الحقيقة بين النسبي والمطلق
*يعيش الإنسان في عالم يحتوي على العديد من الظواهر يجهل ماهيتها وحقيقتها فتعترض وجوده صعوبات جمة وعوائق تعيق تكيفه مع هذه الواقع المجهول وحتى يحقق هذا التأقلم لابد له من أن يرفع الستار عن هذا الغموض وعن ما تحمله الطبيعة من أسرار فيحدث تفاعل بينه وبين المحيط الذي يعيش فيه وبحكم أنه كائن عاقل هذه الطبيعة جعلت ميزة الفضول والرغبة في المعرفة والكشف عن جوهرها متجذرة فيه وهذا ما يفسر سعيه إلى طلب الحكمة وبلوغ الحقيقة وتجدر الإشارة إلى أن الحقيقة كموضوع ومفهوم وردت في بعض التعاريف الفلسفية بأنها الأمر الذي لا يتخلله التناقض ومن ثمة فهو جوهر الشيء ويراها البعض الأخر أنها الأمر الممكن في العقل أو هي مطابقة النتائج للمنطلقات بل هي المنطلقات ذاتها وفي بعض اصطلاحات الفلاسفة هي الكائن الموصوف بالثبات والمطلقية كحقيقة الله والخير ويقابل هذا التعريف الحقيقة الإضافية أو الظاهرة أو النسبية هذه المقابلة بين الحقائق النسبية والمطلقة شكلت محورا أساسيا في كل الفلسفات الكلاسيكية وحتى الحديثة فنتج عن هذا العديد من الدراسات والأبحاث الشائكة التي اهتم بها الإنسان وأعطاها حقها في الدراسة والبحث في أصلها ومعاييرها التي تعددت وتنوعت حسب نزعات الفلاسفة فصبت الواحدة في الطبيعة المطلقة للحقيقة على أساس أنها تتصف بالثبات والكمال والديمومة أما الأخرى فاهتمت بالحقيقة النسبية المتغيرة بحسب المكان والزمان فهي حقيقة تقريبية احتمالية جزئية ومؤقتة على أساس هذا الخلاف الفلسفي ظهر جدال ونقاش بين جمهرة من الفلاسفة حيث يؤكد الرأي الأول أن الحقيقة مطلقة أزلية إلا أن هذا الرأي لم يلقى ترحيبا فلسفيا خاصة عند العلماء مؤكدين أن الحقيقة متغيرة غير ثابتة وتقودنا هاته الاضطرابات إلى سؤال فحواه هل الحقيقة مطلقة أو نسبية؟أو بعبارة أخرى بين الثبات والتغير الكل والجزء أين نجد طبيعة الحقيقة؟
*إن البحث و الحديث عن الطبيعة الحقيقية يقودنا إلى الكشف عن الآراء التي تؤكد و تقر بمطلقاتها كطرح فلسفي يحمل العديد من الأبعاد الفلسفية منها و الوضعية أي العلمية و حتى الصوفية حيث يشير مفهوم الحقيقة الأبدية إلى استحالة دحض مجموعة المعطيات و المبادئ خلال تطور مسيرة المعرفة الإنسانية و يندرج هذا المفهوم في تطورات الإنسان عن الخالق الأزلي و الكون المخلوق و نحو ذلك فالله عز و جل حقيقة أزلية و أبادية لا تقبل الشك و الدحض و البطلان كما تشكل الحقيقة المطلقة قاطعة كلية مع تصورات نسبية فهي خاصة بطبيعة الإله و خلق الكون و الموجودات إذن هي حقائق تتصف بالكمال و الثبات و الديمومة يسعى إليه الباحث و الفيلسوف بواسطة العقل من يبلغ أقصاها فلا حيرة و لا عجب إذا كانت حقيقة الحقائق هي الإنسانية ينشدها الفرد حتى يبلغها فهذا المفهوم للحقيقة المطلقة نجده عند العديد من الفلاسفة المثاليين و الكلاسيكيين و المتصدقين حيث يتبنى هؤلاء المفكرين فكرة أن الحقيقة مطلقة مؤكدين بذلك أنها المبدأ أو الغاية في آن واحد التي إليها الحكماء و أهل الفضول و الذوق فالمطلق يشير إلى ذاته و بذاته و لذاته و من بين الفلاسفة المدعمين لهاته الأفكار الفيلسوف المثالي اليوناني أفلاطون و الذي يؤكد أن الحقيقة مطلقة و أزلية تدرك عن طريق العقل المفارق للعالم المادي حيث ميز أفلاطون بين عالمين عالم المثل و هو عالم ثابت و دائم و خالد و العالم المحسوس متغير و مؤقت و فان و فاسد و الخير الأمم هو الحقائق المطلقة التي توجد في عالم المثل عالم عقلي خالص تكسوه حقائق أزلية بداية بالخير مرور بالجمال ووصولا إلى الرياضيات حيث يقول " أن النفس البشرية لما كانت متصلة بعالم المثل كانت تدرك حقيقة و جوهر الشيء و لما هبطت إلى العالم المادي فقدت ذلك الإدراك " و يقول كذلك " الحقيقة هي المثل " و إلى نفس الرأي يذهب سقراط إلى القول بأن الفيلسوف الحق هو الذي يطلب الموت و يتعلمه ليبلغ الحقيقة المطلقة " فعلى الروح على حد تعبيره الهبوط إلى أعماق نفسها حتى تستنبط الحقائق الكاملة في تلك الأعماق و لا نخل برأي إذا عرضنا على موقف روني ديكارت أبو الفلسفة الحديثة الذي يؤكد و بدرجة كبيرة مطلقة الحقيقة التي لا يمكن أن ترتبط بالواقع الحسي بل هي أفكار قائمة في العقل و مرتبطة بقوانينه و مبادئه الدائمة و الأزلية التي لا يمكن أن تتغير فالعقل أساس لكل معرفة حقيقية لأن أحكامه تتميز بالشمول و الوضوح حيث يتفق " ديكارت سبينوزا " على أن الحقيقة تحمل في طياتها الوضوح و تتطابق مع مبادئ العقل مثل البديهيات الرياضية و انتهى ديكارت من خلال جملة الشك إلى إثبات وجود الأشياء و توصل في مبادئه المشهورة إلى أن التفكير هو أساس الوجود و يستطيع الإنسان التوصل إلى هذه المعارف كلما استعمل عقله و لقد كانت هذه الفكرة المنطلق الضروري الذي اعتمده ديكارت ليبين أساس الحقيقة المتمثل في العقل و من خلالها يبين باقي الحقائق الموجودة و الفكرة ذاتها نجدها عند الرياضيين الكلاسيكيين الذين يحطون الحقيقة بالصدق و اليقين و الثبات و هذا ما نجده في الحقائق الرياضية التي تعرف بأنها روح العلم و علم المفاهيم الكمية المجردة القائمة على أساس الاستنباط العقلي الذي يقتضي التكامل بين المبادئ و النتائج مع العلم أن مبادئ الرياضيات الكلاسيكية المسلمات و البديهيات و التعريفات صادقة صدقا عقليا خاصة إذا كنا نعلم أن أساسها الوضوح و الوضوح مصدره العقل الخطان المتوازيات لا يلتقيان أبدا و الكل أكبر من الجزء فهذه البديهيات واضحة وضوحا عقليا و لا تزال قائمة إلى حد اليوم إضافة إلى هذا فالتعريف الرياضية تعريفات ذهنية عقلية فالدائرة مثلا تعرف على أنها منحنى مغلق جميع نقاطه على بعد متساوي من نقطة واحدة ثابتة و على هذا الأساس فالرياضيات كحقيقة مطلقة في منهجها و معطياتها و مبادئها كانت و ظلت عقلية و ينطبق هذا الطرح مع مذاهب أرسطو حيث أكد أن الحقيقة تكمن في فكرة المحرك الأول الذي يحرك كل شيء و لا يتحرك فهو أبدي و أزلي هو الله الذي يجب أن نؤمن به لأنه الأصل و المبدأ فهو صورة العالم و مبدأ حياته فهذا الطرح يوصلنا إلى فكرة الثبات في الحقائق و الشمول فيدافع عن مطلقية الحقيقة فلاسفة العالم التقليدي كامرسون و بوان كاريه و كلود برنارد حيث يرون أن الطبيعة و أجزائها تخضع لمبدأ الحتمية الطلق الذي يقتضي أنه متى توفرت نفس الشروط أدت حتما إلى نفس النتائج فلكون بأسره يخضع لنظام ثابت لا يقبل و لا الاحتمال يمكن التنبؤ به متى حدثت الشروط التي تحدد الظواهر فالحتمية كقاعدة علمية مطلقة و هذا ما تبناه كلود برنارد بقوله " أنه لا يمكن لأي باحث أن ينكر مبدأ الحتمية المطلق " و كذا ما قاله امرسون أمست دليل على أن المعارف العلمية و يقول في هذا الشأن لو وضعت في موضع اختيار بين التكهن و عدم التكهن اخترت التنبؤ و بتالي الحتمية و على هذا الأساس اعتبر بوان كاريه أن الكون كله يخضع لنظام ثابت و تجسد رأيه هذا في قوله " أن العلم يضع كل شيء موضع الشك إلا الحتمية فلا مجال لشك فيها " و أما الإشارة التي يمكن لحضها جيدا فإنها تتلخص في العقل الإسلامي الذي بدوره يلح على أن الحقائق مطلقة و تتمثل في الحقيقة الذوقية و التي تعرف ذلك الشعور الذي يستولي على المتصوف يستقي علمه من الله عن طريق التجربة الذوقية و التي تتجاوز العقل و المنطق و تتم خارج الحواس فسيتنقل أثرها المتصوف عن نفسه و يستغرق استغراقا مطلقا في ذات الله فتتأتى المعارف مباشرة و تفيض المعرفة اليقينية و هذا لا يحصل إلا بمجاهدة النفس و الغاية من الاتصال بالله هي تحقيق السعادة الكاملة حيث ابن العربي " السعادة تتحقق عند الفلاسفة بمجرد اتصال الحكيم بالله دون اندماجه في الذات اللاهية" و يقول كذلك " من هذب في طاعة جسمه و ملك نفسه ارتقى إلى مقام المقربين فإذا لم يتق فيه من البشرية نصيب حل فيه روح الله في الذي كان في عيسى ابن مريم " و تأصيلا لكل ما سلف ذكره نخلص إلى القول إن الحقيقة المطلقة هي حقائق تتصف بالكمال و الثبات و الديمومة و لكن هل الحقيقة بهذا المفهوم توصلنا إلى المعارف و اليقين ?
*إن ما جاء به زعماء الموقف الأول في اعتبار أن الحقيقة مطلقة يظهر للوهلة الأولى صائب و لكن الانتقادات الكثيرة التي وجهت لهم جعلت رأيهم هذا خاطئ فقد بالغوا كثيرا في إعطاء العقل السلطة المطلقة كمعيار للحقيقة المطلقة متجاهلين أن العقل مثلما يصيب قد يخطئ فالعقلاء أنفسهم يخطئون فالحقيقة التي يتكلم عنها الفلاسفة موجودة ضمن العديد من المذاهب النفعية و العقلية الواقعية و الوجودية إلى هذا التعدد في التفسيرات و في النزاعات أخرج الحقيقة من مطلقيتها إلى جزئيتها و ثباتها التي تغيرها و من الاتفاق إلى التناقض .
*جملة الانتقادات السالفة الذكر تقودنا للحديث عن نوع أخر من الحقيقة التي تدخل بوصفها مصطلحا مطلقا في إمكانات هائلة و طرق متعددة من الصيرورة المستمرة التي لا تعرف الثبات لأنها تكون في حالة إعادة و تعديل مفاهيمها فما كان خيالا بالأمس البعيد أصبح اليوم حقيقة نسبية و ما اراه أنا حقيقة راسخة في معتقدي و ديني قد لا يكون حقيقة خارج إطار هذا المعتقد و ما يعتقد به مجتمع من حقائق قد تبدو لهم ثابتة لا يعتقده مجتمع آخر و ما ترسخ من تصورات علمية قد يتقنه العلم الحديث بدراساته التحليلية و من بين الفلاسفة الذين تبنو هذا المفهوم النسبي للحقيقة زعماء الفلسفة البراغماتية بيرس و ويليام جيمس و جون دوي و زعيم الفلسفة الوجودية جون بول ساتر و فلاسفة العلم الحديث انشتاين ديراك أديسن و هبرنبرغ و غاستون باشلار فقد أكد هؤلاء الفلاسفة أن الحقيقة ذات طابع نسبي متغير قد تأتي هذه المعارف في غالب الأحيان على أنقاض معارف غير حقيقية أخذ بها لسنوات فالحقيقة النسبية متغيرة بحسب الزمان و المكان و اختلاف الأمم و الشعوب و بيان هذا التطرق لبعض أراء الفلاسفة استنادا إلى أنشتاين الذي يرى أن كل الحقائق التي أفرزها العلم تتضمن نسبة من الخطأ جعلتها عرضة للشك و الضن سواء في الرياضيات و في علوم المادة حيث تجد الحقيقة النسبية عند البراغماتيين أمثال بيرس و ويليام جيمس يؤكد كل واحد منهم أنه لا وجود لحقيقة مطلقة و إنما الموجود هو الحقيقة النسبية تختلف من شخص إلى أخر و من زمان إلى آخر و من مكان إلى آخر فالحقيقة تقاس بالتناغم العقلي بين الرغبة و الموجود أي أن الحقائق تكسوها المنفعة حيث يقول ويليام جيمس " إنني أستخدم البراغماتية بمعنى أوسع أعني نظرية خاصة في الصدق " فالصدق و الحقيقة كلمتان مترادفتان الأمر الذي يجعل من الصدق أكيد للنجاح و الكذب أية للفشل فالتنسيق الذي تبناه البراغماتيين واضح المعالم ينطلق من فكرة الواقع العملي (المنفعة) ليحكم على هدف الأفكار و الحقائق و على هذا الأساس فأن المعارف لا يمكن أن تكون مطلقة فهي نسبية بنسبة معيارها و على هذا يقول ويليا جيمس " الحقيقة و المنفعة طرفان لخيط واحد و الحقائق الكلاسيكية كالأسلحة القديمة يعلوها الصدأ و تعد قديمة " و تعزيزا لهذا الموقف فأن تطور الرياضيات من المفهوم الكلاسيكي الذي ينطلق من البديعيات و التعريفات الذي تصدر منا صادقة صدقا عقليا و بالتالي مطلقا جعل هذا المفهوم يتلاشى و يضمحل حيث أن الرياضيات الحديثة أدحضت كل تلك المبادئ الرياضية العقلية و أنجز عن ذلك رياضيات حديثة تمثلت في هندسة لوبا نسيتسكي ورمان ثم إن التطبيقات العملية للرياضيات هي جعلت منها علم نسبي مجرد من أي إطلاق فقد تراجعوا الرياضيين المحدثين عن العديد من المبادئ كالبديهيات التي كانت تحمل مفاهيم اللانهاية. و التعريفات التي طالما أعتقد بأنها معرفة مطلقة و قد عبر رونيه ديكارت نفسه عن إمكانية حدوث هذا التقييم في المفاهيم الرياضية بقوله " من يدري ربما سيأتي بعدي من يثبت لكم بأن مجموع زوايا المثلث لا يساوي 180° " و لعل التطرق للدحض و الرفض الذي واجهه علماء العلم الكلاسيكي من نشأته أن يعجل جعل الحقائق نسبية و أن الطبيعة تخضع لنظام غير ثابت عكسيا ما كان ينتقده علماء النظريات الفيزيائية الكلاسيكية فمع نهاية القرن التاسع عشر و ظهور القرن العشرين و مع ظهور العلم و ظهور الفيزياء الحديثة أصبح الدفاع عن مبدأ الحتمية المطلقة و الذي يقتضي أية من توفرت نفس الشروط أتت إلى نفس النتائج أمر مستحيل ذلك لأن الكون يخضع لمبدأ الحتمية النسبية و منها هذا المبدأ أية قد تتوه و نفس الشروط و لكن لا تؤدي إلى نفس النتائج و هذا ما عبر عنه هيزنبرغ حين قال " إن الطبيعة كثيرا ما تجد نفسها في مفترق الطرق فعليها حساب الاحتمالات " و قال أيضا " إن الوثوق في مبدأ الحتمية أصبح و هما ذلك لأن الطبيعة لا تخضع للنظام الثابت و لا تخضع لقوانين مطلقة و بالتالي الحتمية المطلقة ذلك لأن لا وجود لشروط مطلقة المحدثة للظواهر" و هذا ما جعل ادنشقرن يقول " لقد أصبح الدفاع عن مبدأ الحتمية المطلقة مستحيلا " فالعلم المطلق إذن مجرد مسلمة عقلية لا يمكن البرهنة عليها و بالتالي قد تحتمل الصدق و قد تحتمل الخطأ و هذا ما يمثل الحقيقة النسبية و قد عبر عن هذا اينشتاين حيث نسبية الحقيقة تمثال الرخام المنتصب وسط الصحراء تعصف به الرياح بعواصف الرمال و لا يمكن أن يحافظ على نعامته تتضوء الشمس إلا إذا تدخلت الأيادي النشيطة التي تنفض الغبار عنه باستمرار فالحقائق النسبية تأتي على أنقاض حقائق أخرى سواء تصحيح لأخطائها أو التعديل عنها و لعل ما قاله نفس الباحث أنشطاين أحسن دليل على أن الحقائق تجردت من المطلقة و اتخذت النسبية أساسا لها حيث قال " كلما اقتربت القوانين من الواقع أصبحت غير ثابتة و كلما اقتربت من الثبات أصبحت غير واقعية " إضافة إلى هذا فأن العديد من الباحثين قد تراجعوا عن أرائهم على أساس أن كل الحقائق التي أفرزها العلم تتضمن نسبية عن الخطأ نتركها عرضة للشك و الارتباك في جل العلوم و من بينهم الباحث البيولوجي كلود برنارد حين قال " يجب أن نكون مقتنعين بأننا لا نمتلك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجه تقريبي كثيرا أو قليلا و أن النظريات التي نملكها هي أبعد من أن تشل حقائق ثابتة أنها حقائق نسبية جزئية مؤقتة " كما يؤكد الايستمولوجي صاحب نظرية المعرفة غاسنوز أن العلم الحديث في حقيقة الأمر معرفة تقريبية و التطورات الحاصلة فيه هدفنا دائما بلوغ الدقة و اليقين و هذا ما أثبتته في كتابه التحليل الكيميائي للنار حين أقر ان الطبيعة بين المعارف القديمة و الحديثة شرط للموضوعية و نجد الفكرة نفسها عند صاحب الفلسفة الوجودية جون بول سارتر الذي يؤكد أن حقيقة الإنسان هي انجازه لماهيته لأنه في بداية الوجود لا يملك ماهية فهو محكوم عليه ان يختار مصيره فلابد من ممارسة التجربة الذاتية القائمة على الشعور حتى يجمع بين الحياة و الموت إذن الحقيقة تكمن في الجمع بينهما و هجره العقل و الغوص في الذات الشاغرة فالشعور وحده هو مصدر الحقيقة فلا وجود للحقائق إلا تلك التي تشعر بها فالشعور هو نقطة الانطلاقة لكل علم و فن و فلسفة و إذا كان الشعور حالة ذاتية الأمر الذي يجعلنا نقر بأن الحقيقة نسبية كما يمكن سحب هذا الرأي للموقف الإسلامي الذي يدعو الإنسان إلى المستقبل و يدعوه إلى البحث و المعرفة و عدم التسلم بالعرف و التقليد الأعمى الذي لا يستند إلى المعرفة الموضوعية القائمة على معطيات كالنص الديني و الوحي و العقل مصدقا لقوله تعالى " يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون " و نجد هذا الموقف واضحا جليا في قول الفارابي" إن الوقوف على حقائق الأشياء ليس في مقدور البشر و نحن لا نعرف من الأشياء إلى عوارضها " كما أن المتصور لا يستطيع أن يصل إلى درجة الكمال فالحقيقة عند لمعطى ذاتي يختلف باختلاف مقاماتهم فهناك الزاهد العابد العارف فكلها يجمع بينهم هو الاختلاف فأخرجوا الحقيقة من نفوذ المطلقة إلى النسبية و لا نخل بالرأي لو تعرضنا إلى المواقف المختلفة التي يمكن لحظها عند الفلاسفة الكلاسيكيين خاصة في مفهوم الحقيقة فتباينت أرائهم في إعطاء لمفهوم الحقيقة بالرغم من القيم يتفقون حول فكرة المطلقة فالفيلسوف الألماني أفلاطون على أنها كائنات انطوليجية خالدة و يعرفها أرسطو بأنها جوهر يختفي وراء المظهر و بينهما ديكارت يعرفها على أساس الشك ....ومن هذه التعاريف المختلفة ألا بدل هذا على أن الحقيقة في طبيعتها نسبية قابلة للشك جزئية ناقصة .
*المتأمل لهذا الرأي يجد أنهم استند إلى العديد من الأدلة جعلت أفكارهم صادقة و لكنهم مادو كثيرا حين أعطوا السلطة للذات الإنسانية في إدراك الحقائق الإنسانية كالذات الشاعرة و الذات النفعية متجاهلين تماما أن الإنسان ذو أبعاد أخرى اجتماعية و عقلية و حتى سياسية و يزيد هذا الموقف عيبا هو أن جميع الفلاسفة الذين تبنوا فكرة نسبية الحقائق يجمع بينهم التناقض و هذا راجع إلى الاختلاف في المرجعيات و نسق كل فيلسوف
فأين نجد نسبية الحقائق في ظل هذا التباين.
*تحملنا الإشكالية السالفة الذكر إلى ضرورة التأكيد أن الحقيقة كموضوع و مفهوم لاقت أهمية كبيرة في الدراسة نظرا لكثرة الآراء و تباينها بالتحليل الذي قدم في هذه المقالة قد تكون مطلقة أزلية لا تتغير كحقيقة الله و لكن هذا لا يعني أن ننفي نسبيتها ذلك لأن الإنسان محدود القدرات العقلية فلا يستطيع العقل أن يدرك الأشياء إدراكا كليا فالحتمية الآنية هي خطوة نحو الحقيقة اللاحقة بما نلمسه من تغير في المواقف و الاتساق و الأسس في النظريات الفلسفية و حتى العلمية تدعونا إلى التأكيد و بصفة مطلقة أن الحقيقة نسبية فالحقيقة إذا تبدأ مطلقة و تنتهي نسبية و أمام هذا التحليل السابق نستنتج أن الدارس لموضوع الحقيقة يكتسب حقيقة غاية في الموضوع تكمن في ان طبيعتها من بين المواضيع الفلسفية التي احتلت مكانة راقية و سياسية من الدراسات دارت في مجملها حول مفهومها و معاييرها و طبيعيتها و لعل التعرض للآراء السالفة الذكر يجعلنا نجيب دون إطالة و بعبارة جد مركزة و بعبارة لا يتمادى فيها اثنان أنه لابد أن يؤمن بنسبة الحقائق مع تهذيب مطلقيها فالحقائق ذات أصول فلسفية و علمية و رؤى دينية مرتبطة بالواقع العلمي و العلمي الاجتماعي النفسي للإنسان لا تتأتى للفرد إلا إذا وضعها بين النسبي و المطلق .
انتضروني في مواضيع اخرى والقادم احلى
hatem.kais