آراء ابن القيم حول الإعاقة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

آراء ابن القيم حول الإعاقة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-12-22, 11:10   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي آراء ابن القيم حول الإعاقة

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين, الأول والآخر، والظاهر والباطن، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين.

أما بعد:

فإن الله قد أنعم علينا بنعم عديدة، }وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا{([1])، ومن هذه النعم نعمة الإسلام، وكذلك نعمة العقل والإدراك، ونعمة السماع بالآذان، ونعمة الإبصار، ونعمة السير على الأقدام، ونعمة الصحة في الأبدان... وغيرها من النعم التي لا تعد ولا تحصى.



وقد كرم الله في الإسلام الإنسان السوي والمعاق، وأمر بالعدل والإحسان ومساعدة العاجزين، ورفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، وجعل الفرق بين الناس بالتقوى، }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{([2])، وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم...»([3]).



وربما فقد الإنسان إحدى قدراته أو حواسه، ولكن هذا لا يقلل قيمته الاجتماعية، وإذا حرم الله عبده ممن إحدى حواسه؛ عوضه الله ببعض الرخص والتسهيلات، إن الإسلام لا يطلب من الأفراد نصيبا متساويا من العطاء، كما لا يعطيهم قدرا واحدا من الرعاية والاهتمام.



وقد اهتم العلماء المسلمون قديما وحديثا بالأحكام والرخص المترتبة على الإعاقة، وبالقضايا التي تعني هذه الفئة الغالية على نفوسنا، ومن هؤلاء العلماء الذين تطرقوا للقضايا الاجتماعية والأحكام الفقهية الخاصة بالمعاقين الإمام العلامة ابن القيم الجوزية.

وقد قمت في هذه الرسالة المتواضعة بجمع آراء ابن القيم حول الإعاقة بالاطلاع على كتب ابن القيم المطبوعة، واخترت منها ما هو مناسب لهذا الموضوع، ولم أحاول أن أتدخل في هذه الآراء، ولكن قمت بالتعليق على بعض النقاط في الهامش، وقمت كذلك بتخريج الأحاديث الموجودة في هذه النقول، وكذلك ترقيم الآيات.



ولكن قد يتساءل سائل: لماذا اخترت هذا الموضوع؟ وكذلك: لماذا اخترت ابن القيم بالذات؟



وأقول:

1- إن الإسلام اعتنى بالمعاق، وأن الإسلام سبق النظريات الحديثة في التطرق لهذا الموضوع، وإن بسط الله في العمر ونسأ في الأثر, بحثت -إن شاء الله- في هذا الموضوع بتوسع وعمق.



2- إن العلماء المسلمين –ومنهم ابن القيم- سبقوا علماء الغرب في معالجة القضايا التي تعني المعاق، ومنها الجوانب النفسية.



3- جدة الموضوع، حيث لم يسبق أن كُتِبَ فيه إلا ما ندر.



4- أهمية الموضوع الواقعية، وذلك لزيادة فئة المعاقين داخل المجتمعات وزيادة الاهتمام بهذه الفئة من قبل المختصين وأفراد المجتمع الآخرين.



لماذا ابن القيم؟

([1]) إبراهيم: 34.

([2]) الحجرات: 13.

([3]) رواه: مسلم، وابن ماجة








 


رد مع اقتباس
قديم 2015-12-22, 11:16   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

تعريف موجز بابن القيم([1]):


هو محمد بن أبي بكر بن أيوب، أبو عبد الله، شمس الدين الزرعي الدمشقي، المشهور بابن القيم الجوزية. ولد عام 691هـ، وتوفي عام 751هـ. من أبرز شيوخه شيخ الإسلام ابن تيمية. ألّف العديد من الكتب القيمة.


ولقد اخترته لأنه من أفضل العلماء الذين ناقشوا مثل هذه القضايا بعمق وتبحر.


وقد تميز ابن القيم بسعة علمه في التفسير والحديث واللغة العربية والفقه والمذاهب المختلفة، وقد ألّف العديد من الكتب للرد على المذاهب الضالة، وعندما تقرأ مثل هذه الكتب كأنك تقرأ كتب أدبية لحسن أسلوب عرضه وغزارة علمه وقدرته على ضرب الأمثلة المناسبة، والمطلع على كتب ابن القيم يلحظ أنه ناقش قضايا تربوية ونفسية ربما لازالت مثار جدل إلى اليوم.


وختاما أقول كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "فهذه مقدمة اعتذار بين يدي القصور والتقصير من راكب هذا البحر الأعظم، والله عليم بمقاصد العباد ونياتهم، وهو أولى بالعذر والتجاوز"([2]).


والله الموفق وحده، وهو المستعان، وعليه التكلان.


([1]) انظر: "طبقات الحنابلة"، و"شذرات الذهب"، و"البداية والنهاية"، و"الوافي بالوفيات".

([2]) "مفتاح دار السعادة".










رد مع اقتباس
قديم 2015-12-22, 11:21   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

تمهيـد


الإعاقة ابتلاء من الله -سبحانه وتعالى- يبتلي بها من يشاء من عباده.


إن عامة الناس يعتقدون أن المعاق هو الشخص المعاق حركيا، ولكن هذه نظرة مقصورة, حيث تتعدد الإعاقات: صمم، بكم، كف البصر، تخلف عقلي، إعاقة حركية وبدنية، اضطرابات سلوكية وانفعالية، صعوبة تعلم...


إننا عندما نتعامل مع المعاق فيجب أن يكون قدوتنا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى:}لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{([1]).


والمتأمل لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد الكثير من المبادئ والقيم المنطلقة من القرآن.


لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أصدق الناس مع الناس وأرحم الناس بالناس.


ومن النماذج في سيرته العطرة أنه صلى الله عليه وسلم في العبادة والعمل الصالح كان يوصي كل فرد حسب طاقته وإمكاناته، لم يكن يأتي إلى إنسان عاجز أو مريض فيوصيه بالصيام أو الجهاد، ولكن كان يوصيه بذكر الله تعالى.


وفي "سنن الترمذي" عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه –وهو شيخ كبير مسن- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ, فأوصني. قال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى».


وهذا لأن الرجل يستطيع أن يذكر الله تعالى.


وجاءه رجل آخر، قال: يا رسول الله! أوصني. قال: «لا تغضب». قال: زدني. قال: «لا تغضب». قال: زدني. قال: «لا تغضب». وتبين أن ذلك الرجل كان يهلك عند الغضب؛ يشتم ويسب، فأوصاه عليه الصلاة والسلام بما يناسبه؛ قال: «لا تغضب».


فوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم تناسب الناس كلاًّ حسب قدرته.


وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أمً أحدكم؛ فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض...»([2])؛ لأنه كان يعلم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة والعاجز... وهكذا كل وصاياه صلى الله عليه وسلم.

([1]) الأحزاب: 21.

([2]) رواه: البخاري، ومسلم، واللفظ لمسلم. البخاري في (الأذان، 703)، ومسلم في (الصلاة، 467).









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-22, 11:26   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

في الذكر الذي تحفظ به النعم وما يقال عند تجردها


قال الله -سبحانه وتعالى- في قصة الرجلين:}وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ{([1])؛فينبغي لمن دخل بستانه أو داره أو رأى في ماله وأهله ما يعجبه أن يبادر إلى هذه الكلمة؛ فإنه لا يرى فيه سوءا.


وعن أنس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ومال وولد، فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فيرى فيها آفة دون الموت».


وعنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا رأى ما يسره؛ قال: «الحمد لله بنعمته تتم الصالحات». وإذا رأى ما يسوؤه؛ قال: «الحمد لله على كل حال»([2]).



فيما يقال عند رؤية أهل البلاء
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من رأى مبتلى، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا؛ لم يصبه ذلك البلاء». وقال الترمذي: حديث حسن([3]).
من كتاب
الوابل الصيب من الكلم الطيب

([1]) الكهف: 39.

([2]) أخرجه ابن ماجة.

([3]) قال العلماء: "ينبغي أن يقول هذا الذكر سرا بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه المبتلى لئلا يتألم بذلك؛ إلا أن تكون بليته معصية؛ فلا بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من ذلك مفسدة. والله أعلم".









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-22, 16:01   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الربيع ب
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الربيع ب
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك وجزاك ربنا خير الجزاء على ما تفضلت بطرحه
موضوع قيم جدا ومفيد إن شاء الله تعالى
وإن الإسلام يا أخي الافاضل لم يترك صغيرة ولا كبيرة تخص العباد في حياتهم ومآلهم إلا وجاء عليها
فهم ذلك من فهمه ، ووعاه من وعاه ، وغفل عنه الأكثرون
كيف لا .. ؟!!
والإسلام حفظ حتى للحيوان حقه ، ورتب على أذاه نارا ، وعلى الإحسان جنة وغفرانا
فدخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت ، ودخلت بغي الجنة في كلب سقته
فكيف والأمر متعلق بمسلم قد أصابه ما أصابه أو ابتلاه الله بما ابتلاه
والله قد بين الحكم في أؤلئك وأعطاهم حقوقهم وبلغوا مراتب الأصحاء لعذرهم

في انتظار كل جديد
حفظك الله ورعاك ووفقك للخير وسدد عليه .










رد مع اقتباس
قديم 2015-12-24, 12:44   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الصبر([1]،[2]) وما ورد من نصوص عنه في السنة


في صحيح البخاري من حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن ربنا -عز وجل- أنه قال: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، ثم صبر؛ عوضته منها الجنة»؛ يريد: عينيه.


وعند الترمذي في الحديث: «إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا؛ لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة».


وفي الترمذي أيضا عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله -عز وجل-: من أذهبت حبيبتيه، فصبر، واحتسب؛ لم أرض له ثوابا دون الجنة».


وفي "سنن أبي داود" من حديث عبد الله بن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرضى الله لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيِّه من أهل الأرض واحتسبه بثواب دون الجنة».


وفي "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله -عز وجل-: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة».


وفي "صحيحه" أيضا عن عطاء بن أبي رباح؛ قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء؛ أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إني أصرع وإني أتكشف؛ فادع الله لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك». فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف؛ فادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها.

([1]) عرف ابن القيم الصبر بأنه حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش "مدارج السالكين"(ج1).

([2]) قسم ابن القيم الصبر إلى ثلاثة أنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.
فالأول: الاستعانة به ورؤيته أنه هو المصبّر.
والثاني: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله.
والثالث: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه.
"مدارج السالكين" (ج1).









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-24, 12:53   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

في الذكر عند المصيبة

قال الله تعالى:}وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{([1]).


ويذكر عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسترجع أحدكم في كل شيء، حتى في شسع نعله؛ فإنها من المصائب».


وقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم! أجزني في مصيبتي، واخلف لي خير منها. إلا آجره الله تعالى في مصيبته، وأخلف له خيرا منها». قالت: فلما توفي أبو سلمة؛ قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأخلف الله لي خيرا منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم([2]).


وروي أيضا عنها رضي الله عنها؛ قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة؛ وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: «إن الروح إذا قبض؛ تبعه البصر». فضج ناس من أهله، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون». ثم قال: «اللهم! اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه»([3]).
من كتاب
الوابل الصيب من الكلم الطيب

([1]) البقرة: 155-157.

([2]) أخرجه مسلم (6/220-221-نووي).

([3]) أخرجه مسلم (6/222-223- نووي).









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-24, 12:57   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

قد تكون البلية عين النعمة([1])


إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن؛ فإن رده ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه، وجمعه عليه، وطرحه ببابه؛ فهو علامة سعادته وإرادة الخير به، والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فتقلع عنه حين تقلع وقد عوض منها أجل عوض وأفضله، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردا عنه، وإقباله عليه بعد أن كان نائيا عنه، وانطراحه على بابه بعد أن كان مُعْرِضًا، وللوقوف على أبواب غيره متعرضا، وكانت البلية في حق هذا عين النعمة، وإن ساءته وكرهها طبعه ونفرت منها نفسه؛ فربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببا ما مثله سبب.


وقوله تعالى في ذلك هو الشفاء والعصمة: }وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{([2]).


وإن لم يرده ذلك البلاء إليه، بل شرد قلبه عنه، ورده إلى الخلق، وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه؛ فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به؛ فهذا إذا أقلع عنه البلاء؛ رده إلى حكم طبيعته وسلطان شهوته ومرحه وفرحه، فجاءت طبيعته عند القدرة بأنواع الشر والبطر والإعراض عن شكر المنعم عليه بالسراء كما أعرض عن ذكره والتضرع إليه في الضراء.


فبلية هذا وبال عليه وعقوبة ونقص في حقه، وبلية الأول تطهير له ورحمة وتكميل.
وبالله التوفيق.
من كتاب
طريق الهجرتين وباب السعادتين

([1]) ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم». رواه: الترمذي، وابن ماجة.

([2]) البقرة: 216.









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-24, 13:13   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الصبر على البلاء

والصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:
أحدها: شهود جزائها وثوابها.
الثاني: شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.
الثالث: شهود القدر السابق الجاري بها، وأنها مقدرة في أم الكتاب قبل أن تخلق؛ فلا بد منها؛ فجزعه لا يزيده إلا بلاءً.
الرابع: شهود خلق الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبر لا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضى على أحد القولين؛ فهو مأمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى؛ فلا بد له منه، وإلا؛ تضاعفت عليه.
الخامس: شهود ترتبها عليه بذنبه؛ كما قال الله تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{([1]).


فهذا عام في كل مصيبة دقيقة وجليلة؛ فشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في دفع تلك المصيبة.
قال علي بن أبي طالب: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة".


السادس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه؛ فإن لم يوف قدر المقام حقه؛ فهو لضعفه؛ فلينزل إلى مقام الصبر عليها؛ فإن نزل عنه؛ نزل إلى مقام الظلم وتعدي الحق.


السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته الرحيم به؛ فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأه بتسخطه وشكواه؛ فيذهب نفعه باطلا.


الثامن: أن يعلم أن في عُقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه؛ فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الدواء ومرارته؛ فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره.


قال الله تعالى: }وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{([2]).


وقال تعالى: }فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا{([3]).


وفي مثل هذا قال القائل:
لعل عتبك محمود عواقبه



وربما صحت الأجسام بالعلل


التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه؛ فيتبين حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أولياه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت؛ اصطفاه واجتباه وخلع عليه خلع الإكرام وألبسه ملابس الفضل وجعل أولياءه وحزبه خدما له وعونا له، وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه؛ طرد وصفع قفاه وأقصي وتضاعفت عليه المصيبة وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة في حقه صارت مصائب، كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقه صارت نعما عديدة.


وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبر ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة، والمصيبة لابد أن تقلع عن هذا وهذا، ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، عن الآخر بالحرمان والخذلان؛ لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.


العاشر: أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال؛ فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف؛ فإن أصابه خير؛ اطمأن به، وإن أصابته فتنة؛ انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته.


فلا ريب أن الإيمان الذي يثبت على محل الابتلاء والعافية هو الإيمان النافع وقت الحاجة، وأما إيمان العافية؛ فلا يكاد يصحب العبد ويبلغه منازل المؤمنين، وإنما يصحبه إيمان على البلاء والعافية؛ فالابتلاء كير العبد ومحك إيمانه: فإما أن يخرج تبراً أحمر، وإما أن يخرج زغلا محضا، وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية؛ فلا يزال به البلاء حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه ويبقى ذهبا خالصا؛ فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمة الله عليه في العافية؛ لشغل قلبه بشكره ولسانه، اللهم! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. وكيف لا يشكر من قيض له ما يستخرج خبثه ونحاسه وصيره تبرا خالصا يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟
فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء؛ فإن قويت؛ أثمرت الرضى والشكر.
فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمنه وكرمه.
من كتاب
طريق الهجرتين وباب السعادتين



([1]) الشورى:30.

([2]) البقرة: 216.

([3]) النساء: 19.









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-24, 13:28   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اردت ان اعلق على مسالة و هي
1- إن الإسلام اعتنى بالمعاق، وأن الإسلام سبق النظريات الحديثة في التطرق لهذا الموضوع، وإن بسط الله في العمر ونسأ في الأثر, بحثت -إن شاء الله- في هذا الموضوع بتوسع وعمق.
2- إن العلماء المسلمين –ومنهم ابن القيم- سبقوا علماء الغرب في معالجة القضايا التي تعني المعاق، ومنها الجوانب النفسية.

يعتقد الكثيرون ان الغرب يرحمون هذه الفئة :
هناك تحليل يطلب من المرأة الحامل و هو لحد الساعة ليس اجباريا هنا / هذا التحليل لمعرفة اذا ما كان الجنين سليما ام به trisomie 21 فان حدث و ان كان به هذا فانهم يامرون باجهاضه وهذا وقد نفخت الروح فيه / / الامر هنا غير الزامي لك الرفض// و اعرف العديد من النساء من رفضن ذلك و اصررن على رايهن ولم يقتلن روحا بغير ذنب


**الإعاقة ابتلاء من الله -سبحانه وتعالى- يبتلي بها من يشاء من عباده.
نرى من الناس من لا يحترم هذه الفئة و يجعلهم محط السخرية و التفكه فليتقوا الله فقد يبتليك الله في ولدك او اهلك


جزاك الله خيرا على هذا الموضوع القيم










رد مع اقتباس
قديم 2015-12-30, 11:16   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

صدقة من لا مال له


سأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر، فقال: من أين أتصدق وليس لي مال؟ قال: «إن من أبواب الصدقة: التكبير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي الأعمى، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف؛ كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ولك من جماعك لزوجتك أجر»([1]).
من كتاب
فتاوى رسول الله صلى الله عليه وسلم


([1]) رواه أحمد.









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-30, 11:20   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

في العمى([1]) عن الحق


إن الله سبحانه دعا إلى تدبر كتابه وتعلقه وتفهمه، وذم الذين لا يفهمونه ولا يعقلونه، وأسجل عليهم بالكفر والنفاق:


فقال عن المنافقين: }وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ{([2]).


وقال: }وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ{([3]).


وقال: }وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ{([4]).


وقال: }وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ{([5]).


فالقائل: إن كتاب الله وسنة رسوله لا يستفاد منها يقين من جنس هؤلاء المعطلة والجهمية، لا فرق بينهم وبينه، وأما من يستفيد منهما العلم واليقين؛ فهم الذي قال الله فيهم: }وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ{([6])، وهؤلاء يرونه غير مفيد.


وقد كشف سبحانه حال الفريقين بقوله: }أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ{([7]).


وقال: }مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{([8]).
من كتاب
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة



([1]) إن العمى ورد في القرآن الكريم بمعنى فقد البصر، وقد جاء في: قوله تعالى: }أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى{، وقوله: }لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ{.
كما جاءت كلمة أعمى بمعنى عمى القلب أو عمى البصيرة، ومن ذلك: }فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{.
ومن عمى القلب العمى عن الحجة، وورد ذلك في قوله تعالى: }وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{.
ومن عمى القلب الكفر، ومن ذلك: }مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ{.
"أحكام الأعمى في الفقه الإسلامي": رسالة ماجستير، خالد محمد الدوغان.

([2]) محمد: 16.

([3]) الأنعام: 25.

([4]) يونس: 42.

([5]) البقرة: 78.

([6]) سبأ: 6.

([7]) الرعد: 19.

([8]) هود: 24.









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-30, 11:23   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

صم([1]) بكم عمي
وأما الصمم والوقر:
ففي قوله تعالى:}صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ{([2]).
وقوله: }أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ{([3]).


وقوله: }وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ{([4]).


وقوله تعالى: }وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ{([5]).


قال ابن عباس: في آذانهم صمم عن استماع القرآن، وهو عليهم عمى، أعمى الله قلوبهم فلا يفقهون، أولئك ينادون من مكان بعيد، مثل البهيمة التي لا تفهم إلا دعاء ونداء.
وقال مجاهد: بعيد من قلوبهم.
وقال الفراء: تقول للرجل الذي لا يفهم كذلك: أنت تنادي من مكان بعيد. قال: وجاء في التفسير: كأنما ينادون من السماء فلا يسمعون. انتهى.
والمعنى: أنهم لا يسمعون ولا يفهمون كما أن من دعي من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم.
وأما البكم؛ فقال تعالى:}صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ{([6]).
والبكم جمع أبكم، وهو الذي لا ينطق.


والبكم نوعان: بكم القلب وبكم اللسان؛ كما أن النطق نطقان: نطق القلب ونطق اللسان. وأشدهما: بكم القلب، كما أن عماه وصممه أشد من عمى العين وصمم الآذان.


فوصفهم الله سبحانه بأنهم لا يفقهون الحق، ولا تنطق به ألسنتهم، والعلم يدخل من ثلاثة أبواب، من سمعه وبصره وقلبه، وقد سدت عليهم هذه الأبواب الثلاثة؛ فسد السمع بالصمم، والبصر بالعمى، والقلب بالبكم.


ونظيره قوله تعالى: }لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا{([7]).
وقد جمع الله سبحانه بين الثلاثة في قوله: }وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ{([8]).
فإذا أراد سبحانه هداية عبد؛ فتح قلبه وسمعه وبصره، وإذا أراد ضلاله؛ أصمه وأعماه وأبكمه.
وبالله التوفيق([9]).
من كتاب
التفسير القيم

([1]) وردت كلمة (صم) ومشتقاتها في القرآن الكريم (صُمٌّ، صمُّو، أصمَّهم، صُمّاً، الأصم) خمس عشرة مرة.

([2]) البقرة: 18.

([3]) محمد: 23.

([4]) الأعراف: 179.

([5]) فصلت: 44.

([6]) البقرة: 18.

([7]) الأعراف: 179.

([8]) الأحقاف: 29.

([9]) "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل".









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-30, 11:28   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

في تفسير العمى في قوله تعالى

ونحشره يوم القيامة أعمى


وقوله تعالى: }وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا{([1]): اختلف فيه: هل هو من عمى البصيرة أو من عمى البصر؟


والذين قالوا: هو من عمى البصيرة: إنما حملهم على ذلك قوله: }أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا{([2])، وقوله: }لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{([3])، وقوله: }يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ{([4])، وقوله: }لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ{([5])، ونظائر هذا مما أثبت لهم الرؤية في الآخرة؛ كقوله تعالى: }وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ{([6])، وقوله: }يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ{([7])، وقوله: }وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا{([8]).


والذين رجحوا أنه من عمى البصر؛ قالوا: السياق لا يدل إلا عليه؛ لقوله: }قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا{([9])، وهو لم يكن بصيرا في كفره قط، بل قد تبين له حينئذ أنه كان في الدنيا في عمى عن الحق؛ فكيف يقول: وقد كنت بصيرا؟! وكيف يجاب بقوله: }كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى{([10])، بل هذا الجواب فيه تنبيه على أنه من عمى البصر، وأنه جوزيَ من جنس عمله؛ فإنه لما أعرض عن الذكر الذي بعث الله به رسوله, وعميت عنه بصيرته؛ أعمى الله بصره يوم القيامة وتركه في العذاب كما ترك هو الذكر في الدنيا؛ فجازاه على عمى بصيرته عمى بصره في الآخرة، وعلى تركه ذكره في العذاب وقال تعالى: }وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا{([11]).


وقد قيل في الآية أيضا: إنهم عميٌ وبكمٌ وصمٌ عن الهدى؛ كما قيل في قوله: }وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{([12])؛ قالوا: لأنهم يتكلمون يومئذ ويسمعون ويبصرون.


ومن نصر أنه العمى والبكم والصم المضاد للبصر والسمع والنطق؛ قال بعضهم: هو عمى وصمم وبكم مقيد لا مطلق؛ فهم عمي عن رؤية ما يسرهم وسماعه، ولهذا قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: "لا يرون شيئا يسرهم".


وقال آخرون: هذا الحشر حين تتوفاهم الملائكة يخرجون من الدنيا كذلك؛ فإذا قاموا من قبورهم إلى الموقف؛ قاموا كذلك، ثم إنهم يسمعون ويبصرون فيما بعد. وهذا مروي عن الحسن.


وقال آخرون: هذا إنما يكون إذا دخلوا النار واستقروا فيها؛ سٌلبوا الأسماع والأبصار والنطق، حين يقول لهم الرب تبارك وتعالى: }اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ{([13])؛ فحينئذ ينقطع الرجاء وتبكم عقولهم، فيبصرون بأجمعهم عميا وبكما وصما، لا يبصرون ولا يسمعون ولا ينطقون، ولا يسمع منهم إلا الزفير والشهيق. وهذا منقول عن مقاتل.


والذين قالوا: المراد به العمى عن الحجة إنما مرادهم([14]) أنهم لا حجة لهم، ولم يريدوا أن لهم حجة هم عُمي عنها، بل هم عُمي عن الهدى، كما كانوا في الدنيا؛ فإن العبد يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه.


وبهذا يظهر أن الصواب هو القول الآخر، وأنه عمى البصر([15]) فإن الكافر يعلم الحق يوم القيامة عيانا، ويقر بما كان يجحده في الدنيا؛ فليس هو أعمى عن الحق يومئذ.


وفصل الخطاب: أن الحشر هو الضم والجمع، ويراد به تارة: الحشر إلى موقف القيامة؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا»، وكقوله تعالى:}وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ{([16])، وكقوله تعالى: }وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا{([17])، ويراد به الضم والجمع إلى دار المستقر؛ فحشر المتقين: جمعهم وضمهم إلى الجنة، وحشر الكافرين: جمعهم وضمهم إلى النار؛ قال تعالى: }يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا{([18])، وقال تعالى: }احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ{([19])؛ فهذا الحشر هو بعد حشرهم إلى الموقف، وهو حشرهم وضمهم إلى النار؛ لأنه قد أخبر عنهم أنهم قالوا:}يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ{([20])، ثم قال تعالى: }احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ{([21])، وهذا الحشر الثاني.


وعلى هذا؛ فهم ما بين الحشر الأول من القبور إلى الموقف، والحشر الثاني من الموقف إلى النار؛ فعند الحشر الأول: يسمعون ويبصرون ويجادلون ويتكلمون، وعند الحشر الثاني: يحشرون على وجوههم عميا وبكما وصما. فلكل موقف حال يليق به ويقتضيه عدل الرب تعالى وحكمته.
فالقرآن يصدق بعضه بعضا، }وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا{([22]،[23]).
من كتاب
التفسير القيم


([1]) طه: 124-125.

([2]) مريم: 38.

([3]) ق: 22.

([4]) الفرقان: 22.

([5]) التكاثر: 6-7.

([6]) الشورى: 45.

([7]) الطور: 13-1.

([8]) الكهف: 53.

([9]) طه: 124.

([10]) طه: 126.

([11]) الإسراء: 97.

([12]) طه: 124.

([13]) المؤمنون: 108.

([14]) وهذا قول مجاهد وأبي صالح السدي.

([15]) قال ابن كثير في "تفسيره": "ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا".

([16]) التكوير: 5.

([17]) الكهف: 47.

([18]) مريم: 85.

([19]) الصافات: 22.

([20]) الصافات: 20.

([21]) الصافات: 22.

([22]) النساء: 28.

([23]) "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة؛ (ج1).









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-30, 22:55   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
kosovali40
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

تسلم اخوي العزيز موضوعك جيد










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
آراء, الإعاقة, القيم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc