الرد الصحيح - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الرد الصحيح

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-01-18, 21:02   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المجتهد92
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية المجتهد92
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 الرد الصحيح

بسم الله الرحمـن الرحيم
الرد الصحيح
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } . أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعـــــــــــــــــــــــــــــــــــد :
رداً على رسالة الرد الجميل – ويا ليتها كانت كذلك – والذي تبين أن صاحبها انتهج نهج المفوضة في الأسماء والصفات لله سبحانه تعالى ، وأقصد بالتفويض ، التفويض المذموم وليس المحمود ، حيث علمنا من سلفنا الصالح الذي يدعي صاحبنا الانتماء إليه أن التفويض ينقسم إلى قسمين :
1- تفويض محمود وهو إثبات معاني الصفات لله تعالى كما جاءت في الكتاب والسنة وتفويض الكيفية ، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }(الشورى: من الآية 11 ) فهي أثبتت المعنى – وهو السميع البصير – وفوضت الكيفية – ليس كمثله شيء - .
2- تفويض مذموم ألا وهو تفويض المعنى وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية مبيِّناً طريقة هؤلاء في كتاب العقل والنقل) ص 121 ج1: "فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ". وسيأتي التعليق على كلامه رحمه الله في سياق هذه الرسالة 0
ولهذا كان لزاماً علينا أن نجعل الحكم بيننا كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة – حتى لا نضل ولا نشقى لما جاء في بعض الآيات والتي نذكر منها :
قال تعالى :1- { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } ( الأحزاب : 36 ) . 2 - وقال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } ( الحجرات : 1 ) .
3 - وقال : { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } ( آل عمران : 32 ) .
4 - وقال عز من قائل : { وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا . من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا } ( النساء : 80 ) .
5 - وقال : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } ( النساء : 59 ) .
6 - وقال : { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } ( الأنفال : 46 ) .
7 - وقال : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعملوا أنما على رسولنا البلاغ المبين } ( المائدة : 92 ) .
8 - وقال : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد
يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ( النور : 63 ) .
9 - وقال : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعملوا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } ( الأنفال : 24 ) .
10 - وقال : { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم . ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } ( النساء 13 - 14 )
11- وقال سبحانه : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } ( النور : 52 )
12- وقال تبارك وتعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } ( النحل : 44 )
13- وقال سبحانه {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115 ) والمؤمنون هنا – أي الصحابة - إلى غير ذلك من الآيات المباركات .
* وفي السنة ففيها الكثير الطيب مما يوجب علينا اتباعه عليه الصلاة والسلام اتباعا عاما في كل شيء من أمور ديننا . نقتصر على ذكر هذين الحديثين :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم ( ما تمسكتم بهما ) كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ) . أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصححه .
2- وقال أيضاً " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي " الترمذي/ صحيح
* من المعلوم عند أهل اللغة أن الأصل في الكلام أنه يحمل على الحقيقة ولا يحمل اللفظ على مجازه إلا بدليل صحيح يمنع من إرادة الحقيقة وهو ما يسمى في علم البيان بالقرينة ، ولهذا فكان الواجب في نصوص الأسماء والصفات إجراؤها على ظاهرها وإثبات حقيقتها لله على الوجه اللائق به ؛ وذلك لوجهين :
1. إن صرفها عن ظاهرها مخالف لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
2. أن صرفها إلى المجاز قول على الله بلا علم وهو حرام .
ويشترط لصحة استعمال اللفظ في مجازه وجود ارتباط بين المعنى الحقيقي والمجازي ليصح التعبير عنه وهو ما يسمى في علم البيان بالعلاقة، والعلاقة إما أن تكون المشابهة أو غيرها . مثال على ذلك :
قال الله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طـه:5)فحقيقة الاستواء هو العلو فمن حرفه إلى استيلاء لا يقبل منه لأن تحريفه إلى الاستيلاء إخراج له عن حقيقته ، فلا يقبل منه إلا بدليل ، كذلك لو قال قائل عن قوله تعالى " بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ " (المائدة:64) أي المراد بهما النعمة فلا يقبل منه ذلك لأن استعمال اليد في النعمة مجاز ولا يمكن أن يُحمَل اللفظ على المجاز إلا بدليل صحيح يمنع إرادة الحقيقة ، فقد يتبجح ويقول أنا عندي دليل صحيح يمنع إرادة الحقيقة عقلاً ونقلاً :
1-فأما النقل فقوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }(الشورى11
2-وأما العقل فلظهور التباين بين الخالق والمخلوق.
فالرد عليه هو إن اثبات اليد لا يستلزم المماثلة فأنت لك يد وزميلك له يد فهل يداكما سواء – هذا فضلاً من مخلوق لمخلوق آخر من غير جنسه كالبشر والحيوان أو البشر والملائكة أو البشر والجن فإن أيديهم ليست سواء - ؟ فلا يلزم نقلاً المماثلة إذا أثبتنا لله يداً – ، وكذلك عقلاً فإن التباين بين الخالق والمخلوق يدل على التباين بين يد الخالق ويد المخلوق ، كما أنهما متباينا بالذات فهما متباينا بالصفات . – " من رسالة الأصول من علم الأصول لابن عثيمين المجلد الحادي عشر " - .
* أقول لأصحاب الحجى ولكل من له عقل سليم يتبع صحيح النقل أليس الله تعالى قائم بذاته في هذا الكون يدبر شؤونه ؟ الجواب بلى! أليس الله تعالى له ذات غني بها عن العالمين؟ الجواب بلى! بل هو سبحانه أكبر شهادة في هذا الكون, قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}(الأنعام: من الآية19) فالله سبحانه له ذات وخلق خلقه وجعل منهم من له ذوات متباينة فيما بينها، فإذا كانت ذوات الخلق متباينة، فهي من باب أولى أن تكون متباينة بينها وبين ذات الله سبحانه وتعالى، وهنا السؤال فإذا أنكرنا ذات الله دخلنا في الجحود ونفي الخالق والعياذ بالله، وإذا أثبتنا ذات الله؛ وحَّدْنا الخالق سبحانه، فإذا كان لله ذات جلَّ علا وللمخلوق ذات وهما متباينا بالذات فليست ذات المخلوق كذات الخالق عز وجل، وكما أخبر سبحانه {ليس كمثله شيء} فكذلك لله صفات كصفة السمع والبصر وغيرهما، وللمخلوق صفات خلقها الله له كالسمع والبصر، وبما أنهما متباينا بالذات فهما متباينا بالصفات فما الغريب في ذلك؟! إلا من اتبع هواه ووساوس الشيطان وحرَّف الكلم عن مواضعه ؟!! .
وإليك يا صاحب الرسالة هذا الكلام والذي لو علمت قيمته لكتبته بمداد من ذهب، قال الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية ما نصه: " وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة، يقولون: إن الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا، له علم وليس مثل علمنا، له بصر، ليس مثل بصرنا، له وجه وليس مثل وجوهنا, له يد وليست مثل أيدينا.... وهكذا جميع الصفات، يقولون: إن الله عز وجل لا يماثل خلقه فيما وصف به نفسه أبداً، ولهم على ذلك أدلة سمعية وأدلة عقلية:
أ- الأدلة السمعية: تنقسم إلى قسمين: خبر، وطلب.
- فمن الخبر قوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11]، فالآية فيها نفي صريح للتمثيل وقوله: ]هل تعلم له سمياً[ [مريم: 65]، وقوله: ]ولم يكن له كفواً أحد[ [الإخلاص: 4]، فهذه كلها تدل على نفي المماثلة، وهي كلها خبرية.
- وأما الطلب، فقال الله تعالى: ]فلا تجعلوا لله أنداداً[ [البقرة: 22] أي: نظراء مماثلين. وقال ]فلا تضربوا لله الأمثال[ [النحل: 74].
فمن مثَّل الله بخلقه، فقد كذَّب الخبر وعصى الأمر, ولهذا أطلق بعض السلف القول بالتكفير لمن مثل الله بخلقه، فقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري رحمه الله: "من شبه الله بخلقه، فقد كفر" لأنه جمع بين التكذيب بالخبر وعصيان الطلب.
وأما الأدلة العقلية على انتفاء التماثل بين الخالق والمخلوق: فمن وجوه:
أولاً: أن نقول لك لا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق بأي حال من الأحوال لو لم يكن بينهما من التباين إلا أصل الوجود؛ لكان كافياً، وذلك أن وجود الخالق واجب، فهو أزلي أبدي، ووجود المخلوق ممكن مسبوق بعدم ويلحقه فناء، فما كانا كذلك لا يمكن أن يقال: إنهما متماثلان.
ثانياً: أنا نجد التباين العظيم بين الخالق والمخلوق في صفاته وفي أفعاله، في صفاته يسمع عز وجل كل صوت مهما خفي ومهما بعد، لو كان في قعار البحار، لسمعه عز وجل.
وأنزل الله قوله تعالى: ]قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير[ [المجادلة: 1]، تقول عائشة: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي الحجرة، وإنه ليخفى على بعض حديثها ، والله تعالى سمعها من على عرشه وبينه وبينها ما لا يعلم مداه إلا الله عز وجل، ولا يمكن أن يقول قائل: إن سمع الله مثل سمعنا.
ثالثاً: نقول: نحن نعلم أن الله تعالى مباين للخلق بذاته: ]وسع كرسيه السموات والأرض[ [البقرة: 255]، ]والأرض جميعاً قبضته[ [الزمر: 67]، ولا يمكن لأحد من الخلق أن يكون هكذا، فإذا كان مبايناً للخلق في ذاته، فالصفات تابعة للذات، فيكون أيضاً مبايناً للخلق في صفاته عز وجل، ولا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق.
رابعاً: نقول: إننا نشاهد في المخلوقات أشياء تتفق في الأسماء وتختلف في المسميات، يختلف الناس في صفاتهم: هذا قوي البصر وهذا ضعيف، وهذا قوي السمع وهذا ضعيف، هذا قوي البدن وهذا ضعيف وهذا ذكر وهذا أنثى.... وهكذا التباين في المخلوقات التي من جنس واحد، فما بالك بالمخلوقات المختلفة الأجناس؟ فالتباين بينها أظهر ولهذا، لا يمكن لأحد أن يقول: إن لي يداً كيد الجمل، أولي يداً كيد الذرَّة، -أي النملة- أول يداً كيد الهر، فعندنا الآن إنسان وجمل وذرة وهر، كل واحد له يد مختلفة عن الثاني، مع أنها متفقة في الاسم فنقول: إذا جاز التفاوت بين المسميات في المخلوقات مع اتفاق الاسم، فجوازه بين الخالق والمخلوق ليس جائزاً فقط، بل هو واجب، فعندنا أربعة وجوه عقلية كلها تدل على أن الخالق لا يمكن أن يماثل المخلوق بأي حال من الأحوال.
ربما نقول أيضاً: هناك دليل فطري، وذلك لأن الإنسان بفطرته بدون أن يلقن يعرف الفرق بين الخالق والمخلوق ولولا هذه الفطرة، ما ذهب يدعو الخالق.
فتبين الآن أن التمثيل منتف سمعاً وعقلاً وفطرة.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى " قد أجمع سلف الأمة على وجوب الإيمان بكل ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة من الأسماء والصفات وإقرارها كما جاءت ، والإيمان بأن الله سبحانه موصوف بها على الحقيقة لا على المجاز على الوجه اللائق به لا شبيه له في ذلك ولا ند له ولا كفؤ ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه وهو الموصوف بمعانيها كلها على الكمال المطلق الذي لا يشابهه فيها أحد ، انتهى كلامه .
وقال الشيخ سليم الهلالي في كتاب الجماعات الاسلامية ( ص 274 – 275 ) ما نصه: القائلون بوجود ألفاظ مستعملة في غير ما وضعت له اشترطوا وجود القرينة التي تستوجب صرف اللفظ إلى غير معناه الحقيقي، ولهذا قال أهل التقسيم إن كل مجاز لا بد له من حقيقة، وليس لكل حقيقة مجاز فإذا استعملت الألفاظ مجازاً، فلا يوصف بها إلا من كانت عنده تلك الصفات، فإذا أردت أن تصف إنسانا بأن له فضلا عليك، قلت: له علىَّ يدٌ، فأنت استعملت كلمة يد؛ لتدل على الفضل؛ لأن اليد سبب في هذا الفضل أو أنها آلة الفضل، ، وعليه لا يجوز أن تقول عن شجرة تتفيأ ظلالها: لها يد عليَّ؛ فإن هذا غير جائز في اللغة .
والقول بوجود مجاز لغوي إثبات للحقيقة ؛ ولكن من حيث لا يعلم القائلون به ، ولو فرضنا صحة القول : إن صفات الله كاليد ، والوجه ، والاستواء وغيرها مجاز ؛ فإنه يثبت ما ذهبنا إليه ولا ينفيه ، فهذه الصفات لو لم تكن حقيقة لله لما صح التعبير عنها بهذه الألفاظ ، فتأمل تزدد يقينا .
إذا علمت أنه : إذا اجتمع التأويل وعدم التأويل ؛ فعدم التأويل أولى ، فكيف إذا لم يكن هناك ثمة مجال للتأويل ؛ بل جميع القرائن تدل على أنها حقيقة لا مجاز ؟ .
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية " فإن أهل السنة و الجماعة لا يمكن أبداً أن يخرجوا لفظاً عن ظاهره إلا بدليل من الكتاب أو السنة, متصل أو منفصل، و أنا أتحدى أي واحد يأتي إليَّ بدليل من الكتاب، أو السنة في أسماء الله وصفاته أخرجه أهل السنة عن ظاهره، إلا أن يكون لهم دليل بذلك من كتاب الله، أو من سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، و حينئذٍ إذا كان ما أخرجه إليه أهل السنة من المعنى ثابتاً بدليل من الكتاب و السنة؛ فإنهم في الحقيقة لم يخرجوا عما أراد الله به، لأنهم علموا مراد الله به من الدليل الثاني من الكتاب والسنة، و ليسوا بحمد الله يُخرجون شيئاً من النصوص عما يقال: إنه ظاهره, من أجل عقولهم حتى يتوصلوا إلى نفي ما أثبته الله لنفسه وإثبات ما لم يدل عليه ظاهر الكلام. هذا لا يوجد و لله الحمد في أي واحد من أهل السنة، والأمر إذا شئتم فارجعوا إليه في كتبهم المختصرة والمطولة، انتهى كلامه رحمه الله.
* فصاحب رسالة – الرد الجميل ...؟!!- يزعم أن مرجعه في هذه الرسالة الكتاب والسنة، ويا ليته فعل،
- أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا يا سعد تورد الإبل –
فما كان المرجع لصاحب الرسالة إلا العقل وما تهوى الأنفس والله المستعان، ولله در القائل:

العــلم قـال الله قـال رسوله قـال الصحابة ليس بالتميه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا و لاجحد الصفات ونفيها حذراً من التمثيل والتشبيه الوجه
يزعم صاحب الرسالة " أن روح الله " هو جبريل عليه السلام وذلك في قوله تعالى { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ } (السجدة: 9)
وهذا على وجه الطلاق لا يصح، بل الصحيح أن من أسماء جبريل عليه السلام – روح القدس– ووصفه الله عز وجل بالقوة والأمانة فقال سبحانه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم * ذي قوة عند ذي العرش مكين* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } (التكوير: 19- 21 ) وخصه بأشرف وظيفة، وهي السفارة بينه تعالى وبين رسله عليهم السلام فكان ينزل بالوحي كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (الشعراء: 192- 194) وصح عن النبي صلى الله أنه رافقه في أعظم رحلة تَمَّت في الوجود وهي إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصفه لنا النبي صلى الله عليه وسلم؛
فيما روى ابن مسعود حيث قال في قوله تعالى: (فكان قاب قوسين أو أدنى) وفي قوله: (ما كذب الفؤاد ما رأى) (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:192) وفي قوله: (رأى من آيات ربه الكبرى) قال فيها كلها: رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح. متفق عليه. وفي رواية الترمذي قال: (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. وله وللبخاري في قوله: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال: رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء. متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رأيت جبريل عند سدرة المنتهى عليه ستمائة جناح ينتثر من ريشه التهاويل: الدر والياقوت " صحيح الاسراء والمعراج.
إذن الروح ليست باطلاقها إنه جبريل عليه السلام لقوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الاسراء:85)
فهذه الآية واضحة وضوح الشمس وسط النهار من أن الروح والتي سأل عنها اليهود محمداً صلى الله عليه وسلم ليس جبريل لآن جبريل عليه السلام جاء من وصفه على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم كما بينا آنفا، بل بيَّن لنا أنه مخلوق من نور. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أورده مسلم عن عائشة: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم"
أما هذه الروح والتي نفخها الله في آدم ثم وكل بها ملائكة الأرحام لمن شاء الله له الوجود في هذا الوجود، فهذه لا نعلم عنها شيئا، فلا يعلم أمرها إلا الله تعالى.
كذلك هنا سؤال لصاحب الرسالة وهو: ما تقول في هذه الآية التي يخبر الله تعالى فيها طلب يعقوب عليه السلام من أبنائه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87) فهل قصد يعقوب عليه السلام في هذه الآية جبريل عليه السلام؟!!
كذلك ما يقول صاحب الرسالة في هذا الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم بسند صحيح عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن. فكأنه أبطأ بهنَّ فأوحى الله إلى عيسى: إما أن يبلغهن أو تبلغهن. فأتاه عيسى فقال له: إنك أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن, وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن, فإما أن تبلغهن, وإما أن أبلغهن. فقال له: يا روح الله! إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي -- الحديث " انظر صحيح الجامع، فهل عيسى عليه السلام هو جبريل أيضاً؟!!
وكذلك ما يقول في هذا الحديث أيضاً الذي رواه أحمد والحاكم وهو صحيح قال عليه الصلاة والسلام: ".... وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر فيقول له أميرهم: يا روح الله تقدم صلِّ. فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض. فيتقدم أميرهم فيصلي فإذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته فيذهب نحو الدجال فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص فيضع حربته بين ثندوته فيقتله وينهزم أصحابه"
وهذا الحديث أيضاً: " الكبائر؛ الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله " رواه البزار عن ابن عباس وهو في صحيح الجامع.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث .
أنا أسأل صاحب الرسالة: لماذا صرفت ظاهر الآية إلى غير وجهها الحقيقي والتي يخبر الله فيها أنه سبحانه خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه قال تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ}(السجدة: 9) أيعجز الله سبحانه وتعالى أن يباشر سبحانه بنفسه في خلق مخلوق من خلقه وينفخ فيه الروح؟ حاشا، بل بين سبحانه أن ذلك كان تكريماً لآدم عليه السلام, قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الاسراء:70)
ومن المعلوم أن القرآن يفسره القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة بالتلقي من محمد صلى الله عليه وسلم، وصاحب الرسالة زعم أن مرجعه في رسالته الكتاب والسنة، فهذا الكتاب والسنة، ذكرنا الآية آنفا، وهذا الحديث يصدق الآية, وهو ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى, فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده, ونفخ فيك من روحه, وأسجد لك ملائكته, وأسكنك جنته؛ أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟! قال آدم: يا موسى! أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه, وأنزل عليك التوراة؛ أتلومني على أمر كتبه الله على قبل أن يخلقني؟! فحج آدم موسى".
جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود (408): (من روحه): الإضافة للتشريف والتخصيص, أي من الروح الذي هو مخلوق ولا يد لأحد فيه.
وفي تحفة الأحوذي، شرح سنن الترمذي (2060) "قوله: (فقال موسى) جملة مبينة لمعنى ما قبلها (يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده) قال القاري: وخصه بالذكر إكراما وتشريفا, وأنه خلقه إبداعا من غير واسطة أب وأم (ونفخ فيك من روحه) الإضافة للتشريف والتخصيص, أي من الروح الذي هو مخلوق ولا يد لأحد فيه.
ومن أقوال المفسيرين في كلمة (روحه) قال الطبري: "القول في تأويل قوله تعالى: {ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}
يقول تعالى ذكره: ثم سوى الإنسان الذي بدأ خلقه من طين خلقا سويا معتدلا, {ونفخ فيه من روحه} فصار حيًّا ناطقا {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} يقول: وأنعم عليكم أيها الناس ربكم بأن أعطاكم السمع تسمعون به الأصوات, والأبصار تبصرون بها الأشخاص والأفئدة, تعقلون بها الخير من السوء, لتشكروه على ما وهب لكم من ذلك.
وقال القرطبي: رجع إلى آدم, أي سوى خلقه "ونفخ فيه من روحه".
وقال ابن كثير: "ثم سواه" يعني آدم لما خلقه من تراب خلقه سويا مستقيما "ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة" يعني العقول "قليلا ما تشكرون"
- لم يقل أحد من المفسرين بأن روحه هو جبريل عليه السلام كما ادعى صاحب الرسالة .
بل جاء التأكيد من الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام على أن الله تعالى هو سبحانه الذي نفخ في آدم الروح لا أحد سواه قال عليه الصلاة والسلام: "لما نفخ الله في آدم الروح, فبلغ الروح رأسه؛ عطس فقال: الحمد لله رب العالمين فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله". صحيح/ السلسلة الصحيحة
أقول لصاحب الرسالة: ءأنت أعلم بالله سبحانه وتعالى أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!! فهو عليه الصلاة والسلام أعلم الخلق بخالقه سبحانه وتعالى, وهو الذي أخبر أن الله تعالى هو الذي نفخ في آدم الروح، فهل يُعقل أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول قولاً وهو لا يدري ما معناه؟ ولو سلمنا جدلاً أن الروح هنا هو جبريل عليه السلام؛ فإن سياق الحديث لا يتناسب لغوياً وكأن الحديث على زعمك هو "لما نفخ الله في آدم جبريل" –هل هذا يصح اعتقادياً هذا هو الحلول بعينه، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
إذاً تبين لنا من سياق ما سبق من الآيات والأحاديث أن الله تعالى نفخ في آدم من روحه أي من الروح التي خلقها سبحانه وتعالى, وهذا تشريفٌ لآدم عليه السلام, وليس كما زعم صاحب الرسالة. فهل جبريل خالق أم مخلوق؟!!
والمَلَك الذي وكَّله الله بالأرحام؛ هل ينفخ في الرحم جبريل عليه السلام ؟!! ما هذا الهراء، فهو ينفخ فيه الروح التي خلقها الله تعالى لكل مخلوق قُدِّر له الحياة.
وقاس أيضاً صاحب الرسالة أن خَلْقَ عيسى عليه السلام كخلق آدم خلقه بقوله كن فيكون، نافياً أن الله تعالى خلقه بيده، جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران 59)
قال رحمه الله: " دليل على صحة القياس. والتشبيه واقع على أن عيسى خلق من غير أب كآدم, لا على أنه خلق من تراب. والشيء قد يُشَبَّه بالشيء وإن كان بينهما فرق كبير, بعد أن يجتمعا في وصف واحد; فان آدم خلق من تراب ولم يخلق عيسى من تراب, فكان بينهما فرق من هذه الجهة, ولكن شبه ما بينهما أنهما خلقهما من غير أب; ولأن أصل خلقتهما كـان من تراب لأن آدم لم يخلق من نفس التراب, ولكنه جعل التراب طينا, ثم جعله صلصالا ثم خلقه منه, فكذلك عيسى حوله من حال إلى حال, ثم جعله بشرا من غير أب. ونزلت هذه الآية بسبب وفد نجران حين أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن عيسى عبد الله وكلمته) فقالوا: أرنا عبدا خلق من غير أب; فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (آدم من كان أبوه أعجبتم من عيسى ليس له أب؟ فآدم عليه السلام ليس له أب ولا أم). فذلك قوله تعالى: "ولا يأتونك بمثل " أي في عيسى "إلا جئناك بالحق" في آدم "وأحسن تفسيرا" [الفرقان: 33] " .
وتصديقاً لما أورده ابن كثير ، قال عليه الصلاة والسلام " لما صور الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام تركه فجعل إبليس يطوف به ينظر إليه فلما رآه أجوف قال ظفرت به خلق لا يتمالك.] وأخرجه مسلم.
ودليل آخر أيضاً من السلف الذي يزعم صاحب الرسالة أنه ينتمي إليهم, جاء عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: " خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وآدم وجنة عدن ثم قال لسائر الخلق: كن فكان". صحيح مختصر العلو.
ما ذا تفهم يا صاحب الرسالة من هذا الحديث؟؟
ورحم الله تعالى ابن عثيمين حيث قال: " الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لا سيما نصوص الصّفات حيث لا مجال للرأي فيها, ودليل ذلك: السمع، والعقل.
أما السمع: فقوله تعالى: [نزل به الرُّوح الأمِينُ.على قلبك لتكون من المنْذِرين. بلسانٍ عربيٍ مُبِين]. وقوله: [إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون]. وقوله: [إنا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون] وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: [أَفَتطمعُون أن يُؤمنُوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام الله ثم يُحَرِّفُونَه من بعدما عَقَلوه وهم يعلمون]. وقال تعالى: [من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا].
وأما العقل: فلأن المتكلّم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا اختلفت الآراء وتفرّقت الأمة.
القاعدة الثالثة: ظواهر نصوص الصّفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
وقد دلّ على ذلك: السّمع والعقلُ.
وأما السمع فمنه قوله تعالى: [كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب]. وقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون}. وقوله ـ جل ذكره ـ: {وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
والتدبر لا يكون إلا فيما يمكن الوصول إلى فهمه، ليتذكّر الإنسان بما فهمه منه.
وكون القرآن عربيّاً ليعقله من يفهم العربية يدل على أن معناه معلوم وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها.
فهؤلاء الذين يؤولون صفات الله تعالى يتهمون الله والعياذ بالله بالسَّفه وعدم الحكمة حيث - حاشاه تعالى- أن ينزل علينا قرآناً لانفهمه ومثل ذلك كمثل رجل أعجمي جاء إلى جزيرة العرب فخاطبهم بلسانه الأعجمي من الصباح إلى الظهر، ثم من الظهر إلى العصر ثم من العصر إلى المغرب وهم لايفهمون كلامه، فهل هذا حكمة منه أم سفه.
وبيان النبي صلى الله عليه وسلم القرآن للناس شامل لبيان لفظه وبيان معناه.
وأما العقل فلأن من المحال أن ينزل الله تعالى كتاباً أو يكلّم رسوله صلى الله عليه وسلم، بكلام يقصد بهذا الكتاب وهذا الكلام أن يكون هداية للخلق، ويبقى في أعظم الأمور وأشدّها ضرورة مجهول المعنى، بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم منها شيء لأن ذلك من السفة الذي تأباه حكمة الله تعالى, وقد قال الله تعالى عن كتابه: {كتاب أُحْكِمَت آيَاتُه ثم فُصّلَتْْ من لدن حكيم خبير}.
هذه دلالة: السمع، والعقل، على علمنا بمعاني نصوص الصفات.
وأما دلالتهما على جهلنا لها باعتبار الكيفية، فقد سبقت في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
وبهذا علم بطلان مذهب المفوضة الذين يُفَوِّضُون علم معاني نصوص الصّفات، ويدعون أن هذا مذهب السلف.
والسَّلفُ بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحياناً وتفصيلاً أحياناً وتفويضهم الكيفية إلى علم الله ـ عزّ وجلّ ـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه المعروف بـ"العقل والنقل" ص116 جـ1 المطبوع على هامش (منهاج السنة): وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإِعراض عن فهمه ومعرفته وعقله إلى أن قال (ص118): وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه, بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه قال: ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء, إذ كان الله أنزل القرآن, وأخبر أنه جعله هدى وبياناً للناس, وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين, وأن يبين للناس ما نزل إليهم, وأمر بتدبر القرآن وعقلِه، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرّب عن صفاته.. لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بيّن للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك, لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سدًّا لباب الهُدَى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء, لأننا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون, فضلاً عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ... أهـ كلام الشيخ وهو كلام سديد، من ذي رأي رشيد، وما عليه مزيد ـ رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم. – من فتاوى اللجنة الدائمة-
وسيأتي في سياق هذه الرسالة إن شاء الله من أقوال الأئمة الأعلام في إثبات الصفات لله تعالى ونفي الكيفية.
إذاً قد بينا وبحمد الله بطلان ما ذهب إليه صاحب الرسالة في عملية الخلق والنفخ لآدم ونسبتها لجبريل، وقد أثبتناها لله سبحانه تعالى.
* ويقول صاحب الرسالة: " ولما كلم اللهسيدنا موسى مباشرة من وراء حجاب دون واسطة؛ أكدها الله بالمفعول المطلق المؤكد للفعل في الآية (وكلم الله موسى تكليماً)...سورة النساء/164 في دلالة علي اختصاص سيدناموسى بهذه الخصوصية لذلك سمى سيدنا موسى (الكليم) أي(كليم الله من الرسل)وهذهخصوصية لسيدنا موسى لم ينلها أحد!
إذاً هو ينفي كلام الله مباشرة مع أحد غير موسى عليه السلام، ولو سلمنا جدلاً بذلك، ألا يكفي ذلك دليلاً يا صاحب الرسالة! أن الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه صفة الكلام والتي تعطلها أنت بتعطيلك لمعناها ؟!
نأتي إلى شرح الآية من كتاب شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين رحمه الله: قوله:]وكلم الله موسى تكليماً[ {النساء:164}.
]الله[: فاعل ؛ فالكلام واقع منه.
]تكليماً[: مصدر مؤكد، والمصدر المؤكِّد بكسر الكاف-؛ قال العلماء: إنه ينفي احتمال المجاز. فدل على أنه كلام حقيقي؛ لأن المصدر المؤكد ينفي احتمال المجاز.
أرأيت لو قلت: جاء زيد. فيفهم أنه جاء هو نفسه، ويحتمل أن يكون المعنى جاء خبر زيد، وإن كان خلاف الظاهر، لكن إذا أكدت فقلت: جاء زيد نفسه. أو: جاء زيد. انتفى احتمال المجاز.
فكلام الله عز وجل لموسى كلام حقيقي، بحرف وصوت سمعه، ولهذا جرت بينهما محاورة؛ كما في سورة طه وغيرها.
وقال تعالى: ]منهم من كلم الله[ {البقرة:253}.
]منهم[ ؛أي: من الرسل
]من كلم الله[: الاسم الكريم ]الله[ فاعل كلم، ومفعولها محذوف يعود على ]مَن[، والتقدير: كلمه الله.
وقوله تعالى: ]ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه[ . {الأعراف:143}.
أفادت هذه الآية أن الكلام يتعلق بمشيئته، وذلك لأن الكلام صار حين المجيئ، لا سابقاً عليه، فدل هذا على أن كلامه يتعلق بمشيئته. فيبطل به قول من قال: إن كلامه هو المعنى القائم بالنفس، وإنه لا يتعلق بمشيئته؛ كما تقوله الأشاعرة. وفي هذه الآية إبطال زعم من زعم أن موسى فقط هو الذي كلم الله ، وحرف قوله تعالى: ]وكلم الله موسى تكليماً[ إلى نصب الاسم الكريم؛ لأنه في هذه الآية لا يمكنه زعم ذلك ولا تحريفها.
وقوله تعالى: ]وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا[.{مريم:52}. ]وناديناه[: ضمير الفاعل يعود إلى الله، وضمير المفعول يعود إلى موسى؛ أي: نادى الله موسى.
]نجياً[: حال، وهو فعيل بمعنى مفعول؛ أي: مناجي. والفرق بين المناداة والمناجاة أن المناداة تكون للبعيد، والمناجاة تكون للقريب وكلاهما كلام.
وكون الله عز وجل يتكلم مناداة ومناجاة داخل في قول السلف: "كيف شاء". فهذه الآية مما يدل على أن الله يتكلم كيف شاء مناداة كان الكلام أو مناجاة.
وقوله تعالى: ]وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين[ {الشعراء:10}. ]وإذ نادى[؛ يعني: واذكر إذ نادى. والشاهد قوله: ]ربك موسى[ : فسر النداء بقوله: ]أن ائت القوم الظالمين[.
فالنداء يدل على أنه بصوت، و ]أن ائت القوم الظالمين[: يدل على أنه بحرف.
وقوله تعالى: ]وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة[ {الأعراف:22}. ]وناداهما[: ضمير المفعول يعود على آدم وحواء. ]ألم أنهكما عن تلكما الشجرة[: يقرر أنه نهاهما عن تلكما الشجرة ، وهذا يدل على أن الله كلمهما من قبل، وأن كلام الله بصوت وحرف، ويدل على أنه يتعلق بمشيئته؛ لقوله: ]ألم أنهكما[؛ فإن هذا القول بعد النهي، فيكون متعلقاً بالمشيئة.
وهذه الآيات تدل بمجموعها على أن الله يتكلم بكلام حقيقي، متى شاء، بما شاء، بحرف وصوت مسموع، لا يماثل أصوات المخلوقين. وهذه هي العقيدة السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة. انتهى كلامه رحمه الله .
وبالإضافة إلى ما قاله الشيخ رحمه الله؛ فأنا أسأل صاحب الرسالة: إذا كان الله تعالى لم يكلم أحداً إلا موسى عليه السلام؛ فمن كان الواسطة بين الله تعالى وجبريل عليه السلام, يأمره بأمر الله بالوحي, وبإنزال الكتب السماوية, والتشريعات الربانية, إلى من اصطفاهم من أنبيائه ورسله؟!! وإذا كان الجواب بالنفي وهو الصحيح ،فالسؤال المطروح هنا لصاحب الرسالة: فكيف عَلِم جبريل عليه السلام مراد الله تعالى بما سيوحيه إلى رسله وأنبيائه, وغير ذلك مما يتعلق بالمشيئة, والسنن التي قضاها سبحانه على خلقه, إذا كان الله سبحانه لم يكلمه؟
فالجواب لا يخرج من هذه الثلاث:
1-فإما جبريل عليه السلام يعلم ما في ذات الله تعالى ومراده سبحانه, فأوحى بما علم, وهذا كفر لمن اعتقده لأن الله تعالى قال في محكم التنزيل: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} (البقرة:من الآية255) فحاشا لله تعالى أن مخلوقاً ما يعلم ما في نفس الله, ولهذا قال عيسى عليه السلام كما أخبرنا سبحانه وتعالى عنه:ُ [تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (المائدة:116)سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم
2-وإما أن يكون جبريل عليه السلام يحدث عن الله بغير علم، وكيف يعلم إذا لم يكلمه الله تعالى؟ وهذا أيضاً كفر لمن اعتقده لأن ذلك لا يليق بهم كونهم عباداً مخلصين لله لا يعصون الله ما أمرهم، قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: من الآية6) وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الانبياء: 26- 27)
2-3- وإما أن يخاطبه سبحانه ويكلمه بما شاء لمن شاء متى شاء، وهذا الصحيح الذي يليق به سبحانه فله صفات الكمال وليس كمثله شيء وهو على ما يشاء قدير .
وبالإضافة إلى ما سبق لم يكن موسى وحده من كلمه الله تعالى من أنبيائه, حيث جاء عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله! أي الأنبياء كان أول؟ قال: (آدم.) قلت: يا رسول الله! ونبيٌّ كان؟ قال: (نعم نبي مَُكلَّم.) قلت: يا رسول الله! كم المرسلون؟ قال: (ثلاثمائة وبضع عشر جما غفيرا.) صحيح انظر مشكاة المصابيح، الشاهد: لم يقتصر جواب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أن آدم كان نبيًّا؛ بل وأكَّد له أنه كان مُكَلَّم، علماً أن النبوة تُبشر بالوحي, وهو بإرسال جبريل عليه السلام لمن أصطفاه الله من خلقه، ولكن لما كلمه الله تعالى مباشرة فأصبح نبيًّا مُكلَّمًا.
بل ومن خلق الله من كلَّمه الله كفاحاً أي دون حجاب ، قال عليه الصلاة والسلام لجابر: "يا جابر! ألا أبشرك بما لقي الله به أباك؛ ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب, وكلم أباك كفاحا, فقال: يا عبدي تَمَنَّ عليَّ أُعطِك. قال: يا رب! تحييني فأقتل فيك ثانية. فقال الرب تبارك وتعالى: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب! فأبلغ من ورائي." الترمذي صحيح
فالحديث أيضاً شاهد على أن الله تعالى كلَّم غير موسى وآدم ووالد جابر, والشاهد قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: "ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب"
- يا صاحب الرسالة! (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) وإلا (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) -
* يقول صاحب الرد الجميل في الفقرة الثالثة: "أسماء الله الحسنى الأربعة (الأول والآخر والظاهر والباطن) تأويل النبي صلى الله عليه وسلم لها بقوله: " أنت الأول فليس قبلك شيء, وأنت الآخر فليس بعدك شيء, وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء" صحيح أبي داود.
يقول صاحب الرسالة: وهذه الأسماء الأربعة تؤكد أنه لا وجود أحكام مطلقاً للزمان والمكان مع صفات ذات المولى عز وجل, لأن الزمان مخلوق, والمكان كذلك (ليس فوقك وليس دونك معنيان متقابلان) وأحكام المخلوقات لا تقع على الخالق، بمعنى أن ظهور أي حكم لمكان أو زمان في أي صفة وردت في الكتاب والسنة, فذلك دليل على أن هذه الصفة ليست صفة ذات لله (ولكن صفة منسوبة له؛ كروح الله وهو جبريل, وكذلك في الأفعال التي نسبت إلى الله لأنه هو الآمر بها .. أهـ
* يا صاحب الرسالة! أما الفقرة الأخيرة قد فندناها وأبطلنا ما ذهبت إليه من التأويل والحمد لله، أما الفقرة الأولى فاستمع لقول العلامة ابن عشيمين في شرح العقيدة الوسطية، يقول رحمه الله: "[الأول والآخر والظاهر والباطن]: هذه أربعة أسماء, كلها متقابلة في الزمان والمكان، تفيد إحاطة الله سبحانه وتعالى بكل شيء أولاً وآخراً وكذلك في المكان, ففيه الإحاطة الزمانية والإحاطة المكانية.
[الأول]: فسره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: "الذي ليس قبله شيء".
وهنا فسر الإثبات بالنفي فجعل هذه الصفة الثبوتية صفة سلبية، وقد ذكرنا فيما سبق أن الصفات الثبوتية أكمل وأكثر، فلماذا؟
فنقول: فسرها النبي بذلك، لتوكيد الأولية، يعني أنها مطلقة، أولية ليست أولية إضافية، فيقال: هذا أول باعتبار ما بعده وفيه شيء آخر قبله، فصار تفسيرها بأمر سلبي أدل على العموم باعتبار التقدم الزمني.
[والآخر]: فسره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: "الذي ليس بعده شيء"، ولا يتوهم أن هذا يدل على غاية لآخريته، لأن هناك أشياء أبدية وهي من المخلوقات، كالجنة والنار، وعليه فيكون معنى [الآخر] أنه محيط بكل شيء، فلا نهاية لآخريته.
[والظاهر]: من الظهور وهو العلو، كما قال تعالى: [هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله] [التوبة: 33]، أي: ليعليه، ومنه ظهر الدابة لأنه عال عليها، ومنه قوله تعالى: [فما اسطاعوا أن يظهروه] [الكهف: 97]، أي يعلوا عليه، ) وقوله تعالى {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }(الزخرف: من الآية 33 أي: يرتفعون ويعلون.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام في تفسيرها: "الذي ليس فوقه شيء"، فهو عال على كل شيء.
[والباطن]: فسره النبي عليه الصلاة والسلام قال: "الذي ليس دونه شيء" وهذا كناية عن إحاطته بكل شيء، فلا يكون دونه شيء، لا جبل ولا سقف ولا ماء ولا شجر ولا شيء فهو واصل لكل شيء سبحانه وتعالى.

ولكن المعنى أنه مع علوه عز وجل، فهو باطن، فعلوه لا ينافي قربه عز وجل، فالباطن قريب من معنى القريب.
-وتأمل معي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنت الباطن فليس دونك شيء" ولم يقل: "فليس تحتك شيء" والمعنى كما أسلفنا: "ليس دون الله شيءٌ"، لا أحد يدبر دون الله، ولا أحد يخفى على الله، كل شيء فالله محيط به، ولهذا قال: "ليس دونك شيء" يعني لا يحول دونك شيء, ولا يمنع دونك شيء, ولا ينفع ذا الجد منك الجد ... وهكذا.
تأمل هذه الأسماء الأربعة، تجد أنها متقابله، وكلها خبر عن مبتدأ واحد, لكن بواسطة حرف العطف, والأخبار بواسطة حرف العطف أقوى من الأخبار بدون واسطة حرف العطف، فمثلاً: [وهو الغفور الودود* ذو العرش المجيد* فعال لما يريد] [البروج: 14-16]: هي أخبار متعددة بدون حرف العطف, لكن أحياناً تأتي أسماء الله وصفاته مقترنة بواو العطف وفائدتها:
أولاً: توكيد السابق، لأنك إذا عطفت عليه، جعلته أصلاً، والأصل ثابت.
ثانياً: إفادة الجمع ولا يستلزم ذلك تعدد الموصوف، أرأيت قوله تعالى: [سبح اسم ربك الأعلى* الذي خلق فسوى* والذي قدر فهدى] [الأعلى: 1-3] فالأعلى الذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى.
فإذا قلت: المعروف أن العطف يقتضي المغايرة.
فالجواب: نعم، لكن المغايرة تارة تكون بالأعيان، وتارة تكون بالأوصاف، وهذا تغاير أوصاف، على أن التغاير قد يكون لفظياً غير معنوي مثل قول الشاعر:

فألقى قولها كذباً ومينا
فالمين هو الكذب, ومع ذلك عطفه عليه، لتغاير اللفظ والمعنى واحد، فالتغاير إما عيني أو معنوي أو لفظي فلو قلت: جاء زيد وعمرو وبكر وخالد، لاتغاير عيني، لو قلت: جاء زيد الكريم والشجاع والعالم، فالتغاير معنوي، ولو قلت: هذا الحديث كذب مين، فالتغاير لفظي.
واستفدنا من هذه الآية الكريمة إثبات أربعة أسماء لله، وهي الأول والآخر والظاهر والباطن.
واستفدنا منها خمس صفات: الأولية، والآخرية، والظاهرية، والباطنية وعموم العلم.
واستفدنا من مجموع الأسماء: إحاطة الله تعالى بكل شيء زمناً ومكاناً، لأنه قد يحصل من اجتماع الأوصاف زيادة صفة. انتهى كلامه رحمه الله.

وإليك أخي الموحِّد هذه الآية دليلاً على أنه مع علوه على خلقه؛ فإنه لا تخفى عليه منهم خافية، قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الحديد: 4)
وننتقل إلى الفقرة الثانية حيث يقول صاحب الرسالة:
وذكره الشيخ عبد القاهر بن طاهر التميمى المتوفى فى سنة 429 هـ فى كتابه الفرق بينالفرق صـ 333 فى بيان مذهب أهل السنة, قال الشيخ: "وأجمعوا على أنه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان" إشارة إلى الأسماء الحسنى الأربعة, وروى فى نفس الصفحة قول الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه: "إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته, لا مكاناً لذاته." وقال أيضاً أي الإمام عليّ: "وقد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان".
* الجواب الصحيح " أننا قد بينا ولله الحمد المعنى الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت الظاهر فليس قبلك شيء، وأنت الباطن فليس دونك.." وأبطلنا التأويل الذي ذهب إليه صاحب الرسالة.
أما القول الذي نسبه للصحابي الجليل علي رضي الله عنه فما حقيقته؟
الكلام المذكور مفترى كذب على علي رضي الله عنه، وقد افق أهل العلم بالحديث أنه موضوع مختلقٌ مفترى، وليس هو من شيء من دواوين السنة لا كبارها ولا صغارها، ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد، سواء كان صحيحًا أو ضعيفاً أو مجهولاً، وإنما تكلم بهذه الكلمة متأخرو الجهمية، فتلقاه من هؤلاء الذين وصلوا إلى آخر التجهم، وهو التعطيل والإلحاد .... وهذه المقولة قصد بها المتكلمة الجهمية نفي الصفات التي وصف بها نفسه؛ من استواءه على العرش وغير ذلك ... وهم دائماً يهذون بهذه الكلمة في مجالسهم، وهي أجل عندهم من قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طـه:5)ومن حديث الجارية.
"الكلمات الحسان في بيان علو الرحمـن ص – 227"
*وذهب صاحب الرسالة إلى مذهب خطير وهو مذهب النفاة، حيث يقول: "ولذلك لايظهرفى الذات الإلهية فوق ولا تحت, ولا يمين ولا شمال, ولا أمام ولا خلف, ولازمان, لأنها مخلوقة, وإن لم تحذرمن ذلك أوقعت صفات الخالق سبحانه على وفق أحكام مخلوقاته, وعلى وفق لوازم هذه المخلوقات, وهى متغيرات وهذا قمة الجهل به سبحانه وتعالي, واللهلا يتغير ولا يتحول كما هو العلم".
وكأنه أي صاحب الرسالة؛ تعمد أن يخفي تلك المقولة الخبيثة, وهو قول النفاة المعطلة: "لا يظهر فى الذات الإلهية فوق ولا تحت, ولا يمين ولا شمال, ولا أمام ولا خلف, ولا داخل العالم ولا خارجه.- لأنه إذا قلت أنه داخل العالم فشبهته بالموجودات، وإذا قلت أنه خارج العالم فشبهته بالمعدومات – "
فأنا أسأل كلَّ من له قلب وألقى السمع وهو شهيد؛ أما أنكر صاحب الرسالة وجود الخالق سبحانه وتعالى؟! ولهذا قال شيخ الاسلام ابن تيمية وليعلم أن القول بالتفويض ـ من شر أقوال أهل البدع والإلحاد!
عندما يسمع الإنسان التفويض، يقول: هذا جيد، أسلم من هؤلاء وهؤلاء، لا أقول بمذهب السلف، ولا أقول بمذهب أهل التأويل، أسلك سبيلاً وسطاً وأسلم من هذا كله، وأقول: الله أعلم ولا ندري ما معناها. لكن يقول شيخ الإسلام: هذا من شر أقوال أهل البدع والإلحاد‍ " مجموع الفتاوى"
قال ابن عثيمين في شرح الأصول: "وصدق رحمه الله. وإذا تأملته وجدته تكذيباً للقرآن وتجهيلاً للرسول واستطالة للفلاسفة."
وقال ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية: "
إن نفيكم للجهة يستلزم نفي الرب عز وجل، إذ لا نعلم شيئاً لا يكون فوق العالم ولا تحته ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، إلا العدم، ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا صفوا الله بالعدم ما وجدنا أصدق وصفاً للعدم من هذا الوصف.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في التدميرية (ص 41)
قول بعض غلاة النفاة للعلو: (الله لا فوق لا تحت, ولا يمين ولا يسار, ولا أمام ولا خلف, لا داخل العالم ولا خارجه) ويزيد بعض فلاسفتهم : (لا متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه) قلت: وهذا النفي معناه - كما هو ظاهر- أن الله غير موجود, وهذا هو التعطيل المطلق, والجحد الأكبر, تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً. وما أحسن ما قال محمود بن سبكتكين لمن وصف الله بذلك: ميِّز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم !!!
* قال صاحب الرسالة: "رابعاً: عدم الإذن في الكلام بالمتشابه, ولذلك فإنالذي يتكلم في المتشابه (اليد والقدم وغيرها) فإنه خالف القرآن والسنة وإجماع القرون الخيرية مرتين, المرة الأولى حين يزعم أن القرآن ليس فيه متشابه. والمرة الثانية: حين جعل من ســياق "وهو السميع البصير" سياق إثبات لصفتين, وكذلك كسر إجماع الأمة على السكوت عن الكلام في المتشابه, وكفى بمخالفة أوامر الكتاب والسنة, التي هي مرجع أي خلاف *.
- فهو يزعم - أي صاحب الرسالة - أن الأمة أجمعت على أن صفات الله التي وردت في القرآن من المتشابه ،- حيث ذكر ( اليد والقدم وغيرها ، وكذلك السمع والبصر ) فجعلها من المتشابه ، لنرى هل هذا صحيحاً ؟
وكذلك افترى كذباً على سلف الأمة وعلمائها بادعائه أنهم يقولون أن القرآن ليس فيه متشابه ، لنرى ! ولنرى أقوال سلف الأمة في المتشابه ! -
قال ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية إن هذا تكذيب للقرآن، لأن الله يقول: ]ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء[ [النحل: 89]، وأي بيان في كلمات لا يدرى ما معناها؟‍ وهي من أكثر ما يرد في القرآن، وأكثر ما ورد في القرآن أسماء الله وصفاته، إذا كنا لا ندري ما معناها، هل يكون القرآن تبياناً لكل شيء؟‌‍ أين البيان؟ إن هؤلاء يقولون: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري عن معاني القرآن فيما يتعلق بالأسماء والصفات وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري، فغيره من باب أولى.
وأعجب من ذلك يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم في صفات الله، ولا يدري ما معناه يقول: "ربنا الله الذي في السماء ، وإذا سئل عن هذا؟ قال: لا أدري وكذلك في قوله: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" وإذا سئل ما معنى "ينزل ربنا"؟ قال: لا أدري.... وعلى هذا، فقس.
وهل هناك قدح أعظم من هذا القدح بالرسول بل هذا من أكبر القدح رسول من عند الله ليبين للناس وهو لا يدري ما معنى آيات الصفات وأحاديثها وهو يتكلم بالكلام ولا يدري معنى ذلك كله.
فهذان وجهان: تكذيب بالقرآن وتجهيل الرسول. وفيه فتح الباب للزنادقة الذين تطاولوا على أهل التفويض، وقال: أنتم لا تعرفون شيئاً، بل نحن الذين نعرف، وأخذوا يفسرون القرآن بغير ما أراد الله، وقالوا: كوننا نثبت معاني للنصوص خير من كوننا أميين لا نعرف شيئاً وذهبوا يتكلمون بما يريدون من معنى كلام الله وصفاته!! ولا يستطيع أهل التفويض أن يردوا عليهم، لأنهم يقولون: نحن لا نعلم ماذا أراد الله، فجائز أن يكون الذي يريد الله هو ما قلتم! ففتحوا باب شرور عظيمة، ولهذا جاءت العبارة الكاذبة: "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"!.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "هذه قالها بعض الأغبياء" وهو صحيح، أن القائل غبي. هذه الكلمة من أكذب ما يكون نطقاً ومدلولاً، "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"، كيف تكون أعلم وأحكم وتلك أسلم؟! لا يوجد سلامة بدون علم وحكمة أبداً! فالذي لا يدري عن الطريق، لا يسلم، لأنه ليس معه علم، لو كان معه علم وحكمة، لسلم، فلا سلامة إلا بعلم وحكمة. إذا قلت: إن طريقة السلف أسلم، لزم أن تقول: هي أعلم وأحكم وإلا لكنت متناقصاً.
إذاً، فالعبارة الصحيحة: "طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم"، وهذا معلوم.
* يا صاحب الرسالة هل آيات الصفات من المتشابه ؟ يا أخي ألا تستحيي من نفسك عندما تتهجم على عملاق من عمالقة السلف وهو إمام الأئمة ابن خزيمة المتوفي " 311 هـ " وما قاله في الأسماء والصفات إلا كما قال السلف الصالح ، استناداً لما أنزله صاحب صفات الكمال سبحانه ، منتهجاً بذلك لأعلم الخلق بربه وهو الرسول عليه الصلاة والسلام ، يا صاحب الرسالة إني أراك من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، وممن يتشدق بالقول ويلوي باللسان ، ويحرف الكلام حتى يتمشى مع الهوى الذي تحمله بين أضلاعك . والذي حملك على هذا التهجم على أسيادك لا لشيء إلا لأن كلامهم كان كالبرق الصاعق عليك وعلى أمثالك المفوضة لمعاني الصفاة ، وأخص قول ابن خزيمة حيث قال رحمه الله " من لم يقر بأن اللّه على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته، فهو كافر بربه ، حلال الدم يستتاب‏,‏ فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وألقى على بعض المزابل‏ حيث لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته ، وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين إذ المسلم لا يرث الكافر " معرفة علوم الحديث (ص84) للحاكم النايسبوري وصححه شيخ الاسلام في الحموية .‏
وقبل أن أدحض قولك وآتيك بالدليل على إثبات معاني الصفات لله تعالى وتفويض الكيفية من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة ، سأنقل لك بعض ما قاله سلف هذه الأمة في المتشابه والذي تدعي أنك تنتمي إليهم :
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث " عن عائشة قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) وقرأ إلى ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) . قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيت) وعند مسلم (رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم.)
قال الحافظ: قال أبو البقاء: أصل المتشابه أن يكون بين اثنين , فإذا اجتمعت الأشياء المتشابهة كان كل منها مشابها للآخر فصح وصفها بأنها متشابهة , وليس المراد أن الآية وحدها متشابهة في نفسها .
وأما قوله : ( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ) قال الطبري: قيل: إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى , وقيل: في أمر مدة هذه الأمة , والثاني أولى, لأن أمر عيسى قد بينه الله لنبيه فهو معلوم لأمته , بخلاف أمر هذه الأمة فإن علمه خفى عن العباد . وقال غيره : المتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة , وخروج الدجال , والحروف المقطعة في أوائل السور . وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخرى غير هذه نحو العشرة ليس هذا موضع بسطها , وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب وذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي أن الأخير هو الصحيح عندنا , وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال والمختار على طريقة أهل السنة , وعلى القول الأول جرى المتأخرون والله أعلم .- أي نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسي وليس كما يدعي صاحب الرسالة أنها نزلت في الصفات لله تعالى –
وقال الطيبي : المراد بالمحكم ما اتضح معناه , والمتشابه بخلافه ,
* جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود :
قال الخازن في تفسيره: ......... { وأخر } : جمع أخرى { متشبهات } : يعني أن لفظه يشبه لفظ غيره ومعناه يخالف معناه . فإن قلت : قد جعله هنا محكما ومتشابها وجعله في موضع آخر كله محكما فقال في أول هود { الر كتاب أحكمت آياته } : وجعله في موضع آخر كله متشابها فقال تعالى في الزمر: { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } فكيف الجمع بين هذه الآيات . قلت : حيث جعله كله محكما أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل , وحيث جعله كله متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضا في الحسن والحق والصدق , وحيث جعله هنا بعضه محكما وبعضه متشابها فقد اختلفت عبارات العلماء فيه , فقال ابن عباس رضي الله عنه إن الآيات المحكمة هي الناسخ والمتشابهات هي الآيات المنسوخة , وبه قال ابن مسعود وقتادة والسدي . وقيل : إن المحكمات ما فيه أحكام الحلال والحرام , والمتشابهات ما سوى ذلك يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا . وقيل : إن المحكمات ما أطلع الله عباده على معناه , والمتشابه ما أستأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته , نحو الخبر عن أشراط الساعة مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها وفناء الدنيا وقيام الساعة , فجميع هذا مما استأثر الله بعلمه . وقيل : إن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا , والمتشابه ما يحتمل أوجها , وروي ذلك عن الشافعي . وقيل : إن المحكم سائر القرآن والمتشابه هي الحروف المقطعة في أوائل السور . قال ابن عباس : إن رهطا من اليهود منهم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما, أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له حيي: بلغنا أنك أنزل عليك "ألم" فأنشدك الله أأنزلت عليك ؟ قال: (نعم). قال: إن كان ذلك حقا؛ فإني أعلم مدة ملك أمتك, هي إحدى وسبعون سنة, فهل أنزل عليك غيرها ؟ قال: (نعم المص), قال: فهذه أكثر هي إحدى وستون ومائة فهل أنزل عليك غيرها ؟ قال: (نعم الر), قال: هذه أكثر هي مائتان وإحدى وثلاثون سنة فهل من غيرها ؟ قال: (نعم المر), قال: هذه أكثر هي مائتان وإحدى وسبعون سنة, ولقد اختلط علينا, فلا ندري أبكثيره نأخذ أم بقليله, ونحن ممن لا يؤمن بهذا, فأنزل الله هذه الآية قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} قاله الخازن في تفسيره.
- تمعن وتفكر وانظر يا صاحب الرسالة! في أقوال أئمة السلف في المتشابه، هل ذكر واحد منهم أن المتشابه هي معاني الصفات؟!!
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة فقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس رضي الله عنهما:المحكمات ناسخهُ, وحلاله وحرامه, وأحكامه وما يؤمر به ويعمل به. عن سعيد بن جبير به قال: أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية "هن أم الكتاب وأخر متشابهات" فقال أبو فاختة: فواتح السور. وقال يحيى بن يعمر:الفرائض والأمر والنهي والحلال والحرام. وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير: "هن أم الكتاب" لأنهن مكتوبات في جميع الكتب, وقال مقاتل بن حيان: لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن. وقيل في المتشابهات: المنسوخة, والمقدم والمؤخر, والأمثال فيه, والأقسا, وما يؤمن به ولا يعمل به. رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقيل: هي الحروف المقطعة في أوائل السور. قاله مقاتل بن حيان. وعن مجاهد: المتشابهات يصدق بعضهـا بعضا, وهذا إنما هو في تفسير قوله: "كتابا متشابها مثاني" هناك ذكروا أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد, والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين, كصفة الجنة وصفة النار, وذكر حال الأبرار وحال الفجار ونحو ذلك.
وقال في قوله تعالى: {فيتبعون ما تشابه منه}: أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة, وينزلوه عليها, لاحتمال لفظه لما يصرفونه. احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله, وكلمته ألقاها إلى مريم, وروح منه، وتركوا الاحتجاج بقوله: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} وبقوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} وغير ذلك من الآيات المحكمة, المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله تعالى, وعبد ورسول من رسل الله.. انتهى
قال الزجاج: المعنى (وما يعلم تأويله إلا الله): يعني تأويل المتشابه, وقيل: لا يعلم انقضاء ملك هذه الأمة إلا الله تعالى, لأن انقضاء ملكها مع قيام الساعة, ولا يعلم ذلك إلا الله. وقيل: يجوز أن يكون للقرآن تأويل استأثره الله بعلمه, ولم يطلع عليه أحدا من خلقه, كعلم قيام الساعة, ووقت طلوع الشمس من مغربها, وخروج الدجال, ونزول عيسى بن مريم, وعلم الحروف المقطعة, وأشباه ذلك مما استأثر الله بعلمه, فالإيمان به واجب, وحقائق علومه مفوضة إلى الله تعالى, وهذا قول أكثر المفسرين, وهو مذهب عبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية عنه, وأبي بن كعب وعائشة وأكثر التابعين.
* وجاء في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي نحو ما سبق.
* قال القرطبي: "خرج مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم ريغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه؛ فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم). وعن أبي غالب قال: كنت أمشي مع أبي أمامة وهو على حمار له, حتى إذا انتهى إلى درج مسجد دمشق فإذا رءوس منصوبة; فقال: ما هذه الرءوس؟ قيل: هذه رءوس خوارج يجاء بهم من العراق, فقال أبو أمامة: (كلاب النار, كلاب النار, كلاب النار, شر قتلى تحت ظل السماء, طوبى لمن قتلهم وقتلوه- يقولها ثلاثا- ثم بكى) فقلت: ما يبكيك يا أبا أمامة؟ قال: رحمة لهم, (إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجـوا منه; ثم قرأ: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات...) إلى آخر الآيات. ثم قرأ: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات...) [آل عمران: 105]. فقلت: يا أبا أمامة, هم هؤلاء؟ قال: نعم. قلت: أشيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إني إذا لجريء, إني إذا لجريء! بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة, ولا مرتين ولا ثلاث, ولا أربع ولا خمس, ولا ست ولا سبع, ووضع أصبعيه في أذنيه, قال: وإلا فصمتا - قالها ثلاثا -) ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة, واحدة في الجنة وسائرهم في النار, ولتزيدن عليهم هذه الأمة واحدة, واحدة في الجنة وسائرهم في النار).
اختلف العلماء في المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة; فقال جابر بن عبد الله, وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري وغيرهما: (المحكمات من آيِ القرآن ما عرف تأويله, وفهم معناه وتفسيره, والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل, مما استأثر الله تعالى بعلمه دون خـلقه, قال بعضهم: وذلك مثل وقت قيام الساعة, وخـروج يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى, ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور) قلت: هذا أحسن ما قيل في المتشابه..
* قال شيخ المفسرين الطبري: {متشابهات} فإن معناه: متشابهات في التلاوة, مختلفات في المعنى, كما قال جل ثناؤه: {وأتوا به متشابها} [البقرة: 25] يعني في المنظر: مختلفا في المطعم, وكما قال مخبرا عمن أخبر عنه من بني إسرائيل أنه قال: {إن البقر تشابه علينا} [البقرة: 70] يعنون بذلك: تشابه علينا في الصفة, وإن اختلفت أنواعه.
وقال : قد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {منه آيات محكمات هم أم الكتاب وأخر متشابهات} وما المحكم من آي الكتاب, وما المتشابه منه؟
فقال بعضهم: المحكمات من آي القرآن: المعمول بهن, وهن الناسخات, أو المثبتات الأحكام; والمتشابهات من آيِهِ: المتروك العمل بهن, المنسوخات.
ذكر من قال ذلك: عن ابن عباس قوله: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} المحكمات: ناسخه, وحلاله, وحرامه, وحدوده, وفرائضه, وما يؤمن به, ويعمل به. قال: {وأخر متشابهات} والمتشابهات: منسوخه, ومقدمه, ومؤخره, وأمثاله, وأقسامه, وما يؤمن به, ولا يعمل به.
- وأيضاً عن ابن عباس في قوله: {هو الذي أنزل عليك الكتاب} إلى: {وأخر متشابهات} فالمحكمات التي هي أم الكتاب: الناسخ الذي يدان به ويعمل به; والمتشابهات: هن المنسوخات التي لا يدان بهن.
- وجاء عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} إلى قوله: {كل من عند ربنا} أما الآيات المحكمات: فهن الناسخات التي يعمل بهن; وأما المتشابهات: فهن المنسوخات.
وجاء عن قتادة: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} والمحكمات: الناسخ الذي يعمل به ما أحل الله فيه حلاله وحرم فيه حرامه; وأما المتشابهات: فالمنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن
وجاء عن الربيع: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} قال: المحكمات: الناسخ الذي يعمل به, والمتشابهات: المنسوخ الذي لا يعمل به, ويؤمن به.
وجاء عن الضحاك في قوله: {آيات محكمات هن أم الكتاب} قال: الناسخات, {وأخر متشابهات} قال: ما نسخ وترك يتلى.
وجاء عن الضحاك بن مزاحم, قال: المحكم ما لم ينسخ, وما تشابه منه: ما نسخ.
وقال آخرون: بل المحكم من آي القرآن: ما عرف العلماء تأويله, وفهموا معناه وتفسيره; والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما أستأثر الله بعلمه دون خلقه, وذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم, ووقت طلوع الشمس من مغربها, وقيام الساعة, وفناء الدنيا, وما أشبه ذلك, فإن ذلك لا يعلمه أحد. وقالوا: إنما سمى الله من آي الكتاب المتشابه الحروف المقطعة التي في أوائل بعض سور القرآن من نحو الم, والمص, والمر, والر, وما أشبه ذلك, لأنهن متشابهات في الألفاظ, وموافقات حروف حساب الجمل.
* وكذلك جاء في شرح تحفة الأحوذي نحو ما سبق .
- أتكفيك هذه الأدلة يا صاحب الرسالة أم تريد المزيد؟!! ادبود ىل
0د-ننhj* فَصْــــل في أحوال أهل الضلال والبدع من مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام ابن تيمية ، قال رحمه الله :
وأهل الضلال، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، هم كما قال مجاهد‏:‏ أهل البدع والشبهات؛ يتمسكون بما هو بدعة في الشرع ومشتبه في العقل، كما قال فيهم الإمام أحمد، قال‏:‏ هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يحتجون بالمتشابه من الكلام، ويضلون الناس بما يشبهون عليهم‏.‏
والمفترقة من أهل الضلال تجعل لها دينًا وأصول دين قد ابتدعوه برأيهم، ثم يعرضون على ذلك القرآن والحديث، فإن وافقه احتجوا به اعتضادًا لا اعتمادًا، وإن خالفه؛ فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه, ويتأولونه على غير تأويله, وهذا فعل أئمتهم، وتارة يعرضون عنه، ويقولون‏:‏ نفوّض معناه إلى اللّه، وهذا فعل عامتهم‏.‏
ويجعلون كلام اللّه ورسوله الذي يخالفها من المتشابه الذي لا يعرف معناه إلا اللّه، أو لا يعرف معناه إلا الراسخون في العلم، والراسخون عندهم من كان موافقًا لهم على ذلك القول، وهؤلاء أضل ممن تمسك بما تشابه عليه من آيات الكتاب وترك المحكم، كالنصارى والخوارج، وغيرهم؛ إذ كان هؤلاء أخذوا بالمتشابه من كلام اللّه وجعلوه محكمًا، وجعلوا المحكم متشابهًا‏.‏
وأما أولئك ـ كنفاة الصفات من الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم، وكالفلاسفة ـ فيجعلون ما ابتدعوه هم برأيهم هو المحكم الذي يجب اتباعه، وإن لم يكن معهم من الأنبياء والكتاب والسنة ما يوافقه، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء، وإن كان صريحًا قد يعلم معناه بالضرورة، يجعلونه من المتشابه؛ ولهذا كان هؤلاء أعظم مخالفة للأنبياء من جميع أهل البدع، حتى قال يوسف بن أسباط وعبد اللّه بن المبارك وغيرهما ـ كطائفة من أصحاب أحمد‏:‏ إن الجهمية نفاة الصفات خارجون عن الثنتين وسبعين فرقة، قالوا‏:‏ وأصولها أربعة‏:‏ الشيعة، والخوارج، والمرجئة، والقدرية‏.‏
وقال رحمه الله في المتشابهات قولان‏:‏
أحدهما‏:‏ أنها آيات بعينها تتشابه على كل الناس‏.‏
والثاني ـ وهو الصحيح ـ‏:‏ أن التشابه أمر نسبي، فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره، ولكن ثم آيات محكمات لا تشابه فيها على أحد، وتلك المتشابهات إذا عرف معناها صارت غير متشابهة، بل القول كله محكم، كما قال‏:‏ ‏{‏أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏1‏]‏، وهذا كقوله‏:‏ ‏(‏الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس‏)‏، وكذلك قولهم‏:‏‏{‏إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏70‏]‏‏.‏
وقد صنف أحمد كتابًا في ‏(‏الرد على الزنادقة والجهمية‏)‏ فيما شكت فيه من متشابه القرآن، وتأولوه على غير تأويله، وفسر تلك الآيات كلها وذمهم على أنهم تأولوا ذلك المتشابه على غير تأويله، وعامتها آيات معروفة قد تكلم العلماء في تفسيرها، مثل الآيات التي سأل عنها نافع بن الأزرق ابن عباس‏.‏ قال الحسن البصري‏:‏ ما أنزل اللّه آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت، وماذا عني بها‏.‏
ومن قال من السلف‏:‏ إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا اللّه فقد أصاب أيضًا، ومراده بالتأويل ما استأثر اللّه بعلمه، مثل وقت الساعة، ومجىء أشراطها، ومثل كيفية نفسه، وما أعده في الجنة لأوليائه‏.‏
وكان من أسباب نزول الآية احتجاج النصارى بما تشابه عليهم، كقوله‏:‏ ‏{‏إنَّا‏}‏ و‏{‏نحن‏}‏، وهذا يعرف العلماء أن المراد به الواحد المعظم الذي له أعوان، لم يرد به أن الآلهة ثلاثة، فتأويل هذا الذي هو تفسيره يعلمه الراسخون، ويفرقون بين ما قيل فيه‏:‏ ‏{‏إيَّاي‏}‏ وما قيل فيه‏:‏ ‏{‏إنَّا‏}‏ لدخول الملائكة فيما يرسلهم فيه، إذ كانوا رسله، وأما كونه هو المعبود الإله فهو له وحده؛ ولهذا لا يقول‏:‏ فإيانا فاعبدوا، ولا إيانا فارهبوا، بل متى جاء الأمر بالعبادة والتقوى والخشية والتوكل ذكر نفسه وحده باسمه الخاص، وإذا ذكر الأفعال التي يرسل فيها الملائكة قال‏:‏ ‏{‏إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏1‏]‏، ‏{‏فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏18‏]‏، ‏{‏نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏3‏]‏، ونحو ذلك، مع أن تأويل هذا ـ وهو حقيقة ما دل عليه من الملائكة وصفاتهم وكيفية إرسال الرب لهم ـ لا يعلمه إلا اللّه .

