Unknown0
2012-12-16, 16:56
بسم الله الرحمن الرحيم
أمة في خطر
(2)
المشروع الإيراني الصفوي
د. أكرم حجازي
صحف- 3/6/2008
قبل الحديث عن فتنة سنية شيعية يلزم القول أن الذين يحذرون من مشروع صفوي ضد السنة حيثما كانوا هم أولئك الذين يتشاركون العيش تاريخيا في الحيز الجغرافي مع نسبة لا بأس بها من الشيعة كما هو الحال في السعودية والعراق ولبنان والكويت والبحرين واليمن والباكستان وأفغانستان ومناطق أخرى مشابهة. لكن، وفيما عدا نفر محدود جدا عبّروا عن مخاوف جدية لديهم، بعد احتلال العراق، مما أسموه بخطر التمدد الشيعي فإن مواقف عامة السنة في بلدان مثل مصر والشام والمغرب العربي، تبدو أبعد ما تكون عن الاعتقاد بأية فتنة أو الشعور بخطر شيعي يتهدد معتقداتها، والأصح أن بعضها أبدى تعاطفا أشد سواء مع إيران فيما يتعلق بحقها في امتلاك السلاح النووي أو مع حزب الله كرمز للمقاومة التي رفعت، بالنسبة إليهم، رأس العرب عاليا.
وهكذا يكون السنة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالموقف مما يسمى بالمشروع الصفوي، فثمة طرف يشكو بمرارة ما يتعرض له السنة على أيدي الشيعة في العراق وأفغانستان بالدرجة الأساس ودونهما في إيران ولبنان وطرف يشكل الغالبية الساحقة لا يأبه لأي موقف نقدي أو عدائي ضد إيران أو حزب الله بما أنهما يخوضان صراعا مع من يفترض أنهم أعداء الأمة ... بطبيعة الحال العربية وليس الإسلامية، بل تراه ينقضّ بشراسة على أبناء طائفته منددا بمواقفهم ومستنكرا أفعالهم لكونهم يصطفون في خندق العداء للمقاومة، بقصد أو بدون قصد. ولكن بما أنه لا خلاف، نظريا على الأقل أو حتى إعلاميا، بين وجهتي النظر على اعتبار المشروع الأمريكي – الغربي – الصهيوني هو مشروع احتلال وتسلط وحرب على الإسلام والمسلمين سواء في المنطقة العربية أو في العالم؛ فما هي مبررات العداء للمشروع الإيراني؟ وهل هو حقيقة مشروع مقاومة وتحرير يستحق المراهنة عليه؟ أم أنه مشروع صفوي يستهدف العقيدة؟
الحقيقة أن تصريحات د. أيمن الظواهري حين أشار إلى جدية الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وكذا تصريحات بن لادن وهو يصف حرب تموز في لبنان بين إسرائيل وحزب الله بأنها حرب للدفاع عن النفس لا أكثر ولا أقل، هي تصريحات بالغة الأهمية كونها: (1) تُسقط المشروع الإيراني كمشروع مقاومة على مستوى الأمة وتَعرِض لفكرة جديرة بالاهتمام حين ترى بأن (2) كِلا المشروعين الأمريكي – الغربي والإيراني، بالأساس، منفصلين عن بعضهما، وكل ما في الأمر أنهما يتساكنان ويتصارعان على (وليس في) مناطق نفوذ واحدة، وأن (3) تقاطعهما في مواضع عدة ليس سوى تعبير عن الحاجة إلى تبادل المنافع التي قد تتمظهر، بحسب الحاجة، في صيغة تحالف علني تارة أو بغض الطرف تارة أخرى. لكن إن لم يكن المشروع الإيراني مشروع مقاومة فماذا سيكون؟
مَنْ هو عدو إيران؟
إن أفضل تقييم لملف التسلح الإيراني ينبغي أن تكون مصادره من داخل إيران ذاتها كي نتجنب محاولات التضليل أو التضخيم للقوة الإيرانية كما سبق وحصل بالنسبة للعراق حينما صنفت المصادر الغربية العراق بوصفه يمتلك رابع أقوى جيش في العالم لتبرير تدميره وإزالة خطره على المحيط والعالم. لكن بالنسبة لإيران فالمهمة سهلة بما أن الإعلام ومسؤولي الدولة هم أنفسهم من يصرح ببعض ما تمتلكه إيران من قوة وتكنولوجيا عسكرية أو مدنية. أما لماذا يفعلون ذلك فلأنهم يرسلون رسائل التعبير عن القوة الفعلية لديهم للحيلولة دون مهاجمة إيران التي باتت تمتلك تكنولوجيا عسكرية فضلا عما لديها من تكنولوجيا مدنية، وبالتالي على الغرب أن يفهم جيدا أن: (1) أي هجوم يستهدف إيران سيكون بالغ الخطورة على أمن العالم برمته وليس فقط على منطقة الخليج العربي، وأن يفهم أيضا أن (2) لإيران الحق في امتلاك التكنولوجيا وليس استيرادها ولا الوصاية عليها بما في ذلك التكنولوجيا النووية على وجه الخصوص.
في هذا السياق بالضبط تنشط الدبلوماسية الإيرانية دوليا مثلما نشطت وما تزال، إعلاميا، في الكشف عن بعض مصادر القوة العسكرية لديها برا وبحرا وجوا، فقد أدهشت إيران الخبراء العسكريين في أكثر من استعراض لقدراتها في تكنولوجيا التسلح سواء في صناعة الطائرات والرادارات والصواريخ البحرية المضادة للسفن والقوارب الطيارة أو في مجال صناعة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى أو في القدرة على إنتاج القضبان النووية وتخصيب اليورانيوم فضلا عن بعض مشاهد إذلال البحرية البريطانية والفرنسية في مياه الخليج.
لا شك إذن أن إيران دولة تراهن، ليس فقط، على العلم والمعرفة، بل، وعلى امتلاك التكنولوجيا واستخدامها والدخول في منافسة محمومة حتى مع الدول الكبرى بخلاف الدول العربية وأغلب الدول الإسلامية التي أضاعت حتى لغتها الوطنية وأخرجت المراهنة على العلم من حيز التفكير والاهتمام لتجعل منه القيمة الأدنى في سلم القيم الاجتماعي، ويكفي تصور ما لدى إيران من قدرات علمية ملاحظة تصريحات سعيد سركار مدير لجنه الكوادر الإنسانية في هيئه تكنولوجيا النانو أن بلاده انتقلت من المرتبة 36 عالميا سنة 2005 إلى المرتبة 32 في هذا النوع من التكنولوجيا، أما على المستوى الإسلامي فقد احتلت إيران المرتبة الأولى متفوقة بذلك على تركيا النشطة في هذا الحقل العلمي، وأشار سركار إلى أن إيران، إذا ما استمرت بذات السرعة فستقفز إلى المرتبة 24 عالميا، وستكون قادرة على بلوغ المرتبة 15 بحلول العام 2015. والمدهش أن تَوجُّه إيران نحو هذه التكنولوجيا بدأ فقط في شهر سبتمبر سنة 2003 حين أعلنت إيران عن تأسيس اللجنة الخاصة لتطوير تكنولوجيا النانو بإشراف مباشر من رئيس الجمهورية.
وفيما يخص البحث العلمي فقد كشف النقاب عن 1400 متخصص يعملون في هذا الحقل حاليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وأن إيران أحرزت تقدما لافتا على صعيد نشر المقالات العلمية في المجلات العالمية المعتمدة حيث بلغت 250مقالة خلال العام 2005 بينما كانت لا تتجاوز 53 مقالة خلال سنة 2004، وأوضح سركار أن متوسط الرجوع إلى المقالات الإيرانية العلمية في هذا الحقل تفوق المتوسط العالمي حاليا حيث تبلغ 22 لكل مقالة بينما يبلغ المتوسط العالمي 2 لكل مقالة.
وعلى الصعيد الاقتصادي لتكنولوجيا النانو تنشط في إيران 40 شركة. وبالنظر إلى تطبيقاتها الواسعة فإن حجم الصادرات الإيرانية سيبلغ 20 مليار دولار لغاية عام 2015 فيما لو استطاعت البلاد حيازة 1% فقط من حصة السوق العالمية مشيرا إلى أن إيران أبرمت عقدا مع روسيا في تحضير العقاقير الطبية الذكية.
من الطبيعي أن يكون لإيران ولغيرها من البلدان كل الحق في امتلاك ناصية العلم أو بعضه والدفاع عن نفسها، وما من أحد له الحق في أن ينازعها في ذلك أو يضيق عليها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان من المألوف أن يكون لكل الدول في العالم وكل الأمم أعداء وأصدقاء؛ وإذا كان المسلمون من ضمن الأصدقاء؛ فمن هو العدو بالنسبة لإيران؟
إننا نطرح السؤال على فرض أن المشروع الإيراني هو مشروع مقاومة أو على الأقل داعما لها مما يستدعي تمييزا صارما بين الأصدقاء والأعداء، أما لو طرحناه في سياق مصير الأمة فسيكون على إيران أن توضح أكثر فيما يتعلق بالعدو الاستراتيجي ناهيك عن سلسلة الأعداء المحتملين ومدى ما يشكله كل عدو من مخاطر وما إذا كان من الممكن احتواءه والتعايش معه أو الحذر منه ووجوب مواجهته عند اللزوم. لكن حتى الآن لم تجب إيران بوضوح قاطع عن هوية العدو خاصة وأنها تراجعت رسميا وعلى أعلى المستويات عن كون الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر، فضلا عما اعترفت به إيران من خدمات جليلة قدمتها لواشنطن في أفغانستان والعراق. وعليه فمن العبث الركون إلى التخمينات مثلما هو من العبث القول أن التسلح التكنولوجي عامة ومحاولات التسلح النووي خاصة والتطور العلمي السريع هو غاية بحد ذاتها أو هواية بلا هدف.
لهذا فإن قطاعات السنة الغاضبة من إيران أظهرت قدرا كبيرا من الشك والريبة وهي تشعر أن الولايات المتحدة غضت الطرف فعليا عن التسلح الإيراني وهي تعلم به، لكنها لم تفعل الشيء ذاته فيما يتعلق بالعراق لما سمحت بالمقابل بتدمير مفاعله النووي سنة 1981ودعمت جواسيسها في تدمير بعض مجمعات التصنيع العسكري فيه منتصف الثمانينات من القرن العشرين ثم ورطته باحتلال الكويت وأخضعته لحصار انتهى ليس بإسقاط النظام بل بتدمير البلد برمته. ومن باب التساؤل: لمّا يكون الأمريكيون يعترفون بأنهم كانوا على علم بخطورة التسلح الإيراني فلماذا لم يهاجموا إيران كما هاجموا العراق؟ ولماذا تنجو إيران وتوجهاتها وترساناتها وتكنولوجيتها من أية تهديدات أمريكية أو إسرائيلية حقيقية فيما لم ينج السلاح العراقي ولا حتى العراق ولا سنته من التدمير والقتل والتشريد مثلما لم تنج أفغانستان من السحق؟ أليس من المفارقات أن يكون السنة في العراق وأفغانستان هدفا مباشرا فيما يكون الشيعة حلفاء؟
إذا كان من البديهيات القول أن المراهنة على العلم وامتلاك التقنية تتطلب استقرارا طويل المدى وابتعادا عن الحروب والتوتر غير المبرر، فالأولى من ذلك التسليم بأن إيران ليست موضوعيا بوارد أية مواجهة لا مع الولايات المتحدة ولا مع إسرائيل ولا مع الغرب الذي ينأى بنفسه حتى عن تهديد إيران بعقوبات اقتصادية ودبلوماسية. وعليه ففي أي سياق يمكن توصيف المشروع الإيراني بأنه مشروع مقاومة وتحرير؟ وفي أي سياق من العقل يمكن المراهنة على أن إيران يمكن أن تغامر بما لديها من قوة ونفوذ بمصالحها وإنجازاتها من أجل العرب والفلسطينيين؟ وفي أي سياق يمكن تفسير العلاقات الأمريكية الإيرانية وهي تبدو حتى قبل هجمات 11 سبتمبر والعراق على وفاق تام تجاه ما ما يتراءى للكثيرين كما لو أنه العدو المشترك للجانبين؟ وفي أي سياق يمكن فهم صفقات التسلح الإيراني مع إسرائيل فيما عرف آنذاك بفضيحة إيران غيت؟
