السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تمهيد: اندلعت الثورة الجزائرية المباركة ليلة الأول من نوفمبر، وكان عدد المجاهدين الذين أشعلوا فتيلها لا يتجاوزون بضعة آلاف، وظهر منذ اليوم الأول الحاجة الماسة إلى السلاح و الذخيرة، فكان الاعتماد - بعد الله تعالى - على النفس، وفك السلاح من يد العدو أثناء المعارك.
وقد أدت البعثة الجزائرية للثورة في الخارج ( القاهرة بالتحديد ) دورا بارزا في جمع السلاح وشرائه من الدول العربية والأوروبية بمختلف الطرق والوسائل وإرسالها إلى الجزائر عن طريق البحر أو في قوافل عن طريق البر ، مرورا بقواعد الثورة المتمركزة في ليبيا وتونس.
وهذه واحدة من العمليات الخطيرة و الشاقة لإرسال السلاح بحرا إلى الولاية الخامسة ( وهران ) عن طريق المغرب.
- وسيلة النقل:تم استئجار اليخت " دينا " الذي هو عبارة عن زورق أدخل عليه صاحبه والد الملكة الأردنية السابقة دينا عبد الحميد تعديلات ليصبح ''يختا'' يستعمل في الرحلات الترفيهية ، وقام بإهدائه إلى ابنته التي أطلقت عليه اسمها.
- قائد اليخت: هو اليوغسلافي " جان ميلان باتشيش " ، و هو رجل مسلم ، من المعارضين للرئيس اليوغسلافي بروز تيتو، كما كان يحمل شهادة طيار و شارك في الحرب العالمية الثانية مع الحلفاء، عمل في تهريب السلاح ، وكانت له علاقات مع الضابط البحري المتقاعد حسين خيري الذي سبق له التعامل معه، وهذا الأخير هو الذي عرفه بالمجاهد أحمد بن بلة.
كان اليخت دينا حين قرر المجاهد أحمد بن بلة استئجاره متواجدا في ميناء بورسعيد وكان بحاجة إلى إجراء ترميمات في جسم اليخت، وتصليح بعض آلاته ( ماكيناته) ، لكن القائد " باتشيش" تكتّم على ذلك و أعلمهم بأنه قد تم تصليح اليخت، وقبِل قيادة أول رحلة لإمداد ثوار الغرب الجزائري.
- طاقم اليخت:يضم طاقم المركب إلى جانب القائد " باتشيش "، الربّان إبراهيم النيال، وهو سوداني مختص في تجارة التهريب مقابل المال ، على سابق علاقة بأحمد بن بلة وبعض قادة تحرير المغرب كذلك و الضابط البحري المتقاعد حسين خيري ، كما يضم بحارا مصريا مساعدا للنيال، و العربي محمد المغربي الجنسية ( ميكانيكي ) ، غير ان النذير يوزار يذكر ان الميكانيكي ليبي الجنسية ، و ثلاثة بحارة مصريين هم مصطفى نجم و محمد عبد الفتاح و حسن الدويكي.، وبحارا متربصا شاميا يقوم بالطبخ في نفس الوقت.
- التخطيط للعملية: يذكر رجل المخابرات العقيد فتحي الذيب ان التخطيط لهذه العملية تم اثر اجتماع حضره قائد اليخت دينا " باتشيش" وضم كل من العقيد البحري حسن طاهر وحسين خيري رفقة أحمد بن بلة و بوضياف ممثلين عن جيش التحرير الجزائري و عبد الكريم الفاسي ممثلا لجيش التحرير المغربي.
وتم في هذا الاجتماع وضع تفاصيل الخطة حيث تم إختيار مكان الشحن و تحديده على الخريطة ، كما تقرر أن يتم تجهيز شحنات الاسلحة و تحضيرها مسبقا في عبوات صغيرة ليسهل نقلها ، و تقسيمها على جزئين لصالح حركات التحرير في الجزائر و المغرب، و حدد خط سير اليخت و اماكن التوقف في طرابلس ( ليبيا ) و باليرمو ( ايطاليا ) ، و الوصول الى الناظور، كما تم الإتفاق على إشارات التعارف الضوئية التي سينقلها أحمد بن بلة الى المسؤولين عن إستقبال الشحنة في المغرب.
كانت مخططا أن تنطلق العملية بشحن الأسلحة ليلا في اليخت دينا ليلة 19 جانفي 1955 م ، و في الغد يبحر اليخت في اتجاه ميناء طرابلس لشحن أسلحة و ذخيرة إضافية، ثم مواصلة السير بإتجاه الناظور.
وتقرر أن يسافر احمد بن بلة اثر ابحار اليخت الى اسبانيا لاعطاء التعليمات الى قادة الثورة بوهران و المغرب و الاتفاق على التفاصيل و الاشارات الضوئية المتفق عليها.، و البقاء باتصال مع الملحق العسكري بسفارة مصر في اسبانيا لتلقى كل المعلومات عن سير اليخت دينا.
