Abdellah M
2014-02-04, 15:19
حين تأتي السياسة على علم التأويل، فلا يمكن أن نذهب بعيدًا في تفسير الأبعاد الأولى والإسقاطات المباشرة لزيارة رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة إلى الجزائر أيّامًا معدودات بعيد تسلم حكومته مهامها، حين لا يمكن البتّة الحديث عن "بحث في الملفّات" أو "تعمّق في القضايا"، بل كانت الزيارة هدفا في ذاتها.
أراد المهدي جمعي من هذه الزيارة "السريعة جدّا" أن يبلغ العمق التونسي وكذلك الطرف الجزائري دون أن ننسى العمقين الإقليمي والدولي، أنّ الجزائر تحتلّ المكانة الأولى والمقام الأرقى بين كل الدول الأخرى، ومن ثمّة تأكيد ليس فقط على أهميّة التعاون بين الطرفين أساسًا على المستوى الأمني والعسكري سواء من حفظ للحدود المشتركة، بل ـ وهنا الأهميّة ـ رغبة من الحكومة الجديدة بالذهاب بالعلاقات المشتركة أعمق ممّا كان قائما مع الحكومات الأخرى، التي تداولت على مقاليد البلاد منذ سقوط نظام بن علي.
في تجاوز لنوايا الجانب التونسي وانتظارات الجانب الجزائري، يمكن الجزم أنّ الحكومة التونسية القادمة على عجل، حملت إلى الجانب الجزائري تطمينات كانت القيادة الجزائرية تنتظرها، بل سعت في الظاهر والباطن لتأسيسها والمساهمة (غير المباشرة) في إخراجها إلى النور، سواء حين تردّد الشيخان راشد الغنوّشي والباجي قائد السبسي على الجزائر العاصمة وكانا أوّل شخصيتين غير جزائريتين يستقبلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعيد رجوعه من رحلة العلاج إلى فرنسا، أو ما يقوم به السفير الجزائري عبد القادر حجار من لقاءات دوريّة مع أطراف سياسيّة تونسيّة.
يمكن الجزم أنّ الدبلوماسيّة الجزائريّة استطاعت أن تقيم علاقات متوازنة مع مجمل الطبقة السياسيّة الفاعلة في تونس، ويمكن الجزم كذلك أنّ هذه الطبقة السياسيّة تعتبر الجزائر إحدى العواصم الأشدّ تأثيرًا في الوضع الداخلي في البلاد. هذه القناعة، بل هذا الجزم، دفع الجانب التونسي إلى التسليم باستحالة تجاوز الأزمة (ضمن جميع أبعادها) دون مساعدة من الجزائر ودعم منها، وكذلك وجوب أخذ المصلحة الجزائرية بعين الاعتبار.
ضمن هذه القناعة المزدوجة جاء مهدي جمعة إلى العاصمة الجزائريّة، وفي قناعته أنّ الجزائر تملك مفاتيح عديدة لإشكاليات متعدّدة.
أوّلها العلاقة العسكريّة والأمنيّة، التي وإن كانت بتصريحات الطرفين تقول أنّها ممتازة وإستراتيجية، إلاّ أنّها مرّت ولاتزال بما يمكن أن نسميها "نقاط سوداء" نغّصت على الجانب الجزائري "حلاوة العلاقة"، وأوّلها ما انفردت "الشروق اليومي" بنشره مؤثقا بالصور والأدلة عن استباحة الأراضي التونسية من قبل وحدات من الجيش الأمريكي ترسل فوق الجزائر طائرات من دون طيّار، وكذلك وجود قاعدة عسكريّة أمريكيّة، وهو أمر أكدته جريدة "لوفيغارو" الفرنسية مؤخرًا.
الجانب التونسي يرى محنته الأولى والأساسيّة ذات بعد بين اقتصاد مترنح وحالة اجتماعيّة قابلة للتفجير، ومن ثمّة تأتي الطلبات ليس فقط بما اعتدنا عليه (ضمن الخطاب الدبلوماسي) من "تعزيز للعلاقات بين الدولتين"، بل رغبة الجانب التونسي الصريحة والعلنيّة من أن ينال من "الخميرة" الماليّة الجزائريّة، ليس فقط ما يقفز بالبلاد من حال الحرج إلى الاستقرار، بل التأسيس لاقتصاد قوّي تكون الجزائر أوّل المستفيدين منه.
يؤكد الزائرون للعاصمة تونس من القيادات الجزائرية، توافقا تامّا، بل تطابقا في قراءة المشهد وتشخيصه: حالة أمنيّة داخل تونس مرتبكة ووضع على الحدود متوتّر، يحتاج إلى أمرين: أوّلها قبضة أمنيّة ضاربة وقدرة عسكريّة فاعلة، إضافة إلى استثمارات تنهض بالاقتصاد التونسي وتخفض نسبة الفقر، بل وتقضي عليه.
إلاّ أنّ الاختلاف بيّن والتضارب شديد، عند المرور إلى المناهج المعتمدة في تطبيق هذه الرؤى.
تجد تونس نفسها بين عواصم متعدّدة تريد كلّ منها تأمين مصالحها في تونس، علمًا وأنّ مهدي جمعة قابل قبل مغادرته قصر الحكومة والانتقال إلى الجزائر السياسي المخضرم الأمريكي "ويليام بارنز" الذي كان أوّلى الشخصيات غير التونسيّة التي يقابلها رئيس الوزراء، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ قصر القصبة (مقر رئاسة الوزراء) يبحث عن حلّ لمعادلة شبه مستحيلة: تحسين العلاقات مع الجميع، والاستفادة منها دون إغضاب أيّ طرف.
سعي القرار العسكري الأمريكي لتغطية منطقة المغرب العربي وبسط سيطرة مطلقة عليها من الأمور التي تزعج الجزائر، التي عبّرت عن ذلك عدة مرات مرارًا ومن دون غموض، ممّا يعني أنّ الجانب التونسي بين مطرقة الجزائر وسندان واشنطن يبحث عن مخرج لأزمة هو العقدة فيها.
من الأكيد أنّ زيارة مهدي جمعة إلى الجزائر حقّقت الهدف الأهمّ: إرسال إشارات واضحة إلى الجميع بخيارات هذه الحكومة وعلى أيّ قاعدة تطالع المشهد في البلاد في المنطقة، لكنّ الجانب الجزائري، في تلقيه للرسالة وفي إدراك لدلالاتها، يعنيه ما هو أعمق من الرسالة وأشدّ وضوحا من فحواها: أيّ المرور إلى التطبيق والتحوّل إلى الفعل، حين كانت الجزائر ولاتزال تريد أن تجعل من الحدود مع تونس، منطقة هدوء واطمئنان، وألّا تتحول منطقة طبرقة إلى منصة لإطلاق الطائرات من دون طيّار ولا منطقة الجنوب إلى مسرح للتحرك العسكري الأمريكي الذي قالت "لوفيغارو" أنّه يستهدف ليبيا فقط.
أراد المهدي جمعي من هذه الزيارة "السريعة جدّا" أن يبلغ العمق التونسي وكذلك الطرف الجزائري دون أن ننسى العمقين الإقليمي والدولي، أنّ الجزائر تحتلّ المكانة الأولى والمقام الأرقى بين كل الدول الأخرى، ومن ثمّة تأكيد ليس فقط على أهميّة التعاون بين الطرفين أساسًا على المستوى الأمني والعسكري سواء من حفظ للحدود المشتركة، بل ـ وهنا الأهميّة ـ رغبة من الحكومة الجديدة بالذهاب بالعلاقات المشتركة أعمق ممّا كان قائما مع الحكومات الأخرى، التي تداولت على مقاليد البلاد منذ سقوط نظام بن علي.
في تجاوز لنوايا الجانب التونسي وانتظارات الجانب الجزائري، يمكن الجزم أنّ الحكومة التونسية القادمة على عجل، حملت إلى الجانب الجزائري تطمينات كانت القيادة الجزائرية تنتظرها، بل سعت في الظاهر والباطن لتأسيسها والمساهمة (غير المباشرة) في إخراجها إلى النور، سواء حين تردّد الشيخان راشد الغنوّشي والباجي قائد السبسي على الجزائر العاصمة وكانا أوّل شخصيتين غير جزائريتين يستقبلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعيد رجوعه من رحلة العلاج إلى فرنسا، أو ما يقوم به السفير الجزائري عبد القادر حجار من لقاءات دوريّة مع أطراف سياسيّة تونسيّة.
يمكن الجزم أنّ الدبلوماسيّة الجزائريّة استطاعت أن تقيم علاقات متوازنة مع مجمل الطبقة السياسيّة الفاعلة في تونس، ويمكن الجزم كذلك أنّ هذه الطبقة السياسيّة تعتبر الجزائر إحدى العواصم الأشدّ تأثيرًا في الوضع الداخلي في البلاد. هذه القناعة، بل هذا الجزم، دفع الجانب التونسي إلى التسليم باستحالة تجاوز الأزمة (ضمن جميع أبعادها) دون مساعدة من الجزائر ودعم منها، وكذلك وجوب أخذ المصلحة الجزائرية بعين الاعتبار.
ضمن هذه القناعة المزدوجة جاء مهدي جمعة إلى العاصمة الجزائريّة، وفي قناعته أنّ الجزائر تملك مفاتيح عديدة لإشكاليات متعدّدة.
أوّلها العلاقة العسكريّة والأمنيّة، التي وإن كانت بتصريحات الطرفين تقول أنّها ممتازة وإستراتيجية، إلاّ أنّها مرّت ولاتزال بما يمكن أن نسميها "نقاط سوداء" نغّصت على الجانب الجزائري "حلاوة العلاقة"، وأوّلها ما انفردت "الشروق اليومي" بنشره مؤثقا بالصور والأدلة عن استباحة الأراضي التونسية من قبل وحدات من الجيش الأمريكي ترسل فوق الجزائر طائرات من دون طيّار، وكذلك وجود قاعدة عسكريّة أمريكيّة، وهو أمر أكدته جريدة "لوفيغارو" الفرنسية مؤخرًا.
الجانب التونسي يرى محنته الأولى والأساسيّة ذات بعد بين اقتصاد مترنح وحالة اجتماعيّة قابلة للتفجير، ومن ثمّة تأتي الطلبات ليس فقط بما اعتدنا عليه (ضمن الخطاب الدبلوماسي) من "تعزيز للعلاقات بين الدولتين"، بل رغبة الجانب التونسي الصريحة والعلنيّة من أن ينال من "الخميرة" الماليّة الجزائريّة، ليس فقط ما يقفز بالبلاد من حال الحرج إلى الاستقرار، بل التأسيس لاقتصاد قوّي تكون الجزائر أوّل المستفيدين منه.
يؤكد الزائرون للعاصمة تونس من القيادات الجزائرية، توافقا تامّا، بل تطابقا في قراءة المشهد وتشخيصه: حالة أمنيّة داخل تونس مرتبكة ووضع على الحدود متوتّر، يحتاج إلى أمرين: أوّلها قبضة أمنيّة ضاربة وقدرة عسكريّة فاعلة، إضافة إلى استثمارات تنهض بالاقتصاد التونسي وتخفض نسبة الفقر، بل وتقضي عليه.
إلاّ أنّ الاختلاف بيّن والتضارب شديد، عند المرور إلى المناهج المعتمدة في تطبيق هذه الرؤى.
تجد تونس نفسها بين عواصم متعدّدة تريد كلّ منها تأمين مصالحها في تونس، علمًا وأنّ مهدي جمعة قابل قبل مغادرته قصر الحكومة والانتقال إلى الجزائر السياسي المخضرم الأمريكي "ويليام بارنز" الذي كان أوّلى الشخصيات غير التونسيّة التي يقابلها رئيس الوزراء، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ قصر القصبة (مقر رئاسة الوزراء) يبحث عن حلّ لمعادلة شبه مستحيلة: تحسين العلاقات مع الجميع، والاستفادة منها دون إغضاب أيّ طرف.
سعي القرار العسكري الأمريكي لتغطية منطقة المغرب العربي وبسط سيطرة مطلقة عليها من الأمور التي تزعج الجزائر، التي عبّرت عن ذلك عدة مرات مرارًا ومن دون غموض، ممّا يعني أنّ الجانب التونسي بين مطرقة الجزائر وسندان واشنطن يبحث عن مخرج لأزمة هو العقدة فيها.
من الأكيد أنّ زيارة مهدي جمعة إلى الجزائر حقّقت الهدف الأهمّ: إرسال إشارات واضحة إلى الجميع بخيارات هذه الحكومة وعلى أيّ قاعدة تطالع المشهد في البلاد في المنطقة، لكنّ الجانب الجزائري، في تلقيه للرسالة وفي إدراك لدلالاتها، يعنيه ما هو أعمق من الرسالة وأشدّ وضوحا من فحواها: أيّ المرور إلى التطبيق والتحوّل إلى الفعل، حين كانت الجزائر ولاتزال تريد أن تجعل من الحدود مع تونس، منطقة هدوء واطمئنان، وألّا تتحول منطقة طبرقة إلى منصة لإطلاق الطائرات من دون طيّار ولا منطقة الجنوب إلى مسرح للتحرك العسكري الأمريكي الذي قالت "لوفيغارو" أنّه يستهدف ليبيا فقط.