مؤشرات صفوية
حتى الآن ترفض إيران رفضا قاطعا الاعتراف بعروبة الخليج العربي أو بحقوق عربية فيه، لذا يبقى السؤال عن عدو إيران مبررا، وكذلك الأمر فيما يتصل بالتسلح الإيراني بأسلحة دمار شامل، لكن السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن هوية العدو هو: لأية أهداف تتسلح إيران؟
هنا بالضبط يكمن جانب آخر من المخاوف السنية المعارضة للنهج الإيراني. فقد يكون مفهوما أن يتوسع نفوذ الدول ويصبح لها تطلعات إقليمية أو دولية، وتسعى جاهدة إلى المطالبة بمزيد من الحقوق والمكاسب وتقاسم النفوذ بما يتناسب وقدراتها العلمية أو حجم القوة العسكرية والاقتصادية، لكن ما ليس مفهوما هو التمدد الإيراني خارج الحدود بصورة تبعث على الريبة المصحوبة بقلق كبير. فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق، بدأت مؤشرات التمدد خارج الحدود أبعد ما تكون عن المصالح السياسية، والأهم أنها مؤشرات شمولية الشكل وبمضمون عقدي ظهر معه السنة كمخدوعين طوال عقود وهم يحاولون الظن، عبثا، بأن إيران تخلت عن مبدأ تصدير الثورة منذ سنة 1984، والحقيقة أن الإيرانيين أجلوا العمل به، لينطلق مجددا مع الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، ولينشط في كافة البلدان العربية بلا استثناء. ومن هنا بالضبط بدأ الحديث عن مشروع صفوي مجوسي.
مع ذلك فقد لا يبدو غريبا أن يتقاطع المشروع الصفوي مع المشروع الأمريكي، فكثيرا ما تتقاطع المصالح في السياسة وهذا ليس معيبا، لكنه من المثير حقا أن يتقاطع المشروعين ليس في مستوى المصالح بقدر ما يتقاطعان فعليا في مستوى الأهداف، فكلاهما يستهدف السنة وكلاهما يسعى إلى التبشير بمعتقداته وكلاهما يمتلك القوة والأدوات لتحقيق أهدافه وكلاهما ذو طابع احتلالي وكلاهما يقدم تنازلات للآخر كلما دعت الضرورة. ومما لا شك فيه أن ما من شيء يخيف السنة كما يخيفهم التشيع حتى أنهم باتوا يعبرون عن ترقيتهم لهذا الخوف فيما يقيمونه من مقارنات بين خطر الشيعة وخطر اليهود والغرب على الإسلام والمسلمين مستعينين في ذلك بتراثهم العقدي في كتب الأولين وفتاوى بعض العلماء المعاصرين وهم يقدمون الخطر الشيعي على ما عداه من أخطار، فما الذي يبرر كل هذه المخاوف؟
لو حاولنا التفتيش عن جذور المخاوف فليس صعبا العثور عليها سواء في التاريخ الشيعي أو في المحتوى العقدي أو في التحالفات العجيبة لهم مع أعداء الأمة. وليس صحيحا أن السنة والشيعة عاشوا بوئام طوال قرون، فالكوارث أكثر من الشواهد على سوء علاقة ابتدأت من فجر الإسلام وليس من عند ظهور الدولة الفاطمية ولا الدولة الصفوية علاوة على ما يراه السنة من غدر وخيانة لعبوه بامتياز حين الغزو التتري لديار المسلمين لا يقل عن دورهم الراهن في العراق. أما الدولة الصفوية التي أزعجت الدولة العثمانية وتحالف مع الفاتيكان الذي استنجد بها لفك الحصار الإسلامي عن أسوار العاصمة النمساوية قائدة العالم المسيحي آنذاك، فقد امتازت بكونها دولة توسعية في شتى الاتجاهات، ولم يكن لها من هدف غير التشييع، وعن تحالفاتهم فقد أثبتت على مدار التاريخ أنهم ما كانوا في يوم ما إلا في صف أعداء الأمة، ومع ذلك فقد يقال أن من السنة من هم حلفاء أمريكا وحتى اليهود في عصرنا الراهن وهذا صحيح نسبيا، لكن حدة المخاوف والعداء من المشروع الصفوي ليست واقعة فقط في إطار الخيانة التاريخية للشيعة وغدرهم وتحالفهم مع أعداء الأمة إلا إذا تم وضع كل السلوك السياسي الشيعي في سلة العقيدة؛ عندها يمكن تلمس المخاوف السنية على حقيقتها وفي جواهرها.
فالمشكلة عند السنة إذن تقع في مستوى العقيدة أولا وليس في مستوى الفعل التاريخي للشيعة الذي يمكن اعتباره أحد إفرازات الشعور بالاضطهاد تماما كعقدة اليهود وهذه مشكلتهم وليس السنة مسؤولين عنها. فالسنة يتحدثون عما يسمونه بعقيدة كفرية ليست من الإسلام في شيء خاصة وأنها تقع على النقيض تماما من أية أصول عقدية؛ وليس فروع كما يروج حلفاء الشيعة من السنة، وفي السياق من المثير الاطلاع على نموذج من تصورات العقيدة الشيعية وردت عبر تصريحات سابقة للرئيس الإيراني أحمد نجاد أوردها الموقع الرسمي لأهل السنة والجماعة نقلا عن وكالة مهر للأنباء وهي تعبر عن ذروة الانحراف العقدي لدى الشيعة:
إن فاطمة الزهراء كانت أسوة لجميع الأنبياء والأئمة والصالحين، وأضاف: إن الله تعالي مع أسمائه قد تجلّي في صورة فاطمة الزهراء وإنه تعالي يعرّف نفسه إلي العالمين عن طريق فاطمة. وتابع قائلاً: إن مصير العالم والكون في اختيار فاطمة وهي التي تتصرف في العالم كيف تشاء. وأكد أحمدي نجاد علي أن العالم لم يتحمل مصيبة مثل مصيبة فاطمة، وأن الأشقياء هم الذين ظلموها، لأنها خلاصة الكون. وأضاف بالقول: إن الذين ظلموها هم الذين لا يؤمنون بالنبي ولا بالرسالة ولا بالإمامة ولا بالله تعالي، والظلم بالنسبة إلي فاطمة ظلم إلي الله تعالي!
لا شك أن مثل هذه المعتقدات تثير الفزع لدى السنة كلما أوغل الشيعة في علاقاتهم مع أعداء الأمة وتمددوا باتجاه حصون السنة، فهم لم يتحركوا بهذه القسوة إلا حين نشط المشروع الغربي في استهداف الإسلام السني بالتحديد والذي يصفه الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي بأنه بحر الإسلام الهادر. فما الذي يدعو الشيعة للخروج من حدودهم باتجاه العراق وسوريا والجزيرة العربية وشمال أفريقيا ومصر والسودان وأفغانستان وباكستان وحتى جورجيا؟ ولأية أهداف؟
يغلب الظن على الكثيرين من أهل السنة أن جذر المشكلة يقع في نطاق المشروع الغربي الذي يستفيد من المشروع الإيراني في إثارة الفتنة بين السنة والشيعة محققا اختراقا ملحوظا. وهذا صحيح بدرجة كبيرة. أما الإيرانيون فيستفيدون أيضا من المشروع الأمريكي عبر تخويف السنة وتقديم أنفسهم كمشروع مقاومة للأمة ضد الخطر الصهيوني مستغلين في ذلك حالة انعدام الوزن في العالم العربي. لكن المسألة تشبه بالضبط حالة الصورة في المرآة، وهي تبدو حقيقية، إلا أنها في الواقع معاكسة تماما. إذ يستحيل على العقل أن يتقبل المنطق الإيراني في لبنان بينما هو على النقيض منه في العراق وأفغانستان، علما أن العدو من المفترض أنه ذاته هنا أو هناك. فكيف يمكن تفسير العلاقات الحميمة بين إيران مع الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان بينما تكون ذات العلاقات عدائية في لبنان؟
لعل إيران كالغرب تشعر أنها ذات قوة تكفي للدعوة إلى التشيع ونشر المذهب على أوسع نطاق بما يمكنها من قيادة العالم الإسلامي، إذ من الصعب فهم التمدد الإيراني، على محدوديته، خارج هذا السياق. وكل المؤشرات الآن تدل على نجاح إيران في خداع السنة المناصرة لها مستغلة القضية الفلسطينية بالتحديد للتعمية شبه التامة على ما ترتكبه القوى الموالية لها من جرائم بحق السنة في العراق وأفغانستان، فبرزت حاضنة لمشروع المقاومة. بل أنها دفعت السنة، بدهاء، إلى الاختيار بين المقاومة والعقيدة من حيث يدرون أو لا يدرون.
هكذا يبدو السنة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالموقف من إيران ومشروعها متجاوزين بذلك مرحلة التوافق، فالمجتمعات العربية الخالية من التواجد الشيعي، والتي لم تعاني من (أو تشعر بأية) مخاطر فارسية اختارت المقاومة على العقيدة اعتقادا منها بأنها تنأى بنفسها عن الاصطفاف في خانة المشروع الغربي الصهيوني، أما المجتمعات الحاضنة للطائفة الشيعية فقد اختارت العقيدة اعتقادا منها أنها مستهدفة في عقيدتها وفي مصيرها إذا ما نجح المشروع الصفوي في الاستيطان بين جنباتها، وحجة هذه الأخيرة أن الغرب واليهود قلما نجحوا في التأثير على عقيدة الأمة، والثابت أن اليهود مثلا طوال قرن من الزمن نجحوا في تهويد الأرض لكنهم لم ينجحوا قط في تهويد البشر ولم يكن لهم هدفا من هذا النوع.
أما لماذا يخسر السنة فيما يكسب الشيعة؟ فلأن السنة كالشيعة في تحالفاتهم، كلاهما اختار عدو الأمة طوعا أو كرها، لكن الفرق يكمن في أن السنة عملوا ضد المذهب وضيقوا على العقيدة وأوكلوا أمرها للحاكم بينما الشيعة عملوا، من أعلى المستويات السياسية والدينية إلى أدناها، في خدمة المذهب وسخروا له كافة إمكانياتهم وطاقاتهم. ولما يتجرأ بعض العلماء على التحذير من المشروع الصفوي ويدعون لمحاربته فغالبا ما يواجهون بالتشكيك وعدم الثقة كونهم تجرؤوا على المشروع الصفوي وجاهروا في التحذير منه والتصدي له لكنهم لم يتجرؤوا على التشريع للجهاد بذات الحماسة فضلا عن أن بعضهم ينكره من الأصل؟ إذ كيف يمكن التوفيق بين وجوب مقاومة المشروع الإيراني وإغفال المشروع الأمريكي؟ سؤال استنكاري ولا شك. لكن لو سألنا بصيغة أخرى لقلنا: بغض النظر مؤقتا عن مخاطر التقاطع مع المشروع الأمريكي؛ كيف السبيل لإحداث ثقة في خطاب العلماء غير المتوازن في صراحته تجاه المشروعين بحيث يدرك السنة أن ملاذهم يكمن في العقيدة الأقدر على مواجهة شتى صنوف المخاطر وليس المقاومة ذات الحسابات السياسية؟
آليات المشروع الصفوي
يتبع ....
كتبها د. أكرم حجازي في 04:21 مساءً ::
أمة في خطر
(2)
المشروع الإيراني الصفوي
د. أكرم حجازي
صحف- 3/6/2008
قبل الحديث عن فتنة سنية شيعية يلزم القول أن الذين يحذرون من مشروع صفوي ضد السنة حيثما كانوا هم أولئك الذين يتشاركون العيش تاريخيا في الحيز الجغرافي مع نسبة لا بأس بها من الشيعة كما هو الحال في السعودية والعراق ولبنان والكويت والبحرين واليمن والباكستان وأفغانستان ومناطق أخرى مشابهة. لكن، وفيما عدا نفر محدود جدا عبّروا عن مخاوف جدية لديهم، بعد احتلال العراق، مما أسموه بخطر التمدد الشيعي فإن مواقف عامة السنة في بلدان مثل مصر والشام والمغرب العربي، تبدو أبعد ما تكون عن الاعتقاد بأية فتنة أو الشعور بخطر شيعي يتهدد معتقداتها، والأصح أن بعضها أبدى تعاطفا أشد سواء مع إيران فيما يتعلق بحقها في امتلاك السلاح النووي أو مع حزب الله كرمز للمقاومة التي رفعت، بالنسبة إليهم، رأس العرب عاليا.
وهكذا يكون السنة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالموقف مما يسمى بالمشروع الصفوي، فثمة طرف يشكو بمرارة ما يتعرض له السنة على أيدي الشيعة في العراق وأفغانستان بالدرجة الأساس ودونهما في إيران ولبنان وطرف يشكل الغالبية الساحقة لا يأبه لأي موقف نقدي أو عدائي ضد إيران أو حزب الله بما أنهما يخوضان صراعا مع من يفترض أنهم أعداء الأمة ... بطبيعة الحال العربية وليس الإسلامية، بل تراه ينقضّ بشراسة على أبناء طائفته منددا بمواقفهم ومستنكرا أفعالهم لكونهم يصطفون في خندق العداء للمقاومة، بقصد أو بدون قصد. ولكن بما أنه لا خلاف، نظريا على الأقل أو حتى إعلاميا، بين وجهتي النظر على اعتبار المشروع الأمريكي – الغربي – الصهيوني هو مشروع احتلال وتسلط وحرب على الإسلام والمسلمين سواء في المنطقة العربية أو في العالم؛ فما هي مبررات العداء للمشروع الإيراني؟ وهل هو حقيقة مشروع مقاومة وتحرير يستحق المراهنة عليه؟ أم أنه مشروع صفوي يستهدف العقيدة؟
الحقيقة أن تصريحات د. أيمن الظواهري حين أشار إلى جدية الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وكذا تصريحات بن لادن وهو يصف حرب تموز في لبنان بين إسرائيل وحزب الله بأنها حرب للدفاع عن النفس لا أكثر ولا أقل، هي تصريحات بالغة الأهمية كونها: (1) تُسقط المشروع الإيراني كمشروع مقاومة على مستوى الأمة وتَعرِض لفكرة جديرة بالاهتمام حين ترى بأن (2) كِلا المشروعين الأمريكي – الغربي والإيراني، بالأساس، منفصلين عن بعضهما، وكل ما في الأمر أنهما يتساكنان ويتصارعان على (وليس في) مناطق نفوذ واحدة، وأن (3) تقاطعهما في مواضع عدة ليس سوى تعبير عن الحاجة إلى تبادل المنافع التي قد تتمظهر، بحسب الحاجة، في صيغة تحالف علني تارة أو بغض الطرف تارة أخرى. لكن إن لم يكن المشروع الإيراني مشروع مقاومة فماذا سيكون؟
مَنْ هو عدو إيران؟
إن أفضل تقييم لملف التسلح الإيراني ينبغي أن تكون مصادره من داخل إيران ذاتها كي نتجنب محاولات التضليل أو التضخيم للقوة الإيرانية كما سبق وحصل بالنسبة للعراق حينما صنفت المصادر الغربية العراق بوصفه يمتلك رابع أقوى جيش في العالم لتبرير تدميره وإزالة خطره على المحيط والعالم. لكن بالنسبة لإيران فالمهمة سهلة بما أن الإعلام ومسؤولي الدولة هم أنفسهم من يصرح ببعض ما تمتلكه إيران من قوة وتكنولوجيا عسكرية أو مدنية. أما لماذا يفعلون ذلك فلأنهم يرسلون رسائل التعبير عن القوة الفعلية لديهم للحيلولة دون مهاجمة إيران التي باتت تمتلك تكنولوجيا عسكرية فضلا عما لديها من تكنولوجيا مدنية، وبالتالي على الغرب أن يفهم جيدا أن: (1) أي هجوم يستهدف إيران سيكون بالغ الخطورة على أمن العالم برمته وليس فقط على منطقة الخليج العربي، وأن يفهم أيضا أن (2) لإيران الحق في امتلاك التكنولوجيا وليس استيرادها ولا الوصاية عليها بما في ذلك التكنولوجيا النووية على وجه الخصوص.
في هذا السياق بالضبط تنشط الدبلوماسية الإيرانية دوليا مثلما نشطت وما تزال، إعلاميا، في الكشف عن بعض مصادر القوة العسكرية لديها برا وبحرا وجوا، فقد أدهشت إيران الخبراء العسكريين في أكثر من استعراض لقدراتها في تكنولوجيا التسلح سواء في صناعة الطائرات والرادارات والصواريخ البحرية المضادة للسفن والقوارب الطيارة أو في مجال صناعة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى أو في القدرة على إنتاج القضبان النووية وتخصيب اليورانيوم فضلا عن بعض مشاهد إذلال البحرية البريطانية والفرنسية في مياه الخليج.
لا شك إذن أن إيران دولة تراهن، ليس فقط، على العلم والمعرفة، بل، وعلى امتلاك التكنولوجيا واستخدامها والدخول في منافسة محمومة حتى مع الدول الكبرى بخلاف الدول العربية وأغلب الدول الإسلامية التي أضاعت حتى لغتها الوطنية وأخرجت المراهنة على العلم من حيز التفكير والاهتمام لتجعل منه القيمة الأدنى في سلم القيم الاجتماعي، ويكفي تصور ما لدى إيران من قدرات علمية ملاحظة تصريحات سعيد سركار مدير لجنه الكوادر الإنسانية في هيئه تكنولوجيا النانو أن بلاده انتقلت من المرتبة 36 عالميا سنة 2005 إلى المرتبة 32 في هذا النوع من التكنولوجيا، أما على المستوى الإسلامي فقد احتلت إيران المرتبة الأولى متفوقة بذلك على تركيا النشطة في هذا الحقل العلمي، وأشار سركار إلى أن إيران، إذا ما استمرت بذات السرعة فستقفز إلى المرتبة 24 عالميا، وستكون قادرة على بلوغ المرتبة 15 بحلول العام 2015. والمدهش أن تَوجُّه إيران نحو هذه التكنولوجيا بدأ فقط في شهر سبتمبر سنة 2003 حين أعلنت إيران عن تأسيس اللجنة الخاصة لتطوير تكنولوجيا النانو بإشراف مباشر من رئيس الجمهورية.
وفيما يخص البحث العلمي فقد كشف النقاب عن 1400 متخصص يعملون في هذا الحقل حاليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وأن إيران أحرزت تقدما لافتا على صعيد نشر المقالات العلمية في المجلات العالمية المعتمدة حيث بلغت 250مقالة خلال العام 2005 بينما كانت لا تتجاوز 53 مقالة خلال سنة 2004، وأوضح سركار أن متوسط الرجوع إلى المقالات الإيرانية العلمية في هذا الحقل تفوق المتوسط العالمي حاليا حيث تبلغ 22 لكل مقالة بينما يبلغ المتوسط العالمي 2 لكل مقالة.
وعلى الصعيد الاقتصادي لتكنولوجيا النانو تنشط في إيران 40 شركة. وبالنظر إلى تطبيقاتها الواسعة فإن حجم الصادرات الإيرانية سيبلغ 20 مليار دولار لغاية عام 2015 فيما لو استطاعت البلاد حيازة 1% فقط من حصة السوق العالمية مشيرا إلى أن إيران أبرمت عقدا مع روسيا في تحضير العقاقير الطبية الذكية.
من الطبيعي أن يكون لإيران ولغيرها من البلدان كل الحق في امتلاك ناصية العلم أو بعضه والدفاع عن نفسها، وما من أحد له الحق في أن ينازعها في ذلك أو يضيق عليها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان من المألوف أن يكون لكل الدول في العالم وكل الأمم أعداء وأصدقاء؛ وإذا كان المسلمون من ضمن الأصدقاء؛ فمن هو العدو بالنسبة لإيران؟
إننا نطرح السؤال على فرض أن المشروع الإيراني هو مشروع مقاومة أو على الأقل داعما لها مما يستدعي تمييزا صارما بين الأصدقاء والأعداء، أما لو طرحناه في سياق مصير الأمة فسيكون على إيران أن توضح أكثر فيما يتعلق بالعدو الاستراتيجي ناهيك عن سلسلة الأعداء المحتملين ومدى ما يشكله كل عدو من مخاطر وما إذا كان من الممكن احتواءه والتعايش معه أو الحذر منه ووجوب مواجهته عند اللزوم. لكن حتى الآن لم تجب إيران بوضوح قاطع عن هوية العدو خاصة وأنها تراجعت رسميا وعلى أعلى المستويات عن كون الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر، فضلا عما اعترفت به إيران من خدمات جليلة قدمتها لواشنطن في أفغانستان والعراق. وعليه فمن العبث الركون إلى التخمينات مثلما هو من العبث القول أن التسلح التكنولوجي عامة ومحاولات التسلح النووي خاصة والتطور العلمي السريع هو غاية بحد ذاتها أو هواية بلا هدف.
لهذا فإن قطاعات السنة الغاضبة من إيران أظهرت قدرا كبيرا من الشك والريبة وهي تشعر أن الولايات المتحدة غضت الطرف فعليا عن التسلح الإيراني وهي تعلم به، لكنها لم تفعل الشيء ذاته فيما يتعلق بالعراق لما سمحت بالمقابل بتدمير مفاعله النووي سنة 1981ودعمت جواسيسها في تدمير بعض مجمعات التصنيع العسكري فيه منتصف الثمانينات من القرن العشرين ثم ورطته باحتلال الكويت وأخضعته لحصار انتهى ليس بإسقاط النظام بل بتدمير البلد برمته. ومن باب التساؤل: لمّا يكون الأمريكيون يعترفون بأنهم كانوا على علم بخطورة التسلح الإيراني فلماذا لم يهاجموا إيران كما هاجموا العراق؟ ولماذا تنجو إيران وتوجهاتها وترساناتها وتكنولوجيتها من أية تهديدات أمريكية أو إسرائيلية حقيقية فيما لم ينج السلاح العراقي ولا حتى العراق ولا سنته من التدمير والقتل والتشريد مثلما لم تنج أفغانستان من السحق؟ أليس من المفارقات أن يكون السنة في العراق وأفغانستان هدفا مباشرا فيما يكون الشيعة حلفاء؟
إذا كان من البديهيات القول أن المراهنة على العلم وامتلاك التقنية تتطلب استقرارا طويل المدى وابتعادا عن الحروب والتوتر غير المبرر، فالأولى من ذلك التسليم بأن إيران ليست موضوعيا بوارد أية مواجهة لا مع الولايات المتحدة ولا مع إسرائيل ولا مع الغرب الذي ينأى بنفسه حتى عن تهديد إيران بعقوبات اقتصادية ودبلوماسية. وعليه ففي أي سياق يمكن توصيف المشروع الإيراني بأنه مشروع مقاومة وتحرير؟ وفي أي سياق من العقل يمكن المراهنة على أن إيران يمكن أن تغامر بما لديها من قوة ونفوذ بمصالحها وإنجازاتها من أجل العرب والفلسطينيين؟ وفي أي سياق يمكن تفسير العلاقات الأمريكية الإيرانية وهي تبدو حتى قبل هجمات 11 سبتمبر والعراق على وفاق تام تجاه ما ما يتراءى للكثيرين كما لو أنه العدو المشترك للجانبين؟ وفي أي سياق يمكن فهم صفقات التسلح الإيراني مع إسرائيل فيما عرف آنذاك بفضيحة إيران غيت؟
مؤشرات صفوية
حتى الآن ترفض إيران رفضا قاطعا الاعتراف بعروبة الخليج العربي أو بحقوق عربية فيه، لذا يبقى السؤال عن عدو إيران مبررا، وكذلك الأمر فيما يتصل بالتسلح الإيراني بأسلحة دمار شامل، لكن السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن هوية العدو هو: لأية أهداف تتسلح إيران؟
هنا بالضبط يكمن جانب آخر من المخاوف السنية المعارضة للنهج الإيراني. فقد يكون مفهوما أن يتوسع نفوذ الدول ويصبح لها تطلعات إقليمية أو دولية، وتسعى جاهدة إلى المطالبة بمزيد من الحقوق والمكاسب وتقاسم النفوذ بما يتناسب وقدراتها العلمية أو حجم القوة العسكرية والاقتصادية، لكن ما ليس مفهوما هو التمدد الإيراني خارج الحدود بصورة تبعث على الريبة المصحوبة بقلق كبير. فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق، بدأت مؤشرات التمدد خارج الحدود أبعد ما تكون عن المصالح السياسية، والأهم أنها مؤشرات شمولية الشكل وبمضمون عقدي ظهر معه السنة كمخدوعين طوال عقود وهم يحاولون الظن، عبثا، بأن إيران تخلت عن مبدأ تصدير الثورة منذ سنة 1984، والحقيقة أن الإيرانيين أجلوا العمل به، لينطلق مجددا مع الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، ولينشط في كافة البلدان العربية بلا استثناء. ومن هنا بالضبط بدأ الحديث عن مشروع صفوي مجوسي.
مع ذلك فقد لا يبدو غريبا أن يتقاطع المشروع الصفوي مع المشروع الأمريكي، فكثيرا ما تتقاطع المصالح في السياسة وهذا ليس معيبا، لكنه من المثير حقا أن يتقاطع المشروعين ليس في مستوى المصالح بقدر ما يتقاطعان فعليا في مستوى الأهداف، فكلاهما يستهدف السنة وكلاهما يسعى إلى التبشير بمعتقداته وكلاهما يمتلك القوة والأدوات لتحقيق أهدافه وكلاهما ذو طابع احتلالي وكلاهما يقدم تنازلات للآخر كلما دعت الضرورة. ومما لا شك فيه أن ما من شيء يخيف السنة كما يخيفهم التشيع حتى أنهم باتوا يعبرون عن ترقيتهم لهذا الخوف فيما يقيمونه من مقارنات بين خطر الشيعة وخطر اليهود والغرب على الإسلام والمسلمين مستعينين في ذلك بتراثهم العقدي في كتب الأولين وفتاوى بعض العلماء المعاصرين وهم يقدمون الخطر الشيعي على ما عداه من أخطار، فما الذي يبرر كل هذه المخاوف؟
لو حاولنا التفتيش عن جذور المخاوف فليس صعبا العثور عليها سواء في التاريخ الشيعي أو في المحتوى العقدي أو في التحالفات العجيبة لهم مع أعداء الأمة. وليس صحيحا أن السنة والشيعة عاشوا بوئام طوال قرون، فالكوارث أكثر من الشواهد على سوء علاقة ابتدأت من فجر الإسلام وليس من عند ظهور الدولة الفاطمية ولا الدولة الصفوية علاوة على ما يراه السنة من غدر وخيانة لعبوه بامتياز حين الغزو التتري لديار المسلمين لا يقل عن دورهم الراهن في العراق. أما الدولة الصفوية التي أزعجت الدولة العثمانية وتحالف مع الفاتيكان الذي استنجد بها لفك الحصار الإسلامي عن أسوار العاصمة النمساوية قائدة العالم المسيحي آنذاك، فقد امتازت بكونها دولة توسعية في شتى الاتجاهات، ولم يكن لها من هدف غير التشييع، وعن تحالفاتهم فقد أثبتت على مدار التاريخ أنهم ما كانوا في يوم ما إلا في صف أعداء الأمة، ومع ذلك فقد يقال أن من السنة من هم حلفاء أمريكا وحتى اليهود في عصرنا الراهن وهذا صحيح نسبيا، لكن حدة المخاوف والعداء من المشروع الصفوي ليست واقعة فقط في إطار الخيانة التاريخية للشيعة وغدرهم وتحالفهم مع أعداء الأمة إلا إذا تم وضع كل السلوك السياسي الشيعي في سلة العقيدة؛ عندها يمكن تلمس المخاوف السنية على حقيقتها وفي جواهرها.
فالمشكلة عند السنة إذن تقع في مستوى العقيدة أولا وليس في مستوى الفعل التاريخي للشيعة الذي يمكن اعتباره أحد إفرازات الشعور بالاضطهاد تماما كعقدة اليهود وهذه مشكلتهم وليس السنة مسؤولين عنها. فالسنة يتحدثون عما يسمونه بعقيدة كفرية ليست من الإسلام في شيء خاصة وأنها تقع على النقيض تماما من أية أصول عقدية؛ وليس فروع كما يروج حلفاء الشيعة من السنة، وفي السياق من المثير الاطلاع على نموذج من تصورات العقيدة الشيعية وردت عبر تصريحات سابقة للرئيس الإيراني أحمد نجاد أوردها الموقع الرسمي لأهل السنة والجماعة نقلا عن وكالة مهر للأنباء وهي تعبر عن ذروة الانحراف العقدي لدى الشيعة:
إن فاطمة الزهراء كانت أسوة لجميع الأنبياء والأئمة والصالحين، وأضاف: إن الله تعالي مع أسمائه قد تجلّي في صورة فاطمة الزهراء وإنه تعالي يعرّف نفسه إلي العالمين عن طريق فاطمة. وتابع قائلاً: إن مصير العالم والكون في اختيار فاطمة وهي التي تتصرف في العالم كيف تشاء. وأكد أحمدي نجاد علي أن العالم لم يتحمل مصيبة مثل مصيبة فاطمة، وأن الأشقياء هم الذين ظلموها، لأنها خلاصة الكون. وأضاف بالقول: إن الذين ظلموها هم الذين لا يؤمنون بالنبي ولا بالرسالة ولا بالإمامة ولا بالله تعالي، والظلم بالنسبة إلي فاطمة ظلم إلي الله تعالي!
لا شك أن مثل هذه المعتقدات تثير الفزع لدى السنة كلما أوغل الشيعة في علاقاتهم مع أعداء الأمة وتمددوا باتجاه حصون السنة، فهم لم يتحركوا بهذه القسوة إلا حين نشط المشروع الغربي في استهداف الإسلام السني بالتحديد والذي يصفه الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي بأنه بحر الإسلام الهادر. فما الذي يدعو الشيعة للخروج من حدودهم باتجاه العراق وسوريا والجزيرة العربية وشمال أفريقيا ومصر والسودان وأفغانستان وباكستان وحتى جورجيا؟ ولأية أهداف؟
يغلب الظن على الكثيرين من أهل السنة أن جذر المشكلة يقع في نطاق المشروع الغربي الذي يستفيد من المشروع الإيراني في إثارة الفتنة بين السنة والشيعة محققا اختراقا ملحوظا. وهذا صحيح بدرجة كبيرة. أما الإيرانيون فيستفيدون أيضا من المشروع الأمريكي عبر تخويف السنة وتقديم أنفسهم كمشروع مقاومة للأمة ضد الخطر الصهيوني مستغلين في ذلك حالة انعدام الوزن في العالم العربي. لكن المسألة تشبه بالضبط حالة الصورة في المرآة، وهي تبدو حقيقية، إلا أنها في الواقع معاكسة تماما. إذ يستحيل على العقل أن يتقبل المنطق الإيراني في لبنان بينما هو على النقيض منه في العراق وأفغانستان، علما أن العدو من المفترض أنه ذاته هنا أو هناك. فكيف يمكن تفسير العلاقات الحميمة بين إيران مع الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان بينما تكون ذات العلاقات عدائية في لبنان؟
لعل إيران كالغرب تشعر أنها ذات قوة تكفي للدعوة إلى التشيع ونشر المذهب على أوسع نطاق بما يمكنها من قيادة العالم الإسلامي، إذ من الصعب فهم التمدد الإيراني، على محدوديته، خارج هذا السياق. وكل المؤشرات الآن تدل على نجاح إيران في خداع السنة المناصرة لها مستغلة القضية الفلسطينية بالتحديد للتعمية شبه التامة على ما ترتكبه القوى الموالية لها من جرائم بحق السنة في العراق وأفغانستان، فبرزت حاضنة لمشروع المقاومة. بل أنها دفعت السنة، بدهاء، إلى الاختيار بين المقاومة والعقيدة من حيث يدرون أو لا يدرون.
هكذا يبدو السنة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالموقف من إيران ومشروعها متجاوزين بذلك مرحلة التوافق، فالمجتمعات العربية الخالية من التواجد الشيعي، والتي لم تعاني من (أو تشعر بأية) مخاطر فارسية اختارت المقاومة على العقيدة اعتقادا منها بأنها تنأى بنفسها عن الاصطفاف في خانة المشروع الغربي الصهيوني، أما المجتمعات الحاضنة للطائفة الشيعية فقد اختارت العقيدة اعتقادا منها أنها مستهدفة في عقيدتها وفي مصيرها إذا ما نجح المشروع الصفوي في الاستيطان بين جنباتها، وحجة هذه الأخيرة أن الغرب واليهود قلما نجحوا في التأثير على عقيدة الأمة، والثابت أن اليهود مثلا طوال قرن من الزمن نجحوا في تهويد الأرض لكنهم لم ينجحوا قط في تهويد البشر ولم يكن لهم هدفا من هذا النوع.
أما لماذا يخسر السنة فيما يكسب الشيعة؟ فلأن السنة كالشيعة في تحالفاتهم، كلاهما اختار عدو الأمة طوعا أو كرها، لكن الفرق يكمن في أن السنة عملوا ضد المذهب وضيقوا على العقيدة وأوكلوا أمرها للحاكم بينما الشيعة عملوا، من أعلى المستويات السياسية والدينية إلى أدناها، في خدمة المذهب وسخروا له كافة إمكانياتهم وطاقاتهم. ولما يتجرأ بعض العلماء على التحذير من المشروع الصفوي ويدعون لمحاربته فغالبا ما يواجهون بالتشكيك وعدم الثقة كونهم تجرؤوا على المشروع الصفوي وجاهروا في التحذير منه والتصدي له لكنهم لم يتجرؤوا على التشريع للجهاد بذات الحماسة فضلا عن أن بعضهم ينكره من الأصل؟ إذ كيف يمكن التوفيق بين وجوب مقاومة المشروع الإيراني وإغفال المشروع الأمريكي؟ سؤال استنكاري ولا شك. لكن لو سألنا بصيغة أخرى لقلنا: بغض النظر مؤقتا عن مخاطر التقاطع مع المشروع الأمريكي؛ كيف السبيل لإحداث ثقة في خطاب العلماء غير المتوازن في صراحته تجاه المشروعين بحيث يدرك السنة أن ملاذهم يكمن في العقيدة الأقدر على مواجهة شتى صنوف المخاطر وليس المقاومة ذات الحسابات السياسية؟
آليات المشروع الصفوي
يتبع ....
كتبها د. أكرم حجازي في 04:21 مساءً ::