وهذا فيه رد على اليهود والنصارى والصابئين من المتفلسفة وغيرهم، فإنهم ينكرون أن يكون في الجنة أكل وشرب ولباس ونكاح، ويمنعون وجود ما أخبر به القرآن‏.‏ ومن دخل في الإسلام ونافق المؤمنين؛ تأول ذلك على أن هذه أمثال مضروبة, لتفهيم النعيم الروحاني إن كان من المتفلسفة الصابئة المنكرة لحشر الأجساد، وإن كان من منافقة الملتين المقرين بحشر الأجساد؛ تأول ذلك على تفهيم النعيم الذي في الجنة, من الروحاني والسماع الطيب والروائح العطرة.. إلى أن قال ---- وإذا كان التأويل للكتاب كله والمراد به ذلك ارتفعت الشبهة، وصار هذا بمنـزلة قوله‏:‏‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّه‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏187‏]‏، وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏63‏]‏، فأخبر أنه ليس علمها إلا عند اللّه، وإنما هو علم وقتها المعين وحقيقتها، وإلا فنحن قد علمنا من صفاتها ما أخبرنا به‏.‏ فعلم تأويله كعلم الساعة، والساعة من تأويله‏.‏ وهذا واضح بين، ولا ينافى كون علم الساعة عند اللّه أن نعلم من صفاتها وأحوالها ما علمناه، وأن نفسر النصوص المبينة لأحوالها، فهذا هذا‏.‏
وإن كان الضمير عائدًا إلى ما تشابه، كما يقوله كثير من الناس؛ فلأن المخبر به من الوعد والوعيد متشابه بخلاف الأمر والنهي؛ ولهذا في الآثار‏:‏ ‏(‏العمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه‏)‏‏.‏ لأن المقصود في الخبر الإيمان، وذلك لأن المخبر به من الوعد والوعيد فيه من التشابه ما ذكرناه بخلاف الأمر والنهي؛ ولهذا قال بعض العلماء‏:‏ المتشابه‏:‏ الأمثال والوعد والوعيد، والمحكم‏:‏ الأمر والنهي، فإنه متميز غير مشتبه بغيره، فإنه أمور نفعلها قد علمناها بالوقوع، وأمور نتركها لابد أن نتصورها‏.ضًا، قد ثبت أن اتباع المتشابه ليس في خصوص الصفات، بل في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة‏:‏‏(‏يا عائشة، إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سَمَّي اللّهُ فاحذريهم‏)‏‏.‏ وهذا عام‏, ‏وقصة صبيغ بن عَسْل مع عمر بن الخطاب من أشهر القضايا، فإنه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن، حتى رآه عمر، فسأل عمر عن ‏{‏وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏1‏]‏، فقال‏:‏ ما اسمك‏؟‏ قال‏:‏ عبد اللّه صبيغ، فقال‏:‏ وأنا عبد اللّه عمر، وضربه الضرب الشديد، وكان ابن عباس إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس يقول‏:‏ ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ‏.‏
وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام‏:‏‏(‏إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه‏)‏، وكما قال تعالى‏:‏‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏7‏]‏، فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد، كالذي يعارض بين آيات القرآن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك..

إلى أن قال: -- وأما التأويل الذي اختص اللّه به فحقيقة ذاته وصفاته, كما قال مالك‏: والكيف مجهول‏.‏ فإذا قالوا‏:‏ ما حقيقة علمه وقدرته, وسمعه وبصره؟ قيل‏:‏ هذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا اللّه.
وما أحسن ما يعاد التأويل إلى القرآن كله‏.‏ فإذا قيل‏:‏ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس‏:‏ ‏(‏اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل‏)‏‏.‏ قيل‏:‏ أما تأويل الأمر والنهي فذاك يعلمه، واللام هنا للتأويل المعهود، لم يقل‏:‏ تأويل كل القرآن، فالتأويل المنفي هو تأويل الأخبار التي لا يعلم حقيقة مخبرها إلا اللّه،والتأويل المعلوم هو الأمر الذي يعلم العباد تأويله، وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ‏}‏‏[‏الأعراف‏:‏53‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ‏}‏ ‏[‏ يونس‏:‏39‏]‏ فإن المراد تأويل الخبر الذي أخبر فيه عن المستقبل، فإنه هو الذي ‏[‏ينتظر‏]‏ و‏[‏يأتي‏]‏ و ‏[‏لما يأتهم‏]‏‏.‏ وأما تأويل الأمر والنهي فذاك في الأمر، وتأويل الخبر عن اللّه وعمن مضى إن أدخل في التأويل لا ينتظر‏.‏ واللّه ـ سبحانه ـ أعلم وبه التوفيق‏.‏
وتابع الشيخ كلامه حيث قال " فمنهم من قال‏:‏ المتشابه هو المنسوخ، ومنهم من جعله الخبريات مطلقًا، فعن قتادة والربيع والضحاك والسدى‏:‏ المحكم‏:‏ الناسخ الذي يعمل به، والمتشابه‏:‏ المنسوخ يؤمن به ولا يعمل به‏.‏ وكذلك في تفسير العوفي عن ابن عباس‏.‏ وأما تفسير الوالبى عن ابن عباس فقال‏:‏ محكمات‏:‏ القرآن ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، وما يؤمن به، ويعمل به‏.‏ والمتشابهات‏:‏ منسوخه، ومقدمه، ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به‏.‏
أما القـول الأول، فهو ـ والله أعلم ـ مأخوذ من قوله‏:‏ ‏{‏فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 52‏]‏ فقابل بين المنسوخ وبين المحكم، وهو ـ سبحانه ـ إنما أراد نسخ ما ألقاه الشيطان، لم يرد نسخ ما أنزله، لكن هم جعلوا جنس المنسوخ متشابهًا؛ لأنه يشبه غيره في التلاوة والنظم، وأنه كلام الله وقرآن ومعجز وغير ذلك من المعانى، مع أن معناه قد نسخ‏.‏
ومن جعل المتشابه كل ما لا يعمل به من المنسوخ، والأقسام، والأمثال؛ فلأن ذلك متشابه، ولم يؤمر الناس بتفصيله، بل يكفيهم الإيمان المجمل به، بخلاف المعمول به فإنه لابد فيه من

----- وقد روي عن مجاهد وعكرمة‏:‏ المحكم‏:‏ ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك متشابه يصدق بعضه بعضًا‏.‏ فعلى هذا القول يكون المتشابه هو المذكور في قوله‏:‏ ‏{‏كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 23‏]‏، والحلال مخالف للحرام، وهذا على قول مجاهد‏:‏ إن العلماء يعلمون تأويله، لكن تفسير المتشابه بهذا مع أن كل القرآن متشابه، وهنا خص البعض به فيستدل به على ضعف هذا القول‏.‏
وقد قيل‏:‏ إن نصارى نجران احتجوا بقوله‏:‏ ‏{‏بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 39‏]‏، ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 171‏]‏، ولفظ‏:‏ كلمة الله، يراد به الكلام، ويراد به المخلوق بالكلام، ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ يراد به ابتداء الغاية، ويراد به التبعيض‏.‏ فعلى هذا إذا قيل‏:‏ تأويله لا يعلمه إلا الله، المراد به الحقيقة، أي‏:‏ لا يعلمون كيف خلق عيسى بالكلمة، ولا كيف أرسل إليها روحه فتمثل لها بشرًا سويًا، ونفخ فيها من روحه‏.‏

إلى أن قال: فإن معنى الدلائــل الكثيــرة من الكتاب والسنة, وأقوال السلف على أن جميع القرآن مما يمكن علمه وفهمه وتدبره، وهذا مما يجب القطع به، وليس معناه قاطع على أن الراسخين في العلم لا يعلمون تفسير المتشابه، فإن السلف قد قال كثير منهم‏:‏ إنهم يعلمون تأويله، منهم مجاهد ـ مع جلالة قدره ـ والربيع بن أنس، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ونقلوا ذلك عن ابن عباس، وأنه قال‏:‏ أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله‏.‏
وقول أحمد فيما كتبه في الرد على الزنادقة والجهمية، فيما شكت فيه من متشابه القرآن، وتأولته على غير تأويله، وقوله عن الجهمية‏:‏ إنها تأولت ثلاث آيات من المتشابه، ثم تكلم على معناها، دليل على أن المتشابه عنده تعرف العلماء معناه، وأن المذموم تأويله على غير تأويله، فأما تفسيره المطابق لمعناه، فهذا محمود ليس بمذموم، وهذا يقتضي أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل الصحيح للمتشابه عنده، وهو التفسير في لغة السلف؛ ولهذا لم يقل أحمد ولا غيره من السلف‏:‏ إن في القرآن آيات لا يعرف الرسول ولا غيره معناها،
مذهب أهل التأويل في نصوص المعاد: الإيمان بها على حقيقتها من غير تأويل، ولما كان مذهبهم في نصوص الصفات صرفها عن حقائقها إلى معانٍ مجازية تخالف ظاهرها، استطال عليهم أهل التخييل فألزموهم القول بتأويل نصوص المعاد كما فعلوا في نصوص الصفات. فقال أهل التأويل لهم: نحن نعلم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بإثبات المعاد، وقد علمنا فساد الشبهة المانعة منه فلزم القول بثبوته.

وقد قال الشيخ رحمه الله عن طريقة هؤلاء في كتاب ( العقل والنقل) ص 121 ج1: "فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد".
والشبهة التي احتج بها أهل التجهيل هي وقف أكثر السلف على (إلا الله) من قوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا).
وقد بنوا شبهتهم على مقدمتين:
الأولى: أن آيات الصفات من المتشابهة.
الثانية: أن التأويل المذكور في الآية: هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر، فتكون النتيجة أن لآيات الصفات معنى يخالف ظاهرها لا يعلمه إلا الله.
والرد عليهم من وجوه:
الأول: أن نسألهم ماذا يريدون بالتشابه الذي أطلقوه على آيات الصفات؟ أيريدون اشتباه المعنى وخفاءه؟ أم يريدون اشتباه الحقيقة وخفاءها؟
فإن أرادوا المعنى الأول؛ وهو مرادهم فليست آيات الصفات منه, لأنها ظاهره المعنى، وإن أرادوا المعنى الثاني؛ فآيات الصفات منه, لأنه لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله تعالى. وبهذا عرف أنه لا يصح إطلاق التشابه على آيات الصفات, بل لابد من التفصيل السابق.
الثاني: أن قولهم: "إن التأويل المذكور في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر" غير صحيح, فإن هذا المعنى للتأويل اصطلاح حادث لم يعرفه العرب والصحابة, الذين نزل القرآن بلغتهم، وإنما المعروف عندهم أن التأويل يراد به معنيان:
إما التفسير, ويكون التأويل على هذا معلوماً لأولي العلم, كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله" وعليه يحمل وقف كثير من السلف على قوله تعالى: (والراسخون في العلم) من الآية السابقة.
وإما حقيقة الشيء ومآله وعلى هذا يكون تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر غير معلوم لنا، لأن ذلك هو الحقيقة والكيفية التي هو عليها وهو مجهول لنا كما قاله مالك وغيره في الاستواء وغيره، وعليه يحمل وقف جمهور السلف على قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله). من الآية السابقة.
الوجه الثالث: أن الله أنزل القرآن للتدبر، وحثنا على تدبره كله ولم يستثن آيات الصفات، والحث على تدبره يقتضي أنه يمكن الوصول إلى معناه, وإلا لم يكن للحث على تدبره معنى، لأن الحث على شيء لا يمكن الوصول إليه لغو من القول, ينزه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عنه، وهذا - أعني الحث على تدبره كله من غير استثناء- يدل على أن لآيات الصفات معنى يمكن الوصول إليه بالتدبر، وأقرب الناس إلى فهم ذلك المعنى هو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأن القرآن نزل بلغتهم، ولأنهم أسرع الناس إلى امتثال الحث على التدبر, خصوصاً فيما هو أهم مقاصد الدين.
وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن؛ عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما؛ أنهما كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلمنا القرآن، والعلم، والعمل جميعاً. فكيف يجوز مع هذا أن يكونوا جاهلين بمعاني نصوص الصفات التي هي أهم شيء في الدين؟!
الرابع: إن قولهم يستلزم أن يكون الله قد أنزل في كتابه المبين ألفاظاً جوفاء لا يبين بها الحق، وإنما هي بمنزلة الحروف الهجائية والأبجدية، وهذا ينافي حكمة الله التي أنزل الله الكتاب وأرسل الرسول من أجلها.
تنبيه: علم مما سبق أن معاني التأويل ثلاثة:
أحدها: التفسير وهو إيضاح المعنى وبيانه، وهذا اصطلاح جمهور المفسرين ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وهذا معلوم عند العلماء في آيات الصفات وغيرها.
الثاني: الحقيقة التي يؤول الشيء إليها، وهذا هو المعروف من معنى التأويل في الكتاب والسنة كما قال تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله} وقال تعالى: {ذلك خير وأحسن تأويلاً}. فتأويل آيات الصفات بهذا المعنى هو الكنه والحقيقة التي هي عليها، وهذا لا يعلمه إلا الله.
الثالث: صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر. وهو اصطلاح المتأخرين من المتكلمين وغيرهم. وهذا نوعان: صحيح وفاسد:
فالصحيح: ما دل الدليل عليه مثل تأويل قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} إلى أن المعنى إذا أردت أن تقرأ.
والفاسد: ما لا دليل عليه؛ كتأويل استواء الله على عرشه باستيلائه, ويده بقوته ونعمته, ونحو ذلك.
فصل
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "تفسير القرآن على أربعه أوجه:
تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علمه فهو كاذب".
فالتفسير الذي تعرفه العرب من كلامها هو تفسير مفردات اللغة كمعرفة معنى القرء، والنمارق، والكهف ونحوها.
والتفسير الذي لا يعذر أحد بجهالته هو تفسير الآيات المكلف بها اعتقاداً، أو عملاً كمعرفة الله بأسمائه وصفاته، ومعرفة اليوم الآخر، والطهارة، والصلاة، والزكاة وغيرها.
والتفسير الذي يعلمه العلماء هو ما يخفى على غيرهم مما يمكن الوصول إلى معرفته كمعرفة أسباب النزول، والناسخ، والمنسوخ، والعام، والخاص، والمحكم، والمتشابه، ونحو ذلك.
وأما التفسير الذي لا يعلمه إلا الله فهو حقائق ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فإن هذه الأشياء نفهم معناها، لكن لا ندرك حقيقة ما هي عليه في الواقع.
مثال ذلك: أننا نفهم معنى استواء الله على عرشه، ولكننا لا ندرك كيفيته التي هي حقيقة ما هو عليه في الواقع. وكذلك نفهم معنى الفاكهة والعسل، والماء، واللبن، وغيرها مما أخبر الله أنه في الجنة ولكن لا ندرك حقيقته في الواقع كما قال تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء.
وبهذا تبين أن في القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله كحقائق أسمائه وصفاته, وما أخبر الله به عن اليوم الآخر. وأما معاني هذه الأشياء فإنها معلومة لنا, وإلا لما كان للخطاب بها فائدة. والله أعلم.

* إذاً يا صاحب الرسالة ليست آيات الصفات من المتشابه ، لأن ذلك يعد افتراء قبيحا وبهتا صريحا، وكذبا شنيعا، وتقوُّلا فظيعا، وضلالا وإضلالا، وهذا يتبين بالإضافة لما سبق من وجوه :
1- إن الله تعالى قال في كتابه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء:82)
وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24)
وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} (صّ:29)
وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} (المؤمنون:68)
فالله سبحانه وتعالى قد أمر بتدبر القرآن مطلقاً, ولم يستثن من شيئاً لا يتدبر, وما قال: لا تدبروا المتشابه، والتدبر بدون فهم ممتنع" من مجموع الفتاوى" 17/396 "
2- أن الله تعالى وصف القرآن بأنه: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (يونس: من الآية57) ووصفه بقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (المائدة: من الآية15) وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الاسراء: من الآية9) فلما أخبر سبحانه بأن القرآن شفاء، وهدى ورحمة، ونور ومبين، ولم يستثن منه شيئاً؛ دل على أنه كله كذلك، وأنه مما يمكن فهم معناه, وإلا لم تتحقق فيه هذه الصفات. "المصدر السابق"
3- قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف:2)
وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف:3)
فبين سبحانه أنه أنزله عربياً ليعقل معانيه، والعقل لايكون إلا مع العلم بمعانيه.
4- قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} (البقرة:78) ذم الله هؤلاء الذين لا يعرفون الكتاب إلا تلاوة دون فهم معانيه ، كما ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه, من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، قال تعالى:
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} (البقرة:79)
فالجاهل مذموم, والكاذب الذي يحرف الكلم عن مواضعه مذموم أيضاً، والمقصود أن الله نعالى ذم من لا يعرف من كتابه إلا مجرد التلاوة دون فقهه ولا فهم لمعانيه وأن ذلك من خصال اليهود قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} "الاسراء 45-46" وقال تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء: من الآية78) فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضاً؛ لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى. "المصدر السابق "432- 442 "
5- إنه تعالى ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى واتباعه, فقال: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (البقرة:171)
وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} (الفرقان:44)
وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (محمد:16)فمن جعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان غير عالمين بمعاني القرآن؛ جعلهم بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى عليه" مجموع الفتاوى (5/158-159 )
6- قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى} (العنكبوت: من الآية51)وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} (النساء:174)
ولو لم يكن القرآن مفهوماً و معلوما؛ لم يكن كافيا ولم يكن برهانا.
7- قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: من الآية44) إن التفكر طريق إلى العلم, وما لا يمكن العلم به لا يؤمر بالتفكر فيه.
8- قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (لأعراف:3)
وقال تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } (الأنعام: من الآية106) ومعلوم أن اتباع ما أمرهم الله تعالى من الكتاب والحكمة؛ إنما يمكن بعد فهمه وتصور معانيه.
9- قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (البقرة: من الآية213) ومعلوم أن حكم الله بالكتاب أو حكم الكتاب بين المختلفين لا يمكن إلا إذا عرفوا ما حكم به من الكتاب.
10- وقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (فصلت: من الآية44) قال المفسرون: ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لأنكروا ذلك, وقالوا هلا بينت آياته بلغة العرب لنفهمه، أقرآن أعجمي ورسول عربي" تفسير ابن كثير (4/104) طبعة دار الفكر – بيروت
11- إن الله تعالى وصف آيات القرآن بقوله: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود:1)
وقال تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (يونس: من الآية1)وقال تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} (الحجر: من الآية1) وما لا يمكن فهمه فإنه لم يحكم ولم يفصل ولم يبين .
12- إن الله تعالى تحدى العرب بالقرآن ولو لم تكن معانيه معلومة لديهم لم يصح أن يتحداهم به .
13- إن الصحابة والتابعين قد تكلموا في معاني آيات الصفات, بل قد فسروا جميع القرآن وعلموا معانيه.
قال شيخ الاسلام: "فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة قد تكلموا في جميع نصوص القرآن, آيات الصفات وغيرها، وفسروها بما يوافق دلالتها وبيانها، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة توافق القرآن، وأئمة الصحابة في هذا أعظم من غيرهم." مجموع الفتاوى 13/ 307 " .
َ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ! مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؛ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ؟ وَلا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؛ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ؟ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ؛ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ." متفق عليه
فمن قال: إن جبريل عليه السلام ومحمداً صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وسلف الأمة كانوا يقرؤون نصوص الصفات ولا يعرفون لها معنى, بل معناها مما استأثر الله به فقد كذب على القوم, والنقول المتواترة عنهم تكذب هذا الزعم.. مجموع الفتاوى 17/425 "
14- قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 6‏]‏، فلولا أنهم عرفوا معنى ما أنزل؛ كيف عرفوا أنه حق أو باطل وهل يحكم على كلام لم يتصور معناه أنه حق أو باطل‏؟‏ ‏!‏ المصدر السابق 429
إلى غير ذلك من الآيات وهي كثيرة.
* وإليك يا صاحب الرسالة! ما جاء في الكتاب والسنة, وأقوال أئمة السلف وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات معنى الصفات وتفويض الكيفية، وأنا أتحداك أن تأتي بخلاف هذا الإجماع بالدليل الصحيح, وإلا تكون مما قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيما رواه البخاري ومسلم عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) وقرأ إلى (وما يذكر إلا أولو الألباب). قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيت) وعند مسلم (رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه؛ فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم). وأنا أعني ما أقول, حيث رسالتك كلها تشير إلى هذا وبالأخص عند قولك:
المسألةالأولى:- حين أضع الأحاديث أو الصفات التي وردت في المتشابه أمامي أجدها كلهاأثبتت: 1- اليدين وكلتا يديه يمين . 2- خمسة أصابع كما فى حديث اليهودي . 3- قدماًكما فى حديث القدم الصحيح . 4- جنباً كما ورد فى الآية . 5- ساقاً كما ورد فى الآيةوالحديث . 6- كفاً وأنامل كما فى الحديث . 7 - عينين كما فى حديث الدجال 8- صورةكما فى حديث " إذا ضرب أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته " فماهى احتمالات النظر في مثل هذه الأحاديث؟ ونستعرض كل الاحتمالات دون تدخل بالرأيإطلاقاً.
أولاً:- الاحتمال الأول: القول بحديث الصورة على ظاهره, كما هي القاعدةالتي يسير عليها أهل هذا المذهب, كما هو معروف من مذهبهم, ووجدت في هذا الاحتمال أنىسأصل بهذه الكيفية إلى القول بأن الله, والعياذ بالله, وتعالى الله عن ذلك علواًكبيراً، رجل بل ورجل مشوه الخلقة كلتا يديه يمين.!! ...أهـ
يا أخي تأدب مع الله فيما أثبته لنفسه سبحانه من الصفات, أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم, مع تفويض الكيفية لله تعالى, وكما أسلفنا أن أصل في الكلام يُحمل على الحقيقة لا على المجاز, إلا بالتفصيل الذي بيناه في هذه الرسالة.
أنت اعترضت على قوله صلى الله عليه وسلم: وكلتا يديه يمين، وزعمت أنك لو طبقت هذا على رجل لكان رجلاً مشوهاً, فهذا هو الخوض بالمتشابه بعينه, أي الكلام في الكفية وأدحض قولك بحديث آخر ستصعق به, وهو ما جاء عن عبد الله بن عمرو قال: قا ل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى, ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله) وفي رواية (يأخذهن بيده الأخرى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون؟ رواه مسلم. – فهنا ذكر للشمال فماذا أنت قائل ؟!!!!!!!

* وإليك اثبات المعاني من الكتاب والسنة وأقول سلف الأمة:
اثبات معاني الفوقية أي العلو لله تعالى:
1- التصريح بالفوقية مقروناً بأداة "من" المعينة للفوقية بالذات، قال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل: من الآية50) قال ابن خزيمة: فاعلمنا الجليل جل وعلا في هذه الآية أن ربنا فوق ملائكته، وفوق ما في السماوات، وما في الأرض من دابة, وأعمنا أن ملائكته يخافون ربهم الذي فوقهم" من كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 111 "
- من المعلوم أن أعظم خلق في خلقهم وعلوهم هم الملائكة حملة العرش, ومن فوقهم عرش الرحمـن, والله مستوي على عرشه، والدليل قال عليه الصلاة والسلام: " إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض, وعنقه مثنية تحت العرش, وهو يقول: سبحانك ما أعظمك. فيرد عليه: لا يعلم ذلك من حلف بي كاذبا" صحيح الجامع.
2- ذكرها مجردة عن الأداة قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأنعام:18)
وعن سعد بن أبي وقاص, قال لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه الموسى، وأن تقسم أموالهم وذراريهم؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "لقد حكم فيهم اليوم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات" رواه النسائي في السنن الكبرى وصححه الألباني في الصحيحة.
3- التصريح بالعروج إليه سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: { يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} (السجدة: من الآية5) وقال تعالى: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج 3- 4)
قال مجاهد رحمه الله: يقال ذي المعارج: الملائكة تعرج إلى الله، رواه البخاري تعليقاً مجزوماً ( 13 / 426 )
وقال الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح -وهو جبريل – إليه يعني: إلى الله جل وعز، والهاء في قوله: "إليه" عائدة على اسم الله" جامع البيان ( م 14 / ج 29 / ص 78 ).

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار, ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر, ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون, وأتيناهم وهم يصلون). متفق عليه
4- التصريح بالصعود إليه سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: {ِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر: من الآية10)
وقال صديق حسن خان في الآية: وفيه دليل على علوه تعالى فوق الخلق, وكونه بائناً عنه بذاته الكريمة، كما تدل له الآيات الأخرى الصريحة, والأحاديث المستفيضة الصحيحة" فتح البيان ( 11 / 227 )
- وعن أبي هريرة مرفوعا: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يصعد إلى الله إلا الطيب, فإن الله تعالى يقبلها بيمينه, ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوَّه, حتى تكون مثل الجبل). متفق عليه
فلله ما أحلى هذا اللفظ! وأوجزه وأدله على علو الله على سبحانه وتعالى!
-وعن عبد الله بن السائب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر, وقال: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء, فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح). رواه الترمذي. انظر مشكاة المصابيح.
- وجاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم رواه النسائي أنظر صحيح النسائي
- وعن رفاعة بن رافع قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست, فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, مباركا عليه, كما يحب ربنا ويرضى. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: (من المتكلم في الصلاة؟) فلم يتكلم أحد, ثم قالها الثانية, فلم يتكلم أحد, ثم قالها الثالثة, فقال رفاعة: أنا يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي. وعن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات, فقال: (إن الله عز وجل لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل, حجابه النور). رواه مسلم.
جاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملائكة سيارة فضلا, يبتغون مجالس الذكر, فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم, وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم, حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا, فإذا تفرقوا عرجوا, وصعدوا إلى السماء, قال: فيسألهم الله وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض, يسبحونك ويكبرونك, ويهللونك ويمجدونك, ويحمدونك ويسألونك. قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا, أي ربِّ! قال: وكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك. قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: يستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم, فأعطيتهم ما سألوا, وأجرتهم مما استجاروا. قال: يقولون: ربِّ! فيهم فلان عبد خطاء, وإنما مرَّ فجلس معهم! قال: فيقول: وله غفرت, هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) متفق عليه وهذه رواية مسلم.
جاء في السراج الوهاج ( 10/ 567) قوله " هذا الحديث صحيح جليل القدر زكثير الفائدة وهو حسن الافاظ لطيف المعاني ، وفيه إثبات جهة العلو والفوق لله تعالى .
5- التصريح برفع بعض المخلوقات إلى سبحانه وتعالى
قال الله تعالى { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } (النساء:158)
قال عز وجل { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }(آل عمران: من الآية55)
6- التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو ذاتاً وقدراً وقهراً ، قال الله تعالى { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }(البقرة: من الآية255) { وهو العلي الكبير } (سبأ 23 ) { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ } (الرعد:9){ سبح اسم ربك الأعلى }[ الأعلى 1 ] { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }(يونس: من الآية18)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : الذي هو دالٌ على كمال العلو ونهايته " ( بدائع الفوائد ( 2 / 411 )
وفسر الطبري " العلي " بالعلو والارتفاع " جامع البيان م / 3 / ج2 /ص 19 "
وقال ابن خزيمة رحمه الله : الأعلى : مفهوم في اللغة أنه أعلى كل شيء ، وفوق كل شيء ، والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ، وأعلمنا أنه العلي العظيم أفليس العلي – يا ذوي الحجى – ما يكون عالياً " التوحيد 112 "
قال ابن القيم " فعلو الذات هو أنه مستوٍ على عرشه ، فوق جميع خلقه ، مباين لهم ، وهو مع هذا مطلع على أحوالهم ، مشاهد لهم ، مدبر لأمورهم ، الظاهرة والباطنة ، مُتَكَلِّمٌ بأحكامه القدرية وتدبيراته الكونية وبأحكامه الشرعية . أما علو القدر : فهو أن صفاته كلها صفات كمال ، وله من كل وصفٍ ونعتٍ أكمله وغايته .
وأما علو القهر : فهو قهره تعالى لجميع المخلوقات ، فالعالم العلوي والسفلي كلهم خاضعون لعظمته مفتقرون إليه في كل شؤونهم " توضيح الكافية الشافية ( ص 180 – 181 ) طبعة أضواء السلف .
7- التصريح بتنزيل الكتاب منه سبحانه وتعالى :
قال الله عز وجل { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(الزمر:1)
{ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } (فصلت:2){ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }(فصلت: من الآية42) {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (السجدة:2)
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }(الأنعام: من الآية114){ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } (غافر:2){ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الواقعة:80){ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ }النحل: من الآية102)
تفيد هذه الآيات الآتي :
أ- أنه المتكلم ، وأنه منه منزل ، ومنه بدأ وهو الذي تكلم به .
ب- علو الله سبحانه فوق خلقه ، فإن النزول والتنزيل الذي تعقله العقول ، وتعرفه الفِطَر : وهو وصول الشيء من أعلى إلى أسفل . والرب تعالى إنما يخاطب عباده بما تعفه فطرهم ، وتشهد به عقولهم .
8- التصريخ باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده ، وأن بعضها أقرب إليه من بعض .قال الله تعالى { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ }(فصلت: من الآية38) وقال تعالى { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ } (الانبياء:19)
وقال تعالى { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ }(التحريم: من الآية11) { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}(القمر: 54 – 55 )
{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ }(يونس: من الآية2){ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }(لأعراف:206)
فدلت هذه الآيات على أن الذين عنده هم قريبون إليه " ولو كان موجب العندية معناً عاماً ، كدخولهم تحت قدرته ومشيئته وأمثال ذلك لكان كل مخلوق عنده ؛ ولم يكن أحد مستكبراً عن عبادته ، بل مسبحاً له ساجداً ، وقد قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر: من الآية60) وهو سبحانه وصف الملائكة بذلك رداً على الكفار المستكبرين عن عبادته .
" مجموع الفتاوى ( 5 / 165 – 166 )
9 - قال تعالى { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169)
( صحيح ) وعن مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) الآية قال إنا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم في أجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا ؟ قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا . رواه مسلم .
وقال ابن خزيمة رحمه الله : فكل من له فهم بلغة العرب ، يعلم أن اطِّلاعه إلى الشيء لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل . ولو كان كما زعمت الجهمية أن الله مع الانسان وأسفل منه ،ةوفي الأرض السابعة السفلى كما هو في السماء السابعة ، لم يكن لقوله " فاطلع إليهم ربهم اطلاعة " معنى - من كتاب التوحيد " ص 381 "

* التصريح بأن الله في السماء

- أولاً وقبل أن أورد الأدلة على ذلك أريد توضيح مسألة لكي تكون مرجعاً في إثبات صفات الله تعالى والقاعدة التي منها أنطلق وإليها أعود، ألا وهي " إن الله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه للعقيدة الواسطية ما نصه: أنه يجب قبول ما دل عليه الخبر إذا اجتمعت فيه أوصاف أربعة:
الأول: أن يكون صادراً عن علم، وإليه الإشارة بقوله: "فإنه أعلم بنفسه وبغيره".
الثاني: الصدق، وأشار إليه بقوله: "وأصدق قيلاً".
الوصف الثالث: البيان والفصاحة، وأشار إليه بقوله: "وأحسن حديثاً".
الوصف الرابع: سلامة القصد والإرادة، بأن يريد المخبر هداية من أخبرهم.
فدليل الأول ـ وهو العلم ـ: قوله تعالى: ]وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فصلنا بعض النبيين على بعض[ [الإسراء: 55]، فهو أعلم بنفسه وبغيره من غيره، فهو أعلم بك من نفسك، لأنه يعلم ما سيكون لك في المستقبل، وأنت لا تعلم ماذا تكسب غداً؟
وكلمة ]أعلم[ هنا اسم تفضيل، فهو أعلم من كل عالم، وهذا أكمل في الصفة بلا شك.
ودليل الوصف الثاني ـ الصدق ـ: قوله تعالى: ]ومن أصدق من الله قيلاً[، أي: لا أحد أصدق منه، والصدق مطابقة الكلام للواقع، ولا شيء من الكلام يطابق الواقع كما يطابقه كلام الله سبحانه وتعالى، فكل ما أخبر الله به، فهو صدق، بل أصدق من كل قول.
ودليل الوصف الثالث ـ البيان والفصاحة ـ: قوله تعالى: ]ومن أصدق من الله حديثاً[ وأحسن حديثاً من غيره من خلقه ، وحسن حديثه يتضمن الحسن اللفظي والمعنوي. بخلاف البلاغة قد لا يفهم منها إلا الحسن اللفظي وقد يحسن المعنى ولكن إذا قلنا أحسن فالله أحسن قولاً وكلاما لفظاً ومعنى
فالأحسن يشمل البلاغة وحسن المعنى وغير ذلك
ودليل الوصف الرابع ـ سلامة القصد والإرادة ـ
إذاً اجتمع في كلام الله تعالى العلم – الصدق – الحسن – والقصد أي حسن القصد – وإذا سأل سائل وهذا حسن القصد فهل موجود بكلام الله تعالى ؟ الجواب " نعم " قال تعالى ]يبين الله لكم أن تضلوا[[النساء: 176]، ]يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم[ [النساء: 26]. وقال تعالى { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(آل عمران: من الآية103) إذاً أراد الله تعالى بكلامه البيان لخلقه .
فاجتمع في كلام الله الأوصاف الأربعة التي توجب قبول الخبر. القصد أو الإرادة – العلم – الصدق – الحسن .
وإذا كان كذلك، فإنه يجب أن نقبل كلامه على ما هو عليه، وأن لا يلحقنا شك في مدلوله، لأن الله لم يتكلم بهذا الكلام لأجل إضلال الخلق، بل ليبين لهم ويهديهم. والآن هل صدر كلام الله تعالى عن نفسه أو عن غيره ، أصدر عن علم أم عن جهل؟ بل صدر عن علم بل من أعلم القائلين وهو أعلم العلم ، ولا يمكن أن يعتريه خلاف الصدق، ولا يمكن أن يكون كلاماً عيياً غير فصيح، فكلام الله لو اجتمعت الجن والانس على أن يأتوا بمثله لا يأتون ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة في الكلام، وجب عل المخاطب القبول بما دل عليه.
مثال ذلك: قوله تعالى مخاطباً إبليس: ]ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي[ [ص: 75]، قال قائل: في هذه الآية إثبات يدين لله عز وجل يخلق بهما من شاء فنثبتهما، لأن كلام الله عزوجل صادر عن علم وصدق، وكلامه أحسن الكلام وأفصحه وأبينه، ولا يمكن أن لا يكون له يدان لكن أراد من الناس أن يعتقدوا ذلك فيه، ولو فرض هذا، لكان مقتضاه أن القرآن ضلال، حيث جاء بوصف الله بما ليس فيه، وهذا ممتنع، فإذا كان كذلك، وجب عليك أن تؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين خلق بهما آدم.
وإذا قلت: المراد بهما النعمة أو القدرة.
قلنا: لا يمكن أن يكون هذا هو المراد، إلا إذا اجترأت على ربك ووصفت كلامه بضد الأوصاف الأربعة التي قلنا، فنقول: هل الله عز وجل حينما قال: ]بيدي[: عالم بأن له يدين؟ فسيقول: هو عالم. فنقول: بل هو صادق؟ فسيقول: هو صادق بلا شك. ولا يستطيع أن يقول: هو غير عالم، أو: غير صادق، ولا أن يقول: عبر بهما وهو يريد غيرهما عياًّ وعجزاً، ولا أن يقول: أراد من خلقه أن يؤمنوا بما ليس فيه من الصفات إضلالاً لهم! حاشا، فإذا قلت خلاف ذلك فتكون قد وصفت ربك بغير هذه الكلمات الأربع وهي : الجهل ، أو الكذب ، أو العي ، أو سوء الإرادة ، حاشا لله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا ، فنقول له: إذاً، ما الذي يمنعك أن تثبت لله اليدين؟!
فاستغفر ربك وتب إليه، وقل: آمنت بما أخبر الله به عن نفسه، لأنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره وأتم إرادة من غيره أيضاً.
ولهذا أتى المؤلف رحمه الله – أي ابن تيمية - بهذه الأوصاف الثلاثة ونحن زدنا الوصف الرابع، وهو: إرادة البيان للخلق وإرادة الهداية لهم، لقوله تعالى: ]يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم[ [النساء: 26].
هذا حكم ما أخبر الله به عن نفسه بكلامه الذي هو جامع للكمالات الأربع في الكلام .
إذاً نحن متفقون أن الله تعالى أنزل القرآن تبياناً لكل شيء وهو سبحانه أصدق القائلين إلى غير ذلك كما بينا آنفاً من صفات الكمال لكلامه سبحانه ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع في مقدمة كل خطبة أو موعظة أن يقول بعد الحمد لله والثناء عليه " في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول : " إن أصدق الحديث كتاب الله "
فماذا جاء في كتاب الله - يا صاحب الرسالة – من الآيات التي تثبت علو الله تعالى وأنه سبحانه وتعالى في السماء ؟
أ - قال سبحانه وتعالى : {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (الملك:17)
والمراد بقوله عز وجل : { من في السماء } الله عز وجل ، لقوله تعالى { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً)(الاسراء: الآية68)
ولقوله عز وجل {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} (النحل:45)
أنظر تفسير الطبري ( 29/7 ) طبعة دار الفكر بيروت .
قال الحافظ الذهبي رحمه الله : وكونه – عز وجل – في السماء متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواتراً لفظياً ومن ذلك :
الحديث الأول- عن معاوية بن الحكم قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمنا وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكن صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال ائتني بها ؟ فأتيته بها فقال لها أين الله ؟ قالت في السماء قال من أنا ؟ قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة " رواه مسلم .
قال الشيخ الهراس رحمه الله : هذا الحديث يتألق نصاعة ووضوحاً وهو صاعقة على رؤوس أهل التعطيل ، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار امتحان الجارية بقوله " أين الله " ولما أجابت بأنه في السماء رضي جوابها وشهد لها بالإيمان ولو أنك قلت لمعطل : أين الله ؟ لحكم عليك بالكفران " من كتاب تعليقات الشيخ الهراس – كتاب التوحيد لابن خزيمة ص121 "
·ويستفاد من حديث الجارية الآتي :
1- شرعية قول المسلم أين الله لتصريح صاحب الشريعة بذلك بقوله " أين الله "
2- شرعية قول المسؤول " في السماء " ولو كان ذلك غير مشروعاً لأنكره النبي عليه الصلاة والسلام ، قال ابن تيمية " والنبي منزه أن يسأل سؤالاً فاسدا ، وسمع الجواب عن ذلك ، وهو منزه أن يقر على جواب فاسد " درء تعارض العقل والنقل ( 3/ 315 )
3- وفيه دليل على أن من لم يعلم أن الله عز وجل في السماء فليس بمؤمن ، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام حكم بإيمان الجارية لما أقرت أن الله في السماء " الرد على الجهمية للدارمي – ص- 39 "
4- وفيه دليل على أن الله عز وجل على عرشه فوق السماء " الإبانة لأبي حسن الأشعري ص76"
5- قال الحافظ بن عبد البر " وأما قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث للجارية: أين الله ؟ فعلى ذلك جماعة أهل السنة وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون وسائر نقلته كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طـه:5)
وأن الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ } (الملك:16)
ويقول عز وجل { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }(فاطر: من الآية10) وقوله { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج:4)ومثل هذا كثير في القرآن وليس في الحديث معنى يشكل غير ما وصفنا .
ولم يزل المسلمون إذا دهمهم أمر يقلقهم فزعوا إلى ربهم فرفعوا أيديهم وأوجههم نحو السماء يدعونه ، ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه ، والله المستعان ، ومن قال بما نطق به القرآن فلا عيب عند ذوي الألباب "الاستذكار 23/167- 168 "
قال ابن تيمية " والجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أين الله‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ في السماء‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أعتقها فإنها مؤمنة‏)‏ ،جارية أعجمية، أرأيت من فقَّهها وأخبرها بما ذكرته‏؟‏ وإنما أخبرت عن الفطرة التي فطرها الله ـ تعالى ـ عليها، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وشهد لها بالإيمان‏؟!‏ فليتأمل العاقل ذلك يجده هاديًا له على معرفة ربه، والإقرار به كما ينبغي، لا ما أحدثه المتعمقون والمتشدقون ممن سول لهم الشيطان وأملى لهم‏.‏ "مجموع الفتاوى (4/ 62)
الحديث الثاني : قوله عليه الصلاةوالسلام " و الذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها " رواه مسلم . ‌ قال ابن عثيمين في هذا الحديث دليل صريح لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وسلف الأمة من أن الله عز وجل في السماء هو نفسه جل وعلا فوق عرشه فوق سبع سماوات وليس المراد بقوله " في السماء " أي ملكه في السماء بل هذا تحريف للكلم عن مواضعه ، والتحريف من صفات اليهود والعياذ بالله الذين حرَّفوا التوراة عن مواضعها وعما أراد الله بها فإن ملك الله في السماء وفي الأرض كما قال تعالى {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } (آل عمران:189)
" شرح الرياض الصالحين ( 5 / 165 )
الحديث الثالث " قال عليه الصلاة والسلام " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء " متفق عليه . ‌
الحديث الرابع قال عليه الصلاة والسلام " الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل " رواه أحمد وابن ماجه انظر صحيح ابن ماجه
ماذا تقول يا صاحب الرسالة بهذا الحديث ؟!!!
سُئلَ شَيْخُ الإسْلاَم ـ رَحمَهُ اللَّه ـ عن‏ [‏الروح المؤمنة‏] ‏أن الملائكة تتلقاها وتصعد بها إلى السماء التي فيها الله‏.‏
فأَجَـابَ‏:‏ أما الحديث المذكور في ‏(‏قبض روح المؤمن، وأنه يصعد بها إلى السماء التي فيها اللّه‏)‏‏:‏ فهذا حديث معروف جيد الإسناد، وقوله‏:‏ ‏(‏فيها اللّه‏)‏ بمنزلة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ‏.‏ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 16، 17‏]‏، وبمنزلة ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية معاوية بن الحكم‏:‏ ‏(‏أين اللّه‏؟‏‏)‏، قالت‏:‏ في السماء، قال‏:‏ ‏(‏من أنا‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ أنت رسول اللّه‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏أعتقها فإنها مؤمنة‏)‏‏.‏
وليس المراد بذلك أن السماء تحصر الرب وتحويه، كما تحوي الشمس والقمر وغيرهما، فإن هذا لا يقوله مسلم، ولا يعتقده عاقل، فقد قال ـ سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏}‏‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏، والسموات في الكرسي كحلقة ملقاة في أرض فَلاة [الفَلاة‏:‏ الأرض لا ماء فيها]‏، والكـرسي فـي الـعرش كحـلقة ملقاة في أرض فلاة، والرب ـ سبحانه ـ فوق سمواته، على عرشه، بائن من خلقه؛ ليس في مخلوقاته شىء من ذاته، ولا في ذاته شىء من مخلوقاته‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 71‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏فّسٌيحُوا فٌي الأّرضٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 2‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 26‏]‏ وليس المراد أنهم في جوف النخل، وجوف الأرض، بل معنى ذلك أنه فوق السموات، وعليها، بائن من المخلوقات، كما أخبر في كتابه عن نفسه أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش‏.‏
وقال‏:‏ ‏{‏يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 55‏]‏، وقال تعالى‏}‏ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 4‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 158‏]‏،

من مجموع الفتاوى (4 / 271 – 272 )
الحديث الخامس قوله عليه الصلاة والسلام " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " صحيح الترمذي . ‌
فإن المراد بقوله من في السماء هو الله عز وجل وهو أرحم الراحمين لقوله عليه الصلاة والسلام " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " متفق عليه . ‌
* يا صاحب الرسالة هذا تصريح من الامام الشافعي ذكره في كتابه العظيم " الأم " ( 5/298 ) يقول فيه " بأن هذا الذي وصفته من أن ربها في السماء إيمان ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " أعتقها فإنها مؤمنة " وهي إنما وصفت كون ربها في السماء ، وأن محمداً عبده ورسوله ، فقرنت بينهما في الذكر ، فجعل الصادق المصدوق مجموعهما هو الإيمان .
الحديث السادس " التصريح بالاستواء مقروناً بأداة "على" مختصاً بالعرش الذي هو أعلى المخلوقات وأنزهها وأطهرها واظهرها وأنورها وأشرفها ذاتاً وقدراً وأوسعها ، قال تعالى { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(السجدة: من الآية4) وقال سبحانه في وصف كتابه العزيز { تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } (طـه:4- 5)
وقد فسَّر الطبري رحمه الله الاستواء : بالعلو والارتفاع "جامع البيان 1/ 191 "
وقال مجاهد رحمه الله " استوى " علا على العرش " أخرجه البخاري معلقاً ( 13/ 414 ) ، وصحح اسناده ابن حجر في " تغليق التعليق " ( 5 / 3455 )
وقال سفيان الثوري " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق " أخرجه الذهبي في العلو ( ص 911 ) .
وروى يحيى بن يحيى التميمي قال جاء رجل إلى مالك فقال : يا أبا عبد الله ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ قال : فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء يعني العرق وأطرق القوم فسري عن مالك وقال : الكيف غير معقول والإستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج - صحيح مختصر العلو -
* انظر يا صاحب الرسالة إلى قول الأئمة الأعلام من سلف هذه الأمة وما ذهبوا إليه من إثبات معاني الصفات ، والتي لم تفهمها أنت رغم أنها كانت بيضاء جلية كضوء الشمس في وسط النهار ، ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وأنا أنصحك يا صاحب الرسالة أن تتعلم اللغة العربية حتى تفهم معنى قول الإمام المالك والذي استدللت به على تفويض المعنى ، حيث قال " الاستواء منه غير مجهول " معناه الاستواء منه معلوم " أي معلوم المعنى وهو ما أجمع عليه سلف الأمة وهو " العلو والارتفاع " ولكنه فوَّض الكيفية وهو الصحيح حيث قال " والكيف غير معقول " أي هو خارج إدراكنا ، ولو كان قد فوَّض المعنى لقال " الاستواء غير معقول وكذلك الكيفية " ولكنه رحمه الله فرق بينهما ، " بل جاء أثر آخر عنه رحمه الله ، بينا ذلك بوضوح ، فقد جاء في تخريج الطحاوية بسند صحيح ( 313 ) قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) وغيرها : كيف استوى ؟ فقال : ( الاستواء معلوم والكيف مجهول ) . ويروى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفا . الشاهد " الاستواء معلوم " أي علم ضروري أي كما علم أن الكل اكبر من الجزء ، وأن النار تحرق ، وأن الثلج بارد ، فعلم أن الاستواء هو العلو والارتفاع .
الحديث السابع : التصريح برفع الأيدي والأبصار إليه ، جاء في الحديث قال عليه الصلاة والسلام " إن الله حي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين " صحيح الترمذي
1- وجاء أيضاً من فعله عليه الصلاة والسلام في دعائه وسنذكر في سياق هذه الرسالة ما كان منه يوم بدر .
2- وكذلك في دعاء الاستسقاء ورفع يديه إلى السماء.
3- وكذلك في حجة الوداع لما قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه " تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد " رواه مسلم
4- وكذلك جاء عن المقداد في حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم " رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني " رواه مسلم
5- قال عليه الصلاة والسلام " إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان ] . ( صحيح ) _ وللحديث شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى ظهره ينظر تجاه العرش كأن عينيه كوكبان دريان لم يطرف قط مخافة أن يؤمر قبل ذلك . وروي عن جمع آخر من الصحابة بزيادة فيه نحوه وهو الآتي بعده برقم (1079) . يا صاحب الرسالة ملك البوق من أين يأخذ الأمر كي يحول السماوات والأرضين إلى خبر كان ؟ أمِنْ العرش المخلوق أم ممن هو مستوٍ على العرش استواء يليق به ؟!! سبحانه وهوالملك الديان .
* نأتي إلى أحاديث النزول للرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا وإثبات معانيها مع تفويض كيفيتها ، والذي أنكرها صاحب الرسالة بتعطيلها وصرفها عن حقيقتها بعد أن قاسها على عقله وأتى بكلام غير متزن على الإطلاق حيث خاض بكلامه يميناً وشمالاً وهذا ليس غريباً على أصحاب الكلام الذين في كل وادٍ يهيمون ويقولون على الله ما لا يعلمون . فهو يقول " ... ثم دلالة سورة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيها ينزل جبريل والملائكة التيتقتضي أن النازل في خلاف ليلة القدر أقل مرتبة ومكانة من النازلين في ليله القدروالله عز وجل له المثل الأعلى دائماً وأبداً .
يا صاحب الرسالة لِمَ تأت بكلام دون أن تتفكر به ، يا أخي قد علمنا من السنة النبوية المطهرة أن الله جل وعلا ينزل في كل ليلة الثلث الأخير منها ، معنى ذلك أنه سبحانه ينزل أيضاً في ليلة القدر فيزيدها سبحانه قدراً وتشريفاً ، وفيها يأمر الله تعالى ملائكته أن تتنزل بأمره ، وكما أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحه أمر الله تعالى ملائكته جميعاً بالسجود لآدم فسجدوا جميعاً وعلى رأسهم الملائكة العظام كجبريل عليه السلام وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وكذلك حملة العرش وغيرهم ، فهل آدم عليه السلام أصبح يُعبَد مع الله ؟ بالطبع لا ، لأنه من المعلوم أنه لا يجوز السجود إلا لله تعالى ، ولكن ما دام الآمر هو الله معنى ذلك أن السجود كان تنفيذاً لأمر الله ، إذاً بالسجود لآدم عليه السلام هو تعظيم لله تعالى لأنه هو الآمر ، وهكذا ليلة القدر سبق الكلام أن الله سبحانه وتعالى ينزل فيها كما ينزل بباقي ليالي السنة نزولاً يليق به سبحانه ويخص سبحانه هذه اللية بإنزال ملائكته فيها معنى ذلك أن ليلة القدر عُظِّمت لتعظيم الله لها .
* يا صاحب الرسالة إليك هذه الأدلة التي تشير إلى نزول الحق سبحانه كل ليلة إلى السماء الدنيا :
1- التصريح بنزوله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من العلو إلى الأسفل " اعلام الموقعين ( 2 / 301 )
جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ رواه البخاري . وفي رواية لمسلم: ثم يبسط يديه ويقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم ؟ حتى ينفجر الفجر .
قال الامام الشافعي رحمه الله " القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت أصحابنا عليها ، أهل الحديث الذين رأيتهم فأخذت عنهم ، مثل سفيان ومالك وغيرهما : الإقرار بشهادة أن لا إلـه إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ، وأن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء " وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف يشاء " وصية الامام الشافعي ص53- 54) طبعة المكتب الاسالامي " .
قال الدارمي " والآثار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى تدل على أن الله عز وجل فوق السماوات على عرشه بائن من خلقه "الرد على الجهمية (ص 73 ) الطبعة الثانية دار ابن الأثير الكويت
قال الامام الطبري " وأنه سبحانه وتعالى يهبط كل ليلة وينزل إلى السماء الدنيا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم " التبصير في معالم الدين ( ص 136 )
جاء عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْبَاقِي يَهْبِطُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى سُؤْلَهُ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ " رواه أحمد بسند صحيح .
- قال أبو حسن الأشعري ” ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا ، وأن الرب عز وجل يقول : هل من سائل ؟ هل من مستغفر ؟ وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا وسنة نبينا واجماع المسلمين وماكان في معناه .
ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن به لنا ، ولانقول على الله ما لا نعلم " الإبانة ص 29- 30 " الطبعة الأولى القاهرة .
* الرد على من تأوَّل نزول الله على غير معناه الحق أو تعطيله وذلك بتفويض معناه إلى غير ذلك :
من تأوَّل النزول على غير حقيقته فجعله مجازاً ، أو تأوله بنزول ملك من الملائكة ، أو نزول أمر الله ورحمته . فإن أراد أنه سبحانه إذا نزل وأتى حلت رحمته وأمره فهذا حق ، وإن أراد أن النزول للرحمة والأمر ليس إلا ، فهو باطل من وجوه :
1- إنَّ أمره ورحمته وملائكته دائباً تنزل آناء الليل وآناء النهار وفي كل ساعة ، فما بال ثلث الليل خص ننزول رحمته وأمره من بين أوقات الليل والنهار
قال الطبري رحمه الله يجيء ربنا جل جلاله يوم القيامة والملك صفا صفا ، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلة ، ولا نقول معنى ذلك ينزل أمره ، بل نقول أمره نازل في كل لحظة وساعة وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودة . و لا تخلو ساعة من أمره " التبصير في معالم الدين ( ص 142 – 147 )
قال ابن عبد البر " وقد قال قوم : إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته ، وهذا ليس بشيء لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمته ينزل بالليل والنهار بلا توقيت ثلث الليل و لا غيره " الاستذكار (8/148 )
2- الرحمة التي تثبتها إن نزلت إلى السماء الدنيا ، لم يمكن أن تقول " من يدعوني فأستجيب له " كما لا يمكن الملك أن يقول ذلك ... ثم إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ولم تنزل إلينا فأي منفعة لنا في ذلك ؟ " مجموع الفتاوى ( 5 / 372 )
3- أن ألفاظ الحديث تبطل التأويل بنزول الملك ، ففي بعض الروايات أن الرب تعالى يقول " أنا الملك ، أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له " رواه مسلم ، وفي رواية " لا أسأل عن عبادي أحداً غيري " رواه النسائي في اليوم والليلة وهو صحيح .
قال الحافظ عبد الغني المقدسي " وهذان الحديثان يقطعان تأويل كل متأول ويدحضان حجة كل مبطل " الاقتصاد في الاعتقاد (106) .
قال الشيخ عبد الهادي وهبه حفظه الله في كتابه العظيم الكلمات الحسان (268 – 269 ) ومعلوم أن الكلام المذكور في الحديث كلام الله الذي لا يقوله غيره فإن المَلَك لا يقول " لا أسأل عن عبادي غيري " ولا يقول " من يسألني أعطيه " فالملك إذا نادى عن الله لا يتكلم بصيغة المخاطب ، بل يقول إن الله أمر بكذا أو قال كذا . وإذا أمر السلطان منادياً ينادي فإنه يقول " يا معشر الناس أمر السلطان بكذا ، أو نهى عن كذا ، ورسم بكذا ، لا يقول أمرت بكذا ، ونهيت عن كذا ، بل لو قال ذلك بودر إلى عقوبته .
4- أنه قال " ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر . رواه مسلم " ومعلوم أنه لا يجيب الدعاء ويغفر الذنوب ويعطي كل سائل إلا الله ، وأمره ورحمته لا تفعل شيئاً من ذلك " .
5- ‌ نزول أمره ورحمته لا تكون إلا منه، وحينئذ فهذا يقتضي أن يكون هو فوق العالم، فنفس تأويله يبطل مذهبه؛ ولهذا قال بعض النفاة لبعض المثبتين‏:‏ ينزل أمره ورحمته؛ فقال له المثبت‏:‏ فممن ينزل‏؟‏‏!‏ ما عندك فوق شيء؛ فلا ينزل منه لا أمر، ولا رحمة ولا غير ذلك‏؟‏‏!‏ فبهت النافي وكان كبيرًا فيهم‏. " مجموع الفتاوى ( 5 / 416 ) .
6- لو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديث النزول ، نزول مَلِك ، من الملائكة لصرح بذلك ، فهو أغير على ربه عز وجل من المشتغلين بعلم الكلام .
7- إن سلف الأمة والأئمة مجمعون على إثبات نزول الله تعالى كل ليلةإلى السماء الدنيا من غير تحريف ولا تعطيل ولاتكييف ولاتمثيل ، ولم يثبت عن أحدٍ منهم أنه تأول نزول الله تعالى بنزول أمره أو رحمته أو غير ذلك . فمن زعم أن أحداً من السلف نفى نزول الله تعالى حقيقة فقد أعظم عليهم الفرية ونسب إليهم مالا يقولوه
بل الثابت عن السلف والأئمة أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً حقيقياً كما يليق بجلاله وعظمته " الكلمات الحسان (271) .
حدث حماد بن سلمة بحديث نزول الرب جل جلاله فقال : من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه . " صحيح ، مختصر العلو (144).
قال الفضيل بن عياض (187هـ) إذا قال الجهمي : أنا أكفر برب يزول عن مكانه ، فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية "
8- قال الإمام الدارمي في الرد على الجهمية ( 63 ) " فمما يعتبر به من كتاب الله عز وجل في النزول ويحتج به على من أنكره ، قوله تعالى { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ }(البقرة:210)
وقوله { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } (الفجر:22)
وهذا يوم القيامة إذا نزل ليحكم بين العباد .. ، فالذي يقدر على النزول يوم القيامة من السماوات كلها ليفصل بين عباده ، قادر أن ينزل كل ليلة من سماء إلى سماء ، فإن ردوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في النزول ، فماذا يصنعون بقول الله عز وجل ، تبارك تعالى .
9- قال إبراهيم بن أبي طالب سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول حضرت مجلس ابن طاهر وحضر إسحاق فسئل عن حديث النزول أصحيح هو قال نعم فقال له بعض القواد كيف ينزل قال أثبته فوق حتى أصف لك النزول فقال الرجل أثبته فوق فقال إسحاق قال الله ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فقال ابن طاهر هذا يا أبا يعقوب يوم القيامة فقال ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم ؟ " انظر مختصر العلو بسند صحيح "
10 – قال حماد بن أبي حنيفة رحمه الله " قلنا لهؤلاء – أي للمعطلة – أرأيتم قول الله عز وجل { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} (الفجر:22) قالوا : أما الملائكة فيجيئون صفا صفا ، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنيَ بذلك ، ولاندري كيف مجيئه . فقلت لهم : إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه ، ولكنَّا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه . أرأيتم من أنكر أن المَلك يجيء صفا صفا ما هو عندكم ؟ قالوا : كافر مكذب . قلت : فكذلك إن أنكرَ أن الله سبحانه يجيء فهو كافر مكذب " رواه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (ص64) وهو صحيح
* ومن أدلة علو الرحمـن وأنه فوق سماواته إخباره صلى الله عليه وسلم أنه تردد بين موسى عليه السلام وبين ربه ليلة المعراج بسبب الصلاة فيصعد إلى ربه ثم يعود إلى موسى عليه السلام عدة مرات " شرح الطحاوية (ص 287) طبعة المكتب الاسلامي – بيروت – الطبعة التاسعة "
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ...أوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة كل يوم وليلة . قال ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم . قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا . قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسله التخفيف . قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب له شيئا فإن عملها كتبت له سيئة واحدة . قال فنزلت حتى أنتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه . متفق عليه . قال ابن خزيمة " فتلك الأخبار كلها دالة على أن الله الخالق الباري فوق سبع سماوات " التوحيد (ص119)
قال ابن تيمية رحمه الله " ومحمد صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى ربه وفرض عليه الصلوات الخمس ، ذكر أنه رجع إلى موسى ، وأن موسى قال له : ارجع إلى ربك فسله التخفيف إلى أمتك ، كما تواترت أحاديث المعراج . فمحمد صلى الله عليه وسلم صدَّق موسى في أن ربه فوق السماوات ، وفرعون كذب موسى في أن ربه فوق . فالمُقِرُّون بذلك متبعون لموسى ومحمد ، والمكذبون بذلك موافقون لفرعون " ( مجموع الفتاوى 13 / 174 ) .
* يقول صاحب الرسالة ما نصه " وفى المحلى عند ابن حزم ج1ص30 قال عن النزول : فعل يفعله الله من قبولالدعاء فى هذه الأوقات ولا حركة لأن الحركة من صفات المخلوقين حاشا لله تعالى منها – أي يستدل صاحب الرسالة بهذا القول ليتمشى مع هواه وهو عدم اثبات النزول لله تعالى كما أخبر بذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لأن النزول من أنواع الحركة ، والحركة من صفات المخلوق ، فنرد عليه بالآتي :
1- أن يقال‏:‏ النزول والصعود والمجيء والإتيان، ونحو ذلك، مما هو أنواع جنس الحركة، لا نسلم أنه مخصوص بالجسم الصناعي الذي يتكلم المتكلمون في إثباته ونفيه، بل يوصف به ما هو أعم من ذلك‏.‏ثم هنا طريقان‏:‏
أحدهما‏:‏ أن هذه الأمور توصف بها الأجسام والأعراض فيقال‏:‏ جاء البرد وجاء الحر، وجاءت الحمى، ونحو ذلك من الأعراض‏.‏ وإذا كانت الأعراض توصف بالمجيء والإتيان، علم أن ذلك ليس من خصائص الأجسام، فلا يجوز أن يوصف بهذه الأفعال حقيقة مع أنه ليس بجسم
.
الطريق الثاني‏:‏ أن يقال‏:‏ المجيء والإتيان والصعود والنزول توصف به روح الإنسان التي تفارقه بالموت، وتسمى النفس، وتوصف به الملائكة، وليس نزول الروح وصعودها من جنس نزول البدن وصعوده؛ فإن روح المؤمن تصعد إلى فوق السموات، ثم تهبط إلى الأرض، فيما بين قبضها ووضع الميت في قبره‏.‏ وهذا زمن يسير، لا يصعد البدن إلى ما فوق السموات، ثم ينزل إلى الأرض في مثل هذا الزمان‏.‏ " مجموع الفتاوى ( 5 / 436 - 437 )
وإذا كانت الروح تعرج من النائم إلى السماء مع أنها في البدن، كما قال تعالى { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً }(الزمر: من الآية42) علم أنه ليس عروجها من جنس عروج البدن الذي يمتنع هذا فيه‏.‏ وعروج الملائكة ونزولها من جنس عروج الروح ونزولها، لا من جنس عروج البدن ونزوله‏.‏ وصعود الرب ـ عز وجل ـ فوق هذا كله وأجل من هذا كله؛ فإنه ـ تعالى ـ أبعد عن مماثلة كل مخلوق من مماثلة مخلوق لمخلوق‏.‏ وإذا عرف هذا؛ فإن للملائكة من ذلك ما يليق بهم، وإن ما يوصف به الرب ـ تبارك وتعالى ـ هو أكمل وأعلى وأتم من هذا كله،
أولى بالإمكان، وأبعد عن مماثلة نزول الأجسام، بل نزوله لا يماثل نزول الملائكة وأرواح بني آدم،
ومن ظن أن ما يوصف به الرب عز وجل لا يكون إلا مثل ما توصف به أبدان بني آدم فغلطه أعظم من غلط من ظن أن ما توصف به الروح مثل ما توصف به الأبدان " مجموع الفتاوى ( 5 / 527 – 485- 459 )
قال ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية رحمه الله – شريط مسجل بصوته– " المعطل يعلل ما يقوله بقوله إن هذه الصفات أعراض والأعراض لا تقوم إلا بأجسام ، والأجسام متماثلة ، يلزم بذلك أن يقال أن الخالق مشابه للمخلوق ! فنرد عليهم " أن كلامكم غير صحيح حيث أن الهواء يبرد ويسخن وليس هو عرضاً أي جسماً ، فيكون حارًّا وباردًا وليس بجسم ، وقولكم أن الأجسام متماثلة ليس بصحيح ، فالأجسام المتباينة حتى التي هي من جسم واحد متباينة ، فالآدمي جسم وأجسام الآدميين متباينة ، بعضها ضخم وبعضها ضئيل وبعضها نحيف ، نجد الحديد وهي أقوى ما يكون من الحجارة ونجد اللبن أو غير ذلك .
* يقول صاحب الرسالة " إذا تبادر إلى الذهن ذلك أي إذا فهمت أنه بعد أن خلق استوىتأصلت حينذاك شبهة اليهود بقولهم إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراحفى اليوم السابع تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وعطلت بذلك الفهم خمسة أسماء حسنىفقلت علا بعد أن لم يكن علياً فجعلت اسم (العلّي) محدثاً ولم تجعله قديماً وأوقعتحركة فى ذات الرحمن ارتبطت بزمان "
- أقول سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم والله سائلك عليه والله المستعان ،والرد على هذا الافتراء من قول شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى حيث قال "
الاستواء علو خاص،فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستو عليه‏.‏
ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليًا على غيره‏:‏ إنه مستو عليه، واستوى عليه،ولكن كل ما قيل فيه‏:‏ إنه استوى على غيره؛ فإنه عال عليه‏.‏ والذي أخبر هو اللّه أنه كان بعد خلق السموات والأرض ‏[‏الاستواء‏]‏ لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستويًا عليه قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، ثم لما خلق هذا العالم كان عاليًا عليه ولم يكن مستويًا عليه، فلما خلق هذا العالم استوى عليه، فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما ‏[‏الاستواء‏]‏ فهو فعل يفعله ـ سبحانه وتعالى ـ بمشيئته وقدرته؛ ولهذا قال فيه‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 11‏]‏ ؛ ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر‏.‏
وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع، " مجموع الفتاوى (5/ 285 ) 261)

* صاحب الرسالة ذهب مذهب المنشغلين بعلم الكلام حيث أثاروا شبهة ً وهي " كان في الأزل ليس مستوياً على العرش ، وهو الآن على ما عليه كان ، فلا يكون على العرش ؛ لأن الاستواء فعل حادث – كان بعد أن لم يكن – فلو قام به الاستواء لقامت به الحوادث ، وإنَّ قيام الحوادث بذاته تغير والله منزه عن التغير .
جاء في كتب الصواعق المرسلة ( ص 935- 936- ) ما نصه :
ينبغي أن يعلم بأن المشتغلين بعلم الكلام إذا قالوا : لا تحله الحوادث " أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون محلاً للتغيرات والاستحالات ونحوذلك من الأحاديث التي تُحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم ، وهذا معنى صحيح ، ولكن مقصودهم بذلك أنه لا ينزل إلى السماء الدنيا ، ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ، ولا يغضب بعد أن كان راضيا ، ولا يرضى بعد أن كان غاضبا ، ، ولايقوم به فعل البتة ، ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن ، ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستوياً عليه ، ولا يغضب يوم القيامة غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا لهم فإن هذه كلها حوادث ، وهو منزَّه عن حلول الحوادث ؛ فإن هذا من اللبس والتلبيس ، وتسمية المعاني الصحيحة الثابتة بالأسماء القبيحة المنفرة ، وتلك طريقة للنفاة مألوفة وسجية معروفة .
* جاء في كتاب شرح حديث النزول ( ص 417 ) ما نصه : من قال لكم إن الحوادث لا يقوم إلا بحادث . من أين جاءت هذه القاعدة ؟ هل هي من القرآن الكريم ؟ هل هي من السنة المطهرة ؟ هل هي في العقل ؟ وكل من أمعن النظر وفهم حقيقة الأمر علم أن السلف كانوا أعمق من هؤلاء علما وأبر قلوبا وأقل تكلفا ، وأنهم فهموا من حقائق الأمور ما لم يفهمه هؤلاء ، الذين خالفوهم ، وقبلوا الحق وردوا الباطل ومن هداه الله سبحانه وتعالى أيقن فساد هذا الكلام .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 6 / 242 ) ما نصه " إننا نقابل هذه القاعدة الفاسدة بقاعدة أكمل منها وأوضح وهو : أن الفعال لما يريد أكمل من الذي لا يفعل ، والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ، والله يُحدث ما يشاء ، لا معقب لحكمه ، ، فما من فعل يفعله إلا وقد حدث بعد أن لم يكن ، وأنتم إذا عطلتم الله عز وجل عن الأفعال الاختيارية – كالاستواء والنزول والضحك والفرح والغضب – معنى ذلك : وصفتموه بأنقص ما يكون " والكمال في اتصافه بهذه الصفات ؛ لا في نفي اتصافه بها " .
وقال أيضاً في " درء تعارض العقل والنقل ( 2 / 6 ) ما نصه " الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال ، منزه عن النقائص ، وكل كمال وصف به مخلوق من غير استلزامه لنقص ، فالخالق أحق به ، وكل نقص نُزِّه عنه المخلوق فالخالق أحق بأن ينزه عنه ، والفعل صفة كمال لا صفة نقص ، كالكلام والقدرة ، وعدم الفعل صفة نقص ، كعدم الكلام وعدم القدرة ، فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع وهو المطلوب " .
* وجاء في جامع الرسائل ( 2 / 44 – 45) الناس إنما يقولون تغير : لمن استحال من صفة إلى صفة . فالإنسان مثلاً : إذا مرض ، وتغير في مرضه كأن اصفَرَّ لونه أو شحب ، أو نحل جسمه : يقال : غيَّره المرض .
وكان إذا تغير جسمه بجوع أو تعب ، قيل قد تغير .
وكذا إذا غيَّر لون شعر رأسه ولحيته قيل قد غير ذلك ، وكذا إذا تغيَّر خلقه ودينه ، مثل أن يكون فاجراً فيتوب ، ويصير براً ، أو يكون براً فينقلب فاجراً . فهذا يقال عنه إنه قد تغير .
وكذا الشمس إذا اصفرت قيل تغيرت ، ويقال وقت العصر ما لم يتغير لون الشمس . والأطعمة إذا استحال لونها أو ريحها ؛ يقال : تغيرت أيضاً .
فاللبن يتغير طعمه من الحلاوة إلى الحموضة ، ونحو ذلك .
وكذلك يقال فلان قد تغير على فلان إذا صار يبغضه بعد المحبة ، فإذا كان ثابتاً على مودته لم يُسَمَّ هشته إليه وخطابه له " تغيُّرا ".
وإذا جرى على عادته في أقواله وأفعاله فلا يقال‏:‏ إنه قد تغير، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏11‏]‏ ومعلوم أنهم إذا كانوا على عادتهم الموجودة يقولون ويفعلون ما هو خير لم يكونوا قد غيروا ما بأنفسهم، فإذا انتقلوا عن ذلك فاستبدلوا بقصد الخير قصد الشر، وباعتقاد الحق اعتقاد الباطل، قيل‏:‏ قد غيروا ما بأنفسهم، مثل من كان يحب الله ورسوله والدار الآخرة فتغير قلبه، وصار لا يحب الله ورسوله والدار الآخرة، فهذا قد غير ما في نفسه‏.‏
والمقصود أن مثل هذه الأمور يقال لها تغيُّرٌ . أما ما يقوم بالانسان من أفعالٍ : كتكلمه ، ومشيه ، وقيامه ، وقعوده ، وطوافه وصلاته ، وركوبه ، وأمره ، ونهيه ، فلا يقال إن هذا تغير .
فالناس لا يقولون للإنسان إذا كانت عادته أن يقرأ القرآن ويصلي الخمس أنه كلما قرأ وصلى قد تغير ، وإنما يقولون ذلك لمن لم تكن عادته هذه الأفعال ، فإذا تغيرت صفته وعادته قيل : إنه قد تغير .
وكذلك الناس لا يقولون للشمس والكواكب إذا كانت ذاهبة من المشرق إلى المغرب : إنها متغيرة .
ولا يقولون للماء إذا جرى مع بقاء صفائه أنه تغير .
ولا يقال عند الإطلاق للفاكهة والطعام إذا حُوِّل من مكان إلى آخر : أنه تغير . ويقولون تغيُّر الهواء ، إذا برد بعد السخونة ، ولا يكادون يسمون مجرد هبوبه تغيراً ، وإن سمي بذلك فهم يفرقون بين هذا وهذا .
ولهذا لم يطلق على الصفة الملازمة للموصوف أنها مغايرة له ، لأنه لا يمكن أن يستحيل عنها ولا يزايل .
والناس إذا قيل لهم : التغير على الله ممتنع ، فهموا من ذلك الاستحالة والفساد ، مثل انقلاب صفات الكمال إلى صفات نقص ، أو تفرق الذات ، ونحو ذلك مما يجب تنزيه الله عنه . والله أجل وأعظم من أن يخطر بقلوب المؤمنين قيام القبائح والآفات والعيوب به سبحانه وتعالى " درء تعارض العقل والنقل ( 2 / 239 ) .
وأما كونه سبحانه يتصرف بقدرته ، فيخلق ، ويستوي ، ويفعل ما يشاء بنفسه ، ويتكلم إذا شاء ، ونحو هذا ، فهذا لا يسمونه تغيرا . فإن صفة الموصوف الازمة له لا تُسمى تغيرا
فالرب تعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال ، منعوتاً بنعوت الجلال والإكرام ، وكماله من لوازم ذاته ، فيمتنع أن يزول عنه شيء من صفات كماله ويمتنع أن يصير ناقصاً بعد كماله .
" وهذا الأصل " عليه قول السلف ، وأهل السنة : أنه لم يزل موصوفاً بصفات الكمال ، ولايزال كذلك ، فلا يكون متغيرا ، وهذا معنى قول من يقول : يا من يُغَيِّر ولا يتغير !!! " مجموع الفتاوى ( 6 / 249 – 250 ) .
وذكر البخاري عن نعيم بن حماد أنه قال " إن العرب لا تعرف الحي من الميت إلا بالفعل ، فمن كان له فعل فهو حي ، ومن لم يكن له فعل فهو ميت .
" خلق أفعال العباد ( ص 117 ) .
ولكن حجج النفاة مبناها على ألفاظ مجملة موهمة ، كما قال الإمام أحمد : يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويلبسون على جهال الناس بما يُشَبِّهون عليهم ، حتى يتوهم الجاهل أنهم يعظمون الله ، وهم إنما يقودهم قولهم إلى فرية على الله . " درء تعارض العقل والنقل ( 4 / 72 – 75 ) .
وصدق فيهم – أي النفاة والمفوضة والمرجئة والمعطلة وأمثالهم - قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث جاء عن عائشة قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) وقرأ إلى ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) . قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيت وعند مسلم رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم " متفق عليه .
قال صاحب كتاب إغاثة اللهفان ( ص 127 ) وفي ختام الرد على الشبهات نقول : إن النصوص الدالة على علو الله على خلقه كثيرة منتشرة ، قد بهرت المتكلمين بكثرتها وقوتها ، وليس معهم في نفي ذلك ، لا عقل صريح ، ولا نقل صحيح ، فهم يظنون أن معهم عقليات ، وإنما معهم جهليات : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } (النور:39)
. فهم لا يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة ، ولا رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة ، فارقوا الدليل واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل .
* يقول صاحب الرسالة ما نصه " قال الإمام أحمد لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ، وعلى ذلك قول أبى جعفر الطحاوىوأئمة أهل السنة بعدم إثبات الجهة وليس معنى عدم إثبات الجهة معناه الحلول فى كلمكان ؛ لأن الله تبارك وتعالى : علىّ ظاهرُ باطنُ ، والأماكن مخلوقة من كل الجهاتوأحكام المخلوقات لا تقع على الخالق وكذلك الزمان .... ، فوضحالفرق بين قول الجهمية( فى كل مكان) وبين قول أهل السـنة (لا يحويه مكان ) ، .... ، ومن العجب أنأهل هذا المذهب فى الزمان الذي نحياه الآن مازالوا يقولون بهذا وقد أظهر الله لنابالعلوم الحديثة كروية الأرض والسماء محيطة بنا من كل الجهات الست والزمن ناشئ مندوران الأرض فقط لاغير ويقول أئمة أهل السنة الكبار "لا يحويه مكان ولا يجرى عليهزمان"وهم يقولون الآن السماء فى جهة الفوقية ويجرى عليه زمان!!!فإنها لا تعمىالأبصار ولكنها تعمى القلوب التي فى الصدور.وأنالا أقول بالعلم الحديث إلا إذا كانموافقاً للنص –
* يا صاحب الرسالة أهل السنة والجماعة لا يقولون أن السماوات والأراضين تحيط به سبحانه بل هو فوق سماواته وقد بينا ذلك فيما سبق وسنعلق على هذا أيضاً كما سيأتي ولكن يا صاحب الرسالة لا تتقول على الإمام أحمد ما لم يقل أنا أسألك من أين أتيت بالنص الذي تقولته عليه ؟ كما تقولت من قبل على علي رضي الله عنه .
أخي القارىء أمامك جميع كتب الحديث والأسانيد والمصنفات وهي " صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، سنن الترمذي ، سنن أبي داود ، سنن ابن ماجه ، سنن النسائي, مسند أحمد ، موطأ مالك ، سنن الدارمي ، مستدرك الحاكم ، سنن البيهقي ، سنن الدارقطني ، صحيح ابن حبان ، صحيح ابن خزيمة ، مسند أبي يعلي ، مسند اسحاق بن راهويه ، مسند عبد الله بن مبارك ، مسند الشافعي ، مسند ابن جعد ، مصنف ابن أبي شيبة وغيرهم فارجع إليها وابحث فيها هل تجد ما يزعم صاحب الرسالة ويتقول على علي رضي الله عنه والإمام أحمد ؟ ، علماً أننا لا نقول أنه سبحانه تحيط به الجهات الست ، نقول كما قال السلف هو فوق خلقه مستو على عرشه بائن منهم أحاط بما لديهم علماً .
* وما أجمل وأحسن ما قاله الإمام أحمد حيث قال " كان الله ولا شيء ، - لقوله صلى الله عليه وسلم : " كان الله ولم يكن شيء قبله " صحيح - الطحاوية -
ولما خلق سبحانه الخلق لم يخلقهم في ذاته ومن اعتقد ذلك فقد كفر حين زعم أنه خلق الجن والإنس والشياطين في نفسه ، إذاً سبحانه خلقهم خارج ذاته ، ومن اعتقد أنه سبحانه خلقهم خارج ذاته ثم دخل فيهم فقد كفر حين زعم أنه دخل في كل مكان رجس قذر رديء ، إذاً سبحانه خلقهم خارجاً من نفسه ثم لم يدخل فيهم وهو قول أهل السنة " الرد على الزنادقة والجهمية ( ص 53 ) قول أهل السنة أنه عالٍ على خلقه مستو على عرشه أحاط بما لديهم علماً " .
* يا صاحب الرسالة استمع لما قاله الإمام أحمد في رده له على الزنادقة والجهمية قال - ص48-49 - : " أنكرتم أن يكون الله على العرش ، وقد قال تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقال { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وما بينهما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش } وقد أخبرنا أنه في السماء فقال : {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض}{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } وقال {إليه يصعد الكَلِمُ الطَّيِّب }، وقال {إني متوفيك ورافعك إلَيَّ} - أي لعيسى عليه السلام - وقال {بل رفعه إليه}وقال {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ}وقال {يخافون ربهم من فوقهم } وقال {ذي المعارج}وقال { وهو القاهر فوق عباده}وقال {وهو العلي العظيم } فهذا خبر الله أخبرنا أنه في السماء

وقال أيضاً " وإنما معنى قوله جل شأنه {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ }يقول : هو إلــه من في السماوات وإلـه من في الأرض ، وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون عرشه ، ولا يخلو من علم الله مكان ، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان ، فذلك قوله { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}(الطلاق: من الآية12) - الرد على الجهمية ص39 –) .
* وأما الشبهة التي أثارها صاحب الرسالة عن كروية الأرض والسماء تحيط بها ، أي وكأنه يريد القول – على حسب ما استنتجته من قوله - أنه كيف تنسب العلو لله فإن كان في جانب في جهة الفوق لكان أسفل بالنسبة إلى سكان الجانب الآخر ؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 25 / 196- 197 ) أن يقال : القائلون بأن العالم كرة يقولون : إن السماء عالية على الأرض من جميع الجهات ، والأرض تحتها من جميع الجهات ، والجهات قسمان : حقيقية ولها جهتان ، العلو والسفل فقط ، فالأفلاك وما فوقها هو العالي مطلقاً ، وما في جوفها هو السافل مطلقاً ، وإضافية : وهي الجهات الست بالنسبة للحيوان ، فما أمامه يقال له أمام ، وما خلفه يقال له خلف ، وما عن يمينه يقال له اليمين ، وما عن يساره يقال له اليسار ، ما فوق رأسه يقال له فوق ، وما تحت قدميه يقال له تحت .
أرأيت لو أن رجلاً علَّق رجليه إلى السماء ورأسه إلى الأرض أليست السماء فوقه وإن قابلها برجليه ؟! .
وإذا كان كذلك ، فالملائكة الذين هم في السماء ، هم باعتبار الحقيقة كلهم فوق الأرض ، وليس بعضهم تحت شيء من الأرض ، وكذلك السحاب وطير الهواء ، هو من جميع الجوانب فوق الأرض وتحت السماء ، ليس شيء منه تحت الأرض . وكذلك ما على ظهر الأرض من الجبال والنبات والحيوان والأناسي وغيرهم ، هم من جميع جوانب الأرض فوقها ، وهم تحت السماء ، وليس أهل هذه الناحية تحت أهل هذه الناحية ، ولا أحد منهم تحت الأرض ، ولا فوق السماء البتة .
وإذا كانت هذه المخلوقات لا يلزم من علوها على ما تحتها أن تكون تحت ما في الجانب الآخر من العالم ، فالعلي الأعلى سبحانه أولى أن لا يلزم من علوه على العالم أن يكون تحت شيء منه .
ويقول رحمه الله أيضاً في " درء تعارض العقل والنقل ( 6 / 332 ) ما نصه : ومن العجب أن هؤلاء النفاة يعتمدون في إبطال كتاب الله ، وسنة أنبيائه ورسله ، وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها ، وما فطر الله عليه عباده ، وجعلهم مضطرين إليه عند قصده ودعائه ، ونصب عليه البراهين العقلية الضرورية ، وعلى مثل هذه الحجة التي لا يعتمدون فيها إلا على مجرد خيال ووهم باطل ، مع دعواهم انهم هم الذين يقولون بموجب العقل ، ويدفعون موجب الوهم والخيال .
* قال صاحب الرسالة معلقاً على هذا الحديث والذي هو في الصحيحين " جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه قال { وما قدروا الله حق قدره } يقول " لو أثبت أن الأصابع في حديث الأصابع الذيقاله اليهودي في حضرة النبي صلى الله عليه واَله وسلم فلو أثبت أن الأصابع صفات ذاتللمولى عز وجل فلفظة ( يضع ) التي في الحديث معلومة المعنى لغوياً ، فإذا أثبت أنالأصابع صفات ذات مع نفى الكيفية فلابد أن يقول أن الذات تحت الأنهار وتحت الجبالوتحت الثرى التزاماً بدلالة ( يضع ) على الظاهر مع نفى الكيفية !!!
* أنا لا أدري يا صاحب الرسالة لماذا تصر على تعطيل النصوص ؟ والله ما أرى هذا إلا اتباع للظن وما تهوى الأنفس ، وقد بينا في سياق هذه الرسالة أن الأصل في الكلام أنه يحمل على الحقيقة ولا يصرف إلى المجاز إلا إذا استحال حمله على الحقيقة ، ولا يحمل الكلام على مجازه إلا بدليل صحيح يمنع الحقيقة ، ويشترط لصحة استعمال اللفظ من مجازه وجود ارتباط بين المعنى الحقيقي والمجازي ليصح التعبير عنه وهو ما يسمى في علم البيان " بالعلاقة " ، أي لابد أن يكون هناك علاقة بين الحقيقة والمجاز لأجل أن يصح التعبير به عنه فإن لم يكن له علاقة فلا يصح المجاز ، تبيان ذلك : التعبير عن النفس بالرقبة ، حيث هناك علاقة بينهما ، فمثلاً تريد أن تقول اشتريت عبداً واعتقته فلو قلت اشتريت نفساً وأعتقتها فصحيح لأن النفس لها علاقة بالرقبة أو تقول اشتريت رقبة فاعتقتها ، أما تقول ذهبت إلى السوق واشتريت ظفراً واعتقته فهذا لا يصح لأنه لا علاقة للظفر أن يمثل النفس .
ولكن يا صاحب الرسالة الحديث دل على المعنى الحقيقي لصفة اليد للحق سبحانه وتعالى وهو ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول‏:‏ أنا الملك، أين ملوك الأرض‏؟‏ ثم يقول‏:‏ أين الجبارون‏؟‏ أين المتكبرون‏؟‏‏)‏، وكذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر‏:‏‏)‏يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول‏:‏ أنا الملك، أين الجبارون‏؟‏ أين المتكبرون‏؟‏‏(‏، وفي لفظ لمسلم قال‏:‏ ‏(‏يأخذ الجبار تبارك وتعالى سمواته وأرضه بيديه جميعًا، فجعل يقبضهما ويبسطهما، ثم يقول‏:‏ أنا الملك، أنا الجبار، وأنا الملك، أين الجبارون‏؟‏وأين المتكبرون ‏؟‏ ‏!‏‏)‏ ويميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شىء منه حتى إني لأقـول‏:‏ أسـاقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم0
وفي السنن‏:‏ عن عوف بن مالك الأشجعي قال‏:‏ قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، قال‏:‏ ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه‏:‏ ‏(‏سبحان ذي الجبروت و الملكوت والكبرياء والعظمة‏)‏، ثم يسجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة‏.‏ رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل‏.‏ فقال في هذا الحديث‏:‏ ‏(‏سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة‏)‏‏.‏ وهذه الأربعة نُوزِعَ الرب فيها، كما قال‏:‏ ‏(‏أين الملوك‏؟‏‏!‏ أين الجبارون‏؟‏‏!‏ أين المتكبرون‏؟‏‏!‏‏)‏، وقال عز وجل‏:‏ ‏(‏العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته‏)‏0
يا صاحب الرسالة " فنفاة الصفات ما قدروا الله حق قدره، فإنه عندهم لا يمسك شيئًا ولا يقبضه ولا يطويه، بل كل ذلك ممتنع عليه، ولا يقدر على شىء من ذلك، وهم ـ أيضًا ـ في الحقيقة يقولون‏:‏ ما أنزل الله على بشر من شىء ، والسبب أن الإنزال إنما يكون من علو، والله ـ تعالى ـ عندهم ليس في العلو، فلم ينزل منه شىء، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 114‏]‏، ‏{‏تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 1، الجاثية‏:‏ 2، الأحقاف‏:‏ 2‏]‏ إلى غير ذلك، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.

يا صاحب الرسالة : الشاهد من هذا الحديث " وقبض رسول الله يده فجعل يقبضها ويبسطها " وهذا ليس تشبيهاً ولكن إثباتاً للمعنى . يا صاحب الرسالة فهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ربه صفة لم يتصف بها ؟ أم إنك تتهم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه من المشبِّهة ؟ أم تريد أن تتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق بربه - أنه يهذي بقوله ويتخبط بحركاته فهو لا يدري بماذا يتفوه ، أو يفعل حركات هو لا يعنيها ؛ - حاشاه - فمن اعتقد ذلك فقد اتهم رسول الله بالسفه والعياذ بالله وهذا وحده كفيل لإخراج صاحبه من الملة .
فالحذر من تعطيل النصوص بتحريفها وصرفها عن معناها الحقيقي فذلك هو الجهل المركب .
ورداً على الشبهة التي أحدثها صاحب الرسالة على الحديث هو الآتي :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 6 – 562 ) تعليقاً على الحديث " فقد تبين بهذا أن السموات والأرض وما بينهما بالنسبة إلى عظمة الله تعالى، أصغر من أن تكون مع قبضه لها إلا كالشىء الصغير في يـد أحدنا، حتى يدحوها كما تدحى الكرة‏.‏
والمقصود أنه إذا كان الله أعظم وأكبر وأجل من أن يقدر العباد قدره أو تدركه أبصارهم ، أو يحيطون به علما ، وأمكن أن تكون السماوات والأرض في قبضته لم يجب – والحال هذه – أن يكون تحت العالم أو تحت شيء منه ، فإن الواحد من الآدميين إذا قبض قبضة أو بندقة أو حمصة أو حبة خردل ، وأحاط بها ، لم يجز أن يقال ، إن أحد جانبيها فوقه .
وكذلك أمثال ذلك من إحاطة المخلوق ببعض المخلوقات كإحاطة الإنسان بما في جوفه ، وإحاطة البيت بما فيه وإحاطة السماء بما فيها من الشمس والقمر والكواكب ، فإذا كانت هذه المحيطات لا يجوز أن يقال : إنها تحت المحاط ، وأن ذلك نقص ، مع كون المحيط يحيط به غيره ، فالعلي الأعلى المحيط بكل شيء ، الذي تكون الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ، كيف يجب أن يكون تحت شيء مما هو عال عليه أو محيط به ، ويكون ذلك نقصاً ممتنعاً ؟!
وقد ذكر أن بعض المشايخ سئل عن تقريب ذلك إلى العقل ،فقال للسائل : إذا كان باشق كبير ، وقد أمسك برجله حمصة أليس يكون ممسكاً لها في حال طيرانه ، وهو فوقها ومحيط بها ؟ ؟ فإذا كان مثل هذا ممكناً في المخلوق ، فكيف يتعذر في الخالق ؟!!! " راجع درء تعارض العقل والنقل 6 / 327 – 329 " .
* ويثير صاحب الرسالة شبهة أخرى وهي ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام " لا تزال جهنم تقول { هل من مزيد } حتى يضع فيها رب العزة قدمه فتقول قط قط وعزتك. ويزوي بعضها إلى بعض " صحيح الترمذي ونحو في الصحاح عن أبي هريرة يقول الترمذي معلقاً على الحديث " ... وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وبن المبارك وبن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه " أي اثبات للمعنى مع تفويض الكيفية .
وليس هذا مخالف لصريح القرآن حيث أن النظر لوجه الله تعالى تكون في الجنة ، استمع لهذا الحديث " عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة عرضها وفي رواية طولها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وجنتان من فضة آنيتهما ما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ". متفق عليه . فالله فعال لما يريد .
* ويثير صاحب الرسالة شبهة أخرى وهي قوله : ماذا ستفعل في حديث الصورة وهوالحديث الذي رواه الإمام مسلم ( إذا ضرب أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدمعلى صورته ) يستدل صاحب الرسالة بكل هذا ليفوض المعنى وهو في الحقيقة يحمل هذه النصوص كلها على التفويض لتعطيلها والله المستعان .
الرد على الشبهة هو الآتي : يقول الألباني رحمه الله بعد أن أورد الحديث " [ إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته ] . فائدة : يرجع الضمير في قوله على صورته إلى آدم عليه السلام لأنه أقرب مذكور لأنه مصرح به في رواية. . عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله قال فزادوه ورحمة الله . قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن . أما حديث خلق الله آدم على صورة الرحمن فهو منكر كما حققته في الكتاب الآخرأي السلسلة الضعيفة (1176) .
* ولو سلمنا جدلاً بما قاله صاحب الرسالة فنرد عليه بقول للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في سياق شرحه للعقيدة الواسطية حيث قال رحمه الله " وأما الجواب المفصل، فنقول: إن الذي قال: "إن الله خلق آدم على صورته" هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهوالذي بلغ للأمة قوله تعالى : ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11] والرسول لا يمكن أن ينطلق بما يكذب المرسل والذي قال: "خلق آدم على صورته": هو الذي قال: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ، فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه؟! فإن قلت بالأول، فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه! وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار‌‍ وإن قلت بالثاني، زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فإن أبى فهمك، وتقاصر عن هذا، وقال: أنا لا أفهم إلا أنه مماثل.
قلنا: هناك جواب آخر، وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فقوله: "على صورته"، مثل قوله عزوجل في آدم: ]ونفخت فيه من روحي[ [ص: 72]، ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد الروح التي خلقها الله عز وجل، لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب التشريف، كما نقول: عباد الله، يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد والصديق والنبي لكننا لو قلنا: محمد عبد الله، هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة. فقوله: "خلق آدم على صورته"، يعني: صورة من الصور التي خلقها الله وصورها، كما قال تعالى: ]ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم[ [الأعراف: 11]، والمصور آدم إذاً، فآدم على صورة الله، يعني: أن الله هو الذي صوره على هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات، ]لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم[ [التين: 4]، فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف، كأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك، لا تضرب الوجه، فتعيبه حساً، ولا تقبحه فتقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فتعيبه معنى، فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً، لا تقبحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفاً أم له نظير؟
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، وناقة الله، وعبدالله، لأن هذه الصورة (أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله وكل شيء أضافه الله إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه، فهو من المخلوقات، فحينئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال لقائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة العربية وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون أدم عليها؟
قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
* يثير صاحب الرسالة شبهة أخرى على حديث للرسول صلى الله عليه وسلم " وهو : إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها " . فلو حمل هذا الحديث على ظاهره معنى ذلك أن أصبعي الله في صدور عباده يقلب قلوبهم كيف يشاء ، أقول رداً عليه : يا أخي أنصحك أن تطلب العلم قبل أن تتطاول على أسيادك العلماء ‌ فارجع إلى علماء اللغة كي تستفيد منهم قبل أن تفلسف الأمور على هواك .
قال عليه الصلاة والسلام " ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال " صحيح أبي داود .0
وإليك رداً من الشيخ ابن عثيمين في شرح للعقيدة الواسطية قياساً على شبهتك " ......... وقوله: ]واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا[، ]وحملناه على ذات ألواح ودسر (13) تجري بأعيينا جزاء لمن كان كفر[، ]وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني[(1)......
الآية الأولى: ]واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا[ [الطور: 48].
* الخطاب هنا للنبي عليه الصلاة والسلام.
* فصبر على حكم الله، ولكنه صبر مؤمن يؤمن بأن العاقبة له، لأن الله قال له: ]وأصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا[... هذا الاعتناء والحفاوة.... أكرم شيء يكون به الإنسان أن تقول له: أنت بعيني، أنت بقلبي... وما أشبه ذلك.
أنت بعيني، معناه: أنا ألاحظك بعيني. وهذا تعبير معروف عند الناس، يكون تمام الحراسة والعناية والحفظ بمثل هذا التعبير: أنت بعيني،. // وكقول بعض الناس لمن طلب منه شيء ويهو يحبه:" عيوني إليك" بالجمع مع أنه ليس له إلا عينان!//
إذاً، قوله: ]فإنك بأعيننا[، يعني: فإنك محروس غاية الحراسة، محفوظ غاية الحفظ.
]بأعيننا[: أعيننا معك، نحفظك، ونرعاك، ونعتني بك.
في الآية الكريمة إثبات العين لله عز وجل، لكنها جاءت بصيغة الجمع، لما سنذكر إن شاء الله تعالى.
العين من الصفات الذاتية الخبرية: الذاتية: لأنه لم يزل ولا يزال متصفاً بها، الخبرية: لأن مسماها بالنسبة إلينا أجزاء وأبعاض.
فالعين منا بعض من الوجه، والوجه بعض من الجسم، لكنها بالنسبة لله لا يجوز أن نقول: إنها بعض من الله، لأنه سبق أن هذا اللفظ لم يرد، وأنه يقتضي التجزئة في الخالق، وأن البعض أو الجزء هو الذي يجوز بقاء الكل بفقده، ويجوز أن يفقد، وصفات الله لا يجوز أن تفقد أبداً، بل هي باقية.
وقد دل الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن لله عينين اثنتين فقط، حين وصف الدجال وقال: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور"(1)، وفي لفظ: "أعور العين اليمنى"
وقد قال بعض الناس معنى (أعور)، أي: معيب، وليس من عور العين!!
وهذا لا شك أنه تحريف وتجاهل للفظ الصحيح الذي في البخاري وغيره: "أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية" وهذا واضح.
ولا يقال أيضاً: (أعور) باللغة العربية، إلا لعور العين، أما إذا قيل: (عور) أو (عوار)، فربما يراد به مطلق العيب.
وهذا الحديث يدل على أن لله تعالى عينين اثنتين فقط.
ووجه الدلالة أنه لو كان لله أكثر من اثنتين، لكان البيان به أوضح من البيان بالعور، لأنه لو كان لله أكثر من عينين، لقال: إن ربكم له أعين، لأنه إذا كان له أعين أكثر من ثنتين، صار وضوح أن الدجال ليس برب أبين. ؟صـــ
وأيضاً: لو كان الله عز وجل أكثر من عينين، لكان ذلك من كماله، وكان ترك ذكره تفويتاً للثناء على الله، لأن الكثرة تدل على القوة والكمال والتمام، فلو كان لله أكثر من عينين، لبينها الرسول عليه الصلاة والسلام، لئلا يفوتنا اعتقاد هذا الكمال، وهو الزائد على العينين الثنتين.
ولقد ذكر ذلك عثمان بن سعيد الدرامي رحمه الله في "رده على بشر المريسي"، وكذلك أيضاً ذكره ابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، وذكر أيضاً إجماع السلف على ذلك أبو الحسن الأشعري رحمه الله وأبو بكر الباقلاني، والأمر في هذا واضح.
فعقيدتنا التي ندين لله بها: أن لله تعالى عينين اثنتين، لا زيادة.
فإن قيل: إن من السلف من فسر قوله تعالى: ]بأعيننا[، بقوله: بمرأى منا. فسره بذلك أئمة سلفيون معروفون، وأنتم تقولون: إن التحريف محرم وممتنع، فما الجواب؟
فالجواب: أنهم فسروها باللازم، مع إثبات الأصل، وهي العين، وأهل التحريف يقولون: بمرأى منا، بدون إثبات العين، وأهل السنة والجماعة يقولون: ]بأعيننا[: بمرأى منا، ومع إثبات العين.
لكن ذكر العين هنا أشد توكيداً وعناية من ذكر مجرد الرؤية، ولهذا قال: ]فإنك بأعيننا[.
قالت المعطلة: أجلبتم علينا بالخيل والرجل في إنكاركم علينا التأويل، وأنتم أولتم فأخرجتم الآية عن ظاهرها، فالله يقول: ]فإنك بأعيننا[، فخذوا بالظاهر، وإذا أخذتم بالظاهر، كفرتم، وإذا لم تأخذوا بالظاهر، تناقضتم، فمرة تقولون: يجوز التأويل، ومرة تقولون: لا يجوز التأويل، وتسمونه تحريفاً، وهل هذا إلا تحكم بدين الله؟‍
قلنا: نأخذ بالظاهر، وعلى العين والرأس، وهو طريقتنا، ولا نخالفه.
قالوا: الظاهر من الآية أن محمد بعين الله، وسط العين، كما تقول: زيد بالبيت. زيد بالمسجد، فالباء للظرفية، فيكون زيد داخل البيت وداخل المسجد، فيكون قوله: ]بأعيننا[، أي: داخل أعيننا‍ وإذا قلتم بهذا كفرتم، لأنكم جعلتم الله محلاً للخلائق، فأنتم حلولية، وإن لم تقولوا به، تناقضتم؟‍
قلنا لهم: معاذ الله ثم معاذ الله ثم معاذ الله أن يكون ما ذكرتموه ظاهر القرآن، وأنتم إن اعتقدتم أن هذا ظاهر القرآن، كفرتم، لأن من اعتقد أن ظاهر القرآن كفر وضلال، فهو كافر ضال.
فأنتم توبوا إلى الله من قولكم: إن هذا هو ظاهر اللفظ‍ واسألوا جميع أهل اللغة من الشعراء والخطباء: هل يقصدون بمثل هذه العبارة أن الإنسان المنظور إليه بالعين حال في جفن العين؟‍ اسألوا من شئتم من أهل اللغة أحياء وأمواتاً‍
فأنت إذا رأيت أساليب اللغة العربية، عرفت أن هذا المعنى الذي ذكروه وألزمونا به لا يرد في اللغة العربية، فضلاً عن أن يكون مضافاً إلى الرب عز وجل، فإضافته إلى الرب كفر منكر، وهو منكر لغة وشرعاً وعقلاً.
فإن قيل: بماذا تفسرون الباء في قوله: ]بأعيننا[؟
قلنا: نفسرها بالمصاحبة، إذا قلت: أنت بعيني، يعني: أن عيني تصحبك وتنظر إليك، لا تنفك عنك، فالمعنى: أن الله عز وجل بقول لنبيه: اصبر لحكم الله، فإنك محوظ بعنايتنا وبرؤيتنا لك بالعين حتى لا ينالك أحد بسوء.
ولا يمكن أن تكون الباء هنا للظرفية، لأنه يقتضي أن يكون رسول الله في عين الله، وهذا محال.
وأيضاً، فإن رسول الله خوطب بذلك وهو في الأرض، فإذا قلتم: إنه كان في عين الله كانت دلالة القرآن كذباً.
وهذا وجه آخر في بطلان دعوى أن ظاهر القرآن أن الرسول في عين الله تعالى.
الآية الثانية: قوله تعالى: ]وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر[ [القمر: 13-14].
صنعها بأمر الله ورعاية الله وعنايته، وقال الله له: ]واصنع الفلك بأعيننا ووحينا[ [هود: 37] فالله تعالى ينظر إليه وهو يصنع الفلك، ويلهمه كيف يصنعها.
* ووصفها الله هنا في قوله: ]ذات ألواح ودسر[: ]ذات[: بمعنى: صاحبة. والألواح: الخشب. والدسر: مايربط به الخشب كالمسامير والحبال وما أشبه ذلك، وأكثر المفسرين على أن المراد بها المسامير التي تربط بها الأخشاب.
* ]تجري بأعيننا[: هذا الشاهد: ]بأعيننا[: أي ذات الألواح والدسر بأعين الله عز وجل. والمراد بالأعين هنا عينان فقط، كما مر ومعنى تجري بها، أي: مصحوبة بنظرنا بأعيننا، فالباء هنا للمصاحبة، تجري على الماء الذي نزل من السماء ونبع من الأرض، لأن نوحاً عليه الصلاة والسلام دعا ربه ]أني مغلوب فانتصر[ [القمر: 10]، قال الله تعالى: ]ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر* وفجرنا الأرض عيوناً[ [القمر: 11-12]، فكانت هذه السفينة تجري بعين الله عز وجل.
* وقوله: ]تجري بأعيننا[، نقول فيها ما قلناه في قوله تعالى: ]فإنك بأعيننا[ [الطور: 48].
الآية الثالثة: قوله: ]وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني[ [طه: 39].
* الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام.
* فقوله: ]وألقيت عليك محبة مني[: اختلف المفسرون في معناها:
فمنهم من قال: ]وألقيت عليك محبة مني[، يعني: أني أحببتك.
ومنهم من قال: ألقيت عليك محبة من الناس، والإلقاء من الله، أي أن: من رآك أحبك، وشاهد هذا أن امرأة فرعون لما رأته أحبته وقالت: //قرة عين لي ولك// ]لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً[ [القصص: 9].
ولو قال قائل: أيمكنكم أن تحملوا الآية على المعنيين؟ لقلنا: نعم بناء على القاعدة، وهو أن الآية إذا كانت تحمل معنيين لا منافاة بينهما، فإنها تحمل عليهما جميعاً، فموسى عليه الصلاة والسلام محبوب من الله عز وجل، ومحبوب من الناس، إذا رآه الناس، أحبوه، والواقع أن المعنيين متلازمان، لأن الله تعالى إذا أحب عبداً، ألقى في قلوب العباد محبته.
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أحبه الله وحببه إلى خلقه.
* ثم قال: ]ولتصنع على عيني[: الصنع: جعل الشيء على صفة معينة، كصنع صفائح الحديد قدوراً، وصنع الأخشاب أبواباً، وصنع شيء بحسبه، فصناعة البيت: بناء البيت، وصناعة الحديد: جعلها أواني مثلاً أو محركات، وصنع الآدمي: معناه التربية البدنية والعقلية: تربيته البدنية بالغذاء، وتربيته العقلية بالآداب والأخلاق وما أشبه ذلك.
وموسى على الصلاة والسلام حصل له ذلك، فإنه ربي على عين الله:
لما التقط آل فرعون، حماه الله عز وجل من قتلهم، مع أنهم كانوا يقتلون أبناء بني إسرائيل، فقضى الله تعالى أن هذا الذي تقتل الناس من أجله ستربى في أحضان آل فرعون، فالناس يقتلون من أجله، وهو يتربى آمناً في أحضانهم. وانظر إلى هذه القدرة العظيمة‍‍.
ومن تربية الله له عرض على المراضع ـ النساء اللاتي يرضعنه ـ، ولكنه ما رضع من أي واحدة: ]وحرمنا عليه المراضع من قبل[ [القصص: 12]، فما رضع من امرأة قط، وكانت أخته قد انتدبت من قبل أمه، فرأتهم، وقالت: ]هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون[ [القصص: 12]، قالوا: نعم، نحن نود هذا. فقالت: اتبعوني. فتبعوها، قال تعالى: ]فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن[ [القصص: 13]، ولم يرضع من امرأة قط، مع أنه رضيع لكن هذا من كمال قدرة الله وصدق وعده، لأن الله عز وجل قال لها: ]فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين[ [القصص: 7].
الأم شفقتها على ابنها لا أحد يتصورها، قيل لها: اجعلي ابنك في صندوق، وألقيه في البحر، وسيأتي إليك.
لولا الإيمان الذي مع هذه المرأة، ما فعلت هذا الشيء تلقي ابنها في البحر لو أن ابنها سقط في تابوته في البحر، لجرته فكيف وهي التي تلقيه؟ لكن لثقتها بالرب عز وجل ووعده ألقته في اليم.
وقوله: ]ولتصنع على عيني[، بالإفراد، هل ينافي ما سبق من ذكرها بالجمع؟!
الجواب: لا تنافي، وذلك لأن المفرد المضاف يعم فيشمل كل ما ثبت لله من عين، وحينئذ لا منافاة بين المفرد وبين الجمع أو التثنية.
إذاً، يبقى النظر بين التثنية والجمع، فكيف نجمع بينهما؟!
الجواب أن نقول: إن كان أقل الجمع اثنين، فلا منافاة، لأننا نقول: هذا الجمع دال على اثنتين، فلا ينافيه. وإن كان أقل الجمع ثلاثة، فإن هذا الجمع لا يراد به الثلاثة، وإنما يراد به التعظيم والتناسب بين ضمير الجمع وبين المضاف إليه.
وقد فسر أهل التحريف والتعطيل العين بالرؤية بدون عين، وقالوا: ]بأعيننا[: برؤية منا، ولكن لا عين، والعين لا يمكن أن تثبت لله عز وجل أبداً، لأن العين جزء من الجسم، فإذا أثبتنا العين لله، أثبتنا العين لله، أثبتنا تجزئة وجسماً، وهذا شيء ممتنع، فلا يجوز، ولكنه ذكر العين من باب تأكيد الرؤية، يعني: كأنما نراك ولنا عين، والأمر ليس كذلك!!
فنقول لهم: هذا القول خطأ من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر اللفظ.
الثاني: أنه مخالف لإجماع السلف.
الثالث: أنه لا دليل عليه، أي: أن المراد بالعين مجرد الرؤية.
الرابع: أننا إذا قلنا بأنها الرؤية، وأثبت الله لنفسه عيناً، فلازم ذلك أنه يرى بتك العين، وحينئذ يكون في الآية دليل على أنها عين حقيقية.
* يستدل صاحب الرسالة على بدعة تفويض معنى صفات الحق سبحانه وتعالى قول السلف الصالح رحمهم الله ورضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين " أمرُّوها كما جاءت بلا كيف " تبيان هذه المقولة هو الآتي :
قولهم " أمرُّوها كما جاءت " فهو رد على المعطلة ، وقولهم بلا كيف رد على الممثلة " . ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله ، لما قالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف " فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم .
وأيضاً ؛ فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنىً ؛ وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات .
وأيضاً ؛ فإن من ينفي علو الله على العرش والنزول لا يحتاج أن يقول " بلا كيف !! فمن قال أن الله ليس على العرش . لا يحتاج أن يقول " بلا كيف " ، فلو كان مذهب السلف التفويض في المعنى ؛ لما قالوا بلى كيف .
وأيضاً ؛ قولهم " أمروها كما جاءت " يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه ، فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معاني ؛ فلو كانت دلالتها منتفية ؛ لكان الواجب أن يقال " أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد " أو " أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلَّت عليه حقيقةً " وحينئذٍ فلا تكون قد أمرِّت كما جاءت ، ولا يقال حينئذٍ : بلا كيف ؛ إذ نفي الكيف عمَّا ليس بثابت لغو من القول " مجموع الفتاوى ( 5 / 39 – 42 ) .
فلا يقال أن السلف رحمهم الله تعالى تلقوا النصوص فلم يفهموها ، ففوَّضوا معناها . ولا يجوز أن يشتمل القرآن على ما لا يُعلَم معناه – حاشاهم من ذلك " بل كفُّوا عن الثرثرة " والتشدق ، لا عجزاً بحمد الله عن الجدال والخصام ، ولا جهلاً بطرق الكلام ، وإنما أمسكوا عن الخوض في ذلك عن علم ودراية ، لا عن جهل وعماية " الذيل على طبقات الحنابلة ( 2 / 207 )
* صاحب الرسالة زعم أن بدعة التفويض التي هو عليها هي عقيدة السلف الصالح ، والعياذ بالله من هذا الافتراء ، حيث من المعلوم وكما بين ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى أن بدعة علم الكلام كان أول ظهور لها على يد الجَعْد بن درهم، في أوائل المائة الثانية، حيث هو أول من أظهر إنكار التكليم والمخالّة ، وأمر علماء الإسلام ـ كالحسن البصري وغيره ـ بقتله؛ " فضَحَّى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق بـ ‏[‏واسط‏]‏‏.‏ فقال‏:‏ أيها الناس، ضَحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مُضَحٍّ بالجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليمًا‏ تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرًا‏.‏ ثم نزل فذبحه‏.‏ " صحيح ، صححه الألباني في مختصر العلو "‏ وأخذ ذلك عنه الجهم بن صفوان
* لنرى نهج الصحابة والتابعين ومن بعدهم وأقوالهم في العلو والفوقية :
1- فهذا ابن عباس رضي الله عنه حبر هذه الأمة وترجمان القرآن ، الذي قال في حقه صلى الله عليه وسلم " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " الصحيحة ، أنه دخل على عائشة رضي الله عنها وهي تموت ، فقال لها " كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يحب إلا طيبا ، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات "رواه أحمد وإسناده حسن
وقال رضي الله عنه في قوله تعالى { ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } (لأعراف:17)لم يستطع أن يقول من فوقهم علم أن الله من فوقهم " رواه اللالكائي في شرح أصول السنة (661 ) بسند حسن
2- أم المؤمنين زين بنت جحش رضي الله عنها :
نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } قال فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أهلكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، رواه الترمذي وفي لفظ للبخاري " إن الله أنكحني في السماء "
3- وهذا ابن مسعود رضي الله عنه الذي قال في حقه عليه الصلاة والسلام " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " صحيح ابن ماجه ،وقال في حقه أيضاً " رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد " الصحيحة . ‌وقال عن نفسه رضي الله عنه " وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ " متفق عليه
قال :" العرش فوق الماء والله عز وجل فوق العرش ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم " صحيح أنظر سنن البيهقي
4- أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والذي قال في حقها أبو موسى الأشعري ما اختلفنا في شيء ( أي أنه ما من امر فقهي يختلف عليه بين الصحابة ) إلا وجدنا حله عند عائشة رضي الله عنها . قالت : وايم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته - يعني عثمان رضي الله عنه - ولكن علم الله فوق عرشه أني لم أحب قتله " صحيح الدارمي
5- وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي قال في حقه عليه الصلاة والسلام " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " صحيح الجامع وقال أيضاً " هذان السمع والبصر - يعني أبا بكر وعمر" صحيح الجامع - . ‌ يقول عمر : ويل لديان الأرض من ديان السماء يوم يلقونه إلا من أمر بالعدل فقضى بالحق" صحيح مختصر العلو
6- أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ، روى البخاري عن ابن عباس قال : لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأخيه : اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء فاسمع من قوله ثم ائتني " قوله " يأتيه الخبر من السماء " المراد بالوحي . وهل يوحي إلا الله ؟
7 - وهذا ابن عمر رضي الله عنه مر براع فقال : هل من جزرة ؟ فقال : ليس هاهنا ربها - أي صاحبها- قال ابن عمر : تقول له أكلها الذئب قال : فرفع رأسه إلى السماء وقال فأين الله فقال ابن عمر أنا والله أحق أن أقول أين الله واشترى الراعي والغنم فأعتقه وأعطاه الغنم . - أراد ابن عمر أن يمتحن الراعي- إسناده جيد مختصر العلو 0
8- وهذا مسروق رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدَّث عن عائشة قال " حدثتني الصِّديقة بن الصِّديق حبيبة حبيب الله ، المبرَّأة من فوق سبع سماوات .... " أخرجه الذهبي وهو صحيح
9- الامام الأوزاعي (ت 157 هـ ) علم الشام وعالمه قال رحمه الله كنا والتابعون متوافرون نقول " إن الله عز وجل على عرشه ، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته " أخرجه البيهقي في الاسماء والصفات وصححه الذهبي .
10 – مالك إمام دار الهجرة ( 179 هــ) قال الامام مالك رحمه الله " الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء " رواه أبو داود وهو صحيح –
11- حماد بن زيد البصري (179) قال رحمه الله " إنما يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إلـه . يعني الجهمية " أخرجه الذهبي والعلو ص 970
12- عبد الله بن المبارك شيخ الاسلام ، شيخ الامام أحمد ( 181 هـ ) قال علي بن الحسن بن شقيق " قلت لعبد الله بن المبارك كيف نعرف ربنا عز وجل ؟ قال : بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه " رواه الدارمي في الرد على الجهمية 67 بسند صحيح .
13- جرير الضبي محدث الري (188 هـ) قال يحيى بن المغيرة سمعت جرير بن عبد الحميد يقول كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم وإنما يحاولون أن يقولوا : ليس في السماء إله " جود اسناده الألباني في مختصر العلو 0

14- وهذا الامام الشافعي ( 204 هـ) قال " القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيت أصحابنا عليها ، أهل الحديث الذين رأيتهم فأخذت عنهم ، مثل سفيان ومالك وغيرهما : الإقرار بشهادة أن لا إلـه إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ، وأن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء "
وصية الامام الشافعي ص53- 54)
وقال : " وأن الله عز وجل يُرى في الآخرة ينظر إليه المؤمنون عياناً جهاراً ، ويسمعون كلامه ، وأنه فوق العرش " المرجع السابق ص38- 39)
15- عاصم بن علي شيخ البخاري (221هـ) قال رحمه الله " ناظرت جهمياً فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء رباً " العلو ص 1069 "
16- إسحاق بن راهويه علم خراسان وعالمها (238هـ) قال رحمه الله { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طـه: 5 ) إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة ، قال الذهبي معلقاً " اسمع ويحك لهذا الامام كيف نقل الاجماع على هذه المسألة الشريفة " العلو ص 1128 ". )
17- قتيبة بن سعيد شيخ خراسان ( 240 هـ) قال رحمه الله هذا قول الأئمة في الإسلام السنة والجماعة : نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال جل جلاله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طـه:5 ) قد نقل رحمه الله الاجماع على المسألة ، وقد لقي مالكاً والليث وحماد بن زيد والكبار وعمَّر دهراً وازدحم الحفاظ على بابه " العلو ص 1103 "
17- وهذا تصريح من أبي حنيفة بتكفير من أنكر أن يكون اللّه في السماء، حيث قال : من قال "لا أعرف ربي في السماء، أم في الأرض فقد كفر؛ لأن اللّه يقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وعرشه فوق سبع سموات0
ومن قال"لا أدري، العرش في السماء أم في الأرض فهو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عليين، وإنه يدعي من أعلى لا من أسفل 0 " أنظر مجموع الفتاوى " 0

18- وهذا الإمام أحمد "إمام أهل السنة والجماعة " قد سبق وذكرنا ما كان من رده على الجهمية في سياق هذه الرسالة ارجع إليها إن شئت
19- الإمام الرباني محمد بن أسلم الطوسي (242هـ) قال رحمه الله ، قال لي عبد الله بن طاهر " بلغني أنك ترفع رأسك إلى السماء فقلت ولم ؟ وهل أرجو الخير إلا ممن هو في السماء " العلو ص1167 " قال الألباني اسناده جيد
20 – الترمذي (279هـ) قال رحمه الله " وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه " جامع الترمذي (5/403)
21- الدارمي (280هـ) قال رحمه الله " اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله فوق عرشه فوق سمواته " – نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد (ص154)
22 – عمرو بن عثمان المكي (297هـ) قال في كتابه الذي سماه ‏:‏ ‏[‏التعرف بأحوال العباد والمتعبدين‏]‏ ـ قال‏:‏ ‏[‏باب ما يجيء به الشيطان للتائبين‏]‏ وذكر أنه يوقعهم في القنوط، ثم في الغرور وطول الأمل، ثم في التوحيد‏.‏ فقال ‏:‏ ‏[‏من أعظم ما يوسوس في التوحيد بالتشكل أو في صفات الرب بالتمثيل والتشبيه، أو بالجحد لها والتعطيل‏]‏،
فلا تذهب في أحد الجانبين، لا معطلا ولا مشبهًا، وارض لله بما رضي به لنفسه، وقف عند خبره لنفسه مسلمًا، مستسلمًا، مصدقًا، بلا مباحثة التنفير، ولا مناسبة التنقير ‏.‏
إلى أن قال‏:‏فهو ـ تبارك وتعالى ـ المستوى على عرشه بعظمة جلاله فوق كل مكان، تبارك وتعالى النازل كل ليلة إلى سماء الدنيا ليتقرب إليه خلقه بالعبادة، وليرغبوا إليه بالوسيلة، إلى أن قال‏:‏ ‏{‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏10‏]‏، القائل ‏{‏أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏16 ،17‏]‏، تعالى وتقدس أن يكون في الأرض كما هو في السماء، جل عن ذلك علوًا كبيرًا ‏"‏ مجموع الفتاوى (5/62- 65).


23- ابن أبي شيبة ( 297هـ) قال رحمه الله في " كتاب العرش " فالله تعالى استوى على العرش يرى كل شيء في السموات والأرضين ، ويعلم ويسمع كل ذلك بعينه وهو فوق العرش ، يرى ويسمع ما في الأرض السفلى ، ولكنه خلق العرش كما خلق الخلق لما شاء وكيف يشاء ، وما يحمله إلا عظمته فقال { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة:5 ) وقال عز وجل { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(فاطر: من الآية10) وقال عز وجل
{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } (عمران: من الآية55) وقال تعالى { بل رفعه إليه } النساء 1
وأجمع الخلق جميعاً أنهم إذا دعوا الله جميعاً رفعوا أيديهم إلى السماء ، فلو كان الله عز وجل في الأرض السفلى ، ما كانوا يرفعون أيديهم إلى السماء وهو معهم في الأرض ثم تواترت الأخبار أن الله تعالى خلق العرش فاستوى عليه بذاته فهو فوق السموات وفوق العرش بذاته متخلصاً من خلقه ، بائنا منهم علمه في خلقه ، لا يخرجون من علمه . " كتاب العرش ص- 49-51 "

24- محمد بن جرير الطبري ( 310 هـ ) قال رحمه الله " وحسب امرىء أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر وضل وهلك " صريح السنة ( ص 26- 27 )
وقال في تفسير قوله تعالى { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ }(المجادلة: من الآية7) وعنى بقوله { رابعهم } بمعنى أنه مشاهدهم بعلمه وهو عل عرشه " جامع البيان (28/12 ) وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}(الحديد: من الآية4) يقول وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم وهو على عرشه فوق سماواته "جامع البيان27/216
25- إمام الأئمة ابن خزيمة (311) قال رحمه الله " من لم يقر بأن اللّه على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته، فهو كافر بربه ، حلال الدم يستتاب‏,‏ فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وألقى على بعض المزابل‏ حيث لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته ، وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين إذ المسلم لا يرث الكافر " معرفة علوم الحديث (ص84) للحاكم النايسبوري وصححه شيخ الاسلام في الحموية .‏
26- أبو حسن الأشعري ( 324 ) وهذا أبو حسن الأشعري الذي ينتسب إليه أهل التحريف والضلال بزعمهم أنهم على مذهبه متمسكون ، فماذا كان مذهبه رحمه الله ؟ لنسمع الجواب من كتابه العظيم "الإبانة في أصول الديانة " قال "ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، : أن اللّه على عرشه كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وأن له يدين بلا كيف كما قال تعالى :{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} -ص75) وأقروا أن للّه عالما كما قال {أَنزَلَهُ بِعِلْمِه} {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ }[ فاطر:11] وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن اللّه كما نفته المعتزلة، ويقولون إن القرآن كلام اللّه غير مخلوق؛ ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، مثل (إن اللّه ينزل إلى سماء الدنيا فيقول هل من مستغفر فأغفر له ؟كما جاء في الحديث 0 ويقرون أن اللّه يجىء يوم القيامة كما قال{وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] 0 وقال الأشعري أيضًا في [مسألة الاستواء] قال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم، ولا يشبه الأشياء، وأنه على عرشه، كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه 5] 0 ولا نتقدم بين يدي اللّه ورسوله في القول، بل نقول "استوى بلا كيف، وأن له يدين بلا كيف كما قال تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] وإن اللّه ينزل إلى سماء الدنيا، كما جاء في الحديث0
وقال أيضاًَ في هذا الكتاب العظيم " الإبانة في أصول الديانة : [باب الاستواء]:إن قال قائل:ما تقولون في الاستواء؟قيل:نقول له:إن اللّه مستو على عرشه كما قال :{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال :{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر10] وقال:{ بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء:158]
وقال تعالى حكاية عن فرعون {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر36 ،37]كذب فرعون موسى في قوله إن اللّه فوق السموات قال اللّه تعالى {َمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}(لملك:16)السماوات فوقها العرش، وكل ما علا فهو سماء، وليس إذا قال{أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} يعني: جميع السموات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات، ألا ترى أنه ذكر السموات فقال{وجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}ولم يرد أنه يملأ السموات جميعًا؟ورأينا المسلمين جميعًا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن اللّه مستوٍ على العرش الذي هو فوق السموات، فلولا أن اللّه على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو السماء ( الابانة ص 69-71)

27- البربهاري (329) قال رحمه الله " اعلم أن الكلام في الرب تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ، ولا يتكلم الرب إلا بما وصف به نفسه عز وجل في القرآن ، وما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، فهو جل ثناؤه واحد { وهو السميع البصير }
ربُّنا أول بلا متى ، وآخر بلا منتهى ، يعلم السر وأخفى ، وهو على عرشه استوى ، وعلمه بكل مكان ، ولا يخلو من علمه مكان " شرح السنة للبربهاري ص 24 "
28 – الإمام أبو بكر الآجري (360) قال رحمه الله في كتاب الله آيات تدل على أن الله تبارك وتعالى في السماء على عرشه ، وعلمه محيط بجميع خلقه ، يعلم ما تسرون وما تعلنون ، يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون " أصول السنة ( ص 88)
29- أبو قاسم اللالكائي (418) هبة الله بن الحسن الطبري الشافعي مصنف كتاب " شرح اعتقاد أهل السنة " وهو مجلد ضخم " سياق ما روي في قوله تعالى { الرحمـن على العرش استوى } وأن الله على عرشه في السماء : قال الله عز وجل { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } (فاطر: من الآية10) وقال { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ }
وقال { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً }(الأنعام: من الآية61) فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه محيط بكل مكان من أرضه وسمائه ، وروي ذلك من الصحابة : عن عمر وابن مسعود وابن عباس وأم سلمة .
ومن التابعين : ربيعة بن أبي عبد الرحمـن وسلمان التيمي ومقاتل بن حبان 0
وبه قال من الفقهاء مالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/429 – 430 )
30 – يحيى بن عمار المفسر الحنبلي رحمه الله قال " كل مسلم من أول عصرنا هذا إذا دعا الله سبحانه رفع يديه إلى السماء . والمسلمون من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا ، يقولون في الصلاة ما أمرهم الله تعالى به في قوله تعالى { سبح اسم ربك الأعلى }
نقول هو بذاته على العرش ، وعلمه محيط بكل شيء " الحجة في بيان المحجة (2/106-107)
31- السلطان محمود بن سيد الأمراء فاتح السند ( 421هـ) قال أحمد بن محمد البجلي " دخل ابن فورك على السلطان فقال : لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية لأن لازم ذلك وصفه بالتحتية ، فمن جاز أن يكون له فوق ، جاز أن يكون له تحت . فقال السلطان : ما أنا وصفته حتى يلزمني ، بل هو وصف نفسه . فبهت ابن فورك فلما خرج من عنده مات . فيقال انشقت مرارته " السير (17/ 487)
32- وقال أبو نعيم الأصبهاني، صاحب ‏[‏الحلية‏]‏ في عقيدة له، قال في أولها‏:‏ ‏[‏طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب والسنة، وإجماع الأمة‏]‏ قال‏:‏ ‏[‏فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء اللّه يقولون بها، ويثبتونها، من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وأن اللّه بائن من خلقه والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه، دون أرضه وخلقه‏]‏‏.‏
وقال الحافظ أبو نعيم في كتابه ـ ‏[‏محجة الواثقين، ومدرجة الوامقين‏]‏ تأليفه ـ‏:‏ ‏[‏وأجمعوا أن اللّه فوق سمواته، عالٍ على عرشه، مستوٍِ عليه، لا مستولٍِ عليه كما تقول الجهمية أنه بكل مكان، خلافًا لما نزل في كتابه‏:‏‏{‏أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏16‏]‏، ‏{‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏10‏]‏، ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏5‏] مجموع الفتاوى ( 5/60)

33- القاضي أبو يعلي (458هـ) قال في كتاب المعتمد في أصول الدين (ص54- 55 )
" وقد وصف سبحانه نفسه بالاستواء على العرش فقال { الرحمـن على العرش استوى } وقال سبحانه { ثم استوى على العرش } والواجب اطلاق هذه الصفة من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش .
34- البيهقي (458هـ) قال الحافظ البيهقي في كتاب الاعتقاد (ص116- 118) باب القول في الاستواء قال الله تبارك وتعالى { الرحمـن على العرش استوى } وقال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }(لأعراف: من الآية54
وقال تعالى { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (النحل:50)
)إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ )(فاطر: من الآية10)
أي على جذوع النخل ) وقال تعالى { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) (التوبة: من الآية 2 يعني على الأرض { ءأمنتم من في السماء } أراد من فوق السماء ، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات
35- ابن عبد البر ( 463هـ) – يزعم صاحب الرسالة أن ابن عبد البر من ضمن الذين قالوا (أمروها كما جاءت وأن الظاهر غير مراد) أي لصفات الله تعالى كما زعم ذلك وافترى على الأئمة الأربعة الأعلام ، لننظر ماذا يقول ابن عبد البر!!
قال رحمه الله تعليقاً على حديث النزول " هذا الحديث ثابت من جهة النقل ، صحيح الاسناد ، لا يختلف أهل الحديث في صحته وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات ،كما قالت الجماعة..
إلى أن قال : وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء ، فقال رحمه الله : ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته ، حتىتتفق الأمة أنه أريد به المجاز ، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا ، إلا على ذلك وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم ، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات ، وجل الله عز وجل عن أن يخاطب الأمة إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها ، مما يصح معناه عند السامعين
والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم ، وهو العلو والارتفاع على الشيء... وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}(الزخرف: من الآية13) وقال { وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) (هود: من الآية44)
وقال {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ) (المؤمنون: من الآية 28 ) .
وقال رحمه الله : ومن الحجة أيضاً في أنه عز وجل على العرش ، فوق السماوات السبع ، أن الموحدين أجمعين ، من العرب والعجم ، إذا كربهم أمر ، أو نزلت بهم شدة ، رفعوا وجوههم إلى السماء ، يستغيثون ربهم تبارك وتعالى ،وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة ، من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته ؛ لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ، ولا أنكره عليهم مسلم " التمهيد (7/135)
* ما تقول في هذا يا صاحب الرسالة ؟ وأنا أسألك سؤالا عندما تدعو الله تعالى إلى أين توجه يديك ، إلى الأعلى أم إلى الأسفل ، إلى اليمين أم إلى الشمال ، إلى الأمام أم إلى الخلف ؟ ؟؟!!
أم أنك مستغن عن دعاء مولاك ، وما تقول في هذا الحديث " إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا " إذاً لا بد أن ترفع يديك لمولاك ، افهم اللغة العربية ولا تحرف الكلم عن مواضعه ، " قال إذا رفع " ولم يقل إذا خفض ، أو توجه بيديه يمنة أو يسرى ، وإلا تكون قد خنت الفطرة التي فطرك الله عليها ، انظر يا صاحب الرسالة يا من تدعي اقتفاءك لأثر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن وحسنه الألباني في صحيح الترمذي عن عمر بن الخطاب أنه قال " نظر نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم أتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه من منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين }يا صاحب الرسالة وهل يسقط الرداء عن المنكبين إلا إذا كان هنالك مبالغة في رفعها إلى ربها العلي الأعلى ، ولكن سبحان الله فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
* يا صاحب الرسالة أنت بين أمرين إما أن تكون على ملة أهدى من ملة محمد – ومن اعتقده فقد خرج من ملة الإسلام ، أو فاتح باب ضلالة ، وإلا وسعك ما وسع محمداً وأنبياء من قبله وكذلك من اقتدى بهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين .*
وقال في التمهيد أيضاً (7/153) وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا " عندهم – أي عند الصحابة – مثل قول الله عز وجل { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } ألأعراف: من الآية143 ) ومثل قوله تعالى { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّا} (الفجر:22 ) كلهم يقول : ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف ، ولا يقولون كيف يجيء ؟ وكيف يتجلى ؟ وكيف ينزل ؟ ولا من أين جاء ؟ ولا من أين يتجلى ؟ ولا من أين ينزل ؟ لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء ولا شريك له .
وقال رحمه الله تعليقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض " متفق عليه
" في هذا الحديث من العلم والفقه : أن الله عز وجل في السماء وليس في الأرض ، وأن جبريل أقرب الملائكة إليه وأحظاهم عنده .. " التمهيد (21/238)
أقول لصاحب الرسالة حتى الشياطين اهتدت إلى أن الله عز وجل في السماء " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض " ولهذا هي ترتقي إلى السماء لتسترق السمع من الملائكة الذين يتحدثون فيما بينهم بما قضى الله على خلقه بمشيئته سبحانه ، قال عليه الصلاة والسلام " إذا قضى الله أمرا في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير قال فيسمعها مسترقو السمع بعضهم فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها إلى الذي تحته فيلقيها على لسان الكاهن أو الساحر فربما لم يدرك حتى يلقيها فيكذب معها مائة كذبة فتصدق تلك الكلمة التي سمعت من السماء " صحيح ابن ماجه يا صاحب الرسالة الشياطين اهتدت إلى أن الله في سمائه فوق عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، وأنت لم تهتد لذلك بعـــد !!!!!!!!!!!! .
36- ابن رشد المالكي (595هـ ) قال رحمه الله : " القول بالجهة : وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى ، حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية ... وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } (السجدة: 5 ) ومثله قوله تعالى { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} (المعارج: من الآية4) ومثله قوله تعالى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُور } (الملك:16) إلى غير ذلك من الآيات التي إن سُلِّط عليها التأويل عاد الشرع كله مؤوَّلاً ، وإن قيل فيها إنا من المتشابهات عاد كله متشابهاً لأنها الشرائع كلها مبينة على أن الله في السماء ، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين ، وأن من السماء نزلت الكتب ، وإليها كان الاسراء بالنبي ، حتى قرب من سدرة المنتهى . " منهاج الأدلة في عقائد الملة ص- 176 لابن رشد .
37- القرطبي ( 677 هـ ) قال رحمه الله " هذه مسألة الاستواء; وللعلماء فيها كلام وإجراء. وقد بينا أقوال العلماء فيها في ( الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى) وذكرنا فيها هناك أربعة عشر قولا. والأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة, فليس بجهة فوق عندهم; لأنه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز, ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز, والتغير والحدوث. هذا قول المتكلمين. وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك, بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته, وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته. " الجامع لأحكام القرآن ( 7 / 219 ) .
* وهناك الكثير من أقوال الأئمة الأعلام والتي تثبت العلو للرحمـن وتنكر على أهل البدع والضلال وترد عليهم أقوالهم ، ولولا خشية الاطالة لذكرناها جميعاً ، فيا صاحب الرسالة ارجع إلى كتاب " الكلمات الحسان في علو الرحمـن " لمؤلفه الشيخ عبد الهادي بن حسن وهبي جزاه الله خيراً ففيه الجواب الشافي لمن احتار في السؤال ، فلعل الله تعالى ينفعك به _ والكتاب موجود على موقع السراج المنير - .

****
* وإليك يا صاحب الرسالة كلام نفيس ممن لم تعترف بقدره العظيم وعلمه البحر الواسع ، كلام لشيخ الاسلام ابن تيمية ، لعل الله ينفعك به .
- كلامه رحمه الله تعالى في العلو والفوقية -
قال ـ رحمه الله تعالى: إن الله تعالى أول لم يزل، وآخر لا يزال، أحد قديم وصمد كريم، عليم حليم عليٌّ عظيم، رفيع مجـيد وله بطش شديـد، وهـو يبدئ ويعيد، فعال لما يريد، قوي قدير، منيع نصير، ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏، إلى سائر أسمائه وصفاته من النفس، والوجه، والعين، والقدم، واليدين، والعلم، والنظر، والسمع، والبصر، والإرادة، والمشيئة، والرضى، والغضب، والمحبة، والضحك، والعجب، والاستحياء، والغيرة، والكراهة، والسخط، والقبض، والبسط، والقرب، والدنو، والفوقية والعلو، والكلام، والسلام، والقول، والنداء، والتجلي، واللقاء، والنزول، والصعود، والاستواء، وأنه ـ تعالى ـ في السماء، وأنه على عرشه بائن من خلقه‏.‏
قال مالك‏:‏ إن الله في السماء وعلمه في كل مكان، وقال عبد الله بن المبارك‏:‏ نعرف ربنا فوق سبع سمواته على العرش بائنا من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية‏:‏ إنه هاهنا، وأشار إلى الأرض، وقال سفيان الثوري‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏4‏]‏ قال‏:‏ علمه‏.‏ قال الشافعي‏:‏ إنه على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، قال أحمد‏:‏ إنه مستوٍ على العرش عالم بكل مكان‏.‏ وإنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وإنه يأتي يوم القيامة كيف شاء، وإنه يعلو على كرسيه، والإيمان بالعرش والكرسي، وما ورد فيهما من الآيات والأخبار‏.‏
وأن الكلم الطيب يصعد إليه، وتعرج الملائكة والروح إليه، وأنه خلق آدم بيديه، وخلق القلم وجنة عدن وشجرة طوبى بيديه،وكتب التوراة بيديه، ، وقال ابن عمر‏:‏ خلق الله بيديه أربعة أشياء‏:‏ آدم، والعرش، والقلم، وجنة عدن، وقال لسائر الخلق‏:‏ كن فكان،وأنه يتكلم بالوحي كيف يشاء، قالت عائشة ـ رضي الله عنها‏:‏ لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بِوَحْيٍ يُتْلَى‏.‏
وأن القرآن كلام الله بجميع جهاته منزل غير مخلوق، ولا حَرْفٌ منه مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، قال عبد الله بن المبارك‏:‏ من كفر بحرف من القرآن فقد كفر، ومن قال‏:‏ لا أؤمن بهذه اللام فقد كفر، وأن الكتب المنزلة على الرسل مائة وأربعة كتب كلام الله غير مخلوق، قال أحمد‏:‏ وما في اللوح المحفوظ وما في المصاحف وتلاوة الناس وكيفما يقرأ وكيفما يوصف، فهو كلام الله غير مخلوق، قال البخاري‏:‏ وأقول‏:‏ في المصحف قرآن، وفي صدور الرجال قرآن، فمن قال غير هذا يستتاب، فإن تاب وإلا فسبيله سبيل الكفر‏.‏
قال‏:‏ وذكر الشافعي المعتقد بالدلائل، فقال‏:‏ لله أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه أمته، لا يسع أحدًا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ـ إلى أن قال ـ نحو إخبار الله ـ سبحانه ـ إيانا أنه سميع بصير، وأن له يدين لقوله‏:‏‏{‏بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ‏}‏‏]‏المائدة‏:‏64‏]‏، وأن له يمينًا بقوله‏:‏ ‏{‏وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏67‏]‏، وأن له وجهًا لقوله‏:‏‏{‏كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ‏}‏‏[‏القصص‏:‏88‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 27‏]‏، وأن له قدمًا لقوله‏:‏ ‏(‏حتى يضع الرب فيها قدمه‏)‏‏.‏ يعني‏:‏ جهنم‏.‏
وأنه يضحك من عبده المؤمن لقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله‏:‏ ‏(‏إنه لقى الله وهو يضحك إليه‏)‏.

- يا صاحب الرسالة اسمع لهذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام " ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غِيَرِه" فقال أبو رزين أو يضحك الرب عز وجل قال نعم . فقال لن نعدم من رب يضحك خيرا " السلسلة الصحيحة (2810) ، ما تقول في هذا الحديث ؟ يا ترى أما علم ذلك الصحابي الجليل معنى كلمة – يضحك – ولما سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما أثبت عليه الصلاة والسلام تلك الصفة الفعلية لله تبارك وتعالى بل وأكدَّ عليها ؟!! يا ليت شعري أنا لا أدري متى تعود إلى رشدك وفطرتك السليمة واقتفاء أثر نبيك على فهم الأصحاب الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ! .
وتابع شيخ الاسلام رحمه الله كلامه مما نقله عن الشافعي رحمه الله فقال ... وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأنه ليس بأعور، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الدجال فقال‏:‏‏(‏إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور‏)‏، وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم،كما يرون القمر ليلة البدر، وأن له إصبعًا لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن‏)‏‏.‏
قال‏:‏ وسوى ما نقله الشافعي أحاديث جاءت في الصحاح والمسانيد، وتلقتها الأمة بالقبول والتصديق، نحو ما في الصحيح من حديث الذات، وقوله‏:‏ ‏(‏لا شخص أغير من الله‏)‏، وقوله‏: ‏‏(‏أتعجبون من غيرة سعد‏؟‏ والله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏ليس أحد أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله،من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏)‏ ، وقوله‏:‏ ‏(‏يد الله ملأى‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏بيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏إن الله يقبضُ يوم القيامة الأرضين، وتكون السموات بيمينه، ثم يقول‏:‏ أنا الملك‏)‏‏.‏
ونحوه قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث حثيات من حثيات الرب‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏لما خلق آدم مسح ظهره بيمينه‏)‏، وقوله في حديث أبي رزِين‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، فما يفعل ربنا بنا إذا لقيناه‏؟‏ قال‏:‏‏(‏تعرضون عليه بادية له صفحاتكم، لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء، فينضح قبلكم، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة‏)‏‏.‏ أخرجه أحمد في المسند‏.‏
وحديث‏:‏ القبضة التي يخرج بها من النار قومًا لم يعملوا خيرًا قط، قد عادوا حُمَمًا،فيلقيهم في نهر من أنهار الجنة يقال له‏:‏ نهر الحياة‏.‏‏[‏وقوله حُمَمًا‏:‏ أي مثل الفَحْمَة سوادًا‏]‏.‏
ونحو الحديث‏:‏ ‏(‏رأيت ربي في أحسن صورة‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه‏)‏، وقوله‏: ‏‏(‏كلم أباك كفاحًا‏)‏، وقوله‏:‏‏ (‏ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان يترجم له‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏يتجلى لنا ربنا يوم القيامة ضاحكًا‏)‏
وفي حديث المعراج في الصحيح‏:‏ ‏(‏ثم دنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى‏)‏، - صحيح الاسراء والمعراج للألباني - وقوله‏:‏ ‏(‏كتب كتابًا، فهو عنده فوق العرش‏:‏ إن رحمتي سبقت غضبي‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏لا تزال جهنم يلقي فيها، وتقول‏:‏ هل من مزيد‏؟‏ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ـ وفي رواية‏:‏ رجله ـ فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول‏:‏ قَد قَدِ وفي رواية‏:‏ قَطِ قَطِ ـ بعزتك‏)‏‏.‏
ونحو قوله‏:‏ ‏(‏فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول‏:‏ أنا ربكم، فيقولون‏:‏ أنت ربنا‏)‏، وقوله‏: ‏‏(‏يحشر الله العباد، فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ‏:‏ أنا الملك، أنا الديان‏)‏‏.‏
إلى غيرها من الأحاديث، هالتنا أو لم تهلنا، بلغتنا أو لم تبلغنا اعتقادنا فيها، وفي الآي الواردة في الصفات‏:‏ أنا نقبلها ولا نحرفها ولا نكيفها ولا نعطلها ولانتأولها، وعلى العقول لا نحملها، وبصفات الخلق لا نشبهها، ولا نُعْمل رأينا وفكرنا فيها، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، بل نؤمن بها ونَكِل علمها إلى عالمها، كما فعل ذلك السلف الصالح، وهم القدوة لنا في كل علم‏.‏ " مجموع الفتاوى "

....... - واللّه ـ سبحانه ـ قد أخبرنا أن في الجنة لحما ولبنًا، وعسلاً وماءً، وحريرًا وذهبًا‏.‏
وقد قال ابن عباس ـ رضي اللّه عنهما ـ‏:‏ ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء‏.‏
فإذا كانت هذه المخلوقات الغائبة ليست مثل هذه المخلوقات المشاهدة ـ مع اتفاقها في الأسماء ـ فالخالق أعظم علوا ومباينة لخلقه من مباينة المخلوق للمخلوق، وإن اتفقت الأسماء‏.‏
وقد سمى نفسه حيًا عليما، سميعًا بصيرًا، وبعضها رؤوفًا رحيمًا، وليس الحي كالحي، ولا العليم كالعليم، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، ولا الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم‏.‏
وقال في سياق حديث الجارية المعروف‏:‏ ‏(‏أين اللّه‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ في السماء، لكن ليس معنى ذلك أن اللّه في جوف السماء، وأن السموات تحصره وتحويه، فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هم متفقون على أن اللّه فوق سمواته، على عرشه، بائن من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته‏.‏
وقد قال مالك بن أنس‏:‏ إن اللّه فوق السماء، وعلمه في كل مكان‏.‏ إلى أن قال‏:‏ فمن اعتقد أن اللّه في جوف السماء محصور محاط به، وأنه مفتقر إلى العرش، أو غيـر العرش ـ من المخـلوقات ـ أو أن استواءه على عرشه كاستواء المخلوق على كرسيه ـ فهو ضال مبتدع جاهل، ومن اعتقد أنه ليس فوق السموات إله يعبد، ولا على العرش رب يصلى له ويسجد، وأن محمدًا لم يعرج به إلى ربه، ولا نزل القرآن من عنده ـ فهو معطل فرعوني، ضال مبتدع‏.‏ وقال ـ بعد كلام طويل ـ‏:‏ والقائل الذي قال‏:‏ من لم يعتقد أن اللّه في السماء فهو ضال‏:‏ إن أراد بذلك‏:‏ من لا يعتقد أن اللّه في جوف السماء، بحيث تحصره وتحيط به، فقد أخطأ‏.‏
وإن أراد بذلك‏:‏ من لم يعتقد ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، من أن اللّه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، فقد أصاب؛ فإنه من لم يعتقد ذلك يكون مكذبًا للرسول صلى الله عليه وسلم، متبعًا لغير سبيل المؤمنين، بل يكون في الحقيقة معطلًا لربه نافيًا له؛ فلا يكون له في الحقيقة إله يعبده، ولا رب يسأله، ويقصده‏.‏ وهذا قول الجهمية ونحوهم من أتباع فرعون المعطل‏.‏ واللّه قد فطر العباد ـ عربهم وعجمهم ـ على أنهم إذا دعوا اللّه توجهت قلوبهم إلى العلو، ولا يقصدونه تحت أرجلهم‏.‏
ولهذا قال بعض العارفين‏:‏ ما قال عارف قط‏:‏ يا اللّه، إلا وجد في قلبه ـ قبل أن يتحرك لسانه ـ معنى يطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يَسْرَة‏.‏
وذكر ـ من بعد كلام طويل ـ الحديث‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏
ولأهل الحلول والتعطيل في هذا الباب شبهات، يعارضون بها كتاب اللّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وما أجمع سلف الأمة وأئمتها، وما فطر اللّه عليه عباده، وما دلت عليه الدلائل العقلية الصحيحة؛ فإن هذه الأدلة كلها متفقة على أن اللّه فوق مخلوقاته، عال عليها، قد فطر اللّه على ذلك العجائز والصبيان والأعراب في الكتاب، كما فطرهم على الإقرار بالخالق ـ تعالى‏.‏
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرَانِه، أو يُِمَجِّسَانِه، كما تنتج البهيمة بهيمة جَمعَاء هل تُحِسُّون فيها من جَدْعَاء‏؟‏‏)‏ ثم يقول أبو هريرة‏:‏ اقرؤوا إن شئتم‏:‏ ‏{‏فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 30‏]‏‏.‏
وهذا معنى قول عمر بن عبد العزيز‏:‏ عليك بدين الأعراب والصبيان في الكتاب، وعليك بما فطرهم اللّه عليه، فإن اللّه فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها‏.‏
وأما أعداء الرسل ـ كالجهمية الفرعونية ونحوهم ـ فيريدون أن يغيروا فطرة اللّه، ويوردون على الناس شبهات بكلمات مشتبهات، لا يفهم كثير من الناس مقصودهم بها، ولا يحسن أن يجيبهم‏.‏
وأصل ضلالتهم تَكَلُّمُهم بكلمات مجملة، لا أصل لها في كتابه، ولا سنة رسوله، ولا قالها أحد من أئمة المسلمين، كلفظ التَّحَيُّز والجسم، والجهة ونحو ذلك‏.‏
فمن كان عارفًا بحَلِّ شبهاتهم بَيَّنَهَا، ومن لم يكن عارفًا بذلك فليعرض عن كلامهم، ولا يقبل إلا ما جاء به الكتاب والسنة، كما قال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 68‏]‏‏.‏ ومن يتكلم في اللّه وأسمائه وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة، فهو من الخائضين في آيات اللّه بالباطل‏.‏
وكثير من هؤلاء ينسب إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه؛ فينسبون إلى الشافعي، وأحمد بن حنبل، ومالك، وأبي حنيفة من الاعتقادات ما لم يقولوا‏.‏ ويقولون لمن اتبعهم‏:‏ هذا اعتقاد الإمام الفلاني؛ فإذا طولبوا بالنقل الصحيح عن الأئمة تبين كذبهم‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ حكمي في أهل الكلام‏:‏ أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال‏:‏ هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام‏.‏
قال أبو يوسف القاضي‏:‏ من طلب الدِّين بالكلام تزندق‏.‏
قال أحمد‏:‏ ما ارْتَدَى أحد بالكلام فأفلح‏.‏
قال بعض العلماء‏:‏ المُعَطِّل يعبد عَدَمًا، والممثِّل يعبد صنما‏.‏ المعطل أعمى، والممثل أعشى، ودين اللّه بين الغالي فيه والجافي عنه‏.‏
وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 143‏]‏، والسنة في الإسلام كالإسلام في الملل‏.‏
وقال أيضاً :

1- إن الله فوق العالم مباين له، والمخلوقات لا تحصره ولا تحوزه ولا يفتقر إلى العرش ولا غيره، مع أنه عال عليها مباين لها، وليس مماثلًا لها، ولا يجوز عليه ما يجوز عليها‏.‏" مجموع الفتاوى ( 5/307)
2- وهو سبحانه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، ليس فى مخلوقاته شىء من ذاته ولا فى ذاته شىء من مخلوقاته،وهو سبحانه غنى عن العرش وعن سائر المخلوقات، لا يفتقر إلى شىء من مخلوقاته، بل هو الحامل بقدرته العرش وحملة العرش‏.‏ " مجموع الفتاوى باب آثار السلف "
3- فإن الروح التي هي بعض عبيده توصف بأنها تعرج إذا نام الإنسان، وتسجد تحت العرش، وهي مع هذا في بدن صاحبها لم تفارقه بالكلية‏.‏ والإنسان في نومه يحس بتصرفات روحه تصرفات تؤثر في بدنه، فهذا الصعود الذي توصف به الروح لا يماثل صعود المشهودات، فإنها إذا صعدت إلى مكان فارقت الأول بالكلية، وحركتها إلى العلو حركة انتقال من مكان إلى مكان، وحركة الروح بعروجها وسجودها ليس كذلك‏.‏
فالرب ـ سبحانه ـ إذا وصفه رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلم موسى في الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض‏:‏ ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا‏:‏ أتينا طائعين ـ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة حتى يقال‏:‏ ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر، فإن نزول الروح وصعودها لا يستلزم ذلك فكيف برب العالمين‏؟‏ ‏!‏ وكذلك الملائكة لهم صعود ونزول من هذا الجنس‏.‏
فلا يجوز نفي ما أثبته الله ورسوله من الأسماء والصفات، ولا يجوز تمثيل ذلك بصفات المخلوقات، لاسيما ما لا نشاهده من المخلوقات، فإن ما ثبت لما لا نشاهده من المخلوقات من الأسماء والصفات ليس مماثلًا لما نشاهده منها، فكيف برب العالمين الذي هو أبعد عن مماثلة كل مخلوق من مماثلة مخلوق لمخلوق‏؟‏ ‏!‏ وكل مخلوق فهو أشبه بالمخلوق الذي لا يماثله من الخالق بالمخلوق، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا‏.‏" مجموع الفتاوى ( 17/349-350)

4- علوه على عرشه وعلى غيره من المخلوقات لا يوجب افتقاره إليه ، فإن السماء عالية على الأرض وليست مفتقرة إليها ، والهواء عالٍ على الأرض وليس مفتقراً إليها ، وكذلك الملائكة عالون عن الأرض وليسوا مفتقرين إليها ، فإذا كان المخلوق العالي لا يجب أن يكون مفتقراً إلى السافل ، فالعلي الأعلى ، الخالق لكل شيء ، الغني عن كل شيء أولى أن لا يكون مفتقرا إلى المخلوقات مع علوه عليها " درء تعارض العقل والنقل (6/313)
- أقول بل وكما هو معلوم بالنسبة للأرض فهي بحاجة إلى الشمس وإلا تجمدت وهي أعلى منها ، وكذلك القمر فهي بحاجة له وإلا كان المد والجزر وهو أعلى منها ، وكذلك هي بحاجة للسحاب لإنزال المطر وهو أعلى منها ، وكذلك بحاجة إلى النجوم لهداية أهلها في البر والبحر والنجوم أعلى منها ، وهي بحاجة إلى الهواء لجريان السحاب ولتلقيح الأشجار إلى غير ذلك وهو أعلى منها وكل ذلك بأمر الله فكيف بخالق هذه الأشياء أما هو الصمد والذي كل من في هذا الكون يستمد حياته وحركته منه وهو الغني عنهم ، سبحان ذي العزة والجبروت -
5- العرش إذا سمي جهة ومكاناً وحيزا ، فالله تعالى هو ربه وخالقه ، والعرش مفتقر إلى الله افتقار مخلوق إلى خالقه ، والله غني عنه من كل وجه " درء تعارض العقل والنقل (7/17)
6- أهل السنة والجماعة ـ الذين يثبتون أن الله على العرش وأن حملة العرش أقرب إليه ممن دونهم وأن ملائكة السماء العليا أقرب إلى الله من ملائكة السماء الثانية وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء صار يزداد قربا إلى ربه بعروجه وصعوده وكان عروجه إلى الله لا إلى مجرد خلق من خلقه وأن روح المصلي تقرب إلى الله في السجود وإن كان بدنه متواضعا‏.‏ وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب " مجموع الفتاوى (6/7/)
7- فمن قال‏:‏ إن علم الله كعلمي، أو قدرته كقدرتي أو كلامه مثل كلامي، أو إرادته ومحبته ورضاه وغضبه مثل إرادتي ومحبتي ورضائي وغضبي، أو استواءه على العرش كاستوائي، أو نزوله كنزولي، أو إتيانه كإتياني، ونحو ذلك فهذا قد شبه الله ومثله بخلقه، تعالى الله عما يقولون، وهو ضال خبيث مبطل، بل كافر‏.‏
ومن قال‏:‏ إن الله ليس له علم، ولا قدرة ولا كلام، ولا مشيئة، ولا سمع ولا بصر، ولا محبة ولا رضي، ولا غضب، ولا استواء، ولا إتيان ولا نزول فقد عطل أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، و ألحد في أسماء الله وآياته، وهو ضال خبيث مبطل بل كافر، بل مذهب الأئمة والسلف إثبات الصفات ونفي التشبيه بالمخلوقات، إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل، كما قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخارى‏:‏ من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهًا‏.‏ " ( مجموع الفتاوى 11/482)

8- وبين أن الله تعالى فوق عرشه على الوجه الذي يليق بجلاله، ولا أقول فوقه كالمخلوق على المخلوق كما تقوله المشبهة، ولا يقال أنه لا فوق السموات ولا على العرش رب كما تقوله المعطلة الجهمية، بل يقال أنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه‏.‏ " مجموع الفتاوى 3/ 207- 208" .
9- المكان يراد به ما يحيط بالشيء ، والله لا يحيط به مخلوق ، أو يراد به ما بفتقر إليه الممكن ، والله لا يفتقر إلى شيء . وقد يراد بالمكان ما يكون الشيء فوقه ، والله فوق عرشه فوق سماواته "الاستقامة (1/127)
10- أن الروح إذا كانت موجودة حية عالمة قادرة سميعة بصيرة‏:‏ تصعد وتنزل وتذهب وتجيء ونحو ذلك من الصفات، والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها، لأنهم لم يشاهدوا لها نظيرًا‏.‏ والشيء إنما تدرك حقيقته بمشاهدته أو مشاهدة نظيره‏.‏ فإذا كانت الروح متصفة بهذه الصفات، مع عدم مماثلتها لما يشاهد من المخلوقات، فالخالق أولى بمباينته لمخلوقاته مع اتصافه بما يستحقه من أسمائه وصفاته، وأهل العقول هم أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها‏.‏ فإذا كان من نفي صفات الروح جاحدًا معطلًا لها، ومن مثلها بما يشاهده من المخلوقات جاهلًا ممثلًا لها بغير شكلها، وهي مع ذلك ثابتة بحقيقة الإثبات، مستحقة لما لها من الصفات‏:‏ الخالق - سبحانه وتعالى - أولى أن يكون من نفي صفاته جاحدًا معطلًا، ومن قاسه بخلقه جاهلًا به ممثلًا، وهو سبحانه وتعالى ثابت بحقيقة الإثبات، مستحق لما له من الأسماء والصفات‏. " الرسالة التدميرية (ص56/57)
11- إذا كانت الملائكة ـ وهم مخلوقون من النور كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏خُلِقَتِ الملائكةُ من نُور، وخُلِق الجان من نار، وخلق آدم مما وُصِف لكم‏)‏ ـ فإذا كانوا مخلوقين من نور، وهم لا يأكلون ولا يشربون، بل هم صمد ليسوا جوفًا كالإنسان، وهم يتكلمون ويسمعون ويبصرون ويصعدون وينزلون كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة، وهم مع ذلك لا تماثل صفاتهم وأفعالهم صفات الإنسان وفعله؛ فالخالق ـ تعالى ـ أعظم مباينة لمخلوقاته من مباينة الملائكة للآدميين؛ فإن كليهما مخلوق‏.‏ والمخلوق أقرب إلى مشابهة المخلوق من المخلوق إلى الخالق ـ سبحانه وتعالى‏.‏
وكذلك ‏[‏روح ابن آدم‏]‏، تسمع وتبصر وتتكلم وتنزل وتصعد، كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة، والمعقولات الصريحة، ومع ذلك فليست صفاتها وأفعالها كصفات البدن وأفعاله‏.‏ " مجموع الفتاوى ( 5/ 354)

12- قوله‏ تعالى : ‏{‏الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 5‏]‏، ونحوه‏.‏ أن يقال‏:‏ استواء كاستواء مخلوق، أو يفسر باستواء مستلزم حدوثًا أو نقصًا، فهذا الذي يحكي عن الضلال المشبهة والمجسمة وهو باطل قطعًا بالقرآن وبالعقل‏.‏
وإما أن يقال‏:‏ ما ثم استواء حقيقي أصلاً، ولا على العرش إله ولا فوق السموات رب، فهذا مذهب الضالة الجهمية المعطلة وهو باطل قطعًا بما علم بالاضطرار من دين الإسلام لمن أمعن النظر في العلوم النبوية، وبما فطر الله عليه خليقته من الإقرار بأنه فوق خلقه، كإقرارهم بأنه ربهم‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ ما زالت الأمم عربها وعجمها في جاهليتها وإسلامها معترفة بأن الله في السماء أي على السماء‏.‏
أو يقال‏:‏ بل استوى ـ سبحانه ـ على العرش على الوجه الذي يليق بجلاله ويناسب كبريائه، وأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، مع أنه ـ سبحانه ـ هو حامل للعرش ولحملة العرش، وأن الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، كما قالته أم سلمة وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس، فهذا مذهب المسلمين‏.‏
وهو الظاهر من لفظ ‏[‏استوى‏]‏ عند عامة المسلمين الباقين على الفطر السليمة، التي لم تنحرف إلى تعطيل ولا إلى تمثيل‏ . " مجموع الفتاوى 33/ 177- 179)

13- مثل أن يفهم من قولهم‏:‏ ليس في جهة، ولا له مكان، ولا هو في السماء، أنه ليس في جوف السموات، وهذا معنى صحيح، وإيمانه بذلك حق، ولكن يظن أن الذين قالوا هذا النفي اقتصروا على ذلك، وليس كذلك، بل مرادهم‏:‏ أنه ما فوق العرش شيء أصلاً، ولا فوق السموات إلا عدم محض، ليس هناك إلـه يعبد، ولا رب يدعى ويسأل، ولا خالق خلق الخلائق، ولا عُرج بالنبي إلى ربه أصلا، فهلاء هم الجهمية الضلال المخالفون لاجماع الأنبياء ولفطرة العقلاء " مجموع الفتاوى 19/ 140)
14- الذين في قلوبهم زيغ من أهل الأهواء لا يفهمون من كلام الله وكلام رسوله وكلام السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان في باب صفات الله إلا المعاني التي تليق بالخلق، لا بالخالق، ثم يريدون تحريف الكلم عن مواضعه في كلام الله وكلام رسوله إذا وجدو ذلك فيها، وإن وجدوه في كلام التابعين للسلف افتروا الكذب عليهم، ونقلوا عنهم بحسب الفهم الباطل الذي فهموه، أو زادوا عليهم في الألفاظ، وغيروها قدرًا ووصفًا، كما نسمع من ألسنتهم، ونرى في كتبهم‏.‏ " درء تعارض العقل والتقل 5/ 257)
15- فإن الرب تعالى منزه عن كل نقص، وموصوف بالكمال الذي لا نقص فيه، وهو منزه في صفات الكمال أن يماثل شيء من صفاته شيئًا من صفات المخلوقين، فليس له كفؤًا أحد في شيء من صفاته، لا في علمه، و لا قدرته، ولا إرادته، ولا رضاه، ولا غضبه، ولا خلقه، ولا استوائه، ولا إتيانه ، ولا نزوله، ولا غير ذلك مما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله‏.‏ بل مذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فلا ينفون عنه ما أثبته لنفسه من الصفات، ولا يمثلون صفاته بصفات المخلوقين، فالنافي معطل، والمعطل يعبد عدماً‏.‏ والمشبه ممثل، والممثل يعبد صنمًا‏.‏
ومذهب السلف إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏، وهذا رد على الممثلة‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏ رد على المعطلة‏. "مجموع الفتاوى8/431)

16- الجاهل يضل بقول المتكلمين فإن العرب إنما وضعت للإنسان ما أضافته إليه، فإذا قالت‏:‏ سمع العبد، وبصره، وكلامه، وعلمه، وإرادته، ورحمته، فما يخص به يتناول ذلك خصائص العبد‏.‏ وإذا قيل‏:‏ سمع اللّه وبصره، وكلامه وعلمه، وإرادته ورحمته، كان هذا متناولاً لما يخص به الرب، لا يدخل في ذلك شيء من خصائص المخلوقين، فمن ظن أن هذا الاستواء إذا كان حقيقة يتناول شيئًا من صفات المخلوقين مع كون النص قد خصه باللّه، كان جاهلًا جدًا بدلالات اللغات، ومعرفة الحقيقة والمجاز‏.‏
وهؤلاء الجهال يمثلون في ابتداء فهمهم صفات الخالق بصفات المخلوق، ثم ينفون ذلك ويعطلونه، فلا يفهمون من ذلك إلا ما يختص بالمخلوق، وينفون مضمون ذلك، ويكونون قد جحدوا ما يستحقه الرب من خصائصه وصفاته، وألحدوا في أسماء اللّه وآياته، وخرجوا عن القياس العقلي والنص الشرعي، فلا يبقى بأيديهم لا معقول صريح ولا منقول صحيح . " مجموع الفتاوى 5/ 208 – 209 )

17- الباري قبل أن يخلق العالم كان هو وحده سبحانه لا شريك له ، ولما خلق الخلق فإنه لم يخلقه في ذاته فيكون هو محلاً للمخلوقات ، ولا جعل ذاته فيه ، فيكون مفتقرا محمولاً قائما بالمصنوعات ، بل جعله بائناً عنه فيكون فوقه وهو جهة العلو " الفتاوى الكبرى (6/375)

تم بعون الله تعالى وتوفيقه .








 


قديم 2009-01-19, 14:21   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
homida ahmed
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
مشكور اخي لولا الاطالة في الكتابة على العموم والله جزاك الله عنا خيرا










قديم 2009-01-25, 13:40   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أريج_1
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أريج_1
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله عنا خير الجزاء










قديم 2009-01-26, 09:51   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
سعد الله
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية سعد الله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا










قديم 2009-02-05, 21:02   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ربوح ميلود
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ربوح ميلود
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك الاخ المجتهد وزادك الله علوما وفهوما
اما الاشاعرة فهم مصرون على هذا من القديم ابو ان يقول الا البهتان في ان السلف مفوضة المعنى وهذا مانقلة كثيرهم ومنهم حسن البنا في كتابه العقيدة الاسلامية
ولن يتراجعوا عن هذا الا من رحم ربي










قديم 2009-04-02, 15:58   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك لقد استفدت منها كثيرا









قديم 2009-04-17, 23:33   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
djilali12
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:58

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc