلية وغيرها، والدعوة إلى القومية العربية وغيرها، والدعوة إلى فتح باب الأحزاب الظاهرة وتعدد الرأي، ودس الحركات والأحزاب السرية التي تعمل لصالح الغرب.
الثاني: الهيمنة الصليبية على العالم ولاسيما الدول العربية، وعلى رأسها أمريكا ويظهر ذلك بما يلي:
1 - ممارسة أشد الضغوط السياسية على حكومات دول العالم كي تسير في فلك السياسة الأمريكية.
2 – دخول أمريكا مع حليفاتها - ولاسيما بريطانيا - في حروب مدمرة كالذي يحصل في أفغانستان والعراق، وقد استطاعت أمريكا أن تسكت دولاً عن هذه الحرب واستطاعت كذلك الحصول على تأييد ودعم عدد كبير من الدول بما فيها الأوروبية، لاستخدامها في حروبها المحققة لمصالحها، (33 دولة في حرب الخليج الثانية، 30 دولة في حرب احتلال أفغانستان وإسقاط طالبان، أكثر من 60 دولة في حرب احتلال العراق).
3 - هيمنة وسيطرة أمريكا على منابع النفط في المواقع الرئيسة المنتجة له: (العراق، بحر قزوين) وغيرها.
4 - انفراد أمريكا بالدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي للكيان اليهودي في فلسطين دعماً واضحاً.
الثالث: الغزو العقائدي: والذي يتمثل بالمنظمات التنصيرية والمدارس الأجنبية، وغيرها من الوسائل الدعوية التي تدعو إلى التنصير ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً دون ملل ولا كلل.
الرابع: الغزو الفكري والثقافي الذي امتلأت المجتمعات الإسلامية بها، وكلها تدعو إلى صبغ المجتمعات الغربية والإسلامية بالعادات الغربية، وتحويل العالم إلى قطعة مكبرة من المجتمع الغربي وهو ما يسمى اليوم بالعولمة: وذلك عن طريق وسائل الإعلام من صحافة وراديو وتلفزيون وأفلام وكتب وأسطوانات وأجهزة فيديو.
الخامس: منع الدول العربية من الاعتماد على نفسها من حيث الاستقلال بنفسها في عدة اتجاهات منها وأهمها:
1- في الموارد الزراعية: حتى تبقى هذه الدول راضخة حكومات وشعوباً، ومن ذلك أن أمريكا قامت بمنع بعض الدول العربية من زراعة القمح في بلادها، لأنهم يعرفون أن هذا يعني السعي وراء الاستقلال عن الدول الغربية.
2- والنهضة الصناعية: فما زالت الدول العربية والإسلامية عالة على الدول النصرانية والوثنية في كثير من الصناعات، حتى في صناعة سجادة الصلاة وغطاء الرأس في الصلاة وغيرها، بل في الملابس الداخلية للرجال والنساء.
3- والتسليح العسكري: فكلنا نعلم أن التطور العسكري هو حق مقصور على الدول العظمى، ومن أراد أن يزاحمها قاموا عليه باسم الحفاظ على السلام العالمي.
السادس: عزل الدين عن الناحية الاجتماعية من عدة أوجه:
1- فمحاكم المسلمين تحكم بالقوانين الأوروبية والتي هي زبالة ذهن نابليون ومن كان على شاكلته، بل ما زالت بعض الدول العربية تحكم بالقوانين الروسية إلى اليوم.
2- وما زالت كثير من المدارس معزولة عن تدريس العلم الشرعي، والعلم والآداب الإسلامية في مناهجها الدراسية ضعيفة، ويقوم بها مدرسون أضعف منها بكثير.
3- وما زالت شرطهم ودوائر البحث الجنائي فيها تتعامل بغير الشرع، فلا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، ولا تتعاون على البر والتقوى.
وربما دخل النصراني في الإسلام فلا يجد دوراً خاصة بمن يدخل في دين الإسلام.
نسأل الله تعالى أن يرزق المسلمين العودة الصادقة إلى دينه، ويرزقهم التمسك بكتابه وسنة رسوله.
ولعل الله ييسر بكتاب حلقات أخرى نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
أم سمية الأثرية
2016-01-15, 12:05
الشبهة الخامسة عشر:
دية المرأة وإرثها:
مقدمـــة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الخامسة عشر" والأخيرة من: (شبهات حول الإسلام) تتميز هذه الحلقة باختصارها الشديد، فإنني لم أتوسع فيها كثيراً لظهور الأدلة وشذوذ المخالفين فيها، وهي على قسمين:
القسم الأول: الكلام على دية المرأة.
والقسم الثاني: الكلام على إرث المرأة.
أما القسم الأول: وهو الكلام على دية المرأة، فأرد فيها على من نادى بتسوية دية المرأة بالرجل كأمثال يوسف القرضاوي وشيخه محمد الغزالي ومن نحا نحوهما وسار على طريقتهما من أهل هذا العصر ممن احتج بأشياء متهافتة واضعاً الإجماع والآثار وراءه ظهرياً.
والذين ينادون بالمساواة هم على قسمين أحدهما: قسم منهزم أمام الضجة التي قامت بها بعض المنظمات - وأفراخها من الصحفيين وغيرهم - الذين ينادون بمساواة المرأة بالرجل في كل شيء ومن ذلك المساواة بالدية.
وقد قرأت في بعض صحف "الإخوان المسلمين" عندنا في اليمن عن تلك الندوة التي وقعت في صنعاء والتي شهدت كلاماً حاراً وشديداً فيما بينهم، بين من يريد أن يقف مع الإجماع في تنصيف دية المرأة، ومن هؤلاء عبد الكريم زيدان فقد كان حاضراً ووقف موقفاً شديدا، وآخرون من جنس هؤلاء المنهزمين يتكلفون في البحث عن سلف في المخالفة، ولن يجدوا إلا أمثال ابن علية والأصم وهما من رؤوس أهل الضلال.
والثاني: وإما أنه رجل لم ترسخ قدمه بالشريعة ولم يفهم مقاصدها.
ونستعرض في هذا القسم الأدلة على هذا التنصيف، والعلة فيه، وبيان أنه لم يخالف أحد من أهل العلم سوى اثنين من رؤوس أهل الأهواء سيأتي ذكرهم لا يصلح لأحد من أهل العلم أن ينتسب إليه أو يتخذه سلفاً.
وأحب أن أبين أنني في اللمسات الأخيرة لهذا البحث وقفت على رسالة: (دية المرأة) للأخ عارف الصبري وهو من الإخوان الذين وقفوا مع التنصيف، وقد بذل فيه جهداً مشكوراً، وقد نقلت منه نقولاً يسيرة قدر مسألتين أو ثلاث أشرت إليهن عند كل نقل.
وأما القسم الثاني: فأرد فيها على من دعا إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الإرث متغافلا عن الواجبات الملقاة على عاتق الرجل.
وإن جد شيء من الكتابة في هذه الحلقات فإننا سنلحقها في المستقبل بإذن الله تعالى ونسأل الله تعالى أن ييسر الأمور كلها، والله أعلم.
وتتكون هذه الحلقة من عدة فصول:
الفصل الأول: الأدلة على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل.
الفصل الثاني: العلة من هذا التنصيف.
الفصل الثالث: الشبه في باب الدية والرد عليها.
الفصل الرابع: إرث المرأة.
الفصل الأول: الأدلة على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل:
المبحث الأول: الأحاديث المرفوعة:
1- حديث عمرو بن حزم:
ولفظه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دية المرأة نصف دية الرجل").
ولم يثبت هذا اللفظ من حديث عمرو بن حزم كما قال غير واحد من العلماء.
قال ابن الملقن في "البدر المنير" (8/442): (هذا الحديث لا أعلم من خرجه من حديث عمرو بن حزم، وقد أسلفناه بطوله وليس هذا فيه، نعم هو موجود باللفظ المذكور من حديث معاذ بن جبل مرفوعاً أخرجه البيهقي كذلك، وقال: "ويروى من وجه آخر عن عبادة بن نسي وفيه ضعف"، وقال في الباب الذي بعده: "روي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت مثله".
قلت: وسيأتي في آخر الباب آثار تعضد هذا).
رحمه الله في "التلخيص الحبير"(4/74): (هذه الجملة ليست في حديث عمرو بن حزم الطويل، وإنما أخرجها البيهقي من حديث معاذ بن جبل، وقال: إسناده لا يثبت).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء (2252): (لم أره في شيء من طرق حديث عمرو بن حزم).
2- حديث معاذ بن جبل:
أخرجه البيهقي (8/95) من طريق بكر بن خنيس عن عبادة بن نُسي عن ابن غُنم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) .
قال البيهقي: (إسناده لا يثبت مثله).
وقد ضعف حديث معاذ جماعة من العلماء.
قلت: رجاله ثقات غير بكر بن خنيس، وبكر هذا تكلموا فيه، فبعضهم على تركه، وآخرون على ضعفه فقط، والصحيح أنه يصلح في الشواهد.
قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (سمعت أبي – وسئل عن بكر بن خنيس – فقال: (ليس هو بقوي في الحديث) قلت: هو متروك الحديث ؟ قال: "لا يبلغ حد الترك").
ولذلك توسط الحافظ فيه فقال: (صدوق له أغلاط، أفرط فيه ابن حبان).
وتبعه الشيخ الألباني في "الإرواء" فقال: (وبكر بن خنيس صدوق له أغلاط، أفرط فيه ابن حبان، وقد روي معنى الحديث عن جماعة من الصحابة).
قلت: فإذا اعتبرنا بكر بن خنيس ضعيفاً فحديث معاذ لا ينزل عن كونه يصلح في الشواهد والمتابعات، وهذه الآثار سيأتي ذكرها، وهي تقوي هذا الحديث المرفوع عند من يرى تقوي المرفوعات بالآثار كالشافعي رحمه الله وغيره، بل قد صرح بعضهم كما رأيت من كلام ابن الملقن حيث قال: (وسيأتي في آخر الباب آثار تعضد هذا).
3- حديث عبد الله بن عمرو:
رواه النسائي في "السنن الكبرى" (7008) قال: أخبرنا عيسى بن يونس الرملي قال حدثنا ضمرة بن ربيعة الفلسطيني عن إسماعيل بن عياش عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها).
قال النسائي: (إسماعيل بن عياش ضعيف كثير الخطأ) أ.هـ
وأخرجه الدارقطني من طريق عيسى بن يونس به.
وخالف اسماعيلَ بن عياش عبدُ الرزاق فرواه في "المصنف" (17756) فقال: أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ ثلث ديتها..) هكذا معضلاً.
ورواية عبد الرزاق هي الراجحة، فإسماعيل في روايته عن غير الشاميين ضعف كما قال البخاري وغيره، وهذه منها.
وعلى هذا فالصحيح في الحديث أنه معضل وليس مرسلاً، فعمرو بن شعيب ليس من التابعين، والعهدة في هذه الرواية على إسماعيل كما أشار إلى ذلك النسائي، ثم إن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب كما قال الترمذي عن شيخه البخاري، بل إنه لم يلقه كما قال الإمام أحمد.
والخلاصة أن الحديث ضعيف ضعفاً شديداً.
4- مرسل الزهري وعطاء ومكحول:
أخرجه البيهقي (8/95) قال: أخبرنا أبو زكريا بن أبى اسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا: (أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الابل، فقوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل لا يكلف الإعرابي الذهب ولا الورق).
وسنده - مع إرساله - ضعيف، فيه مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي، فقيه لكنه ضعيف في الحديث.
ثم وجدت الشيخ الألباني رحمه الله يقول في "الإرواء" (2248): (ورجاله ثقات غير مسلم، وهو ابن خالد الزنجي، وفيه ضعف).
5- مرسل عكرمة:
روى عبد الرزاق في "المصنف" (17757) عن معمر عن رجل عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها).
وهذا إسناد ضعيف جداً لهذا الرجل المبهم ثم إنه مرسل.
المبحث الثاني: الآثار الموقوفة على الصحابة:
1- أثر عمر بن الخطاب:
أخرجه ابن أبي شيبة (6/366) قال ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن شريح قال: (أتاني عروة البارقي من عند عمر: (أن جراحات الرجال والنساء تستوي في السن والموضحة وما فوق ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل).
قال الشيخ الألباني في "الإرواء": ( وإسناده صحيح).
2- أثر عثمان:
روى البيهقي في "السنن الكبرى" عن ابن أبى نجيح عن أبيه: (أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه بثمانية آلاف درهم دية وثلث).
قلت: وسنده صحيح.
وقال الشافعي رحمه الله: (ذهب عثمان رضي الله عنه إلى التغليظ لقتلها في الحرم).
أي: أن دية الرجل اثنا عشر ألف درهم، والمرأة بستة آلاف، وثلث الدية بألفين، ولكن حكم عثمان بدية وثلث تغليظاً للحرم.
3- أثر علي بن أبي طالب:
قال: (جراحات المرأة على النصف من جراحات الرجل).
أخرجه ابن أبي شيبة (27501) بسند صحيح.
وله طريق أخرى تقويه أخرجها عبد الرزاق في "المصنف" (17760) من طريق إبراهيم عن علي ولم يسمع منه، وفي "المصنف" (17761) من طريق مجاهد عنه ولم يسمع منه.
قال الزيلعي في "نصب الراية": (وقيل: "إنه منقطع فإن إبراهيم لم يحدث عن أحد من الصحابة، مع أنه أدرك جماعة منهم").
قال الحافظ في "التلخيص": (وأما أثر علي فرواه البيهقي من طريق إبراهيم النخعي عنه وفيه انقطاع، لكن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن علي).
وصحح أثر علي الشيخ الألباني في "الإرواء" (2250).
4- أثر ابن مسعود:
في جراحات المرأة والرجل قال: (يستويان في الموضحة، وفيما عدا ذلك على النصف).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" وعبد الرزاق في "المصنف" والبيهقي في "الكبرى" عن ابن مسعود.
وصحح الشيخ الألباني أثر ابن مسعود في "الإرواء" (2250).
5- زيد بن ثابت:
أخرجه ابن أبي شيبة (6/365) قال حدثنا ابن علية عن خالد عن أبي قلابة عن زيد بن ثابت: (أن دية المرأة ما دون الثلث، لا ينتصف) أي: وما فوق الثلث تكون دية المرأة فيه على النصف من دية الرجل.
ولم يدرك أبو قلابة زيداً كما قال أبو حاتم.
قلت: وأخرجه البيهقي عن الشعبي عن زيد بن ثابت قال: (جراحات الرجال والنساء سواء إلى الثلث فما زاد فعلى النصف).
والشعبي لم يسمع من زيد بن ثابت كما قال علي بن المديني والحاكم كما في "التهذيب".
وقال الزيلعي في "نصب الراية" يقول: (هو منقطع).
ولكن لم يبعد عن الصواب من قوّى أحدهما بالآخر.
المبحث الثالث: الإجماع:
فهذه آثار لبعض الصحابة ولا يُعرف لهم مخالف.
قال الرافعي في "الشرح الكبير" (10/328) بعد أن أشار إلى آثار جماعة من الصحابة: (قال الأصحاب (أي:الشافعية): قد اشتهر ذلك ولم يُخَالفوا فكان إجماعاً) أ.هـ
أقول: وأما آثار التابعين فهي كثيرة جداً عن سعيد بن المسيب والزهري وعروة بن الزبير والحسن وغيرهم فلتراجع "المصنفات".
فهو إجماع صحيح أصح من كثير من الإجماعات المنقولة، ولاسيما ولم يأت المخالفون بسلف سبقهم إلى مخالفتهم، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع واستند إليه في الاستدلال للمسألة، ومنهم:
1- الشافعي حيث قال في "الأم" (7/261): (لا أعلم مخالفاً من أهل العلم قديماً ولا حديثاً، في أن دية المرأة نصف دية الرجل، وذلك خمسون من الإبل..).
2- قال ابن جرير في "تفسيره": (لأن دية المؤمنة لا خلافَ بين الجميع - إلا من لا يُعدُّ خلافًا - أنها على النصف من دية المؤمن). (كلام ابن جرير نقلته من رسالة:"دية المرأة" للأخ عارف الصبري).
3- ابن عبد البر في"التمهيد" (14/200) حيث قال رحمه الله: (وقد أجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، إلا أن العلماء في جراح النساء مختلفون).
وقال في "الاستذكار" (8/67): (قال أبو عمر: أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل والقياس).
4- ابن المنذر في "الإشراف": (7/395) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل).
وفي "الإجماع" له مثل هذا.
5- ابن حزم في مراتب الإجماع (ص229) حيث قال: (واتفقوا على أن الدية على أهل البادية مائة من الإبل في نفس الحر المسلم المقتول خطأً، لا أكثر ولا أقل، وأن في نفس الحرة المسلمة المقتولة منهم خمسين من الإبل) أ.هـ
6- ولم يتعرض له ابن تيمية بشيء في "نقد مراتب الإجماع"، بل قال رحمه الله في "منهاج السنة" كما في (دية المرأة للأخ عارف): (ولهذا لو شهدت خديجة وفاطمة وعائشة ونحوهن ممن يعلم أنهن من أهل الجنة لكانت شهادة إحداهن نصف ميراث رجل وديتها نصف دية رجل وهذا كله باتفاق المسلمين).
7- العمراني في "البيان": (11/495).
8- الرافعي في "الشرح الكبير" وقد تقدم كلامه
9- المرداوي في "الإنصاف" (10/49 ) حيث قال: (قوله[أي:ابن قدامة في المقنع] (ودية المرأة نصف دية الرجل) بلا نزاع)، وعنه صاحب حاشية الروض المربع (7/246 ).
وغير هؤلاء كالعثماني في "رحمة الأمة"، والصنعاني في "سبل السلام"، وصاحب "تحفة الفقهاء" وغيرها.
قال شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (5/76): (وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة) أ.هـ
المبحث الرابع: من المخالف في هذه المسألة ؟:
لم يخالف في هذا الباب إلا الأصم وتلميذه ابن علية، وليس هو ابن علية العالم الفاضل، فذاك إسماعيل بن إبراهيم بن علية وهذا ولده إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية، وهو رأس من رؤوس الضلال والانحراف، وقد اشتبه الرجلان على مؤلف كتاب: (دية المرأة في ضوء الكتاب والسنة) - وهو مصطفى صياصنة - فلم يفرق بينهما!!.
وكلمة حق أقولها في هذا الكتاب أن الكتاب لا يعتمد عليه في شيء لأنه تكلف تكلفاً واضحاً فما يغني عنه ثناء القرضاوي وأمثاله.
وخلاف الأصم وابن علية الابن ليس معتبراً عند أهل العلم بل لا قيمة له، وإنما يشير الفقهاء إلى خلافهما قدحاً فيهما، وبيان لمعارضتهما للنصوص.
قال ابن قدامة في المغني (7/797): (مسألة: قال[أي:الخِرَقي صاحب المختصر]: (ودية الحرة المسلمة ، نصف دية الحر المسلم) قال ابن المنذر، وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل .
وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل).
وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن في كتاب عمرو بن حزم: ( دية المرأة على النصف من دية الرجل).
وهي أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد، فيكون ما ذكرنا مفسراً لما ذكروه، مخصصاً له، ودية نساء كل أهل دين على النصف من دية رجالهم، على ما قدمناه في موضعه) أ.هـ
وتأمل قول ابن قدامة: (وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة) فجعل قولهما شاذاً عن الإجماع، وليس خارقاً للإجماع فتأمل.
وقال ابن عبد البر في إبراهيم ابن علية: (له شذوذ كثيرة ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة وليس في قوله عندهم مما يعد خلاف) أ.هـ وسيأتي كلامه.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (إبراهيم بن علية وأبو بكر الأصم مخالفتهما للجمهور كثيرة) أ.هـ بتصرف يسير.
وإليك شيء من ترجمة هذين الرجلين:
1- أبو بكر الأصم وهو عبد الرحمن بن كيسان:
قال الصفدي في "الوافي بالوفيات": (أبو بكر الأصم المعتزلي، صاحب هشام بن عمرو الفوطي... ذهب أبو بكر إلى أن الإمامة لا تنعقد إلا بإجماع الأمة عن بكرة أبيهم، وقصد بذلك الطعن على إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنها كانت في أيام الفتنة، ولم يتفق عليها أهل العصر، وحكي عنه أنه قال: القرآن جسم مخلوق، وأنكر الأعراض أصلاً، وكان يقول كقول أستاذه هشام: الجنة والنار لم يخلقا إلى الآن) أ.هـ
2- إبراهيم بن اسماعيل بن علية:
قال الحافظ في "لسان الميزان": (إبراهيم بن اسماعيل بن علية عن أبيه جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة ثمان عشرة ومائتين انتهى وذكره أبو العرب في الضعفاء ونقل عن أبي الحسن العجلي قال: قال إبراهيم بن علية جهمي خبيث ملعون قال: وقال ابن معين: "ليس بشيء"، وقال بن يونس في "تاريخ الغرباء": له مصنفات في الفقه شبه الجدل حدث عنه بحر بن نصر الخولاني وياسين بن أبي زرارة وقال الدوري عن ابن معين ليس بشيء وقال الخطيب كان أحد المتكلمين وممن يقول بخلق القرآن قال الشافعي هو ضال جلس بباب السوال يضل الناس قلت باب السوال موضع كان بجامع مصر وقد ذكر الساجي في مناقب الشافعي هذه القصة مطولة وقال ابن عبد البر: له شذوذ كثيرة ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة وليس في قوله عندهم مما يعد خلاف أ.هـ وذكر البيهقي في مناقب الشافعي عن الشافعي أنه قال : أنا أخالف ابن علية في كل شيء حتى في قول لا إله إلا الله فإني أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى وهو يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلاماً سمعه موسى وله كتاب في الرد على مالك نقضه عليه أبو جعفر الأبهري صاحب أبي بكر الأبهري ) أهـ
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (9/113): (ولابن علية ابن آخر، جهمي شيطان، اسمه إبراهيم بن إسماعيل، كان يقول بخلق القرآن، ويناظر) ا.هـ
أقول: فالإجماع: هو اتفاق مجتهدي الأمة على حكم شرعي، فهل هذان الرجلان من مجتهدي الأمة ؟!
المبحث الخامس: العلة من هذا التنصيف:
عند التأمل في دية المرأة ينبغي النظر في أمرين:
الأول: أن الله فضل بعض الخلق على بعض كما قال تعالى: (والله فضل بعضكم على بعض).
1- ففضل بني آدم على غيرهم كما قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً).
2- والعرب على غيرهم.
3- وفضل بني هاشم على غيرهم.
4- وفضل الذكور على الإناث، وذلك بأشياء كثيرة.
وواجب العبد في هذا كله التسليم لا الاعتراض.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (وهذه قاعدة الشريعة، فإن الله سبحانه فاضل بين الذكر والأنثى وجعل الأنثى على النصف من الذكر في المواريث والديات والشهادات والعتق والعقيقة).
الثاني: النظر إلى المصيبة التي حلت على أقارب الميت، فالدية ليست تقديراً لقيمة المقتول، وإنما هي تعويض مادي لا معنوي لأهل القتيل جزاء ما لحق بهم من ضرر مادي، فكلنا نعرف أن موت الرجل أعظم ضرراً على أقاربه وأسرته من موت المرأة على أقربائها، ذلك لأن المسئولية الملقاة على عاتقه أكبر من مسئولية المرأة، والآمال المعلقة عليه أكثر، وحماية الرجل لقرابته أعظم، ولذلك جاء تعظيم أمر اليتيم، والتحذير الشديد من أكل ماله، واليتيم: هو من فقد أباه وهو صغير، واليُتم : مرحلة مؤقتة تنتهي ببلوغ الولد الحلم.
فالشارع نظر إلى أقرباء هذا الميت الذين سيستلمون هذه الدية وقدر عظم مصيبتهم بهذا الموت، وهؤلاء المعارضون نظروا نظرة سطحية وظنوا أنهم سيستدركون على الشارع فتخبطوا !!.
قال ابن القيم في إعلام "إعلام الموقعين": (لما كانت المرأة أنقص من الرجل والرجل أنفع منها ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض، وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية - وهي الدية فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال - فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما) أ.هـ
فإن قال قائل: فالمرأة اليوم تعمل كالرجل ولها دخل من المال وهناك من تنفق عليهم كالرجل، فهذا يستدعي مساواتها به من كل جانب.
قيل: الجواب عن ذلك من أوجه:
الأول: أن هذا نادر مقارنة بمن لا تعمل من النساء والنادر لا حكم له، وأيضاً هو شيء حادث في هذا العصر على خلاف العصور الأخرى.
الثاني: أن خروج كثير من النساء للعمل بجانب الرجل ومزاحمتهن للرجال، حتى صارت كثير من الأسر تعتمد على المرأة في النفقة كل هذا ليس من الشرع حتى تكون سبباً في التسوية بين الرجل والمرأة في الدية، بل هذا من الأنظمة الظالمة والواجب رجوع هذه الأنظمة إلى شرع الله لا الاستسلام لها والتأقلم معها، فهو سبب ملغي لا قيمة له، ويقال: بل عليها أن ترجع إلى مكانها الذي جعله الله لها وجعلها له وهو لزوم البيت.
الفصل الثالث: الرد على الشبه:
إستدل المعارضون بأشياء:
أولاً: استدلوا بعموم الآية: ( ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله):
والجواب: أن هؤلاء فهموا من هذا العموم التسوية بين الديتين !! فمعنى الآية عندهم أنها دية مساوية للرجل، وإلا فلماذا سميت دية ؟! وغاب عنهم أن خمسين من الإبل تعتبر دية أيضاً، وإن كانت أنقص من الرجل.
وإنما في هذه الآية أن الله أوجب الدية في قتل المؤمن ذكراً كان أو أنثى، وقدر دية كل واحد منهما يستفاد من نصوص أخرى، وكون المرأة فيها دية لا يستلزم أن تكون مائة من الإبل كالرجل تماماً، وإنما ديتها خمسون من الإبل كما هو الحال في دية الكافر المعاهد، فإن الله أوجب له دية إذا قتله المؤمن كما قال تعالى: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) ولم يحدد قدرها فهل يستفاد من هذا العموم التسوية ؟!
قال ابن جرير في "تفسيره": (لأن دية المؤمنة لا خلافَ بين الجميع - إلا من لا يُعدُّ خلافًا - أنها على النصف من دية المؤمن، وذلك غير مخرجها من أن تكون دية، فكذلك حكم ديات أهل الذمة، لو كانت مقصِّرة عن ديات أهل الإيمان، لم يخرجها ذلك من أن تكون ديات).
ونضرب مثالاً على هذه الصورة فبضرب المثال يتضح المقال: لو قال القاضي للأب: (إعط ابنك وابنتك نصيبهما من إرث والدتهما) ! فهل يستفاد من كلام القاضي التسوية بين النصيبين، أم يقال: إن حظ البنت يعتبر نصيباً لها، وكذلك الابن، ولكن قدر هذه الأنصبة حددته النصوص الأخرى للذكر مثل حظ الأنثيين ؟.
والخلاصة أن دية المرأة تعتبر دية إذا أطلقت، وهي على النصف إذا قورنت بدية الرجل، كما في قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ..) فحق المرأة يسمى نصيباً لها كما يسمى حق الرجل نصيباً له، مع اختلاف النصيبين من حيث القلة والكثرة، ونخشى أن يأتينا قوم فيهفموا هذه الآية على ما فهم أولئك آية الدية، والله أعلم.
ثانياً: استدلالهم بالآية: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس):
والجواب: من وجهين:
الأول: أن الآية في القصاص وليس في الديات، ويكفي جواباً عن هذا أن الصحابة لم يفهموا هذا الاستدلال.
الثاني: أن هذا شرع من قبلنا، وهو ليس شرعاً لنا، ولاسيما وقد جاء شرعنا بخلافه.
ثالثاً: استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم):
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو وسنده حسن.
ومعنى قوله: (تتكافأ دماؤهم) أي: تتساوى دماؤهم.
والجواب: أن هذا التساوي من حيث حرمة القتل، ومشروعية القصاص وليس التساوي في الديات، فالحر يقتل بالعبد على الصحيح من أقوال الفقهاء ولكن لا يساويه في الدية، فدية الحر مائة من الإبل، ودية العبد قيمته، ومثله التساوي بين الرجل والمرأة، فعرف أن التساوي بين الحر والعبد، وكذلك الرجل والمرأة، إنما هو من جهة الدم لا من جهة الدية.
رابعاً: قولهم: لم يثبت دليل فرجعنا إلى الأصل وهو التسوية:
قال مصطفى صياصنة في رسالته: "دية المرأة": (لم يثبت دليل في التفريق بين الذكر والأنثى في الدية فرجعنا إلى الأصل وهو التسوية بين الذكر والأنثى) أو كما قال هداه الله.
أقول ويا ليته لم يؤلف مثل هذه المتاهات التي سماها رسالة علمية وتحقيق علمي، فالتحقيق العلمي منها بعيد، ولاسيما وأنه ليس من المشتغلين بعلم الحديث ولا هو من أهله ؟
ونقول: إن قولك: (لم يثبت دليل) قول لم تسبق إليه، إلا ممن لا يتشرف الإنسان بالانتساب إليهم أو اتخاذهم سلفاً كابن علية والأصم.
من الأحاديث ما تشتد ببعض الآثار كما تقدم، ثم كيف تقوى على مخالفة سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وسائر العلماء والفقهاء والقضاة منذ خمسة عشر قرنا - مع اشتهار مثل هذه المسألة وعموم البلوى بها - ولم يعرف لهم مخالف يخالف إجماعهم العملي، فهذه الدعوى لم تعرف إلا في العصر الحاضر، والقائلون بالتسوية بين دية المرأة والرجل إنما أعادوا بحث المسألة اليوم بعد ضجيج مثل هذه المنظمات وما كان على شاكلتها.
الفصل الرابع: إرث المرأة:
المبحث الأول: مقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية والإسلام:
إذا أردنا أن نعرف قدر الفارق بين أمرين فلابد من عقد مقارنة منصفة متجردة عن الهوى بين الأمرين من كل وجه أو من أغلب الوجوه ليظهر لنا الفارق بوضوح، ومن ذلك المقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية ووضعها في الإسلام، ليعرف الجميع كيف كانت المرأة وكيف أصبحت، ليرى العاقل كيف كانت مهانة وأنها بعد الإسلام ردت إليها كرامتها ولن تجدها إلا عند الإسلام.
وقد قدمنا مقارنة من وجوه مجملة في حلقات سابقة فلتراجع هناك.
وعلى العموم فإن الغالب على أهل الجاهلية أنهم كانوا لا يورثون المرأة، وقد يورثها بعضهم بشيء غير منضبط وليس إرثها من جميع الورثة.
قال صاحب "المفصل في تاريخ العرب": (والأخبار متضاربة في موضوع إرث المرأة والزوجة في الجاهلية وأكثرها أنها لا ترث أصلا، غير أن هناك روايات يفهم منها أن من الجاهليات من ورثن أزواجهم وذوي قرباهن، وأن عادة حرمان النساء الإرث لم تكن سنة عامة عند جميع القبائل. ولكن كانت عند قبائل دون قبائل. وما ورد في الأخبار تخص على الأكثر أهل الحجاز).
ثم جاء الإسلام فورثها وأعطاها نصيبها من الإرث والتي لم تكن تحلم به، ولكن فضل الذكر على الأنثى لعدة أسباب فهل هذا عطاء بعد حرمان أم العكس ؟!.
المبحث الثاني: سبب هذا التفضيل:
أولاً: ينبغي أن يكون عند المسلم التسليم التام لله ولرسوله، وأن يعرف أن الله لا يشرع شيئاً إلا إذا كان فيه خير عظيم للمسلم في الدنيا والآخرة.
مع العلم أن التفضيل في الميراث لا يترتب عليه تفضيل الرجل على المرأة مطلقاً في كل شيء، كما لا يلزم منه الحط من مكانة المرأة بل إنه عطاء عادل ومنصف، فجعل هذه المسألة وغيرها من إهانة المرأة غير صحيح.
ثانياً: أن يعلم أن الواجبات والتكاليف المالية الملقاة على عاتق الرجل أكثر من الواجبات المالية التي على المرأة، فالواجبات المالية التي على الرجل كثيرة، مثل تجهيز المسكن الخاص بحياته الزوجية، والمهر الذي سيدفعه للزوجة، والنفقة على والأولاد والزوجة ولو كان فقيراً وهي من أغنى الناس، والنفقة في صلة الأرحام، وإكرام الضيف، والجهاد في سبيل الله، والعقول، وهذا كله غير نوائب الدهر، ونكبات الزمان التي يتعرض لها المرء.
1- قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (وأما الميراث فحكمة التفضيل فيه ظاهرة، فإن الذكر أحوج إلى المال من الأنثى لأن الرجال قوامون على النساء، والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله بعد أن فرض الفرائض وفاوت بين مقاديرها: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً) وإذا كان الذكر أنفع من الأنثى وأحوج كان أحق بالتفضيل.
فإن قيل فهذا ينتقض بولد الأم قيل: بل طرد هذه التسوية بين ولد الأم ذكرهم وأنثاهم فإنهم إنما يرثون بالرحم المجرد فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط وهم فيها سواء فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم بخلاف قرابة الأب) أ.هـ
2- وقال ابن كثير عند قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين):
(أي: يأمركم بالعدل فيهم، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث، وفاوت بين الصنفين، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشُّم المشقة، فناسب أن يُعْطَى ضعْفَيْ ما تأخذه الأنثى) أ.هـ
وبهذه المناسبة أذكر أني قبل قرابة ثلاث وعشرين سنة عملت عاملاً مع أحد الإخوة في بيت فأعطاني أجرتي ثلاثة دنانير من دنانير الحزب الاشتراكي اليمني قديماً وكانت عملته قوية، فقلت: اليوم أقسمها على الوالد والوالدة للذكر مثل حظ الأنثيين، فأعطيت الوالد دينارين والوالدة دينارا واحدا، فصرفها الوالد في مجلس أو مجلسين للنفقة علينا وعلى الوالدة، وبقي دينار الوالدة عندها أياماً كثيرة فعرفت الفارق الكبير بين الأمرين.
المبحث الثالث: ليس تفضيل الذكر على الأنثى دائما:
ليس صحيحًا أن توريث المرأة في الإسلام على النصف من الذكر دائمًا وأبدًا، فهناك حالات تكون الأنثى على النصف من الذكر مثل الأولاد كما قال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) والأخوة الأشقاء أو لأب كما قال تعالى: (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين).
وقد يكون أشخاص يستوي فيه ذكورهم وإناثهم دائماً كالإخوة من الأم، وهناك أشخاص يستوي فيه ذكورهم وإناثهم وقد لا يستوون كالأب والأم، فحالة الاستواء كما لو هلك هالك عن أبناء وبنات وأب وأم، وقد لا يستويان كما لو هلك هالك عن أب وأم.
كتبه: أبو عمار علي الحذيفي.
إمام وخطيب مسجد الخير بالفتح / التواهي – عدن.اليمن.
وكانت نهاية هذه الحلقات في صفر 1431 هـ
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir