بسم الله الرحمن الرحيم
امرأة تقول : زوجها يكذب عليها كثيراً بحجة أنه يجوز الكذب على الزوجة تجنباً للمشاكل ؟.
ج :أخرج الإمام مسلم في صحيحه (2605) عن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا.
وقد تكلم العلماء على المراد من كذب الرجل على زوجته وكذب المرأة على زوجها .
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث :وَأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبُهَا لَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي إِظْهَارِ الْوُدِّ وَالْوَعْدِ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمُخَادَعَةُ فِي مَنْعِ مَا عَلَيْهِ أو عليها أو أخذ ماليس لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ والله أعلم.
وقوله رحمه الله (فِي إِظْهَارِ الْوُدِّ)مثل أن يقول الرجل لزوجته هل أنت تحبيني كثيراً فتجيبه نعم .
وهكذا العكس .
قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن(4/ 124): فأما كذب الرجل زوجته فهو أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك محبتها ويستصلح به خلقها اهـ.
أما أن يهضم حقوقها أو يأخذ مالها أو يخادعهاويكذب عليها فهذا حرام بالاتفاق .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/ 898): وليس من الكذب المباح أن يعدها بشيء لا يريد أن يفي به لها، أو يخبرها بأنه اشترى لها الحاجة الفلانية بسعر كذا، يعني أكثر من الواقع ترضية لها.
لأن ذلك قد ينكشف لها فيكون سببا لكي تسيء ظنها بزوجها، وذلك من الفساد لا
الإصلاح اهـ.
ويقول الوالد رحمه الله : ممكن استعمال المعاريض تقول له :اشترِ لي كذا فيقول إن شاءالله ويقصد إذا يسرالله .
قال :ويقولون :ما كذَب ظريفٌ .
وقال رحمه الله في كلامه على المعاريض على الزوجة أوغيرها:لو علِم الناس بعد ذلك الحقيقة لعدُّوك كذّابَاً ما سيقولون هذه معاريض جائزة .
ووجدت كلاماً للشيخ ابن عُثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين(3/ 41) نحو هذا .
يقول: هذا أيضاً من باب التورية، مثل أن يقول لها: إنك من أحب الناس إليّ، وإني أرغب في مثلك، وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب الألفة والمحبة بينهما.
ولكن مع هذا لا ينبغي فيما بين الزوجين أن يكثر الإنسان من هذا الأمر؛ لأن المرأة إذا عثرت على شيء يخالف ما حدثها به، فإنه ربما تنعكس الحال وتكرهه أكثر مما كان يتوقع، وكذلك المرأة مع الرجل اهـ.
ثمَّ هل تطيب نفس الرجل أن تكذب عليه زوجتُه .
وإذا كان فِعْلاً مُنقاداً للدليل فلا يأخذ ما يوافق هواه ويدع ما لا يوافقه.
والمحبةُ هي بيد الله و كان فيه رجلٌ يقول لزوجته :لا بُدَّ أن تُحبَّه أكثر من أهلها فعرضنا مُشكلتهما على الوالد الشيخ مقبل رحمه الله .
فقال : ليس له حق أن يُلزِمَهَا ، المحبة بيد الله .
وما أحسن الصدق فإنه خُلُقُ النبيين والصديقين والصالحين ،وحياة مبنية على الكذب ،حياة نكدة .
ولكن فيما يجلب الوُدَّ بين الزوجين والألفة تقدم عن العلماء أنه لا بأس به ومن غير مخادعة ولا اعتداء ومن غير إكثار.
هذا وقد كان الوالد الشيخ مقبل رحمه الله يُعلق على حديث أم كلثوم ويقول:بيَّنت هذه الرواية-أي السابقة -قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا . أنه من قول ابن شهاب وليس بمرفوع .
(أي من قول ابن شهاب عمن سمعه منه).
ويرى رحمه الله: أن هذه الرواية تبين الرواية الأخرى التي ظاهرها الرفع أنه من رواية أم كلثوم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
هذا بالنسبة لما أفاده والدي رحمه الله .
أم عبد الله الوادعية