المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التمكين لشريعة رب العالمين - للعلامة بن حنفية العابدين


الكيفاني
2014-04-23, 18:22
بســـم الله الرحمن الرحيم

التمكين لشريعة رب العالمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فالسلام عليكم أيها الإخوة ورحمة الله وبركاته، وأشكر القائمين على شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بولاية بلعباس على ما بذلوه من جهد لتنظيم هذا الملتقى، وأسال الله جلت قدرته أن يكون فيه ما يعود بالنفع علينا وعلى بلدنا وسائر بلدان المسلمين، وأحسب أن المنظمين لهذا اللقاء قد أصابوا في اختيار العنوان الذي تجري أعماله فيه، ووجه ذلك أنه ما كل من ادعى خدمة مذهب مالك هو خادم له بالفعل، فلعلنا بنهاية أشغاله تتبدى لنا إن شاء الله ملامح الخدمة الحقة من الخدمة المدعاة المزيفة التي يهدف من ورائها إلى أن تكون المذهبية وسيلة للتغطية على المخالفات والبدع والضلالات، مما يتعارض مع ما نصب له هؤلاء الأعلام أنفسهم، وهو طاعة الناس لربهم والعيش في كنف ما شرعه لهم بحسب ما أدى إليه اجتهادهم، وأنا هنا ليس غرضي تناول شيء من مظاهر هذه الخدمة ذات المجالات المختلفة المتنوعة، فإن بعض إخواني سيتناولون ذلك فيما يقدمونه من المحاضرات والتعقيبات والمداخلات التي تهتم بالخدمة العلمية البحتة التي لا ريب أننا في حاجة ماسة إليها، ولكنها مهما بلغت فإنها ليست مرادة لذاتها وإنما هي وسيلة إلى العمل والتطبيق .

ولهذا صرفت اهتمامي في هذه الكلمة إلى لفت الانتباه إلى ما ينبغي أن تتوجه إليه بعض جهود أهل العلم من إصلاح الحياة العامة التي ما فتئت تزداد بعدا ونفورا من الحق الذي أنزله الله، رغم كثرة البحوث والدراسات التي بلغت من الكثرة ما لا حاجة إليه، مع ما نحن عليه من التقصير في البحث عن وسائل التمكين لهذا الشرع الذي ما أنزله الله إلا ليسعد به الناس في حياتهم ويتأهلوا بذلك للسعادة الأبدية التي هي مطمحهم كما قال جلت قدرته: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحديد:25)، ولعل هذا الأمر هو الذي دفع واضع برنامج الملتقى إلى تقديم الغاية على الوسيلة في توزيع المحاضرات على الأوقات .

وأحسب والله أعلم أن الاجتهاد في هذا العصر ينصرف شطر كبير منه إلى هذا الأمر، وأن الوعد الوارد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود والحاكم وهو قول النبي صلى الله عليه و سلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها“، يتناول في جملة ما يتناول هذا المعنى قبل غيره، إذ ما فائدة الاجتهاد إذا اقتصر صاحبه على التوفيق بين حياة ناكبة عن الحق ودين جاء يقودها فغدت تستدرجه لتنحل عراه عروة عروة:

نرقع دنيانا بتقطيع ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

فالأمر الأساس الذي أتحدث عنه هو طريق التمكين للشرع في الحياة العامة بعد تضاؤل عمل حكام المسلمين أو انعدامه، لكن هذا الذي سأعرضه إنما يجري بموافقتهم ومن غير افتيات عليهم داخل ما يعرف عند المعاصرين بالمجتمع المدني، ونسميه نحن جماعة المسلمين وهو أمر مفتقر إلى أن نحييه في أذهان المسلمين وأن نربيهم عليه لإشعارهم بمسؤوليتهم في ذلك وسأشير إشارات خفيفة إلى الأمور التي تجلي هذا الموضوع في الذهن وتبين أهميته .

التفقه في الدين:
إن التفقه في الدين يلتقي مع معنى الفقه في اللغة الذي هو الفهم، لكنه فهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم، فهم لمراد الله من خلقه، بتصديق خبره، وتنفيذ أمره، وهو أعم من مدلول الفقه في الاصطلاح، فهو يشمل الإيمان والإسلام والإحسان، أعني العقائد الحقة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، تلك المنظومة المتكاملة التي يصلح بها ظاهر الإنسان ويزكو بها باطنه، وتنضبط بها علاقاته بغيره، والفقه بهذا المعنى هو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم به لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: “اللهم فقهه في الدين“، رواه البخاري، وهو الذي قال فيه: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين“، رواه الشيخان عن معاوية رضي الله عنه، وهل يعقل أن تكون معرفة العقائد وهي أس الدين بمعزل عمن أراد الله به خيرا، أو أن يكون المقصود من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم لابن عمه بالتفقه في الدين فقهه للأحكام العملية منه .

مسؤولية المسلم عن أحكام الله:
إن الأحكام الشرعية قد خاطب الله تعالى بها عموم المؤمنين لا خصوص العلماء والحكام منهم والقادرين، ممن ترجع إليه إقامة تلك الأحكام، وهذه هي القاعدة التي جرى عليها كتاب الله تعالى، قل أن تجد فيه الخطاب موجها إلى الفرد كيفما كان حاكما أو عالما، وهذا مطرد معلوم في القرآن من توحيد الله والإخلاص له، ولزوم طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه و سلم، والاستجابة لهما، والنهي عن تحكيم غيرهما، والأمر بالرد عند التنازع إليهما، والدخول في السلم كافة، وإقامة العدل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكذلك في الفروع عبادات ومعاملات، كإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والجهاد، والبيع والمداينات، والعقود، والنكاح، والطلاق، وإحصاء العدة، ورعاية الأيتام، والإصلاح بين الناس، والقصاص، والمواريث، والآداب والسلوك، وغيرها، فالخطاب في كل هذه الأمور وغيرها موجه إلى عموم المؤمنين، وفي المقابل فإن مما جرى عليه كتاب الله تعالى أن يسند جرائر السلف إلى الخلف حيث كانوا موافقين لهم فيما اعتقدوه، وإن لم يعملوا عملهم كما تراه في مخاطبة الله تعالى بني إسرائيل في غير ما آية من كتاب الله تعالى .

مراتب علاقة المسلم بأحكام الله تعالى:
إن علاقة المسلم بأحكام الله تعالى منازل ومراتب، والمبدأ أن جميع المسلمين مطالبون باعتقاد مشروعية الحكم متى علموه من وجوب أو ندب أو حرمة أو كراهة أو إباحة أو رخصة أو عزيمة أو صحة أو فساد، كما أنهم مطالبون قبل ذلك بتصديق أخبار الغيب والإيقان بها، وفي مقدمتها أركان الإيمان الستة التي لا إيمان لمن لم يستيقنها، ومجرد هذا الاعتقاد يثاب عليه المؤمن من ربه، وهو عابد له بذلك الاعتقاد وحده، ومن العجب أن بعض المنسوبين للعلم وهم يرون أحكام الله تعالى معطلة لا يفتأون يجتهدون في التهوين من شأن بعضها في نفس المؤمن، فمجرد اعتقاد كونها حكم الله المنزل يقلقهم، أو يقلق غيرهم ممن يرومون إزالة الحواجز التي تبعدهم عنهم، وكثيرا ما يقولون ذلك عن الحدود التي يزعمون أنها ليست لها الأولوية، وأن ما ينبغي أن يقام قبلها من الأحكام كثير حتى يوصل إليها، وقد قال هذه الأيام بعض من كان منهم يهيج الناس ويستفزهم لهذه المظاهرات فيما يسمى بالربيع العربي، وإنما هو خريف، أتريدون أن تقيموا الحدود وعندكم أربعون مليون جائع؟، ولو كان هذا حقا لما أقيم حد في العالم منذ أكرم الله البشرية بالإسلام، وقد صح خروج نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ومعه خير الناس أبو بكر وعمر من الجوع، لكأن هؤلاء الذين يلومهم على رغبتهم هذه قد بلغوا مرحلة يقدرون فيها على إقامة الحدود فجاء هذا المسكين ينصحهم حتى لا يفلت من أيديهم الحكم ويغضب عليهم الكفار، ومن هؤلاء من يقولون عن المرتد إنه لا يقتل في الإسلام، إذ لا إكراه في الدين وهكذا، واعتقاد المؤمن حكم الشرع يقتضي علمه أنه جالب للمصلحة دافع للمفسدة، وأن الأمر والنهي عنوان على ذلك، لأن الإنسان وإن عقل مصلحته فإنه لا يعرفها كما ينبغي، فقد يكون في تلك المعرفة أسير ظرفه، أو سنه، أو غناه، أو فقره، فيعرف مصلحته في الصحة ولا يعرفها في المرض، ويعرفها في الصغر ولا يعرفها في الكبر، وقد يتعقلها في حال ولا يتعقلها في غيره، وقد تستهويه مصلحته فلا يضع في الحسبان مصلحة غيره، وعندنا نحن المسلمين تقدم مصالح الآخرة على مصالح الدنيا عند استحكام التزاحم والتعارض، ربنا العليم الحكيم أعلم بمصلحة خلقه، فالخلق له والأمر له، والثاني أن المسلمين جميعا مطالبون بالعمل على وفق حكم الله حسب استطاعتهم، لأن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم}(التغابن:16)، والثالث أنهم مطالبون بالإعانة عليه وتشجيع فاعله ومحبته، والرابع النهي عن الباطل وتثبيط مريده، وكراهة فاعله بقدر ما هو عليه منه، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، لكن من غير أن تنفصم عروة الولاء والبراء التي تجمع بين أهل الإسلام، بسبب ذلك التفريط والعصيان، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }(فاطر:32)، والمراتب المذكورة في هذه الآية إن كانت في جماعة المسلمين فواضح منها أن منهم الظالم لنفسه وهو المفرط في بعض الواجبات والفاعل للمحرمات، فهذا لا يخرج من جماعة المسلمين شرط أن لا ينكر تلك الأحكام ويجحدها، والثاني وهو المقتصد الذي يفعل الواجبات ويجتنب المحرمات، والسابق الذي يزيد على الواجبات المندوبات، ويزيد على اجتناب الحرمات اجتناب المكروهات، فوجود هذه المراتب في جماعة المسلمين غير منكور، والمرفوض أن يكون فيهم من ينكر المعلوم من الدين بالضرورة .

التمكين لشريعة رب العالمين:
الكلام على طرائق التمكين للشرع ووسائله ينبغي أن يصبح من جملة المباحث الفقهية في هذا العصر بدراسة دور جماعة المسلمين، وما يمكن أن تتولاه من الأمور في هذا التمكين، وقد كان الفقهاء يتكلمون عليها في الأمور العارضة الاستثنائية عند فقد الحاكم المسلم، لأنه هو الذي يحمي بيضة الإسلام ويرعى أحكام الله تعالى في الحياة العامة، فلما اختلف الوضع الآن بتخلي معظم حكام المسلمين عن هذا الأمر لأسباب ليس هذا موضع ذكرها كان هذا المبحث من أعظم ما ينبغي العناية به لتجلية دور تلك الجماعة في إطار النظم والقوانين المعاصرة التي لا انفكاك للناس عنها، وأحسب أن من وجه جهده من الدعاة لهذا الجانب وقعد له وأصل بالنظر إلى ما جد من أنظمة الحكم في بلدان المسلمين بعيدا عن الخروج عليهم، ومن غير افتيات عليهم فإنه يقدم خدمة جلى لدين الله، وهذا الذي أذكره هنا ليس إلا إشارات ينسج على منوالها ويتوسع في الحديث عنها والله الموفق .

والذي أقصده هنا من التمكين للدين أن لا تظل أحكامه حبيسة العلم بها أو مقتصرة على إقامتها في نفس المرء وزوجه وولده ونحوهم ممن له عليهم سلطان، هذا إن تمكن من إقامة الحق فيهم في هذا الزمان .

وسائل التمكين:
ووسائل التمكين لا تخرج عند المسلمين اليوم المحقين منهم والمبطلين عن ثلاثة أشياء، الأول: الخروج على الحكام بإشهار السلاح عليهم وقتالهم ومن معهم وما يجري مجراه أو يفضي إليه من المظاهرات والاحتجاجات والوقوع فيهم والتشهير بهم حتى تسقط أنظمتهم وتقوم على أنقاضها أنظمة أخرى، فهذا مسلك لا يرتضى لقيام الدليل على منعه، ولا هو مجد بعد ذلك في تحقيق الإصلاح الذي هو من مقاصد الشرع، والمفاسد المترتبة عليه لا تخفى، وشاهد الحال قائم اليوم في البلدان التي انخدع الناس بما حصل فيها بادي الرأي .

والثاني تأسيس الأحزاب السياسية للمشاركة في الحكم ودخول البرلمانات لتحقيق الإصلاح المطلوب، وهذا أمر لا أراه مجديا، وقد تعرضت له في كتابي المسمى هل الحزبية وسيلة إلى الحكم بما أنزل الله، وذكرت فيه ما رأيته استثناء على خلاف الأصل بقيود أثبتها هناك .

والطريق الثالث هو هذا الذي ندعو إليه، من العلم بالدين والعمل على وفقه في النفس والمحيط القريب الذي يمكن المرء أن يقيمه فيه، ثم التمكين له في الحياة العامة، فإن هذا هو الأسلوب الناجع النافع الذي يمضي إن شاء الله ولا يتوقف، ولا يضطرب بين صعود ونزول، وظهور وأفول، وهو عمل يجري داخل الأنظمة من غير معارضة لها، ولا منافستها في الطموح إلى الحكم بدلها .

لا نختلف أن بداية التمكين هذا تكون بالعلم، وأوله العلم بالله تعال، والعلم بشرعه بمعرفة محابه ليعمل بها ومساخطه لتجتنب، يطالب كل مؤمن منها بحسبه بعد الذي يشترك جميع المؤمنين فيه من المعلوم من الدين بالضرورة، لا شك أن في الأمة من هو على هذا الذي قلت، فإذا رأى أحكام الله تعالى مجسدة في نماذج حية يعيشها في مختلف مجالات الحياة كانت له بمثابة الواحات في صحراء الشرود عن الحق فيقوى بذلك عزمه وتعظم إرادته ويتشجع ويصبح هو نفسه مشاركا صانعا لهذه النماذج داعما لها، لقد أراد الله تعالى لهذه الأمة شرعا أن تكون كلها ربانية أي منسوبة للرب بعلمها بما في الكتاب المنزل، فأفرادها فريقان العلماء والمتعلمون، وتفريطها في تحقيق هذا الوصف ليس وراءه غير الإشراك بالله تعالى يقل ويكثر، ويعظم ويصغر، بحسب قلة أو كثرة اتصافها بوصف الربانية، يدل على هذا المعنى سياق قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ(79)وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران79و80)، ولا يهولنك هذا الذي قلته في شأن الإشراك بالله فما أحد من الناس ببالغ منازل الأنبياء في التوحيد ومع ذلك نهوا عن الإشراك لنلزم الحيطة، وآيات الكتاب في ذلك لا تخفى عنك، وقال الله تعالى عن نبيه وخليله إبراهيم صلى الله عليه و سلم : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }(إبراهيم35) .

العمل الجماعي ضرورة دعوية :

العمل الجماعي اليوم هو ركن التمكين الأساس، وهو ضرورة دعوية أيضا، وأقول إن التعليم وحده في منظومة الشرع التي هي العقائد والأعمال والأخلاق لم يعد كافيا في الدعوة إلى الله سبحانه، وليس المراد التقليل من أهمية التعليم، ولا يجوز لأحد أن يستهين بما يبذله علماء الأمة والدعاة من الجهود في التعليم والتوجيه والتأليف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أحكام الله تعالى التي يكتنفها الكفر العملي في بلاد المسلمين من كل الجهات، ويضيق عليها باستمرار، وإنما المقصود أن العلم لا يراد لذاته، وإنما لكونه طريقا لإصلاح النفوس وإصلاح الحياة في مختلف جوانبها، وانظر إلى المواضيع التي تتناولها البحوث والرسائل الجامعية أو تلك التي يكتبها الأفراد وأنا منهم، ولتحص ما يرجع منها إلى هذا الذي نتحدث عنه، إن فعلت ألفيته قليلا أو منعدما، وهذه المؤسسات التعليمية ولاسيما تلك المتخصصة في علوم الشرع من المفروض أن تكون هي رائدة الإصلاح، وأن يوجه القائمون عليها طلابهم هذه الوجهة التي تخدم بها شريعة محمد صلى الله عليه و سلم خدمة عملية، والعلماء يقع عليهم العبء الأكبر ويتحملون وزر التقصير أكثر من غيرهم لما منحهم الله من العلم الذي به يحسنون التوجيه، وإن لم يتولوا ذلك بأنفسهم، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: “فالربانيون إذن هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا، ولذلك قال مجاهد: وهم فوق الأحبار، لأن الأحبار هم العلماء والرباني الجامع إلى العلم والفقه البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم”،انتهى .

إن كل مؤمن مسؤول عن هذا الأمر حسب استطاعته، ولا يسقط عنه واجب التمكين لأي حكم من أحكام الله وهو قادر عليه كيفما كان موقعه في جماعة المسلمين، وأهل العلم والدعوة هم المقدمون بعد الحكام يقع عليهم من المسؤولية في هذا الأمر ما لا يقع على غيرهم من عامة المسلمين، وليس تخلي الحكام عن هذا الأمر بمعف غيرهم ولاسيما العلماء من المسؤولية، ولا هو بالعذر المقبول في هذه الشريعة .

الجماعة الظاهرة على الحق:
ولزوم التعاون على الخير متى توقف القيام به على وجود الجماعة التي يقر وجودها أولو الأمر في الدول الحديثة ليس في حاجة إلى أن يستدل له، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والمسلمون يشكلون أمة واحدة يجمع بينهم عقد الإيمان الذي على أساسه يوالي بعضهم بعضا، وينصر بعضهم بعضا، وهم مطالبون بالتعاون على البر والتقوى، وترك التعاون على الإثم والعدوان، وهم جميعا معنيون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير كل حسب قدرته، وهم لهذا خير أمة أخرجت للناس لقيامهم بتلك الوظيفة بعد الإيمان بالله، وقد أخبر الله تعالى أنه لا ينجو من الخسران غير المؤمنين الذين يعملون الصالحات المتواصين بالحق المتواصين بالصبر، وشرع الله تعالى من العبادات ما يدعم وحدتهم ويحافظ على جماعتهم ويحفظ انضباطهم وطاعتهم في المعروف، وقد كان فيما مضى عقد الإيمان وحده كافيا في بعث هذا التعاون ثم ضعف هذا الداعي في نفوسهم وانضاف إلى ذلك ما طرأ من الأمور في الدول الحديثة مما لم يكن موجودا من قبل، إذ غدا النشاط الجماعي العام محظورا إلا في إطار الهيآت والجمعيات التي يسمح لها الحكام بالعمل، والمعتقد أن الخير باق فيهم إلى يوم الدين، وأن طائفة منهم لا تزال على الخير والحق ولا تفتأ ظاهرة حتى يأتي وعد الله كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه و سلم: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، عن بعضكم لبعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة”[1]، وقد تضمنت ألفاظ الأحاديث الواردة في الطائفة المنصورة وصفها “بالظهور على الحق، وبالقهر للعدو، وبالظهور على الناس، وبالظهور على من ناوأهم، وبأنها قوامة على أمر الله، وأنهم لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، وأنها باقية إلى أن تقوم الساعة، وإلى أن يأتي أمر الله”[2]، هذا ما أخبر به الصادق ونحن مؤمنون به ومصدقون ,

وغير خاف عنك أن هذه الجماعة كانت موجودة يوم كانت بيضة الإسلام محمية وأحكامه تسري في حياة الناس في الجملة، أما الآن فلا بد من اصطناع هذه الروابط التي فرضها القانون، وجعلها شرطا في الإقدام على بعض الأعمال التي لا غنى للمجتمع المسلم عنها، ولا تقوم الرابطة بين أفراده كما ينبغي إلا بها .

كثير من المطالب الشرعية التي تضمنتها نصوص الكتاب والسنة، ومثلها في ذلك الأخبار الواردة في صفات المؤمنين؛ كان الفرد المسلم يقوم بها وحده، ويدعو إليها غيره، ويتعاون مع إخوانه على تحقيقها، أما في هذا العصر فإن كل ما يفعله الفرد هو أن يقول بلسانه، ويحض بكلامه، أو يقدم جهدا بمفرده، وقد لا يقدر على القول بله الفعل، أما أن ينتقل إلى ما وراء ذلك من الفعل المؤثر الواسع فلا سبيل له إليه إلا في هيئة يعترف بها أولو الأمر، ويسمحون لها بالنشاط .

كلام ابن باديس عن جماعة المسلمين:
وقد تنبه العلامة ابن باديس إلى هذا الأمر مبكرا، ونهض إليه مبادرا، كان ذلك يوم سقطت الخلافة الإسلامية، رغم أنه لم يكن يرى في سقوطها إلغاء للخلافة بمعناها الإسلامي، وإنما كان ذلك في نظره إلغاء لنظام حكومي خاص بالعثمانيين، فهو بفراسته رحمه الله رأى أن المسلمين قد أفلت منهم أن يقيموا نظامهم السياسي على هدي الإسلام، وفي ذلك النظام لم تكن الحاجة إلى هذه الجمعيات كما هي الآن، وقد كاتب شيخ الأزهر في هذا الشأن، ولما لم يتلق منه جوابا قال معلقا على موقفه: “وسيرى صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر أن خيال الخلافة لن يتحقق، وأن المسلمين سينتهون يوما ما إلى هذا الرأي”[3]، لقد دعا ابن باديس إلى أن ينتظم أمر المسلمين في جماعة تشمل كل أقطارهم، ولعله كان وهو يدعو إلى ذلك قد قام في ذهنه خبر الطائفة المنصورة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم، كان متشوفا إلى جماعة تنتظم فيها أقطار المسلمين قاطبة، والعجب أن ابن باديس لم يتردد في اعتماد الفصل القائم بالفعل بين “الناحية السياسية الدولية، والناحية الأدبية الاجتماعية”، في حياة المسلمين، وإن كان هذا الفصل مرفوضا، وقد رتب على هذا الواقع المرفوض الحاجةَ إلى إنشاء تلك الجماعة كي تحافظ على ما يمكن من أحكام الإسلام، وهذا بلغة المعاصرين يعني فصل الدين عن الدولة، وهذا الأمر وإن كنا نمقته ونعارضه مبدأ، فإن ذلك لا ينفي أنه موجود واقع، فمراعاته في العمل الدعوي مما لا مناص منه، فليفقه هذا الأمر من شاء أن يفقهه .

وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله[4]: “كان المسلمون في الصدر الأول جماعة واحدة يتعاونون على البر والتقوى من غير ارتباط بعهد ونظام بشري، كما هو شأن الجمعيات اليوم، فإن عهد الله وميثاقه كان مغنيا لهم عن غيره، وقد شهد الله لهم بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ3}(آل عمران:110)، ولما انتثر بأيدي الخلف ذلك العقد، ونكث ذلك العهد، صرنا محتاجين إلى تأليف جمعيات خاصة، بنظام خاص لأجل جمع طوائف من المسلمين وحملهم على إقامة هذا الواجب (التعاون على البر والتقوى) في أي ركن من أركانه، أو عمل من أعماله، وقلما ترى أحدا في هذا العصر يعينك على عمل من البر ما لم يكن مرتبطا معك في جمعية، ألفت لعمل معين، بل لا يفي لك بهذا كل من يعاهدك على الوفاء، فهل ترجو أن يعينك على غير ما عاهدك عليه؟، فالذي يظهر أن تأليف الجمعيات في هذا العصر مما يتوقف عليه أمثال هذا الأمر وإقامة هذا الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما قال العلماء،،، إلى آخر كلامه رحمه الله.

الاستفادة في الدعوة من النظم الحديثة :
لقد تمكن المسلمون حين نظموا أعمالهم في هيآت معتمدة أن يكون لهم محاكم شرعية في دول كافرة، فهذه مملكة بريطانيا تسمح للمسلمين بإقامة عشرات المحاكم الشرعية في ترابها، ويتعدى اختصاص تلك المحاكم الأحوال الشخصية إلى غيرها، فيتحاكم إليها من شاء من المسلمين في تلك البلاد، وإني أتوقع لهذه الجمعيات في أوطان المسلمين الخاصة، ووطنهم العام، متى كان لها ثقل علمي واجتماعي، وقادها أهل البصيرة الشرعية والاستقامة والأناة والتدرج أن يؤدي وجودها إن شاء الله إلى تحقيق شيء من هذا فتعود بعض أحكام الشرع للحياة العامة، وإلا فكيف يعجز المسلمون في ديار الإسلام عن تحقيق ما حققه إخوانهم في ديار الكفر؟

إن من أحكام الله تعالى ما هو موجه إلى الأفراد يقوم به – ولا بد – كل من توفرت فيه شروط التكليف، وهذا القسم هو الأصل في الإصلاح، وهو معظم الدين، ومنها ما الأمر فيه موجه إلى الأمة قاطبة، فإذا قام به بعضها سقط عن الباقين، وهي فروض الكفاية، ونحن نرى أن كثيرا من النوع الأول يعسر على المرء التزامه لما له من علاقة بالنوع الثاني، وأحكام الشرع تتكامل وتتعاضد، بل إن الضغط مستمر على الفرائض العينية، وما فتئ قيام الفرد المسلم بها يتعرض للتضييق لتزايد ابتعاد الحياة العامة عن هدي الإسلام، وقد قال بعض أهل العلم إن الأجر على فرض الكفاية أعظم من الأجر على فرض العين، ولعل ذلك باعتبار عدم اهتمام الناس بالأول وتنبههم له، وتراميهم المسؤولية فيه، وهذا في الوقت الذي كانت فيه وسائل رعاية الحكم قائمة، فكيف يكون الحال بعد أن غاب عن حياة المسلمين الحاكم الذي يقيم شرع الله، ويصلح الدنيا بالدين، في هذه الحال يأتي عمل جماعة المسلمين كما كان العلماء يسمونها من قبل، ويعطونها الصلاحية التي للإمام في غيبته، أما اليوم فيجب أن تنشأ لتمارس بعض تلك الصلاحية مع وجوده لأنه تخلى عنها، فالسعي في تأسيسها واجب لتقيم من الإصلاح ما تيسر .

ويتضح لك الحكم الشرعي في القانون الأساس الذي يتم التعاقد عليه بين المنتمين للجمعية أو أية هيئة تؤسس لخدمة الدعوة إلى الله في شقيها العلمي أو العملي بقراءة كلام الإمام ابن تيمية إذ قال: “إن كل اجتماع في العالم لا بد فيه من التحالف، وهو الاتفاق والعاقد على ذلك من اثنين فصاعدا، فإن بني آدم لا يمكنهم العيش إلا بما يشتركون فيه من جلب منفعتهم ودفع مضرتهم، فاتفاقهم على ذلك هو التعاقد والتحالف”، انتهى .

وما أعظم انطباق ما ذكره هذا الإمام على حال المسلمين اليوم مع حكامهم حيث لا تجمعهم في الكثير من أمورهم طاعتهم، لأنهم لا يهتمون بالكثير من شؤون دينهم في حياتهم العامة، قال رحمه الله: “وكل قوم لا تجمعهم طاعة مطاع في جميع أمورهم،فلا بد لهم من التعاقد والتحالف فيما لم يأمرهم المطاع”[5]،انتهى .

واجب جماعة المسلمين في هذا العصر:
إن القيام على أحكام الله تعالى والعمل بها ذو مستويات ثلاثة: مستوى الفرد وما ينضم إليه من أسرته ومن هو مسؤول عنه، ومستوى الأمة برمتها لو كانت الخلافة الإسلامية قائمة على أرض الإسلام كافة، وهكذا لو قامت إمارة إسلامية على جزء من أرض الإسلام فإن القيام على إصلاح الدنيا بالدين يتولاه الأمير بمعونة جماعة المؤمنين، والمستوى الثالث جماعة المؤمنين إن لم يكن حاكم لسبب ما، ويدخل فيه ما إذا لم يقم الحاكم بما عليه مما كلفه الله به، وهذه الحالة يتحدث عنها الفقهاء في طوايا كلامهم عمن يتولى إقامة أحكام الله في جزئيات المسائل كما في ولاية النكاح والطلاق بل وفي إقامة الحدود وغيرها، وهو أمر مجسد اليوم في بلاد الكفار، فإن الذي يتولى تزويج من أسلمت من الكفار هو جماعة المسلمين حيث لا سلطان هناك، وكذلك الحال في الطلاق، أما في بلدان المسلمين حيث الحاكم موجود فالأمر مختلف، إما لأن بعض الأحكام ما تزال مرعية في الجملة كأحكام الأسرة، أو لغير ذلك من الأسباب، وإذا تخلى الحكام عن واجباتهم فإن هذا لا يعفي الأمة أو من قدر منها من القيام بما عليها، والأنظمة الحديثة تمكن الأمة من القيام بكثير من الأعمال في شتى مجالات الحياة عن طريق الجمعيات وغيرها من الروابط، بحسب نظمها الأساسية التي تعدها تلك الجمعيات وتوافق عليها الجهات الإدارية في الدول، وإني أضرب هنا مثالا بإمكان إقامة الحدود لأن كثيرا من الناس يتكلمون عليها ويزهدون في إقامتها لأنها لا تتأتى، فإثبات إمكان إقامتها فعلا من غير الحاكم بعد بيان مشروعية ذلك يدل من باب أولى على إمكانية إقامة غير الحدود من الأمور الأخرى، وما أكثرها .

وأكتفي هنا بذكر كلام لابن تيمية رحمه الله بعد الإشارة إلى أن بعض الحدود قد قام الدليل على أن السيد يقيمها على مملوكه، قال ابن تيمية: “خاطب الله تعالى المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا }(المائدة38)،وقوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}(النور2)، وقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }(النور4)، لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم، وقد علم أن هذا فرض على الكفاية، وهو مثل الجهاد، بل هو نوع من الجهاد، فقوله: “كتب عليكم القتال”، وقوله: “وقاتلوا في سبيل الله”، وقوله: “إلا تنفروا يعذبكم”، ونحو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين، والقدرة هي السلطان، فلهذا وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه، والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، ولهذا قال العلماء إن أهل البغي ينفذ من أحكامهم ما ينفذ من أهل العدل وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا أحزابا لوجب على كل حزب فعل ذلك في أهل طاعتهم، فهذا عند تفرق الأمراء وتعددهم، وكذلك لو لم يتفرقوا وطاعتهم للأمير الكبير ليست طاعة تامة، فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك لم يسقط عنهم القيام بذلك، بل عليهم أن يقيموا ذلك، وكذا لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق، أو إضاعته لذلك، لكان ذلك الفرض على القادر عليه، وقول من قال لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل، كما يقول الفقهاء: الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر، فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى، أو عاجزا عنها، لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه، وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود، أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه، مع إمكان إقامتها بدونه، والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه”[6]، انتهى، وكلامه رحمه الله واضح والشرط الذي اشترطه وجوده ممكن بل هو واقع .

قد ترى هذا بعيدا أن يقام في عالم اليوم، لكن ما المانع أن تتأسس جمعية لإقامة الحدود، ويوافق عليها أولو الأمر، ولا نقول إن الحدود تقام على كل من ثبتت عليه، بل على من أقر بها، ورغب أن تقام عليه ليتطهر من ذنبه كما كان الناس يفعلون، أليس من حق الناس ذلك؟، أليس هذا من الحرية التي يزعمون أن أنظمتهم توفرها للناس؟ .

هذا تصوري لمآل تأسيس الجمعيات المحلية والوطنية والدولية والانخراط فيها، وهو تصور قد لا يدرك المرء زمان إثماره وقطف جناه، ولكن ينبغي أن نسعى له جهدنا، فنحقق أهدافا فورية من وراء هذا التأسيس أدنى من ذلك، حتى يقوم عليها ذلك البناء المرتجى، وهو معيش في بعض بلدان العالم، والعاقل من اتعظ بغيره، والأغراض الكبرى تقام على ما دونها في الأهمية، ولا بأس في طريق الحق من السير البطيء فإنه خير من العجلة، وإنما يذم من تفرج على المخالفة من غير أن يفعل شيئا لوقفها أو علاجها، كذلك كان سلفنا: علموا مقاصد الشرع، وتفقهوا في أحكامه، وراعوا واقعهم في اصطناع الوسائل المشروعة لاستمرار الدعوة إلى الحق، والجمعيات من أعظم الوسائل إلى خدمة الحق في عصرنا[7].

أسس العمل الجماعي المقنن وضوابطه:
أما ما ينبغي أن يتوفر في الأعمال التي تقوم بها هذه الهيآت فهو ما ينبغي أن يتوفر في العمل حتى يكون مقبولا نافعا، وجماع ذلك أن يكون صالحا، وصلاح العمل له ركنان هما موافقة السنة، والإخلاص فيه لله تعالى، وبهذا تظهر ضرورة أن يكون القائد عالما، فلا ينبغي أن يكون اختيار النشاط على غير هذا الأساس مما فيه السعي في مجاراة الناس بغية اكتساب ودهم وعطفهم، قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }(الملك2)، فلم يقل أكثر عملا، وإنما قال أحسن، فإن كثر مع أنه أحسن فهو خير، وقال النبي صلى الله عليه و سلم: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد“[8]، وقال أيضا: “كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد“، ومن ذلك أن يكون مداوما عليه مستمرا فإن خير العمل أدومه وإن قل، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل“[9]، وأن يكون منوعا يشمل ما أمكن من مجالات الحياة، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(الحج 77 ) وأن تراعى فيه الأولوية وواجب الوقت، وأن يراعى فيه التدرج فإنه سنة كونية وشرعية، لكن التدرج المقصود لا يصح أن يفضي إلى إقرار المنكر، بل قد يسكت المرء عن شيء مؤقتا للعناية بما هو أعظم منه فإن سئل عنه فلا بد من البيان .

فأما ما ينبغي أن تكون عليه الجماعة القائمون بالتمكين فأولها كون القانون الأساس الذي تتحالف عليه قائما على الشرع لا فرق بين المجالات العلمية والعملية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها وجود القائد العالم المجرب المتمتع بالخبرة والحنكة العارف بواقعه ومحيطه المتمتع بالحلم وسعة الصدر غير الفظ والغليظ القلب، وقد قال الله للنبي صلى الله عليه و سلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران159)، وتأمل كيف جمع الله له صلى الله عليه و سلم بين لين الظاهر ولين القلب، لأن المرء قد يكون حسن الظاهر في المعاملة مع إضماره الشر لمخالفه فلا يفوت الفرصة إذا سنحت أن يأخذ منه، ومنها أن تكون الجماعة متآلفة متحابة، ولا يؤلف قلوب الناس إلا اتباع الحق وخضوعهم له مع توفر الإرادة لذلك، قال الله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(الأنفال63)، وقال النبي صلى الله عليه و سلم: “ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟: على كل قريب هين سهل“[10]، وقال: “المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف“[11]، وما أقل اللين وخفض الجناح في أوساط كثير من الدعاة، ومنها أن يكون من جملة ما يعمل عليه إعداد الخلف الذي يتولى القيادة بعد، قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}(الأعراف142)، وقال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}(مريم5و6)، وهذه وراثة العلم، وفي سيرة النبي صلى الله عليه و سلم ما يدل على ذلك، ومنها أن يلتزم بما تم التعاقد عليه مما لا مخالفة فيه للشرع، ومنها أن يكون الأصل في إنجاز الأعمال التطوع، ومنها التشاور حسب القانون الأساس، بل وفي المسائل التي لم يلزم فيها هذا القانون بالتشاور لما في ذلك من تطييب القلوب وتقوية التآلف، قال الله تعالى: {و شَاوِرهُم في الأَمْر}، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(الشورى38) ومن ذلك عدم الإلزام بالرأي، فإن المؤمنين متى تنازعوا ردوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم، وتقوم علاقة الجمعية بأولي الأمر على العمل في نطاق ما يسمح به القانون، فلا خروج عنه ولا ذوبان في أنظمة الحكم، أما علاقة هذه الهيآت بالروابط الأخرى وسائر الأفراد فتقوم على التعاون على البر والتقوى، وترك التعاون على الإثم والعدوان، وتقوم على مبدإ المخالطة مع عدم كلم الدين، أو حضور المنكر وإقراره، كما تقوم على خصوصية المنهج وعموم النفع للناس .

وأنقل هنا ما ذكره الشيخ عبد الله السبت[12] في كتابه حكم العمل الجماعي في الإسلام عن ضوابط هذا العمل وهي:

1 – الاجتماع على البر والتقوى

2 – الدعوة إلى الكتاب والسنة على فهم السلف

3 – أن لا تدعو إلى معصية ولا تنصر عصبية

4 – أن يقره أكابر العلماء من أهل السنة والجماعة

5 – أن لا تشق عصا الطاعة لولاة الأمر من المسلمين

6 – أ لا تكون لديهم بيعة

7 – أن يلتزم الشريعة في وسائله، انتهى .

والتمكين الذي أدعو إليه يكون ذو شقين في الأنفس – أولا – بالتعليم والتربية والتكية، وفي الحياة – ثانيا – بالإصلاح، وهذه إشارات له وأمثلة :

التمكين في الأنفس:

وذلك بإقامة المدارس والمعاهد العلمية في إطار القانون الذي اعتمدته الدولة، وإدخال ما يمكن من الإصلاحات على اللباس والفصل بين الجنسين وغير ذلك، وهكذا دور الحضانة، وكذا عقد الدورات العلمية تحت إشراف الجمعيات وفي الأحياء الجامعية والمساجد والمراكز الثقافية الإسلامية ودور الثقافة بالتنسيق مع الإدارات المختصة، وكذا حلقات البيوت عند الاقتضاء، واستغلال الإذاعات والفضائيات المرئية، والعمل على إنشائها متى تم تحرير الإعلام وهو أمر قريب، وهكذا استغلال الوسائل الأخرى كالأقراص والأشرطة والمطويات والكتب

التمكين في الحياة العامة:
أما في الحياة العامة فبإنشاء البنوك على الطريقة الشرعية، وتأسيس الجمعيات لخدمة مختلف الأغراض المشروعة وما أكثرها، ومنها الجمعيات لضمان القرض الحسن، ويمكن أن يكون ذلك عن طريق القرض المضمون أو وقف الأموال لهذا الغرض، ومن ذلك الإصلاح بين الناس للتقليل من التحاكم إلى غير الشرع والسعي في توثيق عقد الصلح حسب القانون الموجود حتى يكتسب القوة اللازمة، ومنها إنشاء الأسواق المراعى فيها عدم الاختلاط وتوفير المصليات، وكذا شركات النقل التي يراعى فيها الفصل بين الرجال والنساء، والاجتهاد في إحداث أعمال في البيوت تكون نواة لعمل المرأة في بيتها فيوفر لها بعض المال، ومنها إحصاء الجمعيات لمساكين الحي وفقرائه وأفراد أسرهم لتوزيع الكفارات وغيرها عليهم عند الاقتضاء، ومنها إنشاء شركات للألبسة المناسبة للرجال والنساء وإشاعة هذه الأزياء في الناس، وقد أصبح من العسير الحصول على اللباس (المحتشم) كما يقولون بله اللباس الذي شرعه الله ورسوله، والغرض هنا ذكر الأمثلة .

ومن الأمثلة الأخرى التي قد تستصغرها صنع نموذج للصاع الذي يتم به معرفة مقدار زكاة الفطر وغيرها من الفديات والكفارات ونشره في الناس، ومنها الإيعاز إلى النواب بتقديم مشروع قانون يلزم بإدخال التأريخ الهجري على الحالة المدنية وبقية الوثائق من العقود والمراسلات وغيرها، ومنها الاستعانة بهم في تطبيق قانون التعريب الذي حصلت بشأنه ردة في هذا البلد منذ عشرين عاما، وقس ما لم أذكره ولا تستقلن من الخير شيئا .

واعلم أيها الداعي إلى الله أنك لو بذلت جهدك في تعليم الناس المضار التي تنشأ عن الربا، وما توعد الله تعالى به متعاطيه من العذاب في الآخرة، وما أخبر به من محقه سبحانه البركة منه، فأنت مأجور إن شاء الله، لكن كثيرا من الناس لا يتجاوزون الاقتناع بذلك، واعتقاد هذا الحكم، فإن مستهم الحاجة وقد لا تمسهم لجأوا إلى الاقتراض بالربا تحت وطأة الحاجة حينا، والتأثر بالإغراءات والفتاوى الباطلة حينا آخر، لكنك لو اجتهدت في دفع المؤمنين إلى تأسيس جمعية للقرض الحسن، وأعددت لها قانونا أساسا تبين فيه طريقة التمويل، وكيفية ضمانها للقروض من مانحيها للمحتاجين، ووافق عليه أولو الأمر، وأشعت بذلك القرض الحسن في الأمة، لكنت قد سننت سنة حسنة وقاومت مقاومة ناجعة الاقتراض بالربا، ولو أنك دعوت إلى إقامة بنك ذي معاملات شرعية وجلبت إليه أموال الراغبين في المضاربة والمشاركة لكان ذلك أجدى من مجرد تحذيرك من الاستثمار الربوي، وإن كان بيان الحكم لا بد منه، وهب أنك تحدثت طويلا عن مضار ومفاسد الاختلاط بين الرجال والنساء فإن هذا وإن كان نافعا فقد لا يلتزمه إلا أفراد قلائل، وما أحسب أنهم يتمكنون التزامه في الحياة العامة في غالب الأحيان، فهم معذورون لا مناص لهم مما هم فيه، وهكذا لو أقمت سوقا أو نحو ذلك مما تبرز به نموذجا لما أنت مقتنع به في شتى مجالات الحياة لكان هذا السعي منك من جملة الدعوة إلى الله بتقديمك هذا النموذج الذي يحتذى، وهكذا لو أسست شركة للنقل أو مدرسة للتعليم أو غيرها من الهيآت وسننت فيها نظاما يفصل بين الرجال والنساء، إن عملك هذا يكون أنفع بكثير للأمة مما تقدم، وهكذا لو وفرت عطايا أو قروضا للنساء اللائي يرغبن عن العمل خارج بيوتهن مع حاجتهن إلى من يعولهن، فأقمن فيها أعمالا يباع منتوجها في الأسواق مما ينسج أو يخاط ومن المأكولات وغيرها لكنت قدمت نموذجا يحتذى في مساعدة المرأة على البقاء في منزلها مع اشتغالها بما ينفع الأمة وينفعها، وإذا كنت تشكو وتتألم من الحكم بغير ما أنزل الله فما تنفعك الشكوى مثل ما إذا سعيت في الإصلاح بين الناس بعيدا عن المحاكم التي تخالف شرع الله، وقد صدر في هذا الأمر قانون يجعل ما يتصالح عليه الخصمان قابلا لأن يوثق ويغدو ملزما، وقد كنت تحدثت عن شيء من هذا قبل صدور هذا القانون في كتابي عن الحزبية، وقلت ما المانع أن يطلب من الجهات القضائية توثيق ما اتفق عليه المتخاصمان حتى يكتسب الإلزام ويوثق، لكن الساحة اليوم خالية ممن يمارس هذا العمل، ويكون مقبولا عند الجهات المعنية، ولهذا يمارس اليوم هذا الصلح في الغالب من لا دراية له بأحكام الله فحصل الانتقال من الحكم بغير ما أنزل الله إلى صلح قد يحرم حلالا أو يحلل حراما، إنك بهذا ومثله توفر نموذجا حيا تدعم به دعوتك، وتسعى في امتدادها إلى ساحة الحياة، وتوفر به جماعة تطبق بعضا من أحكام الله تعالى التي تعلمته،ا ولعلها تكون نواة لتطبيق أوسع لها في المستقبل .

ولا يخفى عنك أن البون واسع والفرق شاسع بين القول إن مناهضة الحاكم لا تشرع، وأن التشنيع عليه لا يقبل، لكونه مقدمة إلى الشر والفساد، وبين السكوت عن الباطل فضلا عن الركون والرضا به ومداهنة فاعله، وترك المطالبة والمناصحة بالوسائل المشروعة، والسعي الجاد في استغلال ما هو متاح من الوسائط المعاصرة، ولا يخفى أنه قد تعذر على الناس الاتصال بالحكام ومخاطبتهم كفاحا وفي السر، إلا في بلدان محدودة، فينبغي أن ينظر فيما جد من الوسائل، ومنها مواقعهم الإلكترونية التي لا يطلع على ما يصب فيها غيرهم أو من خولوهم ذلك، ومنها ما يدعى عند المعاصرين بالمجتمع المدني الذي كثيرا ما يصنع سياسات الدول، ويعدل من منهجها لما له من الثقل في أوساط الناس، فيخاطب الحكام ويناصحون نيابة عن هذه الهيآت ممن يتولون إدارتها، إن الدعوة إلى الله لم تستفد من هذا الأسلوب كما ينبغي، وأنا أعرف أن مجرد هذا القول قد يعرض صاحبه للطعن فيه بأنه مقدمة لفتنة، لكني أعرف أيضا أن على المسلم أن لا يهين نفسه بأن يترك قول الحق الذي يراه هيبة من الناس، والحكام ليسوا في منزلة واحدة من رعاية الشرع وإهمال رعايته، والأصل هو المناصحة في السر في رفق وأناة ممن هم أهل لذلك لعلمهم ومكانتهم، ومن استعمل في هذا الأمر ما لا يرى الحكام به بأسا مع التزامه في الخطاب حدود الشرع فلا أرى فيه ضيرا، ومن ذلك الرسائل المفتوحة التي تنشرها الجرائد، وكل الجهات تعمل بها، فما المانع من اعتمادها إذا تولى تحريرها أهل العلم والمعرفة والتجربة، واستعانوا بها في توجيه رغباتهم لحكامهم كلما دعا الأمر إلى ذلك، وقد أقر الحاكم هذا الأسلوب في البلد منذ عشرين عاما، وما زال المعنيون بالدعوة مترددين في اصطناعه يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى، والمتكلمون إنما يُعنون بالامتداح والدعاء بالتوفيق للحاكم وإصلاح حاله، وأن يهيء الله له البطانة الصالحة، ونحن معهم فيما عدا الأول، لكن أين المناصحة المطلوبة؟ .

هذه إشارات عابرة سقتها أمثلة لهذا التمكين الذي أراه هو المتيسر في هذا الزمن، فينبغي أن تصرف فيه بعض جهود الدعاة والعلماء، يتولون به بعض أعباء الحكام التي تخلوا عنها، لكنهم يتولونها بموافقتهم وفي إطار القانون الذي أعدوه هم، ولا أحسب إلا أنهم إن فرطوا في ذلك مؤاخذون، والله ولي التوفيق .


[1] – لفظ مسلم عن جابر، والحديث متواتر .

[2] – المخرج من تحريف المنهج للمؤلف ص19 .

[3] – آثار الإمام عبد الحميد بن باديس (5/384) .

[4] – تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (6/131 ) .

[5] – المختصر الحثيث في بيان أصول منهج السلف أصحاب الحديث لعيسى مال الله فرج ص 552.

[6] – مجموع الفتاوى 34/175و176

[7]- رسالة المؤلف المسماة الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله .

[8] – رواه أحمد ومسلم عن عائشة .

[9]– رواه البخاري ومسلم عن عائشة .

[10] – رواه الترمذي عن ابن مسعود، وقال حسن غريب .

[11] – رواه الطبراني في الأوسط عن جابر .

[12] – بالنقل عن المختصر الحثيث في بيان منهج السلف أصحاب الحديث ص 550 .