المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذه المعادلة العجيبة ...


فريد الفاطل
2015-03-09, 19:16
اشرحوا لي هذه المعادلة العجيبة يا أصحاب العقول ، فقد أعيتني بتناقضاتها.
أمة تهبّ عن بكرة أبيها نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أساء إليه المسيئون ، وتفديه بأرواحها ولا يتردّد أبناؤها في أقطار الأرض في عرض صدورهم العارية للرصاص فداء له ، وفي نفس الوقت تهبّ هبّة أخرى ربما أقوى وأعمق من أجل مباراة في كرة القدم ، فيهجر العمال أماكن عملهم وتخلو المساجد من عمارها ويقف الجميع في خشوع عجيب ليشاهدوا نفرا ... يلعبون ، مشهد تتخلّله الدموع وينطق بالتحلّل من الدنيا ونسيان شؤونها العامة والخاصة .
هل من تفسير علمي نفسي واجتماعي لهذه الظاهرة الغريبة ؟ إيمان هنا وتحلل هناك ؟ متجاوران متناقضان ؟ أهو تطبيق لمقولة " ما لله لله وما لقيصر لقيصر " ؟ ، أهي أعراض الفصام النكد الذي أحدثته العلمانية اللادينية في حياتنا فصار بعضنا يعبد الله حينا من الدهر و يؤدي مراسم العبودية لغيره حينا آخر ؟ لنقل الحقيقة بوضوح : ألم تعُد كرة القدم إلهًا يُعبد مع الله أو من دونه ؟ أليست مراسمها أشبه شيء بالطقوس الدينية ؟ ألم تصبح تأخذ بألباب الناس وتلغي عقولهم وتهيّج عواطفهم وتتحكم في سلوكم ؟ أهذه رياضة ؟ ألسيت بالفعل أفيون الشعوب ؟ لنقارن بين مكانة اللاعبين الاجتماعية ومكانة العلماء وأساتذة الجامعات ؟ مَن مِن الفريقين يُعَدّ قدوة لدى الشباب العربي المسلم ؟ مَن منهما يُتخذ نموذجا للنجاح وعلوّ الكعب واستحقاق التقدير ؟ لا يعنيني شأن الشعوب غير المسلمة ، فليس بعد الكفر معصية ، وهم قوم دنيويون ، لكني أعجب من أمة ذات رسالة حضارية تعاني اليوم معاناة شديدة على جميع الأصعدة حتى إنها مهدّدة في وجودها ، هي عرضة لسخرية الساخرين وإساءة المسيئين ، تترنّح في دائرة التخلّف رغم وجود كتاب ربها وسنة نبيها بين يديها ، كيف تنبطح هكذا امام الغزو الثقافي ويكاد بعض أبنائها يبيع دينه من أجل كرة القدم ، ويا ليتهم يمارسون الرياضة ، فتلك حسنة كبرى ، لكنهم ينقلبون بسبب مباراة أو مجرد هدف إلى مرضى نفسانيّين تفعل بهم الهستيريا الأفاعيل ، فيثورون ثورة عارمة قد تؤدي بهم إلى اقتراف جرائم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات وتخريب كلّ ما في طريقهم ، ويحدث هذا سواء انتصر فريقهم او انهزم ، أي أن الكرة سبب جنون جماعي لا يبقي ولا يذر ، فما الوصف الكلينيكي لهذه الظاهرة ؟
وكم رأينا من تناسوا واجباتهم الدينية والعائلية من أجل مباراة " مصيرية " ، وكم من شخص – منهم من نعرفهم مباشرة – مات بسكتة قلبية بسبب هدف تمّ تسديده فأصاب أو أخطأ ، أو بسبب إخفاق فريق كان ينتظر صعوده ، وكم وكم من هذه المضحكات المبكيات ، وعلى ذكر البكاء ، كم من عَبَرات حارة ذرفتها الجماهير من أجل فريق أو مباراة أو هدف ، و لا أدري أفيهم عين بكت من خشية الله أو باتت ساهرة في سبيل الله أو ذكر صاحبها الله خاليا ففاضت بدمع التحسّر والتوبة ؟
وأتساءل عن هؤلاء الإخوة هل حرّكتهم مآسي المسلمين في شرق الأرض وغربها ؟ هل بكوا بحرارة وغزارة عن خراب غزة وإبادة سورية ومظالم العراق ونكبة مصر ومجازر إفريقيا الوسطى وبورما ؟
وهل قارنوا بين الملايير التي تُنفق من أموال الأمة على كرة القدم – و لا أقول الرياضة – وبين الفتات الذي يصل فلسطين واللاجئين المسلمين هنا وهناك ولا يكاد يسدّ الرمق أو يقضي للمحتاجين أي مأرب ؟
هل بقي من سرّ عن الأموال الطائلة – النظيفة والمتّسخة – التي تدور في عالم الكرة وتشترى بها الذمم فضلا عن المباريات ، وتنخرط في السياسة والأعمال الخفية بينما يُترك للجماهير الهتاف واللهث خلف الأوهام ، وقد استطاعت أوساط الإعلام وتوجيه الشعوب وغسيل العقول شحن العواطف بشعار أجوف خداع سمّوه " الروح الوطنية " ، فجعلوا من مباراة عادية مع دولة أخرى " حدثا تاريخيا " يستحق التعبئة الواسعة والتجييش الأقصى ، لأن انتصار الفريق يعني انتصار الوطن ، فتجد الأعلام تزيّن المباني وترفرف في العوالي ، وهذا عندهم دليل على حبّ الوطن والحماسة لقضاياه الكبرى ، فهل هذا صحيح ؟ أين الوطنية من اختلاس الأموال العامة وقد شاع حتى كاد يصبح أمرا عاديا تتناقل أخبارَه الصحافة كلّ يوم ؟ وأين الوطنية من الرشوة التي دخلت الممارسة اليومية على جميع المستويات ؟ وأين هي من التساهل في الثوابت التي يستهدفها التغريبيون بكلّ قوة وتبجُّح فلا تجد من يحميها إلا قليلا ؟ وأين الغيرة على البلاد خارج زمن المباريات ؟ هل ينطلي هذا التلاعب بالعقول والعواطف إلى درجة أن يفقد الناس مَلَكة التمييز والإدراك؟
أين تقوى الله عند غَلَبات النشوة " الرياضية " التي تجعل جحافل من العُصاة تستبيح الخمر جهارا في عُرض الطريق احتفاءً بما يسمّونه " الانتصار الرائع " ؟ ، أين الانتصار على شهوات النفس ؟ وأين الانتصار في مجالات الاقتصاد والمواجهة الحضارية ، مع علمنا أن تصنيفنا العالمي ما زال في المؤخرة في جميع ميادين العلم والتربية والإنجاز والنظافة والحياة الكريمة ؟
كيف يمكن أن ننتصر على الصهاينة وغيرهم ونحن عبيد لكرة القدم ، لا يتورّع بعضنا عن معاداة مدينة أخرى من نفس البلد من أجلها ؟ هي وراء أنواع من القطيعة والتدابر والعداوة بين المواطنين والأشقاء ، وما خبرُ الجزائر ومصر ببعيد.
أين الرياضة في كلّ هذا ؟ أليست هي الغائب الأكبر ؟ ما نسبة أبنائنا الذين يمارسونها فعلا ويتحلّون بأخلاقها ؟ وقد حصروها في الهتاف والصراخ فقادهم ذلك إلى ما يشبه الجنون ؟
إننا إذا حكّمنا العقل – وما أبعد العقل عن العبث – وجدنا كرة القدم مجرّد ضحك على الذقون ، يتلهّى بها العاجزون والسلبيون من كلّ نوع ، تحلّ محلّ السُّكْر لتحملهم إلى عالم الأحلام بعيدا عن واقعهم التعيس ، هكذا انهزموا في عالم الواقع فعوّضوا عن ذلك بمجرد لعب ، كثيرا ما تكون الهزيمة النكراء حليف فريقهم رغم الإنفاق فوق السخي عليه ورغم التضخيم الإعلامي الذي يصوّر الفوز المحتمل بالنصر المبين ، ولا حجّة للضعفاء المتخلفين في اشتغال الدول الكبرى بالكرة ، فوضعها المزدهر يسمح لها بكثير من الترفيه في حين أننا في أمسّ الحاجة إلى العمل وبناء الذات روحيا وماديا ، ثم هم هناك في الغرب يمارسون أنواع الرياضات بالفعل سواء في الصغر أو الكبر ، رياضات فردية وجماعية ، أما نحن فلا نلاحظ في رياضتنا سوى الهستيريا ومزيد من الاخفاقات.
وبعد هذا كم أريد ان أعرف أي المشهديْن أدلُّ على الأمة : الانتصار للرسول صلى الله عليه وسلم أم عبادة كرة القدم ؟


منقول

adziri
2015-03-09, 20:24
بارك الله فيك اخي
ذكرتني في رغبة الراحل بومدين
لما كان له احلام في بناء
الثورة الزراعية والثورة الاقتصادية ...
فقال له مفكر وفيلسوف العصر مالك بن نبي رحمه الله
نحن نحتاج الى ثورة الانسان فقط
والباقي ياتي تباعا