درس / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

درس / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-02-10, 00:52   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
fredoom
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

مشكووووووووووووووووور









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-02-12, 20:51   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(6) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)


اختصارُ درسِ الثالث عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)


* الْغَزَوَاتُ الْكِبَارُ الْأُمُّهَاتُ سَبْعٌ: بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، وَالْخَنْدَقُ، وَخَيْبَرُ، وَالْفَتْحُ، وَحُنَيْنٌ، وَتَبُوكُ ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
* غزواتُ بدرٍ ثلاث: غزوة بدر الأولى، وغزوة بدر الكبرى، وغزوة بدر الأخرى.
* غزوة بدرٍ الكبرى: وهي الوقعةُ العظيمةُ التي فرَّق الله فيها بينَ الحق والباطل وأعزَّ الإسلامَ، ودمغ الكفرَ وأهلَه، وكانت في رمضان من السنة الثانية.
* سبب الغزوة: بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن عيراً عظيمة تحمِلُ أموالاً جزيلةً لقريش مقبلةً من الشام صحبةَ أبي سفيان، في ثلاثين أو أربعين رجلاً، ولم يخرج صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقتال الكفار.
* عدد المسلمين يوم بدر والمشركين: ندب صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، وأمر من كان ظهرُه حاضراً بالنهوضِ، ولم يحتفلْ لها احتفالاً كثيراً، إلا أنه خرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ففي صحيح مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا.. الحديث . ولم يكن معه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الخيل سوى فرس الزبير، وفرس المقداد بن الأسود الكندي كذا يذكر أهل السير ، ولكنه جاء في مسند أحمد عَنْ عَلِيٍّ ابن أبي طالب رضي الله عنه : "...وَمَا كَانَ مِنَّا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ" والحديث في الصحيح المسند لوالدي رحمه الله . وقد جزم الحافظ في التقريب في المسألة وقال: لم يثبت أنه شهدها فارس غير المقداد.

وكان من الإبل سبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة فأكثر على البعير الواحد.
حتى إنه ثبت في مسند أحمدعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: " مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا " .
* استخلاف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المدينة: ابن أم مكتوم، ولما كان بالروحاء ردَّ أبا لبابة بن عبد المنذر.
* بعثُ ضمضمِ بن عمرو الغفاري إلى مكةَ مستصرخًا مستنجدًا بقريش: لما بلغ أبا سفيان مخرجُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتلقي العير بعث ضمضما فنفرَ قريش مسرعين لحماية أبي سفيان وقافلته. ولم يتخلف من أشرافهم إلا أبو لهب، وبنو عدي من قريش فوردوا ماء بدر وجمع الله بين المسلمين والمشركين على غير ميعاد، ولو كان بينهم ميعاد لاختلفوا وما يتم ما أراد الله سبحانه وتعالى ولله الحكمة البالغة، كما قال عز وجل: ﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [الأنفال:42]. وفي الصحيحين عن كَعْب بن مالك قال: "...حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ ..." الحديث.
* استشارة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه لما بلغه خروج قريش: فتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا، ثم استشارهم وهو يريد ما يقول الأنصار. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كما في صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ بن مالك: "...فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا...) الحديث.
وفي ذكر سعد بن عبادة في رواية مسلم إشكالٌ لأن سعدبن عبادة لم يشهد بدرا والمعروف أنه سعد بن معاذ .وقد قال الحافظ في فتح الباري (3952): وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ مَا بَلَغَهُ خَبَرُ الْعِيرِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ وَالثَّانِيَةُ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ ذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ .اهـ.وهذا معدود في فضائل الأنصار وجاء أن المقداد بن الأسود قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ» يَعْنِي: قَوْلَهُ" رواه البخاري .
* السبب في استشارة الأنصار: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بايع الأنصار على أن يؤووه، ويمنعوا منه كما يمنعون من نسائهم، وأنفسهم، وأموالهم، أي: في ديارهم. فلم يكن في البيعة الخروج من المدينة لغزو الكفار.
* قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ...﴾ [الأنفال:7].
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) الطائفتان: العير والنفير. (العير) قافلة أبي سفيان، وكان معه عمرو بن العاص ومجموعة من أصحابه. (والنفير) الذي نفروا من مكة لحماية قافلة أبي سفيان.(فالرسول صلى عليه وعلى آله وسلم لما بلغه خروج النفير أوحى الله إليه يعده إحدى الطائفتين :إما العير وإما النفيركما في تفسير ابن كثير).
(وَتَوَدُّونَ) أي تتمنون. (أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) غير ذات الشوكةهي العير.
* السبب في ميل الصحابة لعير أبي سفيان: قال الحافظ ابن كثير في الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (لأنه أخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم واستعدادهم لذلك)وقال ابن كثير في تفسير سورة الأنفال : لأنه كسبٌ بلا قتال.
* من دلائل النبوة في هذه الغزوة: تحقق ما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن العبدين اللذين مسكهما الصحابة ما عندهما علم بأبي سفيان لأنهما من النفير.
ومن المعجزات أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر بمواضع مصرع صناديد قريش فلم يتجاوز أحد منهم ذلك الموضع.
* بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسبس بن عمرو وعدي للاستطلاع على خبر قريش: فانطلق أبو سفيان إلى مكانهما وأخذ من بعر بعيرهما ففتَّه فوجد فيه النوى، فقال: والله هذه علائفُ يثربَ، فعدل بالعير إلى طريق الساحل، فنجا بقافلته وهذه من خبرة أبي سفيان. فأرسل إلى قريش ليعلمهم بالخبر وأمرَهم أن يرجعوا، فهمُّوا بالرجوع إلا أن أبا جهل رفض ذلك.
*رجوع الأخنس بن شريق: رجع بقومه بني زُهرة قاطبة ولم يشهد بدراً زهري إلا عَمَّا مسلم بن شهاب فإنهما شهداها يومئذ وقتلا كافرين.
* الحكمة من نزول المطر والنعاس في غزوة بدر: لقد غشي المسلمين النعاس وفي هذا حكمة عظيمة قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الأنفال : وَكَأَنَّ ذلك كان سجية لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ شِدَّةِ الْبَأْسِ لِتَكُونَ قُلُوبُهُمْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً بِنَصْرِ اللَّهِ. وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ وَنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ .اهـ.وأنزل الله من السماء ماءًعلى المسلمين تطهيرًا لباطنهم وظاهرهم وشدًّا لقلوبهم وتثبيتًا لأقدامهم ورحمةً بهم، قال سبحانه: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال:11].
* الابتهال والتضرع وكثرة الذكر والدعاء عند الجهاد: ولم ينمِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة بدر كلَّها بقي يذكر الله ويدعو حتى أصبح. ثبت في مسند أحمد عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ، وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ إِلا نَائِمٌ، إِلا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ، وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ»، والحديث في الصحيح المسند للوالد رحمه الله.
* إصرار أبي جهل على عدم الرجوع: وفي ليلة بدر أراد حكيم بن حزام الرجوع هو وعتبة بن ربيعة فأصر أبو جهل وحرض أخا عمرو بن الحضرمي على طلب الثأر لأخيه وتفاعل المشركون ونشِبت الحرب.
* أول مبارزة وقعت في الإسلام: كانت في غزوة بدر كما في فتح الباري، وطلبَ المبارزة عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. فبرز لهم علي وعبيدة بن الحارث وحمزة رضي الله عنهم.
* اشتداد القتال بين المسلمين والمشركين: ولما اشتد القتال اجتهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الدعاء، ثم أغفَى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءةً، ثم رفع رأسه وهو يقول: «أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع».
* ظهور الشيطان لقريش على صورة سراقة بن مالك ليطمئنُّوا: فإن قريشا خافت على نسائها وأموالها من بني مدلج لخلافٍ كان بينهم، ثم هرب لما اشتد القتال ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [الأنفال:48]. وذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت للقتال ، جند من جنود الرحمن نزلوا في غزوة بدر تأييدًا ونصرة للدين وأهله.
*هزيمة المشركين وفرارهم: فتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون. فكان أول من فرَّ من كفار قريش خالد بن الأعلم فأُدرك فأُسر.
* عدد قتلى المشركين: قتل المسلمون منهم سبعين وأسروا سبعين، وأخذوا غنائمهم فكان من جملة من قُتل من المشركين ممن سمَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موضعَه: أبو جهل لعنه الله قتله معاذ بن عمرو بن الجموح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى بالسلَبِ له، وشارك في قتله مُعَوِّذ ومعاذ ابنا عفراء، وتمَّم عليه عبد الله مسعود، فاحتزَّ رأسه، وممن قتل أيضًا عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف.
* إقامته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ساحة بدر ثلاثة أيام بعد أن انصرف المشركون وبردت الحرب: وألقيَتْ جيفُ قتلى المشركين في بئرٍ لئلا يتأذى بنتنهم الناس، ولم يخرج صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بدرٍ حتى وبَّخَ وقرَّع قتلى كفار قريش أخرج الإمامُ مسلم (2874) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» الحديث.
* نزول سورة الأنفال في وقعة بدر: ثبت في صحيح البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سُورَةُ الأَنْفَالِ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ».
* بعضُ الأمور التي كانت في أثناء رجوع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوة بدرٍ:
ـ ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصفراء قسم المغانم كما أمر الله عز وجل.
ـ أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنضر بن الحارث وعقبة ابنُ أبي معيط فضُربت عنقهما صَبراً.
* عدد مَن قُتِل من المسلمين: أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين، وستة من الخزرج، واثنان من الأوس. وكان أول قتيل يومئذ مِهْجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل رجل من الأنصار اسمه حارثة بن سراقة.
* استشارةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأسارى ماذا يصنع بهم؟ فأشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يُقتلوا، وأشار أبو بكر رضي الله عنه بالفِداء، وهوِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر رحمةً ورغبةً في الخير فإنهم قد يسلمون وينصرون الإسلام فبعد ذلك أنزل الله عز وجل القرآن عتابًا، قال سبحانه: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:67]. وكان الله سبحانه وتعالى يريد إثْخانَ الأعداء بالقتل ولهذا أنزلَ العتاب.
* دخول عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه في الدين تَقِيَّة: بعد وقعة بدر الكبرى، خوفًا على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، ونسائهم ومِن حينها ظهر النفاق .


وقد أطلنا في هذا المختصرلطول الكلام عليها من أصله ،ولأنها جديرةٌ بالاهتمام لما فيها من الآيات والعلوم والعبَر .










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-16, 08:58   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(7) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)

اختصارُ درسِ الرابع عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

1
. غزوةُ بني سليم: لما رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوة بدر إلى المدينة مكث سبعة أيام، ثم خرج لغزو بني سُليم فمكث ثلاثًا، ثم رجع ولم يلق حربًا. واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة وقيل ابن أم مكتوم.
2. غزوة السويق: هذه الغزوة كانت في ذي الحجة في السنة الثانية. وسبب هذه الغزوة أن أبا سفيان خرج في مائتي راكب متحمِّسًا لقتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وذلك لِمَا وقع في غزوة بدر من الأسر والقتل فيهم . ولما قدم أبو سفيان بات ليلةً واحدة في بني النضير عند سلام بن مِشكم اليهودي. ثم أصبح في أصحابه، وأمر فقطع أصواراً من النخل –وهي صغار النخل -ووجد رجلًا من الأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحليفًا له في حرثٍ فقتلهما. فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طلبه، ثم هربوا وكانوا متزودين بالسويق فتركوا ما معهم ليخف حملهم. ومن ثَمَّ سميت هذه الغزوة غزوة السويق. ثم رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة، وكان استخلف عليها أبا لبابة رضي الله عنه.
3. من وقائع وأمور السنة الثانية للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم:
- زواج علي بن أبي طالب بفاطمة كان هذا بعد بدر، والحديث ثابت في الصحيحين.
- وَتُوفِيَ بَعْدَ وَقْعَةِ بدرٍ بِيَسِيرٍ أَبُو لَهَبٍ عبد العزى بنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
- خلاصة مامر معنا من الوقائع والأمورفي السنة الثانية غزوة الأبواء، والعشير، بواط، بدر الأولى، وغزوة بدر العظمى، مقتل مجموعة كبيرة من رؤوس الكفر في غزوة بدرٍ العظمى، وبعض بعوثات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وفرضية صوم رمضان، وفرضية صدقة الفطر.
- غزوة بني سليم وغزوة السويق عندنا في (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم) تعتبر خاتمة الكلام في وقائع وأمور السنة الثانية للهجرة.
- ومما ذكرأهل السير في السنة الثانية من الهجرة أنه زِيد في صلاة الحضر.
4. غزوة ذي أمَر: في أوائل السنة الثالثة من الهجرة النبوية قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (4/3): "سنة ثلاث من الهجرة فِي أَوَّلِهَا كَانَتْ غَزْوَةُ نَجْدٍ وَيُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ".اهـ.
لما رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوة السويق أقام بقية ذي الحجة بالمدينة، ثم غزا غطفان وهي التي يقال لها غزوة ذي أمر، فأقام بنجد شهر صفر كاملًا، ثم رجع ولم يلق حرباً. واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه أي: جعله نائبًا عنه.
5. غزوة بُحران: كانت بعد غزوةِ ذي أمَر وقد كانت غزوة بُحران في ربيع الآخر خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم رجع ولم يلقَ حربا. واستخلف ابنَ أُمِّ مكتوم.
6. غزوة بني قينُقاع: كانت في أوائل السنة الثالثة من الهجرة كما ذكرها ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية. وذكر رحمه الله أنه زعم الواقدي أنها كانت في يوم السبت النصف من شوال سنة اثنتين من الهجرة قال: فالله أعلم. اهـ. وجزم بذلك الحافظ في فتح الباري: "أن غزوة بني قينقاع كانت في شوال بعد بدر". اهـ.
- وسببُ غزوة بني قينقاع نقضهم العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
- وقد جاء أن السبب في نقض العهد اعتداؤهم على امرأةٍ من نساء العرب. وهذا لا يثبت ولو صح لكان فيه بيان سبب نقض بني قينقاع للصلح.
- وجاء أن اليهود قامت بتهديد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن لا يثبت سنده ولو ثبت لكان فيه تصريحٌ من اليهود بنقض الصلح.
- والحاصل أن سببه أذاهم للنبي صلى عليه وعلى آله وسلم .
وبنو قينقاع هم أول من نقض العهد من طوائف اليهود الثلاث الذين وادعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وهم بنو النضير، وبنو قريظة، وبنو قينقاع). كانوا سبعمائة مقاتل. فهزمهم الله وقذف في قلوبهم الرعب، وحاصرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حصارًا شديدًا خمسة عشر يوما، فنزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد حكم بأموالهم غنيمةً للمسلمين وكانوا صاغة وتجارا، ولهم ذراريهم ونساؤهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد قتلهم فشفَع فيهم عبدُ الله بن أبي بن سلول. فأجلاهم من المدينة.
وبعد إجلاء بني قينقاع بقي بنو النضير وبنو قريظة من طوائف اليهودالذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
7. قتل كعب بن الأشرف: كعب بن الأشرف اليهودي أبوه من نبهان بطن من طيء وأمه من بني النضير الطائفة المعروفة من قبائل اليهود الكبار. وكان كعب بن الأشرف شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان يُشَبِّب في أشعاره نساء الصحابة أي: يتغزل. وبعد وقعة بدر ذهب إلى مكة وكان يُرثي قتلى قريش تحريضًا لقريش على مقاتلة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم ندب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى قتله وقصة قتله جاءت في الصحيحين وفيها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله . وفي قصة قتله جواز اغتيال أئمة الكفر، ولكن بشرط أمن الفتنة، فلا يفتح باب الثورات والفتن، و يكون بأمر الأمير.

والله أعلم .










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-25, 06:07   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الخامس عشر منلفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 16/من شهرجمادى الأولى 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس عشر
فصل ـ غزوة أحد
يشتمل على غزوة أُحد مختصَرة
وهي وقعة امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم، وميَّز فيها بين المؤمنين والمنافقين، وذلك أن قريشاً حين قتل اللهُ سراتَهم ببدرٍ، وأصيبُوا بمصيبةٍ لم تكن لهم في حساب، ورَأَس فيهم أبو سفيان بنُ حرب لعدم وجودِ أكابرِهم، وجاء كما ذكرنا إلى أطراف المدينة في غزوة السَّويقِ، ولم ينل ما في نفسه: شرع يجمع قريشاً ويؤلِّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، فجمَع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، وجاؤوا بنسائِهم لئَلا يفرُّوا، ثم أقبل بهم نحو المدينة، فنزل قريباً من جبلِ أُحد بمكان يقال له: عَينين، وذلك في شوَّال من السنة الثالثة.

******************************
بين يدينا غزوةُ أحد، وكانت هذه المعركة من المعارك العظيمة. وكانت في السنة الثالثة في شوال فبينها وبين غزوة بدرٍ سنةٌ وأقل من شهر، غزوة بدر كانت في رمضان في السنة الثانية. وغزوةُ أُحد في السنة الثالثة في شوال ,قال ابن كثير في البداية والنهاية (4/11) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ لِلنِّصْفِ من شوال ،وقال قتادة يوم السبت الحادي عَشَرَ مِنْهُ.اهـ.
وقيل غير ذلك . يراجع فتح الباري شرح تبويب حديث (4041) .
وقد ذكر البخاري رحمه الله قبل غزوة أحد خبر بني النضير (7/4028)وقد نبَّه على هذا الحافظ ابن كثير في البداية (4/10)وقال: ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبُخَارِيُّ قَبْلَهُ خَبَرَ بَنِي النَّضِيرِ قُبَلَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَالصَّوَابُ إِيرَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَازِي، وَبُرْهَانُهُ أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ لَيَالِيَ حِصَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ اصْطَبَحَ الْخَمْرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ حَلَالًا وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي مطلع كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله في الفصول يقول (وهي وقعة امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم، وميَّز فيها بين المؤمنين والمنافقين) وهذا من الحِكَم التي كانت في غزوة أحد امتحان للمؤمنين وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/ 198)وجوهًا من حِكَمِ ابتلاء وامتحان المؤمنين مِنْهَا:
اسْتِخْرَاجُ عُبُودِيَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَفِيمَا يُحِبُّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ، وَفِي حَالِ ظَفَرِهِمْ وَظَفَرِ أَعْدَائِهِمْ بِهِمْ، فَإِذَا ثَبَتُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ فِيمَا يُحِبُّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ فَهُمْ عَبِيدُهُ حَقًّا، وَلَيْسُوا كَمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّرَّاءِ وَالنِّعْمَةِ وَالْعَافِيَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ نَصَرَهُمْ دَائِمًا، وَأَظْفَرَهُمْ بِعَدُوِّهِمْ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ، وَجَعَلَ لَهُمُ التَّمْكِينَ وَالْقَهْرَ لِأَعْدَائِهِمْ أَبَدًا لَطَغَتْ نُفُوسُهُمْ، وَشَمَخَتْ وَارْتَفَعَتْ، فَلَوْ بَسَطَ لَهُمُ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ لَكَانُوا فِي الْحَالِ الَّتِي يَكُونُونَ فِيهَا لَوْ بَسَطَ لَهُمُ الرِّزْقَ، فَلَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ إلَّا السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ، وَالشِّدَّةُ وَالرَّخَاءُ، وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ، فَهُوَ الْمُدَبِّرُ لِأَمْرِ عِبَادِهِ كَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ، إنَّهُ بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا امْتَحَنَهُمْ بِالْغَلَبَةِ وَالْكَسْرَةِ وَالْهَزِيمَةِ ذَلُّوا وَانْكَسَرُوا وَخَضَعُوا، فَاسْتَوْجَبُوا مِنْهُ الْعِزَّ وَالنَّصْرَ، فَإِنَّ خُلْعَةَ النَّصْرِ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ وِلَايَةِ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123] . وَقَالَ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التَّوْبَةِ: 25] فَهُوَ - سُبْحَانَهُ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُعِزَّ عَبْدَهُ وَيَجْبُرَهُ وَيَنْصُرَهُ كَسَرَهُ أَوَّلًا، وَيَكُونُ جَبْرُهُ لَهُ وَنَصْرُهُ عَلَى مِقْدَارِ ذُلِّهِ وَانْكِسَارِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَيَّأَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَنَازِلَ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ لَمْ تَبْلُغْهَا أَعْمَالُهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا بَالِغِيهَا إلَّا بِالْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ، فَقَيَّضَ لَهُمُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُوصِلُهُمْ إِلَيْهَا مِنَ ابْتِلَائِهِ وَامْتِحَانِهِ، كَمَا وَفَّقَهُمْ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ وُصُولِهِمْ إِلَيْهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ النُّفُوسَ تَكْتَسِبُ مِنَ الْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ وَالنَّصْرِ وَالْغِنَى طُغْيَانًا وَرُكُونًا إِلَى الْعَاجِلَةِ، وَذَلِكَ مَرَضٌ يَعُوقُهَا عَنْ جِدِّهَا فِي سَيْرِهَا إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا رَبُّهَا وَمَالِكُهَا وَرَاحِمُهَا كَرَامَتَهُ قَيَّضَ لَهَا مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ مَا يَكُونُ دَوَاءً لِذَلِكَ الْمَرَضِ الْعَائِقِ عَنِ السَّيْرِ الْحَثِيثِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَالْمِحْنَةُ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ يَسْقِي الْعَلِيلَ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ، وَيَقْطَعُ مِنْهُ الْعُرُوقَ الْمُؤْلِمَةَ لِاسْتِخْرَاجِ الْأَدْوَاءِ مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَغَلَبَتْهُ الْأَدْوَاءُ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا هَلَاكُهُ.اهـ المراد.

يقول الحافظ ابن كثير (وميَّز فيها بين المؤمنين والمنافقين)
وهذا من جملة الحِكَم ليتميز المنافقون من المؤمنين . قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾ [آل عمران] [آل عمران:140].
(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: علم رؤية وعِيَان فالله سبحانه لا يعزب عنه شيء، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾[سبأ:3]. فالمراد ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: علم رؤية وعِيَان .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/200)في سياق الحِكَم التي كانت في غزوة أُحُدٍ قال: ثُمّ ذَكَرَ حِكْمَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَتَمَيَّزَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَيَعْلَمُهُمْ عِلْمَ رُؤْيَةٍ وَمُشَاهَدَةٍ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مَعْلُومِينَ فِي غَيْبِهِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ الْغَيْبِيُّ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْمَعْلُومِ إذَا صَارَ مُشَاهَدًا وَاقِعًا فِي الْحِسِّ.اهـ.
فكانت هذه الوقعة امتحان للمؤمنين في إيمانهم وصبرهم ومجاهدتهم وليتميز به المنافقون، وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)﴾ [آل عمران:166]. وقد تميز المنافقون وظهر أمرُهم فقد انخزَل عبدُ الله بن أُبي بن سلول في أثناء الطريق بثلاثمائة ورجعوا.
وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 179] .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/ 197):أَيْ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْتِبَاسِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُنَافِقِينَ حَتَّى يَمِيِّزَ أَهْلَ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ كَمَا مَيَّزَهُمْ بِالْمِحْنَةِ يَوْمَ أُحُدٍ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179] الَّذِي يَمِيزُ بِهِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ مُتَمَيِّزُونَ فِي غَيْبِهِ وَعِلْمِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ أَنْ يَمِيزَهُمْ تَمْيِيزًا مَشْهُودًا فَيَقَعُ مَعْلُومُهُ الَّذِي هُوَ غَيْبٌ شَهَادَةً. وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179] اسْتِدْرَاكٌ لِمَا نَفَاهُ مِنَ اطِّلَاعِ خَلْقِهِ عَلَى الْغَيْبِ سِوَى الرُّسُلِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْبِهِ كَمَا قَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26] [الْجِنِّ: 27] فَحَظُّكُمْ أَنْتُمْ وَسَعَادَتُكُمْ فِي الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ الَّذِي يُطْلِعُ عَلَيْهِ رُسُلَهُ فَإِنْ آمَنْتُمْ بِهِ وَأَيْقَنْتُمْ فَلَكُمْ أَعْظَمُ الْأَجْرِ وَالْكَرَامَةِ.اهـ.
ثم ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله سبب هذه الغزوة أن قريشًا كانوا متألِّمِين ممَّا حصل لهم من قتل سراتهم ببدر أي: قتل أشرافهم، وما حصل لأبي سفيان في غزوة السويق من رجوعه هاربًا منهزمًا فجمَّع قريشًا ليغزو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يزعم .
(فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش)
(الحلفاء) حلفاء قريش: وهم الذين تعاقدوا على التناصر والتعاون فيما بينهم.
(والأحابيش) قال الجوهري في الصحاح (3/1000): "وحبشي: جبل بأسفل مكة، يقال منه سمى أحابيش قريش. وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده فحالفوا قريشا وتحالفوا بالله: " إنا ليد على غيرنا، ما سجا ليل، ووضح نهار، وما أرسى حبشي مكانه " فسموا أحابيش قريش باسم الجبل". اهـ.
استفدنا أن الأحابيش: هم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمة.
(وما أرسى) أي: ثبتَ، أي: ما بقي مكانه.
(وأصيبوا بمصيبة لم تكن لهم في حساب) أي: يوم بدر كان في اعتقادهم أنهم منصورون زين لهم الشيطان أعمالهم، أبو جهل لما قيل له: نرجع، قال نقيم ببدر ثلاثًا ونشرب الخمر وتضرب علينا القيان ويكون لنا هيبة عند العرب.
(ورَأس فيهم أبو سفيان بن حرب)
كان رئيسُ المشركين يوم أحد أبا سفيان.
(لعدم وجود أكابرهم)
كان السبب في رئاسة أبي سفيان لقريش في هذه الغزوة أن أكابرهم قد قُتلوا في غزوة بدر.
(وجاؤوا بنسائهم لئلا يفرُّوا، ثم أقبل بهم نحوَ المدينة)
جاء قريش بنسائهم لئلا يفروا ليكون تثبيتًا لهم بعدم الفرار وذكرذلك أيضا الحافظ في فتح الباري بما نصُّهُ: (أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجُوا مَعَهُمْ بِالنِّسَاءِ لأجل الحفيظة والثبات).
( فنزل قريباً من جبل أُحد بمكان يقال له: عينين، وذلك في شوال من السنة الثالثة) .
وسميت هذه الوقعة بغزوة أحد؛ لأنها كانت جَنْبَ أُحد. وأُحد جبل جاء في فضله بعض الأحاديث . قال الإمام البخاري رحمه الله بَابٌ: أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثم ذكرحديثَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا». وهذا على ظاهره . وقد قال بعضهم: المراد أهل جبل أحد، وهذا صرف لظاهر الحديث لغير دليل والله على كل شيء قدير.
******************************
واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟ فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروجُ يوم بدر إلى الإشارة بالخروج إليهم، وألحُّوا عليه صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأشارَ عبدُ الله بن أُبَي بن سلول بالمقام بالمدينة، وتابعه على ذلك بعضُ الصحابة، فألحَّ أولئك على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فنهض ودخل بيتَه ولبِس لأْمَتَه وخرج عليهم، وقد انثنَى عزمُ أولئك فقالوا: يا رسول الله، إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل.
فقال: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأْمَتَه أن يضعها حتى يقاتل» وأُتي عليه الصلاة والسلام برجلٍ من بني النجار فصلى عليه، وذلك يوم الجمعة، واستخلفَ على المدينة ابنَ أمِّ مكتوم. وخرج إلى أُحد في ألفٍ، فلما كان ببعض الطريق انخزلَ عبدُ الله بن أُبي في نحوٍ من الثلاثمائة إلى المدينة، فاتَّبَعَهُم عبدُ الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبِّخهم ويحضهم على الرجوع، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع. فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبَّهم.

******************************
(واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟)
لما علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقدوم قريش لغزو المسلمين استشار أصحابه هل يبقى في المدينة أم يخرج إليهم؟
وذكر الحافظ ابن كثيرٍ هنا أنهم انقسموا في المشورة إلى قسمين فبادر بعض الصحابة ممن لم يشهد بدرا وقالوا: نخرج إليهم، وألحوا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخروج، وأشار عبد الله بن أبي بن سلول وبعض الصحابة بالمقام بالمدينة ،فإن قدموا إلى المدينة قاتلناهم .
واستنبط من هذا ابنُ القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/ 189)فائدة :وذكر أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا طَرَقَهُمْ عَدُوُّهُمْ فِي دِيَارِهِمُ الْخُرُوجُ إِلَيْهِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا دِيَارَهُمْ، وَيُقَاتِلُوهُمْ فِيهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْصَرَ لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، كَمَا أَشَارَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ.اهـ.
ودخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيته ولبس لأْمته ـ واللأْمة: السلاح ـ ثم خرج عليهم وقد انثنى عزمُ بعض أولئك ـ أي: ضعُف ـ وقالوا: لعلنا استكرهنا رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن أحببتَ أن تمكث في المدينة فافعل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ ».وهذا الحديث في مسند أحمد (23/99) من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله وأبو الزبير مدلس وقد عنعن ولكن له من الشواهد ما يقويه.
وقد استنبط من هذا ابن القيم في زاد المعاد(3/ 189) حُكْما وأفاد: أَنَّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ، وَتَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْخُرُوجِ حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ.
(وأُتي عليه الصلاة والسلام برجل من بني النجار فصلى عليه)
أي: أُتِيَ بجنازة فصلى عليه صلاة الجنازة وذلك يوم الجمعة، فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة من المدينة إلى أُحد في ألف مقاتل.
(فلما كان ببعض الطريق انخزل عبد الله بن أُبي في نحوٍ من الثلاثمائة إلى المدينة فاتَّبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبِّخُهم ويحضُّهم على الرجوع، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع- أي إلى المدينة -. فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبَّهم) .
(انخزل) أي: انفرد كما في النهاية(2/ 29) .
فرجعوا إلى المدينة. رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة إلى المدينة فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا سبعمائة، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما وحثهم على الرجوع فاحتجوا وقالوا: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم أي لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع كما قال الله عنهم: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران:167]. كذَّبهم الله عز وجل في قولهم: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ لأن أمر القتال في هذا الحال ظاهر بين، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (5/350)عقب هذه الآية قُلْتُ: يَعْنِي، أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الْقِتَالِ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، لَا خَفَاءَ وَلَا شَكَّ فِيهِ .اهـ.
وأيضًا مما كان السبب في رجوع عبد الله بن أُبي بن سَلول رئيس المنافقين أنه غضب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أخذ بمشورته.
ورجوعُهم في الأصل هو بسبب ذنوبهم وهذا من شؤمِ الذنب قال تعالى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } .
******************************
واستقلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمن بقي معه حتى نزلَ شعبَ أُحد في عُدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهرَه إلى أُحد، ونهى الناسَ عن القتال حتى يأمرَهم، فلما أصبح تعبَّأ عليه الصلاةُ والسلام للقتال في أصحابه، وكان فيهم خمسون فارساً، واستعمل على الرُّماة ـ وكانوا خمسين ـ عبدَ الله بن جبير الأوسي، وأمره وأصحابَه أن لا يتغيَّروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظهورَ المسلمين أن يؤتَوا من قبَلِهم.
وظاهرَ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بين درعين. وأعطى اللواءَ مصعبَ بن عمير، أخا بني عبد الدار، وجعل على إحدى المجنَّبَتين الزبير بن العوام، وعلى المجنَّبَة الأخرى المنذر بن عمرو المُعْنِق لِيَمُوتَ.
واستعرض الشبابَ يومئذ، فأجاز بعضَهم وردَّ آخرين، فكان ممن أجاز سمرةَ بن جندب، ورافع بن خديج، ولهما خمس عشرة سنة.
وكان ممن ردَّ يومئذ أسامةَ بن زيد بن حارثة، وأسيد بن ظُهير، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعَرابة بن أوس، وعمرو بن حزم. ثم أجازهم يوم الخندق.

******************************
(واستقلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعب أحد في عُدوة الوادي إلى الجبل)
ثم مضى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعب أحد في عدوة الوادي أي :جانبه كما في مجمل اللغة لابن فارس (ص 653) .
فرتَّب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه ورتَّب أمورَ الغزوة.
قال: (ونهى الناس عن القتال حتى يأمرَهم)
قال: لا تقاتلوا حتى آمركم .
(فلما أصبح تعبَّأ عليه الصلاة والسلام للقتال في أصحابه)
تعبأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للقتال أي: استعد.
(وكان فيهم خمسون فارساً، واستعمل على الرماة ـ وكانوا خمسين ـ عبد الله بن جبير الأوسي، وأمَرَه وأصحابَه أن لا يتغيروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظهور المسلمين أن يؤتوا من قبلهم)
تعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله تحت رقم (4043) هذا القول في عدد الفُرْسان فقال: "قَوْلُهُ الرُّمَاةُ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَقَعَ فِي الْهَدْيِ أَنَّ الْخَمْسِينَ عَدَدُ الْفَرَسَانِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ وَقَدْ جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي أُحُدٍ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْلِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ كَانَ مَعَهُمْ فَرَسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَسٌ لِأَبِي بُرْدَةَ" هذا ما ذكره الحافظ في الفتح.
الواقدي: محمد بن عمر متروك.
وقد كان عدد الرماة خمسين رجلًا وأمَّر عليهم عبد الله بن جبيرالأوسي رضي الله عنه واستشهد في غزوة أحد.
(وأمره وأصحابه أن لا يتغيَّروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظهور المسلمين أن يؤتوا من قِبَلِهِم)
أي: من ورائهم.
وهذا في صحيح البخاري (4043) عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَقِينَا المُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ: «لاَ تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا» فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ، قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ تَبْرَحُوا، فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ، فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ» فَقَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ» فَقَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ الخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ " قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا العُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي) .
(إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا) أي: أمرهم بالبقاء في مكانهم على أيِّ حال. (يَشْتَدِدْنَ فِي الجَبَلِ) أي: صعودًا.
انهزم المشركون في أول الأمر وكان نساء كفار قريش يشتددن في الجبل ـ يعني صعودًا ـ ويرفعن عن سُوقهن حتى بدت خلاخِلُهن فقال الصحابة لما رأوا المشركون انهزموا، الغنيمةَ ، الغنيمةَ ، وانفضوا إلى الغنيمة. فوجد المشركون خلَّة ـ أي: فرجة ـ وقد كان عبد الله بن جبير يقول لهم: لا تفعلوا. وصرخ الشيطان بعد ذلك : (أي عباد الله أخراكم ) .
وقول أبي سفيان ( وَالحَرْبُ سِجَالٌ) كان هذا في اعتقاد أبي سفيان .
وثبت في البخاري (2804) ومسلم (1773)عن عبداللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟، فَزَعَمْتَ «أَنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ».
وقد أقر الله عز وجل ذلك وقال: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران:140].
أبو سفيان يقول: (يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي) يقول أبوسفيان: هذا اليوم بيوم بدر، غزوة أحد مقابل يوم بدر لأن المسلمين في غزوة بدرٍ قتلوا سبعين من المشركين وأسروا سبعين .
(وظاهر صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بين درعين)
(وظاهر) قال ابن الأثير في النهاية(3/166): (أَيْ: جَمَعَ ولَبِسَ إِحْدَاهُمَا فوقَ الأخْرَى. وكأنَّه مِنَ التَّظَاهُر: التَّعَاوُنِ والتَّساعُد) أي: لبس درعًا على درع.
(وأعطى اللواء مصعب بن عمير، أخا بني عبد الدار)
مصعب بن عمير من السابقين الأولين، واستُشهد في غزوة أحد، ولم يجدوا له الكفن التام. أخرج البخاري (4082) و مسلم (940) عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى، أَوْ ذَهَبَ، لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً، كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ» أَوْ قَالَ: «أَلْقُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا .

(وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام)
المجنبتان: الميمنة والميسرة.
وهذا من سياسة الحرب.
والزبير بن العوام من العشرة المبشرين بالجنة .
والعشرة المبشرون بالجنة مجموعون في قول الشاعر
للمصطفى خيرُ صحْبٍ نصَّ أنهمُ
في جنةِ الخلدِ نصًا زادهم شرفًا
هم طلحة وابن عوفٍ والزبير مع
أبي عبيدة والسعدين والخُلفا
الزبيرحواري رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في البخاري (2997، 7261)، مسلم (2415)عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» .قَالَ سُفْيَانُ: الحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ .

وأخرج الإمامُ أحمد في مسنده(2/99)من طريق زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ".
وصفية هي بنت عبدالمطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وتقدم ذكرعمات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أول الفصول وأن صفية أسلمت رضي الله عنها .
وابن جرموز قاتل الزبير بن العوام : هوعمرو بن جرموز.
قتله وقد كان راجعًا يوم الجمل تاركا لقتال علي أخرج ابن سعد في الطبقات (3/81)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَتَى الزُّبَيْرَ فَقَالَ: أَيْنَ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَيْثُ تُقَاتِلُ بِسَيْفِكِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ. فَأَتَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَلِيًّا فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ قَاتَلُ ابْنِ صَفِيَّةَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: إِلَى النَّارِ.
وإسناده حسن من أجل هلال بن خباب أحد رواة إسناده فإنه صدوق .
وهذا دليلٌ على اعتراف أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب بفضل الزبير رضي الله عنهما.
وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الزبير واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (8/ 1493) والبيهقي في الاعتقاد (374)من طريق شُعْبَةُ , عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّهُمْ يَقُولُ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ.
وهذا أثرٌ حسن . مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الغداني بضم المعجمة البصري الأشل صدوق يهم .
علَّق الذهبي رحمه الله على الأثر وقال قُلْتُ: لأَنَّهُم مِنَ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَمِنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِيْنَ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ، وَلأَنَّ الأَرْبَعَةَ قُتِلُوا وَرُزِقُوا الشَّهَادَةَ، فَنَحْنُ مُحِبُّوْنَ لَهُم، بَاغِضُوْنَ لِلأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ قَتَلُوا الأَرْبَعَةَ.(سير أعلام النبلاء 1/ 62) .
وقد جاء أنه ندم ابن جرموزعلى قتله لحواري رسول الله .
قال الذهبي رحمه الله في السير (1/ 64)قُلْتُ: أَكَلَ المُعَثَّرُ يَدَيْهِ نَدَماً عَلَى قَتْلِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لاَ كَقَاتِلِ طَلْحَةَ، وَقَاتِلِ عُثْمَانَ، وَقَاتِلِ عَلِيٍّ اهـ.

(وعلى المجنبة الأخرى المنذر بن عمرو المُعْنِق لِيَموت)

المنذر بن عمرو المُعْنِق لِيَموت :هو الساعدي قال الحافظ في الإصابة : قال ابن أبي خيثمة: سمعت سعد بن عبد الحميد بن جعفر يقول: المنذر بن عمرو عَقَبِي بدْري نقِيب. استُشهد يوم بئر معونة، وكذا قال ابن إسحاق، وثبت أنه استشهد يوم بئر معونة في صحيح البخاريّ.اهـ .
أي أنه شهد العقبة وبدراوكان أحدالنقباء .
وهوممن أبلى بلاءً حسنًا في هذه الغزوة.
(المعنِق ليموتَ) لقب للمنذر بن عمرو أي: المسرع إلى الشهادة.
(واستعرض الشباب يومئذ، فأجاز بعضهم ورد آخرين)
أي: طلب عرض الشباب لينظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الذي يناسب دخوله الغزو ، وقد قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضًا منهم ورد آخرين. وممن ردَّ في هذه الغزوة عبد الله بن عمر وحديثه متفق عليه البخاري (2664)، مسلم (1868). عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي»، قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ» .
وقوله (وعرابة بن أوس )في بعض نسخ الفصول (وغَرابة ) بالغين المعجمة والصواب عرابة كما في الإصابة .










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-25, 06:15   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

******************************
وتعبَّأت قريش أيضاً وهم في ثلاثة آلاف كما ذكرنا، فيهم مائتا فارس، فجعلوا على ميمنتِهم خالدَ بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمةَ بن أبي جهل.
وكان أول من برز من المشركين يومئذ أبو عامر الراهب، واسمه عبد عمرو بن صيفي.
وكان رأسَ الأوس في الجاهلية، وكان مترهِّباً، فلما جاء الإسلام خُذِل فلم يدخل فيه، وجاهرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة، فدعا عليه صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة، وذهب إلى قريش يؤلِّبُهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضهم على قتاله مع ما هم منطَوون على رسولِ الله وأصحابه من الحَنَق، ووعدَ المشركين أنه يستميل لهم قومه من الأوس يوم اللقاء حتى يرجعوا إليه فلما أقبل في عُبدان أهل مكة والأحابيش تعرَّف إلى قومه فقالوا له: لا أنعم الله لك عيناً يا فاسق.
فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً.

******************************
(وتعبأت قريش أيضاً وهم في ثلاثة آلاف كما ذكرنا، فيهم مائتا فارس)
يذكر ابن كثير رحمه الله استعداد قريش لمقاتلة المسلمين، وترتيبهم لأمور الغزوة.
(فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد)
خالد بن الوليد رضي الله عنه شارك في قتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغزوات حتى أسلم رضي الله عنه،قال الحافظ في الإصابة (2/215): " ثم أسلم في سنة سبع بعد خيبر، وقيل قبلها، ووهم من زعم أنه أسلم سنة خمس". اهـ.
وقد لقَّبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه سيف من سيوف الله، وهذا ثابت في صحيح البخاري (4262) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا، وَجَعْفَرًا، وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ» وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ: «حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ».
(وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل)
عكرمة بن أبي جهل "كان كأبيه من أشدّ الناس على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم أسلم عكرمة عام الفتح " كما في الإصابة (4/ 443).
(وكان أول من برز من المشركين يومئذ)
(برز) وفي نسخة ( بدَرَ) .
(أبو عامر الراهب، واسمه عبد عمرو بن صيفي)
أبو عامر الراهب من أعداء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(وكان رأْسَ الأوس في الجاهلية، وكان مترهباً، فلما جاء الإسلام خُذل فلم يدخل فيه، وجاهر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة)

كان كبيرًا في الأوس ومتعبدًا فلما جاء الإسلام خُذل حسدًا، وعنادًا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الحافظ في الإصابة في ترجمة ولده حنظلة : كان أبوه في الجاهليّة يعرف بالراهب، واسمه عمرو، ويقال عبد عمرو، وكان يذكر البعث ودين الحنيفية، فلما بعث النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عانده وحسده.، وخرج عن المدينة وشهد مع قريش وقعة أحد، ثم رجع قريش إلى مكة، ثم خرج إلى الروم فمات بها سنة تسع، ويقال سنة عشر، وأعطى هرقل ميراثه لكنانة بن عبد ياليل الثقفيّ. وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه، واستشهد بأحد، لا يختلف أصحاب المغازي في ذلك.اهـ .
وذكر هُنا في الفصول الحافظ ابن كثير رحمه الله سيرة سيئة له في عداوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وكان أبو عامر وعد المشركين أن يستميل قومه الأوس في مساعدة قريش لقتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما جاء إليهم ردوا عليه.
(فقالوا له: لا أنعم الله لك عيناً يا فاسق. فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً).
يقول : (لقد أصاب قومي بعدي شر) لأنهم ما قبلوا كلامه. ثم دخل في المعركة، وقاتل قتالًا شديدًا، ونجا وما قُتل؛ لأنه كما تقدم ذهب إلى الروم ومات هناك.
وله ولدٌ مشهورٌ بغسيل الملائكة وهو حنظلة الغسيل بن أبي عامر، قاتل في غزوة أحد،وأبلى بلاءً حسنًا، واستشهد فيها رضي الله عنه. وجاء في بعض الأحاديث أنه غسلته الملائكة وأنه كان جُنبًا وله بعض الطرق يراجع أحكام الجنائز للشيخ الألباني رحمه الله 56 .ومن ثَمَّ قيل له حنظلة الغسيل.
******************************
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (أمِت أمِت) وأبلى يومئذ أبو دجانة سماك بن خرشة، وحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه وأرضاه وكذا علي بن أبي طالب، وجماعة من الأنصار منهم: النضر بن أنس، وسعد بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار، فانهزموا راجعين حتى وصلوا إلى نسائهم. فلما رأى ذلك أصحابُ عبد الله بن جبير قالوا: يا قوم، الغنيمة الغنيمة.
فذكَّرهم عبدُ الله بن جبير تقديمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك، فظنوا أن ليس للمشركين رجعة، وأنهم لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك، فذهبوا في طلب الغنيمة، وكرَّ الفُرسان من المشركين فوجدوا تلك الفُرْجة قد خلت من الرماة فجازوها وتمكنوا، وأقبل آخرهم، فكان ما أراد الله تعالى كونه، فاستُشهِد من أكرم الله بالشهادة من المؤمنين، فقُتِل جماعةٌ من أفاضل الصحابة، وتولَّى أكثرُهم.

******************************
(وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (أمت أمت)
يعني في الغزوة. والشعار: العلامة ليعرف بعضهم بعضًا ببعض الكلمات ليتميز لهم أصحابهم من أعدائهم، وهذا من سياسة الحروب أن يجعلوا لهم شعارات يميزون بها فيكف بها بعضهم عن بعض.
(وأبلى يومئذ أبو دجانة سماك بن خرشة، وحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه وأرضاه وكذا علي بن أبي طالب، وجماعة من الأنصار منهم: النضر بن أنس، وسعد بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين).
هؤلاء الذين ذكرهم ابن كثير رحمه الله ممن أَبْلوا بلاء حسنًا في هذه الغزوة ،وأبو دجانة رضي الله عنه قصته في صحيح مسلم (2770) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟» فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟» قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ" أي: شق به رؤوس المشركين.
(وحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه وأرضاه)
هذا لقب حمزة وهوسيد الشهداء ،خالد بن الوليد سيف من سيوف الله ، المنذر بن عمرو لقبه المعنق ليموت ، حنظلة ابنُ أبي عامر لقبه حنظلة الغسيل . عثمان بن عثمان، وهو شماس بن عثمان المخزومي، سُمِّي بشمَّاس لحُسْنِ وجهه .

(وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار)
كان النصر في أول النهار للمسلمين، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران:152]. ﴿وَعْدَهُ﴾ أي: ما وعد به من نصره لأوليائه، فصدق الله وعده، في أول النهار، ولكن لما حصل من بعض الصحابة المخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان من أمر الله ما كان ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾[آل عمران:152]. ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ أي: تستأصلونهم بالقتل. ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ﴾.
الفشَل والفَشَلُ: ضعف مع جبن كما في مفردات القرآن،الخلاف، المعاصي هذه الثلاثة الأمور شؤم ،ومن أسباب الهزيمة.
(فانهزموا راجعين حتى وصلوا إلى نسائهم)
أي:انهزم المشركون.
(فلما رأى ذلك أصحابُ عبد الله بن جبير قالوا: يا قوم، الغنيمة الغنيمة)
تقدم ذكرُالحديث الوارد فيه.
(وكرَّ الفرسان من المشركين فوجدوا تلك الفرجة قد خلت من الرماة فجاوزوها وتمكنوا وأقبل آخرهم، فكان ما أراد الله تعالى كونَه)
(كر) أي: رجع، رجعوا بعد ذلك. رأوا لهم فرجة لأنه خلا المكان من الرماة الذي قد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعلهم فيه ليحرسوا المسلمين وتمكَّن المشركون بعد أن كانوا قد هُزِموا أخرج البخاري(3290)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ اليَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي، فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ: حُذَيْفَةُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ " .
قال الحافظ في فتح الباري(4065) : (أُخْرَاكُمْ)أَيِ احْتَرِزُوا مِنْ جِهَةِ أُخْرَاكُمْ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ يَخْشَى أَنْ يُؤْتَى عِنْدَ الْقِتَالِ مِنْ وَرَائِهِ وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا تَرَكَ الرُّمَاةُ مَكَانَهُمْ وَدَخَلُوا يَنْتَهِبُونَ عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ .
قال : قَوْلُهُ (فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ) أَيْ: وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِنَ الْعَدو وَقد تقدم بَيَان ذَلِك من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَأَنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا اخْتَلَطُوا بِالْمُشْرِكِينَ وَالْتَبَسَ الْعَسْكَرَانِ فَلَمْ يَتَمَيَّزُوا فَوَقَعَ الْقَتْلُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ .اهـ.
(فاستشهد من أكرم الله بالشهادة من المؤمنين، فقتل جماعة من أفاضل الصحابة، وتولى أكثرهم)
الشهادة كرامة قال سبحانه وتعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾[آل عمران:140]
(وتولى أكثرهم) ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري(4064) شرح حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا الحديث .
قال قوله (انْهَزَمَ النَّاسُ )أَيْ بَعْضُهُمْ أَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ تَفَرُّقِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
قال :وَالْوَاقِعُ أَنَّهُمْ صَارُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ :
فِرْقَةٌ اسْتَمَرُّوا فِي الْهَزِيمَةِ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ فَمَا رَجَعُوا حَتَّى انْفَضَّ الْقِتَالُ وَهُمْ قَلِيلٌ وَهُمُ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ. وَفِرْقَةٌ صَارُوا حَيَارَى لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ فَصَارَ غَايَةُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَذُبَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يَسْتَمِرَّ عَلَى بَصِيرَتِهِ فِي الْقِتَالِ إِلَى أَنْ يُقْتَلَ وَهُمْ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ .
وَفِرْقَةٌ ثَبَتَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ تَرَاجَعَ إِلَيْهِ الْقِسْمُ الثَّانِي شَيْئًا فَشَيْئًا لَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ حَيٌّ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ .
قال :وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الْأَخْبَارِ فِي عِدَّةِ مَنْ بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
******************************
وخلَصَ المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجُرح في وجهه الكريم وكُسرت رَباعيته اليمنى السفلى بحجر، وهُشِمت البيضة على رأسه المقدَّس، ورَشَقَه المشركون بالحجارة حتى وقع لشقِّه، وسقط في حفرة من الحُفَر التي كان أبو عامرٍ الفاسق حفرها يكيد بها المسلمين، فأخذ عليٌّ بيده، واحتضنه طلحةُ بن عبيد الله. وكان الذي تولى أذى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمِئة وعتبة بن أبي وقاص، وقيل: إن عبد الله بن شهاب الزهري أبا جد محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شجَّه صلى الله عليه وسلم.
******************************
قوله (وخلص المشركون) قال ابن الأثير في النهاية (2/ 61): " يُقَالُ خَلَصَ فُلان إِلَى فُلان: أَيْ وَصَلَ إليه". اهـ.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله هاهنا بعض ما حصل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الأذى.
(فجرح في وجهه الكريم وكسرت رَباعيته اليمنى السفلى بحجر)
الرباعية: السن الذي يلي الثنية ،وهو بين الثنية والناب.
(وهُشِمت البيضة)قال في النهاية: الْهَشْمُ: الكَسْر. والْهَشِيمُ مِنَ النباتِ: اليابِسُ المُتَكَسِّر. والبَيْضَة: الخُوذَة.
وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (6/ 97): "(الْبَيْضَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ مِنْ آلَاتِ السِّلَاحِ" .
وقد بوَّب الإمام البخاري بَابُ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ
ثم ذكر (4073)حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ، يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وبعده (4074) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وحديث سهل بن سَعْدٍ، وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ المَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ، قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ المَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ المَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ، وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتِ البَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ ".
وفي صحيح مسلم (1791) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ؟» ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] .
قال الحافظ ابنُ حجر في فتح الباري(4073)وَمَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهُ شُجَّ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَجُرِحَتْ وَجْنَتُهُ وَشَفَتُهُ السُّفْلَى من بَاطِنهَا ووهَى منكبُه من ضَرْبَة ابن قَمِئَةَ وَجُحِشَتْ رُكْبَتُهُ .
(وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق حفرها يكيد بها المسلمين)
أي سقط صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(فأخذ علي بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله)
أي علي بن أبي طالب. وعلي وطلحة كلاهما من العشرة المبشرين بالجنة .وممن أبلى بلاءً حسنًا في غزوة أُحُد رضي الله عنهما.
******************************
وقتل مصعب بن عمير رضي الله عنه بين يديه، فدفع صلى الله عليه وسلم اللواء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه وسلم، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وعضَّ عليهما حتى سقطت ثنيتاه، فكان الهتم يزيِّنه، وامتصَّ مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدمَ من جرحه صلى الله عليه وسلم.
وأدرك المشركون النبيَّ صلى الله عليه وسلم فحال دونه نفر من المسلمين نحوٌ من عشرة فقُتلوا، ثم جالدهم طلحة حتى أجْهَضَهم عنه صلى الله عليه وسلم، وترَّس أبو دجانة سماك بن خرشة عليه صلى الله عليه وسلم بظهره، والنبلُ يقع فيه، وهو لا يتحرك رضي الله عنه، ورمى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يومئذ رمياً مسدداً منكيًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارم فداك أبي وأمي). وأصيبت يومئذٍ عينُ قتادة بن النعمان الظفري، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فردها عليه الصلاة والسلام بيده الكريمة، فكانت أصحَّ عينيه وأحسنَهما.
وصرخ الشيطان ـ لعنه الله ـ بأعلى صوته: إن محمداً قد قُتل، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، وتولى أكثرُهم، وكان أمرُ الله.

******************************
(سقطت ثنيتاه) الثنيَّة من الأسنان في مقدمة الفم ،التي تلي الرَّباعية .
(فكان الهتم يزينه)قال الجوهري في الصحاح : الهَتْمُ: كسرُ الثنايا من أصلها. يقال: ضربَهُ فهَتَمَ فاهُ، إذا ألقى مقدَّم أسنانه.
كان الهتم -وهو سقوطُ ثناياه -يزيِّنه؛ لأنه من آثار غزوة أحد، ومن آثار الدفاع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من جرحه صلى الله عليه وسلم)
وهذا يدل على أنه حضر غزوة أحد مالك بن سنان رضي الله عنه.
(وأدرك المشركون النبي صلى الله عليه وسلم فحال دونه نفر من المسلمين نحوٌ من عشرة فقتلوا)
أي: وصلوا إليه؛ لأن المسلمين قلة، وحمى النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المشركين نحوعشرة من أصحابه.
وقتلوا كلهم رضي الله عنهم.
(ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه صلى الله عليه وسلم)
أجهضهم أي: أبعدهم.وطلحة بن عبيد الله من الذين لم يفرُّوا وشُلَّت يده في غزوة أحد ،ففي صحيح البخاري (4063) عَنْ قَيْسٍ وهو ابن أبي حازم، قَالَ: «رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ».
(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارم فداك أبي وأمي))
وهذا متفق عليه البخاري(4059) ومسلم (2411) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي».
وسعد بن أبي وقاص من الذين ثبتوا ولم يفروا .
وما جمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأحد أبويه في تلك الغزوة إلا لسعد بن أبي وقاص. قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم شرح حديث علي : فِيهِ جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبَوَيْنِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ.
وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فِي التَّفْدِيَةِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةُ فِدَاءٍ .وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ وَأَلْطَافٌ وَإِعْلَامٌ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ وَمَنْزِلَتِهِ وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّفْدِيَةِ مُطْلَقًا. اهـ.

( وتولى أكثرُهم)
وتقدم ما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أنهم كانوا على ثلاثِ فرق وَأن أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ صاروا حيارى لَمَّا سمعوا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قُتِل . ثم بعد ذلك تراجع هذا القسم إليه شيئا فشيئًا لمَّا عرفوا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حي . والله المستعان.
******************************
ومر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس، ولقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد، والله إني لأجد ريح الجنة من قِبل أحد، فقاتل حتى قتل رضي الله عنه، ووجدت به سبعون ضربة.
وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحوا من عشرين جراحةً، بعضها في رجله، فعرج منها حتى مات رضي الله عنه.

******************************
(ومر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقال: ما تنتظرون؟)
هذا تثبيت من أنس بن النضرلمن كان متوقفا عن القتال، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قُتِل فثبَّتهم. وفي المواقف الشديدة يُحتاج إلى التثبيت والتصبير فحثَّهم على القدوم إلى القتال، وقد أبلى بلاءً حسنًا رضي الله عنه . ثبت في صحيح البخاري (2805) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ»، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ - يَعْنِي أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، - يَعْنِي المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ»، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: «يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ»، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ: " كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] إِلَى آخِرِ الآيَةِ " .
لم يعرفه أحد إلا أخته عرفته ببنانه لكثرةِ جراحاته والضرب فيه رضي الله عنه.
وقد كان المشركون حين غَلبُوا بعد أن كانوا قدهُزموا -ولله الأمر من قبل ومن بعد -كانوا يجدِّعون القتلى من المسلمين يقطعون آذانهم وأنوفهم، حتى مِن نساء المشركين مَن كانت تفعل ذلك ، وقد قال أبو سفيان كما تقدم: " وَتَجِدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي" .والله المستعان.
******************************
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين، فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك رضي الله عنه، فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن اسكت، واجتمع إليه المسلمون، ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة الأنصاري وغيرهم.
فلما أسندوا في الجبل، أدركه أُبَيُّ بن خلف على جواد، يقال له العود، زعم الخبيث أنه يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب تناول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحربةَ من يد الحارث بن الصمة فطعنه بها، فجاءت في ترقوته، ويكرُّ عدوُّ الله منهزماً فقال له المشركون: والله ما بك من بأس، فقال: والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون، إنه قال لي: إنه قاتلي، ولم يزل به ذلك حتى مات بسرف مرجعه إلى مكة لعنه الله. وجاء علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء ليغسل عنه الدم، فوجده آجِناً، فردَّه.

******************************
(فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك رضي الله عنه، فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا)
كعب بن مالك رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبشر الصحابة فرحًا، وقال هذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه حي ما قتل.
(فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن اسكت)
من أجل لا يعلم المشركون بمكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(فلما أسندوا في الجبل، أدركه أُبي بن خلف على جواد، يقال له العود، زعم الخبيث أنه يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من يد الحارث بن الصمة فطعنه بها)
أبي بن خلف هوأخو أمية بن خلف ،أمية بن خلف قتل ببدرٍ كافرا ،وأخوه أبي بن خلف مات من آثار طعنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له في غزوة أُحد مرجعه إلى مكة . وفي الحديث (اشتد غضب الله على رجلٍ قتل نبيا أو قتله نبي ).
(فقال: والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون)
أي: أن المصيبة شديدة، ومات بسرف عند رجوعهم من غزوة أحد إلى مكة.
(وجاء علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء ليغسل عنه الدم، فوجده آجناً، فرده)
(آجنًا) أي: متغيرًا، (فرده) أي: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا بنحوه في صحيح ابن حبان.
******************************
وأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرة هناك، فلم يستطع لِما به صلى الله عليه وسلم، ولأنه ظاهرَ يومئذ بين درعين، فجلس طلحة تحته حتى صعد، وحانت الصلاة، فصلى جالساً، ثم مال المشركون إلى رحالهم، ثم استقبلوا طريق مكة منصرفين إليها، وكان هذا كله يوم السبت.
واستشهد يومئذ من المسلمين نحو السبعين.
منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله وحشي مولى بني نوفل وأُعتِق لذلك، وقد أسلم بعد ذلك، وكان أحدَ قَتَلَةِ مسيلمة الكذاب لعنه الله، وعبد الله بن جحش حليف بني أمية، ومصعب بن عمير، وعثمان بن عثمان، وهو شماس بن عثمان المخزومي، سُمِّي بشمَّاس لحُسْنِ وجهه.
فهؤلاء أربعة من المهاجرين، والباقون من الأنصار رضي الله عنْ جميعهم، فدفنهم في دمائهم وكُلُومهم، ولم يصلِّ عليهم يومئذ.

******************************
(وأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرة هناك، فلم يستطع لِما به صلى الله عليه وسلم)
من الجروح والآلام ،ولأنه ظاهر يومئذ بين درعين.
(وحانت الصلاة، فصلى جالساً)
فيه المحافظة على صلاة الجماعة حتى في الغزو.
(واستُشهد يومئذ من المسلمين نحو السبعين)
هؤلاء جملةٌ نصَّ الحافظ ابن كثير رحمه الله أنهم استشهدوا في غزوة أحد.
(منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله وحشي مولى بني نوفل وأُعتِق لذلك)
وحشي بن حرب حكى قصة قتله لحمزة رضي الله عنه وهذا في صحيح البخاري (4072) من طريق جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ، نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِيلَ لَنَا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيتٌ، قَالَ: فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ، فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلاَمَ، قَالَ: وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي العِيصِ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلاَمًا بِمَكَّةَ، فَكُنْتُ أَسْتَرْضِعُ لَهُ، فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الغُلاَمَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ، قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ، وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ، خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى القِتَالِ، فَلَمَّا أَنِ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا سِبَاعُ، يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ، أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ: وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ العَهْدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ، فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسْلاَمُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ لاَ يَهِيجُ الرُّسُلَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «آنْتَ وَحْشِيٌّ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ» قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي» قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ، قُلْتُ: لَأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ، قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الفَضْلِ: فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: " فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ العَبْدُ الأَسْوَدُ " .
(وأُعتق لذلك)
كما تقدم في البخاري ، وعم جبيرهو طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِكما في صحيح البخاري (قَالَ –أي وحشي-: نَعَمْ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ). فأُعتق من أجل قتله لحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجازاة له، ومكافأة له.
(فهؤلاء أربعة من المهاجرين، والباقون من الأنصار رضي الله عنهم جميعهم)
يعني الذين قُتلوا في غزوة أحد من الأنصار إلا القليل من المهاجرين، وقد ذكر هنا الحافظ ابن كثير رحمه الله أنهم أربعة.
(فدفنهم في دمائهم وكُلومهم، ولم يصل عليهم يومئذ)
(كلومهم) أي: جروحهم، ولم يصل عليهم؛ لأنهم شهداء وهذا في صحيح البخاري (1343) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ»، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ.
قال ابن كثير في البداية (4/43ط دار الكتب العلمية):كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ بَلْ فِي الْكَفَنِ الْوَاحِدِ .وَإِنَّمَا أَرْخَصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي يشق معها أن يحفروا لكل واحد،وَيُقَدِّمَ فِي اللَّحْدِ أَكْثَرَهُمَا أَخْذًا لِلْقُرْآنِ .اهـ.
(واستُشهِد يومئذ من المسلمين نحو السبعين)
كان عدد الذين استشهدوا في غزوة أُحُد نحو السبعين قال تعالى:﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران:165] ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾أي: في غزوة أحد، ﴿أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ أي: في غزوة بدر، فإن الصحابة قتلوا سبعين من المشركين وأسروا سبعين.
وقال الإمام البخاري في صحيحه (بَابُ مَنْ قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَاليَمَانُ، وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ .
ثم ذكر رحمه الله (4078) بإسناده من طريق قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ " قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعُونَ، قَالَ: «وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَوْمُ اليَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ».

******************************

وفرَّ يومئذٍ من المسلمين جماعةٌ من الأعيان، منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد نص الله سبحانه على العفو عنهم، فقال عز وجل: :﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾[آل عمران: 155].
وقتل يومئذ من المشركين اثنان وعشرون.
وقد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران حيث يقول: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران:121].

******************************
(وفر يومئذ من المسلمين جماعة من الأعيان، منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه)
عثمان بن عفان أحد المبشرين بالجنة، والخليفة الثالث بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد جاء رجل إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فطرح عليه ثلاثة أسئلة ، فأجابه وخصمه عبد الله بن عمر رضي الله عنه .
وهذا في صحيح البخاري (3698) من طريق عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ البَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ القَوْمُ؟ فَقَالُوا هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ، قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَسَهْمَهُ» وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ اليُمْنَى: «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ». فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: «هَذِهِ لِعُثْمَانَ» فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ".
ولا يجوز بحالٍ تنقص الصحابة ،أوالكلام فيهم بما يحطُّ من شأنهم رضي الله عنهم أجمعين ،اختارهم الله صحابةً لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،ووعدهم كلهم بالحُسنى .

(وقُتل يومئذ من المشركين اثنان وعشرون)
هؤلاء عدد قتلى المشركين في غزوة أحد.
(وقد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران حيث يقول: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران:121])
﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ...﴾ إلى ستين آية وبدايتها هذه الآية في سياق غزوة أحد .وقد نص على ذلك ابنُ القيم في زاد المعاد(3/ 189) وقال : فَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ، أَوَّلُهَا: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آلِ عِمْرَانَ: 121] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ..
وممن حضر هذه الوقعة من النساء عائشة أم المؤمنين، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأم سليم، وأم سَليط والدة أبي سعيد الخدري رضي الله عنهن حضرن الغزو لا للغزو ولكن لخدمة المجاهدين، فكن يداوين الجرحى، ويسقين المرضى إلى غير ذلك.
أخرج البخاري (4064) عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: «انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ» قَالَ: وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى القَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ، يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا .
وبوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث في كتاب الجهاد (باب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ ) .
قال الحافظ في فتح الباري (2880):وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُنَّ قَاتَلْنَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ ابن الْمُنيرِ :بَوَّبَ عَلَى قِتَالِهِنَّ وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ .
فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إِعَانَتَهُنَّ لِلْغُزَاةِ غَزْوٌ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُنَّ مَا ثَبَتْنَ لِسَقْيِ الْجَرْحَى وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا وَهُنَّ بِصَدَدِ أَنْ يُدَافِعْنَ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ وَهُوَ الْغَالِبُ اهـ.
فكان من النساء من يحضر الغزوة لخدمة المجاهدين ،أخرج الإمام مسلم (1812) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى» .
وقصة فاطمة رضي الله عنها تقدمت،وأنها داوت جرح النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج البخاري(2881) من طريق ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ: أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ المَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: «أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ، وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، قَالَ عُمَرُ: «فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا القِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ».
وقد ترجم لأم سليط الحافظ في الإصابة وقال : قال أبو عمر-أي ابن عبدالبر-: من المبايعات، حضرت مع النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يوم أحد، قال عمر بن الخطاب: كانت ممن يزفر لنا القرب يوم أحد.
قلت: ثبت ذكرها في صحيح البخاريّ، عن عمر، كناها عمر بابنها سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة، وهي أم قيس بنت عبيد. ذكر ذلك ابن سعد ، ثم ذكر غيره أنها تزوّجت بعد أبي سليط مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدريّ، فولدت أبا سعيد، فهو أخو سليط بن أبي سليط لأمّه.اهـ.
وهناك من الأمور كانت في غزوة أحد مشابهة لغزوة بدر منها:
النعاس: قال عز وجل في غزوة أحد:{ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } .وقال سبحانه في غزوة بدر ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾[الأنفال:11].
ومنها :الدعاء، أخرج الإمام مسلم (1743) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «اللهُمَّ، إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ».
وسبق في غزوة بدر أنه قال نحو ذلك.
أمرٌثالث :أخرج البخاري (4046) ومسلم (1899) من طريق عَمْرٍو وهو ابن دينار، سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَيْنَ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تحت الرقم المذكور: لم أقف على اسمه .
وتقدم معنا في غزوة بدر قصة لعمير بن الحمام رضي الله عنه مشابهة لهذه ،رضي الله عنهما .
وقد ذكر هذه المسألة الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (4/29).
انتهينا من غزوة أحد،واستفدنا فوائد عظيمة ودروسًا وعِبَر، وما كان من الابتلاءات للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته رضي الله عنهم في هذه الوقعة ،وفي ذلك حِكَمٌ عظيمة تقدم بعضها ،وقد كان في أول الأمر الدولة للمسلمين ثم كان من أمر الله ما كان ،ونلاحظ من الأدب مع الصحابة أن الحافظَ ابنَ كثير لا يقول :هُزِمَ الصحابة ،ولكنه يقول (فكان ما أراد الله تعالى كونَه) ،ثم كان العاقبة والنصر للمسلمين فقد أنزل الله عليهم الطمأنينة وغشيهم النعاس قال الحافظ ابن كثير في البداية (4/29) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الْقُلُوبِ بنصر الله وتأييده وتمام توكلها على خلقها وَبَارِئِهَا.اهـ.
ونزل جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام للنصر والمَدد والمعونة أخرج البخاري(4054)ومسلم (2306) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ القِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ»وعند مسلم يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.وهذا من الكرامات التي وقعت في هذه الغزوة .
ومما استفدنا شؤم الذنب والتنازع لأن ما حصل للصحابة في هذه الغزوة هو بسبب مخالفة بعضهم فالمخالفة لأمرالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها ضررٌ عظيمٌ، ولكن العاقبة للمتقين،حكمة الله أن الحرب سجال بين المسلمين وأعدائهم قال ابن القيم في زاد المعاد (3/ 196): فَإِنَّهُمْ لَوِ انْتَصَرُوا دَائِمًا دَخَلَ مَعَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَتَمَيَّزِ الصَّادِقُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوِ انْتُصِرَ عَلَيْهِمْ دَائِمًا لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ وَالرِّسَالَةِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ أَنْ جَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِيَتَمَيَّزَ مَنْ يَتَّبِعُهُمْ وَيُطِيعُهُمْ لِلْحَقَّ، وَمَا جَاءُوا بِهِ مِمّنْ يَتَّبِعُهُمْ عَلَى الظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ خَاصَّةً.اهـ.
معرفة بعض الصحابة الذين شَهدِوا الغزوة وما هم عليه من شدة المسابقة إلى الجنة ،وشدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبوطلحة يقول يا رسول الله نحري دون نحرك ،وبيان بعض من استُشهد في هذه الغزوة وأن شهادتهم كرامة من الله لهم ،وهذامما يزيد المؤمن محبةً للصحابة وتوقيرًا لهم،كرامة لأنس بن النضر لوجده ريح الجنة دون أحُدٍ رضي الله عنه ،
وأنه في هذه الغزوة تميَّز كثيرٌ من المنافقين حيث انخزل عبدالله ابن أُبَي بثلاثمائة، ورجعوا من الطريق ،حضور الشيطان المعركة–نعوذ بالله منه- وما قام به من الكيد للمسلمين فقد صرخ وقال: أي عباد الله أُخراكم ،وتثبيط الصحابة بقوله إن محمدا قد قُتل حتى ظهرللصحابة بعد شِدَّةٍ ومحنة عظيمة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يمتْ ،نزول آيات في سورة آل عمران ما يقارب ستين آية في شأن غزوة أحد .
ردُّ الصبيان وعدم قبولهم في المعركة ،أن شهيد المعركة لا يغسَّل ولا يُصلَّى عليه، جواز دفنِ الرجلين والثلاثة في قبرٍ واحد عند وجود المشقة من تفريقهم لكثرتهم،فضل أهل القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقدِّم في اللحد من هو أكثر قرآنًا،خروج النساء في الغزو لإعانة المجاهدين وخدمتهم .

هذا وقد ذكر ابنُ القيم في زاد المعاد فوائد واستنباطات كثيرة من وقعة أُحد فمن أرادَ المزيدَ فليَرجِعْ إليه .والله أَعلم .










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-03, 09:23   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس السادس عشر من / الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 22من جمادى الأولى 1437.


بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس عشر
فصل ـ غزوة حمراء الأسد
ولما أصبح يوم الأَحد، ندب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى النُّهوضِ في طلب العدو، إرهاباً لهم، وهذه غزوة حمراء الأسد، وأمر ألا يخرجَ معه إلا من حضر أُحُداً، فلم يخرج إلا من شهد أُحداً، سوى جابر بن عبد الله، فإنه كان أبوه استخلَفه في بناتِه، فقتل أبوه يوم أحد، فاستأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الخروجِ إلى حمراءِ الأسد، فأذِن له.
فنهضَ المسلمون كما أمرهم صلى الله عليه وسلم، وهم مثقلُون بالجراح، حتى بلغ حمراءَ الأسد وهي على ثمانية أميالٍ من المدينة، فذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:172]. ومر معبد بن أبي معبد الخُزاعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأجازه حتى بلغ أبا سفيان والمشركين بالروحاء، فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد خرجوا في طلبهم، ففت ذلك في أعداد قريش، وكانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة فثناها ذلك واستمروا راجعين إلى مكة.
وظفر عليه الصلاة والسلام بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص فأمر بضرب عنقه صبراً، وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مران، فلم يُقتل فيها سواه.

********************************
هذا الفصل في غزوة حمراء الأسد،وقد كانت في السنة الثالثة عقب غزوةِ أُحُد ،وقعةُ أُحُد في يوم السبت ،وغزوة حمراء الأسد في يوم الأَحَد .
وسببها أن قريشًا بعد انتهاء معركة أُحد يوم السبت انصرفوا راجعين إلى مكة، فلما كانوا في الطريق تلاوم بعضهم على بعض، وقالوا: قاتلتم محمدًا وأصحابه وكسرتم شوكتهم ولكن بقي فيهم رؤوس سيجمعون لكم، ثم يقاتلونكم فهمُّوا بالرجوع إلى المدينة، وعلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك فندب أصحابه وأمرهم بالخروج إلى كفار قريش إلا من لم يشهد وقعة أحد ،وكانوا في غزوة أُحُد سبعمائة وقُتِلَ منهم سبعون واستأذنه جابر بن عبدالله وذكر له أنه تخلف عن غزوة أُحد لأمر أبيه عبدالله بن عمرو له أن يبقى في رعاية أخواته أي بنات عبدالله بن عمرو فأذن له ولم يأذن لغيره ممن لم يشهد غزوةَ أحد قال الزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 465) لعل حكمة ذلك وإن كان خروج المتخلفين فيه زيادة في إرهاب الأعداء وتقوية المسلمين، أنه أراد إظهار الشدة للعدو, فيعلمون من خروجهم مع كثرة جرحاتهم أنَّهم على غاية من القوة والرسوخ في الإيمان وحب الرسول, والزيادة في تعظيم من شهد أُحد، أو أنه خاف اختلاط المنافقين بهم فيَمُنُّون عليه بعد بخروجهم معهم وهم مسلمون ظاهرًا، فلا يرد أنه كان يمنعهم دون المسلمين.اهـ.
واستجاب الصحابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم منهكون بالجروح،فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بجراحاتهم وقد مدحهم الله بقوله: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:172]. (الْقَرْحُ): الجروح.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (إرهاباً لهم) وأن المسلمين لم يوهِنْهِم الحرب، وفي صحيح البخاري (4077)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ المُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، قَالَ: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالزُّبَيْرُ ».
وهذا فيه أيضًا خوف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يرجع كفارُ قريش .
قال الحافظ ابنُ كثير في البداية والنهاية (4/52) وَهَذَا السِّيَاقُ غَرِيبٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَغَازِي أَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ كُلُّ مَنْ شَهِدَ أُحُدًا، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَبَقِيَ الْبَاقُونَ.اهـ.
قال محمد بن يوسف الصالحي في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (4/314) : الظاهر والله أعلم أنه لا تخالف بين قول عائشة وما ذكره أصحاب المغازي، لأنّ معنى قولها: «فانتدب منهم سبعون» أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون، ولم ينبّه على ذلك الحافظ في الفتح.اهـ.
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حمراء الأسد. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وهي على ثمانية أميال من المدينة).
ومر معبد بن أبي معبد الخزاعي وكان كافرًا، وذكر ابن القيم رحمه الله أنه أسلم ففي زاد المعاد (3/ 216، 217): وَأَقْبَلَ معبد بن أبي معبد الخزاعي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بأبي سفيان، فَيُخَذِّلُهُ، فَلَحِقَهُ بِالرَّوْحَاءِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِسْلَامِهِ، فَقَالَ مَا وَرَاءَكَ يَا معبد؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ تَحَرَّقُوا عَلَيْكُمْ، وَخَرَجُوا فِي جَمْعٍ لَمْ يَخْرُجُوا فِي مِثْلِهِ، وَقَدْ نَدِمَ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِمْ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتَّى يَطْلُعَ أَوَّلُ الْجَيْشِ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ الْأَكَمَةِ. القصة.
كذا ذكر ابنُ القيم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي أمر معبدالخزاعي أن يثبط كفار قريش فمر معبد بأبي سفيان وجماعته بالروحاءفثبطهم وكسر شوكتهم. بينما في سيرة ابن إسحاق(2/ 102)وغيرها ما نصه: وَكَانَتْ خُزَاعَةُ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتِهَامَةَ، صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ، وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عَافَاكَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدَّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ، ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ! لَنَكُرَنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَلَنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا، قَالَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا ، فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: وَيْحكَ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتَّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيل، قَالَ: فو الله لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ، لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ: قَالَ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ .
وهذا ظاهره أن معبدًا الخزاعي كان يحترم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه قام بتثبيط أبي سفيان وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي أمره بذلك .
ثم الإسناد غير متصل .
وجاء أن المشركين رأوا واحدا ذاهبًا إلى المدينة. فقالوا: قل لمحمد إننا نجمع له فبلغ النبي وصحابته فزادهم إيمانًا وقوة، كما قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173]. إنما هذا تخويف الشيطان للمسلمين مِن أوليائه وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]. (يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي: يخوفكم أولياءَه.

فازداد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته إيمانًا، ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
وهذه الكلمة كلمة عظيمة بالغةُ الأثر .وقد ثبت صحيح البخاري (4563) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، «قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» حِينَ قَالُوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173].
(حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم حين ألقي في النار فكانت عليه بردًا وسلاما .وقالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجعل كيد عدوه هباءًمنثورًا.
معنى (حسبنا الله ونعم الوكيل)، حسبنا الله: أي: كافينا الله، الحسب الكافي. ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر:36]. ونعم الوكيل: نعم الحفيظ و الموكول إليه الأمور. قال البغوي رحمه الله في تفسيره (2/ 138): " {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} أَيْ: كَافِينَا اللَّهُ، {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أَيِ: الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (7/ 204)أَي: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِينَا كُلَّنَا. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية :أَيْ كَافِينَا اللَّهُ. وَحَسْبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْسَابِ، وَهُوَ الْكِفَايَةُ.
وقال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره : "(وقالوا حسبنا الله) أي: كافينا كل ما أهمَّنا (ونعم الوكيل) المفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم".وبنحوه يقول الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين .
هذا ما ذكره أهل العلم عن هذه الكلمة، وهي كلمةٌ معناها الاستعانة بالله والالتجاء إلى الله والتوكل عليه، وليس معناها الدعاء. وإذا نوى قد تكون له نيته ،ولكن الأصل ليست دعاء.
هذه الكلمة تقال عند الشدائد، عند الأذى، عند الكُربة، عند الحزن، عند الشدة،الظلم ،المرض، تقال أيضًا في جلب الخيروالنِّعَم، قال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة:59]. وقد تقولها الأم لأولادها وتقصد الاستعانة بالله على صلاح الأولاد واللطف من عنده تعالى.
ويجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه . والأَولى أن يقتصر على (حسبنا الله ونعم الوكيل) أو (الله المستعان). قال يعقوب عليه السلام: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف:18]. ومثل: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فهذا هو الأولى .وأما الجواز فيجوز أن يدعو المظلوم على ظالمه، كما قال تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء:148]. ويدخل فيه الدعاء.
ومن ذلك قصة سعد بن أبي وقاص كما في صحيح البخاري (755) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ «فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ»، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ .
( لا يسير بالسرية) أي: لا يسير مع الجيش ،وصفه بالجبن.
قصة سعيد بن زيد أحد المبشرين بالجنة في صحيح مسلم (1610) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا، قَالَ: " فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا " .
«اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» الحذر من الظلم. ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه:111]. ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام:21].
وثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَا السِّعْرُ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ، وَلَا مَالٍ» .أخرجه أحمد في مسنده(14057) .
(فِي دَمٍ) قتل النفس التي حرم الله. (وَلَا مَالٍ) أخذ أموال الناس بالباطل.
من نجا من الشرك، ومَن نجا مِنْ ظُلم المسلمين في أعراضهم وأموالهم ودمائهم فهو على خير. لا تلصُّص ولا سرقة ولا اختلاس أموال الناس مثل الضرائب والجمارك ،والرشاوى.
الرشوة: ما أعطي لإحقاق باطل أوإبطال حق. هذا ما أخذناه من الوالد رحمه الله، وذكر لنا رحمه الله لما أخرجت كتبه من المدينة احتُجزت قالوا :كتبٌ وهابية وظن مَن جاء بها أنه لو أعطاهم مالًا يكون رشوة وما عرف أن الرشوة : ما أعطي لإحقاق باطل أولإبطال حق .
الرشوة هنا لا تنطبق على المعطِي تنطبق على المُعْطَى .ثم سُلِّمتْ له رحمه الله بعد عناء وتعبٍ ومضَضٍ.
عرفنا شؤم الظلم ومضارَّه ، فالابتعاد عن الظلم نعمةٌ عظيمة ،لا لصغيرولا كبير، ومن كانت لها كلمة وقوة لا تظلم من تحتها ،لا تظلم يتيمةً، لا تظلم زوجة ولد، حتى أزواج الأولاد بعضهن يظلمن، ولكن﴿لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:279] .ومن الأدعية عندالخروج ما أخرج أبوداود في سننه (5094) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ، أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ، أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ». (أَوْ أَظْلِمَ، أَوْ أُظْلَمَ)
أن نظلم غيرنا أو نُظْلم في أنفسنا.فقد يفتن الإنسان إذا ظُلِم، وبعض الناس يدعو على نفسه ( اللهم اجعلنا من المظلومين) هذا خطأ لا يدعو على نفسه بالفتنة.

وقوله (فَفَتَّ في أعضاد قريش) قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد(4/316):أي كسر.
(وظفر عليه الصلاة والسلام بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص فأمر بضرب عنقه صبراً، وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مران).
قتل الصبر قال ابنُ الأثير في النهاية : هُوَ أَنْ يُمسَك شيءٌ من ذوات الرُّوح حيَّا ثم يُرْمى بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ.
(فلم يقتل فيها سواه) أي: لم يقتل سوى معاوية بن المغيرة في غزوة حمراء الأسد.
********************************
فصل ـ بعث الرَّجيع
ثم بعث صلى الله عليه وسلم بعدَ أُحد بعثَ الرجيع، وذلك في صفر من السنة الرابعة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى عَضَلٍ والقَارَةِ بسؤالهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذلك حين قدموا عليه وذكروا أن فيهم إسلاماً، فبعث ستةَ نفر في قول ابن إسحاق، وقال البخاري في صحيحه كانوا عشرة. وقال أبو القاسم السهيلي: وهذا هو الصحيح.
وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثدالغنوي رضي الله عنهم. ومنهم خبيب بن عدي، فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع، وهو ماءٌ لهذيل بناحية الحجاز بالهدْأَة غدروا بهم، واستصرَخوا عليهم هُذَيلاً، فجاؤوا فأحاطوا بهم فقتلوا عامَّتهم،وكانَ في شأنهم آياتٌ رضي الله عن جميعهم ، واسْتُأْسِر منهم خبيب بن عدي ورجل آخر وهو زيد بن الدَّثِنة فذهبوا بهما فباعوهما بمكة، وذلك بسبب ما كانا قتلا من كفار قريش من يوم بدر. فأما خبيب رضي الله عنه فمكث عندهم مسجوناً ثم أجمعوا لقتله فخرجوا به إلى التنعيم ليصلُبوه فاستأذنهم أن يصلي ركعتين فأذنوا له: فصلاهما ثم قال: والله لولا أن تقولوا أن ما بي جزعٌ لزدت، ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم وكلوا به من يحرسه، فجاء عمرو بن أمية فاحتمله بخدعة ليلاً فذهب به فدفنه.
وأما زيد بن الدَّثنة رضي الله عنه فابتاعَه صفوان بن أمية فقتله بأبيه. وقد قال له أبو سفيان: أيسرك أن محمداً عندنا تُضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه.

********************************
عندنا هنا بعث الرجيع قال الحافظ في فتح الباري :الرَّجِيعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ هُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلرَّوْثِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاسْتِحَالَتِهِ .وَالْمُرَادُ هُنَا اسْمُ مَوْضِعٍ مِنْ بِلَادِ هُذَيْلٍ كَانَتِ الْوَقْعَةُ بِقُرْبٍ مِنْهُ فَسُمِّيَتْ بِهِ .اهـ.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وذلك في صفر من السنة الرابعة) وبعضهم ذكرها في سنة ثلاث كابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/169).وقد نقل ذلك الحافظ في فتح الباري عن ابن إسحاق أنه ذكر غزوة الرجيع في أواخرسنة ثلاث .اهـ.
وسبب غزوة الرجيع أن عضل والقارة وهما قبيلتان قال الحافظ في فتح الباري(3905)عن القارة:وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَة من بني الْهون بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَكَانُوا حُلَفَاءَ بَنِي زُهْرَةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلَ فِي قُوَّةِ الرَّمْيِ قَالَ الشَّاعِرُ قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا .اهـ.
وقال ابن حجر رحمه الله في المواهب اللُّدنية بالمنح المحمدية (1/259):عضَل والقارة- بفتح الضاد المعجمة بعدها لام- بطن من بنى الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، ينسبون إلى عضل بن الديش.
وأما القارة، فبالقاف وتخفيف الراء، بطن من الهون ينسبون إلى الديش المذكور، قال ابن دريد: القارة: أكمة سوداء فيها حجارة، كأنهم نزلوا عندها فسموا بها.اهـ.
سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبعث من يعلمهم ويقرؤهم القرآن فأرسل إليهم مجموعة من أصحابه في صحيح البخاري أنهم عشرة.
وقوله (وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثدالغنوي)وفي صحيح البخاري (3045)وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ قال الحافظ في فتح الباري : قَوْلُهُ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ كَذَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي السِّيرَةِ أَنَّ الْأَمِيرَ عَلَيْهِمْ كَانَ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ وَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .اهـ.
و في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث هؤلاء العشرة عينًا أي جواسيس لبعض الأمور.فالروايات مختلفة .والله أعلم.وللاستفادة نسوق الحديث بلفظه من البخاري (4086) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ» وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ القَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ العَهْدُ وَالمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا، أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ العَهْدَ وَالمِيثَاقَ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي، فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ المُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ المَوْتِ لَزِدْتُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، ثُمَّ قَالَ: [البحر الطويل]
مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًــــــا *** عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي،
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ *** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقبَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ".
(وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثدالغنوي رضي الله عنهم)
وهذا فيه الإمارة في السفر أما الإمارة في الحضر هذا ما عليه دليل.
وهذا ما استفدناه من والدي الشيخ مقبل رحمه الله أن الإمارةَ في الحضر غير مشروعة لا تجوز وأن الإمارة في الحضر تشتت شمل المسلمين قال:وعندما نزلنا مصر رُبَّ ثلاثة ولهم أمير، إلا إذا كان منصوبا من قبل الرئيس .
قال أما الإمارة في السفر فهي مشروعة فقد روى أبوداود (2608)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ».هذا ما أفاده الوالد رحمه الله وكان يكررُ في دروسه إنكاره على الحزبيين .
قلت :وفي فتاوى اللجنة الدائمة(23/402):هل تجوز إمارة الحضر؟ أي: معلوم أنه يكون من السنة إذا كان ثلاثة في سفر أن يكون أحدهم عليهم أميرا، فهل يجوز أن يكون هناك أمير على مجموعة في بلدهم، وليسوا بمسافرين بل هم مقيمون؟
ج: صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا خرج ثلاثة في سفرفليؤمروا أحدهم » رواه أبو داود بإسناد حسن.
وهذا كما هو ظاهر الحديث في السفر، أما الحضر فإن الإمارة تكون لمن ولي أمر البلد بولاية شرعية وكل أمير بحسبه.اهـ.
فلما وصلوا إلى الرجيع غدروا بهم وقتل عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فذهبوا بهما وباعوهما في مكة.
(وذلك بسبب ما كانا قتلا من كفار قريش من يوم بدر)
مجازاة لهما لأن خبيبًا وزيد بن الدثنة كانا من الأبطال في غزوة بدر. فمكث عندهم خبيب مسجونًا. وكان له من الكرامات مافي صحيح البخاري: (4086) " لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ" .
القطف :العنقود من العنب.
ثم أجمعوا على قتله فخرجوا به إلى التنعيم. وهذا يستفاد منه أن كفار قريش يعتقدون حرمة مكة ولهذا خرجوا إلى التنعيم إلى الحل، فاستأذن أن يصلي ركعتين فأذنوا له فصلاهما وفي صحيح البخاري "فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ" فيستحب لمن يقام عليه القصاص أن يركع ركعتين.
(ثم قال: والله لولا أن تقولوا أن ما بي جزع لزدت)
أي: زدت على هذين الركعتين، وهذا دليل على شجاعته. ودعا عليهم بدعوات (قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا) كما في صحيح البخاري (3989) فاستجاب الله دعوته في كثير منهم قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(4086):وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ فَقَالَ خُبَيْبٌ اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ مَنْ يُبَلِّغُ رَسُولَكَ مِنِّي السَّلَامَ فَبَلِّغْهُ وَفِيهِ فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ اسْتَقْبَلَ الدُّعَاءَ قَالَ فَلَبَدَ رَجُلٌ بِالْأَرْضِ خَوْفًا مِنْ دُعَائِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا قَالَ فَلَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ حَيٌّ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي لبد بِالْأَرْضِ.اهـ.
ثم أنشد رضي الله عنه هذين البيتين
مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًــــــا *** عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي،
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ *** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (7/384): "قَوْلُهُ (أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ) الْأَوْصَالُ: جَمْعُ وَصْلٍ وَهُوَ الْعُضْوُ، وَالشِّلْوُ: بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْجَسَدُ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعُضْوِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْجَسَدُ، وَالْمُمَزَّعُ: بِالزَّايِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ الْمُقَطَّعُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَعْضَاءُ جَسَدٍ يُقَطَّعُ". اهـ.
(ثم وكلوا به من يحرسه، فجاء عمرو بن أمية فاحتمله بخدعة ليلاً فذهب به فدفنه)
قتلوه ووكلوا بحراسة جُثَّته ثم جاء متسللا عمرو بن أمية وهو عمرو بن أمية الضمري كان شجاعًا بطلًا فجاءه فأخذه ثم ذهب به ودفنه.
وقد جاءفي مسند الإمام أحمد(28/ 489)من طريق جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَحْدَهُ عَيْنًا إِلَى قُرَيْشٍ "، قَالَ: جِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ وَأَنَا أَتَخَوَّفُ الْعُيُونَ، فَرَقِيتُ فِيهَا، فَحَلَلْتُ خُبَيْبًا، فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ، فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ الْتَفَتُّ، فَلَمْ أَرَ خُبَيْبًا، وَلَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَلَمْ يُرَ لِخُبَيْبٍ أَثَرٌ حَتَّى السَّاعَةِ .وسنده ضعيف .
ودفن المؤمن يعتبر كرامة من الله فهذه كرامة لخبيب ستر جثته بالتراب فقد قال الله: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ (25) كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)﴾ [المرسلات]. وقال سبحانه: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس:21]. ويعتبر القبر دارًا لصاحبه، كما في صحيح مسلم (974) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللهُمَّ، اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ».
(وأما زيد بن الدثنة رضي الله عنه فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه)
(فابتاعه) أي: اشتراه صفوان بن أمية بن خلف فقتله بأبيه؛ لأن أباه قتل في غزوة بدر. هذا حاصل بعث الرجيع.

وقد استنبط الحافظ ابن حجر فوائد من قصة خبيب وأصحابه وذكر منها : وَفِيهِ الْوَفَاءُ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْعَهْدِ وَالتَّوَرُّعُ عَنْ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ وَالتَّلَطُّفُ بِمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ ،وَإِثْبَاتُ كَرَامَةِ الْأَوْلِيَاءِ ،وَالدُّعَاءُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالتَّعْمِيمِ ،وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الْقَتْلِ ،وَفِيهِ إِنْشَاءُ الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ عِنْدَ الْقَتْلِ ،وَدَلَالَةٌ على قُوَّةِ يَقِينِ خُبَيْبٍ وَشِدَّتِهِ فِي دِينِهِ ،وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِمَا شَاءَ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ لِيُثِيبَهُ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ، وَفِيهِ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُسْلِمِ وَإِكْرَامُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ مِمَّا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ ،وَإِنَّمَا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي حِمَايَةِ لَحْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ قَتْلِهِ لِمَا أَرَادَ مِنْ إِكْرَامِهِ بِالشَّهَادَةِ ،وَمِنْ كَرَامَتِهِ حِمَايَتُهُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ بِقَطْعِ لَحْمِهِ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ مِنْ تَعْظِيمِ الْحَرَمِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ .اهـ.










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-06, 08:21   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(8) التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ
الكاتب أم عبدالله الوادعية
بسم الله الرحمن الرحيم
(8) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)
اختصارُ درسِ الخامس عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

*
غزوةُ أحد: كانت في السنة الثالثة في شوال .وكانت هذه المعركة من المعارك العظيمة. وفيها امتحان للمؤمنين في إيمانهم وصبرهم ومجاهدتهم ،وليتميزالمنافقون من المؤمنين، قال سبحانه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)﴾ [آل عمران:166].وقوله{ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا}الله عزوجل لا يعزب عن علمه مثقالُ ذرَّةٍ في السماوات ولا في الأرض. وقد وضَّح المرادَ ابنُ القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/200)في سياق الحِكَم التي كانت في غزوة أُحُدٍ قال: ثُمّ ذَكَرَ حِكْمَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَتَمَيَّزَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَيَعْلَمُهُمْ عِلْمَ رُؤْيَةٍ وَمُشَاهَدَةٍ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مَعْلُومِينَ فِي غَيْبِهِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ الْغَيْبِيُّ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْمَعْلُومِ إذَا صَارَ مُشَاهَدًا وَاقِعًا فِي الْحِسِّ.اهـ.

*سبب الغزوة: أن قريشًا كانوا متألِّمِين ممَّا حصل لهم من قتل أشرافهم وكبارهم يوم بدرٍ فقد قُتِلَ منهم سبعون ، وما حصل لأبي سفيان في غزوة السويق من رجوعه هاربًا منهزمًا فجمَّع قريشًا ليغزو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يزعم.
*عدد المشركين: كانوا قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش وكان رئيسُ المشركين يوم أحد أبا سفيان.والسبب في كون أبي سفيان رئيسًا عليهم أن أكابر قريش قد قُتلوا في غزوة بدر. فجعلوا على ميمنتِهم خالدَ بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمةَ بن أبي جهل. وكان أول من برز من المشركين يومئذ أبو عامر الراهب، واسمه عبد عمرو بن صيفي دخل في المعركة، وقاتل قتالًا شديدًا، ونجا وما قُتل؛ وقد ذهب إلى الروم فيما بعد ذلك ومات هناك. وله ولدٌ مشهورٌ بغسيل الملائكة وهو حنظلة الغسيل بن أبي عامر، قاتل في غزوة أحد، وأبلى بلاءً حسنًا، واستشهد فيها رضي الله عنه. وجاء قريش بنسائهم لئلا يفروا ليكون تثبيتًا لهم في عدم الفرار.وقد قتل يومئذ من المشركين اثنان وعشرون.
*سبب تسمية هذه الوقعة بغزوة أحد: لأنها كانت جَنْبَ أُحد. وأُحد جبل جاء في فضله بعض الأحاديث. قال الإمام البخاري رحمه الله: (بَابٌ: أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) ثم ذكر حديثَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا». وهذا على ظاهره. وقد قال بعضهم: المراد أهل جبل أحد، وهذا صرف لظاهر الحديث لغير دليل .والله على كل شيء قدير.
*استشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج أو البقاء لمَّا علم بقدوم قريش لغزو المسلمين، وذكر الحافظ ابن كثيرٍ هنا-أعني في الفصول- أنهم انقسموا في المشورة إلى قسمين: فبادر بعض الصحابة ممن لم يشهد بدرا إلى الخروج، وألحُّوا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأشار عبد الله بن أُبَي بن سلول وبعض الصحابة بالمقام بالمدينة، فإن قدموا إلى المدينة قاتلناهم.وفي هذا دليلٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا طَرَقَهُمْ عَدُوُّهُمْ فِي دِيَارِهِمُ الْخُرُوجُ إِلَيْهِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا دِيَارَهُمْ، وَيُقَاتِلُوهُمْ فِيهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْصَرَ لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْكما قال ابن القيم في زاد المعاد(3/ 189). فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيته ولبس لأْمته ثم خرج عليهم وقد انثنى عزمُ بعض أولئك وقالوا: لعلنا استكرهنا رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن أحببتَ أن تمكث في المدينة فافعل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ». وهذا الحديث في مسند أحمد (23/99) من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله وأبو الزبير مدلس وقد عنعن ولكن له من الشواهد ما يقويه. وفيه دليل أَنَّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ، وَتَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْخُرُوجِ حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ كما في زاد المعاد.
*فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة من المدينة إلى أُحد في ألف مقاتل. ثم انخزَل- أي انفرد-عبدُ الله بن أُبي بن سلول في أثناء الطريق بثلاثمائة ورجعوا. فلم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا سبعمائة، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه وحثهم على الرجوع فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبَّهم. ثم مضى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعبَ أُحد فرتَّب النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه ورتَّب أمورَ الغزوة. وأعطى اللواءَ مصعب بن عمير وجعل على إحدى المجنَّبَتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو. واستعرض الشبابَ يومئذ، لينظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الذي يناسب دخوله الغزو، وقد قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضًا منهم ورد آخرين. وكان ممن ردَّ عبدالله بن عمررضي الله عنهم لأنه لم يكن من البالغين.
واستعمل على الرماة ـ وكانوا خمسين ـ عبد الله بن جبير، وأمَرَه وأصحابَه أن لا يتغيروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظُهور المسلمين أن يؤتَوا من قِبَلهم .
* النصر كان في أول النهار للمسلمين وانهزم المشركون، وكان نساء كفار قريش يشتددن في الجبل ـ يعني صعودًا ـ ويرفعن عن سُوقهن حتى بدت خلاخِلُهن فقال الصحابة لما رأوا المشركون انهزموا: الغنيمةَ، الغنيمةَ، وانفضوا إلى الغنيمة. فوجد المشركون فُرجة لأنه خلا المكان من الرماة الذي قد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعلهم فيه ليحرسوا المسلمين ، وقد كان عبد الله بن جبير يقول لهم: لا تفعلوا. والقصة بهذا المعنى في صحيح البخاري (4043). ولما حصل من بعض الصحابة المخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ما أراد الله تعالى كونَه .
وقد قال أبو سفيان: (يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي)رواه البخاري . يريد أنَّ غزوة أحد مقابل يوم بدر لأن المسلمين في غزوة بدرٍ قَتلوا سبعين من المشركين وأسروا سبعين. فاستُشهِد من أكرم الله بالشهادة من أفاضل الصحابة في غزوة أُحُدٍ وكانوا نحو السبعين منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن جحش، ومصعب بن عمير، وعثمان بن عثمان فهؤلاء أربعة من المهاجرين، والباقون من الأنصار رضي الله عنْ جميعهم،والشهادة تعتبر كرامة {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} .فدفنهم في دمائهم وجروحهم، ولم يصلِّ عليهم؛ لأنهم شهداء و،وشهيد المعركة لا يُغَسَّل ولا يُصلَّى عليه.
والمشركون حين غَلبُوا بعد أن كانوا قد هُزموا - ولله الأمر من قبل ومن بعد - كانوا يجدِّعون القتلى من المسلمين ، يقطعون آذانهم وأنوفهم، حتى مِن نسائهم من كانت تفعل ذلك . والله المستعان.
* لقب حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسدالله وأسد رسوله وهو سيد الشهداء ،وقد قُتِلَ شهيدًا في هذه المعركة قتله وحشي بن حرب، والمنذر بن عمرو لقبه المُعْنِق ليموت،أي أنه مسرع إلى الشهادة، وحنظلة ابنُ أبي عامر لقبه حنظلة الغسيل. عثمان بن عثمان، وهو شمَّاس بن عثمان المخزومي، سُمِّي بشمَّاس لحُسْنِ وجهه،الزبير بن العوام لقبه حواري رسول الله .
*انقسام الصحابة في غزوة أحد: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: وَالْوَاقِعُ أَنَّهُمْ صَارُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ اسْتَمَرُّوا فِي الْهَزِيمَةِ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ فَمَا رَجَعُوا حَتَّى انْفَضَّ الْقِتَالُ وَهُمْ قَلِيلٌ وَهُمُ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}. وَفِرْقَةٌ صَارُوا حَيَارَى لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ فَصَارَ غَايَةُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَذُبَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يَسْتَمِرَّ عَلَى بَصِيرَتِهِ فِي الْقِتَالِ إِلَى أَنْ يُقْتَلَ وَهُمْ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ. وَفِرْقَةٌ ثَبَتَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ تَرَاجَعَ إِلَيْهِ الْقِسْمُ الثَّانِي شَيْئًا فَشَيْئًا لَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ حَيٌّ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ. قال: وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الْأَخْبَارِ فِي عِدَّةِ مَنْ بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وممن فرَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد نص الله سبحانه على العفو عنهم، فقال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 155].
* وقدجُرِح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لما خلَصَ المشركون إليه أي وصلوا إليه. قال الحافظ ابنُ حجر في فتح الباري (4073) وَمَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهُ شُجَّ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَجُرِحَتْ وَجْنَتُهُ وَشَفَتُهُ السُّفْلَى من بَاطِنهَا ووهَى منكبُه من ضَرْبَة ابن قَمِئَةَ وَجُحِشَتْ رُكْبَتُهُ.اهـ. وأدرك المشركون النبيَّ صلى الله عليه وسلم لأن المسلمين قلة، وحمى النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المشركين نحو عشرة من أصحابه. وقتلوا كلهم رضي الله عنهم.
* حضور الشيطان المعركة – نعوذ بالله منه - وما قام به من الكيد للمسلمين فقد صرخ وقال: أي عباد الله أُخراكم ، وتثبيط الصحابة بقوله: إن محمدا قد قُتل .
* تثبيت أنس بن النضررضي الله عنه لمن كان متوقفا عن القتال، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قُتِل فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ فثبَّتهم. وقد أبلى بلاءً حسنًا رضي الله عنه.
*وممن كان من الشجعان في هذه الغزوة أبوبكرٍ الصديق ،وعمر بن الخطاب ،علي ابن أبي طالب ،وطلحة بن عبيدالله وقد شلَّت يده في غزوة أحد لأنه وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ كما في صحيح البخاري ، سعد ابن أبي وقاص وقدجمع رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم له أبويه في تلك الغزوة روى البخاري(4059) ومسلم (2411) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»وسعد بن الربيع ،وأنس بن النضروقد قال :إني لأجد ريح الجنة دون أحدفقاتل حتى قُتِل فما عرفه أحد إلا أخته عرفته ببنانه لكثرة جراحاته والضرب فيه ،وحمزة ،أبوطلحة وكان يقول يارسول الله نحري دون نحرك كما في البخاري . سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ قال يارسول الله أَنَا آخُذُهُ –أي السيف- بِحَقِّهِ فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ" والحديث في مسلم .أي: شق به رؤوس المشركين.وغيرهم كثير.
*ولما حانت الصلاة، صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه جالساً، ثم مال المشركون إلى رحالهم وكان هذا كله يوم السبت.
*وقد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران قال ابنُ القيم في زاد المعاد (3/189): فَكَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ سِتُّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ، أَوَّلُهَا: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 121] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ..
*وممن حضر هذه الوقعة من النساء عائشة أم المؤمنين، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأم سليم، وأم سَليط والدة أبي سعيد الخدري رضي الله عنهن حضرن الغزوَ لا للغزوِ ولكن لخدمة المجاهدين، فكن يداوين الجرحى، ويسقين المرضى إلى غير ذلك.
*وهناك من الأمور كانت في غزوة أحد مشابهة لغزوة بدرٍ منها:
النعاس: قال عز وجل في غزوة أحد: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران:154]. وقال سبحانه في غزوة بدر: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾ [الأنفال:11].
ومنها: الدعاء، أخرج الإمام مسلم (1743) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «اللهُمَّ، إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ».
وسبق في غزوة بدر أنه قال نحو ذلك.
أمرٌ ثالث: أخرج البخاري (4046) ومسلم (1899) من طريق عَمْرٍو وهو ابن دينار، سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَيْنَ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تحت الرقم المذكور: لم أقف على اسمه. وتقدم معنا في غزوة بدر قصة لعمير بن الحمام رضي الله عنه مشابهة لهذه، رضي الله عنهما.
* من الأدب مع الصحابة أن الحافظَ ابنَ كثير لا يقول: هُزِمَ الصحابة، ولكنه يقول: (فكان ما أراد الله تعالى كونَه)، ثم كان العاقبة والنصر للمسلمين فقد أنزل الله عليهم الطمأنينة وغشيهم النعاس قال الحافظ ابن كثير في البداية (4/29) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الْقُلُوبِ بنصر الله وتأييده وتمام توكلها على خلقها وَبَارِئِهَا. اهـ. ولا يجوز بحالٍ تنقص الصحابة ،أوالكلام فيهم بما يحطُّ من شأنهم رضي الله عنهم أجمعين ،اختارهم الله صحابةً لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،ووعدهم كلهم بالحُسنى .

*ونزل جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام للنصر والمَدد والمعونة. وهذا من الكرامات التي وقعت في هذه الغزوة.

والله المستعان .










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-06, 21:00   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
samia 21
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-06, 21:55   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
ماهر السامري
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا اخي










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-09, 07:20   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

و اياكم جزى الله خيرا وزيادة










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-09, 07:23   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(9) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)
الكاتب أم عبدالله الوادعية
بسم الله الرحمن الرحيم
(9) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)
اختصارُ درسِ السادس عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

* فصل غزوة حمراء الأسد: وقد كانت في السنة الثالثة في شوال عقب غزوةِ أُحُد، وقعةُ أُحُد يوم السبت، وغزوة حمراء الأسد يوم الأَحَد.
* سبب الغزوة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاف من رجوع قريش كما في صحيح البخاري (4077)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ المُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، قَالَ: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالزُّبَيْرُ ». وأيضًا إرهابًا للعدو لأنه خرج بجيشه بجراحاتهم رضي الله عنهم ،وهذا دليلٌ أنه لا يزالُ عندهم قوة .
وقد جاء أن قريشًا بعد انتهاء معركة أُحد انصرفوا راجعين إلى مكة، فلما كانوا في الطريق تلاوم بعضُهم على بعض، وقالوا: قاتلتم محمدًا وأصحابه وكسرتم شوكتهم ولكن بقي فيهم رؤوس سيجمعون لكم، ثم يقاتلونكم فهمُّوا بالرجوع إلى المدينة، وعلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك فندب أصحابَه وأمرهم بالخروج إلى كفار قريش إلا من لم يشهد وقعة أحد، وكانوا في غزوة أُحُد سبعمائة وقُتِلَ منهم سبعون واستأذنه جابر بن عبدالله وذكر له أنه تخلَّف عن غزوة أُحد لأمر أبيه عبدالله بن عمرو له أن يبقى في رعاية أخواته فأذن له ولم يأذن لغيره ممن لم يشهد غزوةَ أحد. واستجاب الصحابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخرجوا وهم منهكُون بالجروح.
* الحكمة في عدم إذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخروج معه إلا لمن شهد وقعة أُحد : قال الزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 465): لعل حكمة ذلك وإن كان خروج المتخلفين فيه زيادة في إرهاب الأعداء وتقوية المسلمين، أنه أراد إظهار الشدة للعدو, فيعلمون من خروجهم مع كثرة جراحاتهم أنَّهم على غاية من القوة والرسوخ في الإيمان وحب الرسول, والزيادة في تعظيم من شهد أُحد، أو أنه خاف اختلاط المنافقين بهم فيَمُنُّون عليه بعدُ بخروجهم معهم.اهـ المراد.
* مر معبد بن أبي معبد الخزاعي وكان كافرًا، وذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أنه أسلم. فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يثبِّط كفار قريش فمر معبد بأبي سفيان وجماعته بالروحاء فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد خرجوا في طلبهم وثبطهم وكسر شوكتهم فاستمروا راجعين إلى مكة .
* جاء أن المشركين رأوا واحدا ذاهبًا إلى المدينة. فقالوا: قل لمحمد إننا نجمع له فبلغ النبي وصحابته فزادهم إيمانًا وقوة، كما قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173]. وإنما هذا تخويف الشيطان للمسلمين مِن أوليائه وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]. (يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي: يخوفكم أولياءَه.
* قتلُ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاوية بن المغيرة بن أبي العاص: وظفر عليه الصلاة والسلام به فأمر بضرب عنقه صبراً، وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مران، فلم يقتل أحد سواه في غزوة حمراء الأسد.
* قتلُ الصبر قال ابنُ الأثير في النهاية :هُوَ أَنْ يُمسَك شيءٌ من ذوات الرُّوح حيَّا ثم يُرْمى بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ. هذا مختصر الكلام على غزوة حمراء الأسد .


