"المودة والرحمة بين الزوجين"

نينا الجزائرية · 2010-12-15, 11:44

قال تعالى فى سورة الروم الأية 21
بسم الله الرحمن الرحيم

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة"

من قرائتى لهذه الأية شعرت بأهميتها فلقد لخصت كل ما نريد أن نسأل عنه لكى نقيم حياة زوجية سليمة وسعيدة ,لله فى كل أمور حياتنا حكمة وبالتالى فهناك حكمة من وراء إجتماع المودة والرحمة عند الزواج,ففى هذه الأية الكريمة السكن "لتسكنوا اليها" هو سكينة النفس وطمأنتها واستقرارها هو الحماية والسلام والراحة والسرور ,السكن قيمة معنوية وليس قيمة مادية فيجب وقتها أن يبادل الزوج زوجته هذه القيمة المعنوية بشئ معنوى ألا وهو المودة والرحمة فهما الأساس والهيكل لقيام هذا السكن وبغيابهما ينهار.
لكن لماذا جعل الله الزوجة هى السكن؟
ترد الاية الكريمة على هذا السؤال أبلغ رد"خلق لكم من أنفسكم أزواجا" ولم يقل نساء, فالسكن لا يتحقق إلا بالزواج أى إذا تحولت المرأة إلى زوجة وأعتقد أن ذلك أكبر تكريم للمرأة على الإطلاق, فالأسلام يصونها ويحفظها ويخصها بهذه الصفة طالما أصبحت زوجة ,وبالتالى فإنه من المستحيل أن تكون تلك المرأة سكنا لرجل إذا لم تكن زوجته, ولا ينعم الرجل بالسكينة إلا من خلال الزواج.

وتنتهى الأية الكريمة بقوله تعالى"وجعل بينكم مودة ورحمة" أى أن السكن جاء قبل المودة والرحمة,فلابد أن يسكن الأنسان أولا وذلك بأختيار زوجة صالحة لتصبح سكنا له ثم تأتى المودة والرحمة,فذلك ضمان من الله عز وجل بجعله للمودة والرحمة فى إطار السكن المتمثل فى الزواج, وقد قال الله تعالى "بينكم" ولم يقل لكم وذلك لأنها مسألة تبادلية بين الزوج والزوجة فلا يمكن أن يكون طرفا واحدا هو الودود والرحيم فقط بل يتبادلا هذة المودة وتلك الرحمة معا ,والمودة مطلوبة فى السراء أما الرحمة فهى مطلوبة فى الضراء وذلك يعنى أن الزوجين لابد أن يواجها الصعاب فى حياتهما معا,فالمودة هى اللين والمؤانسة والبساطة والتواضع والألفة والإنجذاب فيأتى بها السرور والبهجة,أما الرحمة فهى التسامح وسعة الصدر والتفهم والعطف والصبر والسيطرة على الغضب والعطاء بلا حدود بدون مقابل والتحمل والبعد عن الأنانية والغرور وهذا يؤكد قيمة هذا الترابط الأبدى بين الزوجين ,وبالطبع فإن المرأة بحكم تكوينها فهى مؤهلة لتجسيد كل هذه المعانى فتصبح هى السكن الحقيقى فإن كانت كذلك فهى المودة والرحمة فالبداية من عندها ,وبالتالى فإن كانت القلوب قاسية وغير مؤهلة لمثل ذلك فلا تصلح لأن تكون مستقرا لمودة أو رحمة وبالتالى فلا تصلح لزواج وإن حدث فإنه لا يستمر وينتهى بالطلاق, فالزواج يحتاج الى قلوب تفيض بالمودة والرحمة

ولعلنا نسأل انفسنا كيف نحقق المودة والرحمة؟ مما لا شك فيه أن الله جعل هذه المودة والرحمة فهى موجودة بالفعل لكن كيف نحافظ عليها كيف نجعلها تستمر وننعم بالسعادة وقتها ,لم أجد غير أشياء بسيطة ويسيرة بها تتحقق هذه المودة والرحمة وهى:-الكلمة الطيبة-فهى المفتاح الذهبى للحياة الزوجية متى قيلت فى الوقت وبالطريقة المناسبة فتبقى عالقة فى الأذهان مهما حدث من ضغط أو إختلاف بينهما-إدراك الفروق بين الزوجين-سواء فروق تكوينية أو فروق فى الصفات والطباع فالإنسان مهما كان به من عيوب فإنه يمكن أن يتغير إذا أخذ الوقت الكافى لذلك فلابد ان نتعلم الإنصات للطرف الأخر-الخلق والدين-فإن وجد الدين صلح الزواج وأكدت دراسات عديدة أن غياب الدين عن أحد الزوجين وتقصيره فى أداء الواجبات الدينية هو سبب لكثير من المشاكل الزوجية-الكفاءة-أى الكفاءة فى الطلب والقبول لكى تأخذ فلابد أن تعطى وما أجمل من أن تعطى الزوجة لزوجها الحب والحنان ليقابلها بالمثل-التزين-قال عبد الله بن عباس رضى الله عنه أحب أن أتزين لزوجتى كما أحب أن تتزين لى) فالتزين فى الهيئة والصورة وحسن النظرة يولد حسن المنطق والفكر-الإحتواء- أى إحتضان مشاعر وألام الشخص الاخر إنفعاليا وجسديا وفكريا سواء فى الحزن أو الفرح.

ولعل أول وأهم مرجع لنا لنقتدى به فى حياتنا الزوجية هو المصطفى- صل الله عليه وسلم – فلن نجد أفضل من حياته مع زوجته لنرجع لها ,فقد عاش حياة زوج لزوجة واحدة كما عاش حياة زوج لأكثر من زوجة,تعامل مع البكر كما تعامل مع الثيب, تعامل مع تسع نسوة مختلفات فى الطبع والعمر والتصرفات والرغبات وإستطاع أن يقدم لنا كنزا رائعا فى المودة والرحمة , وضرب لنا أروع الأمثلة فى علاقاته بزوجاته فكان لهن الزوج والحبيب والأخ والأب والناصح والصديق ,فكان ينصحهن ويداعبهن ويقدر مشاعرهن ويسمع شكواهن ويكفكف دموعهن فكان خير زوج شهدته البشرية فى تاريخها وسيظل كذلك

كان النبي معلماً في أهله ***وهو الرسول مبشر ونذير
خير الأنام وخيرهم في أهلـه*** في خدمة لعياله مشهور
يرعى صغيرهم ويحفظ عهدهم*** خلقٌ بفرقان الهدى مسطور
يحمي النساء يصونهن عفافـه وهو*** الأنيس المؤنس الستير

وكان النبى يتعامل مع زوجاته على أساس أنهن مكافئات للرجال وليس أقل منهم فى أمر من الأمور, كان يخير المرأة قبل زواجه منها فهو لم يتزوج إمراة ألا برضاها, كان يساعد فى شئون المنزل الذى يعتبره اليوم بعض الرجال عيبا, فعندما سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها عن النبى فى بيته وما كان يصنع قالت: كان فى مهنة أهله,فإذا حضرت الصلاة خرج الى الصلاة.وكان الرسول الكريم يخيط ثيابه ويصلح نعله ويحلب شاته ويخدم نفسه تخفيفا على زوجاته وإعانة لهن ولم ير فى ذلك تناقض مع رجولته وكرامته وقوامته على أهل بيته.
وتتمثل لنا مودة ورحمة الرسول فى تعامله مع زوجاته فى أمثلة كثيرة منها :
الشرب والأكل في موضع واحد
لحديث عائشة رضي الله عنها :
كنت أشرب فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ,
واتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيّ .
رواه مسلم
الاتكاء على الزوجة
لحديث عائشة رضي الله عنها :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتكئ في حجري وأنا حائض.
رواه مسلم
التنزه مع الزوجة ليلاً
كان النبي صلى الله عليه وسلم
اذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث
رواه البخارى
والكثير والكثير فحياة الرسول –صل الله عليه وسلم- غنية بكثير من هذه الأمثلة.
فلقد حقق صل الله عليه وسلم السعادة لكل واحدة من زوجاته وذلك لأنه عرف كيف يتعامل مع المرأة ويعينها على العمل لدينها ودنياها,و قال : استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم، إن لكم عليهن حقا، ولهن عليكم حقا.

وسع النساء بحلمه وأناته*** والحلم طبعٌ في الرسول شهير
زوجاته نبع الفضائل والتقـى*** الطاهرات وزوجهن النور
للطيبين الطيبات وللألى خبثو*** خبيثات لهن شرور
الله طهر آل بيت محمدٍ**** بيت النبوة روضة وعطور

والحمد لله الذى أنعم علينا بنعمة الأيمان الذى جعلنا نفرح بكل ما يخبره الله لنا فى قرانه الكريم ففى قوله تعالى:"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًاوَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"النساء 19
فقد قال علماء النفس فى دراسات عديدة قاموا بها عن المشاكل الزوجية أنه إذا كنت تشتكى من مشاكل زوجية فحاول أن تقنع نفسك بأن زوجتك مثالية وفتش عن الأشياء الجميلة فيها التى تجذبك وتذكر أن لديها الكثير فابحث عنه تجد الوجه المشرق وسيختفى الوجه المظلم وقتها, وفى الوقت الذى قام علماء النفس بهذه الدراسات وألفوا العديد من الكتب فى هذا الموضوع لخص لنا القران كل ذلك فى سطر واحد فى الايه السابقة.

مهم:وأخيرا أيتها الزوجة كونى عطوفة حنونة على زوجك , تقبلى عيوبه فلست خالية من العيوب, اعينيه على طاعة الله, إحتضنيه واهتمى بما يريد فلا يجد ملجأ لراحته غيرك, أطيعيه فرضاه عليك رضاءا لرب العالمين, وأنت أيها الزوج إتخذ الرسول قدوتك وعامل زوجتك باللين تكسبها وبالعطف والحنان تملكها ويجب أن تعطى كى تأخذ, وتذكر بأن تبسمك فى وجهها صدقة , ولا تترك زوجتك تبكى بسببك فإن الله يحصى دموعها واعلم أنها لم تخلق من قدمك لتمشى عليها ,ولا من دماغك كى تتعالى عليها, بل خلقت من ضلعك كى تتساوى بك, ومن تحت ذراعك كى تحميها ومن جانب قلبك لتحبها.

نسأل الله

في بيوت المسلمين