المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفعل والزمن في مفهوم النحو العربي - دراسة تحليلية


lakhdarali66
2014-07-09, 22:59
الفعل والزمن في مفهوم النحو العربي - دراسة تحليلية

(http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?p=3991183807#post3991183807)الفعل والزمن في مفهوم النحو العربي
دراسة تحليلية
إعداد : سامر خالد منى

مقدمة:

الملاحظ أنَّ علماءنا القدامى قسموا الزمن الفعلي إلى ثلاثة أزمنة:

1 - ماضٍ تمَّ وانتهى ، وعبَّروا عنه بالفعل الماضي .
2 - حاضر : وعبَّروا عنه بالفعل المضارع .
3 - مستقبل : وعبَّروا عنه بالفعل المضارع المقترن بقرينةٍ تنقله للمستقبل نحو السين أو سوف ، وبفعل الأمر.

فالارتباط الجدليُّ بين الزمن والفعل خضع عند النحويين العرب القدامى لظاهرة القواعد ، فاكتفوا بالنَّاحية التطبيقيَّة الملموسة في دراساتهم ، حيث اعتمد علماء العربيَّة على سلامة الجملة وصحتها حين ينطق بها العربيُّ .

الجملة حين تُنطق:

الجملة التي ينطقها المتكلم قد يرد فيها تفكُّكٌ زمنيٌّ اعتباطيٌّ ، فهو قد يستخدم الأزمنة متداخلةً ، فيخلط بينها دون تمييزٍ أحياناً ، فمثلاً يستخدم أحدهم زمناً حاضراً للدلالة على ماضٍ ، في حين لا تستطيع اللغة أن تلتمس له مسوِّغاً لهذا الخلط في المعنى ،
فيقول : " أنا يركنُ سيَّارتَهُ أمامَ البابِ "
جواباً لسائلٍ : " مَنْ ركنَ سيارتَهُ أمام البابِ ؟ "
وهو يقصد " ركنْتُ " لا " يركنُ " فالفعل " يركن " دلالته على الحاضر في زمن التكلم، وربَّما يحمل رائحة الاستقبال ، لكنَّه غير قادرٍ بأية حالٍ إعطاء معنى المضيِّ التَّامِّ الانتهاءِ أبداً ..

نظرية العامل ودورها في مفهوم الزمن :

النحاة العرب اعتبروا بالتقسيم الزمني الفعلي ، دونما مراعاةٍ لما يتولَّد في المعنى من أزمنةٍ متداخلةٍ ، وذلك لأنَّهم قد أقاموا بناءهم النحوي كلَّه على أساس " نظرية العامل " ، فالعوامل الداخلة على ( الفعل \ الزمن ) كالنصب والجزم - وما تحمل أدوات النصب والجزم من قدرةٍ على تغيير الأزمنة الأصلية للفعل المضارع – لا يكون إلاَّ بعاملٍ لفظيٍّ .
ولئن كانت اللغة العربية معربةً فإنَّ العامل هو الَّذي أحدث الإعراب عندهم .

لأنَّه هو ذاته الذي يتدخَّل _ حسب وجهة نظرهم _ في وضع حركات الكلمة وسياقها الإعرابي .
والملاحظ أنَّ مفهوم الزمن في اللغة العربية لا يندرج بحالٍ ضمن الفعل أو ضمن الركن الفعلي ، وإنَّما يبرز من خلال الجملة ككلٍّ .

إشكالية في المعنَى :

الفعل والزمن وجهان لعملةٍ واحدةٍ في اللغة العربية ، وعندما عمد علماء النحو العربي لتقنين القواعد ، قسَّموا الفعل إلى ثلاثة أقسامٍ زمنياً ، ورغم أنَّ عملهم كان نحوياً صرفاً فإنَّه خلق إشكاليةً تفاقمتْ مع تقادم العهد وتطور الحضارة الإنسانية ، وهي بالضرورة إشكالية المعنى ، فقد صرفوا اهتمامهم إلى البنية الظاهرية للجملة ، وفضَّلوا عدم الغوص في البنية العميقة للزمن ، وذلك لكون حيِّز الزمان واسعاً بين ماكان ، وبين ما يكون ، وما صار بينهما ، ثمَّ إنَّ كلَّ جزءٍ من الحيِّز قد يمتدُّ زمناً قصيراً أو طويلاً ،
يقول البطليوسي : [ الزمان ينقسم قسمين : سنون قد مضت ، وسنون مستقبلة ، والموجود منها السنة التي نحن فيها .. والسنة التي نحن فيها تنقسم قسمين : شهورٌ قد مضت ، وشهورٌ مستقبلةٌ ، والموجود منها الشهر الذي نحن فيه .. والشهر الذي نحن فيه ينقسم قسمين : أيامٌ قد مضت ، وأيامٌ مستقبلةٌ ، والموجود منها اليوم الذي نحن فيه .. واليوم الذي نحن فيه ينقسم قسمين : ساعاتٌ قد مضت ، وساعاتٌ مستقبلةٌ ، والموجود منها الساعة التي نحن فيها ..والساعة التي نحن فيها تنقسم قسمين : أجزاءٌ قد مصت ، وأجزاءٌ مستقبلةٌ ، والموجود منها الجزء الذي نحن فيه . ]
نظرةٌ فلسفيةٌ بحتةٌ لمفهوم الزمن من حيث كينونته ، تتناءى عن المضمون القواعدي للزمن الفعلي ، لذلك نراه بعد أن تخلَّى عن محدوديَّة الزمن الثلاثية يفصِّل تماهي الزمن الواسع إلى أجزائه من سنين وشهورٍ وأيَّامٍ وساعاتٍ وأجزاءٍ ، والأجزاء هي الدَّقائق والثَّواني بعينها ، إذاً هي أجزاءٌ متناوبةٌ بين ما انقضى فكان ، وبين ما سيأتي فسيكون ، وبين ما يجري الآن فيكون ، فالجملة العربية من نمط ( زارنا زيدٌ ) واسعة الزمن ، فالفعل ( زارنا ) ينطوي تـحت معنى ( ما انقضى فكان ) ، ولكنَّه في الوقت نفسه لا حدود لاستغراقه الزمني ، فلا ندري مقدار قربه من الحاضر أو بعده عنه

المفهوم المعجمي للزمن :

لو عدنا إلى المعجم نلتمس فيه تقريباً لمعنى الزمن ، باعتباره يشمل مجمل الكلمات التي يحتويها التركيب اللغوي ، وتقوم السِّمات المميِّزة بتحديد طبيعة كل مفردةٍ من مفردات اللغة داخل مستويات التركيب ، سواءٌ أكانت سماتٍ صوتيَّةً أو تركيبيةً أو دلاليةً ، وهكذا تقوم سمات المفردة بتحديد أصولية الجملة التي تدخل المفردة في تركيبها .

فالزمان : هو المدة من الوقت القصير أو الطويل ، وقيل : هو الدَّهر ، وزمان الفعل : هو صيغته بحسب كونه للماضي أو للحاضر أو للمستقبل

فالسَّيرورة الزمنية تعتبر ( الزمن ) الوقت أو الدهر طال أو قصر ، لأنَّ كلمة ( الزمن ) مبهمة التحديد في خصيصتها ، والتعبير بالقول : ( جاء من زمنٍ ) هو مجرَّد بنيةٍ سطحيةٍ (خارجيةٍ ) ، لم يستطعِ التركيب الإفصاح عن مداه ، فلا ندري مقداره أهو ساعةٌ أم ساعاتٌ أم أكثر من ذلك أم أقل ؟ لذلك كانت اللغات الإنسانية تعمد لوضع القرائن المادية كالأسماء والأفعال والحروف لتحديد الزمن ، أو القرائن المعنوية الخاضعة للحسِّ الجمعي للقوم ، فالقرينة المادية في الركن الزمني ، كاستخدام لفظٍ يحدِّد الزمن نحو : ( يحضرُ خالدٌ غداً ) فالمركب الظَّرفي ( غداً ) مرادفٌ للمستقبل القريب فهو قرينةٌ لفظيةٌ ماديةٌ .. ومثال القرينة المعنوية من نحو : ( حضرَ عمرُ ) حيث إنَّ القيام فعلٌ دائم التكرار لا مع ( عمر ) وحده بل مع كل إنسانٍ ، فهو حادثٌ في كل زمانٍ ، فسياقه الزمني يفترض الماضي القريب .

لماذا لم يفصل النحاة العرب في قضية الزمن ؟

وحين نتأمَّل في اللغة العربية من مختلف اتجاهاتها اللغوية والقواعدية والصوتية ، نجد أنَّ الزمن لم يتحدَّد بهذه الأزمنة المفترضة ، بل تعدَّاها إلى أزمنةٍ أخرى نجمت عن تداخل الأزمنة فيما بينها ، ولم يقصدِ العلماء القدامى إلى الغوص الطويل وراءها خوفاً من تشتيت أذهان المتعلِّمين في قضايا معنويةٍ أثارت جدلاً واسعاً بين جماعة المتكلمين باللغة وجماعة الفلسفة التي تضع لكلِّ شيءٍ تفسيراً عقلانياً ، لأنَّ الهدف من وضع القواعد هو تعليم الناس اللغة العربية لا إرهاقهم بمسائل تنفِّر القارئ لها لصعوبة فهم محتواها ، لذا عمد علماء العربية حين وضعوا أصولها إلى تقنين القاعدة بغضِّ النَّظر عن المدلولات الأخرى الخارجة من حيِّـزها ، تاركين هذا لغيرهم من علماء العربية ، كعلماء علم المعاني – وهو فرعٌ من علوم البلاغة العربية – ليصولوا ويجولوا في ميدان القواعد وتحديدهم للكفاية اللغوية عند المتكلِّم ، باعتبار الكفاية اللغوية المعرفة الضمنية للغة ، لأنَّ الغاية الأولى والأهم لعلم المعاني دراسة المقاصد النحوية للمتكلِّم الفصيح وبيان مواطن الجمال والأداء فيه ، ولمَّا كانت القواعد أصلاً تقوم على تحديد الكفاية للغة " لذا كان موضوع دراسة القواعد للإنسان المتكلِّم والذي يعرف لغته جيِّداً . "

الجملة في العربية وعلاقتها بالزمن :

إنَّ الجملة العربية مركَّبٌ إسناديٌّ بسيطٌ ، ينعقد بعملية إسنادٍ واحدةٍ بين مُسندٍ ومُسندٍ إليه ، وهي بهذا الاعتبار نوعان :

1 = الجملة الاسميَّة : ويتصدَّرها اسمٌ يكون مُبتدأً أو شبههُ ، ويتلوه اسمٌ آخر مرفوعٌ ، نحو : " اللهُ أكبرُ " . ومن الملاحظ أنَّ الاسم عموماً لا خصيصة له في الإطار الزمني ، إلاَّ إذا كان دالاًّ على الظرف .

2 = الجملة الفعلية : ويتصدَّرها فعلٌ يتلوه فاعلٌ نحو : " فازَ المؤمنُ " ، وأحياناً يتلوهما مفعولٌ به أو أكثر حسب احتياجات الفعل من حيثُ التَّعدي واللُّزوم ، نحو : " يبسطُ اللهُ الرزقَ " . ومن الملاحظ أنَّ الجملة الفعلية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالزمن ، لأنَّ وجود الفعل فيها له علاقةٌ وشيجةٌ بالزمن .

وأمَّا الجمل الأخرى التي افترض بعض النحويين وجودها ، كالجملة الشرطية والظرفية والدُّعائية والاستفهامية وغير ذلك ، فلا أصل لها لأنَّها بطريقةٍ أو بأخرى تندرج تحت أحد القسمين السابقين إذ لا ثالث لهما ، يقول ابن هشامٍ الأنصاري :
" مرادنا بصدر الجملة : المسند والمسند إليه ، فلا عبرة بما تـقدَّم عليهما من الحروف . فالجملة من نحو : ( أقائمٌ الزَّيدان ؟ ) و ( لعلَّ أباكَ منطلقٌ ) و ( ما زيدٌ قائماً ) اسميَّةٌ ، ومن نحوhttp://www.hutteensc.com/forum/images/smilies/frown.gif أقامَ زيدٌ ؟) و ( إنْ قامَ زيدٌ ) و ( قدْ قامَ زيدٌ ) و ( هلاَّ قمْتَ ) فعليَّةٌ ، والمُعْتَبَرُ أيضاً ما هو صدرٌ في الأصل . "

يريد ابن هشامٍ القول : إنَّ الجمل إذا تصدَّرت بـ ( كيفَ ) للاستفهام ، أو بمنصوبٍ على الاشتغال ، أو بحالٍ تقدَّم على صاحبه ، أو ما شابه ذلك ، فهي جملٌ فعليَّةٌ لأنَّ هذه الأسماء على نيَّة التَّأخير ، وكذلك الجمل المُصدَّرة بأداة نداءٍ أو بأداة شرطٍ أو بمجرورٍ بواو القسم ، هي أيضاً فعليَّةٌ ..

الفهم الدقيق لسيبويه للزمن الفعلي :

وأمَّا الفعل عماد الزمن فهو في اللغة : " نفس الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيامٍ أو قعودٍ أو نحوهما "
وفي الاصطلاح:" ما دلَّ على معنىً في نفسه مقترنٍ بأحد الأزمنة الثلاثة".

ويتحدَّث سيبويه وبإحساسٍ عالٍ عن معانيَ الزمن ، على الرغم من اقتصاره في( الكتاب ) على القسمة الثلاثية ، فقال : " وأمّا الفعل فأَمْثِلَةٌ أُخِذّتْ من لفظ أحداث الأسماء ، وبُنِيَتْ لِما مضَى ، ولِما يكون ولم يقعْ ، وما هو كائنٌ لم ينقطعْ ، فأمَّا بناء ما مضى فـ ( ذَهَبَ وسَمِعَ و مَكثَ وحُمِدَ ) ، وأمَّا بناء ما لم يقع فإنَّهُ قولُكَ آمِراً : ( اذهبْ واقتلْ واضربْ ) ، ومُخبِراً : ( يَذهبُ ويَضرِبُ ويُقتَلُ ويُضْرَبُ ) ، وكذلك بناء ما لم ينقطعْ وهو كائنٌ إذا أخبرْتَ .. " .

يتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبع... (http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?p=3991183807#post3991183807)

lakhdarali66
2014-07-09, 22:59
أسبقية الأفعال عند النحاة :

ووفقاً للمفاهيم الوظيفية حاول النحاة القُدامى بيان أسبقية الأفعال فيما بينها من الناحية الزمنية ، واختلفوا في ذلك ، فالزَّجَّاجِّيُّ مثلاً يرى أنَّ أسبق الأفعال هو المستقبل :
" لأنَّ الشيء لم يكن ثمَّ كان ، والعدم سابق الوجود ، فهو في التَّقدُّم مُنْتَظَرٌ ، ثم يصير في الحال ، ثمَّ ماضياً ، فيخبر عنه في المضي ، فأسبق الأفعال في المرتبة المستقبل ، ثمَّ فعل الحـال ، ثمَّ الماضي . " .

فالاعتبار بالمستقبل عنده لأنَّه لم يأتِ بعد ، ثمَّ يصبح حاضراً أو حالاً وقت حدوثه ، ثمَّ ماضياً بعد انتهائه . وهذا تصوُّرٌ ذهنيٌّ مُجَرَّدٌ لا يتوافق مع طبيعة اللغة والإحساس الحقيقي بالزمن والذي ينطلق أساساً من الماضي ليعبر الحاضر ويحطَّ في المستقبل ، والمستقبل قد لا يقع إلاَّ بعد زمنٍ طويلٍ ، أو غير مُدْركٍ كأحداث يوم القيامة فزمن حدوثها بعيدٌ ، لذلك ما لبث أن عدل عن ذلك في كتابه ( الجمل ) ، فبدأ بالماضي ثمَّ المستقبل فالحال فقال :

" الأفعال ثلاثةٌ : فعلٌ ماضٍ ، وفعلٌ مستقبلٌ ، وفعلٌ في الـحال يُسَمَّى الدَّائم ..فالماضي ما حَسُن فيه أمسِ ، والمستقبل ما حسن فيه غدٌ ، وأمَّا فعل الحال فلا فرق بينه وبين المستقبل في اللفظ ، فإذا أردت أن تخلِّصه للاستقبال دون الحال أدخلت عليه السين أو سوف " .

فالحال والمستقبل مرتبطان لفظاً عند الزَّجَّاجي وعددٍ لا بأس به من النحويين ، والفرق بينهما بقرينةٍ لفظيةٍ وذلك باستخدام الأدوات الدالة على المستقبل كالسين وسوف وأدوات أخرى من قبيل ( لن ) مثلاً ، وكأنّه يريد القول بأنَّه من دون القرينة اللفظية يصبح الفعل غالباً للحال ، وهذا ما لا يراه علماء البلاغة ، فيقول عبد القاهر الجرجاني :

" إذا قلت : ( أتفعلُ ؟ ) و ( أأنت تفعلُ ؟ ) لم يخلُ من أن تريد الحال أو الاستقبال ، فإن أردت الحال كان المعنى شبيهاً بما مضى في الماضي ، فإن قلت : ( أتفعلُ ؟ ) كان المعنى على أنك أردت أن تقرِّره بفعلٍ هو يفعله ، وكنت كمن يوهم أنَّه لا يعلم الحقيقة أنَّ الفعل كائنٌ ، وإذا قلت : ( أأنت تفعلُ ؟ ) كان المعنى على أنَّك تريد أن تقرِّره بأنَّه الفاعل ، وكان أمر الفعل في وجوده ظاهراً وبحيث لا يُحـتاج إلى الإقـرار بأنَّـه كـائنٌ ." .

فرغم وجود القرينة ظلَّ الفعل يتأرجح بين الحال والاستقبال ، ورأى البلاغيون أنَّ إرادة الحال تدخله في شبه المضيِّ ، فتحمله على الإقرار بفعلٍ يقوم به وتدخله في دائرة الإيهام بعدم علمه بكينونة وقوع الفعل ، وفي حال إرادة الاستقبال لا إيهامَ فيه بل تدفعه دفعاً إلى الإقرار بقيامه بالفعل باعتباره الفاعل الحقيقي الذي أحدث الفعل ..

ولا يقف العالم النحوي ابن يعيش عند حدِّ التقسيم الزمني للفعل ، بل حاول وضع أساسٍ فلسفيٍّ حين يقول :

" لمَّا كانت الأفعال مساوقةً للزمان ، والزمان من مقوِّمات الأفعال تُوجد عند وجوده ، وتنعدم عند عدمه ، انقسمت بأقسام الزمان ، ولمَّا كان الزمان ثلاثةً : ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ ، وذلك من قِبَلِ أنَّ الأزمنة حركات الفلك ، فمنها حركةٌ مضت ، ومنها حركةٌ لم تأتِ بعدُ ، ومنها حركةٌ تفصل بين الماضية والآتية ، كانت الأفعال كذلك : ماضٍ ومستقبلٌ وحـاضرٌ ، فالـماضي ما عُدِمَ بعد وجوده ، وهو المراد بقوله :
( الدالُّ عل اقتران حدثٍ بزمانٍ ما قبل زمانك ) ، أي قبل زمان إخبارك ، ويريد بالاقتران وقت وجود الحدث لا وقت الحديث عنه ، ولولا ذلك لكان الحدُّ فاسداً . والمستقبل : ما لم يكن له وجودٌ بعد ، بل يكون زمان الإخبار عنه قبل زمان وجوده . وأمَّا الحاضر فهو الذي يصل إليه المستقبل ويسري منه الماضي ، فيكون الإخبار عنه هو زمان وجوده . " .

فالحاضر على ما يبدو من كلام ابن يعيش هو الزمن الأساس لديه - خلافاً للزَّجَّاجي – لأنَّه يجري الآن ، كما أنَّ المستقبل يصل إليه حين يقع ، والماضي يسري منه حين ينتهي ، ولكنَّنا حين نستطرد في قراءة شرح ابن يعيش يبدو لنا وقد فشل تماماً في تطبيق ما أثبت وقرَّر .ولذلا يعقِّب الدكتور مهدي مخزومي على هذه الاختلافات الشديدة بين النحويين في بيان أسبقية الأزمنة بقوله :
" وإذا أنعمنا النَّظر فيما أوردوا من تعليلاتٍ واحتجاجاتٍ رأينا ما جاؤوا به تخرُّصاً ومحض افتراءٍ لا يقوم على أساسٍ من فقه اللغة وتاريخها وحركة تطوُّرها ، ورأيناهم يصدرون عن تمحُّلاتٍ عقليَّةٍ لا يصحُّ أن يكون مثلها سنداً لدرسٍ لغويٍّ . " وحتَّى الدكتور المخزومي لم يورد سبباً مباشراً لتفنيده آراءهم ، كما لم يقدِّم رأياً واضحاً في تقسم ما يرتضيه للأفعال ..

البطليوسي وتقسيم الفعل الماضي:

نجد أنَّ البطليوسي يبادر إلى المعنى عند تعرضه للزمن الماضي ، وتوصَّل إلى ملاحظاتٍ مهمَّةٍ في هذا الشأن ، حيث لا يقترن الماضي بزمنه النحوي الضيق ، بل يخضع إلى عوامل السياق التي أشار لها البلاغيون بالمقام ، وقد لاحظ البطليوسي :

1 – تدخل بعض حروف الشرط على الفعل الماضي فيصير بمنزلة المستقبل ، نحو : ( إنْ جاءَني زيدٌ أكرمتُهُ ) .
2 – كذلك تدخل بعض حروف الجزم على الأفعال المستقبلة فتصيِّرها بمعنى الماضية ، نحو ( لم يجئْنِي زيدٌ أمسِ ) .
3 – جعل الفعل الماضي ثلاثة أقسامٍ وفقاً لِما ذكره من قبل وهي :
أ‌- ماضٍ لفظاً و معنىً ، نحو ( قامَ زيدٌ أمسِ ) .
ب‌- ماضٍ لفظاً لا معنىً ، نحو ( إن جاءني زيدٌ أكرمتُهُ ) .
ج - ماضٍ معنىً لا لفظاً ، نحو ( لمْ يقمْ زيدٌ أمسِ ) .

وعلى هذه النظرة نرى أنَّ الفعل الماضي ينقسم إلى أربعة أقسامٍ :

1 – كامل : وهو حدثٌ انقطع تماماً دون أن تكون له علاقةٌ بحدثٍ آخر ، من نحو : (برِئَ المريضُ ) .

2 – سابق : وهو حدثٌ منقضٍ بعدَ حدثٍ منقضٍ من نحو : ( علتِ الصَّيحةُ بعدَ أنْ لفظَ المريضُ روحَهُ ) .

3 – أكمل : وهو حدثٌ انقضى في زمنٍ غير مُعيَّنٍ قبل حدثٍ آخر منقضٍ أيضاً ، من نحو : ( كنْتُ قد كتبْتُ الرِّسالةَ ) .

4 – ناقص : وهو حدثٌ جرى بمص**** حدثٍ آخر نحوhttp://www.hutteensc.com/forum/images/smilies/frown.gifكنْتُ أكتبُ لمَّا دخلَ ).

وهناك أزمنةٌ أخرى يفترضها سياق الجملة ، فقد يتعين الماضي للحال أي يقع في وقت التكلُّم ، وذلك إذا قُصِد به الإنشاء كألفاظ العقود التي يُراد بها إحداث معنىً في الحال يقاربه في الوجود الزمني ويحصل معه في وقتٍ واحدٍ نحو : [ بعْتُ ، اشتريْتُ ] ، وكذلك يدلُّ على الحال إذا كان الفعل الماضي من الأفعال التي تدلُّ على الشروع مثل : ( طفقَ ، شرعَ ) . وقد يصلح الماضي لزمنٍ يحتمل معه المُضيَّ أو الاستقبال شرط ألاَّ تُوجد قرينةٌ تخصِّصه بأحدهما وتُعيِّنه له نحو : ( هلاَّ اجتهدْتَ ) ، فإنْ أردْتَ التوبيخ كان للمضي ، وإنْ أردْتَ الحثَّ على الاجتهاد كان للمستقبل .

وربَّما صلح الماضي لزمن المستقبل القريب وذلك باستخدام بعض أدوات الشَّرط من نحو ( إذا درسَ نجحَ ) ، فالنجاح قريب العهد لارتباطه بفعل الدرس القريب من الحال .
وقد يدلُّ الماضي على المستقبل البعيد بوجود قرينةٍ شرطيةٍ أيضاً مع أخرى زمانيةٍ ففي الحديث النبوي الشريف أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلَّم قال :
[ منِ احتبسَ فرساً في سبيل اللهِ إيماناً باللهِ وتصديقاً بوعدِهِ ، فإنَّ شَبِعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وبوْلَهُ في ميزانِهِ يومَ القيامةِ ] .

فارتبط المستقبل البعيد المتمثل في جزاء احتباس الفرس لله تعالى ، باسم الشرط ( من ) مع قرينةٍ زمانيةٍ أخرى وهي ( يوم القيامة ) .

الفعل المضارع أو الحال وأزمنته عند البطليوسي:

المعنى اللغوي لكلمة ( مضارع ) مأخوذةٌ من الجذر اللغوي ( ضرع ) ، وهو ( المشابه ) فالمضارعة هي المشابهة .
وكان القصد في الاصطلاح النحوي أنَّ الفعل المضارع شابه الاسم في ارتفاعه ولذلك خالف الفعل المضارع قرينيه الماضي ولأمر فجاءَ معرباً لا مبنياً .
وفي الحال إشكالٌ زمنيٌّ آخر ، فقد رأى بعض النحاة عدم وجوده ، لأنَّ الزمن أجزاء انقضت وهي الماضي ، وأجزاء سوف تنقضي وهي المستقبل ، فلربَّما أوهم الحال بعدم وجوده ، لكونه زمناً غير ممكنٍ بين زمنين : زمنٍ تمكَّن ( وهو الماضي ) ، وزمنٍ لم يتمكَّن ولكنَّه قد يتمكَّن ( وهو المستقبل ) ،

ويوضِّح البطليوسي هذه الإشكالية :
" فإذا تأمَّل متأمِّلٌ الزمان الحاضر على هذه الصِّلة خُيِّلَ إليه أنَّهُ غير موجودٍ ، وهو الموجود في الحقيقة إذا تأمَّله المتأمِّل على وجهٍ آخر ، فهذا هو ( الآنَ ) الذي تُسمِّيه الفلاسفة [حدَّ الزمانيـين ] ، ولا مدخلَ له في صناعة النحو له ، وأمَّا ( الآنَ ) الذي يستعمله النحويون من العرب والعجم فإنَّهم يجعلون كلَّ ما قرب من الماضي والمستقبل من تلك النقطة داخلاً في ( الآنَ ) ، فلذلك يقولون : ( خرجْتُ الآنَ ) و ( زيدٌ يخرجُ الآنَ ) ، لأنَّ ( الآنَ ) التي بهذه الصِّفة يمكن أن تقع في الأفعال على التمام ، ويمكن أن يُقال : ( إنْ لم ينقطع ) كما قال سيبويهِ ، ويُسمَّى ( دائماً ) كما قال أبو القاسم الزَّجَّاجي . " ( 46 ) .

فالزمان الحاضر موجودٌ وهو مقترنٌ بلفظة ( الآنَ ) لفظاً صريحاً أو معنىً مؤوَّلاً في المعنى السِّياقي للجملة ، وهو حادثٌ على هذه الصورة في زمن التكلُّم ، غير أنَّه منقضٍ إلى الماضي ، وأمَّا الحاضر الذي نترقَّب وقوعه فهو مستقبلٌ ، ولعلَّ هذا المفهوم الضَّبابي ما جعل البعض ينكر وجود الزمن الحاضر ، ويواصل البطليوسي إثبات فعل الحال :
" فعل الحال ليستْ له صيغةٌ يختصُّ بها في لسان العرب ، وهذا ممَّا احتجَّ به الذين نفّوا فعل الحال ، وهذا لا حجَّة لهم فيه لوجهين : أحدهما : إنَّ له صيغةٌ في غير اللِّسان العربي ، وثانيهما : إنَّ في لغة العرب أشياء كثيرةٌ لم يُوضعْ لها صيغٌ تختصُّ بها ولا يبطل ذلك أن تكون موجودةً ، لأنَّ وجود الشيء ليس بوجود اسمه ، وإنَّما بوجوده أن يكون حقَّاً في ذاته ، إنَّ الفعل الماضي معدومٌ ، وفعل الحال موجودٌ ، فهما متضادَّان ، والفعل المستقبل ممكنٌ ، والممكن أقرب إلى الوجود من المعدوم . "
.فهو يرى أنَّ زمن الحال أثبت في إمكان وجوده من الزمن الماضي الذي لم يعد ممكناً لانصرامه ، وكذلك توجد صيغة الحال في اللغات الأخرى ، دلالةً حتميَّةً على وجودها في اللغة العربية ، وليس بالضرورة نفيه وإن لم تُوجد صيغةٌ بعينها تحدِّده .
وللحال أربع حالاتٍ زمنيةٍ تحدِّده وهي :


1 – أن يكون للحال والاستقبال : كأفعال المقاربة نحو : ( كادَ المطرُ يهطلُ ) ، فالزمن للمستقبل وإن كان يحتمل الحال لقرب وقوعه .

2 – أن يكون للحال بوجود قرينةٍ نحو ( الآنَ أكتبُ ) ، أو وقوعه خبراً لأفعال الشروع نحو ( طفقَ المطرُ يهطلُ ) ، أو بوجود قرائن أخرى كوقوعه حالاً نحو ( أقبلَ الطلاَّبُ يتزاحمونَ ) .

3 – أن يكون للمستقبل وذلك إذا سبقته أداة شرطٍ ما عدا الأداتين ( لم ، لمَّا ) نحو http://www.hutteensc.com/forum/images/smilies/frown.gif إنْ تدرسْ تنجحْ ) ، أو في حال اقترانه بإحدى نوني التوكيد ( يدرسَنَّ – يدرسَنْ ) ، أو رافقته لام جواب القسم نحو ( لَعَلَى سيِّئاتِكَ تُحاسبُ ) ، أو سبقته السِّين أو سوفَ .

4 – أن يكون للماضي وذلك إذا سبقته ( ربَّما ، لمْ ، إِذْ ) ، نحو : ( في أفعالِكَ أشياءُ ربَّما أكرهُهًا ) ، أي : كرهتُهَا .

دلالات فعل الأمر زمنياً:

ولم يكتفِ النحاة بقصر المستقبل على المضارع بل جعلوا الأمر منه ، على أنَّ الأمر بدوره لا يقتصر على المستقبل وحده بل هناك أزمنةٌ تداخله وتؤثِّر على زمنه كما يلي :

1 – فعل الأمر للمستقبل في أكثر حالاته ، لأنَّ المطلوب به وقوعه في المستقبل ويستمرُّ فيه نحو : ( اخشَ ربَّكَ ) ، فالمراد هنا استمرار الخشية .

2 – وقد يدلُّ الأمر على الماضي وذلك إذا دلَّت عليه قرينةٌ ، كما لو كنْتَ تقرأ قصَّةً وخاطبت بطلها وهو يقوم بعملٍ بطوليٍّ ( كافحْ ، ناضلْ ) ، أي : ( كافحْتَ ، ناضلْتَ ) لأنَّ موقف البطل صار في الماضي .

ويعتبر البطليوسي أنَّ الفعل المستقبل نوعان :
1 - نوعٌ خالصٌ للاستقبال لا شركة فيه للحال وهو صيغة الأمر .
2 - ونوعٌ مشتركٌ بين صيغة الحال والاستقبال وهو الذي يُراد به الإخبار نحو : ( يذهبُ ) .

من مراجع البحث :

وهو معد لنيل درجة ماجستير

1 - د . سامي أدهم – فلسفة اللغة : تفكيك العقل اللغوي ، بحث استمولوجي انطولوجي – بيروت – 1993 / 265 .

2 - د . نايف خرما – أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة – الكويت – 1979 / 113 .

3 - د . محمد علي الخولي – قواعد تحويلية للغة العربية – الرياض – 1981 / 22 .

4 - د . كمال بشر – التفكير اللغوي بين القديم والجديد – القاهرة / 128 .

5 - ابن مضاء القرطبي – الرد على النحاة – مصر / 7 .

6 - البطليوسي – الحِلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل – بغداد – 1980/89.

7 - حسن سعيد الكرمي – الهادي إلى لغة العرب – بيروت– 1991 –ج2 /281.


منقول (http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?p=3991183807#post3991183807)