* بعث الرَّجيع: ثم بعث صلى الله عليه وسلم بعدَ أُحد بعثَ الرجيع، وذلك في صفر من السنة الرابعة، وبعضهم ذكرها في سنة ثلاث كابن إسحاق، وقد نقل ذلك الحافظ في فتح الباري عن ابن إسحاق أنه ذكر غزوة الرجيع في أواخرسنة ثلاث. اهـ.
* سبب الغزوة: أن عضَلَ والقارة وهما قبيلتان سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قدموا عليه أن يبعث من يعلمهم ويقرؤهم القرآن وذكروا له أن فيهم إسلاماً، فأرسل إليهم مجموعة من أصحابه. وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث هؤلاء العشرة عينًا أي جواسيس لبعض الأمور. فالروايات مختلفة في سبب بعثهم . والله أعلم.
* عدد بعث الرجيع: فبعث ستةَ نفر في قول ابن إسحاق، وقال البخاري في صحيحه كانوا عشرة. وقال أبو القاسم السهيلي: وهذا هو الصحيح.
* جاء أنه أمَّرالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهم، وفي صحيح البخاري وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ قال الحافظ في فتح الباري: قَوْلُهُ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ كَذَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي السِّيرَةِ أَنَّ الْأَمِيرَ عَلَيْهِمْ كَانَ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ وَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .اهـ.
* حكم الإمارة في السفر والحضر: أما الإمارة في السفر فهي مشروعة، فقد روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ». وأما الإمارةَ في الحضر فغير مشروعة وما عليها دليل ،إلا إذا كان منصوبًا من قِبَلِ الأمير. هذا ما أفاده الوالد رحمه الله وكان يكررُ في دروسه إنكاره على الحزبيين الإمارة في الحضر، وكذا في فتاوى اللجنة الدائمة نحو ذلك.
* فلما وصلوا إلى الرجيع غدروا بهم وقتل عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدَّثِنة فذهبوا بهما وباعوهما في مكة. وذلك بسبب ما كانا قتلا من كفار قريش من يوم بدر لأن خبيبًا وزيد بن الدثنة كانا من الأبطال في غزوة بدر.
*فأما خبيب رضي الله عنه فمكث عندهم مسجوناً وكان له من الكرامات مافي صحيح البخاري: " لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ". ثم أجمعوا على قتله فخرجوا به إلى التنعيم ليقتلوه وذلك لأن كفار قريش كانوا يعتقدون حرمة مكة. فاستأذنهم أن يصلي ركعتين فأذنوا له: فصلاهما "فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ" كما في صحيح البخاري .فيستحب لمن سيقام عليه القصاص أن يركع ركعتين. ثم قال: والله لولا أن تقولوا أن ما بي جزعٌ لزدت، وهذا دليل على شجاعته، ودعا عليهم بدعوات (قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا) كما في صحيح البخاري فاستجاب الله دعوته في كثير منهم ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع

قتلوه ووكلوا بحراسة جُثَّته ثم جاء متسللا عمرو بن أمية الضمري كان شجاعًا بطلًا فجاءه فأخذه ثم ذهب به ودفنه.
*وأما زيد بن الدَّثِنة رضي الله عنه فاشتراه صفوان بن أمية بن خلف فقتله بأبيه؛ لأن أباه قتل في غزوة بدر.
وقد أسلم بعد ذلك صفوان بن اُمية ،وأبوه أمية بن خلف قُتِل يوم بدرٍ كافرًا .والله أعلم .










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-09, 07:29   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس السابع عشر من /الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 28من شهر جمادى الأولى 1437.


بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
فصل ـ بعث بئر معونة
وفي صفرَ هذا بعثَ إلى بئرِ معونة أيضاً، وذلك أن أبا براء عامر بن مالك المدْعو مُلاعب الأسنَّة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ فدعاه إلى الإسلام فلم يُسْلِم ولم يبعِد. فقال: يا رسول الله لو بعثتَ أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوتُ أن يجيبوهم، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال أبو براء: أنا جارٌ لهم. فبعث صلى الله عليه وسلم فيما قاله ابنُ إسحاق أربعين رجلاً من الصحابة، وفي الصحيحين سبعين رجلاً، وهذا هو الصحيح. وأَمَّر عليهم المنذرَ بنَ عمرو أحدَ بني ساعدة، ولقبه المُعْنِق لِيموتَ رضي الله عنهم أجمعين، وكانوا من فضلاء المسلمين وساداتهم وقرَّائهم، فنهضُوا فنزلوا بئر معونة، وهي بين أرض بني عامر وحرَّة بني سليم، ثم بعثُوا منها حرامَ بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامرِ بن الطفيل، فلم ينظر فيه، وأمر به فقتله ،ضربهُ رجلٌ بحربة، فلما خرج الدمُ قال: فزتُ ورب الكعبة. واستنفر عدو الله عامر: بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه، لأجل جوارِ أبي براء، فاستنفر بني سليم فأجابته عصية ورعل وذكوان، فأحاطوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتلوا حتى قُتلوا عن آخرهم رضي الله عنهم، إلا كعب بن زيد من بني النجار فإنه ارتُثَّ من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق. وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن محمد بن عقبة في سرح المسلمين، فرأيا الطيرَ تحومُ على موضع الوقعة، فنزل المنذر بن محمد هذا فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه، وأُسر عمرو بن أمية، فلما أَخبر أنه من مضر جزَّ عامرٌ ناصيته وأعتقه فيما زعم عن رقبةٍ كانت على أمه. ورجع عمرو بن أمية، فلما كان بالقرقرةِ من صدر قناة نزل في ظل، ويجيء رجلان من بني كلاب، وقيل من بني سليم فنزلا معه فيه، فلما ناما فتك بهما عمرو وهو يرى أنه قد أصاب ثأراً من أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، قال: لقد قتلتَ قتيلَين لأدينَّهما . فكان هذا سبب غزوةِ بني النضير كما ورد هذا في الصحيح .
وزعمَ الزُّهريُّ أنَّ غزوةَ بني النضير بعد بدرٍ بستةِ أشهر ،وليس ذلك كما قال ،بل التي كانت بعد بدرٍ بستةِ أشهرٍ هيَ غزوةُ بني قينقاع ،وأما بنوالنضير فبعد أُحُد ،كما أنَّ قُريظة بعد الخندق ،وخيبربعدَ الحُدَيبية، وغزوةُ الروم عامَ تبوك بعد فتحِ مكة .
وأمر عليه السلام عند موته بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب .

********************************
هذا الفصل في وقعة بئر معونة، وكانت هذه الوقعة (في صفرهذا)، أي: السابق الذي وقع فيه بعث الرجيع ،فقد كانا في شهرٍ واحدٍ في السنة الرابعة. ثم ذكر الحافظُ ابن كثير رحمه الله سبب هذه الوقعة وقال:
(وذلك أن أبا براء عامر بن مالك المدعو مُلاعب الأسنَّة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد. فقال: يا رسول الله لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم)
أبوبراء عامر بن مالك ملاعب الأسنة .ويقال ملاعب الرماح لشجاعته. قال السهيلي رحمه الله في الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام(6/ 147): سُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ وَهُوَ يَوْمٌ كَانَتْ فِيهِ وَقِيعَةٌ فِي أَيّامِ جَبَلَةَ، وَهِيَ أَيّامُ حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ قَيْسٍ وَتَمِيمٍ .وَجَبَلَةُ اسْمٌ لِهَضْبَةِ عَالِيَةٍ .وَكَانَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ أَنّ أَخَاهُ الّذِي يُقَالُ لَهُ فَارِسُ قُرْزل، وَهُوَ طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ ،كَانَ أَسْلَمَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفَرّ فَقَالَ شَاعِرٌ
فَرَرْت وَأَسْلَمْت ابْنَ أُمّك عَامِرًا ... يُلَاعِبُ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ الْمُزَعْزَعِ
فَسُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ وَمُلَاعِبُ الرّمَاحِ.اهـ.
وقد جاء أبو براء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، ما أسلم ولا أظهر عنادًا ومخالفةً، ثم عرض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبعث أصحابه إلى نجد لدعوتهم وتعليمهم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال أبو براء: أنا جارٌ لهم، وقد كانوا إذا أجار كبيرهم وسيدهم وشريفهم أحدًا كانوا يلتزمون بذلك ولا يخفرون ذمته. وتقدم معنا شيء من هذا في دروس متفرقة، ومن ذلك أن المطعم بن عدى أجار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رجع من الطائف فدخل مكة في جوار كافر، وحفظ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا المعروف له .روى البخاري (3139) عَنْ جبير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».
وأجار ابن الدَّغِنة أبا بكر كما في صحيح البخاري (3905) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وفيه :خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، فَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ، وَلاَ القِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلاَنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ، أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ...".
يقول ابن الدغنة لأبي بكررضي الله عنه (فَإِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ) . وهذه الصفات المذكورة في أبي بكر هي التي ذكرتها خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الحافظ في الإصابة ترجمة أبي بكر الصديق : ومن أعظم مناقب أبي بكر أن ابن الدّغنّة سيد القارة لما ردّ إليه جواره بمكة وصفه بنظير ما وصفت به خديجة النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم لما بعث، فتواردا فيهما على نعتٍ واحد من غير أن يتواطئا على ذلك، وهذا غاية في مدحه، لأن صفات النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم منذ نشأ كانت أكمل الصفات.اهـ.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم مرَّ به العاص بن وائل وكان خائفًا فأجاره .أخرج البخاري (3864) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ العَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو، عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: «زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي أَنْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: لاَ سَبِيلَ إِلَيْكَ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ، فَخَرَجَ العَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الخَطَّابِ الَّذِي صَبَا، قَالَ: لاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ فَكَرَّ النَّاسُ».
الشاهد أنهم كانوا يلتزمون بالجوار، وأن المسلم قد يحتاج إلى جوار الكافر إذا كان هناك ضعف في المسلمين.
وهنا لما قال أبو براء: أنا جار لهم. بعث النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبعين رجلًا وأمَّر عليهم المنذرَ بن عمرو أحد بني ساعدة ولقبُه المعنِق لِيموت وهو ممن أبلى بلاءً حسنًا في غزوة أحد رضي الله عنه .
(وكانوا من فضلاء المسلمين وساداتهم وقرَّائهم)
هذه من أوصاف السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكانوا يسمَّون بالقُراء ،وكانوا من خيار الصحابة ، أخرج البخاري (2801)ومسلم (677)واللفظ لمسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ، فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ، فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضُوا لَهُمْ، فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، فَقَالُوا: اللهُمَّ، بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا، قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا، خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا " .
فكان هؤلاءِ السبعون الذين قُتِلوا رضي الله عنهم -مع كونهم من القرَّاء والعُبَّاد- قوةً ونُصرةً للمسلمين وفي خدمة إخوانهم أهل الصُفَّة وغيرهم .
(فنزلوا بئر معونة، وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، ثم بعثوا منها حرام بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل)
(ثم بعثوا منها) أي : من بئر معونة.
(فلم ينظر فيه) لم ينظر عامر بن الطفيل في الكتاب.
(وأمر به فقتله ضربه رجل بحربة، فلما خرج الدمُ قال: فزتُ ورب الكعبة) يقول حرام بن ملحان لما طُعن بالحربة: فزت ورب الكعبة ،وتقدم هذا قبل أسطر من حديث أنس في الصحيحين.
(واستنفر عدو الله عامر: بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه، لأجل جوار أبي براء)
بعد قتل حرام استنفر عامر بن الطفيل عدو الله يصفه ابن كثير بأنه عدوالله بأقبح وصفٍ ، ولعداوته خيَّر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين ثلاثة أُمور . أخرج البخاري (4091) عن أنس بن مالك، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَعَثَ خَالَهُ، أَخٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ، فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا» وَكَانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ المَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ؟ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ، فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَكْرِ، فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ... الحديث.
قال ابنُ الأثيرفي النهاية: المَدَر:أهلَ القُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَاحِدَتُهَا: مَدَرَة.اهـ.
وقوله فطعن أي: أصيب بمرض الطاعون ،ثم هلك على ظهر فرسه كافرًا.
(إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه، لأجل جوار أبي براء)
أي: إلى قتال الباقين من السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء وقالوا: لانخفر جوار أبي براء.
(إلا كعب بن زيد من بني النجار فإنه ارتُثَّ من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق)
(ارتث) أي: حُمِل جريحًا. وبعد أن قُتلوا رضي الله عنهم أنزل الله فيهم قرآنًا كما تقدم قبل قليل فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا " .وكان هذا من المنسوخ تلاوته.
وفي صحيح البخاري (4091) عن أَنَس ثُمَّ كَانَ مِنَ المَنْسُوخِ: إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا «فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وقد كان الصحابة لما اعترض لهم هذا العدو قالوا: لم نأتِ لقتالكم وإنما نحن مجتازون لحاجة أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها ثم أحاطوا بهم وقتلوهم رضي الله عنهم . أخرج البخاري(4088) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ، يُقَالُ لَهُمْ القُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، رِعْلٌ، وَذَكْوَانُ، عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ، فَقَالَ القَوْمُ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا، إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَتَلُوهُمْ «فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الغَدَاةِ، وَذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ، وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ».
قَتلوا السبعين عن آخرهم رضي الله عنهم .وأخرج البخاري (4078) عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ «قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعُونَ»، قَالَ: «وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَوْمُ اليَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ».
ولما علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتلهم قنت شهرًا يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم تركه. أي: بعد شهر.
(كان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن محمد بن عقبة في سرح المسلمين)
تقدم معنا في بعث الرجيع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث عمرو بن أمية لأخذ جثة خُبيب بن عدي وكان من الشجعان الأبطال.
(فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر بن محمد هذا فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه)
تحوم أَي تَطُوفُ وتتردد وحوم الطير كان قرينة على وجود دماء فنزل المنذر بن محمد هذا أي: ابن عقبة المعروف.
(وأُسر عمرو بن أمية، فلما أخبر أنه من مضر جزَّ عامر ناصيته وأعتقه فيما زعم عن رقبة كانت على أمه)
(جزَّ عامر ناصيته) أي :عامر بن الطفيل، والناصية: مقدمة شعر الرأس. (وأعتقه فيما زعم) مع أنه أُسر عمرو بن أمية ظلما وبغيًا واعتداء ولكن فيما زعم أنه أعتقه .
(ورجع عمرو بن أمية، فلما كان بالقرقرة من صدر قناة نزل في ظل، ويجيء رجلان من بني كلاب، وقيل من بني سليم فنزلا معه فيه، فلما ناما فتك بهما عمرو وهو يرى أنه قد أصاب ثأراً من أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل)
القرقرة موضع ولما نزل به فَتك على غرَّة برجلين بجواره، وكان هذان الرجلان معهما عهد من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لايعلم به عمرو بن أمية، فلما قدم عمرو بن أمية أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(قال: لقد قتلتَ قتيلين لأدينهما)
وهذا فيه دية المعاهَد، وقد ثبت في سنن أبي داوود (4583) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ». ولا يجوز تعمد الأذى ولا القتل لمن كان معاهدًا ففي صحيح البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». هذا دليل على أنه من الكبائر.
(وكان هذا سبب غزوة بني النضير كما ورد هذا في الصحيح)
كان قتلُ عمرو بن أُمية للمعَاهَدَينِ سببًا لغزوة بني النضير وسيأتي إن شاءالله .
(وزعمَ الزُّهري أنَّ غزوةَ بني النضير بعد بدرٍ بستةِ أشهر ،وليس ذلك كما قال ،بل التي كانت بعد بدرٍ بستةِ أشهرٍ هيَ غزوةُ بني قينقاع ،وأما بنوالنضير فبعد أُحُد ،كما أنَّ قُريظة بعد الخندق ،وخيبربعدَ الحُدَيبية،وغزوةُ الروم عامَ تبوك بعد فتحِ مكة ،وأمر عليه السلام عند موته بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب).
هذا القدر ليس موجودًا في بعض نُسَخِ الفصول ،وقد ذكرهنا الحافظ ابنُ كثير بعض الغزوات .ورجح أن الصواب في غزوة بني النضيرأنها كانت بعد غزوة أحد .
غزوة بني قينقاع :وهذا أيضًا قول بعض أهل السير أنها بعد بدرٍ بستةِ أشهرٍ. ومنهم من جعل غزوة بني قينقاع في السنة الثالثة .وقد تقدم.
غزوة بني قريظة كانت بعد الخندق مباشرة ،وغزوة الخندق في السنة الرابعة وبعضهم يقول في السنة الخامسة.
وقعة الحديبية سنة ست.
غزوة تبوك سنة تسع .وكل هذا سيأتي معنا إن شاء الله .
(وأمر عليه السلام عند موته بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب)
أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإجلاء بني قينقاع من المدينة -وهي من جزيرة العرب- كما تقدم في غزوة بني قينقاع ،وأمر بإجلاء بني النضير .وسيأتي ما حصل لبني قريظة إن شاء الله.
وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك بإجلاء اليهود والنصارى عمومًا من جزيرة العرب .وهذا مما اختُص به جزيرةُ العرب ومن مِيزاتِها ، أخرج مسلم (1767) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا».
وإذا كان هذا في اليهود والنصارى فإخراجُ الكفار ممن ليس عندهم كتاب من باب أولى إخراجهم من جزيرة العرب .
وقال البخاري: بَابُ إِخْرَاجِ اليَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ (3168)ثم أخرج بإسناده عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: يَوْمُ الخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الحَصَى، قُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ: مَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا لَهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَقَالَ: «ذَرُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»، فَأَمَرَهُمْ بِثَلاَثٍ، قَالَ: «أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ».
وقد تكلم العلماء على حدود جزيرة العرب وصفاتها، ومن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمن دون الشام .
وقدسئل شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(28/ 630): هَلْ الْمَدِينَةُ مِنْ الشَّامِ؟
فَأَجَابَ:
مَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحِجَازِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ أَنَّ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ مِنْ الشَّامِ وَإِنَّمَا يَقُولُ هَذَا جَاهِلٌ بِحَدِّ الشَّامِ وَالْحِجَازِ جَاهِلٌ بِمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ. وَلَكِنْ يُقَالُ الْمَدِينَةُ شَامِيَّةٌ وَمَكَّةُ يَمَانِيَةٌ: أَيْ الْمَدِينَةُ أَقْرَبُ إلَى الشَّامِ وَمَكَّةُ أَقْرَبُ إلَى الْيَمَنِ وَلَيْسَتْ مَكَّةُ مِنْ الْيَمَنِ وَلَا الْمَدِينَةُ مِنْ الشَّامِ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: أَنْ تَخْرُجَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ - وَهِيَ الْحِجَازُ - فَأَخْرَجَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَيَنْبُعَ وَالْيَمَامَةِ وَمَخَالِيفِ هَذِهِ الْبِلَادِ؛ وَلَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنْ الشَّامِ؛ بَلْ لَمَّا فَتَحَ الشَّامَ أَقَرَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ وَغَيْرِهِمَا كَمَا أَقَرَّهُمْ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْعُلَى وَتَبُوكَ وَنَحْوُهُمَا: فَهُوَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ.
استفدنا من كلام شيخ الإسلام أن الْمَدِينَةَ وَخَيْبَرَ وَيَنْبُعَ وَالْيَمَامَةَ وَمَخَالِيفِ هَذِهِ الْبِلَادِ والْعُلَى وَتَبُوكَ وَنَحْوَهُمَا من أرض جزيرة العرب .وأن الشام لا تدخل في جزيرة العرب .
وقال رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 454 )في حدِّ جزيرة العرب :جزيرة العرب، التي هي من بحر القلزم إلى بحر البصرة ومن أقصى حَجَر باليمن، إلى أوائل الشام، بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم، ولا تدخل فيها الشام، وفي هذه الأرض كانت العرب، حين المبعث وقبله.
وهذا فيه إدخال اليمن في جزيرة العرب .
وأخرج البخاري في صحيحه معلقًا تحت رقم (3053)عن الْمُغيرَة بن عبدالرحمن :مَكَّة وَالْمَدينَة واليمامة واليمن .اهـ.
وأخرج البيهقي في سننه (9/ 352) عن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ،: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَكَّةُ وَالْيَمَنُ , فَأَمَّا مِصْرُ فَمِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ , وَالشَّامُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ , وَالْعِرَاقُ مِنْ بِلَادْ فَارِسَ .اهـ.
وقال الأصمعي : جزيرة العرب : من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما العرض : فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام .يراجع/ أحكام أهل الذمة لابن القيم .
سبب تسميتها بجزيرة العرب
قال القاضي عياض في مشارق الأنوار: (جزيرة العرب ) بلادها سميت بذلك لإحاطة البحار بها والأنهار.
وفي فتح الباري وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ بِهَا يَعْنِي بَحْرَ الْهِنْدِ وَبَحْرَ الْقُلْزُمِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ الْحَبَشَةِ.
وسبب إضافة الجزيرة إلى العرب :قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم تحت رقم (1637) وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَدِيَارُهمُ الَّتِي هِيَ أَوْطَانُهُمْ وَأَوْطَانُ أَسْلَافِهِمْ .اهـ.
وقال الحافظ في فتح الباري (3053): وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبِهَا أَوْطَانُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ .اهـ.
ثم قال النووي رحمه الله :وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَأَوْجَبُوا إِخْرَاجَ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ سُكْنَاهَا .وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِبَعْضِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهُوَ الْحِجَازُ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ والمدينة واليمامة وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِدَلِيلٍ آخَرَ مَشْهُورٍ فِي كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَصْحَابِهِ .اهـ.
وقال الحافظ رحمه الله : لَكِنَّ الَّذِي يُمْنَعُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ سُكْنَاهُ مِنْهَا الْحِجَازُ خَاصَّةً وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ واليمامة وَمَا وَالَاهَا لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ .هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ مُطْلَقًا إِلَّا الْمَسْجِدَ وَعَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ دُخُولُهُمُ الْحَرَمَ لِلتِّجَارَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ أَصْلًا إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لمصْلحَة الْمُسلمين خَاصَّة .اهـ.
وقد عمَّمَ بعضهم إخراج اليهود من جميع بلاد المسلمين . قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (19/23) قِيلَ: هَذَا الْحُكْمُ مَخْصُوصٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ . وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا اسْتَغْنَى الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ أَجْلَوْهُمْ مِنْ دِيَارِ الْإِسْلَامِ؛ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ.اهـ.
فإذا كان عند المسلمين قوة وجبَ عليهم إخراج الكفار وعدم تمكينهم من الإقامة في جزيرة العرب ،ومن المنكر جلب العُمَّال من الكفار والخدم من الرجال والنساء إلى جزيرة العرب .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين(2/ 440): الحذر الحذر من استجلاب اليهود النصارى والوثنيين من البوذيين وغيرهم إلى هذه الجزيرة؛ لأنها جزيرة إسلام ، منها بدأ وإليها يعود ، فكيف نجعل هؤلاء الخَبَث بين أظهرنا وفي أولادنا ، وفي أهلنا ، وفي مجتمعنا . هذا مؤذنٌ بالهلاك ولابد.اهـ.
ومن ميز جزيرة العرب يأسُ الشيطان من الشرك فيها لما وجد انتشار الإسلام والتوحيد أخرج مسلم في صحيحه (2812) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» .
هذا مرورٌ سريع على ما يتعلق بجزيرةِ العرب أحببنا الاطلاع عليه وعلى معرفة فضيلة أرض جزيرة العرب فقد جرتْ حكمةُ الله تفضيلَ بعض البقاع على بعض وتفضيل بعض الأزمان على بعض .
نكون انتهينا بحمد الله من وقعة بئر معونة وعرفنا ما حصل من الظلم للسبعين القراء الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنهم قُتلوا في الطريق قبل أن يصلوا إلى المكان الذي خرجوا من أجله .
وكان من الذين قتلوا في بئر معونة المنذر بن عمرو المعْنِق ليموت ،وعامر بن فُهيرة جاء في صحيح البخاري (4093) عن عائشة في سياق حديث الهجرة وفيه :فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلاَمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ، أَخُو عَائِشَةَ لِأُمِّهَا، وَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ، فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ وَيُصْبِحُ، فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ، فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ، فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ .
ثم ذكر البخاري في آخره من طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَأَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ: لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ، فَقَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا، فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ» وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْماءَ بْنِ الصَّلْتِ، فَسُمِّيَ عُرْوَةُ، بِهِ وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا .وهذا مرسل من مراسيل عروة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ جَبَّارُ بْنُ سَلْمَى ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ قَالَ فُزْتُ وَاللَّهِ قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا قَوْلُهُ فُزْتُ فَأَتَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ بِالْجَنَّةِ قَالَ فَأَسْلَمْتُ وَدَعَانِي إِلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ مِنْ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ .قال : وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَةِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فِي الِاسْتِيعَابِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ قَتَلَهُ وَكَأَنَّ نِسْبَتَهُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ لِكَوْنِهِ كَانَ رَأْسَ الْقَوْمِ.اهـ.
عرفنا مما ذكره الحافظ أن قاتلَ عامرِ بن فهيرة رضي الله عنه جبارُ بن سلمى، بضم السين وقيل بفتحها كما في الإصابة .
وحرام بن ملحان وهو أول من قُتِل منهم .
وعروة بن أسماء بن الصلت.رضي الله عنهم أجمعين .
**************************
فصل ـ غزوة بني النضير
ونهض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة إلى بني النضير ليستعينَ على ذينك القتيليَن لما بينه وبينهم من الحِلْف، فقالوا: نعم.
وجلس صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر وعمر وعلي وطائفةٌ من أصحابه رضي الله عنهم تحت جدار لهم، فاجتمعوا فيما بينهم وقالوا: من رجل يلقي بهذه الرحا على محمد فيقتله؟ فانتُدِب لذلك عمرو بن جحاش لعنه الله وأعلم الله رسولَه بما همُّوا به، فنهض صلى الله عليه وسلم من وقته من بين أصحابه، فلم يتناهَ دون المدينة، وجاء مَن أخبر أنه رآه صلى الله عليه وسلم داخلاً في حيطان المدينة، فقام أبو بكر ومن معه فاتبعوه، فأخبرهم بما أعلمه الله من أمر يهود، فندبَ الناس إلى قتالهم، فخرج واستعمل على المدينة ابنَ أم مكتوم وذلك في ربيع الأول فحاصرهم ستَ ليال منه وحينئذٍ حرمت الخمر، كذا ذكره ابن حزم، ولم أره لغيره.
ودسَّ عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابُه من المنافقين إلى بنى النضير: أنَّا معكم نقاتل معكم، وإن أُخرجتم خرجنا معكم.
فاغترَّ أولئك بهذا، فتحصَّنوا في آطامهم، فأمر صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وإحراقها، فسألوا رسول الله أن يجليَهم ويحقنَ دماءهم على أن لهم ما حملت إبلُهم غير السلاح فأجابهم إلى ذلك، فتحمل أكابرهم كحُيي بنِ أخطب، وسلام بن أبي الحقيق بأهليهم وأموالهم إلى خيبر فدانت لهم، وذهبت طائفةٌ منهم إلى الشام ولم يُسلم منهم إلا رجلان، وهما أبو سعد بن وهب، ويامين بن عمير بن كعب، وكان قد جَعل لمن قَتل ابنَ عمه عمرو بن جحاش جُعْلاً، لِمَا كان قد همَّ به من الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحرزا أموالهما، وقسم رسول الله أموال الباقين بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنه أعطى أبا دجانة وسهل بن حنيف الأنصارِيَّين لفقرِهما، وقد كانت أموالهم مما أفاء الله على رسوله، فلم يوجفِ المسلمون بخيل ولا ركاب.
وفي هذه الغزوةِ أنزل اللهُ سبحانه سورة الحشر، وقد كان عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما يسميها سورةَ بني النضير.

**************************
عندنا في هذا الفصل غزوةُ بن النضير ، وسبب هذه الغزوة قتل عمرو بن أمية ذينك الرجلين اللذين كان معهما عهدٌ مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلم عمرو به ، فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفسه الكريمة إلى بني النضير ليستعين بهم في دفع الدية، فقالوا: نعم نعينك ثم همُّوا أن يلقوا صخرة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وانتُدب لذلك عمرو بن جحاش، وجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانصرف إلى المدينة. ثم بعد ذلك ندب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقتال بني النضير لأنهم نقضوا العهد .وكان هذا في ربيع الأول في السنة الرابعة، وحاصرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حصونهم.
(وذلك في ربيع الأول فحاصرهم ست ليال منه) ست ليال منه أي: من ربيع الأول.
(ودسَّ عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين إلى بنى النضير: أنَّا معكم نقاتل معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم)
وكان قد دسَّ إليهم أي: أرسل عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من يبلغ بني النضير بخُفية ، وقالوا لبني النضير: إذا قاتلكم فنحن ننصركم، وهذا وعد منافقين لما قاتلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خذلوهم وأخلوهم وشأنهم وكانوا منتظرين لنصرهم وهم في حصونهم، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ أي: بني النضير، ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الحشر:11]. فهي مواعيد نفاق، ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)﴾ [الحشر] أي: محمد وأصحابه أشد رهبة من الله في صدورهم أي: يخافونكم أشد، ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14] من داخل حصونهم وهنا يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (فتحصنوا في آطامهم) .وهذا شأن الجبناء .روى مسلم في صحيحه (116) عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ - قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلْأَنْصَارِ الحديث .قال ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل(3/ 104): أما امْتنَاعُ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحصن فَإِن التحصن بالجدران فعل الجبان، وَإِنَّمَا التحصن بِالسُّيُوفِ والمبارزة فعل الشجاع. وَسمي الْحصن حصنا من الامتناع. والمنعة: مَا تمنع.اهـ.
﴿ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ عبارة عن مدافعة، ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ بينهم فرقة شديدة، ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الحشر:15] حالهم كحال الذين من قبلهم أي من بني قينقاع.
﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الحشر:16] شبَّه الله حال بني النضير بحال من وسوس له الشيطان بالكفر، فبنو النضير وَعدَهم المنافقون بالنصر ثم تخلوا عنهم كما زيَّن الشيطان لذلك الإنسان الكفر فلما كفر تبرَّأ منه .
سورة الحشر بتمامها في شأن بني النضير، كما أن سورة الأنفال في وقعة بدر ،ونحو الستين الآية في سورة آل عمران في غزوة أحد.
وما كان يخطر ببالهم أن مصيرهم إلى الحصار والإهانة والإخراج يقول الله تعالى: { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} .
وحاصرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ستة أيام وقذف الله في قلوبهم الرعب، كانوا مرعوبين من قتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته .كيف وقد أيَّده ربُّه بإرعاب عدوه مسيرة شهر .روى البخاري (335،438) ومسلم (521)عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً " .قال الحافظ ابنُ كثير في البداية والنهاية (4/78): ومع هذا-أي ما أصابهم من الرعب - فأسَرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال فذهب بهم الرُّعب كلَّ مذهب حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلت به رِكابُهم على أنهم لا يصحبون شيئا من السلاح إهانة لهم واحتقارا فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الابصار. ثم ذكر تعالى أنه لو لم يصبهم الجلاء وهو التسيير والنفي من جوار الرسول من المدينة لأصابهم ما هو أشد منه من العذاب الدنيوي وهو القتل مع ما ادخر لهم في الآخرة من العذاب الأليم المقدر لهم.اهـ.
فمن شدة الرعب والضيق طلبوا الجلاء وأن يخرجوا مع كل بعير بحمولة من الأمتعة فقبِل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم ذلك فجعلوا﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر:2] . يخربون بيوتهم بأيديهم ليأخذوا الأشياء المستحسَنة من الأبواب والخشب وغيرها و { وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } يخربون ظاهرها .
﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ كيف مآل المعاندين ومصيرهم إلى الخزي والنكال.
ثم قال سبحانه: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ﴾ [الحشر:3] .
(الْجَلَاءَ) أي: الخروج من ديارهم (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا) بالسبي والقتل، والإخراج من الديارفي حق المؤمن ابتلاء وهو في حق الكفار يعد من أنواع العذاب .ولكن هذا أخف بالنسبة للسبي والقتل، أن تسبى نساؤهم وذراريهم وتقتل مقاتلتُهم.
وفي أثناء الست الليالي قطع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخلهم إذلالًا لهم ومهانة وهذا في الصحيحين البخاري (4031) ومسلم (1746) واللفظ له. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ»، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا ﴾ [الحشر: 5] الْآيَةَ.
قال الحافظ ابن كثير في البداية (4/78): ثم ذكر تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم وترك ما بقي لهم وأن ذلك كلَّه سائغ فقال ما قطعتم من لينة وَهُوَ جَيِّدُ التَّمْرِ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أصولها فبإذن الله .إِنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أُذِنَ فِيهِ شَرْعًا وَقَدَرًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَنِعْمَ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ ،وَلَيْسَ هُوَ بِفَسَادٍ كَمَا قَالَهُ شِرَارُ الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارٌ لِلْقُوَّةِ وَإِخْزَاءٌ لِلْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ.اهـ.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم (12/ 50)في شرح الحديث : قَوْلُهُ (حَرَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .قوله حرق بتشديد الراء والبويرة بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مَوْضِعُ نَخْلِ بَنِي النضير. واللينة الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَنْوَاعُ الثَّمَرِ كُلُّهَا إِلَّا الْعَجْوَةَ وَقِيلَ كِرَامُ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ الْأَشْجَارِ لِلِينِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا أَنَّ أَنْوَاعَ نَخْلِ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَطْعِ شَجَرِ الْكُفَّارِ وَإِحْرَاقِهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن القاسم ونافع مولى بن عُمَرَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمْ لَا يَجُوزُ.اهـ.
(وقد كانت أموالهم مما أفاء الله على رسوله، فلم يوجفِ المسلمون بخيل ولا ركاب).
كانت أموال بني النضير فيئًا. والفيء: ما أخذ من أموال الكفار بغير قتال.
﴿وَلَا رِكَابٍ﴾ الركاب الإبل.


وقول الحافظ ابن كثير (وحينئذٍ حرمت الخمر، كذا ذكره ابن حزم، ولم أره لغير)
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (34/ 187)..فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّقُولِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الْخَمْرَ لَمَّا حُرِّمَتْ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَكَانَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي السُّنَّةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ .
وقال رحمه الله في هذا المرجع نفسه(14/ 117):فَإِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ بَعْدَ أُحُدٍ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ .اهـ.

فهذا ما أفاده شيخ الإسلام أن الخمر حُرِّمت سنة ثلاثٍ بعد أحد باتفاق الناس .والله أعلم .

انتهينا من غزوة بني النضير وما حصل لبني النضير-إحدى طوائف اليهود الكبار الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم غدروا - من الإهانة والخزي والإذلال وأجلاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ديارهم وتركوا بيوتَهم وأموالهم فيئًا ، وما يحمل أحد معه من الأمتعة إلا حمل بعير. فاعتبروا يا أولي الأبصار .

فصلٌ
وقنت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على الذينَ قتلوا القرَّاء أصحابَ بئرِ معونة .

كان اللائق وضع هذا الفصل عقب وقعة بئر معونة لأنه يتعلق بها .

وهذا فيه القنوت في النوازل ولم يكن يقنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غير النوازل. وأما ما جاء مسند أحمد (12657) من طريق أَبي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا». فهو حديث ضعيف .أبو جعفر الرازي ضعيف .والله أعلم .










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-10, 22:27   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
adeldzcom
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اخي










رد مع اقتباس
قديم 2016-05-04, 08:40   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثامن عشر من /الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 7/ من شهر جمادى الثاني 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن عشر
مذاكرة:
* ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:9].
في هذه الآية الثناءُ على الأنصار وأن من صفاتهم الحميدة محبة من هاجرَ إليهم ,وكان الوالد رحمه الله يذكِّر هذه الآية أهلَ البلاد أنهم يحبون الطلاب ويحسنون إليهم ولا يتعرضون لهم بالأذى.
* ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
الإمام مالك رحمه الله يستنبط من هذه الآية أن الرافضة ليس لهم حق في الفيء؛ لأنهم يسبون صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .وفي صحيح مسلم (3022) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي «أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبُّوهُمْ».يراجع تفسير ابن كثير سورة الحشر.
* ينبغي لنا أن يكون درسُنا عونًا لنا على الهمة العالية ،وعلينا بكثرة الاستغفار والدعاء لتصلح قلوبُنا ،ولينبعث فيها حبُّ العلم والخير.
****************************
فصل [غزوة ذات الرقاع]
وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على الذين قَتلوا القُرَّاء أصحاب بئر معونة.
ثم غزا صلى الله عليه وسلم غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة نجد فخرج في جُمادى الأولى من هذه السنة الرابعة يريد محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري.
فسار حتى بلغ نخلاً، فلقي جمعاً من غطفان فتوقفوا، ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى يومئذ صلاة الخوف فيما ذكره ابن إسحاق وغيرُه من أهل السير، وقد استُشكل لأنه قد جاء في رواية الشافعي وأحمد والنسائي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حبسه المشركون يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً، وذلك قبل نزول صلاة الخوف، قالوا وإنما نزلت صلاة الخوف بعُسْفان كما رواه أبو عياش الزرقي قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلى بنا الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد.
فقالوا: لقد أصبنا منهم غفلة، ثم قالوا: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم فنزلت ـ يعني صلاة الخوف ـ بين الظهر والعصر.
فصلى بنا العصر ففرَّقَنا فريقين.. وذكر الحديث. أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلاً بين ضَجْنَان وعُسفان، محاصراً المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاةً هي أحب إليهم من أبنائهم وأَبكارهم، أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة. فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين ... وذكر الحديث. رواه النسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.
وقد عُلم بلا خلاف أن غزوةَ عُسفان كانت بعد الخندق، فاقتضَى هذا أن ذاتِ الرقاع بعدها، بل بعد خبير، ويؤيِّد ذلك أن أبا موسى الأشعري وأبا هريرة رضي الله عنهما شهدها، أما أبو موسى الأشعري ففي الصحيحين عنه أنه شهد غزوة ذات الرقاع، وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لَمَّا نقبت، فسميت بذلك، فأما أبوهريرة فعن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال: نعم. قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد وذكر صفة من صفات صلاة الخوف، أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وقد قال بعض أهل التاريخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة واحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها، قلت: إلا أنه لا يتجه أنه صلى في الأولى صلاة الخوف إن صح حديث أنها إنما فرضت في عُسفان.

****************************
هذه الفصل في غزوة ذات الرقاع ويقال لها (غزوة نجد)ويقال لها غزوة محارب قال الحافظ في فتح الباري شرح تبويب حديث (4125):جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَغَازِي عَلَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ هِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبٍ كَمَا جزم بِهِ ابن إِسْحَاق .وَعند الْوَاقِدِيّ أَنَّهُمَا اثْنَتَانِ وَتَبِعَهُ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ السِّيرَةِ .وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .اهـ. وقداختلف أهلُ العلم متى كانت غزوة ذات الرقاع؟ فمنهم من قال: كانت في السنة الرابعة .وجزم به هنا الحافظ ابن كثير في أول مطلع كلامه على غزوة ذات الرقاع فقال (فخرج في جُمادى الأولى من هذه السنة الرابعة)، وجزم به أيضًا الحافظ في فتح الباري(2718)وقال.. لِأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ . ومنهم من قال: كانت بعد خيبر .وهذا قول الإمام البخاري واستدل لذلك الإمام البخاري بأن أبا موسى وأباهريرة قدما أيام خيبر، أي وقد شهدا غزوة ذات الرقاع ، فقال رحمه الله في صحيحه(4125): بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلًا، وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ، لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ.
وقال البخاري تحت رقم (4137)وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ خَيْبَرَ .
قال الحافظ في فتح الباري: يُرِيدُ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ خَيْبَرَ .

ونصره ابن القيم . ولأجل هذا الخلاف اختلف العلماء متى شرعت صلاة الخوف؟
فمنهم من يرى أنها شرعت في غزوة ذات الرقاع السنة الرابعة قبل وقعة الخندق، ووضعُ الحافظ ابن كثير لها هنا على طريقة من قال :غزوة ذات الرقاع قبل الخندق ولكن يردُّ هذا القول أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة الخندق ما صلى العصر حتى غربت الشمس مما يدلُّ أنَّ صلاة الخوف لم تكن قد شُرِعت إذ لو كانت قد شُرِعت لصلَّوها ،وقد ثبت في الصحيحين البخاري (6396) واللفظ له ومسلم (627) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَقَالَ: «مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» وَهِيَ صَلاَةُ العَصْر». وفي روايةٍ لمسلم في صحيحه «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ.. ».
فعلمنا أن من قال :شُرِعت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع قبل الخندق غير صواب إذ لو كانت مشروعة لصليت صلاة الخوف في الخندق .
وتقدم استدلال البخاري على أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر. وقصة أبي هريرة أنه شهد غزوة ذات الرقاع وهو ما قدم المدينة إلا أيام خيبرهي عند أبي داود في سننه (1240)وأحمد (14/ 12)من طريق أَبِي الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلْ صَلَّيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ، قَالَ مَرْوَانُ: مَتَى؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «عَامَ غَزْوَةِ نَجْدٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَامَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مُقَابِلَ الْعَدُوِّالحديث .
وفي رواية أبي داود ما يدل أن عروة بن الزبير قد سمعه من أبي هريرة فقد أخرجه (1241)من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَجْدٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ .الحديث .وقد صرَّح ابنُ إسحاق بالتحديث عند ابن خزيمة في صحيحه (1362).
ومما يدل على تأخر غزوة ذات الرقاع عن وقعة الخندق حديثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في البخاري (2664) ومسلم (1868) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي». ودل هذا الحديث أن أول مشاهد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقعةُ الخندق.

وقد شهد عبدالله بن عمر ذات الرقاع فدلَّ على تأخر ذات الرقاع عن غزوة الخندق ثبت في صحيح البخاري (4132) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ».

فهذه بعض الأدلة في تأخر غزوة ذات الرقاع عن وقعة الخندق .

ومما يدل على أن صلاة الخوف شرعت بعد الخندق ما رواه أبو داود في سننه (1236)عن أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً، لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً، لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ، فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَفٌّ، وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ، وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى هَؤُلَاءِ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا، سَجَدَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الْآخَرِينَ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْأَخِيرُ إِلَى مَقَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، سَجَدَ الْآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ
وهو في الصحيح المسند للوادعي (1243) .
وعُسْفان كانت بعد الخندق. قال ابنُ الأثير في النهاية: عسفان وَهِيَ قريةٌ جامعةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وفي معجم البلدان(4/ 121): عُسْفَانُ:
بضم أوله، وسكون ثانيه ثم فاء، وآخره نون، فعلان من عسفت المفازة وهو يعسفها وهو قطعها بلا هداية ولا قصد، وكذلك كل أمر يركب بغير روية، قال: سميت عسفان لتعسف السيل فيها كما سميت الأبواء لتبوّء السيل بها، قال أبو منصور:عسفان منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة...".
أما على القول أن غزوةَ ذات الرقاع كانت قبل الخندق فيقول
الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا: (وقد استشكل..) هذا مشكل أن تكون غزوة ذات الرقاع متقدمة على الخندق سنة أربع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما صلى صلاة الخوف في الخندق ولو كانت مشروعة لصلَّاها . ، ثم ذكر حديث أبي سعيد في حبس المشركين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة يوم الخندق مما يدل على أن صلاة الخوف لم تكن شرعت.
ووقعة الخندق المشهور عند أهل السير أنها كانت سنة خمس، وقال بعضهم: كانت سنة أربع.
وحديث أبي سعيد صحيح .والذي في الصحيحين تأخير صلاة العصر وحدها كما تقدم في الشرح من حديث علي ابن أبي طالب . وهنا حديث أبي سعيدفيه أنها أربع صلوات وقد أجاب عن ذلك الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (5/130) وقال : وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَيْرُهَا وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ أَخَّرَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌ مِنَ اللَّيْلِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ أَيَّامًا فَكَانَ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَهَذَا فِي بَعْضِهَا .اهـ.
عرفنا أن صلاة الخوف شُرعت بعسفان لحديث أبي عياش الزرقي وعسفان بعد الخندق، وغزوة ذات الرقاع متأخرة بعد خيبر، ووقعة خيبر في السنة السابعة ومن قدَّم غزوة ذات الرقاع على خيبر فالصحيح خلافه وقد بين ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
ومن الأجوبة التي أجيب بها عن تاريخ غزوة ذات الرقاع تعدد الوقعة يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا في الفصول: (وقد قال بعض أهل التاريخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة واحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها) وهذا رده الحافظ ابن كثيرٍهنا بقوله: (قلت: إلا أنه لا يتجه أنه صلى في الأولى صلاة الخوف إن صح حديث أنها إنما فرضت في عسفان) في الأولى أي: غزوة ذات الرقاع ،لا يتجه لأنه جاء النص أنه نزل صلاة الخوف بعسفان.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/226)بعد أن ذكر شهود أبي موسى وأبي هريرة غزوة ذات الرقاع قال: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ بَعْدَ خَيْبَرَ، وَأَنَّ مَنْ جَعَلَهَا قَبْلَ الْخَنْدَقِ فَقَدْ وَهِمَ وَهْمًا ظَاهِرًا، وَلَمَّا لَمْ يَفْطُنْ بَعْضُهُمْ لِهَذَا ادَّعَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ مَرَّتَيْنِ، فَمَرَّةً قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَمَرَّةً بَعْدَهَا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي تَعْدِيدِ الْوَقَائِعِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا أَوْ تَارِيخُهَا، وَلَوْ صَحَّ لِهَذَا الْقَائِلِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا يَصِحُّ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ عُسْفَانَ، وَكَوْنِهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَلَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ تَأْخِيرَ يَوْمِ الْخَنْدَقِ جَائِزٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَأَنَّ فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهَا، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي قِصَّةِ عُسْفَانَ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لِلْخَوْفِ بِهَا، وَأَنَّهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ. فَالصَّوَابُ تَحْوِيلُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى مَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ بَلْ بَعْدَ خَيْبَرَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا هَاهُنَا تَقْلِيدًا لِأَهْلِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا وَهْمُهُمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.اهـ.

هذه المسألة لها علاقة بالسيرة،ولها علاقة بالتفسير في آيات الخوف، ولها علاقة بالفقه في كتاب صلاة الخوف، فهذه الفنون يُذكَرُ فيها هذه المسألة متى شُرع صلاة الخوف؟ . والعلمُ يخدمُ بعضه بعضًا ،فقد تمرُّ المسألة في أكثر من كتاب ،وإذا هُضِمَتِ وفُهِمت المسألةُ هذه أو غيرها ،إذا مرَّتْ مرَّة أخرى يكون عبارة عن مذاكرة وتثبيت ،ونسأل الله من واسع فضله العظيم.

سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم جاء في صحيح البخاري (4128) وصحيح مسلم (1816) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا»، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ .
كان أبو موسى رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث ثم ترك التحديث به لأنه خشي من تزكية النفس وخشى على عمله.
معنى (نَعْتَقِبُهُ) قال النووي في شرح صحيح مسلم (12/197): نَعْتَقِبُهُ) أَيْ يَرْكَبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَوْبَةً فِيهِ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَرْكُوبِ . وقال الحافظ في فتح الباري (7/421): أَيْ نَرْكَبُهُ عُقْبَةً عُقْبَةً وَهُوَ أَنْ يَرْكَبَ هَذَا قَلِيلًا ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَرْكَبَ الْآخَرُ بِالنَّوْبَةِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى سَائِرِهِمْ . اهـ. بخلاف الإرداف، فإنه يُرْدف صاحبه خلفه.
****************************
وقد ذكروا أنه كانت من الحوادث في هذه الغزوة قصة جمل جابر وبيعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك نظر، لأنه جاء أن ذلك كان في غزوة تبوك، إلا أن هذا أنسب لِمَا أنه كان قد قتل أبوه في أُحد، وترك الأخوات، فاحتاج أن يتزوَّج سريعاً من يكفلُهن له.
ومنها: حديث جابر أيضاً في الرجل الذي سَبَوا امرأته فحلف ليهريقن دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء ليلاً ـ وقد أرصد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلين ربيئةً للمسلمين من العدو، وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر رضي الله عنهما ـ فضرب عباداً بن بشر بسهم وهو قائم يصلي، فنزعه ولم يبطِل صلاتَه، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلَّم، وأنبَه صاحبَه، فقال: سبحان الله هلا أنبَهتني؟ ! فقال: إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها. ومنها حديث غورث بن الحارث الذي هم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائل تحت الشجرة، فاستلَّ سيفه وأراد ضربه، فصدَّه الله عنه، وحُبست يده، واستيقظ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من نومه، فدعا أصحابه فاجتمعوا إليه، فأخبرهم عنه وما همَّ به غورث من قتله، ومع هذا كلِّه أطلقه وعفا عنه صلى الله عليه وسلم.
وهذا كان في غزوة ذات الرقاع، إلا أنها التي بعد الخندق كما أخرجاه في الصحيحين، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ السيف، فاخترطه، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا، قال فمن يمنعك مني؟ قال: الله. قال: فتهدَّده أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيفَ وعلَّقه، قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكانت لرسول الله أربع ركعات، وللقوم ركعتان. واللفظ لمسلم.

****************************
هذه بعض الأمور التي وقعت في غزوة ذات الرقاع .أحدها: قصة جمل جابر، وجاء في بعض الروايات أنه في غزوة تبوك .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وفي ذلك نظر) .وهذا في رواية معلَّقة عند البخاري تحت رقم(2718) وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ: اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ .
وله طريقٌ أخرى إلى جابرفي مسند أبي يعلى (1793) من طريق عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ فَتَخَلَّفَ الْبَعِيرُ الحديث.وعلي بن زيد :ابن جُدْعان ضعيف.
وقد أخرجه البخاري (2861)من وجهٍ آخر من طريق أَبِي عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ - قَالَ أَبُو عَقِيلٍ: لاَ أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً الحديث.وهذا يضعِّف رواية ابن جدعان .
وقد ردَّ هذه الرواية-أنه كان في غزوة تبوك- الحافظ ابن كثيرهُنا بقوله (وفي ذلك نظر)وبقوله (إلا أن هذا أنسب لِمَا أنه كان قد قتل أبوه في أُحد، وترك الأخوات، فاحتاج أن يتزوَّج سريعاً من يكفلُهن له).
هذا أنسب أن يكون شراءُ جابر للجمل متقدمًا على غزوة تبوك؛ لأنه جابرًا توفي أبوه في غزوة أُحد فبادر وتزوج امرأة لتقوم برعاية أخواته. قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/ 227): وَلَكِنْ فِي إخْبَارِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثَيِّبًا تَقُومُ عَلَى أَخَوَاتِهِ، وَتَكْفُلُهُنَّ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ بَادَرَ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهِ، وَلَمْ يُؤَخَّرْ إِلَى عَامِ تبوك، واللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ. فكان أنسب أن يكون في غزوة ذات الرقاع ،وهذا على القول أن غزوة ذات الرقاع في السنة الرابعة ،وقد صرَّح بذلك الحافظ ابن حجرٍ في فتح الباري (2861)وقال في سياق بيع جابر لجمله في أي غزوةٍ كان: لَكِنْ جزم ابن إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ فِي رِوَايَتِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا قَبْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ جَابِرٍ وَهِيَ الرَّاجِحَةُ فِي نَظَرِي لِأَنَّ أَهْلَ الْمَغَازِي أَضْبَطُ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَأَيْضًا فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَن ذَلِكَ وَقَعَ فِي رُجُوعِهِمْ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَتْ طَرِيقُ تَبُوكَ مُلَاقِيَةً لِطَرِيقِ مَكَّةَ بِخِلَافِ طَرِيقِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ .وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ طُرُقِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ هَلْ تَزَوَّجْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا الْحَدِيثَ. وَفِيهِ اعْتِذَارُهُ بِتَزَوُّجِهِ الثَّيِّبَ بِأَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَتَرَكَ أَخَوَاتِهِ فَتَزَوَّجَ ثَيِّبًا لِتُمَشِّطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهِ فَيَكُونُ وُقُوعُ الْقِصَّةِ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ أَظْهَرَ مِنْ وُقُوعِهَا فِي تَبُوكَ لِأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَتَبُوكُ كَانَتْ بَعْدَهَا بِسَبْعِ سِنِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا جَرَمَ جزم الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل بِمَا قَالَ ابن إِسْحَاقَ.اهـ.
والحاصل : أن بيع جابررضي الله عنه للجمل كان قريبًا من وفاة أبيه لاحتياجه إلى من يكفل أخواته ويقوم برعايتهن .
(ومنها حديث جابر أيضاً في الرجل الذي سبوا امرأته فحلف ليهريقن دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم...)
وهذا إسناده ضعيف فيه عقيل بن جابر وهو مجهول عين.
قال ابن أبي حاتمٍ في الجرح والتعديل(6/ 218): سمعت أبى يقول عقيل بن جابر لا أعرفه.
وفي ميزان الاعتدال (3/ 88): عقيل بن جابر بن عبد الله الأنصاري. عن أبيه. فيه جهالة. ما روى عنه غير صدقة بن يسار.

(ومنها حديث غورث بن الحارث الذي هم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائل تحت الشجرة، فاستلَّ سيفه وأراد ضربه، فصدَّه الله عنه، وحُبست يده، )
هذا فيه اسم الرجل الذي همَّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه غورث وقد جاء في صحيح البخاري (4136) :وَقَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،

اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الحَارِثِ ..

(ومع هذا كلِّه أطلقه وعفا عنه صلى الله عليه وسلم)
وهذا من تمام حِلْمه وعفوه ، وقد وُصِف بذلك في الكتب المتقدمة كما في صحيح البخاري (4838) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي القُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: 45]، قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا». وهذه طريق أنبياء الله ورسله العفو والصفح، ومن أمثلة ذلك قصة يوسف عليه الصلاة والسلام لما كان في السجن وعبَّر الرؤيا للرجلين اللذين سجنا معه، وقال للناجي: إذا خرجت من السجن اذكر أمري عند ربك. فخرج الناجي ونسي ﴿...فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ [يوسف:42]، وهذا من عداوة الشيطان كاد ليوسف فأنسى الناجي أن يذكرأمر يوسف أنه في السجن، فلما رأى الملك الرؤيا وأرعبته وأقلقته تذكَّر الناجي أن يوسف في السجن فاستأذن في الإرسال ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)﴾ [يوسف]. بعد ذلك عبَّر يوسف وقال له ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ [يوسف:47]. هذا من عفو يوسف، وصفحه ما عاتبه وقال: أنت نسيتني،وبعض الناس يقول :فلان ما يذكرنا إلا وقتَ الحاجة ، وما اشترط لا أعبر لكم الرؤيا إلا بشرط إخراجي من السجن عبَّرلهم الرؤيا مباشرة ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ [يوسف:47]. وفي آخر سورة يوسف أيضًا بعد أن جمع الله بينه وبين إخوته، قال يوسف: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف:92]. أي: لا لوم ولا عتاب. وهذا خُلُق عزيز من مكارم الأخلاق ،وهو من أسباب نيل العزة في الدارين.وفي صحيح مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ».
وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الآتي في الفصول هومن أدلة العفو والصفح.وقد قال تعالى فاصفح الصفح الجميل .
(قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ السيف، فاخترطه فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا)
وفي مستدرك الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غُرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «مَنْ يَمْنَعُكَ؟» قَالَ: كُنْ خَيْرَ آخِذٍ، قَالَ: «تَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ، وَلَا أَكُونُ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، قَالَ: فَخَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبِيلَهُ فَجَاءَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ الحديث .
(وهذا كان في غزوة ذات الرقاع، إلا أنها التي بعد الخندق)
أي أن هذا الذي حصل كان في غزوة ذات الرقاع التي بعد الخندق .
وقد تقدم انتقاد ابن القيم لقول من قال غزوة ذات الرقاع كانت مرتين مرة قبل الخندق ومرة بعدها .
****************************
فصل [غزوة بدر الصغرى]
وقد كان أبو سفيان يوم أحد عند منصرفه نادى: موعدكم وإيانا بدر العام المقبل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان شعبان في هذه السنة نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى بدراً للموعد، واستخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي، فأقام هناك ثماني ليال، ثم رجع ولم يلق كيداً، وذلك أن أبا سفيان خرج بقريش، فلما كان ببعض الطريق بدا لهم الرجوع لأجل جدب سنتهم فرجعوا، وهذه الغزوة تسمى بدراً الثالثة وبدر الموعد.

****************************
هذه غزوة بدر الثالثة في السنة الرابعة ، وقد تقدم لنا غزوة بدر ثلاث:
الأولى: وسببها إغارة كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طلبه ولم يلق كيدا.
غزوة بدر الثانية: وهي غزوة بدر العظمى وكان سببها خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتعرض قافلة أبي سفيان.
وهنا غزوة بدر الثالثة: ويقال لها غزوة بدر الموعد؛ لأن أبا سفيان عند رجوعهم من غزوة أحد، قال: موعدنا وإياكم بدر في العام المقبل، ثم خرج لملاقاتهم إمضاءً للوعد. ويقال لها غزوة جيش السويق لأن أبا سفيان وأصحابه لما خرجوا من مكة مشوا قليلًا ثم عرض عليهم أبو سفيان، فقال لهم: نحن في زمن جدب فننتظر إلى عام خصب، فأكلوا السويق ثم رجعوا إلى مكة.
وهنا يذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى بدر لملاقاة قريش وأقام ثمانية ليالٍ، ثم رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
****************************
فصل [غزوة دُومة الجندل]
وخرج صلى الله عليه وسلم إلى دُومة الجندل في ربيع الأول من سنة خمس، ثم رجع في أثناء الطريق ولم يلق حرباً، وكان استعمل على المدينة سباع بن عرفطة.

****************************
غزوة دُومة الجندل في السنة الخامسة .وسببها أنه بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن جمعًا من الكفار يتجمعون لقتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي أثناء الطريق بلغه أنهم قد هربوا وتفرَّقوا فرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يلق حربًا.










رد مع اقتباس
قديم 2016-05-04, 08:49   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(10) التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ
الكاتب أم عبدالله الوادعية

بسم الله الرحمن الرحيم

(10) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)

اختصارُ درسِ السابع عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

* بعث بئر معونة: كانت هذه الوقعة في صفر الذي وقع فيه بعث الرجيع، فقد كانا في شهرٍ واحدٍ في السنة الرابعة.
*سبب هذه الوقعة: وذلك أن أبا براء عامر بن مالك المدْعو مُلاعِب الأسنَّة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ فدعاه إلى الإسلام فما أسلم ولا أظهر عنادًا ومخالفةً، ثم عرض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبعث أصحابه إلى نجد لدعوتهم وتعليمهم، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال أبو براء: أنا جارٌ لهم.
* عدد بعث بئر معونة: بعث النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبعين رجلًا كما في الصحيحين ، وقد قيل :بعث أربعين رجلًا كما في قول ابن اسحاق.وما في الصحيحين هو الصحيح . وأمَّر عليهم المنذرَ بن عمرو ولقبُه المعنِق لِيموت.
*وصف بعث بئر معونة: كانوا من فضلاء المسلمين وساداتهم وقرَّائهم ، أخرج البخاري (2801) ومسلم (677) واللفظ لمسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: «أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ، فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ، فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضُوا لَهُمْ، فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، فَقَالُوا: اللهُمَّ، بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا، قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا، خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا». ودلَّ هذا الحديث أن هؤلاء الصحابة السبعين من خيار الصحابة وكانوا يسمون بالقراء،وأصحاب عبادةٍ وخدمة لأهل الُّصُّفة والمحاويج رضي الله عنهم .
* قصةُ قتلهم: نهضُوا فنزلوا بئر معونة، ثم بعثُوا منها حرامَ بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدوِّ الله عامرِ بن الطفيل، فلم ينظر عامر في الكتاب. وأمر به فقتله، يقول حرام بن ملحان لما طُعن بالحربة: فزت ورب الكعبة.أي فاز بالشهادة والجنة .
واستنفر عدو الله عامر: بني عامر إلى قتال الباقين من السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء.
واستنفر بني سليم فأجابته عُصَيَّة ورِعل وذكوان، فأحاطوا بهم فقاتلوا حتى قُتلوا عن آخرهم رضي الله عنهم، إلا كعب بن زيد فإنه حُمِل جريحًا من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق. وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن محمد بن عقبة في سرح المسلمين، فرأيا الطيرَ تحومُ –أي تتردد وتطوف-على موضع الوقعة، فنزلا فقاتلا المشركين حتى قتل المنذر بن محمد وأُسر عمرو بن أمية، ثم أعتقه عامر فيما زعم عن رقبةٍ كانت على أمه عندما أَخبر أنه من مضر.
* ثم رجع عمرو بن أمية ونزل بالقرقرةِ وفَتك على غرَّة برجلين بجواره، وكان هذان الرجلان معهما عهد من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم به عمرو بن أمية، وهو يرى أنه قد أصاب ثأراً من أصحابه، فلما قدم أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: لقد قتلتَ قتيلَين لأدينَّهما. وهذا فيه دية المعاهَد، وقد ثبت في سنن أبي داوود (4583) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ». ولا يجوز تعمد الأذى ولا القتل لمن كان معاهدًا ففي صحيح البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». هذا دليل على أنه من الكبائر.
* أنزل الله فيهم بعد أن قُتلوا رضي الله عنهم قرآنًا وكان من المنسوخ تلاوته: ففي صحيح البخاري (4091) عن أَنَس ثُمَّ كَانَ مِنَ المَنْسُوخِ: إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا «فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
* من الذين قتلوا في بئر معونة: المنذر بن عمرو المعْنِق ليموت، وعامر بن فُهيرة قتله جبارُ بن سلمى، وحرام بن ملحان وهو أول من قُتِل منهم. وعروة بن أسماء بن الصلت. رضي الله عنهم أجمعين.
* قنوت رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على الذينَ قتلوا القرَّاء: وهذا فيه القنوت في النوازل ولم يقنت صلى الله عليه وسلم في غير النوازل. وأما ما جاء في مسند أحمد (12657) من طريق أَبي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا». فهو حديث ضعيف. أبو جعفر الرازي ضعيف. والله أعلم.
*الأمر بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب: أمر صلى الله عليه وسلم عند موته بإجلائهم عمومًا. وهذا مما اختُص به جزيرةُ العرب ومن مِيزاتِها، أخرج مسلم (1767) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا».
ـ وإذا كان هذا في اليهود والنصارى فإخراجُ الكفار ممن ليس عندهم كتاب من باب أولى، وقال البخاري: بَابُ إِخْرَاجِ اليَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ (3168) ثم أخرج بإسناده عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: يَوْمُ الخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الحَصَى، قُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ: مَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا لَهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَقَالَ: «ذَرُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»، فَأَمَرَهُمْ بِثَلاَثٍ، قَالَ: «أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ».
ـ فإذا كان عند المسلمين قوة وجبَ عليهم إخراج الكفار وعدم تمكينهم من الإقامة في جزيرة العرب، ومن المنكر جلب العُمَّال من الكفار والخدم من الرجال والنساء إلى جزيرة العرب.
ـ وقد تكلم العلماء على حدود جزيرة العرب وصفاتها، ومن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمن دون الشام.كما في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام.
* سبب تسميتها بجزيرة العرب: في فتح الباري: وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ بِهَا يَعْنِي بَحْرَ الْهِنْدِ وَبَحْرَ الْقُلْزُمِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ الْحَبَشَةِ.
* سبب إضافة الجزيرة إلى العرب: قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم تحت رقم (1637): وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَدِيَارُهمُ الَّتِي هِيَ أَوْطَانُهُمْ وَأَوْطَانُ أَسْلَافِهِمْ. اهـ.
* من ميز جزيرة العرب يأسُ الشيطان من الشرك فيها لما وجد انتشار الإسلام والتوحيد أخرج مسلم في صحيحه (2812) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».
* غزوة بني النضير: خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفسه الكريمة إلى بني النضير ليستعين بهم في دفع دية ذَينِك الرجلين اللذّيْنِ قتلهما عمرو بن أمية ، فقالوا: نعم نعينك ثم همُّوا أن يُلقوا صخرة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وانتُدب لذلك عمرو بن جحاش، وجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانصرف إلى المدينة. ثم بعد ذلك ندب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقتال بني النضير لأنهم نقضوا العهد. واستعمل على المدينة ابنَ أم مكتوم.
وكانت غزوة بني النضير في ربيع الأول في السنة الرابعة، وحاصرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حصونهم ستَ ليال وقطع نخلهم إذلالًا لهم ومهانة. وقذف الله في قلوبهم الرعب،حتى بلغ منهم كلَّ مبلغ . ثم تمَّ إجلاؤهم وأن لهم ما حملت إبلهم من الأمتعة فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم ليأخذوا الأشياء المستحسَنة من الأبواب والخشب وغيرها ولم يُسلم من بني النضير أحد إلا رجلان، وهما أبو سعد بن وهب، ويامين بن عمير بن كعب.
* أرسل عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من يبلغ بني النضير بخُفية، وقالوا لبني النضير: إذا قاتلكم فنحن ننصركم، وهذا وعد منافقين لما قاتلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خذلوهم وكانوا منتظرين لنصرهم وهم في حصونهم.
* قسم رسول الله الأموال بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنه أعطى أبا دجانة وسهل بن حنيف الأنصارِيَّين لفقرِهما، وكانت أموال بني النضير فيئًا. والفيء: ما أخذ من أموال الكفار بغير قتال.
* وفي هذه الغزوةِ أنزل اللهُ سبحانه سورة الحشر بتمامها في شأن بني النضير، وقد كان عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما يسميها سورةَ بني النضيركما في البخاري ،وكم فيها من العبر وبيان إذلال أهل الكفروإهانتهم وسوء عاقبتهم .ولهذا ربنا يقول في شأنهم {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.
* تحريم الخمر: وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (14/ 117): فَإِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ بَعْدَ أُحُدٍ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ. اهـ. وقال ابن حزم حرمت في غزوة بني النضير، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ولم أره لغير.

واللهُ أعلم .










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رسول, شجرة, فصل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:50

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc