حب الوطن ـ مطلقاً ـ من الايمان، هذا حديث باطل منكر، لا يصح متنا ولا سندا، ولكن ربما يصح معناه إذا كان الوطن بلاد إسلام، فمفهوم الوطن المعاصر يستلزم وحدة اقليمية بحدود جيوسياسية سيادية تخضع لنظام حكم دولة، اما البلاد الاسلامية فهي الأرض الخاضعة لحكم المسلمين في سلطتهم ويعيش المسلمون فيها كأغلبية، وتسري الأحكام فيها كالخراج والحدود والجزية...الخ. المشكلة أن الوطن اليوم أصبح يفهم ويرى كأنه صورة تشكيلية، بقع من الألوان ملطخة ومطلية بشكل إعتباطي عشوائي، لكن هناك من يعجبه ذلك ويرى أنه فن! بل ولا يقدر ثمن اللوحة بشئ، فمن أين هذه القداسة؟ ومن أين هذا التقدير؟ لو كان الوطن يبجل ويمجد لجمال صورته وبهاء مناظره، فالمنطق الشمالية في الجزائر مثلا اجمل من الصحراء والهضاب الوسطى فهل نحب الشمال ونترك حب الجنوب؟ عجيب! إذا نحبه لسكانها؟ فلبنان لا ينبغي ان يحبها المسلم لأن ولاءه لدينه يمنعه من حب شريكه الوطني الماروني أو الماسوني أو الكاثوليكي أو الأرمني او العلماني... وكذلك المصري لا يجوز له شرعاً حبّ القبطي الأرثوذكسي والعلماني الملحد، وبالتالي هل يصلح حب جزء من الوطن وبغض جزء آخر؟ فأين الوحدة الوطنية بمفهومها الحديث وما هي الرابطة القدسية في ذلك؟ إن المفهوم العلماني الحداثي المعاصر أشاع عزل الدين عن تصور الوطن الاسلامي كما كان قديما تحت ظل الخلافة، وإنتهج في مناهج التعليم سياسة تغيير المفاهيم العامة والضرورية لإجابة الأسئلة العريضة لشريحة كبيرة من المجتمع الواعي، ولأن الانسان لا يحب الضياع في التفصيلات، يكتفي بالمفهوم الفضفاض، ويلفق عليه بطلاسم الشعر والأغاني الوطنية والإعلام الداعم للنزعة سواء كان داعما او معارضا للسلطة الحاكمة. التغيير الذي يطمح إليه الناس اليوم ليس في إعادة الحياة إلى ما كنت عليه في عصور الخلافة، إنما للإمعان في الغرق والذهاب بعيدا جدا عن جوهر السياسة الشرعية بتكريس مبادئ طارئة وضعية كالديمقراطية، التي تعيب إقصاء مواطن، وتشركه في الساسة التي هي أكبر منه، وتمجد الحزبية، وتبرر آليات الباطل كالمظاهرات والإنتخابات والإضرابات.