أبو هاجر القحطاني
2014-10-26, 14:34
حزب الله الحجاز.. هل تستيقظ الخلايا النائمة؟
معتز بالله محمد – كاتب مصري
خاص بالراصد
جاء الحكم بالقتل تعزيرا على الناشط الشيعي الشيخ نمر باقر أمين النمر بالمملكة العربية السعودية، في 15 أكتوبر 2014 على خلفية مطالبته بـ "ولاية الفقيه" في البحرين والمملكة والطعن في بعض الصحابة، بالإضافة لسبّ رجال الدولة، لينقل رسالة شديدة اللهجة لشيعة السعودية في محافظتي القطيف والإحساء شرق البلاد، مفادها أن الدولة لن تتوانى عن التعامل ضد أي نشاطات شيعية مستقبلية معادية لها.
الحكم بإعدام النمر المعتقل منذ 8 يوليو 2012 والذي سبق ودعا في عام 2009 الى انفصال القطيف والإحساء وإعادتهما إلى البحرين جاء في وقت تشهد فيه الجماعات الشيعية بالمملكة نشوة غير مسبوقة منذ نجاح ثورة الخميني في إيران عام 1979، وذلك على خلفية احتلال جماعة الحوثي الزيدية للعاصمة اليمنية صنعاء، واقتراب حركة التمرد الحوثية من الحدود السعودية، وما أثاره ذلك من مخاوف السعودية بأن تكون إيران قد شرعت في فتح جبهة جديدة في حربها الباردة معها في الشرق الأوسط.
بيد أن الحكم بإعدام النمر قد أشعل على ما يبدو غضب غالبية الشيعة شرق المملكة، الذين خرجوا في تظاهرات غاضبة تندد بالحكم، وتؤكد أنه سيفتح على النظام السعودي "أبواب الجحيم".
تلك التهديدات يجب أن تؤخذ على محمل الجد، لاسيما في ظل وجود تنظيم عسكري شيعي خطير في المنطقة يحمل اسم "حزب الله الحجاز" أو حزب الله السعودي، تحول خلال الفترة الأخيرة بفعل العمليات الأمنية الواسعة- وفقا لمعظم التقديرات- إلى خلايا نائمة، ربما على درجة عالية من الجاهزية لتنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف سعودية، خاصة في ظل تمتع هذا التنظيم بحاضنة شعبية واسعة بالمنطقة الشرقية، علاوة على أن عناصره مدربون جيدا على خوض السلاح والتعامل مع المتفجرات.
ورغم تجميد التنظيم نشاطاته وعدم وجود متحدثين رسميين بلسانه، وما إلى ذلك من نشاطات إعلامية، إلا أن النطق بالحكم على النمر، الذي يرى البعض أنه كان مصدر إلهام للحزب، دفع حزب الله الحجاز للخروج عن صمته، ونشر بيانات تحريضية ضد المملكة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بعد أن وضع صورة النمر أو "داعي الفتنة" كما تصفه أجهزة الدولة الرسمية خلفية لصفحته.
وللحزب تاريخ زاخر بأعمال العنف التي راح ضحيتها عشرات السعوديين والأجانب منذ تأسيسه قبل ما يقارب من ثلاثة عقود، وحتى إعلانه من قبل وزارة الداخلية السعودية في 7 مارس 2014 كحركة إرهابية يُجرم من يؤيدها أو يمولها أو يُبدي التعاطف معها أو يستخدم شعاراتها ورموزها ومن يتبنى أفكارها.
البداية
لنشأة الحزب قصة طويلة، تتلخص في سفر عدد من الشيعة السعوديين ومعظمهم من الإحساء والقطيف لتحصيل العلم بمدينة النجف العراقية، خلال السبعينيات من القرن الماضي، وبعد أعوام قليلة من الثورة الخمينية وتحديدا في منتصف الثمانينيات انتقل هؤلاء إلى مدينة قم، حيث أسسوا هناك تنظيما باسم "تجمع الأمة" ثم ما لبث أن تغير اسمه بناء على توصية الخميني نفسه خلال إحدى زياراته لحوزات قم، إلى "تجمع علماء الحجاز".
إلى سوريا
نشبت خلافات فقهية في إيران بين مؤيدي المرجع الشيعي الإيراني محمد الحسيني الشيرازي والخميني، حيث رأي الأول ضرورة أن يكون الحكم لتجمع من الفقهاء في حين كانت نظرة الثاني تنص على أن الحكم يجب أن يكون للولي الفقيه الواحد.
وضعت هذه الخلافات الشيعة السعوديين في موقف حرج، ومن هنا قررت غالبيتهم من مؤيدي الشيرازي الانتقال إلى سوريا التي كانت ملاذا للمعارضة السعودية آنذاك بشقيها اليساري والإسلامي الشيعي. وهناك أسسوا تنظيما معارضا للحكم السعودي حمل اسم "حركة الطلائع الرساليين"، بقيادة المرجع محمد تقي المدرسي، شقيق عالم الدين الشيعي العراقي هادي المُدرسي، وابني أخت الشيرازي.
ثم ما فتأ أن تغير إلى "منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية" وافتتح مكاتب في كل من دمشق وطهران وبيروت ولندن وواشنطن. وبطبيعة الحال اعتبرت المنظمة نفسها جزءا من ثورة الخميني، وهو ما جاء اعترافا على لسان حسن الصفار، والذي أُعتبر آنذاك مرشد المنظمة، حيث قال في تصريح له: " نطالب ونتوقع من إيران أشياء بحجم الأهداف التي رفعتها الثورة".
وتم الإعلان عن تأسيس جناح عسكري للمنظمة باسم "حزب الله الحجاز" ويستخدم مصطلح "الحجاز" هنا للتعبير عن شبه الجزيرة العربية كاملة لتقويض اسم الدولة الرسمي إذ لا يعترفون بالسعودية تماشيا مع ما كان يفعله الخميني، رغبة في عدم الاعتراف بالكيان السعودي، والتقليل من مكانة آل سعود الدينية، وعدم الاعتراف بحكمهم للمنطقة.
يشار إلى أن حسن الصفار من مواليد القطيف عام 1958، تلقى تعليمه الديني بين القطيف والنجف والحوزة العلمية في مدينة قم ومدرسة الرسول الأعظم في الكويت لمدة ثلاث سنوات، وواصل دراساته العلمية في طهران من سنة 1980 إلى سنة 1988. شارك فيما بعد في مؤتمرات الحوار الوطني بالسعودية، ومؤتمرات مركز الشباب المسلم في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض مؤتمرات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت. وهو عضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفي الجمعية العمومية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ويقيم حاليا بالمنطقة الشرقية، وقد تحول منذ عدة سنوات لتقليد السيستاني.
وانقسم الحزب إلى قسمين: مجموعة لندن وتتألف من حمزة آل حسن وتوفيق السيف وجعفر الشايب، إضافة إلى الدكتور محمد جعفر هاشم آل حسن. وقد عاد الأخيران إلى السعودية فيما بعد لينشئا "التحالف الوطني من أجل الديمقراطية" في بريطانيا، كواجهة جديدة يتحركان من خلالها، حيث أصدر التحالف مجلة معارضة حملت اسم "شئون سعودية"، صدر عددها الأول في فبراير 2003. أما القسم الثاني فتمثل في مجموعة واشنطن وتتكون من صادق الجبران وعيسى المزعل الذي رجع إلى السعودية بعد ذلك.
نبتة إيران
وتقول دراسة عن "حزب الله الحجاز" أعدها معهد الشرق الأوسط بواشنطن عام 2010، وتحمل عنوان (حزب الله الحجاز.. تاريخ أكثر الجماعات الشيعية السعودية المعارضة تطرفاً)، إن الإعلان عن تأسيس الحزب جاء بعد أحداث الحج الدامية التي وقعت عام 1987، والتي أسفرت عن مقتل 400 شخص، عندما هاجم حجاج إيرانيون رجال أمن سعوديين وحجاجا آخرين، (وبحسب العديد من المصادر فإن الحجاج الإيرانيين الذين قاموا بالاعتدء كانوا خليطا من عناصر بالحرس الثوري الإيراني وعناصر من تجمع علماء الحجاز) حيث ارتأت طهران ضرورة تشكيل جناح مسلح من الداخل السعودي، ليكون معول هدم وتهديد تستخدمه متى أرادت ذلك. وبالفعل بعد نهاية موسم الحج بأسبوع واحد تم الإعلان عن تأسيس "حزب الله الحجاز" في بيان رسمي.
بدأ الحزب في استقطاب كوادر وكفاءات شيعية سعودية من مناطق شرق المملكة، وبعض الطلبة الذين كانوا يدرسون بالولايات المتحدة الأمريكية، كذلك قام بتجنيد أعداد كبيرة من السعوديين الشيعة الذين يزورون ضريح السيدة زينب بسوريا، كذلك استخدموا الضريح غطاء لسفرهم للخارج بشكل متكرر.
بدأت مرحلة التدريب على السلاح والتي جرت في سوريا وإيران وجنوب لبنان على يد حزب الله اللبناني، حيث تعلم أعضاء الحزب استخدام مختلف أنواع الأسلحة، وباتوا خبراء في التعامل مع المتفجرات، ليصبح كل شيء جاهزا للبدء في الخطوة التالية والمتمثلة في تنفيذ عمليات عسكرية في الداخل السعودي، تنوعت بين تفجير منشآت نفطية، وهجمات ضد الأجانب واغتيال دبلوماسيين في الخارج.
عملية صدف
استغل الحزب وجود عناصر تابعين له في المنشآت النفطية ونفذ ضربته بالجبيل بتفجير إحدى منشآت شركة صدف البتروكيماوية في مارس 1988 على يد أربعة من عملائه من جزيرة تاروت بمحافظة القطيف، من بينهم علي عبد الله الخاتم الذي كان يعمل بالشركة، وقاتل في السابق مع حزب الله اللبناني، وهناك تدرب على عمليات التفجير، وقد أسهم بتواطئه في التخوف من تشغيل الموظفين الشيعة في المشاريع البتروكيماوية.
بعد ذلك مباشرة وبتفتيش شركات البترول والبتروكيماويات في شرق السعودية اكتشف الحراس العديد من المتفجرات في معمل التكرير في رأس تنورة والجعيمة. ووجهت قوات الأمن السعودي ضربة قوية للحزب باعتقال عدد كبير من أعضائه، وتنفيذ حكم الإعدام ضربا بالسيف بحق منفذي تفجير الصدف الأربعة.
وفي أول إعلان رسمي بتبني عمليات، أصدر حزب الله الحجاز من دمشق إضافة إلى تجمع علماء الحجاز - بعد عملية الإعدام مباشرة لعناصره الأربعة -بيانين منفصلين وصفوا فيها المعدومين بالشهدء، ما دفع إيران للخروج والتنصل من العملية ومنفذيها.
نهج الاغتيالات
نفذ التنظيم الكثير من العمليات في الخارج ضد دبلوماسيين سعوديين، تعرضوا لاعتداءات في أكثر من 20 عملية في بلدان مختلفة بدأت باغتيال السكرتير الثاني في السفارة السعودية في تركيا عام 1988، وفي العاصمة التايلاندية بانكوك حيث قتل السكرتير الثالث بالسفارة السعودية عبد الله المالكي في الرابع من يناير 1989. وفي الأول من فبراير 1990 قتل الدبلوماسيون السعوديون الثلاثة، عبد الله البصري، وفهد الباهلي، وأحمد السيف، بفارق نحو 5 دقائق بين كل واحد منهم. ولم يُلق القبض على أي مشتبه به. وبعد أحد عشر يوما اختفى رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي، صديق الدبلوماسيين القتلى.
واستخدم الحزب أسماء لتنظيمات وهمية مثل "جند الحق" و"منظمة الحرب المقدسة" أعلنت مسئوليتها عن تلك العمليات، وسارعت إيران لنفي أي صلة لتلك التنظيمات بحزب الله الحجاز.
تعرض الحزب لشبه تجميد في نشاطاته العسكرية المعلنة بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1990 وذلك بناء على أوامر إيرانية على خلفية التقارب الذي حدث آنذاك بين كل من طهران والرياض. لكن في المقابل استغل هذه الفترة في تصعيد نشاطاته الإعلامية لتجنيد مزيد من الأتباع، فأنشأ دار نشر وأصدر مجلة "رسالة الحرمين"، وتحول نشاطه إلى إصدار النشرات والحملات الإعلامية ضد النظام السعودي.
تفجير الخُبر
لكن سرعان ماعادت ريمة لعادتها القديمة، فبعد انتهاء حرب الخليج وخروج صدام من الكويت، رأت إيران أن تنامي الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة سيشكل عائقا أمام تنفيذ مخططها التوسعي هناك، لذلك وجهت أحمد المغسل، القائد العسكري لحزب الله الحجاز، بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الأمريكان، فكان ما يعرف بتفجير أبراج الخُبر في 25 يونيو 1996 والذي قتل فيه 19 أمريكيا وأصيب المئات من جنسيات مختلفة، لتعتقل السلطات السعودية العشرات من أعضاء التنظيم بمن فيهم اثنان من قادته الكبار، تم اعتقالهما بالخارج وتسليمهما للمملكة، فيما لا يزال اثنان آخران هاربين هما المغسل وعبدالكريم الناصر الذي يوصف بأنه رئيس الحزب حالياً، وقد أدرجهما مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي "إف بي آي" ضمن قائمة أبرز الإرهابيين التي تضم 26 مطلوبا بتهمة الإرهاب، معلناً عن رصد 5 ملايين دولار لقاء رأس كل واحد منهم.
تجميد مؤقت
التبعات الأمنية لتفجير الخبر على الشيعة السعوديين دفعتهم إلى الاعتراض على توجه التنظيم، واتهامه بتنفيذ أجندة إيرانية، دون النظر لمصالح وأمن الشيعة العرب في السعودية، الأمر الذي دفع منذ ذلك الوقت إلى تحول غالبية النشاطات الشيعية في المملكة للنهج السلمي، وإعلان التخلي عن العنف، وفتحت المملكة أبوابها لعدد من القادة الفكريين والسياسيين من الشيعة السعوديين بالخارج ومن بينهم مفكرون بالحزب وبـ "منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية" أعلنوا تبرئهم من العنف، ساعد على ذلك اتفاق إيراني سعودي عام 2001 يقضي بمنع السعودية أي عمل عسكري أمريكي ضد إيران انطلاقا من أراضيها مقابل أن توقف إيران دعمها للعمليات التي تقودها المعارضة الشيعية بالسعودية، بحسب تقرير لمركز راند الأمريكي.
مستقبل التنظيم
إن تصنيف الداخلية السعودية في مارس من العام الجاري التنظيم كحركة إرهابية، يتم تجريم من يؤيدها أو يمولها أو يُبدي التعاطف معها أو يستخدم شعاراتها ورموزها ومن يتبنى أفكارها، يؤكد أن هناك معلومات لدى أجهزة الأمن والاستخبارات في المملكة باستعدادات وتحركات معينة لحزب الله الحجاز، لاسيما في ظل التغيرات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، والتجاذبات بين السعودية وإيران، وحلفائهما.
ولا شك أن الحزب كان ولا زال أداة طيعة تحركها إيران كيفما ومتى أرادت، ومن هنا يمكن القول إن احتمالات خروجه من تحت السطح مجددا بقيادة أحمد المغسل وعبد الكريم الناصر واردة بشكل كبير، وإن كان من المستبعد لدى البعض إعلان أي نشاط للحزب ردا على الحكم بإعدام النمر مع تصاعد الحراك الشيعي بالقطيف والإحساء، فإن ذلك قد يحدث في ظل تزايد التوتر الذي تشهده المنطقة التي تموج بالمتغيرات، خاصة بعد سيطرة الحوثيين الزيديين على صنعاء، وسعيهم للسيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، بالشكل الذي يشكل تهديدا على حدود المملكة السعودية.
المصدر :
http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6825 (http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6825)
معتز بالله محمد – كاتب مصري
خاص بالراصد
جاء الحكم بالقتل تعزيرا على الناشط الشيعي الشيخ نمر باقر أمين النمر بالمملكة العربية السعودية، في 15 أكتوبر 2014 على خلفية مطالبته بـ "ولاية الفقيه" في البحرين والمملكة والطعن في بعض الصحابة، بالإضافة لسبّ رجال الدولة، لينقل رسالة شديدة اللهجة لشيعة السعودية في محافظتي القطيف والإحساء شرق البلاد، مفادها أن الدولة لن تتوانى عن التعامل ضد أي نشاطات شيعية مستقبلية معادية لها.
الحكم بإعدام النمر المعتقل منذ 8 يوليو 2012 والذي سبق ودعا في عام 2009 الى انفصال القطيف والإحساء وإعادتهما إلى البحرين جاء في وقت تشهد فيه الجماعات الشيعية بالمملكة نشوة غير مسبوقة منذ نجاح ثورة الخميني في إيران عام 1979، وذلك على خلفية احتلال جماعة الحوثي الزيدية للعاصمة اليمنية صنعاء، واقتراب حركة التمرد الحوثية من الحدود السعودية، وما أثاره ذلك من مخاوف السعودية بأن تكون إيران قد شرعت في فتح جبهة جديدة في حربها الباردة معها في الشرق الأوسط.
بيد أن الحكم بإعدام النمر قد أشعل على ما يبدو غضب غالبية الشيعة شرق المملكة، الذين خرجوا في تظاهرات غاضبة تندد بالحكم، وتؤكد أنه سيفتح على النظام السعودي "أبواب الجحيم".
تلك التهديدات يجب أن تؤخذ على محمل الجد، لاسيما في ظل وجود تنظيم عسكري شيعي خطير في المنطقة يحمل اسم "حزب الله الحجاز" أو حزب الله السعودي، تحول خلال الفترة الأخيرة بفعل العمليات الأمنية الواسعة- وفقا لمعظم التقديرات- إلى خلايا نائمة، ربما على درجة عالية من الجاهزية لتنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف سعودية، خاصة في ظل تمتع هذا التنظيم بحاضنة شعبية واسعة بالمنطقة الشرقية، علاوة على أن عناصره مدربون جيدا على خوض السلاح والتعامل مع المتفجرات.
ورغم تجميد التنظيم نشاطاته وعدم وجود متحدثين رسميين بلسانه، وما إلى ذلك من نشاطات إعلامية، إلا أن النطق بالحكم على النمر، الذي يرى البعض أنه كان مصدر إلهام للحزب، دفع حزب الله الحجاز للخروج عن صمته، ونشر بيانات تحريضية ضد المملكة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بعد أن وضع صورة النمر أو "داعي الفتنة" كما تصفه أجهزة الدولة الرسمية خلفية لصفحته.
وللحزب تاريخ زاخر بأعمال العنف التي راح ضحيتها عشرات السعوديين والأجانب منذ تأسيسه قبل ما يقارب من ثلاثة عقود، وحتى إعلانه من قبل وزارة الداخلية السعودية في 7 مارس 2014 كحركة إرهابية يُجرم من يؤيدها أو يمولها أو يُبدي التعاطف معها أو يستخدم شعاراتها ورموزها ومن يتبنى أفكارها.
البداية
لنشأة الحزب قصة طويلة، تتلخص في سفر عدد من الشيعة السعوديين ومعظمهم من الإحساء والقطيف لتحصيل العلم بمدينة النجف العراقية، خلال السبعينيات من القرن الماضي، وبعد أعوام قليلة من الثورة الخمينية وتحديدا في منتصف الثمانينيات انتقل هؤلاء إلى مدينة قم، حيث أسسوا هناك تنظيما باسم "تجمع الأمة" ثم ما لبث أن تغير اسمه بناء على توصية الخميني نفسه خلال إحدى زياراته لحوزات قم، إلى "تجمع علماء الحجاز".
إلى سوريا
نشبت خلافات فقهية في إيران بين مؤيدي المرجع الشيعي الإيراني محمد الحسيني الشيرازي والخميني، حيث رأي الأول ضرورة أن يكون الحكم لتجمع من الفقهاء في حين كانت نظرة الثاني تنص على أن الحكم يجب أن يكون للولي الفقيه الواحد.
وضعت هذه الخلافات الشيعة السعوديين في موقف حرج، ومن هنا قررت غالبيتهم من مؤيدي الشيرازي الانتقال إلى سوريا التي كانت ملاذا للمعارضة السعودية آنذاك بشقيها اليساري والإسلامي الشيعي. وهناك أسسوا تنظيما معارضا للحكم السعودي حمل اسم "حركة الطلائع الرساليين"، بقيادة المرجع محمد تقي المدرسي، شقيق عالم الدين الشيعي العراقي هادي المُدرسي، وابني أخت الشيرازي.
ثم ما فتأ أن تغير إلى "منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية" وافتتح مكاتب في كل من دمشق وطهران وبيروت ولندن وواشنطن. وبطبيعة الحال اعتبرت المنظمة نفسها جزءا من ثورة الخميني، وهو ما جاء اعترافا على لسان حسن الصفار، والذي أُعتبر آنذاك مرشد المنظمة، حيث قال في تصريح له: " نطالب ونتوقع من إيران أشياء بحجم الأهداف التي رفعتها الثورة".
وتم الإعلان عن تأسيس جناح عسكري للمنظمة باسم "حزب الله الحجاز" ويستخدم مصطلح "الحجاز" هنا للتعبير عن شبه الجزيرة العربية كاملة لتقويض اسم الدولة الرسمي إذ لا يعترفون بالسعودية تماشيا مع ما كان يفعله الخميني، رغبة في عدم الاعتراف بالكيان السعودي، والتقليل من مكانة آل سعود الدينية، وعدم الاعتراف بحكمهم للمنطقة.
يشار إلى أن حسن الصفار من مواليد القطيف عام 1958، تلقى تعليمه الديني بين القطيف والنجف والحوزة العلمية في مدينة قم ومدرسة الرسول الأعظم في الكويت لمدة ثلاث سنوات، وواصل دراساته العلمية في طهران من سنة 1980 إلى سنة 1988. شارك فيما بعد في مؤتمرات الحوار الوطني بالسعودية، ومؤتمرات مركز الشباب المسلم في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض مؤتمرات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت. وهو عضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفي الجمعية العمومية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ويقيم حاليا بالمنطقة الشرقية، وقد تحول منذ عدة سنوات لتقليد السيستاني.
وانقسم الحزب إلى قسمين: مجموعة لندن وتتألف من حمزة آل حسن وتوفيق السيف وجعفر الشايب، إضافة إلى الدكتور محمد جعفر هاشم آل حسن. وقد عاد الأخيران إلى السعودية فيما بعد لينشئا "التحالف الوطني من أجل الديمقراطية" في بريطانيا، كواجهة جديدة يتحركان من خلالها، حيث أصدر التحالف مجلة معارضة حملت اسم "شئون سعودية"، صدر عددها الأول في فبراير 2003. أما القسم الثاني فتمثل في مجموعة واشنطن وتتكون من صادق الجبران وعيسى المزعل الذي رجع إلى السعودية بعد ذلك.
نبتة إيران
وتقول دراسة عن "حزب الله الحجاز" أعدها معهد الشرق الأوسط بواشنطن عام 2010، وتحمل عنوان (حزب الله الحجاز.. تاريخ أكثر الجماعات الشيعية السعودية المعارضة تطرفاً)، إن الإعلان عن تأسيس الحزب جاء بعد أحداث الحج الدامية التي وقعت عام 1987، والتي أسفرت عن مقتل 400 شخص، عندما هاجم حجاج إيرانيون رجال أمن سعوديين وحجاجا آخرين، (وبحسب العديد من المصادر فإن الحجاج الإيرانيين الذين قاموا بالاعتدء كانوا خليطا من عناصر بالحرس الثوري الإيراني وعناصر من تجمع علماء الحجاز) حيث ارتأت طهران ضرورة تشكيل جناح مسلح من الداخل السعودي، ليكون معول هدم وتهديد تستخدمه متى أرادت ذلك. وبالفعل بعد نهاية موسم الحج بأسبوع واحد تم الإعلان عن تأسيس "حزب الله الحجاز" في بيان رسمي.
بدأ الحزب في استقطاب كوادر وكفاءات شيعية سعودية من مناطق شرق المملكة، وبعض الطلبة الذين كانوا يدرسون بالولايات المتحدة الأمريكية، كذلك قام بتجنيد أعداد كبيرة من السعوديين الشيعة الذين يزورون ضريح السيدة زينب بسوريا، كذلك استخدموا الضريح غطاء لسفرهم للخارج بشكل متكرر.
بدأت مرحلة التدريب على السلاح والتي جرت في سوريا وإيران وجنوب لبنان على يد حزب الله اللبناني، حيث تعلم أعضاء الحزب استخدام مختلف أنواع الأسلحة، وباتوا خبراء في التعامل مع المتفجرات، ليصبح كل شيء جاهزا للبدء في الخطوة التالية والمتمثلة في تنفيذ عمليات عسكرية في الداخل السعودي، تنوعت بين تفجير منشآت نفطية، وهجمات ضد الأجانب واغتيال دبلوماسيين في الخارج.
عملية صدف
استغل الحزب وجود عناصر تابعين له في المنشآت النفطية ونفذ ضربته بالجبيل بتفجير إحدى منشآت شركة صدف البتروكيماوية في مارس 1988 على يد أربعة من عملائه من جزيرة تاروت بمحافظة القطيف، من بينهم علي عبد الله الخاتم الذي كان يعمل بالشركة، وقاتل في السابق مع حزب الله اللبناني، وهناك تدرب على عمليات التفجير، وقد أسهم بتواطئه في التخوف من تشغيل الموظفين الشيعة في المشاريع البتروكيماوية.
بعد ذلك مباشرة وبتفتيش شركات البترول والبتروكيماويات في شرق السعودية اكتشف الحراس العديد من المتفجرات في معمل التكرير في رأس تنورة والجعيمة. ووجهت قوات الأمن السعودي ضربة قوية للحزب باعتقال عدد كبير من أعضائه، وتنفيذ حكم الإعدام ضربا بالسيف بحق منفذي تفجير الصدف الأربعة.
وفي أول إعلان رسمي بتبني عمليات، أصدر حزب الله الحجاز من دمشق إضافة إلى تجمع علماء الحجاز - بعد عملية الإعدام مباشرة لعناصره الأربعة -بيانين منفصلين وصفوا فيها المعدومين بالشهدء، ما دفع إيران للخروج والتنصل من العملية ومنفذيها.
نهج الاغتيالات
نفذ التنظيم الكثير من العمليات في الخارج ضد دبلوماسيين سعوديين، تعرضوا لاعتداءات في أكثر من 20 عملية في بلدان مختلفة بدأت باغتيال السكرتير الثاني في السفارة السعودية في تركيا عام 1988، وفي العاصمة التايلاندية بانكوك حيث قتل السكرتير الثالث بالسفارة السعودية عبد الله المالكي في الرابع من يناير 1989. وفي الأول من فبراير 1990 قتل الدبلوماسيون السعوديون الثلاثة، عبد الله البصري، وفهد الباهلي، وأحمد السيف، بفارق نحو 5 دقائق بين كل واحد منهم. ولم يُلق القبض على أي مشتبه به. وبعد أحد عشر يوما اختفى رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي، صديق الدبلوماسيين القتلى.
واستخدم الحزب أسماء لتنظيمات وهمية مثل "جند الحق" و"منظمة الحرب المقدسة" أعلنت مسئوليتها عن تلك العمليات، وسارعت إيران لنفي أي صلة لتلك التنظيمات بحزب الله الحجاز.
تعرض الحزب لشبه تجميد في نشاطاته العسكرية المعلنة بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1990 وذلك بناء على أوامر إيرانية على خلفية التقارب الذي حدث آنذاك بين كل من طهران والرياض. لكن في المقابل استغل هذه الفترة في تصعيد نشاطاته الإعلامية لتجنيد مزيد من الأتباع، فأنشأ دار نشر وأصدر مجلة "رسالة الحرمين"، وتحول نشاطه إلى إصدار النشرات والحملات الإعلامية ضد النظام السعودي.
تفجير الخُبر
لكن سرعان ماعادت ريمة لعادتها القديمة، فبعد انتهاء حرب الخليج وخروج صدام من الكويت، رأت إيران أن تنامي الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة سيشكل عائقا أمام تنفيذ مخططها التوسعي هناك، لذلك وجهت أحمد المغسل، القائد العسكري لحزب الله الحجاز، بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الأمريكان، فكان ما يعرف بتفجير أبراج الخُبر في 25 يونيو 1996 والذي قتل فيه 19 أمريكيا وأصيب المئات من جنسيات مختلفة، لتعتقل السلطات السعودية العشرات من أعضاء التنظيم بمن فيهم اثنان من قادته الكبار، تم اعتقالهما بالخارج وتسليمهما للمملكة، فيما لا يزال اثنان آخران هاربين هما المغسل وعبدالكريم الناصر الذي يوصف بأنه رئيس الحزب حالياً، وقد أدرجهما مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي "إف بي آي" ضمن قائمة أبرز الإرهابيين التي تضم 26 مطلوبا بتهمة الإرهاب، معلناً عن رصد 5 ملايين دولار لقاء رأس كل واحد منهم.
تجميد مؤقت
التبعات الأمنية لتفجير الخبر على الشيعة السعوديين دفعتهم إلى الاعتراض على توجه التنظيم، واتهامه بتنفيذ أجندة إيرانية، دون النظر لمصالح وأمن الشيعة العرب في السعودية، الأمر الذي دفع منذ ذلك الوقت إلى تحول غالبية النشاطات الشيعية في المملكة للنهج السلمي، وإعلان التخلي عن العنف، وفتحت المملكة أبوابها لعدد من القادة الفكريين والسياسيين من الشيعة السعوديين بالخارج ومن بينهم مفكرون بالحزب وبـ "منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية" أعلنوا تبرئهم من العنف، ساعد على ذلك اتفاق إيراني سعودي عام 2001 يقضي بمنع السعودية أي عمل عسكري أمريكي ضد إيران انطلاقا من أراضيها مقابل أن توقف إيران دعمها للعمليات التي تقودها المعارضة الشيعية بالسعودية، بحسب تقرير لمركز راند الأمريكي.
مستقبل التنظيم
إن تصنيف الداخلية السعودية في مارس من العام الجاري التنظيم كحركة إرهابية، يتم تجريم من يؤيدها أو يمولها أو يُبدي التعاطف معها أو يستخدم شعاراتها ورموزها ومن يتبنى أفكارها، يؤكد أن هناك معلومات لدى أجهزة الأمن والاستخبارات في المملكة باستعدادات وتحركات معينة لحزب الله الحجاز، لاسيما في ظل التغيرات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، والتجاذبات بين السعودية وإيران، وحلفائهما.
ولا شك أن الحزب كان ولا زال أداة طيعة تحركها إيران كيفما ومتى أرادت، ومن هنا يمكن القول إن احتمالات خروجه من تحت السطح مجددا بقيادة أحمد المغسل وعبد الكريم الناصر واردة بشكل كبير، وإن كان من المستبعد لدى البعض إعلان أي نشاط للحزب ردا على الحكم بإعدام النمر مع تصاعد الحراك الشيعي بالقطيف والإحساء، فإن ذلك قد يحدث في ظل تزايد التوتر الذي تشهده المنطقة التي تموج بالمتغيرات، خاصة بعد سيطرة الحوثيين الزيديين على صنعاء، وسعيهم للسيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، بالشكل الذي يشكل تهديدا على حدود المملكة السعودية.
المصدر :
http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6825 (http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6825)