المجلة القانونية - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى الحقوق و الاستشارات القانونية

منتدى الحقوق و الاستشارات القانونية كل مايتعلق بالعلوم القانونية ، و كذا طرح المشكلات والقضايا التي تحتاج إلى استشارة قانونية...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المجلة القانونية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-21, 16:34   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*جوداء*
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية *جوداء*
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

_القضاء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم__________________________
____
°°°
كانت سلطة القضاء وتطبيق نصوص التشريع الإسلامي على الوقائع لرسول الله صلى الله عليه وسلم , استمدها من الله سبحانه بقوله تعالى ( فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق)( المائدة -48) وكان منصب القضاء يتولاه النبي صلى الله عليه وسلم في بادىء الأمر بنفسه , لأنه المرجع الوحيد لتلقي الأحكام الشرعية فيما يحدث من المسائل والأقضية , فإذا شجر بين الناس نزاع أو عرض لهم حادث , وأرادوا معرفة حكم الإسلام فيه لينفذوه ذهبوا من تلقاء أنفسهم ليحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحكم بينهم بما ينزل الله عليه من الوحي تارة , وبأقواله وأفعاله التي تصدر عن اجتهاده تارة أخرى
روى الإمام احمد في مسنده عن أم سلمه هند زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : ( جاء رجلان يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلى رسول الله وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن (أي أفطن وأقدر على البيان) بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع , فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه , فإنما أقطع له قطعة من النار , فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لأخي ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إذاً فقوما فأذهبا , فلتقتسما ثم توخيا الحق ثم أستهما (أي اقترعا) ثم ليحل كل واحد منكما صاحبه )
فكان عليه الصلاة والسلام يحكم في جميع المسائل التي تلقى إليه وفق الدليل الذي يثبت الدعوى ولو ظاهراً على خلاف الواقع , فكان يقول : ( أمرت أن أحكم بالظاهر . والله يتولى السرائر )
ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له صفتان في أحكامه , الصفة الأولى بوصفه مشرعاً والصفة الثانية بوصفه قاضياً فهو في الأولى لايخطىء وإن أخطأ رده الله إلى الصواب في حين أنه في الثانية معرض للخطأ , فقد جاء في كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق أراد أن يعطي نصف أثمار نخيل المدينة لغطفان على أن لا يحاربوه مع قريش لكي يكسر شوكة الأحزاب فلما سمع السعدان سعد بن عبادة رئيس الخزرج وسعد بن معاذ رئيس الأوس قالا : يا رسول الله هل ذلك بوحي من الله , أم رأي رأيته ؟ قال : بل رأي رأيته , فقالا لا وحقك لا نعطيهم نصف ثمرة , فأجابهما الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما رأيا .
وكان إذا قضى صلى الله عليه وسلم في مسألة , تقدم إليه المحكوم عليه , بمقتضى الوازع الديني الذي هذب أخلاقه , لكي ينفذ الحكم عليه , عقب النطق بالحكم إذ قال تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء -65)
اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال أحدهما أن ابني كان عسيفاً ( أي أجيراً) على هذا , فزنى بامرأته , وأني أخبرت أن على ابني جلد مائه , فافتديت منه بمائة شاة , وجارية لي , ثم إني سألت اهل العلم فأخبروني إنما على ابني مائة جلده وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته (لأنها محصنة) , فحكم النبي بقوله : ( أما غنمك وجاريتك فرد عليك ( أي مردودة عليك لا تنوب عن الحد ) وجلد ابنه مائه وغربه عاماً , وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر , فإن اعترفت رجمها , فاعترفت فرجمها)
ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع في يده السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية , إذ كان يقضي وينفذ ما يقضي به إما بنفسه أو بمن ينتدبهم للتنفيذ كما إنتدب أنيساً لتنفيذ الرجم على الزانية
أما طرق الإثبات عنده عليه الصلاة والسلام فمنها البينة , والبينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره , فكان صلى الله عليه وسلم يقول : ( البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه)
وروى مسلم في صحيحه عن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى الناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه)
ومن طرق الإثبات شهادة الشهود وكان عليه الصلاة والسلام يقول ( أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحي بهم الحقوق , وقد بين صلى الله عليه وسلم من تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تجوز شهادة خائن (في الدين أو المال أو الأمانة) ولا خائنه ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر (حقد) على أخيه ) وقد اخرج هذا الحديث أبي داود والترمذي
ومن طرق الإثبات عنده الكتابة , كما حكم بالقافة , وبذلك أقرت الشريعة الإسلامية هذا النوع من الإثبات , فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقافة , وجعلها دليلاً من أدلة النسب وعمل خلفاؤه الراشدون والصحابة بها ولو أن الحكم بالقافة في اعتقاده إنما هو حكم بالشبه
قالت عائشة رضي الله عنها : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور تبرق أسارير وجهه فقال : أي عائشة ! الم تري أن مجززاً المدلجي (وهو قائف) دخل ورأى أسامة (أي اسامة بن زيد) وكان اسود وزيداً ( أي زيد بن حارثة) وكان أبيض وعليهما قطيفة قد غطيا رأسيهما وبدت أقدامهما , فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ) وذلك يدل على أن إلحاق القافة يفيد النسب , وكان النسب ثابتاً بالفراش ولكن الناس كانوا يقدحون في نسبه لكونه أسود وأبوه أبيض , فلما شهد القائف بأن تلك الأقدام بعضها من بعض سر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الشهادة التي أزالت التهمة , والحقت الفرع بأصله غير ناظر إلى سواد الإبن الذي منشأه سواد أسامه من أمه أم أيمن الحبشية
وكذلك حكم عليه الصلاة والسلام أحكاماً كان رائده فيها الفراسة , ولا عجب في ذلك فقد مدح الله سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في كتابه فقال تعالى ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين )(الحجر-75) وقال تعالى ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم )(البقرة-272) وبذلك أقر الإسلام الفراسة ونصح بالحكم بها مستعيناً بالإمارات والعلامات والقرائن التي تظهر الحق من الباطل

لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وابتدأ عهد الصحابة بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت سلطة القضاء يتولاها الخليفة , فلم يتخذ قاضياً يخصه بالقضاء كما فعل الخليفة عمر رضي الله عنه من بعد , بل كان القضاء يتولاه الخليفة بنفسه , وتارة يعهد به إلى غيره , واستمر العمل بهذا حتى أول خلافة عمر , وقد قيل في خلافة أبي بكر تولى عمر بن الخطاب منصب القضاء وكان أول قاضي للخليفة , ولكن الراجح أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من عين قضاة مختصين بالقضاة في الخصومات بين الناس , وإنما كان أبي بكر رضي الله عنه يفوض إلى عمر رضي الله عنه أحياناً النظر في الوقائع التي كان يدلي الخصوم بها إليه غير إنه لم يختصه بالقضاء ولم يكن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اسم قاض في زمن الخليفة أبي بكر رضي الله عنه ولم يحمل ذلك اللقب , ولم يكن عمله مقصوراً على القضاء بل تناول الإمامة وغيرها .
قسم أبو بكر جزيرة العرب إلى ولايات , وأقام على كل منها أميراً من قبله , وكان هذا الأمير يقيم الصلاة بين الناس , ويقضي في القضايا التي ترفع إليه , كما كان يقيم الحدود , وبذلك أعطى أبو بكر لكل أمير في ولايته جميع السلطات الثلاث , غير أنه لم يول قضاة يباشرون القضاء دون الأمراء , بل كان أمراء الجند هم ولاة الأمر في العراق والشام , وكان كل واحد منهم يولي بنفسه واحداً من قبله على الناحية التي فتحها , والتي لم يستقر للدولة الإسلامية الأمر فيها نهائياً فكان بذلك نائباً عنه في تلك الناحية
قضى أبو بكر رضي الله عنه كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم , وولى ولاته على الأمصار , ليقضوا بينهم فيها , لان القضاء كان معتبراً كما تقدم من أعمال الخليفة كإمامة الصلاة وغيرها , ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الاجتهاد بالرأي والقياس في أيامه , فإن أبا بكر ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين لم يعتمدوا عليه إلا قليلاً , خشية ما قد يقعون فيه من خطاء في الأحكام , حتى لا يجرأ أحد على الإفتاء بين الناس عن جهل , وكان أبو بكر يقول إذا أفتى بالرأي والقياس : ( هذا رأي فإن يكن صواباً فمن الله , وإن يكن خطاً فمني , وأستغفر الله )
توفي أبو بكر الصديق وولي الخلافة بعده عمر في اليوم الذي توفى فيه أبو بكر بوصية منه , وهو بتفرغه للسياسة العامة , وللحروب التي قامت بين الدولة الإسلامية والدولتين الفارسية والرومانية , والتي أنتجت اتساع نطاق الإسلام , وشغلت الخليفة عن التفرغ للقضاء فعمد إلى تعيين قضاة مختصين بالفصل في الخصومات وفض المنازعات , وبعد أن كان القضاء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه , جزءاً من الولاية أصبح في عهد عمر منفصلاً عنها ويعهد يه إلى شخص آخر غير الوالي , سمي لأول مره بالقاضي ,فعين أبا الدرداء ثم يزيد بالمدينة وولى شريحاً قضاء الكوفة ( روي أن عمر رضي الله عنه أخذ فرساً من رجل على سوم , فحمل عليه فعطب , فخاصمه الرحل فقال عمر : أجعل بيني وبينك رجلاً فقال الرجل : إني أرضى بشريحا العراقي , فقال شريح : أخذته سليماً صحيحاً فأنت له ضامن حتى ترده صحيحاً سليماً , قال فكأنه أعجبه فبعثه قاضياً , وقال ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه , فإن لم يستبن في كتاب الله فمن السنة , فإن لم تجده في السنة فأجتهد رأيك ) وولى أبو موسى الأشعري بالبصرة وولى قيس بن أبي العاص قضاء مصر فكانوا بذلك من أول القضاة في الإسلام , أما بقية الأمصار والولايات فقد عهد بالقضاء فيها إلى الأمراء , ولا يغرب عن الذهن , إن القضاء في عهد عمر كان سهلاً بسيطاً مجرداً من النظم الوضعية الكثيرة التي تشاهد الآن ولم يكن للقاضي كاتب ولا سجل فلم تدون الأحكام القضائية لأنها كانت تنفذ عقب صدورها وكان القاضي هو المنفذ لها , وكثيراً ما كان يتقدم المحكوم عليه بنفسه لتنفيذ الحكم عليه , ولم يكن هنالك من داع لوضع قانون للمرافعات , تنظم به الإجراءات أما المحكمة إذ كان القضاء في عهده الأول , فلم يتناول النظر في المصالح العامة , كالوقف وشئون الأيتام , وإنما تناولها فيما بعد
سار عمر سير أبي بكر فقد كان حريصاً على إتباع القرآن والسنة فيما جاء به وكان كباقي الصحابة لا ينسب القول بالرأي إلى الشريعة الإسلامية بل إلى نفسه , فقد قال عمر لما قال : ( هذا ما رأى الله ورأى عمر ! بئسما قلت هذا ما رأى عمر , فإن يكن صواباً فمن الله وإن يك خطاً فمن عمر ) وكان عمر يرجع إلى القرآن والسنة فإن لم يجد فيهما جواب للمسألة , نظر فإن كان لأبي بكر قضاء فيها قضى به وإلا دعا رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به
كان عمر من أظهر الصحابة استعمالاً للرأي وقد ضرب فيه بسهم وافر وساعده على ذلك اتساع رقعة الدولة الإسلامية في زمنه اتساعاً عظيماً وسريعاً وما صادفه من الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نتجت عن هذه الفتوحات والتي كانت تتطلب تشريعاً يطبق عليها وعلى أمثالها فقد روى عنه الشيء الكثير من الأحكام المستنبطة من استعمال الرأي والتي كانت هدى ونور اً لمن أتى بعده من الفقهاء , فكان عمر يجتهد في تعرف الحكمة التي نزلت فيها الآية ويحاول معرفة المصلحة التي جاء من أجلها الحديث ويأخذ بالروح لا بالحرف وعلى ضوء هذه وتلك يسترشد عند ما يفصل في المسألة المعروضة عليه , وكان عمر جريئاً في العمل بالرأي ولو خالف ذلك بعض النصوص والقواعد التي كانت معروفة ومعمولاً بها من قبل ومثال على ذلك
- قال تعالى في كتابه العزيز ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم) وتطبيقاً لما جاء بهذه الآية الكريمة , كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم الزكاة ومنهم أبو سفيان والأقرع بن حابس وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن , وكان يعطي الواحد منهم مائة من الإبل , ولما ولي أبو لكر الخلافة سار على ما كان يتبعه الرسول وجاءه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس يطلبان أرضاً فكتب لهما بهما , ولما ولي عمر مزق الكتاب وقال : (( إن الله أعز الإسلام وأغنى عنكم , فإن ثبتم عليه , وإلا فبيننا وبينكم السيف )) وبذلك منعهم نصيبهم من الزكاة
اهتدى عمر من الآية الشريفة السابقة إلى الحكمة في إعطاء الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم , فلما وجد أن الإسلام أعزه الله , وأصبح في غير حاجة لمعونتهم , منع إعطاء الزكاة لهم .
كذلك نجد عمر يعفي السارق من قطع اليد , إذا ما انتشرت المجاعة في البلاد فقد روي أن غلماناً لحاطب بن أبي بلتعه سرقوا ناقة لرجل من مزينة , فأتى بهم عمر فأقروا , فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال له : إن غلمان حاطب سرقوا رجل من مزينة وأقروا على أنفسهم , فقال عمر : يا كثير بن الصلت اذهب فأقطع أيديهم , فلما ولى بهم رده عمر ثم قال : أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم , حتى أن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه , حل له , لقطعت أيديهم , وأيمن الله إذ لم أفعل ذلك , لأغرمنك غرامة توجعك , ثم قال : يا مزني بكم أريدت منك ناقتك ؟ قال : بأربعمائة , قال عمر : أذهب فأعطه ثمانمائة .
نلاحظ هنا أن عمر حكم على حاطب بن أبي بلتعه بدفع الثمانمائة , ولم يحكم على غلمانه السارقين ,لانه كان السبب المباشر لتحريضهم على السرقة , أما هم فكانوا في حالة اضطرار للسرقة ليسدوا بها رمقهم , وهذا العذر هو الذي جعل عمر يتسامح في عدم قطع أيديهم .
وكان عمر أكثر الخلفاء الراشدين محبة للشورى مع فقهه , فقلما أقدم على أمر إلا بعد استشارة أعلام الصحابة وفقهائهم من المهاجرين والأنصار , وتمحيص آرائهم كل تمحيص , فكانت له شورى خاصة يلتمسها في مثل عثمان بن عفان والعباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وغيرهم , وشورى عامة صورتها أن يتقدم له كل من له رأي من المسلمين , عندما يعرض الأمر عليهم في المسجد , وربما استشار بعد ذلك خاصته زيادة في التحفظ , وكثيراً ما كان يرجع عن رأيه إذا ما ثبت له خطأه
ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى بامرأة زنت فأقرت , فأمر برجمها , فقال علي رضي الله عنه : لعل بها عذراً ثم قال لها : ما حملك على الزنا , قالت : كان لي خليط وفي إبله ماء ولبن , ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن , فظمئت فاستقيته فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي , فأبيت عليه ثلاثاً فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد , فسقاني , فقال علي : الله أكبر فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم , وفي السنن للبيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمي : ( أتى عمر بامرأة جهدها العطش , فمرت على راع فاستقت , فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه نفسها ,ففعلت , فشاور الناس في رجمها , فقال علي : هذه مضطرة أرى أن يخلى سبيلها ففعل ) وهذه هي نظرية الضرورة في القانون الجنائي الحديث .
أما سيرة عمر مع عماله , فلم يكن الوالي في نظره إلا فرداً كغيره من الأفراد يجري عليه حكم العدل كما يجري على جميع الأفراد الآخرين فكان إذا شكا من العامل أحقر الرعية جره إلى المحاكمة وهنا يقف الاثنان موقف المساواة حتى يتبين الحق في جانب أحدهما مراعياً في ذلك قوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )وقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ( لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) , فإذا ثبت لعمر إدانة عامله اقتص منه , وأختط عمر طريقة حسنه تكفل للرعية ألا يظلمها الولاة والعمال إذ أمرهم بأن يأتوا إليه كل سنة في موسم الحج , وسمح لكل من أصابه مكروه أو أوقع العمال عليه ظلماً أن يدعي بذلك على العامل في حضرته ليرد إلى المظلوم حقه وينصفه من خصمه وفق قوله عليه الصلاة والسلام ( إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم مني مجلساً , إمام عادل وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم مجلساً إمام جائر ) , فكان العمال يخافون الافتضاح على رؤوس الأشهاد في موسم الحج فيتجنبون ظلم الرعية ويسيرون بين الناس بالعدل والإنصاف , وقد خطب عمر رضي الله عنه في الناس كثيراً لبث هذه الروح في الرعية , ومن خطبه قوله : ( يا أبها الناس إني والله لا أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ( جلودكم) ولا ليأخذوا أموالكم , ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم ويقضوا بينكم بالعدل , فمن يفعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي , فو الذي نفس عمر بيده لاقصنه منه) .
وكان عمر شديد التدقيق في انتخاب القضاة فقد روي عنه قوله ( من استعمل رجلاً لمودة أو لقرابة , لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله و رسوله والمؤمنين ) وكان أخص ما يتحراه في القضاة والعمال التقوى والعدالة والعلم والمعرفة والذكاء وكان لا يحب العجلة في الفصل في الخصومات ويقول : ( ردوا الخصوم حتى يصطلحوا , فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن )
ولم تؤثر في تصرفاته عواطفه الخاصة ونزعات قلبه ومحبته لاخوانه , بل كان ديدنه في جميع أعماله الصراحة والعدل , فقد خاصم يهودي الإمام علي بن أبي طالب أمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب , وعلي – كما لا يخفى – ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته , وأحد المرشحين للخلافة , فقال له عمر قم يا أبا الحسن , وأجلس أمام خصمك , ففعل , ولكن مع تأثر لاح على وجهه , فلما انتهت الخصومة قال له عمر : أكرهت يا علي أن تجلس أمام خصمك ؟ فقال : كلا ولكني كرهت أنك لم تلاحظ المساواة بيننا بقولك يا أبا الحسن ( إذ الكنية تشير إلى التعظيم )
قتل رضي الله عنه غدراً وهو قائم يصلي بالناس بخنجر طعنه به أبو لؤلؤة فيروز المجوسي سنة 23هجرية .

بعد وفاة عمر رضي الله عنه انتخب الناس عثمان بن عفان رضي الله عنه , كان عثمان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان أبو بكر وعمر يستشيرانه , ويعملان برأيه , في جلائل الأعمال ومهام الأمور , ولما بويع بالخلافة حذا حذو عمر بن الخطاب ومن سبقه في حسن اختيار القضاة وتذويدهم بالنصائح , وكان يعتمد في قضائه على الكتاب والسنة ثم على قضاء من سبقه من الخلفاء الراشدين فكان إذا لم يجد فيها جواب مسألته رجع إلى استشارة الصحابة في الأمر عملاً بقوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) وقد اشتهر عثمان بالفقه , وكان من رواة الحديث , يقول بن حجر : ( إنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر , كما روى عنه أولاد عمر ومن الصحابة بن مسعود , وعبد الله بن عمر . وعبد الله بن العباس , وعبد الله بن الزبير , وزيد بن ثابت , وأبو هريرة وغيرهم , ومن التابعين الأحنف بن قيس , وسعيد بن المسيب
كان عثمان يعتقد كباقي الخلفاء الراشدين بأن الرأي الذي يفتي به ليس بلازم للأمة أن تأخذ به , فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه
أرسل عثمان إلى العمال والقواد وعمال الخراج وعامة المسلمين بالأمصار كتباً يحثهم فيها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعطف على أهل الذمة وجباية الخراج بالعدل والإنصاف ونصح عمال الخراج فقال : ( أما بعد فأن الله خلق الخلق بالحق ولا يقبل إلا الحق , خذوا الحق وأعطوا الحق به , والأمانة الأمانة , قوموا عليها ولا تكونوا أول من يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم , الوفاء الوفاء لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد فإن الله خصم لمن ظلمهم )
جلد عثمان معتادي السكر , وهدد بالنفي عن المدينة كل من عكف على البدع , فاستقامت أحوال الرعية
قتل عثمان وهو يتلو في مصحفه , وبعد أن منع عنه البغاة الماء , قتله الغافقي بحديدة كانت معه وجاء غيره من الثوار ليضربه بسيفه , فأكبت عليه زوجه نائلة وتلقت السيف عنه بيدها فقطع أصبعها , ثم ضربوا عنقه , وانتهبوا بيت المال وكان ذلك في 18 ذي الحجة سنة 34هجريه .

بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه تنازع الناس في من يتولى الخلافة , وفي أحوال مضطربة قلقة بويع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
كان عمر يستشير علياً عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام ( ما شقي امرؤ عن مشورة ولا سعد باستبداد رأي ) ويستفتيه في الأحكام الشرعية كما كان يستشيره باقي الخلفاء الراشدين , وكان علي يعتمد على القرآن والسنة في قضائه ثم على قضاء من سبقوه من الخلفاء الراشدين , وكان إذا لم يجد رجع إلى استشارة الصحابة في المسألة المعروضة عليه , عملاً بقوله تعالى لنبيه الكريم ( وشاورهم في الأمر ) وقد حذا حذو من سبقه من الخلفاء الراشدين في اختيار القضاة و إمدادهم بالنصائح , فكتب إلى الاشتر أحد عماله عندما ولاه مصر فقال : ( اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم . ولا يتمادى في الذلة ( الخطأ ) ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه , ولا تشرف نفسه على طمع , ولا يكتفي بأدنى فهم إلى أقصاه , أوقفهم في الشبهات , وآخذهم بالحجج و أقلهم تبرماً بمراجعة الخصم , وأصبرهم على تكشف الأمور , و أصرمهم عند اتضاح الحكم , ممن لا يزدهيه إطراء , ولا يستميله إغراء , وأفسح له في البذل بما يزيد علته وتقل معه حاجته إلى الناس , وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ) وكان يرجع للإمام علي في كثير من مسائل الدين وتفسير القرآن ورواية الحديث
وكثيراً ما استفتي في المواريث و والمشكل من القضايا , فقد قضى أن الزوجة التي توفى زوجها قبل أن يدخل بها , ودون أن يفرض لها صداقاً , لا حق لها في صداق المثل ,قياساً على المطلقة , إذ قال تعالى ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة )
وقضى في رجل فر من رجل يريد قتله , فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله , و بقربه رجل ينظر إليهما وهو يقدر على تخليصه , فوقف ينظر إليه حتى قتله , فقضى على أن يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت , وتفقأ عين الناظر الذي وقف ينظر ولم ينكر , ولعل علي رأى تعزيره بذلك
وروي أن ستة غلمان ذهبوا يسبحون , فغرق أحدهم , فشهد ثلاثة على اثنين أنهما أغرقاه , وشهد اثنين على ثلاثة أنهم أغرقوه , فقضى على بن أبي طالب على الثلاثة بخمس الدية وعلى الاثنين بثلاثة أخماسها
شكا إليه شاب نفراً فقال : ( إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر فعادوا ولم يعد أبي , فسألتهم عنه فقالوا : مات , فسألتهم عن ماله , فقالوا : ما ترك شيئاً , وكان معه مال كثير , وترافعنا إلى شريح , فأستحلفهم وخلى سبيلهم , فدعا علي بالشرط فوكل بكل رجل رجلين , وأوصاهم أن لا يمكنوا بعضهم أن يدنوا من بعض , ولا يسمحوا لأحد أن يكلمهم , ودعا كاتبه ودعا أحدهم , فقال : أخبرني عن أبي هذا الفتى , أي يوم خرج معكم ؟ وفي أي منزل نزلتم وكيف كان سيركم ؟ وبأي علة مات ؟ وكيف أصيب بماله ؟ وسأله عن من غسله ودفنه ومن تولى الصلاة عليه وأين دفن ؟ وتحو ذلك والكاتب يكتب , ثم دعا آخر بعد أن غيب الأول عن مجلسه , فسأله كما سأل صاحبه , ثم الآخر هكذا حتى عرف ما عند الجميع , فوجد كل واحد منهم يخبر بغير ما أخبر به صاحبه فضيق عليهم فأقروا بالقصة , فأغرمهم المال وأفاد منهم بالقتيل .
وكان علي رضي الله عنه لا يحبس في الدين , ويقول إنه ظلم , وقد سار الإمام على خطى أسلافه في رفع شأن القضاة , ومنحهم رواتب من النقود أو الطعام , بما يكفيهم ويكفي أولادهم من بيت المال فكان القضاء في عهده مستقلاً محترم الجانب عظيم الإجلال , وكان القاضي غزير العلم واسع المعرفة يتساوى أمامه الرفيع والوضيع والمسلم والذمي عملاً بقوله تعالى ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( العدل أساس الملك ) .
قتل علي غيلة بسيف مسموم ضربه به عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج وهو ينادي لصلاة الصبح بمسجد الكوفة في 17 رمضان سنة 40هجريه
ومع ذلك فقد جمع أبنائه وقال لهم : ( إذا أنا مت من ضربته هذه فأضربوه ضربة بضربه , ولا يمثل بالرجل , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إياكم و المثلة ولو بالكلب العقور ) )
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عمر بن عبد العزيز رجل نشأ في بيت الإمارة، وتقلب في نعيمها، وعاش حياة البذخ والرفاهية كغيره من أبناء الخلفاء وسلالات الملوك؛ حتى اشتهر عنه أنه كان يستخشن الحرير لنعومة جلده، هذا الفتى الذي ولي إمارة المدينة النبوية المنورة وهو في السادسة والعشرين من عمره، وولي الخلافة قبيل الأربعين كان خير خلفاء بني مروان، وآخر خليفة أجمع الناس على عدله حتى من خصومه.
لم تدم خلافته أكثر من سنتين وخمسة أشهر فقط، لكنه أنجز فيها ما عجز عن تحقيقه كثير من السلاطين والأباطرة والأمراء عبر التاريخ، على الرغم من اتساع رقعة خلافته بدءاً من الصين شرقاً وحتى شمال إسبانيا غرباً، ومن صعوبة التواصل بينه وبين أمراء الأقاليم إلا بِجُهْدٍ كبيرٍ وَوَقْتٍ كثيرٍ.
هذا الرجل الذي اشتكى من عدله بنو عمه لَمَّا رَدَّ المظالم التي بأيديهم إلى أهلها، حتى فزعوا إلى عمته فاطمة بنت مروان لتكلمه، فلما رجعت إليهم قالت لهم: أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده. فأسكتتهم بذلك، نَعَمْ! لقد أدركه صلاح جَدِّهِ لأمه الفاروق عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَنِعمَ النَّسَبُ ذلك المَنْسَبُ وَنِعمَ الولد من ذلك الوالد، رضي الله عنهم وأرضاهم.
كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رَضِيَ اللهُ عَنهُ حافلة بالإنجازات، ولم تتجاوز السنتين إلا ببضعة أشهر، ومنها:-
= أمر زوجته فاطمة بنت عبد الملك برد الحُلِيِّ التي وهبها أبوها إلى بيت مال المسلمين، ففعلت على الفور.
= كانت حديقة فدك وقفاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفق منها، ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أَيِّمَهُمْ، وكذلك كانت في حياة أبي بكر وعمر، فلما كان مروان بن الحكم اقتطعها لنفسه، حتى صارت لعمر بن عبد العزيز، فأعادها إلى ولد فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام.
= منع شتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنهُ من على منابر الجمعة، كما مضت به عادة بني أمية قبله.
= أسقط الزيادة في الجزية عن النصارى من أهل تبوك وعن نجرانية الكوفة، كما أسقط الجزية وكل ضريبةٍ عمن أسلم من أهل خراسان.
= أصلح الطرق، وأمر الولاة أن يجعلوا للناس خانات ( استراحات ) على الطرق العامة، وأن يُضِيْفُوا المسافرين يوماً وليلة، ويتعاهدوا فيها دوابهم، ومن كان منهم به علة فَيُضَافُ يومين وليلتين، ومن كان منهم منقطعاً فَيُبْلَغُ بِهِ بَلَدُهُ.
= منع ولاته أن يَسْتَقِلُّوا بأوامر القتل والصلب قبل مراجعته.
= أمر ولاته: أن من أراد من ذراري المسلمين أن يَحُجَّ فيعطى مائة درهم نفقةً لِيَحُجَّ بها.
= بلغ العدل من قضاته مبلغاً لم يَسبِقْ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ مِثْلُهُ، وذلك أن أهل سمرقند شكوا إليه أن قائد جيش المسلمين فتح بلادهم دون أن ينابذهم كما أمر الله في كتابه العزيز { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }، فكتب عمر إلى واليه: أن أَجْلِسْ لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فَأَخْرِجْ الجيش إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن تظهروا عليهم. فَأَجْلَسَ لهم القاضي: جميعَ بنَ حاضرٍ النَّاجِيَّ، فقضى ( أن يخرج عَرَبُ سمرقند إلى معسكرهم، وينابذوا أهل سمرقند على سواءٍ، فيكون صُلْحَاً جديداً أو ظَفَرَاً عَنْوَةً ). فلما رأوا ذلك رضوا بما كان.
= ناظر الخوارج - في آخر أيامه - ولم يعجل عليهم وهم يومذاك قليل، وكان مما قاله لزعيمهم ( بلغني: أنك خرجت غضباً لله ولنبيه، ولستَ بأولى بذلك مِنِّيْ، فَهَلُمَّ إِلَيَّ أناظرك!؛ فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك ). ولما ناظرهم رجع منهم كثير.
= بلغ من حكمته في سياسة الرعية يوم أن حادثه ابنه عبد الملك في أمر الإسراع في تحقيق العدل؛ وهو يقول لوالده: يا أمير المؤمنين!، ما تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقاً لم تُحْيِهِ وباطلاً لم تُمِتْهُ؟. يا أمير المؤمنين!، ما يمنعك أن تُنْفِذَ رأيك في هذا الأمر، فوالله ما كنت أُبَاْلِيْ أن تغلي بي وبك القدور في نفاذ هذا الأمر. فقال عمر لابنه: يَا بُنِيِّ!، إني أُرَوِّضُ الناس رياضة الصعب، فإن الله أبقاني مضيت لِنِيَّتِيْ ورأيي، وإن عَجِلَتْ عَلَيَّ مَنِيَّتِيْ لقد علم الله نيتي، وإني إِن بَادَهْتُ النَّاسِ بِمَا تَقُولُ أَحوَجُونِي إِلَى السَّيفِ، وَلاَ خَيرَ فِي خَيرٍ لاَ يَحيَا إِلاَّ بِالسَّيفِ.
= وبلغ من سياسته في ترويض الناس ما أوضحه بقوله: لو أقمت فيكم خمسين عاماَ ما استكملت فيكم العدل، إني لأُرِيْدُ أن أُخْرِجَ للمسلمين أمراً من العدل، فأخاف أن لا تَحْتَمِلَهُ قلوبهم، فَأُخْرِجُ معه طمعاً من طمع الدنيا، فَإِنْ فَرَّتْ القلوب من هذا سكنت إلى هذا.
= كان من حكمته في اختيار الأصحاب أن خطب قائلاً: أَيُّهَا النَّاس!، مَنْ صَحِبَنَا فَليَصْحَبْنَا بِخَمسٍ ، وَإِلاَّ فَلاَ يَقْرَبْنَا: يَرْفَعُ إِلَيْنَا حَاْجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيْعُ رَفْعَهَا، وَيُعِيْنُنَا عَلَى الخَيْرِ بِجَهْدِهِ، وَيَدُلُنَا مِن الخَيرِ عَلَى مَا نَهتَدِي إِلَيهِ، وَلاَ يَغتَابَنَّ أَحَدَاً، وَلاَ يَعتَرِض فِي مَا لاَ يَعْنِيْهِ.
= وكان من رحمته ورأفته وشفقته بالمسلمين أن أمر بإجلاء المسلمين من ( طرنده ) في وسط تركيا اليوم إلى ( ملطية ) قريباً من الحدود السورية؛ خوفاً عليهم من الروم، وأجرى عليهم أرزاقهم، كما أمر من عبر نهر السند من المسلمين أن يعودوا إلى حيث يستطيع المسلمون الدفاع عنهم حتى يستقر أمر تلك البلاد، وأمر واليه أن يُوْقِفَ الغزو في تلك البلاد؛ اكتفاءً بما حصل، فكان أن انتشر الإسلام فيما وراء النهر بالدعوة وحسن المعاملة








 


رد مع اقتباس
قديم 2011-02-23, 21:50   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
** دنيا الأمل **
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ** دنيا الأمل **
 

 

 
الأوسمة
وسام أفضل مؤهل 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك اختي جوداء على المعلومات القيمة
جزاك الله خيرا









رد مع اقتباس
قديم 2011-02-25, 16:08   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*جوداء*
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية *جوداء*
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة amina87 مشاهدة المشاركة
شكرا لكِ جوداء على هذه المعلومات المهمة و المواضيع القيمة

بارك الله فيكِ
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفارس الجدَّاوي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم:
شكرا جزيلا.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ** دنيا الأمل ** مشاهدة المشاركة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك اختي جوداء على المعلومات القيمة
جزاك الله خيرا
لا شكر على واجب
تسعدني الاضافة والمساعدة
ربي يجازيكم









رد مع اقتباس
قديم 2011-02-21, 13:35   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أمينة87
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أمينة87
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لكِ جوداء على هذه المعلومات المهمة و المواضيع القيمة

بارك الله فيكِ










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-01, 22:12   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
sameh2
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

هي فكرة جيدة فلنبدا معا
وفقكم الله










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-27, 22:01   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
tadkira
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية tadkira
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

]السلام عليكم
جزاكي الله خيراااااااااااااااااااااااااااااا










رد مع اقتباس
قديم 2011-04-08, 00:46   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*جوداء*
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية *جوداء*
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

ثبوت النسب بالطرق العلمية الحديثة
لقد اتضح تأثر المشرع الجزائري إثر التعديل الذي طرأ على قانون الأسرة بموجب الأمر 05-02
المؤرخ في 07/02/2005 بالثورة الهائلة التي كان سببها التطور البيولوجي مسايرا في ذلك التطور التكنولوجي الذي نتج عنه استحداث تقنيات في المعرفة العلمية في السنوات الأخيرة ،حيث فتح المجال واسعا لقضايا لم تشهدها البشرية من قبل ذات صلة مباشرة بحياتنا اليومية والشخصية ،ويتعلق الأمر بالطرق العلمية لإثبات النسب التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 40 (ويجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب).
إلا أن ذلك لا يفهم على إطلاقه بأن النص لا يطرح أي إشكال يذكر ،لأن إطلاق العنان للقاضي في
إثبات النسب بهذه الطرق دون حصرها أو توضيح لمجال تطبيقها وحجيتها ،فتح الباب على مصراعيه لاختلاف فقهي حول هذه الطبيعة وتحديدا مسألة سلطة القاضي في تقدير هذه الطرق العلمية ،فعلى سبيل المثال استند الباحثون أنه لا مانع شرعي في اعتماد البصمة الوراثية في إثبات النسب نظرا لقيمتها القانونية الحتمية.
وهو ما جعل من الضرورة بما كان التساؤل عن هذه الإشكالية التي سيتم الإجابة عنها في مطلبين :
المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب.
المطلب الثاني :حجية الطرق العلمية وسلطة القاضي في تقديرها.

المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب :
لقد كان المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سباقا للاعتداد بالطرق العلمية
كوسيلة لإثبات النسب في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة (1).
إلا أن هذا الطرح لم يجد صداه لدى المشرع الجزائري في القانون رقم 84-11 المؤرخ في 09 يونيو 1984 المتضمن قانون الأسرة الذي لم ينص على الطرق العلمية كوسيلة من وسائل إثبات النسب مكتفيا في ذلك بالطرق المقررة شرعا والمنظمة في المادة 40 الفقرة الأولى من قانون الأسرة ، بالإضافة إلى الجدل القائم حول قيمة الأخذ بهذه الطرق وعدم حصر المشرع لها ،مع العلم بأنها تختلف بين التي يمكن نفي النسب بها فقط دون أن تكون وسيلة للإثبات وهو ما سيتم معالجته في الفروع التالية:
الفرع الأول : إشكالية إدماج الطرق العلمية لإثبات النسب.
الفرع الثاني : أنواع الطرق العلمية لإثبات النسب .
الفرع الثالث : عوائق تطبيق الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب.

(1) المشار إليه في "البصمة الوراثية ومدى حجيتها في الإثبات " ،مذكرة تخرج نيل إجازة المدرسة العليا للقضاء ،الدفعة 13 لسنة 2005،ص 82
الفرع الأول : إشكالية إدماج الطرق العلمية لإثبات النسب :
لقد كانت مسألة إثبات النسب بالطرق العلمية في البداية محل جدل فقهي ،وقف فيه بعض جمهور
الفقه موقف المرتاب والرافض للطرق العلمية كوسيلة لإثبات النسب فنظروا على أن اللعان مثلا يعتبر الوسيلة الوحيدة لنفي النسب اعتمادا على قوله تعالى :"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله..."(1) ، فالآية ذكرت إذ أن الزوج لا يملك لا يملك إلا شهادة نفسه فيلجأ للعان و أي اعتماد على طرق علمية دون ذلك فهو تزيد على كتاب الله وأن الرسول (ص) قال : "الولد للفراش وللعاهر الحجر" ،فأهدر بذلك الشبه البين وهو الذي يعتمد على البصمات الوراثية ،كما أن الأستاذ الفقيه الجزائري محمد شريف قاهر عضو المجلس الإسلامي الأعلى ،ذكر أن العلم حقيقة نسبية بينما القران الكريم كلام إلاهي لخلق الكون لأنه حقيقة مطلقة صالحة لكل زمان و مكان وهو الذي فصل في مسألة إثبات أو نفي النسب معللا رأيه أن النص القراني صريح وواضح وبالتالي يقتضي العمل
بالقاعدة الفقهية "لا إجتهاد مع وجود النص"..(2) .
وإنطلاقا من كل ذلك تبنى المجلس الإسلامي الأعلى موقفا صريحا في مسألة النسب بالطرق العلمية
رغم عدم إصداره لأي فتوى توضيحية لذلك مستظهرا وضوح القواعد الفقهية التي لمة تسمح بإستعمال أي طريقة غير شرعية قد تثبت أو تنفي النسب (3).
واعتمادا على كل ذلك قرر هذا الاتجاه عدم جواز الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب لما في
ذلك من خروج عن القواعد الفقهية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية بأغراضها الأساسية في حفظ الكليات الخمس من عقل ونفس ،ونسل ودين ومال. كما أنه لا لم تسمح بإستعمال هذه الطرق حماية لحياة الإنسان وحفاظا لتعريض النسل وإنتمائه لأي خطر كان فيه قد يكثر عديمي النسب واللقطاء.
ولقد كان المشرع الجزائري متأثرا فيما سبق ذكره أثناء سنه لقانون الأسرة في 1984 ، إذ لم يعتمد سوى بالطرق الشرعية لإثبات النسب الواردة في المادة 40 فقرة 01 من نفس القانون رافضا إستعمال الطرق العلمية كوسيلة لذلك ،وهو ما كان قد كرسه القضاء الجزائري فعلا مكتفيا بجمود النص القانوني الذي لا يقبل أي تأويل أو إجتهاد.

ومن ذلك قرار المحكمة العليا الصادر في 15 جوان 1999 الذي جاء فيه " حيث أن إثبات النسب
قد حددته المادة 40 وما بعدها من قانون الأسرة الذي جعلت له قواعد إثبات مسطرة وضوابط محددة تفي بكل الحالات التي يمكن أن تحدث ولم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم كطريقة علمية التي ذهب إليها قضاة الموضوع ،مما دل ذلك على أنهم قد تجاوزوا سلطتهم الحكمية إلى التشريعية ،الأمر الذي يتعين معه نقص القرار المطعون فيه وإحالته لنفس المجلس"(1).
وقد أضاف قضاة المحكمة العليا في قرارهم الصادر في 14/02/94 : "من المقرر قانونا أيضا أنه
يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار والبينة وبنكاح الشبهة وبكا نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32-33-34 من قانون الأسرة".
يتضح من كل ما سبق أن قضاة المحكمة العليا بصفتهم قضاة قانون طبقوا النص الحرفي للمادة 40
لقانون الأسرة التي تحدد طرق إثبات النسب قبل تعديلها وكانت تعتبر لجوء القاضي لأي خبرة علمية تستهدف إثبات أو نفي النسب بأي طريقة من الطرق العلمية تجاوزا للسلطة لأنها كانت تعتبر ذلك تشريعا في حد ذاته.
لم يكن الرأي المذكور أعلاه والرافض للطرق العلمية لإثبات النسب جامعا بين فقهاء القانون ،
ذلك أن اتجاها اخرا رأى في إستعمال هذه الطرق وسيلة علمية حتمية بنتائج ملموسة .فرأو أن الاية التي استدل بها الفريق الأول، إنما تتعلق بالعذاب الذي يوقع على المرأة أو درأه عنها.(2)
و إعتبارا لكل ذلك ومحاولة من المشرع الجزائري الإستجابة للتطورات العلمية الحديثة فإنه قد أدرج الطرق العلمية ضمن وسائل إثبات النسب أثناء تعديل قانون الأسرة بموجب الأمر 05-02 في الفقرة الثانية من المادة 40 السالفة الذكر.
غير أن هذه المادة إكتفت بالإشارة إلى هذه الطرق العلمية دون تحديد المقصود منها أو حصر لصورها علما ان البحوث العلمية والتوصيات المقدمة في هذا المجال أثبتت وجود نوعين من الطرق العلمية يتصف الأول منها بكونه قطعي الإثبات و الثاني لا يرقى إلى ذلك على أساس أنه ضني الثبوت يعطينا مجرد إحتمالات بل و أحيانا نتائج يتحدد مجالها في نفي النسب فقط .

(1) المحكمة العليا غ أ ش ، ملف رقم 22267 ،قرار بتاريخ 15-06-199 مجلة الإجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية عدد خاص ص 2002 ص 88.
(2) من بين هؤلاء الفقهاء المعاصرين ،الدكتور يوسف القرضاوي ومحمد المختار السلامي ،وعبد الله محمد عبد الله و إبن القيم الجوزية.
الفرع الثاني : أنواع الطرق العلمية لإثبات النسب :
من بين الإشكاليات التي أثارتها المادة 40 فقرة 02 من الأمر 05-02 أنها فتحت المجال للقاضي في إستنباط إستعمال الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب نتيجة عدم تحديد وحصر المشرع لهل ،لذلك تطلب الأمر الإستعانة إلى ما توصلت إليه البحوث الطبية و الدراسات العلمية من خلال التقسيم الذي تبنته هذه الأخيرة من طرق علمية قطعية الدلالة و أخرى لا ترقى بالشك إلى اليقين كونها ظنية .
لهذا ستكون دراستنا علمية بحتة .
أولا : الطرق العلمية القطعية :
والذي يتصلhla ونظام الوراثية توصل العلماء إلى إعتبار كل من البصمة
بالمناعة طرقا علمية لإثبات النسب بصفة قطعية لأن دقة ثبوتها تصل حسب الخبراء و الأطباء إلى نسبة الخطأ فيها :
01/ 2.000.000 مرة (1).
: Adn أولا- نظام البصمة الوراثية
لقد رأى العديد من العلماء و الباحثين قياس البصمة الوراثية على ما يسمى بالقيافة التي كانت تعتبر
قرينة قوية أخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود ، والتي تعني في مصدرها اللغوي مصطلح قافة بمعنى تتبع أثره ليعرفه فالقائف هو الذي يتبع الاثار ويعرفها ، و يعرف شبه الرجل بأبيه و أخيه ، بمعنى الذي يعرف النسب بفراسته و نظره إلى أعضاء المولود رغما أن الحنفية ذهبوا إلى إعتبار أن القيافة لا يلحق بها النسب لأنها ضرب من الظن على عكس جمهور العلماء اللذين استدلوا بحجيتها بحديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت : " دخل علي رسول الله( ص) ذات يوم مسرورا تبرق أسارير وجهه ، فقال : ألم تري أن مجززا المدلجي نظر إلى زيد بن الحارث و أسامة إبن زيد و عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما و بدت أقدامهما فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ."

فرأوا في سرور الرسول (ص) دلالة على إقراره بالقيافة .
إلا أن البعض الاخر رأوا في عدم قياسها على القيافة نظرا لإختلاف موضوعهما و الأسس التي تبنى عليها فالقيافة تعتمد على الشبه الظاهر بينما تعتمد البصمة الوراثية على بنية الخلية الجسمية أي على الحس و الواقع ، لذلك فالقيافة باب و البصمة الوراثية باب اخر (1).
و سواء كانت البصمة الوراثية أخذت مرجعيتها من القيافة أو من غير ذلك ، فإنها تعد وسيلة قاطعة لا تكاد تخطئ في التحقق من إثبات أو نفي نسب الولد لأبيه هذا لظهورها بسبب التطور البيولوجي
العنصر المكون للخصائص الوراثية للإنسان ، عندما adnالذي شهده عالمنا المعاصر و يعتبر ال
لكل من الأب و الأم بكونه متحدا و يتشكل من لفائف adn تلتقي البويضة مع الحيوان المنوي ،إذا
مزدوجة الجانب على هيئة رقائق تسمى ( رقائق الحمض النووي الحلزونية يبلغ سمك جدارها من 50 مليون ملم وقطر هذا الحلزون 1/50 مليون متر مكعب).
وتساهم البصمة الوراثية في إثبات أو نفي النسب بإعتبارها تقنية ذات قوة تدليلية قطعية في ذلك فهي موجودة على صيغة واحدة في جميع مكوناتن الجسم سواء الدم ، المني ، الشعر أو في أي عضو من أعضاء الجسم وهو عبارة عن بروتين يحمل مورثات أو جينات تحمل مواصفات تختلف من شخص لاخر ، وتبقى ثابتة مدى الحياة إلى أن تتحلل الجثة بعد الموت مما يسمح للطب الشرعي من معرفة نسب ا له ،ومكوناتadn للأب لإثبات الأبوة وadnالأم لإجراء المطابقة بين adn الطفل (2) ،بتحليل الطفل والأم و الأب إذا تمت المطابقة ثبت نسب الطفل للأب أو للأم أو كلاهما معا إذا لم تتم المطابقة فهذا يدل على نفي نسب الطفل إليهما .
و اللجوء للبصمة الوراثية يتم عن طريق الخبرة العلمية التي يتم فيها تحديد ضرورة فحص الحمض
النووي للبصمة الوراثية على أساس أن دقة ثبوت النسب أو نفيه بهاته الطريقة العلمية تصل حسب الخبراء والأطباء إلى نسبة وتقول التقارير أن تطور العلوم بشأن الحمض النووي كفيلة بالوصول به في ضرف زمن قريب إلى نسبة 100 ٪ لهذا يرى الأستاذ بن داود عبد القادر ضرورة تقنين جواز اللجوء للطرق العلمية القاطعة التي قد يقع تحديدها عن طريق التنظيم تمييزا لها عن الطرق

(1) "البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات" مذكرة التخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء ، دفعة 13 /2002-2005 ص 83.
(2) د/ حسين علي شحزور ، كتاب " الطب الشرعي ، مبادئ و حقائق " ص 262
و الدكتور إبراهيم صادق الجندي ،تقنية البصمة الوراثية و إمكانية التحايل عليها ص 48
العلمية الظنية ما دام أنه لا مانع شرعي في ذلك .
كما أن الباحثين استندوا في إعتماد البصمة الوراثية طبقا لمل جاءت به المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الصادرة بتاريخ 21 رجب 1422 ه الموافق ل 08 أكتوبر 2001 توصل إلى أن الإسلام يقر الأخذ بالبصمة الوراثية في حال تنازع أكثر من شخص في أبوة مجهول النسب ،فقد ذكر الأمين العام للمنظمة في جريدة البيان بتاريخ 09/10/2001 الدكتور أحمد الجندي أن 26 باحثا شاركوا في إعداد بحث البصمة الوراثية و ذلك من الناحية الطبية والشرعية و توصلوا من خلاله إلى حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب ، وضرورة الإحتكام إليها في حالة تنازع إثنين في مجهول النسب أو عدول الأب عن إستلحاق مجهول النسب أو إنكار أبنائه و توريث مجهول النسب و إذا أقر بعض الإخوة بأخوته و نفاها ناخرون و في حالة إدعاء إمرأة بأمومتها بشخص ما دون دون دليل على ولادتها له ، كما أنه ذكر أن كل إنسان ينفرد بنمط خاص في التركيب الوراثي ضمن كل خلية من خلايا جسده ، ولا يشاركه فيها أي شخص اخر و هو ما يعرف كما سبق الذكر ب (1).
ثانيا : نظام (مرتبط بالمناعة ) :
يعتبر نظام إلى جانب البصمة الوراثية إحدى الطرق العلمية القطيعة في إثبات أو نفي النسب ، فهي من الناحية العلمية تمتاز بخصائص تجعله نظام أكثر فعالية في مجال النسب نفيا و إثباتا ، فنظام مهم جدا بإعتباره نظاما ( ) أي رغم أنه جد متغيرو متعدد المظهر البيولوجي (س شخص إلى اخر) إلا أنه جد ثابت و متوازن في انتقاله من الآباء و الأبناء( ( ) مما يعطيه خاصية ثالثة تتمثل في قدرته العليا في تصنيف و تعريف التشخيص البيولوجي للأشخاص.
فهو الأهم في أنظمة التمييز البيولوجي المعروفة حاليا.
المركب يتشكل في الحقيقة من خمس أنظمة متشابكة فيما بينها

(1) –أ- بن داود عبد القادر ،المرجع السابق ، ص 109 ،110
مما يسمح بتمييز بيولوجي جيني منفرد
يجب معرفة أن كل إنسان يحصل على مركبين مختلفين عن بعضهما واحدة من الأب و الأخرى من الأم تسمح بالتمييز بين الأفراد بصورة أكبر مما تمنحه كل الأنظمة الأخرى مجتمعة .
إن قطعية إثبات النسب بواسطة نظام قد يقف عائقا أمام حالة الزواج العائلي أو المتكرر فإن الطفل هنا يحصل من والديه على مركبين متشابهين يصعب الإستنتاجات و التحاليل المجترية ، مما يستدعي اللجوء إلى الإثبات عن طريق نظام البصمة الوراثية
ثانيا : الطرق العلمية الظنية :
تعتبر من الناحية العلمية بعض الطرق وسيلة من وسائل إثبات النسب رغم أن قيمتها العلمية تختلف عن تلك القطعية التي تم الإشارة إليها سابقا ، لذلك فإنها تعرف العديد من الأنظمة التي تتمثل في :
أولا : نظام ال / فحص الدم :
يعتبر نظام فحص الدم إحدى الطرق العلمية الشائع إستعمالها في مجال نفي النسب ، ذلك أن فصيلة دم كل من الطفل و الأم و الأب تحدد عن طريق تحاليل فحص الدم ، فكل طفل له خاصية جينية إما مع الأم و إما مع الأب ، و بما أن الأم معروفة دائما بواقعة الولادة فإذا كانت له خاصية لم تكن موجودة لدى الأم ، فهي بالضرورة موجودة عند الأب ، فإذا ثبت غياب هذه الخاصية عند الأب المفترض فإن أبوته لهذا الطفل غير ممكنة ، و يتم على أساسها نفي النسب و يتضح من الجدول التالي هذه الفصائل و ما يقابلها من مواد مولدة و أجسام مضادة و تراكيب جينية :
الفصيلة المادة المولدة الأجسام المضادة التراكيب الجينية
نقي
هجين
نقي
هجين
و لتوضيح أكثر نذكر الأمثلة الآتية :
- الأم و الابن ففي هذه الحالة إذا كان الرجل فيستحيل أن يكون هو اب الطفل ، لأنه بالضرورة قد حصل على الخاصية من أبيه الحقيقي
- الأب و الأم إذا الأب أو و الأم أو
فحتما الأطفال إما أو أو ،يستحيل أن يكون للأولاد في هذه الحالة أخا أو .
ثانيا : نظام ال :
يعتبر هذا النظام ذو خاصية تتمثل في أنه يحتوي على عدة خصائص وراثية نادرة جدا ، يستخدم بنفس الطريقة كنظام ال... ، فعلى سبيل المثال :
الأم الأب المفترض
الإبن
ففي هذه الحالة يستحيل ثبوت النسب لأن الإبن حصل على من أمه وبالتالي من أبيه لكن الأب المفترض و ليس ، إذا فالنسب منفي بطريقة علمية.
و تجدر الإشارة إلى وجود حالة خاصة تتمثل في حالة وجود( )
- الأب المفترض
- الأم
- الإبن
ففي هذه الحالة لا يمكن نفي نسب الإبن للأب المفترض لأن الإبن حصل على من أمه و قد يكون قد حصل على من الرجل ولكن نظرا لأن خاصية نظام نادرة جدا فإنه يمكن القول أن هناك إحتمال كبير أن يكون الرجل هو أب فعلي للطفل .
ثالثا : نظام مجموعة البروتينات :
هو نظام متعدد و متغيلر نظرا لتعدد و تغير هيئات مظهر البروتينات المجودة في المصل و أنزيمات الكريات الحمراء ، و هو نظام حديث جدا يمكن من إستعمال هذه العلامات و يعطي نتائج أكثر دقة من فصائل الدم العادية ، لأنه مع البروتينات لدينا قدرة عالية للتمييز البيولوجي بين الأشخاص ، ويستعمل في التحاليل و الدراسات نفس المبادئ كالأنظمة الدموية ، يبقى التمييز مقتصرا فقط على بعض الخاصيات الكيميائية و البيولوجية .
كما تجدر الإشارة إلى أن ما تم ذكره في مجال الطرق العلمية ذات الحجية الظنية كان على سبيل المثال لا الحصر و التي يقتاد إليها في مجال النفي و تعطينا مجرد إحتمالات في الإثبات حيث يوجد إلى جانبها أكثر من 30 نظام علمي يستعمل في هذا المجال نتج عن التطورات البيولوجية الحديثة منها :
- نظام المفرزات اللعابية
- نظام ...
- نظام...
نظام ...


الفرع الثالث : عوائق تطبيق الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب :

رغم التكريس القانوني ل‘مكانية إثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة فإن إعمال القضاء لتلك الظروف لا يحول دون وجود عقبات و عوائق قد تؤدي إلى عدم تكريسها عمليا و هي إما أن تكون عوائق قانونية أو مادية .

أولا : العوائق القانونية :
فمن هذه العوائق حرمة الحياة الخاصة ، و إحترام السلامة الجسدية و عدم إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه .
1 /- حرمة الحياة الخاصة :
تنص المادة 34 من دستور 1996 على أنه" تضمن الدولة عدم إنتهاك حرمة الإنسان و يحظر أي عنف بدني أو مساس بالكرامة "
فهذه المادة تشكا إحدى أهم العقبات الأساسية أمام تطبيق الطرق العلمية الحديثة في النسب ، و خصوصا فحص الحمض النووي الذي يشكل تدخلا في الحياة الخاصة للفرد ، لأنها تفتح المجال للبحث عن الخصائص الوراثية من خلال الإستعداد الوراثي للشخص ، مما قد يمد الغير بمعلومات خاصة بالزوج و الزوجة و تكون ذات طابع شخصي خاص .

2 /- إنتهاك السلامة الجسدية :
تنص المادة 35 من دستور 1996 عل أنه " يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات و على كل ما يمس سلامة الإنسان" و قد تنطوى الطرق العلمية على مساس هذه السلامة الجسدية ، ذلك أنها تعتمد على العتاد المأخود من جسم الإنسان و الذي قد يؤخذ منه بطريق الإكراه ، و هو ما يعد مساسا بسلامته الجسدية .

3 /- عدم جواز إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه :
لقد كرست مختلف الأنظمة الإجرائية مبدئا عاما لا يجوز بموجبه اللجوء لإجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه ، و هو ما سوف يتم إنتهاكه إذا تم الأخذ بالطرق العلمية ، إذ انها تقوم على إجبار الشخص المعني على أخذ العتاد الخلوي من أجل فحص الحمض النووي مثلا ، و هو ما يعد إجبارا للشخص على تقديم دليل ضد نفسه و هو ما قد يجعله دليلا باطلا ، طبقا لقانون الإجراءات .

ثانيا : العوائق المادية :
1/- وجود مخبر علمي واحد و وحيد :
لقد خصص قسم البيولوجيا الشرعية من خلال تدشين مخبر ال بمناسبة عيد الشرطة بتاريخ 22/07/2004 بالرغم من أنه يعد خطوة هامة في تكريس و تشجيع العمل بالبصمة الوراثية لمسايرة التطور البيولوجي في هذا المجال ، حيث يشرف عليه تقنيين و باحثين مختصين في علم البيولوجيا و الوراثة ، تتجلى أهميته في البحث عن الأدلة بواسطة التحاليل المخبرية سواء كانت في المجال الجنائي أو في إثبات و نفي النسب بإعتبار الطرق العلمية وسيلة مستحدثة في المادة 40 للفقرة الثانية من قانون الأسرة المعدل و المتمم ، إلا ان إستحداث مخبر علمي واحد على المستوى الوطني مقارنة بإستحداث الطرق العلمية من طرف المشرع وقف عائقا ماديا حال أمام صعوبة إستصاغة الأمر من خلال الأوجه التالية :
أ- يتطلب اللجوء إلى الطرق العلمية توافر مخابر ذو جودة عالية و تقنية محظة نظرا لصعوبة إستعمال الوسائل المستخدمة في هذا المجال .
ب- يتطلب اللجوء إلى الطرق العلمية الإلمام الشامل و المعرفة الدقيقة بعلم الجينات و كل الأنظمة المستعملة في هذا المجال ، الذي يرتكز على الفرضيات و الحالات النادرة و إستعمال بعض المفاعلات صعبة و معقدة يجب مراقبتها بصورة دقيقة فمثلا أثبت الخبراء بأنه يتطلب إستعمال على الأقل 20 نظام في هذا المجال للوصول إلى النتيجة الحتمية في الإثبات أو النفي .
ج- يتطلب إعتماد نظام ال دون سواه إمكانيات ضخمة سواء بالإعتماد على مخبر عالي الجودة و على خبراء تقنيين أخصائيين رفيعي المستوى من بينهم أخصائيين في الإحصائيات و الإحتمالات ، نظرا لأنه يشكل إحدى الأنظمة المعقدة و الشائكة.

2/- مسألة مصاريف الخبرة :
إذا كان اللجوء إلى الطرق العلمية يرتكز في أساس على ضرورة توافر البات و هياكل مادية ضخمة للوصول إلى نتائج فعالة ، فإن ذلك يتطلب بالمقابل مصاريف باهظة تفتقر لآلية قانونية يتم بموجبها تحميل الخزينة العامة أعبائها ، و بالتالي يتحملها أطراف الدعوى ، فهل يمكن تصور ذلك بالنظر إلى الأوضاع المعيشية و الإقتصادية للمواطن الجزائري ، مما يستدعي القول بأن مجال لجوء المواطن إلى هذه الخبرة يبقى ضيقا جدا .





المطلب الثاني : القيمة القانونية للطرق العلمية :

لم يشر المشرع إلى القيمة القانونية للطرق العلمية لإثبات النسب ، مما يثير التساؤل عن مدى حجيتها و سلطة القاضي المكلف بشؤون الأسرة في تقديرها ، فيما إذا كان الأمر يبقى خاضعا للقواعد المنوطة بالخبرة العلمية ، أم أن الأمر يتطلب إخضاع هذه الطرق إلى قواعد خاصة نظرا للطبيعة العلمية و الحتمية لهذه الطرق ، و هو ما سيتم الإجابة عنه فيما يلي :
الفرع الأول : حجية الطرق العلمية في إثبات النسب

الفرع الثاني : سلطة القاضي في تقدير الطرق العلمية

الفرع الاول : حجية الطرق العلمية في إثبات النسب :

نظرا لعدم تحديد المشرع الجزائري لحجية الطرق العلمية في إثبات النسب فإن التساؤل حول هذه الحجية قد يثار بالنسبة لقيمتها القانونية فيما إذا كانت قطعية الدلالة و بأنها قابلة للخطأ أي ذات حجية نسبية و من تمة يجدر بنا التساؤل عن مدى تأثير تقرير الخبرة العلمية في هذا المجال على الحكم وجودا أو عدما و هو ما سيتم مناقشته فيما يلي :

أولا : الحجية المطلقة للطرق العلمية لإثبات النسب :
لقد تبنى معظم رجال القانون إنطلاقا من القيمة التي تعتري مجال الطرق العلمية فكرة أن لهذه الأخيرة حجية مطلقة ذلك أن الخبراء اللذين يقومون بإجراء هذه الخبرة مختصون في هذا المجال و بالتالي فإن لآرائهم تأثير على قرارت القضاة في تبني إتجاههم ، فعلى سبيل المثال يعتبر العلماء أن البصمة الوراثية ذات دلالة تقنية قطعية تتجلى بإنفراد كل شخص بنمط وراثي معين ،لا يوجد عند أي كائن اخر في العالم ، إذ لا يمكن أن يتشابه ال لشخصين إلا مرة واحدة كل 86 بليون حالة أي أن نسبه التشابه يتساوى من 1 إلى 86 بليون شخص فمن تمة يمكن القول أن نسبة التشابه منعدمة تماما .(1)



(1) د/ نبيل سليم ( البصمة الوراثية و تحديد الهوية ، مجلة حماية الوطن عدد256 ، 2004 ، الكويت)



لذلك كانت من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطأ في التحقيق لإلحاق أو نفي نسب الأولاد للاباء لأن الحمض النووي و أيضا ال يعد دليل إثبات و نفي قاطع بنسبة 100 بشرط أن يتم تحليله بطريقة علمية سليمة ما دام أن إحتمال التشابه بين البشر غير وارد .
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الطرق العلمية المتمثلة حسبما توصل إليه العلماء في نظامي البصمة الوراثية و نظام هي الوحيدة التي تكتسي الحجية القطعية ، و ما ياكد هذه الحجية المطلقة إمكانية أخذها منأي مخلفات ادمية سائلة( دم،مني) أو أنسجة (لحم ، عظم،جلد،شعر) كما أنها تقاوم عوامل التحلل والتعفن و العوامل المناخية المختلفة من حرارة و برودة و جفاف ، ليس ذلك فقط بل أنه يمكن الحصول عليها حتى من الاثار القديمة و الحديثة كما حصل في القضاء الفرنسي في قضية الفنان" إيف مونتان" حيث ادعت امرأة أن لها إبنة منه تدعى" أنياس " و ما أضفى على الأمرنوعا من المصداقية أن تلك السيدة كانت تشبه الفنان في ملامح وجهه و قد أمر القاضي الفاصل في هذه القضية بواسطة الخبرة بحفر قبر الفنان و أخذ عينة من جسمه فحص عينة من حمضه النووي و مقارنتها بالحمض النووي للبنت التي تدعي أنه اباها و بعد مدة سارت القضية و ظهرت النتائج و أثبتت الخبرة أنه لا يربط الفنان و السيدة أي علاقة أبوة أو بنوة ،و لعل أن أكبر مثال على فعالية فحص الحمض النووي كوسيلة من وسائل إثبات النسب ما ذكرته إحدى الصحف السعودية بخصوص إنسان (النايدات) الذي وجدت جثته محفوظة في الثلج منذ حوالي 9000 سنة و علم ذلك عن طريق تحليل البصمة الوراثية فكيف لا يكون لها بذلك حجية مطلقة في إثبات أو نفي النسب .(1)

لذلك لا يمكن في كل الاحوال الشك مطلقا في مستوى نجاعة الإعتماد على هذه الطرق العلمية سواءا القطعية منها و التي تعطينا نتائج حتمية في مجال إثبات النسب أو الظنية التي تعطينا نتائج حتمية في مجال النفي و احتمالات في مجال الإثبات و الذي يمكن القاضي دائما من الإستعانة إليها لحل الكثير من المسائل العالقة في إلحاق الأبناء بآبائهم أولا .(2)






جريدة الوطن السعودية ، السبب 01/05/2004 عدد 1380 السنة 4 . (1)
(2) البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات ، المرجع السابق ، ص 112





ثانيا :الحجية النسبية للطرق العلمية :

إذا كان معظم علماء الطب و القانون قد توصلوا إلى إعتبار بعض الطرق العلمية كالبصمة الوراثية و نظام ال ذات حجية قطعية الدلالة نظرا للخصائص التي تم التطرق إليها في هذا الباب ، فإن فري اخر تبنى فكرة الحجية النسبية لهذه الطرق العلمية إعتمادا على ما هو جار العمل به في القواعد العامة بالنسبة للخبرة القضائية و لو كانت علمية مبنية على أسس تقنية محضة .
فالطرق العلمية الظنية كنظام ال (تحليل فصائل الدم ) أو نظام المفرزات اللعابية تعتبر وسيلة إثبات نسبية لا يرقى الشك فيها إلى درجة اليقين ، كون أن النتائج التي تصل إليها تبقى محتملة الوقوع لا ترقى أن تكون دليل إثبات حتمي ما دام أن نسبة التشابه فيها بين البشر يبقى واردا بدرجة كبيرة ، و من تم فإن الخبرة العلمية التي تتضمن هاته الطرق تبقي خاضعة للقواعد العامة للخبرة القضائية العادية .
ليس ذلك فقط بل أن البعض رأى في الطرق العلمية القطعية التي تم تفصيل بيانها سابقا حجية نسبية كذلك ، فتقنية ال لا يمكنها بأي حال من الأحوال منحنا الدليل القاطع على إتهام شخص معين أو إلحاق نسب ولد ما أو نفيه ، لذلك فإن القاضي و إن إعتمد عليها عند دراسته لملف معين فهي لا ترقى لدليل قطعي غير قابل لإثبات العكس ، كما إعتبر علماء الطب أن التحاليل الجينية لا تشكل كذلك بأي حال من الأحوال سلاحا مطلقا لاول وهلة لأن هذه التقنية رغم حساسيتها تقتضي من القضاء إحاطتها بشروط صارمة للأخذ بها ، و هو ما يجرنا إلى التساؤل عن مدى تقارب المعنيان معا ، فكيف يمكن إعتبارها طرقا علمية قطعية الدلالة من جهة ، وبقاء إحتمال الشك واردا من الجهة الثانية ؟؟

وهو ما يجرنا إلى الحديث عن السلطة التقديرية للقاضي في تقدير الخبرة في مجال الطرق العلمية لإثبات أو نفي النسب.







الفرع الثاني : سلطات القاضي في تقدير الطرق العلمية لإثبات النسب :

تعتبر الخبرة القضائية طبقا للقواعد العامة بالنسبة للقاضي من المسائل التي تخضع لسلطته التقديرية بإعتبارها سلطة مطلقة له فيها أن يصادق على تقرير الخبراء كليا أو جزئيا ، كما له الحكم من دونها ، فهل تخضع ميألة تقدير الخبرة العلمية في مسألة النسب إثباتا و نفيا للقواعد العامة من جهة ؟
و ما مدى سلطة القاضي في تقدير قيمتها القانونية فيما يخص مسألة نفي النسب عن طريق اللعان كما هو جار العمل به .

أولا : لجوء القاضي إلى الخبرة العلمية و سلطاته اتجاهها :

لا يمكن بأي حال من الأحوال لقاضي شؤون الأسرة الفصل في مسألة إثبات النسب بالطرق العلمية إلا باللجوء إلى إستشارة اراء الخبراء و العلماء المتخصصين في مجال البيولوجيا للتوصل إلى نتائج علمية دقيقة بإعتبارها من المسائل التقنية التي لا يمكن للقاضي الفصل فبها إلا بالإستعانة إليهم و الإسترشاد بارائهم (1).
و من تم فإن القاضي في هذه الحالة يلجأ طبقا للقواعد العامة للفصل في مثل هذه المسائل التقنية
إلى الخبرة القضائية التي سيستصدر من خلالها حكما تحضيريا قبل الفصل في الموضوع بتعيين خبير مختص يوكل له مهام اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات نسب الولد لابيه أو نفيه بتحديد المهام المنوطة إليه بدقة متناهية ، والقول بان الحكم تحضيري مفاده عدم إتضاح نية القاضي في الفصل في مسالة النسب ثبوتا ام نفيا بطبيعة الحال طبقا لما يعرف في ذلك عن الأحكام التحضيرية و التمهيدية كذلك .

إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، بل تطرح مسألة تقدير القاضي لهذه الخبرة العلمية ومدى حجيتها بإعتبارها خبرة علمية اعتمدت على رأي خبراء مختصين في مجال البيولوجيا من جهة ، واستنادا إلى القيمة العلمية بالطرق الحديثة القطعية منها خاصة كالبصمة الوراثية ، و نظام ال وهو ما رأى فيه البعض خروجا عن القواعد العامة في الخبرة القضائية التي تخضع إلى سلطة القاضي التقديرية
في الإعتماد عليها رغم أن هذالا الطرح قد لا يكون بنفس هذا الوضوح في التطبيق ، ذلك أن هاته الطرق

(1) أ/ محمود توفيق إسكندر ، الخبرة القضائية ، دار هومة ، طبعة 2002 ، ص 37 و ما يليها .


قد لا يتيح للقاضي فهمها و بالتالي يمتنع حتى عن مناقشتها بإعتبارها مسألة تقنية و علمية بحثة و دقيقة ، و من تمة فإن جهل القاضي بهذه الطرق و مصطلحاتها قد يقف عائقا أمام مناقشته لها فيلجأ إلى قبولها و الإستناد عليها ثبوتا للنسب أو نفيا له .

ثانيا : تقدير القاضي لنفي النسب بين اللعان و الطرق العلمية :

يعتبر اللعان احدى الطرق المشروعة الذي يفيد نفي النسب به طبقا لأحكام المادة41 من قانون الأسرة ، باعتباره الوسيلة الوحيدة التي جاء بها فقهاء الشريعة الإسلامية في مسالة النسب ، لهذا طرحت هذه المسألة ، إشكالا كبيرا من حيث سلطات القاضي في تقديرها إلى جانب الطرق العلمية الواسعة في مجال نفي النسب فإذا كان اللعان الطريقة الشرعية التي جاءت بها النصوص الشرعية لنفي النسب فهل يصح نفيه بالطرق العلمية سواءا منها القطعية و الظنية التي تعد وسائل نفي ناجعة من خلال النتائج
المتوخاة منها فيكتفي بها ام لا بد من اللعان أيضا و هل يجوز تقديم الطرق العلمية كوسيلة للنفي على اللعان ؟
الحقيقة أن هذا الأمر كان محل خلاف فقهي كبير ،فذهب البعض إلى عدم جواز تقديم البصمة الوراثية مثلا على اللعان في نفي النسب ، وعلى هذا الأساس جاء قرار المجمع الإسلامي بالرابطة " لا يجوز شرعا الإعتماد على البصمة الوراثية في إثبات النسب و لا يجوز تقديمها على اللعان "
كما ذهب البعض الاخر إلى ترجيح الطرق العلمية في هذاالنفي ما دامت نتيجتها قطعية على عكس دعوى اللعان التي ترتكز على أسس و شروط تعجيزية أحيانا كالمدة التي يتطلبها اللعان (8 أيام) أو عدم حصول الزوج على شهود في ذلك .
إلا أن التساؤل الذي يبقى مطروحا في هذا المجال يتعلق بمدى تطابق الاثار المترتبة على نفي النسب عن طريق اللعان من تفريق للزوجين و غيرها على نفيه عن طريق الطرق العلمية خاصة أمام عدم تدخل المشرع الجزائري في تحديد هذه المسألة .
و تجدر في الأخير الإشارة إلى أنه وإضافة إلى القواعد الموضوعية لإثبات النسب ، توجد قواعد و أحكام إجرائية تتمثل أساسا في وسائل ممارسة دعوى الإثبات هاته التي تخضع للقواعد العامة شأنها شأن باقي الدعاوي المدنية الأخرى ، فإما أن تكون دعوى أصلية تهدف إلى إثبات النسب دون أي نزاع صريح حول موضوع محدد ، وإما دعوى تبعية تهدف لإثبات النسب كحق من الحقوق الشرية إلى جانب إثبات الزواج مثلا.


الخــــــــــاتمة


لقد حاولنا من خلال عرضنا المتواضع كشف العديد من المشاكل التي تثيرها مسألة إثبات النسب عموما ، و دور الطرق العلمية في ذلك نظرا لما يكتسي هذا المجال من أهمية بالغة فقها و تشريعا و كذلك قضاءا ، مبرزين من خلال ذلك نطاق تطبيق هاته الطرق و دورها البيولوجي و العلمي في الإثبات و النفي من خلال درجات قيمتها و حجيتها .

إلا ان ذلك لا يخلو من التعقيدات و الإشكاليات التي يثيرها هذا الموضوع ، والتي تتطلب حصرها من الجانب القانوني من خلال وضع إيطار قانوني للطرق العلمية أولا سواء القطعية منها التي ترقى إلى درجة اليقين كما تم تفصيله بالنسبة إلى البصمة الوراثية أو نظام من جهة أولى أو الضنية كذلك التي لا ترقى فيها درجة الشك إلى اليقين ، و إلا فلا جدوى من وضع هذه الطرق كوسيلة لإثبات النسب بمقابل الطرق الشرعية أو لنفيه بمقابل اللعان كوسيلة شرعية كذلك .

كما أن الضرورة تستدعي تحديد قيمتها القانونية و حجيتها من خلال بسط سلطات القاضي المكلف بشؤون الأسرة في مجال تطبيق الطرق العلمية لخلق نوع من المرونة القانونية كذلك و إلا فما الجدوى من وضع المشرع لهذه الطرق دون حصر لمجالها و حجيتها بما يفيد القضاة في سهولة اللجوء إليها كلما إستعصى عليهم الإثبات بالطرق الشرعية ،كذا و في شأن مسألة التلقيح الإصطناعي التي أسالت الكثير من الحبر من خلال التساؤل عن إتبات أو نسب الولد عن طريق هذه العملية و أساسها كطريقة علمية جديدة للإنجاب وجودا و عدما تماشيا مع وجود أو غياب إحدى شروطها الواردة في المادة 45 مكرر من قانون الأسرة .

كل هذه المسائل وغيرها قد تقف عائقا أمام القاضي المكلف بشؤون الأسرة لإيجاد حل قانوني بالنسبة للطرق العلمية المضافة بموجب الأمر 05 -02 السالف الذكر ،مما يستوجب تدخل المشرع الجزائري من أجل وضع إيطار قانونيا لا يدع مجالا للتأويل و التفسير أمام موضوع كان ولا يزال يشكل إهتمام القضاة و الخبراء في نفس الوقت.









رد مع اقتباس
قديم 2011-06-19, 00:03   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*جوداء*
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية *جوداء*
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي كيف يحمي القانون الدولي الانساني الصحفيين في حالة النزاع المسلح

'' كيف يحمي القانون الدولي الإنساني الصحفيين في حالات النزاع المسلح؟''


يزداد تعرض العاملين في مجال الإعلام لخطر الإصابة أو الموت أو الاحتجاز أو الاختطاف وهم ينقلون الأخبار في حالات النزاع المسلح. وفي هذا يحدثنا السيد "روبين غايس", خبير قانوني في اللجنة الدولية, عن حق الحماية الذي يخوله القانون الدولي الإنساني لتلك الفئة من الأشخاص بصفتهم مدنيين غير مشاركين في القتال.
ما هي المخاطر الرئيسية التي يواجهها الصحفيون الذين يعملون في حالات النزاع المسلح؟
بداية, دعني أذكّر أن اللجنة الدولية ما فتئت تشعر ببالغ القلق إزاء تواتر أعمال العنف ضد الصحفيين وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام. فقد اتضح أكثر فأكثر في النزاعات الأخيرة تزايد تعرض العاملين لخطر استهدافهم مباشرة مما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
ويواجه الصحفيون وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام الذين يغطون مناطق الحرب مخاطر عدة. فبحكم طبيعة عملهم نفسها يجدون أنفسهم لا محالة عرضة للأخطار الملازمة للعمليات العسكرية. وبدلا من الهروب من المعركة يبحثون عنها. إلا أن أكبر خطر يهددهم هو العنف الذي يستهدفهم عمداً.
ويقال عادة إن الحقيقة هي أول ضحايا الحرب في الوقت الذ ي تحظى فيه التقارير الإعلامية الدقيقة وغير المتحيزة التي ترد من مناطق النزاع باهتمام كبير من جانب الجمهور. فلما كانت الصور والأخبار في عصر المعلومات تؤثر بشكل حاسم في نتاج النزاعات المسلحة, انتشرت بشكل رهيب عرقلة الصحفيين عن أداء مهامهم الإعلامية في أوقات النزاع المسلح. كما اتسع نطاق تداخل العراقيل بين رفض تنقل العاملين في مجال الإعلام وفرض الرقابة عليهم ومضايقتهم واحتجازهم تعسفياً وتوجيه الهجمات المباشرة ضدهم.
ما نوع الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني للعاملين في مجال الإعلام؟
يمكن أن يتولد لدينا الانطباع منذ الوهلة الأولى بأن القانون الدولي الإنساني لا يكفل حماية كاملة للصحفيين لأن اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين لا تتضمن إلا إشارتين صريحتين بخصوص العاملين في مجال الإعلام (المادة 4(ألف-4) من اتفاقية جنيف الثالثة والمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول). لكن عند قراءة هاتين المادتين بالموازاة مع قواعد إنسانية أخرى, يتضح أن الحماية الممنوحة بموجب القانون الساري شاملة تماماً. والأهم من ذلك أن المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول تنص على أن الصحفيين يتمتعون بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات المسلحة الدولية. وينطبق الشيء نفسه على حالات النزاع غير المسلح بمقتضى القانون الدولي العرفي ( القاعدة 34 في دراسة اللجنة الدولية للقانون الدولي الإنساني العرفي ).
بالتالي, ومن أجل إدراك نطاق الحماية التي يخولها القانون الدولي الإنساني للصحفيين إدراكا تاماً ينبغي استبدال لفظ " صحفي " بلفظ " مدني " اعتباراً من الصيغة المستخدمة في اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين.
هل ترقى الهجمات الموجهة ضد الصحفيين في النزاعات المسلحة إلى جرائم حرب؟
يتمتع الصحفيون بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة شريطة ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية. وتشكل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرا لاتفاق يات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول. فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضا إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
هل يترتب على وضع "المراسل الحربي" أية حماية خاصة؟
يواجه الصحفيون وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام خطر الاحتجاز التعسفي لأسباب يُدّعى أنها أمنية. وهنا يكمن الفرق بين " المراسل الحربي " (المادة 4(ألف-4) من اتفاقية جنيف الثالثة) و " الصحفي " (المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول). كلا الفئتين معترف بها كفئة مدنية مع فارق وحيد هو أن مراسل الحرب يحق له التمتع بوضع أسير الحرب. كما أنه يتلقى ترخيصاً رسميا بمرافقة القوات المسلحة. وبناء على هذه العلاقة الوثيقة, يحق لمراسل الحرب عند إلقاء القبض عليه التمتع بالوضع القانوني نفسه الممنوح لأفراد القوات المسلحة. وعلى ذلك الأساس يتمتع مراسلو الحرب بالحماية المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الثالثة والمكمّلة في البروتوكول الإضافي الأول والقانون الدولي العرفي.
هل يمكن أن توضح لنا الفرق بين مراسلي الحرب والصحفيين المرافقين للقوات العسكرية ؟
مصطلح " صحفي مرافق " تعبير حديث. وقد استعمل للمرة الأولى على ما يبدو خلال غزو العراق عام 2003, وأخذ استخدامه في الانتشار منذ ذلك الحين. ولا يرد ذكره في أي حكم من أحكام القانون الدولي الإنساني كما أنه لا يقوم, حسب علمي, على تعريف دقيق. لكن بالإمكان القول إن مفهوم مراسل الحرب بشكل عام مرادف لما يعرف باسم " صحفي مرافق " وإن لم ينطبق ذلك بالضرورة على جميع الحالات. ولكي يصبح الصحفي مراسل حرب بالمفهوم المحدد في القانون الدولي الإنساني, يكون شرط اعتماده لدى القوات العسكرية إلزامياً. وبالتالي يصبح " الصحفي المرافق " مراسلاً حربيا بحكم القانون عندما يكون معتمداً رسمياً لدى القوات المسلحة.
وماذا عن الصحفيين والأخصائيين في الإعلام من غير "مراسلي الحرب"؟
لا يعني ما تقدم أن باقي الإ علاميين لا يجدون حماية على الإطلاق في حال وقعوا في قبضة أحد الأطراف المتحاربة. فعلى النقيض من ذلك, الحماية القانونية التي يتمتعون بها واسعة النطاق إلى حد بعيد, وإن كان غالباً ما يغفل عن هذا الجانب. فأولا, إذا لم يكن الصحفيون من رعايا البلد الذي يقع القبض عليهم فيه, فإنهم يفيدون من جميع أشكال الحماية المناسبة الممنوحة لهم بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. وفي كافة الأحوال يتمتع الصحفيون وغيرهم من الإعلاميين دوماً بالضمانات الأساسية التي تكلفها لهم المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول كحد أدنى والتي تحظر بشكل خاص ممارسة العنف إزاء حياة وصحة الأشخاص الذين في قبضة أحد أطراف النزاع, والتعذيب بشتى أشكاله وانتهاك الكرامة الشخصية وأخذ الرهائن. وبالإضافة إلى ذلك, تكفل المادة ضمانات لتوفير محاكمة عادلة للشخص المدان بارتكاب جريمة. ويتمتع الإعلامي المحتجز بالضمانات الأساسية نفسها سواء وقع الاحتجاز عليه لأسباب تتعلق بنزاع مسلح دولي أو غير دولي. ويكون الصحفيون, بصفتهم مدنيين, مشمولين بالحماية في أوقات النزاع المسلح غير الدولي عملاً بالمادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الثاني والقانون الدولي العرفي.
ما هي التدابير الملموسة التي تتخذها اللجنة الدولية لمساعدة الصحفيين في المهمات الصعبة؟
يساور اللجنة الدولية قلق عميق بشأن الإعلاميين الذين يتعرضون لهجمات مباشرة أو يختفون أو يلقى القبض عليهم في أوقات الحرب أو حالات العنف الأخرى. ولقد فتحنا منذ عام 1985 خطاً هاتفيا مجانيا (85 32 217 79 41+) متاحاً بصورة دائمة للصحفيين الذين يواجهون مصاعب خلال النزاعات المسلحة. وهذه خدمة إنسانية بحتة. ولا يوضع الخط المجاني تحت تصرف الصحفيين فحسب بل يمكن أيضا لأرباب العمل والموظفين لديهم وأهاليهم استخدامه (أو الاتصال بموظفي اللجنة الدولية في أحد مكاتبها عبر العالم أو مراسلتنا على العنوان التالي: press.gva -a- icrc.org للإبلاغ عن اختفاء صحفي أو إصابته أو احتجازه, والتماس المساعدة. وتتراوح الخدمات التي تتيحها اللجنة الدولية بين السعي للتأكد من صحة خبر توقيف الصحفي, والحصول على إمكانية مقابلته, وإمداد العائلات وأرباب العمل بمعلومات عن مكان وجوده, والحفاظ على الروابط العائلية والبحث الفعلي عن المفقودين من الصحفيين والاضطلاع بعمليات الإجلاء الطبي للمصابين منهم.
كما تتيح اللجنة الدولية التدريب في مجال القانون الدولي الإنساني وتدعم الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التي تنظم دورات لتدريب الصحفيين على الإسعافات الأولية (تدريب الصحفيين على الإسعافات الأولية في جمعية الهلال الأحمر الباكستاني).
هل توفر القوانين السارية حماية كافية للصحفيين؟ وماذا ينبغي فعله لحمايتهم بشكل أفضل؟
تخول القوانين السارية حماية كافية للصحفيين. فهي تشكل قاعدة متينة وواقعية لحماية الإعلاميين من التعرض للأذى وهم بصدد أداء مهامهم في مسرح القتال. ولا يبرز القصور الخطير الذي يشوب الحماية في نقص القواعد ذات الصلة بل في الإخفاق في تنفيذ القواعد السارية والتحقيق بصورة منتظمة في الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم.
وتسعى اللجنة الدولية إلى ضمان امتثال أوفى للقواعد السارية. ولا يتأتى ذلك إلا بتوفير التدريب والتعليم المناسبين للأشخاص المعنيين بتنفيذ تلك القواعد على أرض الواقع. ويستلزم الأمر أيضا محاسبة الذين يخالفون القواعد ومعاقبتهم في حال ثبتت إدانتهم. وكل شخص يرتكب جريمة حرب يتحمل المسؤولية الجنائية على ذلك كما أن من واجب كل طرف مشارك في نزاع مسلح أن يحترم القانون الدولي الإنساني ويضمن احترامه.
ما هي الأنشطة التي تنجزها اللجنة الدولية تحقيقاً لهذا الهدف؟
نسعى دائماً إلى التعريف على نطاق واسع بالقواعد التي تكفل الحماية للصحفيين والمدنيين بصورة عامة وتعزيز احترامها. وعلاوة على الدورات التدريبية التي ننظمها في مجال القانون الدولي الإنساني, نشارك في طيف كبير من الأحداث والمشاورات بين الخبراء. فعلى سبيل المثال, شاركت اللجنة الدولية خلال الدورة المنتظمة الرابعة عشرة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في حلقة نقاش بشأن حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة :.
وبطبيعة الحال, تعاونا مع المنظمات الأخرى النشطة في هذا الميدان وتبادلنا وجهات النظر. والتقينا مؤخرا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير مثلا لمناقشة مسألة حماية الإعلاميين في النزاعات المسلحة.
هل تعتقد أن الجهود المبذولة إلى حد الآن كافية لضمان حماية أخصائيي الإعلام الذين يعملون في مناطق النزاع المسلح بشكل أفضل؟
سأسوق لك مثالاً عن التدابير الملموسة التي نتخذها في هذا الصدد. في الاجتماع الأخير للمؤتمر الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر الذي عقد في جنيف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2007, دعونا المشاركين (الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر, والاتحاد الدولي, واللجنة الدولية والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف) إلى توقيع تعهدات إنسانية فردية أو مشتركة بشكل طوعي تلزمهم باتخاذ كل التدابير اللازمة لضمان تخويل أخصائيي الإعلام العاملين في حالات النزاع المسلح حق الاحترام والحماية المكفول للمدنيين بموجب القانون الدولي الإنساني, وتعزيز أحكام هذا القانون ومبادئه المنطبقة على الصحفيين.
لكن, كما هو الحال في أغلب الأحيان, يتوجب بذل المزيد من الجهود على مستوى الالتزام والتنفيذ. فإلى يومنا هذا, لم توقع تلك التعهدات إلا ست حكومات وتسع جمعيات وطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر.


* منقول للأمانة العلمية *









رد مع اقتباس
قديم 2011-04-08, 00:53   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*جوداء*
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية *جوداء*
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي كيف تكون محاميا مقنعا


كيف تكون محاميا مقنعا

أعتبر الإقناع وعلى مر العصور نوع من أنواع السحر الذي يمارسه المقنعون الماهرون من سياسيين وإعلاميين وقانونيين خلال مسيرتهم العملية بغية الوصول إلى أهدافهم المنشودة والمرتب لها مسبقاً، حيث أن المقنعون المتميزين يستخدمون رسائل غامضة تحض الآخرين على الاعتقاد بفكرة معينة يتم إقحامها في الوسيلة المتبعة للإقناع وتعاد مرات متكررة وإن هذه الرسائل التي تخاطب العقل الباطن تؤثر على المتلقي وتشكل قوة غامضة لا تقاوم يحقق المقنع من خلالها مراده وغاياته.
في هذه المقالة سوف نوضح للسادة المحاميين والقانونيين أنه لا يوجد شيء يكتنفه الغموض في الإقناع وبأنه بمقدورنا جميعاً أن نصبح محامين مقنعين مهرة إذا كنا على قدر من الأحترافية في العمل.
تعريف الإقناع:
الإقناع هو عملية يتم وفقها تغيير وتعزيز المواقف أو المعتقدات أو السلوك للطرف المراد أقناعة.
ويتم هذا التغيير من خلال رسائل ينقلها المقنع إلى الطرق الأخر وتنقسم استجابتنا لتلك الرسائل إلى قسمين:
- استجابة بعد تفكير: عندما يكون المتلقي مفكراً ينصت بكل عناية لما يقوله المقنع ثم يقوم بقياس ميزات ومساوئ الرسالة من حيث منطقيتها وتوافقها وإذا لم يقتنع بهذه الرسالة يقوم بطرح الأسئلة و طلب مزيداً من المعلومات.
- استجابة دون تفكير: الاستجابة لرسائل دون وعي فتكون العقول مغلقة بصورة آلية ولا يكون هناك وقت أو حافز أو قدرة على الإنصات ويعتمد المتلقي على غرائزه لتمنحه مفتاح الإجابة دون الاعتماد على الحقائق والمنطق والأدلة.
خطوة المحامي الأولى للإقناع:
إن الإقناع يبدأ بالمصداقية و الصدق يتكون من عاملي الثقة و المعرفة فيمكن أن يكون المحامي أو المتحدث بارع في الخطابات ويمتلك قدرات عقلية فائقة وبراعة ذهنية عالية وضليعاً في اللغة العربية وفي كافة صور المناقشة والحوار ولكن إن لم يكن صادقاً في القول فلا يمكن أن يقنع الآخرون.
- عندما يفقد المحامي الأمانة في الحديث فإنه بذلك يخلق انطباع لدى المستمع بالشك في صدق حديثه فعندما نستمع إلى أي محامي فأننا نبدأ بسؤال أنفسنا هل نثق في هذا الشخص؟ وهل نصدق كلامه؟ وهل هو صادق في حديثه؟.
- من الوسائل التي تجعل المحامي ينال ثقة الآخرين عندما يحاول إقناعهم هو أن يكون حديثه بعيداً عن أهوائه الشخصية فعندما ندرك أن المحامي لا يرغب في أن يحقق أهداف شخصية بحته من خلال إقناع الآخرين بما يريده فسينال بذلك ثقتهم ويكون صادقاً في حديثه.
وأنه من أكثر الطرق تأثيرا على ذهن المستمع أن يعبر المحامي في حديثة عن الصورة السلبية أولاً ثم الصورة الإيجابية للواقعة المراد إقناع الأخر بها ويجب أن يطبق قانون الصدق بمهارة كبيرة فينبغي أن يعلن المحامي عن الجوانب السلبية في شخصيته وهذا من شأنه أن يؤثر على ذهن المتلقي ويجعله يقر بصدق الحديث ثم ينتقل عقب ذلك إلى الجوانب الإيجابية وهنا يحدث الإقناع - كما أن الاعتراف بالخطأ هو أكبر دليل على الصدق.
- يجب على المحامي لإظهار ثقافته ومعرفته أن يستخدم بعض الألفاظ والتعبيرات الأكثر تداولا في مجال تخصصه ليسهل بذالك الاتصال بالأخريين ومن تلك العبارات:
* العدل – الحق – اليقين – الدليل – الضمير – العرف – التشريع – القواعد الأساسية – القانون الأساسي – الفقه – النظام العام – القواعد الاجتماعية – سلطة القانون – الاختصاص ...... الخ. ومن هذه العبارات أيضاً وعلى سبيل المثال .......
* لكل حق دعوى واحدة تحميه.
* الأصل براءة الذمة.
* البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.
* من يدعي خلاف الأصل فهو يستحدث جديدا لا تدعمه قرينة بقاء الأصل على أصله.
* للكتابة قوة مطلقة في الإثبات.
* لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي.
* أن الغش مبطل للمعاملات والتصرفات ولا يبنى عليه حكم.
* يجب أن تبنى الإدانة على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين.
* العدم لا ينشئ حقا ولا يزيل حقا.
* الدفاع حق مقدس للمتهم صانه الدستور فلا يجوز إهماله أو التفريط به.
* الزواج حق من حقوق الله سبحانه وتعالى.
يوجد ثلاث مستويات للمصداقية يجب التقييد بها للوصول إلى الإقناع يجب على المحامي أن يطبقها لكي ينجح في أقناع الآخرين بما يريد وهذه المستويات هي:
المستوى الأول: يجب أن يكون المحامي موضعا لثقة المستمع وهذا يتضمن أن يكون صادقاً في الحديث وأن يعرض قضاياه ببراعة فائقة وأن يتحدث بأسلوب متميز.
المستوى الثاني: يجب أن تكون أفكار المحامي المطروحة صادقة فإذا كانت مثيرة للجدل أو الخلاف فينبغي أن تؤيد بعرض بعض الأدلة الصحيحة التي تستند إلى كثير من القواعد القانونية والاجتهادات.
المستوى الثالث: يجب على المحامي أن يتوخى صدق الجهة التي يمثلها من خلال كون الموكل صاحب حق وأن كان محتملاً.
وسائل تدعيم الثقة للوصول إلى الإقناع
1- يجب على المحامي أن يكون جديراً بالثقة.
2- يجب على المحامي الإعلان عن إنجازاته وما ينوي تحقيقه في القضايا المتناولة بين يديه.
3- يجب على المحامي أن يكون منطقياً في طرحة لأقواله فالمتلقي دائماً يثق بالشخص الذي يتخذ قراراته استناداً إلى عقله بدلا من مشاعره وعواطفه.
4- يجب على المحامي أن لا يبالغ في القول أو يعجز في الوفاء بما وعد به.
5- يجب على المحامي أن ينجح ويسعى للوصول إلى غايته بشكل أفضل وذلك بأن يحقق للموكل مكاسب أكثر من التي سبق أن وعد بها.
6- يجب على المحامي أن يستشهد دوماً بآراء المختصين في القانون والفقهاء وأراء محكمة النقض وذلك لتأييد أقواله ولكي ينال الثقة من الأخريين.
7- يجب على المحامي أن يتوخى الصدق في القول والعمل ويجب عليه أن يبين لموكله مواطن الضعف والنقاط السلبية في قضيته وأن يقدم الاقتراحات لحل تلك المشاكل وأن يعترف بنقاط الضعف والعجز عنده.
تأثير المظهر الخارجي على مصداقية المحامي
عندما نقابل شخصا للمرة الأولى فأننا نقيم هذا الشخص وأسلوب تعاملنا معه من خلال السلوكيات التالية:
1- ننظر إلى وجه الشخص نظرة تفحص وتمعن.
2- ننظر إلى هيئة الشخص.
3- نمعن النظر في الملابس التي يرتديها.
4- نصغي إلى نبرات صوته.
5- مصافحة الأشخاص.
6- الاستماع إلى كلام الشخص.
أنه من الصعب أن تتاح للشخص فرصة الانطباع الأول مرة ثانية، فلقاء الأول والانطباع الأولى يرسخ في ذهن الأخريين ويبنى على أساسة سلوكيات وطريق التعامل التي تتفق وهذا الانطباع ومما لا شك فيه بأن الانطباعات الأولى دائماً ما تخدعنا سواء سلباً أم إيجاباً.
- إن مظهر المحامي الحسن بلباس يليق بطبيعة المهنة وكرامتها ونظراته التي تعكس شخصيته ونبرات صوته الواضحة البليغة والقوية ومصافحته دوماً للأشخاص بشكل ينم عن الود والتواضع وقوة الشخصية واستماع المحامي وإصغائه الجيد للأخريين وتفهمه لقولهم وطلباتهم هو بلا شك الوسيلة والخطوة الأولى الناجعة لكي يكون المحامي من المقنعين المميزين.
- يجب أن يظهر المحامي دوماً بمظهر صحي معافى وأن لا يتعامل مع الأخريين في الفترة التي تكون فيها حالته الصحية غير جيده لأنه وعندما يلجئ الآخرون إلى المحامي لاسترجاع حقوقهم ولكي يقوم بالدفاع عنهم فأنهم يرسمون له في أذهانهم صورة الشخص قوي البنية قوي الإرادة فصيح اللسان الذي يستطيع أن ينتزع لهم حقوقهم من غاصبيها وبالتالي لا يجوز أن تهتز هذا الصورة في أذهانهم بأن يظهر المحامي حالات ضعفه الصحية ويجب أن يتحاشى الاختلاط بالموكلين خلال تلك الفترات – أدام الله الصحة والعافية على الجميع-.
كيفية استخدام المحامي لغة الجسد للتأثير على الآخرين
- يجب على المحامي أن يواجه الآخرين بقوة وثبات مع الابتسامة في وجه الأخريين لكونها من أكثر التعبيرات تأثيراً على الطرف المقابل.
- يجب على المحامي أن يكون صريحاً في حديثة متفتحاً في سلوكه يتسم بدفء المشاعر وأن يتلقى مقترحات الآخرين بود وعطف للاستحواذ على ثقتهم وحبهم.
- يجب على المحامي أن يكون موجزاً في كلامه.
- يجب على المحامي أن ينظر إلى الأخريين بإمعان وإن يعتدل في جلسته على الكرسي وإن يضع يديه على ركبتيه فهذا السلوك يظهر اهتمامه بالطرف الأخر وعلى إنصاته له ويجب أمعان النظر بالطرف الأخر لإظهار الاهتمام والعطف ويجب على المحامي أن يمعن النظر في الهيئة القضائية وأن يمازحهم أن أمكن لان ذلك مدعاة للطمأنينة واستمالة العطف وتحقيق الإقناع.
- يجب على المحامي وفي بعض الأحيان أن يقوم بالربت على كتفي الطرف الأخر وأن يصافح الأخريين لأن المصافحة من أكثر وسال التواد بين الأشخاص ويجب أن تكون المشاعر معتدلة أثناء المصافحة وأن لا تزيد مدتها عن خمس ثواني فقط ثم تحرر اليد.
- يجب على المحامي أن يهدئ من انفعالاته وأن يعتدل في وقفته أمام الناس ولا يبدو متبرما أو قلقاً أو أن يتحرك حركات عشوائية تدل على التوتر والقلق.
دائما ما يصدر الأخريين أحكامهم على الطرف الأخر من خلال الملابس التي يرتديها فهي التي تظهر مبادئ الشخص التي يؤمن بها ومما لا شك فيه أن قدرة المحامي على إقناع الآخرين بما يريده ترجع أساساً إلى قدرته على التأثير والسيطرة على الآخر والتي تعتمد على ما يرتديه المحامي من ملابس والتي توحي بهيبته ونفوذه وجدارته وكفاءته في عمله مثل الملابس الرسمية ويجب أن تكون ذات ألون توحي بالقوة والسيطرة كالأزرق والأسود والرمادي الغامق.
قوة تأثير وسيطرة الأداء الصوتي
إن الصوت هو أداة التعبير عن الشخصية فإذا اتسم صوت المحامي بالقوة فأنه يعبر عن الثقة بالنفس.
أما إذا كان الصوت ضعيفاً فسيعده الآخرين متخاذلاً فالصوت هو الذي يعبر عن الانفعالات الشخصية ويجب على المحامي أن يتحدث بطلاقه وأن يتجنب بطئ الحديث والأداء الأمثل هو الإبطاء بالقدر الذي يمكن للآخرين متابعة الحديث ولكن بسرعة كافية تمكنهم من فهم الحديث.
- يجب على المحامي أن يخفض نبرات صوته لأن الصوت الخفيض يفرض التأثير والسيطرة على الآخرين.
- يجب على المحامي أن يغير في مستوى صوته بالارتفاع والانخفاض بطبقات الصوت أثناء الحديث فتغيير مستوى الصوت يدفع المتلقي لتأييد الكلام أو رفضه – إن انخفاض مستوى الصوت يدل على الثقة بالذات والسيطرة وصدق اليقين أما ارتفاع مستوى الصوت فيوحي بالريبة والقلق وعدم الثقة بالذات.
- يجب أن يكون صوت المحامي واضحاً ومسموعاً بدرجة كافية فالصوت الضعيف يعبر دائماً عن مشاعر الخوف ويوحي بالذل والخضوع.
- يجب على المحامي أن يلفظ الكلمات والعبارات بوضوح ودقة تامة لأن ذلك يدل على البراعة الفائقة والثقة بالذات ويدفع المتلقي لأن يتابع الحديث وأن يصغي باهتمام.
يجب على المحامي أن يتبع نظام الوقفات القصيرة بين الكلمات لجذب انتباه المستمع وإيصال فكره معينه له.
- يجب على المحامي أن يتحرى الكذب والخداع في أقوال الطرف الأخر وأن يتمتع ببراعة كشف أمثال هؤلاء الأشخاص من خلال نبرات صوتهم وفي سبيل الوصول إلى معرفة كذب الطرف المقابل يجب على المحامي أن يمعن النظر في الشخص المقابل لإدراك صدق الحديث أو أنه يحاول الخداع لأن ملامح الوجوه ونبرات الصوت والإيماءات دائماً ما تظهر خداع الطرف المقابل وفي سبيل ذلك يجب على المحامي تعلم المهارات الأساسية لتمييز كذب الحديث من صدقه وهذه المهارات:
1- تعبيرات الوجه: إن ملامح وجه الطرف المقابل تظهر مشاعره وأحاسيسه وعواطفه التي يكنها بداخله بالرغم من أن الشخص الذي لديه قدرة على الخداع يمكن أن يخفي تلك التعابير إلا أنه يمكن اكتشافها من خلال نظرات أعين الكاذبين لأن الشخص الكاذب يتفادى النظر للآخرين أثناء الحديث وغالباً ما يرفض أن يقف أو يجلس أمام الشخص الأخر وجهاً لوجه ويحاول دوماً أن يجلس وراء طاولة أو حاجز ليتجنب النظر إليه كما أن الكاذبون قليلاًُ ما يبتسمون وإذا فعلو فبتكلف.
2- الإيماءات الجسدية: يحاول الكاذبون أن يبقوا أيديهم ساكنة أو يخفوها والتقليل من حركاتهم وغالبا ما يشغلوا بلمس أنفسهم فدائما يلمسون أنفهم وذقونهم وأفواههم.
3- تعبيرات الصوت: يتسم حديث الكاذب بارتفاع نبرات صوته في نهاية عباراته بالإضافة إلى توقفه قليلاً أثناء حديثه وتلعثمه والنطق بعبارات غير مفهومة نظراً لاضطرابه وقلقه.
4- تعبيرات الكلمات: يتسم حديث الكاذبين بالعمومية والبعد عن الذاتية فهم يتجنبون استخدام الضمائر الشخصية أنا ونحن الأمر الذي يبعث الريبة والشك في مصداقية حديثهم.
عملية كشف الكذب
هناك ثلاث خطوات لكشف الكاذبين:
أولاً: البحث عن التناقضات والأخطاء التي تقع في الحديث تسبب هفوات الذاكرة وزلات اللسان يجب تدوين هذه التناقضات.
ثانياً: أجراء مقارنة بين محادثتين مختلفتين يجب فحص التناقضات في الكلام التي يقوله الشخص وخلال لقاءين منفصلين.
ثالثاً: البحث عن التناقضات في الرسائل الكلامية وغير الكلامية من خلال ملاحظة الصوت أثناء الكلام وعيني الشخص ويديه والإنصات لارتفاع نبرات الصوت وحركات اليدين والايمياءات مثل لمس الأنف فإذا كان هناك فجوة بين ما يتلفظ به الشخص وبين تلك التعبيرات الحركية فيكون الشخص كاذباً.
أهمية الكلمة في الإقناع
- يجب على المحامي أن يتحدث بطريقة الإثبات في اللغة وأن يستخدم كلمات تتصل بما يتوقع حدوثه ويجب التحدث بطريقة التأكيد من خلال وصف الذات والمعتقدات والإنجازات الشخصية على نحو إيجابي صادق.
- يجب على المحامي تحمل المسؤولية فبدلاً من إلقاء اللائمة على الآخرين يجب أن يمسك زمام الأمور ويتحمل المسؤولية باستخدام كلامات تدل على ذلك.
- يجب على المحامي أن يبتغي المكسب المشترك من خلال استخدام عبارات التعاون وتكاتف الجهود واستخدام قاعدة المكسب للجميع.
- يجب على المحامي أن يتحدث على نحو قاطع من خلال التمتع بالصراحة والوضوح بالقول وعدم الإسراف في استخدام الكلمات والتحدث بلغة متكاملة وتجنب العبارات التي تدخل في النفوس الريبة في مدى الإخلاص والأمانة وعدم اللجوء إلى استخدام العبارات القوية مثل (نهائياً مؤكدا وجداً) ثم التصرف على عكس ما قيل وعدم استخدام عبارات التردد واللعثمة مثل (آه و إه و ها و حسناً) والتي توحي بعدم التأكد وفقدان الثقة بالذات.
- يجب على المحامي أن لا يلجئ إلى الأسئلة المبتذلة التي تأتي في نهاية الجمل وعدم اللجوء إلى الكلمات المطاطة غير اللازمة عندما يكون غير واثق من أمر أو يخشى التورط فيه.
- يجب على المحامي أخيراً تجنب فرط التأدب وهو أحد سمات المتحدث غير الكفء الذي يستخدم عبارات مثل (من فضلك و أشكرك) بصورة متكررة جداً لأن فرط التأدب ينطوي على الجبن وعدم الثقة.
- على المحامي القيام بتفخيم الكلمات الإيجابية والبعد عن الكلمات السلبية والتمسك بالثوابت وعدم خلط الأمور ببعضها.
- على المحامي استخدام التضاد في عباراته مثال ذلك:
(علينا أن لا نحترم القانون من منطلق الخوف بل علينا أن لا نخاف احترام القانون)
وعند استخدام عبارات التضاد يجب الحفاظ على اتزان العبارات من خلال اختيار كلمات قصيرة وسهلة قدر الإمكان وجعل خاتمة العبارتين ايجابية.
- على المحامي الناجح اختيار عبارات مكررة في مواقف معينة على أن لا تزيد الكلمة المكررة عن ثلاث مرات ومثال ذلك:
(أن حق الموكل ثابت بحكم القانون وأن القانون هو القاعدة الفاصلة بين الموكل والخصم والقانون في النهاية سيد الجميع).
ومن المتفق عليه أن التكرار يزيد الإقناع ولكي يكون التكرار ذو فاعليه ينبغي أن يقتصر على الكلمات والعبارات الهامة.
- على المحامي الناجح استخدام الاستعارة في أسلوب كلامه المجازي لأنها توجز الوصف وتوصل الفكرة بشكل سلس ومحبب.
- على المحامي استخدام الدعابة في الإقناع حيث أن الدعابة يمكن أن تكون وسيله فعالة في الإقناع لكونها تجذب الانتباه وتوجد علاقة حميمة بين الطرفين وتجعل الرسالة المراد إيصالها من الكلام قابلة للتذكر وتخفف التوتر وتعزز العلاقة مع الأفراد وتعمل على تحفيزهم.
إن نجاح أي قضية للمحامي يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة المحامي على اختلاق موضوع قوي للقضية واستخدام حقائق محددة واستخدام أدلة جديدة إن أمكن.
الأسئلة المتكررة ودورها في الإقناع
- على المحامي أن يتبع أسلوب الأسئلة المتكررة لأن الأسئلة تدفع كل أنواع المعاملات ومنها المرافعات إلى الأمام على عكس الجمل الخبرية التي تضع في طرق النقاش عقبات تتطلب التخلص منها كما يمكن من خلالها التحكم بموضوع النقاش فزمام المبادرة يكون دوماً في يد السائل نتيجة لشعور الطرف الأخر بأنه يتحتم عليه الإجابة.
- على المحامي أن يكثر من استخدام الأسئلة التوجيهية وخاصة عند استجواب الشهود للتأثير عليهم ودفعهم للشهادة وفق توجهات المحامي في القضية.
- يجب على المحامي اعتماد استراتيجية التركيز والتي تنطوي على قيامه بالتركيز على النقاط القوية لديه في الدعوى والتركيز على نقاط الضعف لدى خصمه والتقليل من نقاط الضعف في الدعوى وأن يضعف نقاط قوة خصمه بهذا الأسلوب يحقق الإقناع الفاعل والمجدي.
وفق هذا المعيار يجب استخدام التكرار للتركيز على النقاط الإيجابية أو السيئة لدى الخصم كما أنه على المحامي أن يعمد إلى إرباك الخصم للتضييق من حدوده والتقليل من قوته ويتم إرباك الطرف الأخر عن طريق تعقيد قضية بسيطة باستخدام المصطلحات بدلاً من اللغة العادية.
يجب استخدام المديح في مواقف معينة لأن الإطراء يضعف الطرف الأخر والمجاملات تزيد الألفة والمحبة.
الخاتمة:
إن الله عز وجل حبا الإنسان بمجموعة من النعم الجسدية من السمع والحركة والكلام وخلق فينا مجموعة من العواطف والأحاسيس والطباع وجعل بينهما ترابط عجيب من خلاله تعكس حركاتنا وتصرفاتنا ونظراتنا طبيعتنا الداخلية وميولنا وعواطفنا ورغباتنا، وعلى المحامي المقنع أن يستفيد من تلك النعم وأن يحاول المقارنة بين الكلمات التي يتفوه بها الشخص وتصرفاته الحركية ونظراته لسبر أغوار الطرف الأخر وفهم مقاصده بهدف تكييف تلك المقاصد بالشكل الذي يوصل إلى إقناع هذا الشخص بالطريقة التي تتفق مع رغباته وميوله كما أنه على المحامي المقنع أن يترجم وبخفة كافة الظواهر المحيطة بالشخص وخاصة مظهره الخارجي بالشكل الذي يمكنه من معرفة الشخصية المقابلة والتحكم في سلوكها وإيصالها إلى الهدف الذي يسعى إليه









رد مع اقتباس
قديم 2011-04-12, 18:44   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
لسبط رابح
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ما هي خطة العمل ؟










رد مع اقتباس
قديم 2011-05-17, 23:55   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
أمينة87
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أمينة87
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 أهمية الثقافة القانونية

أهمية الثقافة القانونية

أهمية الأشياء تنبع من الحاجة إليها أولاً، ومن الدور الذي تؤديه في حياة الناس. وصدور دورية رصينة تهتم بنشر الثقافة القانونية والحقوقية، هو شيء من هذا القبيل، إذ تفتقد إليها حياتنا الثقافية، وإذا كان هناك دوريات تهتم بهذا الجانب وتكون محصورة بذوي الاختصاص، أي العاملين في الشأن القانوني، فإن ذلك لا يقدم ما تقدمه مجلة يغلب عليها الاهتمام بالجوانب القانونية، وتكتب بلغة تذلل التعابير والمصطلحات التي تسود في عالم القانون والقانونيين، وتتوجه بخطابها إلى عامة الناس.

في كل المجالات نجد دوريات تهتم بنشر المعرفة للعامة أو المتخصصين، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأدب أو الفنون أو الحياة الاجتماعية... الخ. وبسبب من تداخل الموضوعات في عصرنا فإنه من المستحسن أن يلم الناس بالجوانب التي تجعلهم يحسنون فهم ما يتداخل مع اختصاصاتهم وتوجهاتهم من مفردات ومفاهيم قانونية.
لقد تعمق التخصص في جوانب الحياة عامة، وازداد الاهتمام بأن يكون العاملون في قطاع ما، على علم ودراية بكل ما يتطلبه هذا الاختصاص، وبما يتداخل معه من قضايا أخرى، أي هناك حاجة لوجود المثقف الشامل والذي كان يعرّف بأنه من يلم من كل علم بطرف، أياً يكن مجال التخصص.
ومجال القانون، لا يصح أن يخلو منه تخصص ما، ولا عمل ما، ولا اتجاه حياتي ما، وذلك لأهمية هذا الجانب للناس ولحياتهم، ولأعمالهم التي تنظمها قوانين محلية ودولية، لا يصح أن يبقى جمهور الناس غائبين عنها، مع أن القيام بالمهمات القانونية في الأعمال العامة تكون موكولة إلى مختصين.
كل جوانب الحياة لها قوانينها الناظمة، وعلاقة الناس بهذه القوانين والنظم، علاقة سلبية تتمثل بالرضوخ والتسليم لتنفيذها دون دراية بجوانبها وأهميتها وتداخلاتها، أو الخروج عليها دون دراية بالأضرار المحتملة، ما يفقد المواطن المنفذ للقوانين أو الخارج عليها وعيه بها، وبالتالي يتكون لديه شعور بأنها أعباء ثقيلة عليه وذلك لعدم قدرته على ربطها بجوانب حياته الأخرى، ولا بالأسس التي بنيت عليها أو استوجبت وضعها، ما يفسر عداء العامة للقوانين بدرجة ما، فالإنسان عدو ما جهل.
ومع أنني لست متخصصاً بالقانون، أشعر بالحاجة إلى تكوين الثقافة القانونية عند الجميع، كما أرى ضرورة تكوين رأي عام حول الاهتمام بالقوانين وضرورة الالتزام بها في مواجهة انتهاكها والخروج عليها، انطلاقاً مما يسود واقعنا من الاستهتار بالقانون والنظام، ابتداء بنظام عبور الشارع، وقانون النظافة، وصولاً إلى أعقد القوانين.
لقد بقيت الأعراف والتقاليد ذات سطوة على الناس مع وجود قوانين ناظمة بديلة ولاغية لها، ولدى التدقيق في الأسباب التي تجعل الناس يقبلون على التمسك بالتقاليد والعادات، وينبذون القوانين ويحاولون التفلت منها، مع أن الأعراف هي الشكل الأقدم للقوانين التي تواضع عليها الناس، نجد أن الموضوع على علاقة بالصلات التي تنعقد بين الأعراف والعادات وبين الناس الذين يرون فيها مخارج لمآزقهم، فهي منهم وإليهم، لقد تآلفوا معها وقد نشأت في كنفهم، وهم الذين أوجدوها ورعوها واحترموها وعملوا بها، ولذلك يجدون الصلة بها معقودة بشكل متين، دون أن تلجأ إلى كسر المتوارث، بل إن الكثير من هذه الأعراف والتقاليد من المتوارث الذي يعيد تأكيد حضوره.
أما العلاقة بالقوانين فهي ليست على هذه الشاكلة، والصلات بين القانون والناس، علاقة قهرية كما يرونها، لأنها مفروضة عليهم عبر سلطة ما، ومرافقة بسلطة قهرية، بعيدة عن عالم الناس البسطاء الذين يفرون من القهر الذي لم يعرفوا غيره، بل لا يزالون يرون في القوانين ذلك العدو الذي يتربص بهم ويقهر إرادتهم ويجبرهم على ما أحبوه وما لم يحبوه، والجهة الساعية لتطبيقه ليست الجيران والأقارب كما في العادات والأعراف.
لقد أشار "ول ديورانت" في "قصة الحضارة" إلى أن الناس يرون فيمن يخرج على القانون بطلاً، بينما يرون فيمن يخرج على العادات مجرماً. السبب هو ما ذكرنا من أن الناس هم من أوجد العادات وأنتجها في خضم حياتهم الاجتماعية اليومية، فبقي تأثيرها كبيراً، في حين أن القوانين فرضتها السلطات المتناسلة ذات الاختصاص.
حتى في حياتنا العامة، خاصة في التجمعات الأقل وعياً، أو التي تمتد فيها علاقات القربى بشكل فاعل، وحتى وقت قصير – ربما إلى الآن – كان الناس ينظرون إلى المتنفذين من أقاربهم أو معارفهم بكثير من البطولية، لأن هؤلاء يخرجون عن القوانين بجرأة، بل بوقاحة، ولا نزال نسمع عبارات الاستحسان لما يفعله فلان وأنه لا يجرؤ أحد على الاعتراض عليه، أو فلان ينجي من حبل المشنقة، وهذه من مؤشرات السطوة والمركز المرموق والجاه... الخ. بالتالي فإن استحسان السلوك غير المنضبط على إيقاع القانون، وغير الدال على مسؤولية حقيقية متحضرة، من قبل مسؤول أو موظف، هو نتاج ضعف الثقافة القانونية، التي توضح للناس أسباب وضع القانون وأهمية الالتزام به، وأن البطولة الحقيقية تكون بتطبيقه لا بالخروج عنه، وإن الساعي لتجاوزه هو المجرم.. الخ. وإن فعله يتضمن تبخيساً وتجاوزاً لدور المؤسسات، مما يعني أننا لم نسع إلى تكوين توجهات يمكن استثمارها في التنمية الإنسانية التي لا وجود لها خارج الديمقراطية التي تؤكد أهمية العمل المؤسسي الذي ترعاه القوانين، ليس في مواجهة الأفراد ونشاطاتهم وإبداعاتهم، بل تنظيماً لها، ومنعاً من استغلال الموقع وثغرات القانون أو المناخ السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي، ودون استثناءات.
لقد ذكر المفكر"ذكي نجيب محمود" أسباباً عدة لتخلف المجتمع العربي، وكان أحد أهم هذه الأسباب هو بطلان نفاذ القوانين بالكرامات الشخصية. إذ كثيراً ما يبطل أحد المتنفذين عمل القانون، أو ينجو بفعلة خارجة على القانون تعد جريمة، أو يعمل على عدم تطبيق القانون على بعض من يهتم بهم، فيصبح تطبيق القانون استنسابياً.
من هنا نذكر بأن ثقافة الناس القانونية والاهتمام بتربيتهم على مثل هذه الثقافة، قد تساعد كثيراً في ألا يفلت المجرمون أو الخارجون على القوانين من قبضة العدالة، ويصبح ازدراؤهم لمن يتجاوز القوانين والنظم مهما علت مراتبهم الوظيفية ومسؤولياتهم، بمقدار تجاوزاتهم للقوانين، والعكس صحيح، حيث يصبح حبهم لأعمالهم ولأدوار المسؤولين والتزامهم بمقدار ما يبدو حرص هؤلاء المسؤولين على تطبيق القوانين والانصياع لها ورعايتها وعدم الانتظام في صف من ينتهكها، ويصبح هذا سياسة في إدارة المؤسسات التي يديرونها أو يكونون فيها أو مسؤولين عنها. وهذا يحقق انفراجاً اجتماعياً، ويجعل الناس يقبلون على أعمالهم بكثير من الاندفاع.
إن هذه الثقافة القانونية، ليست بديلاً عن عمل القضاء ولكنها تساهم في حمل الناس على احترام القوانين والأنظمة وتجنب مخالفتها.
يجب ألا تعلو قوة على قوة القانون. بالتالي فإن تكوين المواطن الذي يجد قناعته ورضاه وغاية وجوده في أن ينظم القانون جميع مفردات الحياة العامة، هو هدف ثمين جداً. عندها سيكون هذا المواطن عوناً للجهات الراعية للقوانين، ولن يسكت على انتهاكها عندما يعلم به.

الثقافة القانونية، ليست بديلاً عن عمل القضاء ولكنها تساهم في حمل الناس على احترام القوانين والأنظمة وتجنب مخالفتها

لا نزال نسمع عبارات الاستحسان لما يفعله فلان وأنه لا يجرؤ أحد على الاعتراض عليه، وهذه من مؤشرات السطوة والمركز المرموق والجاه

أشار "ول ديورانت" في "قصة الحضارة" إلى أن الناس يرون فيمن يخرج على القانون بطلاً، بينما يرون فيمن يخرج على العادات مجرماً

الصلات بين القانون والناس، علاقة قهرية كما يرونها، لأنها مفروضة عليهم عبر سلطة ما، ومرافقة بسلطة قهرية

حسن إبراهيم أحمد









رد مع اقتباس
قديم 2011-05-30, 15:10   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2011-05-30, 20:14   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
شابوس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية شابوس
 

 

 
إحصائية العضو










Mh51 تحــول السيــــادة

قانون دولي : البنية المتغيرة للقانون الدولي.. تحول السيادة
السيادة التقليدية:
تطور مذهب السيادة في بعدين متميزين: اهتم الأول بالمظاهر "الداخلية" للسيادة أما الثاني فبمظاهرها "الخارجية". يتضمن البعد الأول مطلب أن الشخص أو الهيئة السياسية تأسست كعاهل يمارس عن حق "ولاية عليا" على مجتمع بعينه. أما الحكومة – سواء أكانت ملكية أم ارستقراطية أم ديمقراطية – فعليها أن تنعم بـ "سلطة مطلقة ونهائية" ضمن الإقليم المفترض. أما البعد الثاني فيتضمن التأكيد على عدم وجود سلطة مطلقة ونهائية داخل وخارج الدولة ذات السيادة. يتوجب النظر إلى الدول بوصفها مستقلة في كل قضايا السياسة الداخلية ولها أن تكون من حيث المبدأ حرة في تحديد مصيرها ضمن هذا الإطار. أما السيادة الخارجية فهي ميزة تحوزها المجتمعات السياسية في علاقاتها المتبادلة، ويصاحبها طموح المشاركة بتعيين وجهتها وسياستها دون تدخل غير مشروع من القوى الأخرى.


أصبح نظام الدول ذات السيادة مطوقاً بجملة قواعد تطورت منذ القرن السابع عشر، لصيانة مفهوم نظام الدول بوصفه مجتمعاً دولياً من دول ذات سيادة. كما ترافق ظهور "مجتمع" الدول، أولاً في أوروبا ولاحقاً في عموم الكوكب، مع مفهوم جديد لقانون دولي يكون مرجعاً مثل "النظام الوستفالي" (بعد معاهدات السلام في وستفاليا العام 1648)، وهو ما يشار إليه ببساطة على أنه النظام التقليدي للسيادة.
يغطي ذلك النظام عصر القانون الدولي وتنظيمه من العام 1648 وحتى مطلع القرن العشرين (رغم أن عناصره، وهو أمر قابل للنقاش، لا تزال مطبقة حتى اليوم). لم تكن كل سماته مقترنة بتسوية وستفاليا، بل تشكلت بالأحرى خلال مسار معياري لقانون دولي لم يصل إلى منطوقة الكامل إلا في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، حين أصبحت السيادة الإقليمية والمساواة الرسمية بين الدول وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان الأخرى قاعدة للالتزام القانوني دولياً، وصارت تشكل المبادئ الجوهرية للمجتمع الدولي.
يلقي النظام التقليدي للسيادة الضوء على نظام عالمي تكون الدول فيه حرة ومتساوية اسمياً، وتتمتع بسلطة عليا على رعاياها ورعايا الإقليم المفترض، كما تصيغ قرارات سياسية منفصلة ومستقلة وفق مصالحها الخاصة، ولا تعلوها سلطة دنيوية أخرى، كذلك تقوم بمبادرات دبلوماسية، ضمن مقاييس تعاون محدودة، وتنظر إلى العمليات عبر الحدود كـ "شأن خاص"، وتقبل مبدأ الفعالية أي المبدأ الذي يشرعن الاستيلاء في عالم الدول.
التأكيد على تطور النظام التقليدي للسيادة، لا ينكر بطبيعة الحال أن حقيقته غالباً ما كانت مشحونة ومليئة بالفوضى والتسويات. لكن الاعتراف بتعقد الواقع التاريخي ينبغي ألا يقود إلى تجاهل التبدل المنظومي والهيكلي الذي حل منذ نهاية القرن التاسع عشر في المبادئ التي يتضمنها النظام السياسي، وحقائقها الدموية.
كافحت الدول لاحتواء السكان والأراضي والموارد، وإدارتها – يتمثل هذا المسار بتشكل دول أوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، واقتسام القوى الأوروبية للمستعمرات في القرن التاسع عشر.
يتوجب التأكيد على الدلالات الهامة لتطور النظام التقليدي للسيادة.
أولاً: منح تبلور القانون الدولي بوصفه قانوناً بين الدول، رؤساء الدول والحكومات قدرة الانضمام إلى معاهدات مع ممثلي دول أخرى بمعزل عن الوضعية الدستورية لأولئك الأشخاص، أي بمعزل عن كون رؤساء الدول مخولين وفق إجراءات قانونية محلية محددة بإلزام الدولة بحقوق وواجبات معاهدة معينة.
ثانياً: لم يكن قانون ما بين الدول معنياً بالهيئة السياسية الوطنية. لكنه قبل مقاربة واقعية للدولة والحكومة/ مقاربة تلي حقائق السلطة السياسية وتضع بضعة تساؤلات عن كيفية نشوء تلك السلطة. تم اعتبار الأنظمة المطلقة والملكيات الدستورية والدول الاستبدادية والدول الديمقراطية الحرة على قدم المساواة بوصفها أنظمة حكم شرعية.
ثالثاً: إقامة نقاط اتصال بين المبادئ المنظمة للشؤون القومية والدولية. تباعدت القواعد السياسية والأخلاقية التي تحكم هذين المجالين في المبدأ والتطبيق. ترسخت ببطء الدول /الأمم الديمقراطية في الغرب، لكن عالم السياسة الذي أجاز الديمقراطية في الدولة/ الأمة رسخ علاقات لاديمقراطية بين الدول، ومثلما رسخ شرعيةً ديمقراطيةً خاضعةً للمحاسبة داخل حدود الدولة أجاز ملاحقة متطلبات الدولة (والمصالح السياسية العليا) خارج تلك الحدود، وفي مقابل حقوق مواطنة وديمقراطية لمن هم من "الداخل"، تنكر متكرر لها حين يتعلق الأمر بمن يعيشون خارج تلك الحدود، كان الفصل بين المثالية السياسية والواقعية السياسية أمراً بدهياً.
رابعاً: تركيز القانون الدولي على الجماعات والفاعلين غير الحكوميين الساعين للتنافس على حدود إقليمية ذات عواقب متناقضة. أمام تفكك القوى الاستعمارية والمصالح المهيمنة للمواطن والأقاليم التقليدية، لم يكن أمام تلك الجماعات بدائل سوى اللجوء إلى الإكراه أو القوة المسلحة بغرض تأكيد مطالبها بتحرير أوطانها. لكن، كان عليها أيضاً تأسيس "سيطرة فعالة" على المنطقة التي تسعى لإعلانها وطناً في حال توجهها لنيل الاعتراف الدولي.
تراجع الإمبراطوريات الأوروبية وهزائمها من نهاية القرن التاسع عشر، وانتشار الأفكار الديمقراطية في كافة أنحاء العالم في القرن العشرين، وتأسيس أشكال جديدة لمنظمات وأنشطة متعددة الأطراف ومتعدية القومية خلال الأعوام المئة الأخيرة عدل المشهد السياسي والقانوني. وطرح السؤالين التاليين: هل تأسس إطار جديد للقانون الدولي؟ هل تغير التوازن بين متطلبات نظام الدول ومتطلبات الأوضاع السياسية والمعيارية البديلة؟

السيادة الدولية الليبرالية
أزاحت هيمنة النظام التقليدي للسيادة ضمن حدود الدول – الأمم موجات متعاقبة من إشاعة الديمقراطية. وفي حين سعت تلك الموجات لإعادة تشكيل الحكومة الوطنية، كان لها تأثيرات إضافية على نظام العلاقة ما بين الدول. وعلى الرغم من أن نموذجاً جديداً للتنظيم الدولي لم يتبلور بالكامل قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن تتبع آثار أصول نظام السيادة الدولية الليبرالية أمر ممكن. يمكن رصد بداياته في محاولات توسيع مسارات تعيين حدود سلطة عامة في المجال الدولي والمحاولات اللاحقة لتحويل معنى السلطة السياسية الشرعية من السيطرة الفعالة إلى صيانة المعايير الأساسية أو القيم التي لا يستطيع وفقها موظف سياسي سواء أكان ممثلاً لحكومة أو دولة القيام بإلغائها. كما واجهت السلطة الفعالة مبادئ حق تقرير المصير والديمقراطية وحقوق الإنسان بوصفها قاعدة ملازمة للسيادة.
من المفيد إبراز بعض التحولات القانونية التي حدثت في ميادين الحرب، جرائم الحرب وحقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية إضافة إلى البيئة، والتي أحدثت هذا التبدل. تمت هذه التحولات أساساً بموافقة الدول، لكن التفويض وتغير السيادة اكتسب، كما بدا، وضعاً وزخماً مستقلاً.

قواعد الحرب والتسلح
استند تكوين قواعد الحرب إلى افتراضٍ مفاده أنه نظراً لعدم إلغاء حالة الحرب بالكامل، فيتوجب قنونة بعض عواقبها المروعة التي تطال العسكريين والمدنيين على حد سواء. الهدف من هذه القواعد إخضاع ممارسات الحرب للحد الأدنى من معايير التحضر التي ستلتزم بها جميع أطراف أي نزاع مسلح. وعلى الرغم من أن قواعد الحرب غالباً ما تنتهك، لكنها ساعدت في الماضي على لجم بعض أسوأ أشكال العنف العشوائي. تعود الاتفاقات الرئيسية متعددة الأطراف التي حكمت الحروب إلى إعلان باريس 1856، الذي سعى إلى الحد من حروب البحر بحظر مراكب القراصنة وتعيين الشروط التي يكون فيها الحصار فعالاً وخاضعاً لاعتبارات قانونية. تتضمن المعالم الأساسية اتفاقية جنيف 1864 (المعدلة في العام 1906)، واتفاقيتي لاهاي 1899 و1907، واتفاقيتي جنيف 1929 و1949 اللتين ساعدتا على قنونة المعاملة الإنسانية لجرحى المعركة، والممارسات المقبولة في المعارك البرية، وحقوق وواجبات أطراف النزاع والدول المحايدة، ومجموعة من القواعد تحكم معاملة الأسرى وحماية المدنيين. علاوة على تلك الاتفاقات وغيرها من المعاهدات الإقليمية. فقد حددت ممارسات المتحاربين، من حيث المبدأ، وفق عناصر القانون الدولي المتعارف عليه، والإقرار العام بقانون إنساني يحرم الوحشية غير المبررة أو الأفعال الأخرى التي تزدري المبادئ الأخلاقية.
شكلت قواعد الحرب إطاراً متطوراً من إجراءات تسعى لتقييد ممارسات أطراف النزاعات الدولية المسلحة. اعتمدت القواعد على مفهوم ثنائي، ضرورة التخفيف قدر المستطاع من التأثيرات الجانبية للحرب، وتقييد حرية اللجوء إلى وسائل الحرب وطرائقها. هذه التوجهات والاتفاقات ميزت بمرور الزمن، ومن حيث المبدأ، تغيراً هاماً في الوجهة القانونية للدولة الحديثة، لأنها تحدت مبدأ الاستقلالية العسكرية ومسألة السيادة الوطنية في واحدة من مكوناتها الأكثر حساسية - العلاقة بين الجيش والدولة وقدرة كل منهما على تحقيق أهدافها بصرف النظر عن النتائج.
أكملت الاتفاقات المتعلقة بممارسات الحرب سلسلة من المعاهدات تتصل باستخدام مختلف صنوف الأسلحة، من القواعد التي تحكم استخدام الذخائر المتشظية (لاهاي 1907) واستخدام الغواصات ضد السفن التجارية (بروتوكول باريس 1936) وصولاً إلى المعاهدات الأخيرة المتعلقة بالأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية والتقليدية – نتيجة لذلك أصبح الحد من التسلح أحد معالم السياسة الدولية. فوكالات الحد من التسلح ونزع السلاح القائمة في كل دول العالم الرئيسية، تدير في الوقت الحاضر عملية تنظيمية ودبلوماسية متواصلة. أقامت الاتفاقات الأخيرة فضلاً عن ذلك آليات للتحقق تنتهك عنوة السيادة الوطنية والاستقلالية العسكرية. فاتفاقية الأسلحة الكيميائية 1993، على سبيل المثال، تنشئ منطقة تفتيش دولية للإشراف على تطبيقها (وهو ما أقلق مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن التنازل عن السيادة). وفقاً لذلك، يبدو مفهوماً إدعاء أن القوانين الدولية حول الحرب ومراقبة التسلح تشكل وتساعد على إنشاء بنية تحتية عالمية لإدارة التسلح والنزاعات.
جرائم الحرب ودور الأفراد
يمكن توضيح مسار التقييد المتدرج لسلطة الدولة بحالة أخرى من التفكير القانوني الدولي الذي قلب أسبقية الدولة في القانون الدولي وعزز الدور الفردي فيما يتصل بالمسؤولية تجاه العنف المنظم ضد الآخر. في المقام الأول بإدراك الوضع القانوني للاعتراض الواعي، أقرت دول عديدة بوجود حالات محددة يتجاوز فيها التزام المرء الأخلاقي التزامه تجاه دولته. فرفض الخدمة العسكرية أثار مطلب محكمة أخلاقية عليا لتحديد الحقوق والواجبات.
هذه المطالب ممثلة أيضاً في الوضع القانوني المتغير لأولئك الراغبين في الالتحاق بالحرب. فاعتراف القانون الدولي بمخالفات جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية يظهر بوضوح أن الرضوخ لأوامر القادة لن يعتبر سبباً كافياً لتبرئة الفرد المشارك بتلك المخالفات.

كانت نقطة التحول في هذا الشأن، القرارات التي اتخذتها محكمة نورمبرج الدولية (ومحكمة طوكيو المشابهة). طرحت المحكمة، لأول مرة في التاريخ، أنه في حال تعارض القواعد الدولية التي تحمي القيم الإنسانية الأساسية مع قوانين الدولة، فعلى كل شخص أن يخالف قوانين الدولة (باستثناء الحالة التي يكون فيها "الخيار الأخلاقي" أمراً غير ممكن، حالة توجيه سلاح إلى رأس شخص على سبيل المثال).
صادق القانون الدولي الحديث عموماً على الموقف الذي اتخذته المحكمة وأكد على رفض الدفاع عن ذريعة إطاعة الأوامر العليا في قضايا المسؤولية عن الجرائم المرتكبة ضد السلام والإنسانية.
كان التوسيع الأبرز لتطبيق مبادئ نورمبرغ تأسيس محاكم جرائم الحرب في يوغسلافيا 1993 ورواندا 1994. وجهت المحكمة اليوغسلافية تهماً ضد أشخاص من المجموعات العرقية الثلاث في البوسنة وحققت في جرائم كوسوفو، مع أنها صادفت صعوبات جمة في اعتقال المتهم الرئيسي. وعلى الرغم من أنه لم يكن بوسع محكمة رواندا ولا محكمة يوغسلافيا احتجاز ومحاكمة إلا قسم ضئيل من المتورطين في ارتكاب جرائم وحشية، إلا أنهما سارتا خطوات ملموسة في إطار تطبيق القانون الذي يلاحق جرائم الحرب، ما يختزل المسافة بين بشائر هذا القانون وضعف تطبيقه. ستساعد المحكمة الجنائية الدولية على إلغاء هذه المسافة في المدى البعيد. لكن عوائق عديدة تواجه تحققها ونجاحها، ضمن ذلك المعارضة المستمرة للولايات المتحدة (التي تخشى أن تستهدف جنودها إجراءات قضائية ذات دوافع سياسية). مع ذلك فتشكيل المحكمة رسمياً يمثل خطوة إضافية في الابتعاد عن النظام التقليدي للسيادة والتقدم صوب ترسيخ إطار السيادة الدولية الليبرالية.
ما يتربص بالاتفاقات القانونية الدولية في الوقت الحاضر يفترض أن احتواء العدوان المسلح وإساءة استخدام القوة يمكن إحرازهما عبر السيطرة على الحروب وتحريم انتهاكات حقوق الإنسان. لأنه من الجلي أن العديد من أشكال العنف المرتكب بحق الأشخاص، وشتى أشكال إساءة استخدام القوة لا تحدث فقط خلال الأعمال الحربية المعلنة. واقع الحال، أن التمييز بين الحرب والسلام، وبين العدوان والقمع آخذٌ بالتآكل بتغير أنماط العنف. فأنواع العنف التي شهدتها البوسنة وكوسوفو تبرز دور القوات شبه العسكرية والجريمة المنظمة واستخدام وحدات من الجيش الوطني لا تعود خاضعة مباشرة لإمرة الدولة. كما يشير تعدد أشكال العنف إلى وجود مسافة ضئيلة بين الجرائم الصريحة المرتكبة خلال الأعمال الحربية والهجمات الرئيسية على رفاه وسلامة المواطنين في الحالات التي لا تعلن فيها الحرب بين الدول. وفي حين لا تنطبق قواعد الحرب مباشرة على العديد من أشكال الحرب الحديثة، لكنها تشكل انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان الدولية.
وفق ذلك، يمكن النظر إلى قواعد الحرب وشرعة حقوق الإنسان بوصفهما شكلان متكاملان من القواعد الدولية التي تهدف إلى تقييد مجال وشكل استخدام القوة القسرية. ومع كل التقييدات التي تعيق تعزيز هذه التغيرات، فهي تغيرات بالغة الأهمية حين تؤخذ مجتمعة، إلى جانب رفض مذهب القوة كسيطرة فعالة، واستبداله بالقواعد الدولية التي ترسخ القيم الإنسانية الأساسية كمعايير لشرعية الحكومات.










رد مع اقتباس
قديم 2011-05-30, 20:19   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
شابوس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية شابوس
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 صنـــاعة القــرار الإداري

قضايا الإدارة : المشاركة في صناعة القرار الإداري
يعدّ اتخاذ القرار من أهم أسس العمل الإداري ومبادئه، ذلك أن اتخاذ القرار هو الترجمة الفعلية للعمل الإداري. وبمعنىً آخر فإن جميع العمليات الإدارية إنما تتمخض في النهاية عن اتخاذ قرار معين، سواء تعلّق الأمر بالتخطيط، أو التنظيم، أو الاتصال، أو التنسيق، أو القيادة، أو التوجيه، أو الرقابة، أو الإشراف، أو العلاقات العامة… فسير العمل في إحداها ينتهي غالباً -إن لم يكن دائماً- باتخاذ قرار معين. وإن كل جزء من كل عملية من هذه العمليات يسفر عن اتخاذ قرار ما، حتى يمكننا أن نقرر أن كل عملية من هذه العمليات ما هي إلا سلسة متصلة الحلقات من القرارات.


وعملية صنع القرار ليست عملية سهلة أو بسيطة كما تبدو، أو كما يعتقد البعض، وإنما هي في الحقيقة عملية مركّبة ومعقدة، وتتفرع في الواقع إلى عدة عمليات جزئية، وتتحلل إلى كثير من المراحل المتتالية والمتعاقبة، لتنتهي بصدور القرار، ثم تنفيذ هذا القرار ومتابعة هذا التنفيذ. ولكي يحقق القرار الإداري الأهداف المرادة منه، فإن هناك مقوّمات لنجاحه منها وجوب مشاركة العاملين والقائمين على التنفيذ في عملية صناعة القرار.
ولهذه المشاركة فوائد كثيرة، منها تحقيق ديمقراطية صناعة القرار، ورفع إحساس العاملين بالمسؤولية، وتسهيل فهمهم للقرار الصادر من جميع جوانبه، مما يخفف العبء على صانع القرار في الشرح، والتفسير، والإشراف، والرقابة... وكذلك فإن مشاركة العاملين في هذه العملية تزيد من تحمسهم للعمل، وترفع من روحهم المعنوية، مما يزيد من دقتهم في تنفيذ القرار، لقبولهم له، ورضائهم به، دون أن يكون مفروضاً عليهم بالقسر والإلزام. كما أن المشاركة تساعد على تنمية ملكات العاملين وقدراتهم.
وبالمقابل فإن عدم المشاركة في صناعة القرار قد ترتب نتائج سلبية ليس أقلها إغفال الافتراضات الواقعية المرتبطة بظروف العمل الفعلية، مما قد ينتج عنه صدور قرارات بعيدة عن الواقع، فيصعب تنفيذها. وقد يؤدي ذلك إلى تجميد قدرات العاملين ومقاومتهم للقرار الصادر.
غير أن هذا الاشتراك يتوقف على عوامل كثيرة يتعلق بعضها بقدرات صانع القرار وأفكاره، ويتعلق بعضها الآخر بقدرات بعض العاملين أنفسهم، أو طبيعة المشكلة، أو التنظيم ذاته، وقواعده، والأسس التي يستند إليها...
ماذا نعني بالمشاركة؟ ما هي مسوّغاتها؟ وما هي الحدود التي تقف عندها؟ وكيف يمكن تحقيقها؟ سنحاول من خلال الآتي الإجابة عن هذه التساؤلات ولو بإيجاز شديد.

أولاً- مفهوم المشاركة
أدت التطورات الحديثة إلى تنوع المنظمات وتعقد أعمالها، وقد انعكس ذلك على مهمة القادة الإداريين التي أصبحت بدورها أكثر تعقيداً، لازدياد رقم الأعمال، وتوسع نطاق الإشراف، وتنوع الأعمال والتخصصات، مما أثبت عجز الرئيس الإداري عن إدارة المنظمة بمفرده دون الاستعانة بالآخرين مهما كان فذاً وماهراً، فالتنظيمات أصبحت تتضمن مهمات عديدة، وموزعة على عناصر مختلفة كالمحامين، والمهندسين، والمستشارين، والموظفين، والمهنيين، والعمال... والرئيس الإداري الناجح هو الذي يستطيع الاتصال بهؤلاء جميعاً، ويكسب ثقتهم، ويقوي العلاقات معهم. وأفضل طريقة في ذلك هي المشاركة، إذ بفضلها يحصل القائد على ثقة مرؤوسيه، ويكسب تأييدهم، ويحصل على المعلومات اللازمة لحل المشكلات من مصادرها الأصلية مباشرة. وإذا ما أدرك الرئيس الإداري ذلك فإنه يصبح من الضروري الاستعانة بالآخرين، ووضع الثقة بهم، ليس من أجل تنفيذ القرار وحسب، بل من أجل المساعدة في اتخاذ القرارات، ورسم السياسات، وتحقيق الأهداف.
ولهذا كله فإن المشاركة أصبحت ضرورة من ضرورات الإدارة الناجحة. قال تعالى: "..وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله..".
لقد انصبت الدراسات وتركزت الجهود على دراسة المشاركة في الإدارة، وعلى دراسة قرارات المجموعة، والعوامل المحددة لها. فأي قرار ما هو في حقيقته إلا الناتج النهائي لحصيلة مجهود متكامل من الآراء، والأفكار، والاتصالات، والدراسة التي تمت في مستويات مختلفة بالمنظمة الإدارية، من قبل أفراد عديدين. ومن ثم ينظر إلى القرارات على أنها ناتج عمل جماعيلا نتيجة لرأي شخصي.

تتلخص فكرة المشاركة في قيام مجموعة من الأفراد بالمنظمة بدور فعال في التأثير والمساهمة في عملية صنع القرارات. ويوضح David Emery مفهوم المشاركة بقوله: "إن المدير يمكنه خلق الجو النفسي والموقف الملائم الذي يحفز العاملين على بذل أقصى جهودهم لتحقيق أعلى مستوى في الإنتاج. كما يمكنه التوفيق بين مصالح ورغبات العاملين من جهة، ومصالح التنظيم من جهة أخرى، من خلال توسيع الدور الذي يقوم به المرؤوس. وإن إمكانية تحقيق ذلك لا تتأتى إلا عن طريق المشاركة التي تتمثل في أخذ الرئيس الإداري بالآراء، والتوصيات، والاقتراحات (الفردية والجماعية) التي يبديها المرؤوسون، والتي تيسر له اتخاذ القرارات الصائبة، وتضمن له في الوقت ذاته حسن تنفيذها".

ثانياً- مسوّغات المشاركة
الرئيس الإداري هو صاحب الحق الشرعي في صناعة القرار، إلا أن مشاركته الآخرين في ذلك تجد مبرراتها في الآتي:
1- تعدّ المشاركة الجماعية في صناعة القرارات الإدارية وسيلة ناجحة، وأسلوباً بارعاً لتقبل هذه القرارات، وزيادة فاعليتها، إذ إن الإنسان بتكوينه النفسي بحاجة إلى الأمن والمحبة، والعطف، والإحساس بالنجاح، والتقدير، والشعور بالحرية، فضلاً عن حاجته إلى الضبط والتوجيه.
2- يعنى علماء الإدارة جل العناية بالنواحي السيكولوجية في إعداد القرار، ويركزون على ضرورة المشاركة في صناعته ممن يعنيهم أمر القرار، وخاصة القائمين على تنفيذه.
3- أثبتت الدراسات والتجارب أن هناك ارتباطاً ايجابياً بين المشاركة وزيادة الإنتاجية وفعاليتها.
4- إن حل أي مشكلة من المشكلات الإدارية يحتاج إلى معلومات كافية، وهذه المعلومات لا تتوفر عادة لدى شخص واحد.
5- توجد العديد من المشكلات التي تهم جهات مختلفة، إضافة إلى أن بعض المشكلات يجب أن تدرس من عدة جهات إدارية، وسياسية، وفنية، واجتماعية، واقتصادية... وبالتالي يتطلب ذلك مشاركة الجهات التي تهمها هذه المشكلة، من أجل دراستها من كل الوجهات، حتى يأتي الحل مناسباً وفعالاً.
6- إذا كانت المشكلات ذات طبيعةٍ إستراتيجية فإن المشاركة تغدو ضرورية، لأنه قد يعجز فرد واحد عن الإحاطة بمثل هذه المشكلات، أو إيجاد الحلول لها.
7- وتجد المشاركة مبرراتها أيضاً في أنها تنمي قدرات العاملين المتعلقة بالتجديد والابتكار، وإكسابهم المهارات الإدارية الناجحة الناجمة عن ممارسة اتخاذ القرارات.

ثالثاً- حدود المشاركة ودرجاتها
أ- حدود المشاركة
في أي نوع من أنواع القرارات تجب المشاركة ؟ وعلى أي المستويات؟
للإجابة عن ذلك لا بد من استعراض الاتجاهين اللذين ظهرا بين كتاب الإدارة العامة في هذا المجال:
1ـ الاتجاه التقليدي
يقسم هذا الاتجاه القرارات إلى نوعين: استراتيجية وروتينية، ويقصر اتخاذ القرارات من النوع الأول على المستويات العليا في الإدارة، ولا يوجب مشاركة العاملين من المستويات الدنيا في مثل هذه القرارات. أما القرارات العادية أو الروتينية ـ والتي تتخذ في المستويات الإدارية الدنيا ـ فلا ضير من المشاركة فيها.
2ـ الاتجاه الحديث
يقوم هذا الاتجاه على مبدأ المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات من مختلف المستويات التنظيمية في الإدارة، وبغض النظر عن نوعية القرارات المتخذة، فلا بد من إشراك كل من يمسهم موضوع القرار، وكذلك من ينفذ عليهم. إضافة إلى أنه إذا كانت هناك أجهزة أخرى يتصل بها القرار فلا بد من مشاركتها في صناعته.
ب- درجات المشاركة
صنّف علماء الإدارة درجات ونماذج مختلفة تتدرج فيها المشاركة تبعاً للسلوك الذي يسلكه الرئيس الإداري في إطار هذا النمط. وهذه النماذج هي:
1- انفراد الرئيس الإداري بصناعة القرار: تبعاً لهذا النموذج تكون المشاركة في أدنى مستوياتها، إذ ينفرد القائد الإداري بصناعة القرار، ويتخذ كل الخطوات اللازمة لذلك، من تحديد للمشكلة، وتشخيصها، وتحديده للبدائل، واتخاذ البديل الملائم.
2- الرئيس الإداري يقدم آراءه ويدعو إلى الأسئلة: وطبقاً لهذا النموذج تكاد تكون المشاركة محصورة في طرح التساؤلات، لأن الرئيس الإداري يكون قد توصل إلى قرار، لكنه يسعى إلى أن تقبل أراؤه من جانب المرؤوسين، لذلك يشرح وجهة نظره، ويعطي نفسه فرصة كافية للاستفسار وسماع الآراء، بحيث يستطيع العمال فهم ما يريد تحقيقه بشكل أفضل.
3- الرئيس الإداري يقدم قراراً أولياً قابلاً للتعديل: هنا يقوم الرئيس الإداري بكل خطوات صناعة القرار، ومن ثم يتخذ قراراً أولياً قابلاً للتعديل، وذلك بعد سماع الآراء والمقترحات من قبل المرؤوسين في هذا الصدد.
4ـ الرئيس الإداري يعرض المشكلة، ويحصل على الاقتراحات، ثم يتخذ قراره: في هذا النموذج لا يأتي الرئيس بحل جاهز ليعرضه على مرؤوسيه، بل يطرح المشكلة القائمة على المرؤوسين لأخذ آرائهم، دون أن يجازف هو بمفرده في اتخاذ القرار.
5- الرئيس الإداري يضع الحلول ويطلب من المجموعة اتخاذ القرار: في هذا النموذج يقوم الرئيس الإداري بتحديد المشكلة، والحلول التي ينبغي أن يتخذ القرار في إطارها، ثم يوكل إلى المجموعة ـ وبوصفه عضواً فيها وضمن الحدود المرسومة ـ مهمة اتخاذ القرار.
6- الرئيس الإداري يسمح للمجموعة أو المرؤوسين باتخاذ القرار الذي يوافقون عليه: ويمثل هذا النموذج أقصى درجات المشاركة والديمقراطية في اتخاذ القرار.

رابعاً- صور المشاركة
بات معروفاً أنه ليس بمقدور شخص بمفرده تسيير وقيادة منظمة بكاملها دون الاستعانة بالآخرين، سواء كان هؤلاء مساعدين، أو مستشارين، أو خبراء، أو موظفين، أو عمال... ومن صور المشاركة نذكر:
أ- مجلس الإدارة
تلجأ كثير من الإدارات إلى هذا الأسلوب في اتخاذ بعض القرارات، وخاصة القرارات الاستراتيجية التي يصعب عادة اتخاذها بواسطة فرد واحد. ومن أمثلة هذه المجالس: مجالس الأقسام، ومجالس الكليات، ومجالس الجامعات، ومجالس إدارة شركات القطاع العام...
وضماناً لفعالية هذه المجالس ينبغي أن يحاط أعضاء المجلس جميعاً بالموضوع إحاطة كاملة قبل انعقاد الجلسات، للتعرف على جوانب المشكلة محل القرار، والمناقشة أثناء الجلسات عن طريق توجيه الأسئلة التي تتميز بالفطنة وحسن التمييز. ومما ينبغي توفره أيضاً في هذه المجالس لكي تتخذ قرارات فعالة قيادة تتسم بالديمقراطية، والمهارة القيادية في فن إدارة الجلسات.
كما يجب وضع إجراءات دقيقة لحسن سير الجلسات، وعدم إضاعة الوقت في مناقشة أمور جانبية، أو لا تتمتع بالأهمية الكبيرة.
وتختلف دورات انعقاد هذه المجالس باختلاف الإدارات التابعة لها، وغالباً ما تكون أسبوعية أو شهرية.
أما عن نظام التصويت فغالباً ما يكو ن بالأغلبية المطلقة، مع ترجيح صوت الرئيس في حال تساوى الأصوات.
ومن أهم المشكلات التي يمكن أن تعيق عمل هذه المجالس الخلافات التي يمكن أن تحصل بين الأعضاء المعينين والأعضاء المنتخبين.
ب- المؤتمرات
عادة ما يلجأ الرؤساء الإداريون إلى عقد المؤتمرات لحل مشكلة معينة، وذلك عندما يحتاج حل هذه المشكلة إلى قبول أكبر عدد من الأفراد، أو للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات والآراء، إذ إن المؤتمرات تتيح فرصة كبيرة لتبادل الآراء والمعلومات، وتكوين وجهات نظر متعددة لحل المشكلة المطروحة من خلال عقد جلسات، أو تشكيل فرق عمل يسهم كل منها في مناقشة جانب معين من المشكلة المطروحة.
ويتوقف نجاح مثل هذه المؤتمرات على مهارة القادة القائمين على عقدها، وتنظيمها، وقدرتهم العالية في فن الاتصال بالحاضرين، وكسب ثقتهم، وجعلهم يشاركون مشاركة فعّالة في حل المشكلة.
تمتاز هذه الطريقة بأنها تتيح فرصة لأكبر عدد ممكن من المرؤوسين للمشاركة في صناعة القرار، وشعورهم أن مقترحاتهم وآراءهم مهمة ولها قيمة.
وعلى الرغم من المزايا المتقدمة، إلا أن هناك بعض المآخذ على هذه الطريقة من أهمها:
• التكاليف المالية الباهظة الناجمة عن وجوب تخصيص مكان لعقد اللقاءات.
• ضرورة توفير الأجهزة والمواد اللازمة.
• أجور الاستعانة بالخبرات الأجنبية في بعض الأحيان.
ج- اللجان
وهي الصورة الأكثر شيوعاً للمشاركة بالنسبة لاتخاذ القرارات. واللجنة هي "مجموعة من الأفراد، يعينون، أو ينتخبون، لبحث ودراسة الموضوعات، أو المشكلات التي تقدم إليهم، وذلك في إطار ما يعقدونه من اجتماعات تتم بصورة منتظمة".
تنقسم اللجان عادة إلى نوعين: لجان دائمة، ولجان مؤقتة. أما اللجان الدائمة فإنها تشكل لمناقشة موضوعات دورية لدراستها، وتقديم الاقتراحات المناسبة بشأنها، أو اتخاذ القرار المناسب بالنسبة لها. بينما تشكّل اللجان المؤقتة لدراسة مشكلة أو موضوع معين، بحيث تنتهي مهمتها بانتهاء المهمة المكلفة بها. ولعلّ السبب في انتشار عمل اللجان هو كبر حجم الأعمال وتعقدها،
مما يعني تفضيل الرؤساء الإداريين تحميل اللجان مسؤولية صناعة القرارات الإدارية.
وما تجب الإشارة إليه أن هناك بعض العيوب في استخدام اللجان بحسبانها وسيلة جماعية في صناعة القرارات الإدارية منها:
• المخاطرة: فالأفراد يميلون إلى الاختيارات الخطرة نسبياً عندما يكونون أعضاء في لجان، بينما يميلون إلى الاختيارات المعقولة، والأقل خطراً، عندما يكون العمل فردياً.
• رغبة بعض أعضاء اللجان في الجدال.
• ضياع الوقت في اجتماعات متعددة وطويلة.
• كما أن اللجان وسيلة للتهرب من المسؤولية.
ومن صور المشاركة الأخرى: المقابلات الشخصية والفردية، الاقتراحات والشكاوى، الاتصالات الهاتفية، والاستفسارات الكتابية.
خامسا- مزايا المشاركة وعيوبها
بذل كتّاب الإدارة العامة جهوداً كبيرة في إبراز محاسن ومساوئ المشاركة في الإدارة بشكل عام، وفي عملية صنع القرارات الإدارية بوجه خاص، وذلك من أجل معرفة الدور الحقيقي الذي تلعبه في هذا المجال، ومن الممكن تلخيص هذه الجهود في الآتي:
أ- مزايا المشاركة
1- إن إشراك عدد من المرؤوسين أو الفنيين والمتخصصين في صناعة القرارات يمكن أن يوفر أكبر كمية من المعلومات والبيانات لم يكن في الإمكان الحصول عليها لولا إشراك هؤلاء في صناعة القرار. وإن مشاركة عدد كبير ممن يهمهم القرار في عملية صنعه يؤدي إلى التزام أكبر من قبلهم في عملية تنفيذه.
2- واتخاذ القرار بشكل جماعي عادة ما يؤدي إلى إشباع المستوى الأعلى من حاجات الأفراد. كما تساعد المشاركة على رفع الروح المعنوية للعاملين في تدعيم مفهوم العلاقات الإنسانية.
3- كما تسهم المشاركة في تنمية مهارات المرؤوسين الإدارية، وتربية كوادر قيادية جديدة من القادة الإداريين في الصفين الثاني والثالث. كما أن المشاركة في صنع القرار تساعد على تنمية ملكة القدرة على الخلق والابتكار لدى العاملين، مما يؤدي إلى تحسين جودة القرارات الصادرة.
4- هذا وتتيح المشاركة أيضا فرصة التفاهم المتبادل بين أعضاء التنظيم، وتخفيف حدة الصراع أو النـزاع والمنافسة الضارة. وتوفر المشاركة استعداداً أكبر لتقبل التغيير، فعندما يطبق التغيير بطريقة تحكمية من أعلى يجعل المرؤوسين يميلون إلى الشعور بعدم الاطمئنان، وإلى اتخاذ خطوات مضادة تستهدف تعطيل التجديدات.
5- وتعد المشاركة في صناعة القرارات الإدارية وسيلة إدارية فعّالة في توسيع مجال قبول السلطة، وتقليل مقدار المقاومة لممارسة السلطة الرسمية، وزيادة الاستجابات الإيجابية من جانب المرؤوسين للأوامر الإدارية.
ب- عيوب المشاركة
حاول البعض توجيه انتقادات إلى المشاركة في صناعة القرارات الإدارية، منها:
1. تشكل المشاركة مظهراً لتنازل الرئيس الإداري عن بعض مهامه القيادية التي يفرضها عليه منصبه.
2. عدم وجود مسؤولية محددة لكل عضو من الأعضاء المشاركين بالنسبة لنتائج القرارات التي يصنعونها، وهذا ما يؤدي إلى شيوع المسؤولية.
3. غالبا ما تتسبب المشاركة في ضياع وقت كبير في حين تتطلب بعض القرارات السرعة والعجلة.
4. يخشى من المشاركة بوساطة اللجان وجود مخاطر السيطرة من قبل فرد واحد على الجلسة ومحاولة فرض رأيه، أو شعور بعض الأعضاء المشاركين بالضغط لقبول القرار المتخذ.
يمكننا القول بناءًَ على ما تقدم أن ما سيق من انتقادات للمشاركة لا يصمد كثيراً أمام التحليل الموضوعي. فالمشاركة ليست تنازلاً من الرئيس عن اختصاصاته، فهي لا تسلب من الرئيس الإداري هذه الاختصاصات، ولا حتى جزءاً منها، بل على العكس تماماً تمكّن المشاركة متخذ القرار من ممارسة اختصاصاته بطريقة فنيّة صحيحة لا يشوبها الخطأ، بينما يؤدي انعدام المشاركة إلى اعتماد الرئيس الإداري على مقدراته الشخصية فحسب، مما يعني إمكانية الوقوع في الخطأ. كما أن المشاركة لا تكون في جميع الصلاحيات الممنوحة للرئيس الإداري، وإنما تتعلق بدرجة أساسية بالأمور الإستراتيجية والمهمة.
من جهة أخرى لا يمكن القول إن المشاركة تؤدي إلى شيوع المسؤولية، لأن الرئيس الإداري يظل صاحب الكلمة الفصل في اتخاذ القرار، وهو المسؤول عن ذلك. كما لا يمكننا التسليم بأن المشاركة تتعارض مع القرارات التي تحتاج إلى سرعة في اتخاذ القرار، فليس من الضروري أن تكون المشاركة قائمة في مثل هذه القرارات، ويمكن للرئيس الإداري التصدي لها بمفرده. وعلى أي حال فإن مثل هذه القرارات تشكل استثناءً من القاعدة التي توجب أخذ القرارات الإدارية بروية وحكمة، وبعد دراسة وتمحيص.
وإذا كان صحيحاً أن بعض اللجان قد ينتهي بها الحال إلى سيطرة رئيس اللجنة والضغط على الأعضاء لإصدار القرار بالطريقة التي يريد، فإن عمل اللجان يظل مفيداً في حالات عديدة منها ما يتعلق بالأمور التنظيمية للمنظمة الإدارية، وفي نطاق المساءلة المسلكية، وحل المشكلات التي تتعلق بالمصالح الحيوية للجمهور. ويمكن التغلب على السلبيات التي تتعلق بعمل اللجان بحسن اختيار رئيس اللجنة وأعضائها، وأن لا يكون عدد الأعضاء كبيراً، وإعادة النظر في تشكيل اللجنة من وقت لآخر. وفي جميع الأحوال فإن اللجان هي صورة من صور المشاركة، وتوجيه بعض النقد إلى عمل اللجان لا ينفي بحال من الأحوال أهمية المشاركة في صورها الأخرى، والتي تترتب عليها مزايا عديدة أهم وأكبر بكثير مما وجه إليها من انتقادات.










رد مع اقتباس
قديم 2011-06-16, 11:33   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
امين عرعار
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ربمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الليلة, القانونية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 22:15

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc