الغلو في التكفير والتبديع و التفسيق - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الغلو في التكفير والتبديع و التفسيق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-06-09, 05:24   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*ابو محمد الجزائري*
مشرف سابق
 
الأوسمة
المرتبة الاولى 
إحصائية العضو










New1 الغلو في التكفير والتبديع و التفسيق

الغلو في التكفير والتبديع و التفسيق

تمهيد:

يجب أن يعلم أن التكفير والتبديع والتفسيق لا يوصف بواحد منها إلا من وصفه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بها، فليس لأحد أن يكفر أحداً أو يبدعه أو يفسقه إلا بدليل شرعي، لما ثبت عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان) متفق عليه واللفظ لمسلم .
فجعل التكفير بحق هو ما قام عليه البرهان من عند الله تعالى. وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو كما جاء عن الله تعالى.
ويؤكد هذا المعنى ما ثبت عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه). متفق عليه واللفظ لمسلم .
والمكفر بغير حق من أخطر الناس ضرراً وشراً على الأمة وعلى الدين لما يترتب على غلوه في التكفير من سفك الدماء، وتشويه الإسلام والصد عن دين الله ولهذا كان من أعظم ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته المكفرون الغلاة فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه وكان ردءاً للإسلام غيّره إلى ما شاء الله فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك. قال قلت يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أم الرامي؟ قال: بل الرامي) رواه ابن حبان.وقال ابن كثير عن إسناده هذا إسناد جيد ، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد
وعليه فالتكفير والتبديع والتفسيق للمعين لا يجوز أن يصدر إلا من عالم تقي ورع يعلم ما يسوّغ إطلاق هذا الوصف، حتى لا يحكم به حاكم على من لا يستحقه، إما بسبب الجهل وإما بسبب الهوى، وبهذا يعلم غلط كثير ممن اشتغل بتكفير المعينين أو تبديعهم وهو لا يزال في أوائل الطلب، لأنه من أسباب ظلم الناس، وشيوع الفتن والفرقة بين المسلمين بغير مسوغ شرعي.
ومن صور الغلو في التكفير اليوم الصور التالية:

1- تكفير مرتكب الكبيرة.

تنقسم الذنوب عند أهل السنة والجماعة إلى كبائر وصغائر، كما قال تعالى {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} (31) سورة النساء وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم
والكبيرة في التعريف المشهور عند أهل العلم: كل ذنب ختم بلعنة أو نار أو غضب أو براءة أو رتب عليه حد أو وعيد خاص.
ومن أمثلة الكبائر: عقوق الوالدين، وقطع الرحم، وشرب الخمر، والزنا واللواط، وشهادة الزور والقتل بغير حق، وأكل الربا، والحكم بغير ما أنزل الله بدون استحلال.
والكبائر لا تكفر إلا بالتوبة منها.

حكم مرتكب الكبيرة:

1- مذهب أهل السنة والجماعة أنه مؤمن ناقص الإيمان، ويسمونه مسلماً فاسقاً. فلا يثبتون له الإيمان الكامل، ولا ينفون عنه أصل الإيمان. لأن الله عز وجل قد أثبت لمرتكب الكبيرة الإيمان فقال في القاتل بغير حق { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } (178) سورة البقرة. فأثبت الله تعالى الأخوة الإيمانية بين القاتل وأولياء الدم. وقال تعالى {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (9) سورة الحجرات فأثبت لهما وصف الإيمان مع كونهما متقاتلتين.
وهكذا جاء في السنة النبوية ففي الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه قال فبايعناه على ذلك) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال وإن رغم أنف أبي ذر" .
فدلت هذه الأحاديث على أن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن شاء الله عز وجل عفا عنه، وإن شاء عذبه، لكن آخر أمره إلى الجنة، ولو كان يكفر بكبيرته لكان من أهل النار خالداً فيها مخلداً.
وأما الدليل على نقصان إيمانه بكبيرته فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم ، فلما نفى عنه الإيمان دل على أن إيمانه ليس بكامل. ولا يظن ظان بأن نفي الإيمان عنه نفي لإيمانه كله لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضاً ويبين بعضها بعضاً ، فلما ثبتت النصوص بإثبات الإيمان لمرتكب الكبيرة دل على أن النفي إنما هو لنفي الكمال الواجب لا نفي أصل الإيمان.
وقد خالف أهل السنة والجماعة في هذه المسألة ثلاث فرق ضالة وهي الخوارج والمعتزلة أهل الإفراط، والمرجئة أهل التفريط.
أما المرجئة:
فقالوا هو مؤمن كامل الإيمان، لم ينقص إيمانه بكبيرته شيئاً، وهذا القول ظاهر البطلان، لمصادمته عشرات النصوص من السنة والقرآن. ولمعارضته لإجماع السلف الصالح.
وسبب ضلالهم أنهم اعتقدوا أن الأعمال الصالحة ليست داخلة في حقيقة الإيمان، بل قالوا الإيمان تصديق القلب وقول اللسان فقط ، ولذا فلا يزيد الإيمان عندهم بالطاعة كما أنه لا ينقص بالمعصية.
وأما الخوارج:
فقالوا هو كافر في الدنيا كفراً أكبر مخرجاً له من الملة، وإذا مات دون توبة كان في الآخرة من أهل النار خالداً مخلداً فيها والعياذ بالله، وضلوا بسبب إعراضهم عن فهم السلف الصالح لنصوص الوعيد كقوله صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) الحديث. ففهم السلف أن النفي يتعلق بكمال الإيمان الواجب لا بأصل الإيمان كما تقدم بيانه آنفاً.
وأما المعتزلة:
فجعلوا مرتكب الكبيرة في الدنيا في منزلة بين الكفر والإيمان فأخرجوه من الإيمان لكنهم لم يدخلوه في الكفر، وأما في الآخرة فهو في النار خالداً مخلداً فيها فوافقوا الخوارج في هذا. والله عز وجل إنما قسم الناس إلى قسمين لا ثالث لهما فقال {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } (2) سورة التغابن.
وفي زماننا اليوم ظهر من يكفر ببعض الكبائر كمن يكفر [من يذكر فواحشه في شريط]، وكمن يكفر [الذين يتعاملون مع البنوك بالقروض الربوية]، وكمن يكفر [أصحاب الفنادق التي تبيع الخمور]، وكمن يكفر [الدولة المسلمة إذا كان فيها بنوك ربوية]، وكمن يقول إن [أعظم معصية حورب الله بها في أرضه ترويج المخدرات]، وغير ذلك مما يطول تعقبه، فهذا تكفير بفعل بعض الكبائر وليس باستحلالها، وربما يصل الحال بأصحابها مستقبلاً إلى التكفير بالكبيرة مطلقاً كالخوارج والعياذ بالله.

2- التكفير بفعل المباح:

ومن صوره ما صرحت به بعض التنظيمات التي استهوت كثيراً من شباب الإسلام في هذا العصر بتكفير كل بلد له عضوية في (هيئة الأمم المتحدة)، وهم تارة يجعلون علة التكفير موالاة الكفار وهذا سيأتي مناقشته في باب الولاء والبراء، وتارة يجعلون علة التكفير التحاكم إلى غير ما أنزل الله وهذا سيأتي بيانه في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، و غالباً ما يطلقون التكفير بهذا الانضمام مجرداً عن العلة وهذا ما سأناقشه في هذا المبحث
فأقول : هذا التكفير غاية في البطلان، وإسراف في الغلو لأنه تكفير بفعل مباح، إذ قد علم علماً قطعياً أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد المشركين واليهود وحالفهم فدل على أنه جائز _ إذا لم يوافق على فعل منكر، وللدولة العضو حرية الرفض لما لا تراه ملائماً _ فضلاً عن أن يكون كفراً مخرجاً من الملة.
ومما يقتضي الإباحة أن قوانينها غالباً قوانين تنظيمية للمنافع الدنيوية لا تشريعية، كالقوانين التي تنظم شؤون المرور، والتجارة والإدارة ونحوها، إذ المقصود الأكبر من هذه الهيئة إحلال السلم بين أعضائها، وتنظيم العلاقات السلمية بأنواعها السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وعلى هذا فتندرج عقودها تحت باب المعاملات والأصل في المعاملات الإباحة إلا ما ورد الشرع بحظره .
وهي كذلك من العادات وليست من العبادات المحضة، والعادات كما يقول ابن تيمية "هي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى" .
فلا يحرم إبرام العقود في إطار هذه المنظمات من حيث هو لكن يمنع الاتفاق على أمر محرم. لقوله صلى الله عليه وسلم (ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) .
ولو فرض أن الدولة الإسلامية دخلت في هذا التنظيم ووافقت على بعض القرارات المخالفة للشرع التي ما كان ينبغي لها أن توافق عليها فلا يسوغ القول بتكفيرها إلا بشروط معينة سيأتي بيانها إن شاء الله في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل.
إن المحرم على المسلمين موالاة الكفار، لا معاملتهم، بالبيع والشراء والإجارة، والهدنة والصلح، وحسن الجوار، ونحو ذلك مما دلت النصوص على جوازه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الكفار، ويبرم معهم عقود البيع والإجارة والمزارعة وعقود الصلح والهدنة والحلف كما حالف خزاعة وهي آنذاك على الشرك ، و وادع اليهود عند مقدمه المدينة وأبرم معهم اتفاقية حسن الجوار، والتناصر على من يبغي على أحد منهم وهم على كفرهم وشركهم ، وصالح قريشاً في الحديبية صلحاً في شروطه ضيم على المسلمين وإجحاف بهم، وذلك لما كان يرجوه صلى الله عليه وسلم من درء المفاسد التي هي أكبر وأشد، وجلب المصالح التي هي أعظم من مصلحة جهاد قريش آنذاك. فهذا لا ينكره إلا جاهل أو مضل.
وإضافة إلى إبرام النبي صلى الله عليه وسلم عهود الصلح والحلف بينه وبين المشركين فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالوفاء بأحلاف الجاهلية التي أسست على العدل ونصر المظلوم، وفي الأمر بالوفاء بها دليل على إباحة محالفتهم بالشرط المتقدم ذكره فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: (أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده يعني الإسلام إلا شدة ولا تحدثوا حلفاً في الإسلام) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، وأخرج مسلم في الصحيح عن جبير بن مطعم مرفوعا (لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ) فنهى عن الحلف في الإسلام وأمر بالوفاء بأحلاف الجاهلية.
والمقصود بقوله (لا حلف في الإسلام) أي الحلف الذي يتضمن محظوراً فقد سأل عاصم الأحول أنس بن مالك فقال له : "أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري " رواه البخاري .
قال الطبري: " ما استدل به أنس على إثبات الحلف لا ينافي حديث جبير بن مطعم في نفيه فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة وكانوا يتوارثون به ثم نسخ من ذلك الميراث وبقي ما لم يبطله القرآن وهو التعاون على الحق والنصر والأخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس: إلا النصر والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث" .
وكلام ابن عباس هذا أخرجه الطبري أيضاً في التفسير عند قوله تعالى { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } (33) سورة النساء فقال :
"وقال آخرون بل نزلت هذه الآية في أهل العقد بالحلف ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث.
ذكر من قال ذلك حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا إدريس الأودي قال حدثنا طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من النصر والنصيحة والرفادة ويوصي لهم وقد ذهب الميراث" ثم قال:
"عن مجاهد [والذين عقدت أيمانكم ] قال : كان حلف في الجاهلية فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والنصرة والمشورة ولا ميراث" .
وقال العلامة المباركفوري في شرحه لحديث(أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده يعني الإسلام إلا شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام):
" قوله (أوفوا) من الوفاء وهو القيام بمقتضى العهد (بحلف الجاهلية) أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع لقوله تعالى (أوفوا بالعقود) لكنه مقيد بما قال الله تعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (2) سورة المائدة (فإنه) أي الإسلام (لا يزيده) أي حلف الجاهلية الذي ليس بمخالف للإسلام (إلا شدة) أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به انتهى
ومن النصوص الواردة في الوفاء بأحلاف الجاهلية وعهودها حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شهدت حلفاً إلا حلف قريش من حلف المطيبين وما أحب أن لي به حمر النعم وأني كنت نقضته) .
ومنها حديث طلحة بن عبد الله بن عوف مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت)
وقال صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قبل أن يعاهد قريشاً على الصلح : (والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها) .
وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل قال فأخذنا كفار قريش قالوا إنكم تريدون محمداً فقلنا ما نريده ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر فقال: انصرفا. نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم" .
فهذه النصوص واضحة في وجوب الوفاء بأحلاف الجاهلية المبنية على العدل، لأن الإسلام يحث على ذلك ويؤيده، فيستفاد منه جواز ابتداء الحلف معهم إذا كان فيه مصلحة للمسلمين و(هيئة الأمم المتحدة) منظمة دولية قصد بها في الأصل _ حسب ما يظهر من مقاصدها المعلنة في ميثاقها _ اتفاق أعضائها على الأخذ على يد الظالم، وتجنب الحروب وإشاعة السلم في العالم، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وهي مبادئ يقرها الإسلام في الجملة، ويؤيدها، ومما جاء في ميثاق الأمم المتحدة (المادة الأولى)ما يلي:
[مقاصد الأمم المتحدة هي:
1- حفظ السلم و الأمن الدولي وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، ولقمع العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
2- إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها وكذلك اتخاذ التدابير الملائمة لتعزيز السلم العام.
3- تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
وجاء في المادة الثانية:
3- يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.
4- يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ] .
فتعاهد المسلم مع الكافر على ترك العدوان بغير حق، وعلى حل النزاعات بالطرق السلمية ونحو هذا مما لا محظور فيه فضلاً أن يكفر من فعله.
ولا ينكر أن في قرارات هيئة الأمم وبعض الفقرات التي تتضمنها مقاصدها ما لا يجوز شرعاً ولكننا نرى الدولة السعودية وفقها الله _ وهي التي نالها النصيب الأوفى من التكفير _ لا توقع على تلك القرارات ولا تقرها وهذه منقبة عظيمة لولاة أمرها نسأل الله أن يزيدهم من فضله وتوفيقه وتأييده .
إن هذه الهيئة مع ما فيها من الشرور إلا أن الانضمام إليها يحصل به من جلب المنافع ودفع المفاسد الشيء الكبير الذي لا يمكن بيانه في هذه الرسالة المختصرة، إذ بهذه التنظيمات تنتظم العلاقات السياسية ولاقتصادية والتعليمية وغيرها ، ويندفع بها شر كبير عن بلاد المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قبل شروط قريش في الحديبية مع ما فيها من الضيم والنقص على المسلمين لكن لما رجا النبي صلى الله عليه وسلم من دفع المفاسد التي هي أكبر من تلك الشروط ولما رجا من المصالح التي هي أعظم من دخولهم البيت في عامهم ذلك وافق عليها، وفي هذا يقول العلامة رشيد رضا رحمه الله في تفسير المنار عند قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً }
"وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر فجوازها لأجل منفعة المسلمين يكون أولى، وعلى هذا يجوز لحكام المسلمين أن يحالفوا الدول غير المسلمة لأجل فائدة المؤمنين بدفع الضرر أو جلب المنفعة " .
وقد عاب رشيد رضا في زمنه على قوم كفروا إمامهم بسبب التقائه بالإنكليز ومواكلتهم فقال ( يزعم الذين يقولون في الدين بغير علم ويفسرون القرآن بالهوى في الرأي أن آية آل عمران وما في معناها من النهي العام والخاص كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } (51) سورة المائدة . يدل على أنه لا يجوز للمسلمين أن يحالفوا أو يتفقوا مع غيرهم وإن كان الحلاف أو الاتفاق لمصلحتهم، وفاتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محالفاً لخزاعة وهم على شركهم، بل يزعم بعض المتحمسين في الدين على جهل أنه لا يجوز معاملة غير المسلم أو معاشرته أو يثق به في أمر من الأمور، وقد جاءتنا ونحن نكتب في هذه المسألة إحدى الصحف فرأينا في أخبارها البرقية أن الأفغانيين المتعصبين ساخطون على أميرهم أن عاشر الإنكليز في الهند، وواكلهم ولبس زي الإفرنج، وأنهم عقدوا اجتماعاً حكموا فيه بكفره، ووجوب خلعه من الإمارة فأرسلت الجنود لتفريق شملهم، فأمثال هؤلاء المتحمسين الجاهلين أضر الخلق على الإسلام والمسلمين، بل أبعد عن حقيقته من سائر العالمين) . اهـ
وبهذا التقرير من الشيخ رحمه الله يتبين أن دخول الدولة المسلمة في هيئة الأمم أو ما شاكلها من المنظمات لا حرج فيه لما يترتب عليه من المصالح الكبيرة شريطة أن لا توقّع بالموافقة على ما فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن أختم هذا المبحث أنبه إلى أن أحداً من الأئمة السلفيين المعاصرين لم يكفر الدولة المسلمة بانضمامها إلى هذه المنظمات حسب ما أداني إليه بحثي، ولو كان من المكفرات لبادروا إلى بيانه ولو مرة واحدة، فدل سكوتهم على أنهم لا يرون به بأساً، وهذا الظن بهم، ومن هنا يعلم أيضاً أن المكفرين بهذه العلة من غلاة العصر وطغاته والله الموفق.
3- التكفير بما يحتمل كونه كفراً وكونه معصية:
ومن صور الغلو المقيت تكفير المعين بما يحتمل وجوهاً متعددة من التأويل كتكفير المسلم الذي ثبت إسلامه بيقين للقاصي والداني ثم لبس وساماً في حفل تشريف على أنه وسام، وقد تكون صورته تحتمل أن تكون صليباً وتحتمل غير ذلك ، فلا يجرؤ على تكفيره والحال هذه إلا مستخف بحرمات المسلمين، ومستخف بشريعة رب العالمين، لأنها قضية عين تحتمل الجهل بحكم لبس الصليب، وتحتمل عدم العلم بأن هذا الوسام صليب أصلاً. وواحد من هذه الاحتمالات يمنع القول بالتكفير، كيف وقد قيل إن الشخص المقصود أُخبر بالأمر فبادر إلى خلعه واستغفر الله ثم لا يزال المهووسون بالتكفير يشيعون تكفيره إلى يومنا هذا والعياذ بالله.
وتتميماً للفائدة فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي: يقول السائل : اختلفنا في المسلم الذي يلبس الصليب شعار النصارى فبعضنا حكم بكفره بدون مناقشة والبعض الآخر قال لا نحكم بكفره حتى نناقشه ونبين له تحريم ذلك وأنه شعار النصارى فإن أصر على حمله حكمنا بكفره.
ج:" التفصيل في هذا الأمر وأمثاله هو الواجب فإذا بين له حكم لبس الصليب وأنه شعار النصارى ودليل على أن لا بسه راض بانتسابه إليهم والرضا بما هم عليه وأصر على ذلك حكم بكفره لقوله تعالى { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة. والظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر… " .
4- التكفير بما يحتمل كونه كفراً أو معصية أو مباحاً:
ومن صور هذا الغلو ما حصل من تكفير بسبب ما يزعمونه معاونة للكفار على المسلمين في حرب الأمريكان لأفغانستان والعراق، وعلى فرض أنها معاونة للكفار على المسلمين فلا شك أنها حينذاك جريمة شنيعة، ومنكر عظيم لكن لا يسوغ التكفير به للمعين حتى يستفصل:
فإن حمله على معاونتهم كره الإسلام ومحبة الكفر والرغبة في ظهور الكفر وعلوه فلا شك في الكفر حينئذ.
وإن كان الحامل عليه المطامع الدنيوية مع اعتقاده الجازم بحرمة فعله فهذا على خطر عظيم لكنه لا يكفر بفعله هذا.
وإن كان فعله مضطراً ضرورة ملجئة فقد قال تعالى { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } (106) سورة النحل. فإذا عذر الله المؤمن على إظهار الكفر مع طمأنينة القلب بالإيمان في حال الإكراه فما دون ذلك أولى بالعذر، والدليل على هذا التفصيل قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا؟ قال يا رسول الله: لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) متفق عليه
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفره لأول وهلة بمعاونته الكفار على المسلمين، فدل على أن فعله هذا ليس كفراً في نفس الأمر، إنما يكون كفراً إذا كان الباعث عليه مكفر كالرضى بالكفر، إذ لو لم يحتمل إلا الكفر لما استفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أجاب رضي الله عنه بما يقتضي أنه إنما فعل ما فعل لمصالح دنيوية مع اطمئنان قلبه بالإيمان فقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره، وتوبته، وأخبر أن أهل بدر مغفور لهم، وهذا دليل آخر على أن عمله هذا ذنب من الذنوب، وليس بردة إذ لو كان ردة لما كان شهوده بدراً كفارة له. ومما يؤكد هذا المعنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً كما حصل لحاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ }(1) سورة الممتحنة. ) ا.هـ

5- التكفير العام (التكفير بمطلق الحكم بغير ما أنزل الله):

انتشر في هذا الزمان ما يسمى بتوحيد الحاكمية ويعني به أصحابه كفر كل من لا يحكم بالشريعة الإسلامية في قضايا الحدود، والأحوال الشخصية، ورتبوا عليه تكفير الدول التي تحكم بالقوانين الوضعية دون تفصيل، وغلا بعضهم فحكم بكفر شعوب تلك الدول لخضوعها لسلطانه حتى قال بعضهم:
(فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم – وهي مرادف الألوهية- سواء ادعوها كأفراد أو كتشكيلات تشريعية أو كشعوب فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة فليس لها إذن حق الحاكمية إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية وارتدت عن لا إله إلا الله فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية ولم تعد توحد الله وتخلص له الولاء . البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله) .
وهذه كلمات واضحة لا لبس فيها يصرح صاحبها بتكفير الشعوب الإسلامية اليوم حتى المؤذنين الذين يصدحون بكلمة التوحيد على المآذن لأن الحكومات لم تحكم بالشريعة، ولأن الشعوب رضيت بهذا الحكم كما يقرره الكاتب. ولا شك أنه غلو لم يقل به حتى الخوارج الذين ابتدعوا بدعة التكفير بالكبيرة.
والحكم بغير ما أنزل الله من أبشع الجرائم وأشنعها، وقد قال تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة. وهذه الآية يحتمل ظاهرها أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر كفراً أكبر ، لكن ابن عباس رضي الله عنه حبر الأمة وترجمان القرآن فسرها بأنه كفر دون كفر أي إن استحله فقد كفر، وإن لم يستحله لم يكفر، قال رضي الله عنه بعد أن تلا قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} . قال من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق
وقال أيضاً: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة . { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} . كفر دون كفر ". أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي فقال: صحيح .
وقال الترمذي: قد روي عن ابن عباس وطاووس وعطاء وغير واحد من أهل العلم قالوا : كفر دون كفر، وفسوق دون فسوق
وأيد هذا التفسير الإمام ابن القيم رحمه الله فقال: ( والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر، بحسب حال الحاكم، فإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه: فهذا مخطئ، له حكم المخطئين) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مفصلاً هذه المسألة:
"ومن حكم بغير ما أنز الله فلا يخرج عن أربعة أمور:
1- من قال أنا أحكم بهذا لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية فهذا كافر كفراً أكبر.
2- ومن قال أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية، فالحكم بهذا جائز وبالشريعة جائز، فهو كافر كفراً أكبر.
3- ومن قال أنا أحكم بهذا والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز فهو كافر كفراً أكبر.
4- ومن قال أنا أحكم بهذا وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز ويقول الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ولا يجوز الحكم بغيرها ولكنه متساهل أو يفعل هذا لأمر صادر من حكامه فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة ويعتبر من أكبر الكبائر" .

ثانياً: إذا ثبت كفر الحاكم بحكم أهل العلم الراسخين في العلم، فلا يلزم منه تكفير رعيته، ولا أعوانه، إذ لا يلزم من كونهم رعية له أنهم راضون بفعله، مقرون بجرمه، حتى ولو سكتوا لاحتمال كون سكوتهم وقاية منهم لدمائهم وأعراضهم، ولاحتمال جهلهم بالحكم، ولغير ذلك من الاحتمالات، ومن ثبت إسلامه بيقين لم ينف عنه إلا بيقين مثله.

6- الغلو في التبديع :

من الآفات التي ابتلي بها المسلمون في هذه الأعصار آفة الغلو في التبديع، حتى بلغ بأهله إلى تبديع أهل السنة بغير حق من مشايخهم وإخوانهم، وإلى هجرهم، والتحذير منهم، بل بلغ بطائفة منهم إلى تبديع ثلة من أئمة الإسلام وأساطينه، ممن لا غنى لأهل العلم عن دواوينهم ومؤلفاتهم لما حشدوا فيها من علوم الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح، و قد بدعوهم بسبب أغلاط وقعوا فيها نسأل الله عز وجل أن يغفرها لهم لما لهم من الجميل وقدم الصدق في خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وعدمُ التقريق بين أهل البدع وبين أهل العلم من أهل السنة الذين وقعوا في زلات هو الذي أدى إلى هذا الظلم الشنيع والتعدي المقيت على أولئك الأعلام وأدع الحديث في هذه القضية لسماحة شيخنا العلامة صالح بن فوزان حيث عالج هذه الظاهرة بقوله:
"البدعة عرفها أهل السنة والجماعة بأنها‏:‏ ما أحدث في الدين ما ليس منه، فمن جاء بعبادة يتقرب بها إلى الله، وهي لم تكن في دين الله، وليس لها دليل من الكتاب أو من السنة فهذه هي البدعة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد‏)‏ لأن الواجب على المسلمين أن يقتصروا على ما شرعه الله ورسوله من العبادات، فلا يزيدون شيئًا لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال -تعالى -‏:‏ ‏{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة /112‏]‏‏.‏
فأسلم وجهه لله يعني ‏:‏جاء بالتوحيد الخالص وهو محسن، أي متبع للرسول صلى الله عليه وسلم، عاملًا بما جاء به ،ولم يزد على ذلك، أما الذي زاد في العبادة شيئًا لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا مبتدع وليس محسنًا، لأن تفسير شهادة أن محمدًا رسول الله أي طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهي عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا يما شرع، فهذا مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله‏.‏
* كما قال الله -سبحانه وتعالى -‏:‏ ‏{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}‏ ‏[‏الحشر /7‏]‏‏.‏
‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}‏ ‏[‏الحجرات /1‏]‏‏.‏
* اذن المبتدع هو الذي أحدث في دين الله ما ليس منه بحيث لم يدل عليه دليل من القرآن أو من السنة، وليس المبتدع كل من خالف أو أخطأ في الاجتهاد، لأن المجتهد إذا أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد على اجتهاده‏.‏
والمقصود بالمجتهدين هم من تأهلوا للاجتهاد وتوفرت فيهم شروطه المعروفة، وكذلك إذا أخطأ عن تأويل، لأن التأويل شبهة تدرأ عنه الحكم بأنه مبتدع، ولأنه ظن أن تأوله سائغ، أو قلد من ظن أنه على حق فهذا يقال في حقه أنه أخطأ أو مخالف، ولا يقال‏:‏ أنه مبتدع‏.‏
دليل ذلك أن الصحابة -رضي الله عنهم - كانوا يجتهدون ويختلفون فيما بينهم في بعض المسائل، لم يبدع بعضهم بعضًا، ولم يهجر بعضهم بعضًا، بل كانوا إخوة متحابين متناصرين، لأنهم أمة واحدة، مع أنهم يختلفون في بعض الأمور والاجتهادات التي سمح بها الشرع بالاجتهاد فيها، والاستنباط منها‏.‏
فالعلماء لهم مكانتهم وقدرهم، ولذلك فإن ظاهرة التبديع إنما جاءت على لسان بعض الجهال أو المبتدئين في طلب العلم، لأنهم يعتبرون المتأول والمقلد مبتدعًا، بل أظهروا هذه المقالة، وصار بعضهم يبدع بعضًا فتعادوا وتقاطعوا وتدابروا، ولم يقتصر الأمر على ذلك فيما بينهم، بل تناول العلماء السابقين، فنجد هؤلاء الجهال يقولون‏:‏ ابن حجر مبتدع، النووي مبتدع، أبو حنيفة مبتدع، وغيرهم من كبار الأئمة، وذلك من أجل أخطاء في الاجتهاد لا تقضي أن نبدعهم، لأنها أخطاء جزئية، وهؤلاء العلماء لهم فضل في الإسلام وأمانة ومكانة - وقد قدموا للإسلام والمسلمين الكثير من الأشياء النافعة، فمؤلفاتهم وكتبهم ينتفع بها المسلمون في فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو قدر أن في كلام بعضهم شيئًا من الخطأ، فما لهم من مكانة وفضل وعلم في الإسلام وخدمة السنة النبوية تغطي هذه الجزئية الصغيرة، فيجب أن نعرف قدر علمائنا -سلفًا وخلفًا - وأن نترحم عليهم، وأن ندعو الله لهم كما قال -تعالى -‏:‏ ‏ {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } (10) سورة الحشر .
وهذه صفة أهل الإيمان، لأنهم لا يتلمسون العيوب والعثرات، أما غيرهم فيتبعون العيوب والعثرات وينشرونها، وهذه هي البدعة‏.‏
والبدعة ليست على حد سواء، فهناك بدعة مكفرة، وهناك بدعة دون ذلك، ومن هنا يجب أن نزن الأمور بموازينها، ونراجع أهل العلم في ذلك، لأنهم قسموا البدعة إلى قسمين‏:‏ بدعة مكفرة كمقالات الجهمية والغلاة من الفرق، وكذا المقالات التي تخرج من الإسلام، وبدعة دون ذلك يعد صاحبها من المسلمين لكن عنده شي من البدعة، فلا نجحف في حق الناس‏:‏ ‏{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ‏}‏ ‏[‏الأنعام /152‏] ‏‏.‏

7- الغلو في التفسيق:

ومن صوره تفسيق العالم إذا عرف عنه الدخول على الولاة، والدعاء لهم والثناء عليهم بالخير، والحث على السمع والطاعة لهم في المعروف، وهذا غلو وظلم وإفساد لأمر الدين والدنيا.
أما كونه غلواً فلأنه تفسيق بغير مفسق، إذ دخول العلماء على ولاة الأمور ليس فسقاً بل هو من أجلّ الأعمال الصالحة إذا كان بقصد نصحه ومشورته والتعاون معه على البر والتقوى، لما يترتب عليه حينئذ من المصالح العامة للناس في دينهم ودنياهم مالا يخطر على البال، ونحن ندعو للسلطان أن يرزقه الله البطانة الصالحة الناصحة وخير البطانة العلماء الناصحون الصادقون الذين يدخلون عليه ويناصحونه فهذا الصنف من العلماء يشكرون على دخولهم على الأمراء بهذا القصد ولا يذمون به، وليس من شرط العالم أن يخبر الناس بما قال للسلطان كما في حديث أسامة بن زيد وسيأتي إن شاء الله تعالى، ولكن كثيراً من الناس مبتلون بسوء الظن فلا يظنون بالعالم الذي يداخل السلطان إلا أنه يداخله لدنياه والعياذ بالله وقد قال عليه الصلاة والسلام (إياكم والظن فإنه أكذب الحديث) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
لقد كان جماعة من أئمة السلف وزراء لبعض أمراء المسلمين كالزهري، ورجاء بن حيوة، وكان منهم جماعة يدخلون عليهم ويناصحونهم وهذا حصل من جم غفير منهم. قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبى حدثني عبد المتعال بن صالح من أصحاب مالك قال قيل لمالك بن أنس: إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون؟! قال: يرحمك الله. فأين التكلم بالحق؟!.
وروى البخاري في صحيحه عن سالم قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج فجاء ابن عمر رضي الله عنه وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس فصاح عند سرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال ما لك يا أبا عبد الرحمن فقال الرواح إن كنت تريد السنة قال هذه الساعة قال نعم قال فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج فنزل حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي فقلت إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة وعجل الوقوف فجعل ينظر إلى عبد الله فلما رأى ذلك عبد الله قال صدق
قال ابن حجر في ذكر فوائد الخبر: وفيه مداخلة العلماء السلاطين وأنه لا نقيصة عليهم في ذلك
وأما كونه ظلماً فلما فيه من الطعن في أعراض العلماء، والطعن في عرض آحاد المسلمين بغير حق كبيرة من الكبائر، فكيف إذا كان الطعن في عرض عالم من علماء المسلمين!! يقول عليه الصلاة والسلام (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) .
وأما كونه إفساداً: فلأنه إذا أشيع الطعن في العلماء بالفسق والفجور والمداهنة ونحو ذلك زهد فيهم الناس، وأعرضوا عنهم لا يسألونهم، ولا يرجعون إليهم، ولا يأخذون عنهم، فيتصيدهم رؤوس الجهالة والضلالة فيفتونهم بغير علم فيحصل من الفساد ما لا يعلمه إلا الله والله المستعان.



من كتاب
الغلو و مظاهره في الحياة المعاصرة
تأليف
علي بن يحيى الحدادي









 


آخر تعديل *ابو محمد الجزائري* 2013-08-12 في 11:38.
رد مع اقتباس
قديم 2011-07-28, 22:43   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*ابو محمد الجزائري*
مشرف سابق
 
الأوسمة
المرتبة الاولى 
إحصائية العضو










افتراضي

اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علما










آخر تعديل *ابو محمد الجزائري* 2011-07-30 في 09:52.
رد مع اقتباس
قديم 2011-07-28, 22:56   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الغريبه..~
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الغريبه..~
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي












رد مع اقتباس
قديم 2011-07-29, 09:44   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*ابو محمد الجزائري*
مشرف سابق
 
الأوسمة
المرتبة الاولى 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايناس نور الاسلام مشاهدة المشاركة


شكرا على مرورك الطيب









رد مع اقتباس
قديم 2011-07-29, 10:06   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
LALWAYN
عضو جديد
 
الصورة الرمزية LALWAYN
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2011-07-29, 10:31   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محــ الأمين ــــــــمد43
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية محــ الأمين ــــــــمد43
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااااااااااااااااااااااااا جزيلااااااااااااااااااااااا










رد مع اقتباس
قديم 2011-07-29, 11:22   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
fatimazahra2011
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية fatimazahra2011
 

 

 
الأوسمة
وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي






















رد مع اقتباس
قديم 2011-07-29, 11:54   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك على هذا الموضوع و جزاك الله كل الخير










رد مع اقتباس
قديم 2011-07-29, 18:27   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*ابو محمد الجزائري*
مشرف سابق
 
الأوسمة
المرتبة الاولى 
إحصائية العضو










افتراضي

و فيكم بارك الله و شكرا على مروركم الطيب










رد مع اقتباس
قديم 2011-07-29, 19:15   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
نور على نور
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية نور على نور
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2011-07-30, 09:50   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*ابو محمد الجزائري*
مشرف سابق
 
الأوسمة
المرتبة الاولى 
إحصائية العضو










افتراضي

و فيك بارك الله
و آمين على دعاءك










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التفسيق, التكفير, الغلو, والتبديع


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:53

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc