barbaruse
2009-05-02, 09:47
المــرأة الفلسطينيـــة والعمـــل الجـــاد في الدعــوة والجــهاد
انطلاقاً من إدراك المرأة الفلسطينية أن كل من اتَّبع نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - من ذكر أو أنثى سبيله الدعوة إلى الله على بصيرة كما جاء في قوله - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]؛ فإنها فهمت من ذلك أن الله - سبحانه وتعالى - قد أوجب عليها الدعوة إلى الله كما أوجبها على الرجل، وعلى ذلك فهي مطالبة في هذا المجال بما يلي:
- أن تدعو إلى الله وإلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، والصبر على مشاق الدعوة وعدم اليأس مهما عارضها أو عاندها كثير من المدعوات.
- أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في حدود طاقتها ووَفْق ما تسمح به ظروفها.
- أن تجاهد في سبيل الله كل أنواع الجهاد ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
ولقـد تعرضـت المرأة الفلســطينية شأنها في ذلك شأن غيرها من النـساء في المجتمـعات العربـية والإسـلامية؛ لهـجمة شرسة تحت مسميات متعددة بهدف انتزاعها من جذورها وهويتها، ومحاولة حرفها وجرفها في تيارات معادية لهذا الدين.
تعرضت المرأة الفلسطينية في مشوار حياتها إلى نكبات متتالية، ومن ثم باتت بحاجة إلى من يرعاها ويوجهها الوجهة الصحيحة.
وأشد هذه الضربات كان عام النكبة 1948م حيث فقدت كل شيء وانتقلت إلى واقع جديد، وتفرَّق الشمل في الشتات، ولكن رغم ذلك فإن القراءة لهذا الواقع في هذه الفترة تشير إلى أن المرأة وقفت سداً منيعاً أمام الإحباط والانهيار، وحاولت أن تكيف نفسها مع الواقع الجديد بكل آلامه، وما إن تعافت قليلاً حتى جاءت نكسة عام 1967م فبدت مذهولة، غير أن ذهولها لم يدم طويلاً، حتى شرعت في البحث عن كل ما يشدُّ عضد أهلها وأبناء شعبها.
وفي أوائل السبعينيات الميلادية من القرن الماضي ومع بروز قوة الحركة الإســلامية، التي كان يتزعمها الشيخ أحــمد ياســين؛ لم يُغفِل - رحمه الله - أهمية دور المرأة، وهذه كــانت بدايات العمل الإسلامي النسائي في قطاع غزة.
دور الشيخ أحمد ياسين في نهضة العمل الإسلامي النسائي:
- كان - رحمه الله - يخصص جلسة أسبوعية يلتقي فيها بالأخوات؛ يسمع ويناقش ويرشد ويوجه، ويدعمهن معنوياً ومادياً.
- تخصيص مكان للنساء في كل مسجد يتم بناؤه ليكون شرارة الدعوة في الحي الذي ينشأ فيه.
- تخصيص قسم للأخوات في المجمع الإسلامي والجمعيات الإسلامية.
- الاهتمام ببناء رياض الأطفال الإسلامية في المدن والقرى والمخيمات، حيث يتحقق من خلال تلك الرِّياض أمران اثنان:
الأول: تنشئة الأطفال تنشئة إسلامية صحيحة.
الثاني: التواصل مع أولياء الأمور.
- بناء الجامعة الإسلامية، وتخصيص قسم للطالبات، حيث كان لإنشاء الجامعة الإسلامية الدور البارز في قطاع غزة، فقد بدأت الجامعة تبث في المجتمع الأفكار والعقيدة والدعوة الإسلامية، في وقت كانت التيارات العَلْمانية واليسارية تملأ الساحة.
صراع الأفكار:
1 - المرأة في المجتمع الفلسطيني كغيرها في المجتمعات العربية والإسلامية تعرَّضت إلى هجمة ما يسمى بـ (البرنامج النسوي المعولم) والذي يطالب بحقوق النساء انبثاقاً من مواثيق ومؤتمرات دولية، وتبنِّي مثل هذه الأفكار ممن ينتسبن إلى التيار العَلْماني والماركسي، ولكن هذه الدعوات لم تنجح كما كان مخططاً لها رغم الدعم المادي السخي المقدَّم لها من المؤسسات العالمية.
ومُلِئَ القطاع بمؤسسات وجمعيات، ورغم كثرتها إلا أنه كان هناك شبه تباعد بينها وبين المجتمع الفلسطيني؛ لأن كل ما تقدمه هذه الجمعيات كان بعيداً عن الواقع المعاش للمرأة الفلسطينية، وهذا ما جعل الخطاب الإسلامي أقرب إلى مرأى المرأة الفلسطينية ومسمعها.
2 - الموروثات الخاطئة التي كانت تسود أوساط المجتمع الفلسطيني من عادات وتقاليد وأعراف لا أصل لها في الإسلام، ومع ذلك يعدونها من الدين ويتهمون الحركة الإسلامية بها وبكثير من المغالطات؛ بغرض صرف الناس عن الالتفاف حول المشروع الإسلامي.
من هنا واجهت الحركة الإسلامية النسائية منذ البدايات تحديات كبيرة كان لابد من مواجهتها، وهذه كانت أكبر المشكلات، حيث كان هناك ما يشبه الجفول من التعامل مع كل ما هو متديِّن؛ لكثرة الشبهات والشائعات التي كانت تُبَث.
أمام كل هذه التحديات جاء دور الحركة الإسلامية النسائية، فبدأت تبلور برنامجاً واضحاً مستنداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، وبدأت الحركة تميط اللِّثام عن كثير من الموروثات والعادات والتقاليد وتدافع عن حقوق المرأة التي أعطاها إياها الإسلام، واستطاعت - بفضل الله - وَفْق خطة مبرمجة أن تحوز على ثقة المجتمع واحترامه، ومن هنا بدأ الالتفاف حول الحركة الإسلامية النسائية.
وأمام انتشار الدعوة في وسط النساء؛ بدأت البرامج الإسلامية والدعوية التي تقدمها الحركة الإسلامية النسوية تلقى قبولاً منقطع النظير، وبدا ظاهراً انحسار البرامج الأخرى بشكل ملحوظ.
تجربة الحركة الإسلامية النسائية في قطاع غزة:
كثير من المحلِّلين السياسيين والإعلاميين الذين تابعوا الأحداث داخل الأراضي العربية المحتلة لاحظوا الحضور النسائي القوي للحركة الإسلامية ومواقف الصمود والممانعة التي سجلتها المرأة الفلسطينية.
ونقول: إن هذا الحضور هو ثمرة جهد وعمل دؤوب، وفي ظل ظروف صعبة شقَّت الحركة الإسلامية النسائية طريقها في الدعوة إلى الله وحملت التكليف بكل أمانة استجابةً لقول ربها: {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} [التوبة: 17].
وسأتناول في حديثي عن تجربة الحركة الإسلامية النسائية الدعوية ثلاثة جوانب:
- الجانب الدعوي.
- الجانب السياسي.
- الجانب الجهادي.
أولاً: الجانب الدعوي:
لكي تقوم المرأة بدورها الحقيقي في الدعوة إلى الله على أكمل وجه فلا بد لها من أن تمتلك قدراً من العلم والقدرة والتأثير، وكذلك لا بد أن يكون لديها وقت وجهد يمكنانها من أداء واجباتها على أحسن وجه.
ومن هنا كان العمل على إيجاد نماذج نسائية دعوية متميزة تحمل على عاتقها حِمْل هذه المهمة الصعبة، وكان للشيخ أحمد ياسين - رحمه الله - الدور الكبير في إعداد وتقوية هذه الثلة الأولى والتي أثمرت بفضل إخلاصها لله وعملها؛ والحمد لله.
ولقد كانت انطلاقة العمل الإسلامي النسائي الدعوي عبر الوسائل التالية:
1 - المساجد:
لقد شكَّل المسجد منبراً حراً للحركة الإسلامية بشكل عام وللنساء بشكل خاص، وكما أسلفنا سابقاً فقد كان يخصص قسم للنساء في كل مسجد، تقام فيه الندوات والمحاضرات والأيام الثقافية، وأيام طبية، ومراكز تحفيظ. ويضم كل مسجد لجنة تشرف على أنشطته، ومن مهامها الأساسية: التعرف على أهل الحي المحيطين بالمسجد والتواصل مع الناس والتعرف على حاجاتهم ومساعدتهم في حلِّ الكثير من مشاكلهم.
ولقد أثار الصهاينةَ وأفزعهم نشاطُ الأخوات المسلمات في المساجد؛ لأنهم يرقبون ما يجري في الأراضي المحتلة عن كثب.
ففي ملحق صحيفة (هآرتس) اليهودية الصادرة بتاريخ 13/7/1979م والذي خصصته كاملاً للحديث عن الصحوة الإسلامية في فلسطين؛ كان مما قاله الكاتب وقتها: «إن النشاط الإسلامي ليس مقتصراً على رجال الدين وحدهم، بل إن الواعظات المسلمات لهن دور كبير في تزايد الوعي الإسلامي في البلاد من خلال الدروس المنتظمة التي تقوم عليها النساء في المساجد مما كان لهذه الدروس أثر كبير في عودة كثيرات إلى الإسلام وامتلاء المساجد بهن».
2 - رياض الأطفال:
نجحت الحركة الإسلامية النسائية في توظيف رياض الأطفال في خدمة الدعوة إلى الله، ولقد تميَّزت رياض الأطفال الإسلامية بمستوى عالٍ من الخدمة والتربية، ونالت ثقة الجمهور ورضاهم، ولاقت إقبالاً منقطع النظير.
وكان لتأسيس هذا الجيل من الأطفال الأثر الكبير في توجيه ثقافة المجتمع نحو الجهاد ومقاومة الأفكار الاستسلامية التي كانت تُصَدَّر لمجتمعنا.
ولقد تخرَّج في هذه الرِّياض جيل الانتفاضة الأول عام 1987م، وكذلك جيل انتفاضة الأقصى عام 2000م.
ورياض الأطفال لها أهمية من حيث التواصل مع أولياء أمور الطلبة، ولقد كان للخدمة الرائدة لأبنائهم أثر كبير مما جعلهم يحترمون هذا العطاء ويقدرونه، وساهم ذلك في التأثير عليهم مما غيَّر نمط حياة كثير من البيوت، وهناك كثير من قصص الهداية للآباء والأمهات على أيدي أولادهم رواد الرياض الإسلامية.
3 - الكتلة الإسلامية:
وهي الجسم الطلابي للحركة الإسلامية، والعمل الكتلي يمتدُّ من المدرسة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية.
ففي المدارس والجامعات تُشكَّل لجان كتلية متعددة الأنشطة، تقوم بدورها في المدرسة والجامعة من خلال الإشراف على الإذاعة المدرسية، وتوزيع النشرات، وعمل الملصقات، وإحياء المناسبات، وعمل الندوات والمحاضرات، ومساعدة الطالبات المحتاجات، وعمل المهرجانات، والقيام بالرحلات، وتكريم الطالبات المتفوقات.
ولقد كان للكتلة وبرامجها المتميزة الدور الكبير في بث روح الإيمان والصبر والعزيمة في نفوس المعلمات والطالبات على حدٍّ سواء، وكذلك قطع الطريق على الاختراقات الأمنية التي كان يقوم بها العدو الصهيوني بين حين وآخر ليكسر شوكة صمود مجتمعنا.
4 - النقابـــــات:
حيث تقوم النقابة بتقديم الخدمات وحل المشكلات داخل أعضاء النقابة. ونتيجة للإخلاص والعمل الدؤوب والعطاء بلا حدود الذي تقوم به الأخوات وإبداء الاحترام والتقدير منهم تجاه الفئات الأخرى..كل ذلك أعطى الثقة في الإخوة والأخوات، مما فتح الباب للحركة الإسلامية على مصراعيه لتحرز انتصارات باهرة في النقابات.
5 - أعراس الشهداء:
حيث تتناوب الأخوات في عرس الشهيد طوال ثلاثة أيام، ويقمن بتحويل العزاء إلى عرس حقيقي من خلال الأناشيد الإسلامية والمحاضرات التي تبث الصبر والتثبيت في عائلة الشهيد بالإضافة إلى المحاضرات الوعظية والإرشادية وكذلك تقديم العون والمساعدة لآل الشهيد.
وأعتقد أن هذا الحضور المرتَّب كان له أثر كبير في التفاف الناس حول المشروع الإسلامي.
6 - الجمعيات والمؤسسات الإسلامية:
لقد عملت الحركة النسائية من خلال مؤسسات المجمع الإسلامي والجمعية الإسلامية وجمعية الشابات المسلمات وجمعية الصلاح الإسلامية.
وقد أدت هذه الجمعيات دور الممانعة في وجه جمعيات ومؤسسات لاقت ضخّاً مالياً هائلاً من السلطة وأجهزة الأمن السابقة؛ لتنفيذ مخططات وحملات كبيرة شملت الكثير من القضايا الاجتماعية الحساسة، ومسَّت بالكثير من الثوابت الدينية والمسلَّمات الاجتماعية؛ ومن ثم كانت المؤسسات والجمعيات الإسلامية رغم محاصرتها وحبس الأموال عنها، وإقفالها من حين إلى آخر؛ إلا أنها بقيت قوية في وجه تلك المؤسسات والجمعيات المشبوهة.
إن قوة عمل المؤسسات والجمعيات الإسلامية ووجودها ومصداقيتها مع الجمهور كل ذلك شكَّل تهديداً لأسس وقواعد وجود تلك الجمعيات المشبوهة، فانكفأت على نفسها تحيط بها قلة من المنتفعين بها دون فاعلية أو تأثير.
ثانياً: الجانب السياسي:
للحركة الإسلامية النسائية في غزة حضور سياسي جيد وكذلك رأي يُعتدُّ به في اتخاذ القرار السياسي والاستراتيجي في الحركة، وهي أيضاً صاحبة قرار حرٍّ، ولا يُفْرض عليها قرار دون مـوافقتها، وهذا ما أصَّله الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله -.
ويتجلّى تميّز الأداء السياسي في عدة مظاهر، منها:
- الفعاليات والمهرجانات التي تقوم بها الحركة الإسلامية النسائية؛ فقد كان لها في نفوس بناتها دور كبير في تحريك الشارع الفلسطيني ضد الاحتلال ومساندة المقاومة.
- الانتخابات النقابية والكتلية.
- الانتخابات البلدية.
- الانتخابات التشريعية.
ولقد استطاعت الحركة النسائية الإسلامية بما تملكه من قاعدة عريضة وتواصل جيد مع المجتمع من خلال المساجد والرِّياض المدرسية والكتل والنقابات، ونتيجة للثقة التي حازتها خلال مشوارها الدعوي؛ استطاعت الوصول إلى كل بيت وإيصال الفكرة الإسلامية وإزالة أي لبس وغموض أو شُبَه تحوم حولها، وقُمْنَ بدور عظيم في الدعاية الانتخابية وفي يوم الانتخابات، مما كان له الأثر في النجاح الباهر الذي حققته الحركة سواء كان في البلديات أو في المجلس التشريعي.
لقد سجلت نساء الحركة الإسلامية النسائية نجاحاً نوعياً على جميع الأصعدة التي ساهمت فيها، ولها الآن حضور سياسي في كل الأروقة السياسية، ومع ذلك ضربت المثل في المحافظة على التزامها والتقيد بالشريعة الإسلامية في كل خطواتها، وهي بذلك تثبت أن العمل السياسي بالنسبة للمرأة يكون ناجحاً أكثر من خلال الدعوة والعقيدة؛ لأن ذلك يشكل انضباطاً ذاتياً للمرأة ومرجعية قوية تحميها من عواصف السياسة. ونقــول نحــن - نســاءَ الحركة الإسلامية -: إن ديننا أفسح العمل والمشاركة للمرأة في المجالات كافة؛ فلقد أبدعت الأخوات في عطائهن بوصفهن عضوات في البلدية ونائبات في المجلس التشريعي وفي الوزارة.
كذلك سجلت الأخوات حضوراً فاعلاً ومتميزاً في كثير من المؤتمرات وورش العمل وفي المناقشات، ونافسن بالفكرة الإسلامية القوية كل الأفكار المستغربة التي تحملها الأخريات.
ثالثاً: الجانب الجهادي:
لم تكن قضية إشراك المرأة الفلسطينية في العمل الجهادي المقاوم بأشكاله وأساليبه وأطواره كافة؛ مثارَ جدل أو إشكال حاد في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته؛ فالمعاناة الفلسطينية الهائلة التي ولَّدها الاحتلال، ونالت أوجه الحياة كافة؛ جعلت منها جحيماً لا يطاق ولم تترك مساحة لأي جدل ولم تدع خياراً لأحد - رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً وأطفالاً - إلا اللحاق بالمقاومة ومحاولة رد العدوان وكف الأذى؛ فالمرأة - كما هو الرجل - تشرَّبت الألم، وتذوقت المعاناة، وعانت المصائب، ولم يراعِ الاحتلال لها أيَّ حرمة، ولم يوقر لها أمومة، ولذلك فهي باتت على خط المواجهة الساخن مع قوات الاحتلال تبادله النار بالنار، والدم بالدم، والقتل بالقتل، دون تردُّد، عبر العمليات الاستشهادية، والتصدي للاجتياحات، وإيواء المقاومين.
المظاهر الجهادية وصور الممانعة المقاومة للمرأة الفلسطينية في قطاع غزة:
المظهر الأول:
1 - تعرّض أكثر من عشرة آلاف فلسطينية للاعتقال منذ عام 1967م.
2 - اعتقال زوجات المجاهدين وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم والتحقيق معهن لإيجاد حالة من الضغط النفسي على المجاهدين ليضطروا إلى الاعتراف.
3 - صبر زوجات الأسرى اللواتي لم يمر على زواجهن إلا أشهر قليلة، وبالرغم من ذلك فهن يرفضن الانفصال بل يؤكدن إصرارهن على المصابرة والوقوف إلى جانب أزواجهن، والنماذج في ذلك كثيرة ولكن المقام لا يسمح بذكرها.
4 - اضطرار زوجات المجاهدين المطاردين وعوائلهم أحياناً للتنقل في الشهر الواحد لأكثر من مسكن خوفاً من الملاحقة والمطاردة، وأعتقد أن هذه قمة المعاناة، ومع ذلك فالصبر منهن في أعلى درجاته.
5 - ونقول: إذا كانت الصحابيات قد هاجرن إلى حيث الأمان؛ فإن المرأة الفلسطينية تهاجر من بيت إلى بيت والموت والقتل والدمار يلاحقها هي وأولادها.
المظهر الثاني: وهي المشاركة الفعلية في الجهاد:
1 - فالمرأة تقوم بتجهيز ابنها وأخيها وهو خارج للرباط، وتودعه وتدعمه بالثبات، قائلةً له: (أريدك مقبلاً غير مدبر).
2 - المرأة تحتضن المقاومة، فالمرابطون يحتمون في بيتها، وهي التي تسهر على أكلهم وشربهم، وتساعدهم إن أرادوا التنقل في حمل أمتعتهم.
3 - المرأة على استعداد لأن تخرج إلى أيِّ عمل جهادي؛ فهي تمتلك القوة والشجاعة كما حدث في ملحمة فدائيات الحصار في بيت حانون.
4 - المرأة تبقى في بيتها ويُهدم على رأسها ولا تتركه، بل تنصب خيمة على أنقاضه وترفع شعار التحدي والصمود: (لن أرحل).
5 - أريد أن أقول وبشيء من الاعتزاز بقادة الحركة الإسلامية من الرجال والنساء: إنهم أول من يقدمون أبناءهم في ميادين الجهاد ويعيشون حياة المطاردة والملاحقة والمصابرة، نعم! هذه ضريبة القيادة في فلسطين.
6 - المرأة الفلسطينية في الحركة الإسلامية النسائية تجيد استعمال السلاح؛ فقد تعلَّمت على يد ابنها أو زوجها أو أخيها؛ لأنه يجب أن تتعلم وتتدرب، ولها قدوة في تاريخها وحضارتها كما جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد تقضي الضرورة أن تشتبك مع العدو بحيث لا تقع في يده لقمة سائغة.
أخرج مسلم عن أنس - رضي الله عنه -: «أن أم سليــم - رضي الله عنها - اتخذت يوم حنين خنجراً فكان معها تحمله باستمرار، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا الخنجر؟ فقالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك».
وفي الختام نقول: إن هذا العطاء الذي تقدمه المرأة الفلسطينية في الحركة الإسلامية إنما يمتد ليتعــانق مــع ما قدَّمته شهيرات خنساوات الإسلام بل منافستهن.
وخـتاماً: حمـداً لله وثنـاءً عليـه، وصلاة وسلاماً على رسله وأنبيائه وخاتمهم نبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.
انطلاقاً من إدراك المرأة الفلسطينية أن كل من اتَّبع نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - من ذكر أو أنثى سبيله الدعوة إلى الله على بصيرة كما جاء في قوله - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]؛ فإنها فهمت من ذلك أن الله - سبحانه وتعالى - قد أوجب عليها الدعوة إلى الله كما أوجبها على الرجل، وعلى ذلك فهي مطالبة في هذا المجال بما يلي:
- أن تدعو إلى الله وإلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، والصبر على مشاق الدعوة وعدم اليأس مهما عارضها أو عاندها كثير من المدعوات.
- أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في حدود طاقتها ووَفْق ما تسمح به ظروفها.
- أن تجاهد في سبيل الله كل أنواع الجهاد ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
ولقـد تعرضـت المرأة الفلســطينية شأنها في ذلك شأن غيرها من النـساء في المجتمـعات العربـية والإسـلامية؛ لهـجمة شرسة تحت مسميات متعددة بهدف انتزاعها من جذورها وهويتها، ومحاولة حرفها وجرفها في تيارات معادية لهذا الدين.
تعرضت المرأة الفلسطينية في مشوار حياتها إلى نكبات متتالية، ومن ثم باتت بحاجة إلى من يرعاها ويوجهها الوجهة الصحيحة.
وأشد هذه الضربات كان عام النكبة 1948م حيث فقدت كل شيء وانتقلت إلى واقع جديد، وتفرَّق الشمل في الشتات، ولكن رغم ذلك فإن القراءة لهذا الواقع في هذه الفترة تشير إلى أن المرأة وقفت سداً منيعاً أمام الإحباط والانهيار، وحاولت أن تكيف نفسها مع الواقع الجديد بكل آلامه، وما إن تعافت قليلاً حتى جاءت نكسة عام 1967م فبدت مذهولة، غير أن ذهولها لم يدم طويلاً، حتى شرعت في البحث عن كل ما يشدُّ عضد أهلها وأبناء شعبها.
وفي أوائل السبعينيات الميلادية من القرن الماضي ومع بروز قوة الحركة الإســلامية، التي كان يتزعمها الشيخ أحــمد ياســين؛ لم يُغفِل - رحمه الله - أهمية دور المرأة، وهذه كــانت بدايات العمل الإسلامي النسائي في قطاع غزة.
دور الشيخ أحمد ياسين في نهضة العمل الإسلامي النسائي:
- كان - رحمه الله - يخصص جلسة أسبوعية يلتقي فيها بالأخوات؛ يسمع ويناقش ويرشد ويوجه، ويدعمهن معنوياً ومادياً.
- تخصيص مكان للنساء في كل مسجد يتم بناؤه ليكون شرارة الدعوة في الحي الذي ينشأ فيه.
- تخصيص قسم للأخوات في المجمع الإسلامي والجمعيات الإسلامية.
- الاهتمام ببناء رياض الأطفال الإسلامية في المدن والقرى والمخيمات، حيث يتحقق من خلال تلك الرِّياض أمران اثنان:
الأول: تنشئة الأطفال تنشئة إسلامية صحيحة.
الثاني: التواصل مع أولياء الأمور.
- بناء الجامعة الإسلامية، وتخصيص قسم للطالبات، حيث كان لإنشاء الجامعة الإسلامية الدور البارز في قطاع غزة، فقد بدأت الجامعة تبث في المجتمع الأفكار والعقيدة والدعوة الإسلامية، في وقت كانت التيارات العَلْمانية واليسارية تملأ الساحة.
صراع الأفكار:
1 - المرأة في المجتمع الفلسطيني كغيرها في المجتمعات العربية والإسلامية تعرَّضت إلى هجمة ما يسمى بـ (البرنامج النسوي المعولم) والذي يطالب بحقوق النساء انبثاقاً من مواثيق ومؤتمرات دولية، وتبنِّي مثل هذه الأفكار ممن ينتسبن إلى التيار العَلْماني والماركسي، ولكن هذه الدعوات لم تنجح كما كان مخططاً لها رغم الدعم المادي السخي المقدَّم لها من المؤسسات العالمية.
ومُلِئَ القطاع بمؤسسات وجمعيات، ورغم كثرتها إلا أنه كان هناك شبه تباعد بينها وبين المجتمع الفلسطيني؛ لأن كل ما تقدمه هذه الجمعيات كان بعيداً عن الواقع المعاش للمرأة الفلسطينية، وهذا ما جعل الخطاب الإسلامي أقرب إلى مرأى المرأة الفلسطينية ومسمعها.
2 - الموروثات الخاطئة التي كانت تسود أوساط المجتمع الفلسطيني من عادات وتقاليد وأعراف لا أصل لها في الإسلام، ومع ذلك يعدونها من الدين ويتهمون الحركة الإسلامية بها وبكثير من المغالطات؛ بغرض صرف الناس عن الالتفاف حول المشروع الإسلامي.
من هنا واجهت الحركة الإسلامية النسائية منذ البدايات تحديات كبيرة كان لابد من مواجهتها، وهذه كانت أكبر المشكلات، حيث كان هناك ما يشبه الجفول من التعامل مع كل ما هو متديِّن؛ لكثرة الشبهات والشائعات التي كانت تُبَث.
أمام كل هذه التحديات جاء دور الحركة الإسلامية النسائية، فبدأت تبلور برنامجاً واضحاً مستنداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، وبدأت الحركة تميط اللِّثام عن كثير من الموروثات والعادات والتقاليد وتدافع عن حقوق المرأة التي أعطاها إياها الإسلام، واستطاعت - بفضل الله - وَفْق خطة مبرمجة أن تحوز على ثقة المجتمع واحترامه، ومن هنا بدأ الالتفاف حول الحركة الإسلامية النسائية.
وأمام انتشار الدعوة في وسط النساء؛ بدأت البرامج الإسلامية والدعوية التي تقدمها الحركة الإسلامية النسوية تلقى قبولاً منقطع النظير، وبدا ظاهراً انحسار البرامج الأخرى بشكل ملحوظ.
تجربة الحركة الإسلامية النسائية في قطاع غزة:
كثير من المحلِّلين السياسيين والإعلاميين الذين تابعوا الأحداث داخل الأراضي العربية المحتلة لاحظوا الحضور النسائي القوي للحركة الإسلامية ومواقف الصمود والممانعة التي سجلتها المرأة الفلسطينية.
ونقول: إن هذا الحضور هو ثمرة جهد وعمل دؤوب، وفي ظل ظروف صعبة شقَّت الحركة الإسلامية النسائية طريقها في الدعوة إلى الله وحملت التكليف بكل أمانة استجابةً لقول ربها: {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} [التوبة: 17].
وسأتناول في حديثي عن تجربة الحركة الإسلامية النسائية الدعوية ثلاثة جوانب:
- الجانب الدعوي.
- الجانب السياسي.
- الجانب الجهادي.
أولاً: الجانب الدعوي:
لكي تقوم المرأة بدورها الحقيقي في الدعوة إلى الله على أكمل وجه فلا بد لها من أن تمتلك قدراً من العلم والقدرة والتأثير، وكذلك لا بد أن يكون لديها وقت وجهد يمكنانها من أداء واجباتها على أحسن وجه.
ومن هنا كان العمل على إيجاد نماذج نسائية دعوية متميزة تحمل على عاتقها حِمْل هذه المهمة الصعبة، وكان للشيخ أحمد ياسين - رحمه الله - الدور الكبير في إعداد وتقوية هذه الثلة الأولى والتي أثمرت بفضل إخلاصها لله وعملها؛ والحمد لله.
ولقد كانت انطلاقة العمل الإسلامي النسائي الدعوي عبر الوسائل التالية:
1 - المساجد:
لقد شكَّل المسجد منبراً حراً للحركة الإسلامية بشكل عام وللنساء بشكل خاص، وكما أسلفنا سابقاً فقد كان يخصص قسم للنساء في كل مسجد، تقام فيه الندوات والمحاضرات والأيام الثقافية، وأيام طبية، ومراكز تحفيظ. ويضم كل مسجد لجنة تشرف على أنشطته، ومن مهامها الأساسية: التعرف على أهل الحي المحيطين بالمسجد والتواصل مع الناس والتعرف على حاجاتهم ومساعدتهم في حلِّ الكثير من مشاكلهم.
ولقد أثار الصهاينةَ وأفزعهم نشاطُ الأخوات المسلمات في المساجد؛ لأنهم يرقبون ما يجري في الأراضي المحتلة عن كثب.
ففي ملحق صحيفة (هآرتس) اليهودية الصادرة بتاريخ 13/7/1979م والذي خصصته كاملاً للحديث عن الصحوة الإسلامية في فلسطين؛ كان مما قاله الكاتب وقتها: «إن النشاط الإسلامي ليس مقتصراً على رجال الدين وحدهم، بل إن الواعظات المسلمات لهن دور كبير في تزايد الوعي الإسلامي في البلاد من خلال الدروس المنتظمة التي تقوم عليها النساء في المساجد مما كان لهذه الدروس أثر كبير في عودة كثيرات إلى الإسلام وامتلاء المساجد بهن».
2 - رياض الأطفال:
نجحت الحركة الإسلامية النسائية في توظيف رياض الأطفال في خدمة الدعوة إلى الله، ولقد تميَّزت رياض الأطفال الإسلامية بمستوى عالٍ من الخدمة والتربية، ونالت ثقة الجمهور ورضاهم، ولاقت إقبالاً منقطع النظير.
وكان لتأسيس هذا الجيل من الأطفال الأثر الكبير في توجيه ثقافة المجتمع نحو الجهاد ومقاومة الأفكار الاستسلامية التي كانت تُصَدَّر لمجتمعنا.
ولقد تخرَّج في هذه الرِّياض جيل الانتفاضة الأول عام 1987م، وكذلك جيل انتفاضة الأقصى عام 2000م.
ورياض الأطفال لها أهمية من حيث التواصل مع أولياء أمور الطلبة، ولقد كان للخدمة الرائدة لأبنائهم أثر كبير مما جعلهم يحترمون هذا العطاء ويقدرونه، وساهم ذلك في التأثير عليهم مما غيَّر نمط حياة كثير من البيوت، وهناك كثير من قصص الهداية للآباء والأمهات على أيدي أولادهم رواد الرياض الإسلامية.
3 - الكتلة الإسلامية:
وهي الجسم الطلابي للحركة الإسلامية، والعمل الكتلي يمتدُّ من المدرسة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية.
ففي المدارس والجامعات تُشكَّل لجان كتلية متعددة الأنشطة، تقوم بدورها في المدرسة والجامعة من خلال الإشراف على الإذاعة المدرسية، وتوزيع النشرات، وعمل الملصقات، وإحياء المناسبات، وعمل الندوات والمحاضرات، ومساعدة الطالبات المحتاجات، وعمل المهرجانات، والقيام بالرحلات، وتكريم الطالبات المتفوقات.
ولقد كان للكتلة وبرامجها المتميزة الدور الكبير في بث روح الإيمان والصبر والعزيمة في نفوس المعلمات والطالبات على حدٍّ سواء، وكذلك قطع الطريق على الاختراقات الأمنية التي كان يقوم بها العدو الصهيوني بين حين وآخر ليكسر شوكة صمود مجتمعنا.
4 - النقابـــــات:
حيث تقوم النقابة بتقديم الخدمات وحل المشكلات داخل أعضاء النقابة. ونتيجة للإخلاص والعمل الدؤوب والعطاء بلا حدود الذي تقوم به الأخوات وإبداء الاحترام والتقدير منهم تجاه الفئات الأخرى..كل ذلك أعطى الثقة في الإخوة والأخوات، مما فتح الباب للحركة الإسلامية على مصراعيه لتحرز انتصارات باهرة في النقابات.
5 - أعراس الشهداء:
حيث تتناوب الأخوات في عرس الشهيد طوال ثلاثة أيام، ويقمن بتحويل العزاء إلى عرس حقيقي من خلال الأناشيد الإسلامية والمحاضرات التي تبث الصبر والتثبيت في عائلة الشهيد بالإضافة إلى المحاضرات الوعظية والإرشادية وكذلك تقديم العون والمساعدة لآل الشهيد.
وأعتقد أن هذا الحضور المرتَّب كان له أثر كبير في التفاف الناس حول المشروع الإسلامي.
6 - الجمعيات والمؤسسات الإسلامية:
لقد عملت الحركة النسائية من خلال مؤسسات المجمع الإسلامي والجمعية الإسلامية وجمعية الشابات المسلمات وجمعية الصلاح الإسلامية.
وقد أدت هذه الجمعيات دور الممانعة في وجه جمعيات ومؤسسات لاقت ضخّاً مالياً هائلاً من السلطة وأجهزة الأمن السابقة؛ لتنفيذ مخططات وحملات كبيرة شملت الكثير من القضايا الاجتماعية الحساسة، ومسَّت بالكثير من الثوابت الدينية والمسلَّمات الاجتماعية؛ ومن ثم كانت المؤسسات والجمعيات الإسلامية رغم محاصرتها وحبس الأموال عنها، وإقفالها من حين إلى آخر؛ إلا أنها بقيت قوية في وجه تلك المؤسسات والجمعيات المشبوهة.
إن قوة عمل المؤسسات والجمعيات الإسلامية ووجودها ومصداقيتها مع الجمهور كل ذلك شكَّل تهديداً لأسس وقواعد وجود تلك الجمعيات المشبوهة، فانكفأت على نفسها تحيط بها قلة من المنتفعين بها دون فاعلية أو تأثير.
ثانياً: الجانب السياسي:
للحركة الإسلامية النسائية في غزة حضور سياسي جيد وكذلك رأي يُعتدُّ به في اتخاذ القرار السياسي والاستراتيجي في الحركة، وهي أيضاً صاحبة قرار حرٍّ، ولا يُفْرض عليها قرار دون مـوافقتها، وهذا ما أصَّله الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله -.
ويتجلّى تميّز الأداء السياسي في عدة مظاهر، منها:
- الفعاليات والمهرجانات التي تقوم بها الحركة الإسلامية النسائية؛ فقد كان لها في نفوس بناتها دور كبير في تحريك الشارع الفلسطيني ضد الاحتلال ومساندة المقاومة.
- الانتخابات النقابية والكتلية.
- الانتخابات البلدية.
- الانتخابات التشريعية.
ولقد استطاعت الحركة النسائية الإسلامية بما تملكه من قاعدة عريضة وتواصل جيد مع المجتمع من خلال المساجد والرِّياض المدرسية والكتل والنقابات، ونتيجة للثقة التي حازتها خلال مشوارها الدعوي؛ استطاعت الوصول إلى كل بيت وإيصال الفكرة الإسلامية وإزالة أي لبس وغموض أو شُبَه تحوم حولها، وقُمْنَ بدور عظيم في الدعاية الانتخابية وفي يوم الانتخابات، مما كان له الأثر في النجاح الباهر الذي حققته الحركة سواء كان في البلديات أو في المجلس التشريعي.
لقد سجلت نساء الحركة الإسلامية النسائية نجاحاً نوعياً على جميع الأصعدة التي ساهمت فيها، ولها الآن حضور سياسي في كل الأروقة السياسية، ومع ذلك ضربت المثل في المحافظة على التزامها والتقيد بالشريعة الإسلامية في كل خطواتها، وهي بذلك تثبت أن العمل السياسي بالنسبة للمرأة يكون ناجحاً أكثر من خلال الدعوة والعقيدة؛ لأن ذلك يشكل انضباطاً ذاتياً للمرأة ومرجعية قوية تحميها من عواصف السياسة. ونقــول نحــن - نســاءَ الحركة الإسلامية -: إن ديننا أفسح العمل والمشاركة للمرأة في المجالات كافة؛ فلقد أبدعت الأخوات في عطائهن بوصفهن عضوات في البلدية ونائبات في المجلس التشريعي وفي الوزارة.
كذلك سجلت الأخوات حضوراً فاعلاً ومتميزاً في كثير من المؤتمرات وورش العمل وفي المناقشات، ونافسن بالفكرة الإسلامية القوية كل الأفكار المستغربة التي تحملها الأخريات.
ثالثاً: الجانب الجهادي:
لم تكن قضية إشراك المرأة الفلسطينية في العمل الجهادي المقاوم بأشكاله وأساليبه وأطواره كافة؛ مثارَ جدل أو إشكال حاد في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته؛ فالمعاناة الفلسطينية الهائلة التي ولَّدها الاحتلال، ونالت أوجه الحياة كافة؛ جعلت منها جحيماً لا يطاق ولم تترك مساحة لأي جدل ولم تدع خياراً لأحد - رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً وأطفالاً - إلا اللحاق بالمقاومة ومحاولة رد العدوان وكف الأذى؛ فالمرأة - كما هو الرجل - تشرَّبت الألم، وتذوقت المعاناة، وعانت المصائب، ولم يراعِ الاحتلال لها أيَّ حرمة، ولم يوقر لها أمومة، ولذلك فهي باتت على خط المواجهة الساخن مع قوات الاحتلال تبادله النار بالنار، والدم بالدم، والقتل بالقتل، دون تردُّد، عبر العمليات الاستشهادية، والتصدي للاجتياحات، وإيواء المقاومين.
المظاهر الجهادية وصور الممانعة المقاومة للمرأة الفلسطينية في قطاع غزة:
المظهر الأول:
1 - تعرّض أكثر من عشرة آلاف فلسطينية للاعتقال منذ عام 1967م.
2 - اعتقال زوجات المجاهدين وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم والتحقيق معهن لإيجاد حالة من الضغط النفسي على المجاهدين ليضطروا إلى الاعتراف.
3 - صبر زوجات الأسرى اللواتي لم يمر على زواجهن إلا أشهر قليلة، وبالرغم من ذلك فهن يرفضن الانفصال بل يؤكدن إصرارهن على المصابرة والوقوف إلى جانب أزواجهن، والنماذج في ذلك كثيرة ولكن المقام لا يسمح بذكرها.
4 - اضطرار زوجات المجاهدين المطاردين وعوائلهم أحياناً للتنقل في الشهر الواحد لأكثر من مسكن خوفاً من الملاحقة والمطاردة، وأعتقد أن هذه قمة المعاناة، ومع ذلك فالصبر منهن في أعلى درجاته.
5 - ونقول: إذا كانت الصحابيات قد هاجرن إلى حيث الأمان؛ فإن المرأة الفلسطينية تهاجر من بيت إلى بيت والموت والقتل والدمار يلاحقها هي وأولادها.
المظهر الثاني: وهي المشاركة الفعلية في الجهاد:
1 - فالمرأة تقوم بتجهيز ابنها وأخيها وهو خارج للرباط، وتودعه وتدعمه بالثبات، قائلةً له: (أريدك مقبلاً غير مدبر).
2 - المرأة تحتضن المقاومة، فالمرابطون يحتمون في بيتها، وهي التي تسهر على أكلهم وشربهم، وتساعدهم إن أرادوا التنقل في حمل أمتعتهم.
3 - المرأة على استعداد لأن تخرج إلى أيِّ عمل جهادي؛ فهي تمتلك القوة والشجاعة كما حدث في ملحمة فدائيات الحصار في بيت حانون.
4 - المرأة تبقى في بيتها ويُهدم على رأسها ولا تتركه، بل تنصب خيمة على أنقاضه وترفع شعار التحدي والصمود: (لن أرحل).
5 - أريد أن أقول وبشيء من الاعتزاز بقادة الحركة الإسلامية من الرجال والنساء: إنهم أول من يقدمون أبناءهم في ميادين الجهاد ويعيشون حياة المطاردة والملاحقة والمصابرة، نعم! هذه ضريبة القيادة في فلسطين.
6 - المرأة الفلسطينية في الحركة الإسلامية النسائية تجيد استعمال السلاح؛ فقد تعلَّمت على يد ابنها أو زوجها أو أخيها؛ لأنه يجب أن تتعلم وتتدرب، ولها قدوة في تاريخها وحضارتها كما جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد تقضي الضرورة أن تشتبك مع العدو بحيث لا تقع في يده لقمة سائغة.
أخرج مسلم عن أنس - رضي الله عنه -: «أن أم سليــم - رضي الله عنها - اتخذت يوم حنين خنجراً فكان معها تحمله باستمرار، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا الخنجر؟ فقالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك».
وفي الختام نقول: إن هذا العطاء الذي تقدمه المرأة الفلسطينية في الحركة الإسلامية إنما يمتد ليتعــانق مــع ما قدَّمته شهيرات خنساوات الإسلام بل منافستهن.
وخـتاماً: حمـداً لله وثنـاءً عليـه، وصلاة وسلاماً على رسله وأنبيائه وخاتمهم نبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.