المجاهدون المرافقون لشحنة الأسلحة:يقود مجموعة الثوار المرافقين لشحنة الأسلحة التي تقدر ب (21طنا):
نذير بوزار المدعو عبد القادر وهو ضابط سابق بالجيش الفرنسي، فر منه و انضم إلى حركة التحرير بالمغرب الأقصى الشقيق، التحق بالقاهرة قادما من المغرب في خريف 1953م ، وقد كتب عن هذه العملية كتابا بالفرنسية عنوانه : " ملحمة دينا" طبع في الجزائر سنة 1993م.
NADIR BOZAR, L'odyssée Du Dina,
Ouchene - E.N.A.L , Alger 1993
وتضم المجموعة حسب ما جاء في كتاب نذير بوزار سبعة ثوار لم يسبق لأكثرهم أن ركبوا البحر وهم:
ـ محمد الصالح العرفاوي ، المعروف بالزناني، وهو ثائر لجأ إلى القاهرة بعد انتفاضة فاشلة قام بها المدعو مدني ناحية سوق أهراس.
ـ الجيلالي، وهو ثائر من منطقة القبائل لجأ إلى القاهرة بعد قتله لحارس غابة.
ـ محمد بوخروبة (الذي سيشتهر لاحقا باسم هواري بومدين و يصبح رئيسا للجزائر) طالب سابق بالأزهر والثانوية الخديوية.
ـ أما الأربعة الباقون فيذكر اثنين منهم باسميهما فقط وهما: سي أمحمد وسي علي، وهما طالبان من منطقة القبائل، فضلا عن طالبين آخرين لم يتذكر اسميهما.
أما العقيد فتحي الذيب فقد ذكر أن مجموعة الثوار الجزائريين تتكون من سبعة شبان أتموا تدريبهم ووقع عليهم الاختيار لتولي بعض أعمال القيادة بالقطاع الوهراني ( المنطقة الخامسة ) وهم:
محمد بوخروبة ( هواري بومدين) قائد مجموعة الثوار الجزائريين ، محمد الصالح العرفاوي، مجاري علي، عبد العزيز مشري، شنتوت أحمد، عبد الرحمان محمد، حسين محمد.
سير العملية:أبحر المركب المثقل بجولته وبهذا الكم من الركاب في 28 فبراير، وكان في توديعه بميناء الإسكندرية ضابط المخابرات المصري العقيد محمد فائق ، رفقة مسؤول جزائري يشير إليه الشاهد نذير بوزار بحرفي ''س.هـ''، كان المفروض أن يتجه مباشرة إلى طرابلس لشحن كمية إضافية من الأسلحة، لكن حالته فضلا عن زوبعة بحرية مباغتة اضطرته إلى التوقف مرتين بدرنة ثم في بنغازي.
كانت كلتا المرحلتين قاسية على المركب المتواضع ،وأكثر قسوة على ''الثوار المتربصين''، خاصة بعد أن تضافر عليهم دوار البحر والجوع والوسخ.
في صبيحة يوم 08 مارس رسا اليخت بميناء طرابلس، و استغل طاقم ''دينا'' هذا التوقف للنزول إلى المدينة، وفي يوم في 13 مارس زار أحمد بن بلة خفية و في سرية تامة مجموعة الثوار و شاهد الحالة المزرية التي كانوا عليها، وقصوا عليه ما عانوه من أهوال البحر فخفف عنهم و رفع من معنوياتهم ، وزودهم ببعض المؤونة ، ونصحهم بضرورة التزام الحيطة والحذر، وطمأنهم في نفس الوقت بأنه يتابع خطواتهم أول بأول و بأنه سيكون في استقبالهم على شواطئ الناظور بالمغرب.
وقد قرر بن بلة بعد التشاور مع قائد اليخت على إلغاء شحن 5,7 أطنان إضافية من الأسلحة نظرا لعدم قدرة اليخت على تحمل هذه الشحنة الإضافية، كما قرر أن يبقى الطلاب الثلاثة برئاسة سي علي بطرابلس، ليلتحقوا بالجزائر عبر الحدود الشرقية برا.
أستأنف اليخت رحلته بعد التزود بالوقود و المؤونة باتجاه صقلية
وفي ''بليرمو'' استراح ركاب دينا من 17 إلى 20 مارس. وقد وجدوا بها س. هـ (الذي كان في توديعهم بالإسكندرية) فقدم لهم مبلغا من المال لاقتناء حاجاتهم من المؤونة والوقود، فضلا عن خطة سير المشوار الأخير: ''بليرمو'' إيطاليا ـ ''قرطاجنة'' (إسبانيا). لكن قبل الوصول، يتحول المركب جنوبا نحو شواطئ مليلية بالريف الإسباني.
غادر المركب صقلية بعد ظهر 20 مارس في الاتجاه المذكور. وفي 26 منه على الساعة الخامسة عصرا، أطل أول مرة على الشواطئ الجزائرية المغربية. كان بوخروبة محمد أول من شاهد الشاطئ فأخذ يصرخ:
''يا الخاوة بلادنا ! يا الخاوة بلادنا! ''.. ثم سارع إلى بوزار يقبّله بلا حساب، وما إن وضع رأسه على رأسه حتى انهمرت الدموع من عينيه، لتنساب غزيرة على وجه محتضنه، وبعد هذه اللحظة العاطفية، تدفق الحماس الوطني من حناجر الثوار الشباب الذين أنشدوا كرجل واحد: ''بلادي بلادي.. أنت حبي وفؤادي''!
المحطة النهائية و الالتحاق بقيادة المنطقة الخامسة:حسب المخطط المحدد من قبل، كان من المفروض أن يقترب اليخت ليلة 27 مارس من شواطئ شرق الناظور، على أن يتلقى على الساعة العاشرة والنصف إشارات ضوئية تحدد له مكان الإنزال.. لكن الإشارات المنتظرة لم تأت. وبعد فترة حرجة من الانتظار، اضطرب البحر مرة أخرى فلجأ القائد '' باتشيش '' مكرها إلى ميناء مليلية، حيث تعرّض المركب إلى تفتيش دقيق من طرف شرطة الميناء، دون أن تكتشف الشحنة المشبوهة.
وفي مليلية، تمكنت المجموعة من الاتصال بشبكة جبهة التحرير هناك، فحددت له ليلة 30 مارس لإنزال الحمولة شرق مرسى ''كابو دي أفوى'' (رأس الماء). وكان ثوار المنطقة الخامسة هذه المرة في الموعد، فأطلقوا الإشارات الضوئية في الوقت المناسب. وبناء على ذلك اقترب المركب من الشاطئ، وبعد عملية تثبيته استقبلت المجموعة المجاهد عمار شيبان (المدعو بومدين)، وتم الاتفاق على تكوين سلسلة من الثوار، بعد مد خطين من الجبال ما بين اليخت والشاطئ، وهكذا بدأت عملية الإنزال.
كان السلاح يجمع بداية في ربوة بين الشاطئ وحافة الجبل، ثم ينقل بعد ذلك إلى المنازل على الأكتاف والحمير، في انتظار توزيعه بنسبة الثلثين إلى جيش التحرير الوطني والثلث الباقي إلى جيش التحرير المغربي...
وبعد إنجاز العملية قبل طلوع الصبح ، جنح اليخت مدفوعا بحركة الأمواج القوية.. وقد أبقى فيه بوزار رفاقه الأربعة رفقة الطاقم، والتحق بالثوار الذين شاركوا في إنزال الأسلحة.
وفي صبيحة 30 مارس، اكتشف خفر السواحل الإسبانية اليخت الجانح، فقاموا بسحبه إلى مرسى ''كابو دي أفوى''.. وبعد التحريات العادية اعتبر الأمر جنوحا اضطراريا،خاصة بعد ان اقنعهم قائد اليخت بأنه لا يريد ان يزج باسم الملكة دينا لكي لا يمس بسمعتها وسمعة الاسرة المالكة و بذلك انهي خفر السواحل الإسبان التحقيق و غضوا النظر عن الحادث... فأفرج عن طاقمه وبوخروبة ورفاقه الثلاثة. وقد أقام الجميع بفندق هناك تحت غطاء إصلاح المركب...ثم التحقوا بمقر قيادة عبد الحفيظ بوصوف بالمنطقة الخامسة (وجدة)، أما نذير بوزار فألتحق بجيش التحرير المغربي الذي عيّنه قائدا مدربا بمركز جنان الرهوني في ضواحي تطوان.
ملاحظة: تعتبر هذه ثاني عملية في حياة الثورة التحريرية التي يتم فيها استعمال النقل البحري لإرسال الأسلحة إلى الثوار بعد عملية اليخت " إنتصار " في شهر ديسمبر 1954 م لقيادة المنطقة الأولى التاريخية ( أوراس – النمامشة).
ملحق بعدد الأسلحة و الذخيرة و المتفجرات التي استلمتها قيادة المنطقة الخامسة:
العدد التعيين
204 بندقية 303 ر
20 رشاش برن 303 ر
240 خزان ذخيرة للرشاش برن
34 كأس إطلاق.
68 بندقية رشاشة تومي 45 ر
33.000 طلقة 303 ر.
166.500 طلقة للرشاش برن 303 ر.
356 قنبلة يدوية ميلز 36.
136.000 طلقة للرشاش تومي 45.
4000 كبسولة.
50 علبة كبريت هواء.
350 كيلو جلجنايت.
667 فتيل مأمون.
300 مماسك ( مشط) ذخيرة 303 ر.
-----------------
- للموضوع مراجع
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2008-11-15, 15:18
مغامرة اليخت دينا
.gif)
العرض العادي
