نصيحة أمٍّ لابنتها
قالت أمامة بنت الحارث لابنتها حين أرادوا أن يحملوها إلى زوجها: «أيْ بُنيَّةُ إنَّ الوصيَّة لو تُرِكت لِفَضل أدبٍ تُرِكتْ لذلك منكِ، ولكنَّها تذكرةٌ للغافل، ومعونةٌ للعاقل، ولو أنَّ امرأةً استغنت عن الزوج لغِنى أبويها وشدَّة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناسِ عنه، ولكنَّ النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهنَّ خُلِق الرجال، أيْ بُنَيَّةُ إنكِ فارقتِ الجوَّ الذي منه خرجتِ، وخلَّفتِ العُشَّ الذي فيه درَجتِ، إلى وَكْرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فأصبَحَ بملكه عليكِ رقيبًا ومليكًا، فكوني له أَمَةً يكنْ لكِ عبدًا وشيكًا، يا بُنَيَّةُ احْمِلي عنِّي عشرَ خِصالٍ يَكُنَّ لكِ ذخْرًا وذِكرًا: الصحبةَ بالقناعة، والمعاشرةَ بِحُسن السمع والطاعة، والتعهُّدَ لموقع عينيه، والتفقُّدَ لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منكِ على قبيحٍ، ولا يشُمَّ منكِ إلَّا أطيبَ ريحٍ، والكحلُ أحسن الحُسن، والماء أطيب الطيب المفقود، والتعهُّدَ لوقت طعامه، والهدوءَ عنه حين منامه، فإنَّ حرارة الجوع ملهبةٌ، وتنغيص النوم مبغضةٌ، والاحتفاظَ ببيته وماله، والإرعاءَ على نفسه وحَشَمه وعياله، فإنَّ الاحتفاظ بالمال حُسْنُ التقدير، والإرعاءَ (الإبقاء) على العيال والحَشَم حسنُ التدبير، ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا، فإنكِ إن أفشيتِ سرَّه لم تأمني غَدْرَه، وإن عصيتِ أَمْرَه أَوْغَرْتِ صدرَه، ثمَّ اتَّقي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحًا، والاكتئابَ عنده إن كان فَرِحًا، فإنَّ الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا، يكنْ أشدَّ ما يكون لكِ إكرامًا، وأشدَّ ما تكونين له موافقةً أطولَ ما تكونين له مرافقةً، واعلمي أنكِ لا تَصِلِين إلى ما تُحبِّين حتى تُؤْثِرِي رِضاه على رِضاكِ، وهواه على هواكِ، فيما أحببتِ وكرِهتِ واللهُ يَخِير لك...» فَحُمِلتْ إليه فَعَظُمَ موقعُها منه وولدتْ له الملوكَ السبعةَ الذين ملكوا بعده اليمنَ.
[«بلوغ الأرب» للألوسي (ظ¢/ ظ،ظ©)]
المصدر موقع الشيخ فركوس حفظه الله