الجريمة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الجريمة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-04-16, 15:31   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الجريمة

.
مقدمة:


كان هناك اتجاه دائم إلى الربط بين مفهوم الجريمة و مفهوم المرض على أساس أن السلوك الإجرامي سلوك مريض وليس سلوكا صحيا أو سويا. و هذا الربط أدى إلى نتائج غير دقيقة في تفسير الجريمة و وضع سياسة للوقاية و الجزاء بل أنه يؤدي و يشجع المجتمع على البحث عن ميكروب الجريمة هذه، مثلها مثل ما يبحث الطبيب عن ميكروب المرض و هو أبعد الأشياء عن الحقيقة إذ ليس هناك ميكروب مسئول عن المجرم و الجريمة فالمجرم في النهاية هو صناعة المجتمع الذي يعيش فيه. و يترتب على ذلك أنه ليس هناك مصل معين للوقاية من الجريمة فلا هو ميكروب و لا هو سبب وحيد آخر مسئول عن الجريمة.
و نجد إن كل الآراء التي اتجهت إلى محاولة تفسير الجريمة و إرجاعها إلى سبب واحد مثل الجهل أو الفقر أو الاضطرابات النفسية أو سوء الحالة الأسرية أو القدوة السيئة أو الإعلام السيئ..الخ جميعها قد باءت بالفشل و الاعتقاد العام بين الباحثين الآن أن ظاهرة الجريمة مرتبطة بجذور متعددة تتفاعل في بيئة معينة و ظروف معينة لا يمكن حصرها يتولد عنها السلوك الإجرامي في النهاية.
و من ناحية أخرى فإن وصف الجريمة بالوباء هو وصف صادق على انتشار الجريمة فنجد في الواقع أن وباء الجريمة قد انتشر انتشاراً سريعا في العصر الحديث و تلونت ملامحه أكثر من أي وقت مضى و تضاعف عدد المجني عليهم حتى أصبحوا يزيدون أضعافا عن ضحايا أي وباء. و هو ما يعرض المجتمع كله كيانه و سعادته و مصيره للخطر و التدهور.
إن مفهوم الجريمة مفهوم عريض جدا و متعدد و إن كان أول ما نسمع كلمة الجريمة نميل إلى التفكير بالجرائم التقليدية و الضحايا التقليدية مثل ضحايا السرقات و القتل و الاغتصاب..الخ من الجرائم التي أطلق عليها بعض العلماء الجرائم الطبيعية أي التي توجد في كل مجتمع و في كل زمان و مكان إلا أن أفق الجريمة و المجرمين و الضحايا قد اتسع كثيرا بتعقد المجتمع البشري فهي أصبحت أكثر خطورة و تعقيدا و أكثر عقلانية أي نشاطا محسوباً و مقصوداً أكثر منها مصادفة و نزوة مثل: العصابات الدولية القوية المسيطرة.
أما فيما يخص المجرم هو الشخص الذي لا يلتزم و لا يخضع لقانون الدولة و يحاول انتهاكه. و هو الشخص الذي يعتبر نفسه مجرماً و يعتبره المجتمع مجرماً كذلك
كما هو الشخص الذي ينتهك القانون الجنائي الذي تقرره السلطة التشريعية التي يعيش في ظلها. و من ثم هو الذي يرتكب جرم ما و يعد جريمة في نظر القانون فقط و لا يعتبر مجرماً إذا ما قام بفعل جرم ما و لا يحبذه المجتمع.
و في وجهة نظر القانون فلفظ مجرم لا يطلق على الشخص المرتكب الجريمة إلا بعد التحقيق فيها و صدور الحكم فيها و إلا فهو يعتبر متهماً فقط.
و لهذه الجريمة أركان و مراحل ينبغي بيانه و التعمق فيه حتى تتم و يتحصل الفاعل أو المجرم على النتيجة المرجوة تحقيقها
كل الأفعال التي يجرمها القانون تعتبر جريمة، والشخص الذي تقترفها نعبر عنه بالجاني أو المجرم، و غايته أو هدفه هي النتيجة.
موضوع بحثنا هو الفعل المجرم أو نشاط المجرم و غايته أي النتيجة و العلاقة السببية بينهما أو يصغه أخرى هو إشكالية العلاقة السببية بين نشاط المجرم و إحداث النتيجة الضارة، حيث نقوم بطرح عدة أسئلة و هي كالتالي:
- هل يمكن أن يكون نشاط المجرم دون نتيجة؟
- هل يمكن أن يكون نشاط المجرم و نتيجة ضارة دون علاقة سببية؟
- هل يمكن أن تكون نتيجة دون نشاط المجرم؟
و التطرق لكل هذه الأسئلة سوف نقوم بدراسة هذا الموضوع حسب المنهجية التالية:
خطة البحث:


مقدمة.
المبحث الأول: الجريمة و أركانها و تقسيماتها.
المطلب الأول: تعريف الجريمة.
المطلب الثاني: تقسيمات الجريمة.
المطلب الثالث: أركان الجريمة.
المبحث الثاني: الركن المادي و العلاقة السببية بين نشاط المجرم و إحداث النتيجة الضارة.
المطلب الأول: السلوك الإجرامي.
المطلب الثاني: النتيجة الضارة.
المطلب الثالث: الرابطة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة الضارة.
الخاتمة.


المبحث الأول:
الجريمة وتقسيماتها و أركانها:

المطلب ألأول:
التعريف بالجريمة
لم يقع الاتفاق على تعريف واحد للجريمة، فكل باحث ينطلق في تعريفها من منطلق بحثه، و صميم تخصصه، فتعريف علماء الإجرام لها يختلف عن تعريف العلماء الأخلاق، و هذا الأخير يختلف عن تعريف علماء الاجتماع، و كل التعاريف تختلف عن تعريفها القانوني، و سوف نعرض لمجموع هذه التعاريف و نختار الأنسب منها لموضوعنا.
و قبل العرض المذكور نشير إلى أن الفقهاء المسلمين قد درسوا الجريمة قديما وقدموا لها تعريفا مغايرا لما هي عليه التعريفات الحديثة لها،حيث عرفها الماوردي بأنها محظورات شرعية زجر الله عنها بالحد أو التعزيز(1)،ويفهم من هدا التعريف ما يلي :
إن الفعل المجرم محرم في الشرع، وعليه فلا يصدق اسم الجريمة على الأفعال المباحة بالنص أو بالا صل
2-إن هده الأفعال المحظورة وضع لها عقوبة منصوص عليها إما بالحد بان تكون العقوبة مقدرة شكلا و معنى ،أو بالتعزيز بان تترك للحاكم أو للقاضي يوقعها بشروط و ضوابط،ويتحصل من دلك إن المحظورات غير المنصوص على عقابها لاتعد جرائم حتى وان كانت حراما كالغيبة والنميمة و أكل الربا .
أما علماء الا جرام فيعرفون الجريمة باعتبارها حقيقة واقعية ،ويقولون بأنها إشباع لغريزة إنسانية بطريق شاد لا يسلكه الرجل العادي حين يشبع الغريزة نفسها،و ذلك لأحوال
--------------
1-الماوردي – الأحكام السلطانية - الباب التاسع عشر.
2-د. رامساس – الوجيز في علم الإجرام – منشأة المعرف بالإسكندرية.ط1-ص 30
نفسية شاذة انتابت مرتكب الجريمة في لحظة ارتكابها بالذات(2)، والغرائز الإنسانية لا تخرج عن ثلاث هدفها النهائي هو البقاء و هذه الغرائز هي غريزة القتال و الدفاع و غريزة الاقتناء و الغرائز الجنسية و كل الجرائم ترتكب بهذه الدوافع، فالغريزة الأولى تؤدي إلى جريمة القتل و الاعتداء بصفة عامة، و الثانية تؤدي إلى السرقة وجرائم الاعتداء على المال و أما الثالثة فتؤدي إلى جرائم الشرف وإذا كانت هذه الغرائز ضرورية في الإنسان، و لابد من إشباعها بطرق متعارف عليها لا تلحق الأذى بأحد،فان المجرم هو من يشبع احد هذه الغرائز بغير ماهو متعارف عليه ، و يلاحظ على هذا المفهوم أنه واسع جيدا بحيث يؤدي الاخد به إلى إدخال سلوك كثيرة لا حصر لها تحت مظلة الإجرام، لكن هذا التوسع لا يضر أحدا، ذلك إن علماء الإجرام يبحثون في أسباب الشذوذ و دوافعه، أما علماء الاجتماع فيقدمون للجريمة مفهوما اجتماعيا، و يقوم تعريف الجريمة على أساس الربط بين القيم الاجتماعية وقد تعدد زعماء هذا الاتجاه و التعريفات المقدمة بهذا المعني أن الجريمة هي كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم و الأفكار التي استقرت مع في وجدان الجماعة أو تلك التي تتعارض مع المقتضيات الأساسية الخاصة بحفظ و بقاء المجتمع (1). و الملاحظ على هذا التعريف هو افتقاده للدقة بسبب عدم دقة المقصود بالقيم الاجتماعية فهي تتغير في مفهومها مع المكان و الزمان بل يقع الاختلاف حولها حتى في المكان الواحد و الزمان الواحد، فإذا كانت المنكرات تتعارض مع القيم الاجتماعية، فإنما يراه البعض منكرا لا يراه الناس غيره كذلك.و ما قيل مع هذا المفهوم الاجتماعي يقال مثيله عن المفهوم الأخلاقي للجريمة، و الذي يعني كل فعل يتعارض مع المبادئ الخلقية و القيم السائدة في المجتمع، و هو يقترب أيضا من المفهوم الاجتماعي، و الإشكالية قائمة حول حصر القيم الخلقية، فإذا كان الاتفاق قائما على أن السرقة و القتل و الغش، و التزوير يتعارض مع القيم الخلقية و تشكل جريمة ، فان هناك خلافات في أخلاق أخرى كالزنا و الكذب و السخرية، و غيرها، مما يجعل المفهوم الأخلاقي للجريمة لا يعول عليه.
--------------------
-د.محمد زكي أبو عامر-د.فتوح عبد الله الشاذلي-مبادئ علم الإجرام و العقاب-منشأة المعارف بالإسكندرية-ص-28


أما المفهوم القانوني للجريمة فهو الفعل الذي يجرمه القانون ، و يقرر له جزاءا جنائيا، أو هي فعل أو امتناع يخالف قاعدة جنائية تحظر السلوك المكون لها و ترتب لمن يقع منه جزاءا جنائيا (1)ن و يترتب على هذا المفهوم إن وصف الجريمة محص في نصوص قانون العقوبات ، فكل سلوك يخالف ماورد فيه فهو جريمة و كل فعل خارج عن إطاره فلا يعد كذلك حتى و لو خالف المبادئ الأخلاقية و القيم الاجتماعية، و يقض هذا التعريف إلى القاعدة الشهيرة لا جريمة و لا عقوبة الا بالنص، و بذلك فان التعريف القانوني شأنه شأن التعريف الشرعي يمتاز بالدقة،






المطلب الثاني:
تقسيمات الجريمة:
توجد اليوم أعداد كبيرة من الجرائم وهي موزعة بين فصول المجلة الجنائية والكثير من النصوص القانونية الخاصة وكل نص يحدد أركان الجريمة وعقابها وأحيانا صفة الفاعل. وأمام كثرة الجرائم وازديادها المستمر كان لابد من البحث عن معايير عامة تحدد النظام القانوني لكل مجموعة من الجرائم. لذلك اقترح الفقهاء عدة تصنيفات انطلاقا من أركان الجريمة حيث يوجد تصنيف انطلاقا من كل ركن من أركان الجريمة الثلاثة. فحسب الركن المعنوي تقسم الجرائم إلى جرائم قصديه وجرائم غير قصدية أو على أساس الدافع جرائم حق عام وجرائم سياسة. كما توجد عدة تصنيفات استنادا إلى الركن المادي حيث تقسم الجريمة إلى حينية ومستمرة أو مادية وشكلية أو جرائم بسيطة وجرائم اعتياد. وتوجد أيضا عدة تصنيفات على أساس الركن الشرعي حيث نجد جرائم الحق العام وجرائم القوانين الخاصة سواء كانت جرائم عسكرية أو جرائم اقتصادية. ولكن يبقى التصنيف الأشهر والأبرز هو التصنيف الثلاثي للجريمة.
باعتبار وأن هذا التصنيف معروف في الكثير من التشريعات المقارنة التي بدأت باعتماده منذ بدايات القرن 19 إلى درجة أصبح معها هذا التصنيف من أهم المحاور التي تدور حولها أغلب أحكام القانون الجنائي بمعناه الواسع جدا أي بشقيه الإجرائي والموضوعي معا.
تقسم الجرائم حسب عدة اعتبارات، و كل تقسيم تترتب عليه أثار، و سوف نعرض لهذه التقسيمات و نبين أثر ذلك.
أولا: تقسيم الجرائم باعتبار وضعها:
تقسم الجرائم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام، و هي الجنايات و الجنح و المخالفات، و هذا هو التقسيم الثلاثي الشهير الذي أحدت به جل القوانين و منها قانون العقوبات الجزائري، في المادة المادة27، و يحكم على المجرم في الجنايات بأكثر من خمسة سنوات، و في الجنح بأكثر من سنتين، وبأقل من ذلك في المخالفات، الا أن هذا التقسيم كما قدمنا تترتب عليه أمور، سواء في قانون العقوبات أو في قانون الإجراءات الجزائية.
ثانيا : تقسيم الجرائم بحسب امتدادها في الزمن:
تقسم الجرائم بهذا الاعتبار إلى قسمين:
1-الجريمة المستمرة: و هي الجريمة التي يستمر فيها السلوك الإجرامي، و لا ينتهي اقترافه، بل يمتد لمدة معينة حتى يضبط فيها المجرم، و هو يمارس سلوكه، و مثالها انتحال صفة كاذبة، مع الاستمرار بالظهور بها، و حمل الأوسمة المزيفة، و الشهادات المزورة، فكل هذه النماذج تمثل جريمة مستمرة شرع فيها و لم تنته بعد، وأغلب هذه الجرائم لا ترتبط بالنتيجة، بل يكفي فيها ممارسة السلوك لتعتبر جريمة فالذي ينتحل صفة كاذبة فبمجرد فعله ذلك يعتبر جريمة، و لا ينتظر حتى يرتكب جريمة النصب مثلا، أو أخد ما ليس من حقه، أ, إبراء ما عليه اعتمادا على هذه الصفة.
2-الجريمة الآنية أو الوقية:
و هي بخلاف الجريمة المستمرة، جريمة ينتهي فيها السلوك الإجرامي بتحقق نتيجته التي لا تكون بالضرورة النتيجة التي أرادها المجرم، فالذي يطلق النار على غيره يريد قتله فجرحه فقط، فان الجريمة تنتهي بإطلاق النار و تحقق إصابة الهدف حتى و لو كانت النتيجة هي غير التي أرادها المجرم، و أغلب الجرائم التي يعالجها القانون الجنائي الخاص سواء في الاعتداء على الأشخاص أو على الأموال هي جرائم آنية، مثل القتل و الجرح و الضرب و القذف و السرقة، و الاختلاس و غيرها، و هي جرائم ترتكب و تنتهي، و كلها تنطوي على نتائج.
و يتشابه مع هذين النوعين من الجرائم نوعان آخران الجرم الدائم ، و هو جرم تمتد نتائجه في الزمان لمدة أطول من الجرم المستمر الذي يكون في العادة امتداده أقصر ، و مثال الجرم الدائم بناء منزل في أرض مغصوبة، أما الجرم المتتالي أو المتعاقب فهو مرادف للجرم المستمر في معناه العام مثل الحمل الغير القانوني للأوسمة و النياشين، و ينطبق عليه ماينطبق على الجريمة المستمرة . و الخلاف بين النوعين المستمر و الآني لا يترتب عليه أن تكون عقوبة أحدهم أشد و الأخرى أخف و إنما جاء هذا التقسيم بناء عل طبيعة الجريمة نفسها، فالجريمة المستمرة من طبيعتها أنها لا تنتهي إما لكونها بغير نتيجة و ترتبط و تتحدد بوقوعها ، أو لأن نتيجتها ممتدة في الزمان، بينما الجريمة المنتهية أو الآنية هي التي ارتبطت بنتيجة وقعة و انتهت.
ثالثا: تقسيم الجرائم باعتبارها مساسها بسيادة الدولة:
تقسم الجرائم بهذا الاعتبار إلى قسمين،جرائم سياسية وجرائم عادية، وتعريفنا وحصرنا للجريمة السياسية يعرفنا آليا بالجريمة العادية، و هي ما بقي من الجرائم خارج عن نطاق الجريمة السياسية، و الجريمة السياسية بالمعنى الواسع هي كل جرم مرتبط بفكر، أو بمشروع سياسي مثل اغتيال رئيس دولة لهدف سياسي، بالمعنى الضيق جريمة تعتدي حصرا على النظام السياسي الدولي أو الداخلي مثل الاعتداء على أمن الدولة(1)، كما يعرفنا البعض بأنها عمل سياسي يجرمه القانون(2)، و عادة ماترتبط هذه الجرائم بالاستبداد السياسي حيث يرتكب المجرم جريمته ضد أحد أفراد النظام الاستبدادي، وقد تكون فعلا عاديا، تحوره طبيعة النظام الاستبدادي إلى جريمة سياسية.
---------------
1-جيرار كورنو-معجم المصطلحات القانونية-ترجمة منصور القاضي-المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع-بيروت ط1 ص619
2-سمير عالية- المرجع السابق-ص 189
رابعا: تقسيم الجرائم من حيث اعتدائها على المصالح العسكرية:
تقسم بهذا الاعتبار إلى جرائم عسكرية و أخرى عادية :
1-الجرائم العسكرية: بمعناها الواسع هي كل جريمة من اختصاص القضاء العسكري و أما بالمعنى الضيق و التقني فهي جريمة بحق الواجب و الانضباط العسكريين (1) و هي تقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ-جرائم القانون العام: وهي الجرائم التي يرتكبها العسكريون مخالفين بذلك قانون العقوبات كجرائم السرقة، و النصب و التزوير وغيرها، و هي جرائم عامة.
ب-جرائم عسكرية بحتة: و هي تقع من العسكريين على الحقوق المتعلقة بقطاعهم، و هي منصوص عليها في قانون القضاء العسكري، مثل جريمة الهروب من الخدمة و إفشاء الأسرار العسكرية.
ج-جرائم يختلط فيها الحق العام بالحقوق العسكرية: و ينص على تجريمها قانون العقوبات العادي، و في قانون القضاء العسكري، و مثالها جرائم التجسس ضد الدولة، و جرائم الخيانة و غيرها من الجرائم الماسة بأمن الدولة.
2- الجريمة العادية: فهي تلك التي تخالف قواعد قانون العقوبات (1)، و هي تتشكل عادة من الجرائم الواقعة على الأشخاص و الأموال، مثل القتل و الجرح و الضرب و السرقة و الاختلاس و الابتزاز، و النصب و خيانة الأمانة و غيرها.

-------------------
1-جيرار كورنو-معجم المصطلحات القانونية-ترجمة منصور القاضي-المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع-بيروت ط1 ص613

خامسا: تقسيم الجرائم باعتبار العود:
و تقسم إلى جرائم بسيطة و جرائم الاعتياد.
و الجريمة البسيطة هي الجريمة المرتكبة لأول مرة مهما كانت ضراوتها أو تفاهتها، فقد تكون جناية أو جنحة أو مخالفة ، أما جريمة الاعتياد فتصدق على نوعين م الجرائم، أولاهما هي الجرائم البسيطة إذا تكررت مما يدل على أن الجاني قد اعتاد عليها، كالسارق الذي يكرر سرقته من حين إلى أخر و لا فرق بين أن يكون قد تخلل بين سرقاته حكم قضائي و عقوبة أو لم يتخلل، و ثانيها جرم يتكون من سلسلة أفعال متشابهة ليقع كل منها بمفرده تحت طائلة قانون العقوبات، و إنما التكرار وحده يسبب الاعتياد، و يكفي الفعل الثني لتكوين الاعتياد مثل الممارسة غير القانونية للطب، و التحريض المعتاد للقاصرين على الفجور، فالذي يداوي مريضا يوما و هو يملك مؤهلا و لا ترخيصا لا يشكل فعله، جريمة فإذا كرر الفعل أصبح جريمة، و يترتب على التقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة ، وأخرى اعتياد مايلي:
1-إذا ظهر قانون جديد فان المجرم البسيط قد يستفيد منه إذا توفرت شروط تطبيق القانون بأثر رجعي، أما المجرم المعتاد فلا يستفيد من ذلك، إذا وقع الفعل الثاني في ظل القانون الجديد الأشد، حيث يطبق عليه.
2-يعتبر العود ظرفا مشددا في بعض الجرائم.



-------------
1-سمير عالية- المرجع السابق-ص195
المطلب الثالث :
أركان الجريمة:
تقوم الجريمة على أركان ثلاثة هي: الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي:
أولا ـ الركن الشرعي :
هو الصفة غير المشروعة للفعل ويكتسبها إذا توفر
له أمران :
1 ـ خضوعه لنص تجريم يقرر فيه القانون عقاباً لمن يرتكبه.
2 ـ عدم خضوعه لسبب من أسباب الإباحة ، إذ انتفاء أسباب الإباحة شرط ليظل الفعل محتفظاً بالصفة غير المشروعة التي أكسبها له نص التجريم.
يعبر عن الركن الشرعي في الجريمة بمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن إلا بنص في القانون " (المادة 1 ق.ع) ويهدف هذا المبدأ الى إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع عن طريق توفير الحماية لكل من هذين المصلحتين، وبالقدر اللازم الذي لا يهدر إحداهما لفائدة الأخرى.
ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة الفرد عن طريق :
1 ـ منع السلطة من التحكم في حريات الأفراد، ومنع انتهاك حرياتهم .إذ يوجب هذا المبدأ بألا يعاقب الفرد على سلوك يأتيه إلا إذا كان هذا السلوك مجرما وقت إتيانه.
2 ـ بيان السلوك المعتبر جريمة ، الأمر الذي يمكن الأفراد من معرفة السلوك الإجرامي والسلوك المباح:أي معرفة الوجهة الاجتماعية المقبولة لممارسة نشاطهم في مأمن من المسؤولية الجنائية.
ويحقق مبدأالشرعية الحماية لمصلحة المجتمع عن طريق :
1 ـ إضفاء الصبغة القانونية على العقوبة تجعلها مقبولة باعتبارها توقع تحقيق للمصلحة العامة .
2 ـ إسناد وضيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده .ويتكون مبدأ الشرعية من عنصرين أساسيين، وهما : وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه،وعدم توافر المشروعية في الفعل المرتكب ،ولنتكلم في كل من هذين العنصرين على التوالي ببعض من التفصيل.
1 ـ وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه
يقضي مبدأ شرعية التجريم بعدم جواز متابعة شخص عن فعل ارتكبه. وأنزل العقاب عليه بسببه مالم يكن هذا الفعل مجرما بنص وقت ارتكابه ويشترط في النص التجريمي جملة من الشروط نوجزها في التالي:
أ ـ من حيث طبيعة النص التجريمي : يجب أن يكون النص التجريمي نصا تشريعيا : أي مكتوبا حتى يمكن للفرد معرفة الأفعال المجرمة والأفعال المباحة، ومن ثم توفير نوع من الاستقرار للنظام الجزائي ولذلك يستوجب مبدأ الشرعية اعتماد التشريع كمصدر وحيد للتجريم والعقاب، واستبعاد المصادر الأخرى .
ويفرض مبدأ الشرعية من المشرع بعض الالتزامات في سن للنص التجريمي ، ويتعلق بعضها بمصدر التجريم، ويتعلق البعض الآخر بمضمون التجريم .
أما فيما يتعلق بمصدر التجريم : فإن مبدأ الشرعية يجعل سياسة التجريم والعقاب من صلاحيات المشرع دون غيره من الهيئات الأخرى لضمان الحماية الكافية للأفراد ويلاحظ مع ذلك إذا كانت السلطة التشريعية تملك وحدها سن النصوص التجريمية فقد تتخلى عن سلطتها إلى السلطة التنفيذية بطريق مباشر، وإلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر.
ومن الأمثلة على تخلي السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة التنفيذية ما تقوم به هذه الأخيرة من ضبط وتحديد بعض الجرائم كمخالفات المرور، أو تدخلها عن طريق الإحالة في النصوص التجريمية الصادرة عن السلطة التشريعية في بعض الجنح الخاصة بقانون الأسعار.
ومن الأمثلة على تنازل السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر،ما اصطلح على تسميته بالنصوص المفتوحة،إذ يخول المشرع للقاضي بموجب هذه النصوص سلطة تقديرية واسعة،ومن ذلك ما تنص المادة 58 من القانون رقم: 90 ــ 41 المؤرخ في 1990 /06 /02 ، والمتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي التي تعاقب على كل عرقلة لممارسة الحق النقابي..
ثانيا ـ الركن المادي :
ويعني تجسيد لماديات الجريمة أي المظهر الذي تبرز به إلى العالم الخارجي، ويقوم الركن المادي على ثلاثة عناصر هي : الفعل والنتيجة والعلاقة السببية ، فالفعل هو النشاط الإيجابي أو الموقف السلبي الذي ينسب إلى الجاني، والنتيجة هي أثره الخارجي الذي يتمثل فيه الاعتداء على حق يحميه القانون، والعلاقة السببية هي الرابطة التي تصل ما بين الفعل والنتيجة، وثبت أن حدوث النتيجة يرجع إلى ارتكاب الفعل.
ثالثا ـ الركن المعنوي :
الركن المعنوي للجريمة يعني تحقق العلم لدى الجاني واتجاه الارادة بأن ما يقوم به يمثل سلوكاً لجريمة معاقب عليها بقانون العقوبات أي أنه يتعين لتحقق الركن المعنوي للجريمة أن يتوافر لدى الجاني القصد بأنه يرتكب جريمة ، فمن يصيب شخصاً بعياراً نارياً بالخطأ ويرديه قتيلا لا يعد مرتكبا لجريمة القتل العمد وإنما جريمة القتل خطأ ، وهذا يختلف عمن تتجه نيته إلى قتل شخص ، فالنتيجة في الجريمتين واحدة وهي قتل المجني عليه بينما تختلف العقوبة في كليهما ، فالقتل العمد جناية تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد بينما القتل الخطأ فهو جنحة عقوبتها الحبس أو الغرامة.
و كذلك يعني الإرادة التي يقترن بها الفعل سواء اتخذت صورة القصد الجنائي وحينئذ توصف الجريمة بأنها جريمة عمدية، كما في جريمة القتل العمد ، أو اتخذت صور الخطأ غير العمدي وعندئذ توصف الجريمة بأنها غير عمدية ، كما في جريمة القتل الخطأ وحوادث الدهس . وهو توجيه الفاعل أرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا إلى نتيجة الجريمة التي وقعت أو اية نتيجة جرمية أخرى .
ولا يسأل شخص عن جريمة لم تكن نتيجة لسلوكه الإجرامي ، لكنه يسأل عن الجريمة ولو كان قد ساهم مع سلوكه الإجرامي في إحداثها سبب آخر سابق أو معاصر أو لاحق ( ولو كان يجهله ) .
أما اذا كان ذلك السبب وحده كافيا لإحداث نتيجة الجريمة فلا يسأل الفاعل في هذه الحالة الا عن الفعل الذي ارتكبه .
ومع ان الشروع بالفعل ألجرمي يعني البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية او جنحة ( إذ لا شروع في المخالفات ) ، إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها ، الا ان القانون يعاقب على هذا الشروع ، اذ يعتبر شروع بارتكاب الجريمة كل فعل صدر بقصد ارتكاب ( جناية أو جنحة مستحيلة التنفيذ ) ، أما لسبب يتعلق بموضوع الجريمة أو بالوسيلة التي استعملت في ارتكابها ، ما لم يكن اعتقاد الفاعل صلاحية عمله لأحداث النتيجة مبنيا على وهم أو جهل مطبق .
ولا يعد شروعاً مجرد العزم على ارتكاب الجريمة ، ولا الأعمال التحضيرية لذلك ما لم ينص القانون على خلاف ذلك .








المبحث الثاني
الركن المادي،و اشكالية العلاقة السببية بين نشاط المجرم و احاث النتيجة الضارة:
لا تقوم الجريمة كما نص عليها القانون و يترتب عليه عقاب إلا بتوفر ركنين، هما الركن المادي و الركن المعنوي الذي يمثل العمل العضلي للجاني و الركن المعنوي الذي يمثل العمل الفكري له، ذلك إن القانون لا يعاقب على النوايا و الهواجس، و لا يعتبر إلا بالأفعال الظاهرة المنتجة لأثارها، كما أن القانون لا يعاقب جنائيا من لم تكن له نية ارتكاب الجريمة و لم يكن مصرا، و إذا عوقب مدنيا فإنما ذلك مراعاة لجانب المجني عليه، و يتألف الركن المادي من ثلاثة عناصر أساسية هي التي تكون في العادة هيكل الجريمة، و هذه العناصر هي السلوك الإجرامي ، و النتيجة، و الرابطة السببية بين سلوك المجرم و النتيجة الضارة، و قبل تفصيل القول في هذه العناصر نشير إلى أن القانون قد اشترط توافر هذه العناصر مجتمعة في بعض الجرائم كجريمة القتل و السرقة و الضرب و غيرها و هي مايطلق عليها بالجرائم المادية، في حين أنه لم يشترط النتيجة في الجرائم الأخرى ، كم هو الحال في جريمة حمل سلاح ناري بغير رخصة ، و جريمة التسميم، فهذه الجرائم تتم فيها الجريمة بمجرد السلوك، و يطلق عليه الجرائم الشكلية، و يتألف الركن المادي للجريمة من ثلاثة عناصر ، نتناول كلامنا فيما يلي.
المطلب الأول:
السلوك الاجرامي:
هو فعل الجاني الذي يحدث اثرا في العالم الخارجي (1) و بغير هذا السلوك لا ييمكن محاسبة الشخص، مهما بلغت خطورة افكاره و هواجسه الداخلية، و السلوك هو الذي يخرج النية و التفكير في الاجرام الى حيز الوجود و اعتبار القانون، و لا يكاد يفرق بين السلوك الايجابي (الفعل) و السلوك السلبي ( الامتناع عن الفعل) مادام أن لهما نفس النتيجة.
أولا-السلوك الايجابي:
و يكون في صورة فل أو قول يجرمه القانون يصدر عن الجاني و يؤدي إلى إحداث نتيجة في الجريمة ذات النتيجة و كذلك يعتبر سلوكا إجراميا في ذاته في الجرائم الشكلية، و لا يتم القانون بالوسيلة سواء كانت مادية أو معنوية، فإذا كان السلوك محظورا قانونا فهو يشكل جريمة ،و كذلك اذا أدى الى نتيجة حظرتها القانون و يدخل ضمن السلوك الايجابي فعل السرقة، و القتل و الضرب و النصب و شهادة الزور، و البلاغ الكاذب و التحريض على الجريمة، و الغش و التدليس و غيرها من السلوكيات.
----------
1-عرفه الدكتور عبيد بقوله : حركة الجاني الاختيارية التي تحدث ثأتيرا في العالم الخارجي أو في نفسية المجني عليه ص 228 المرجع السابق

ثانيا-السلوك السلبي:
أو الامتناع حيث يمتنع الجاني عن فعل أو قول ما أوجبه عليه القانون، و الامتناع يشكل مخالفة للقانون، كما يشكل ذلك الفعل المخالف تماما، و لذلك كان لهما نفس الحكم، و قد اضطر المشرع الفرنسي الى النص صراحة على مساواة الامتناع بالفعل الايجابي، فنص على معاقبة من يحرم قاصرا دون الخامسة عشر من عمره من التغذية أو العناية بصورة مقصودة م 312 المعدلة، كما أدخل تعديل على النص يلزم بمقتضاه كل شخص علم بتعذيب قاصر بإبلاغ السلطة الإدارية فورا تحت طائلة العقاب م 62 معدلة (1)، و لا يفرق القانون بين الامتناع السلبي ، و الامتناع الايجابي فكل منهما يشكل خرقا للقانون يستحق ساحبه العقاب، و يوصف بأنه مجرم، و الامتناع السلبي يكون في صورة ما إذا أمر القانون بفعل أو قول فامتنع الجاني عن ذلك، أو أن القانون قد نهى عن السكوت، و لكن الجاني التزم به حيث يجب غير ذلك و تتحصل لدينا ثلاثة صور للامتناع السلبي.
أولا: أن يأمر القانون بفعل أو قول و لكن الجاني امتنع عن ذلك، و مثال ذلك ما أمر به القانون من وجوب تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر، و لكن من وجده امتنع عن ذلك، أو ما أمر به القانون من وجوب الشهادة في المحاكم و لكن الشاهد أبى ذلك، و أيضا ما أمر به القانون من وجوب التبليغ عن الجرائم، و الجرائم المخلة بأمن الدولة، و لكن صاحب العلم بذلك امتنع عن ذلك كله.
ثانيا: أن ينهي القانون عن سلوك سلبي، و لكن الجاني لا يلتزم بالنهي ، و مثاله نهي القانون عن التستر عن المجرمين، فالشخص الذي يعرف مكان المجرم، و هو عالم بذلك، و عالم أن القانون قد نهى التستر عنه و كثمان أخباره، و مع ذلك لم يحرك ساكنا في سبيل التبليغ عنه، فانه بنظر القانون يعتبر مجرما
ثالثا: الامتناع عما أمر به الواجب أو الالتزام، كالشخص المكلف بحراسة الشاطئ، يرى
---------------------
1- سمير عالية – شرح قانون العقوبات ، القسم العام، المؤسسة الجامعية للدرسات و النشر و التوزيع بيروت

شخصا يغرق و مع ذلك لا يحرك ساكنا، و كالحارس في المؤسسة، يراها تسرق أو تحترق و يقف إزاء ذلك موقف سلبيا،و كالأب المكلف بالإنفاق على أولاده فيمتنع،و الأم الممتنعة عن إرضاع طفلها، في كل هذه الحالات الثلاث نلاحظ أن المجرم لم يقم بأي سلوك ايجابي، و انما جاءت مخالفته للقانون، و استحقاقه صفة المجرم ببقائه ساكنا لم يقل و لم يفعل.
و تختلف مسوؤلية الجاني باختلاف سلوكه الإجرامي، فالسلوك التحضيري للجريمة،
كمن يحضر خنجرا أو سلاحا ليقتل به لكنه لم يفعل، فسلوكه على هذه الصورة لا يدخل في تكوين الركن المادي، أما اذا تجاوز السلوك الإجرامي هذه المرحلة بان طعن الجاني المجني عليه، أو استعمال سلاحه و لكن لم يحقق النتيجة ففي هذه الحالة فيعتبر سلوكه شروعا سواء كانت الجريمة الخائبة أو المستحيلة ، و يكفي سلوكه لتكوين الركن المادي، و أولى من ذلك اذا حقق السلوك النتيجة الضارة ، كما يؤدي اختلاف نوع السلوك الاجرامي الى اختلاف في نوع المساهمة الجنائية، فمن السلوكات من يجعل الجاني فاعلا أصليا، ومنها مايجعله شريكا، و منها ما لا يجعله لا هذا و لا ذلك.
و بناءا على ما تقدم فان السلوك الاجرامي يشكل أحد العناصر الاساسية في الركن المادي، و يتوقف عليه وصف التجريم أو عدمه و دراسته ضمن الركن المادي لا بديل عنها، و اذا كان القانون يهتم بجوهر هذا السلوك و موقعه في الجريمة و دوره ، فانه لايهتم كثيرا بوسيلته، و لا بزمانه و لا بمكانه، فلا يفرق القانون بين القتل بالسلاح ، و بين القتل خنقا،و انما يركز على فعل القتل، و الوسيلة لا تعدو الا أن تكون ظرفا مشددا أو مخففا ، كما أن القانون في الغالب لا يفرق بين أت تقع ليلا أو نهارا ما عدا اعتبار الليل ظرفا مشددا في جريمة السرقة ، كما لا يهتم القانون بمكان وقوع الجريمة ، فلا فرق بين الجريمة التي وقعت في المدينة ، و التي و قعت في الريف مثلا ، كما أن القانون في اغتباره للسلوك لا يفرق بين مجني عليه و أخر ما لم يكن المجني عليه جانيا و قد وقع عليه السلوك الاجرامي ضمن سبب من أسباب الاباحة كالدفاع الشرعي ، فالسلوك الإجرامي المتوجه إلى الصائل (المعتدي) لرد الاعتداء يختلف عن السلوك الموجه الى غيره ، و هي من الاستثناءات التي نص عليها القانون.
و نشير في أخر الحديث عن السلوك الإجرامي أن ما يعد ظرفا مشددا فيه لا يمكنه أن يكون ركنا، ذلك أن الركن جزءا من ماهية الجريمة، و انعدامه يعدم الجريمة أصلا، بخلاف الظرف فاته لا يؤثر إطلاقا في وجود الجريمة ، فالظرف المشدد لوحده لا يشكل الجريمة، كما أن الظرف المخل لا يزيل جرما ، فهو ليس أكثر من تابع للركن المادي ، يرتبط وجوده بوجود الركن ، و لا يترتب على انعدامه انعدام الركن ، فإذا كانت السرقة ليلا من الظروف المشددة ، فان وجود المتهم في محيط الجريمة ليلا دون ان يفعل شيئا لا يجعله ذلك مجرما، بينما تتم جريمة السرقة إذا وقع السلوك المادي سواء كان ذلك ليلا أو نهار.











ثالثا:التفسير الإسلامي للسلوك الإجرامي:

إن عدم تركيز اغلب الكتاب الإسلاميين على تفسير ظاهرة السلوك الإجرامي وفق الإطار الإسلامي، ومبادئ الشريعة الإسلامية لا يعني خلو هذه الشريعة العظيمة من تفسير لهذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة.
فكيف يمكن أن تهمل الشريعة الإسلامية - التي جاءت لتنظيم علاقات الإنسان الثلاث بنفسه وبربه وبغيره من أبناء جنسه - جانباً خطيراً كهذا ترتبط به مسألة استقرار المجتمع وأمنه، في حين جاءت بمسائل لا تأثير لها في العلاقات الاجتماعية أو قليلة الأثر كقضايا الهندام وغيرها..
فالدين الإسلامي جاءنا بحكم لكل شيء مهما صغر فكيف بالمسائل والأشياء الخطيرة فلابد أن يورد لنا ما يخصها من الأحكام.
إذن للإسلام، تفسيره لظاهرة السلوك الإجرامي، بل لديه التفسير الذي يتميز به عن التفسيرات التي جاءتنا بها النظريات المتقدمة.
فقد (حرص الإسلام منذ فجره الأول على بناء مجتمع سليم يمثل القاعدة الصحيحة في إنشاء دولة الحق والعدل التي جاء لإقامتها، ولما كانت إقامة المجتمع السليم لا تتحقق بدون إعداد اللبنات الأولى فيه وهم الإفراد، لذا فقد كان للفرد النصيب الأوفى في مهمة البناء والإعداد حيث كان دائماً مكان الرعاية والاهتمام إذ بذل الفقهاء المسلمون ما في وسعهم من اجل التوصل إلى هذه الغاية، والعمل على تحليل وتفسير السلوك الإجرامي من خلال التصور الإسلامي لشخصية الفرد، وتهيئة أسباب بنائها وصقلها).
فما هو مصدر السلوك الإجرامي، وما هو التفسير الإسلامي لهذه الظاهرة؟
(هل مصدر الجريمة هي الإنسان وطويته، أو بيئته ومعيشته؟) فقد تقدم أن لكل من هذين الأمرين أصحابه وحججه في دعم الرأي الذي يتبناه في مصدر الجريمة، وعامل السلوك الإجرامي، المهم ماذا يقدم لنا الإسلام في هذا الصدد.
إذا رجعنا إلى آيات الكتاب، والأحاديث النبوية وجدناها على نوعين:
منها ما يؤيد النظرية القائلة بان سبب الجريمة يكمن في نفس الإنسان،
ومنها ما يدل بظاهرة على أن الجريمة تتولد من البيئة والأوضاع الفاسدة).
ما يخص العوامل الفردية للسلوك الإجرامي
هناك الكثير من الآيات الكريمة، والأحاديث التي ترجع السلوك الإجرامي إلى عوامل ذاتية نذكر منها:
من القرآن الكريم:
1) (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج، 46.
فالآية الكريمة هي في معرض الكلام عن المجرمين الذين يخالفون أحكام الشرع، فتصفهم بأنهم عمي القلوب أي أن أسباب إجرامهم، وانحرافهم هو ذاتي.
2) (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ).
3) (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ).
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تحدثت عن المجرمين الذين يمعنون في الإجرام ومخالفة السنن الإلهية وتتحدث كذلك عن دوافع أولئك التي تدفعهم لارتكاب الجرائم.
من السنة الشريفة:
إما السنة الشريفة فهي حافلة بما يدل على الموضوع، والذي يشير إلى الدوافع الذاتية التي تدفع الإنسان نحو السلوك الإجرامي نذكر منه بعضاً على سبيل المثال لا الحصر:
1) (حسن السيرة عنوان السريرة).
2) (عند فساد العلانية تفسد السريرة).
3) (من حسنت سريرته حسنت علانيته).
4) (كما تدين تدان).
ما يخص العوامل الاجتماعية للسلوك الإجرامي
تقدم القول بان الدين الإسلامي لم يكن قد ركز على عامل واحد في تفسيره لظاهرة السلوك الإجرامي بحيث أنكر أو أهمل جانب العوامل الأخرى كما هو الحال بالنسبة لمن كتب من العلماء غير الإسلاميين في موضوع السلوك الإجرامي، ومن نظر له.
وقد ذكرنا طائفة من الآيات التي تدل على اثر العوامل الفردية (الشخصية) في السلوك الإجرامي بالإضافة إلى طائفة من الروايات، حيث ذكرنا كلاً على سبيل المثال لا الحصر.
وأما بالنسبة للعوامل الاجتماعية (الخارجية) التي تؤثر في انحراف الشخص، وارتكابه الجرائم فقد ورد في الكتاب الكريم والسنة الشريفة الكثير كذلك مما يدل على اثر العوامل الاجتماعية في السلوك الإجرامي للأفراد.
لقد بحث سماحة آية الله العظمى الإمام الشيرازي - دام ظله - عوامل السلوك الإجرامي مفصلاً في كتابه (الاجتماع) تحت عنوان عوامل الانحراف، وقد ذكر فيه كلا القسمين، القسم الأول من عوامل السلوك الإجرامي - العوامل الفردية - والقسم الثاني منها وهو العوامل الاجتماعية.









المطلب الثاني:
النتيجة الضارة:
أولا:مفهوم النتيجة
و يقصد بها الأثر المترتب على السلوك ألجرمي ،والدي يتمثل في الجريمة الايجابية في التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي(1)سواء كان ماديا أو نفسيا،وليس لكل الجريمة نتيجة فهناك جرائم يقوم ركنها المادي على السلوك المجرد بعض النظر عن النتيجة،وعليه تقسم الجرائم إلى جرائم مادية وأخرى شكلية(2)،ومن أمثلة الجرائم الشكلية عرض الرشوة على موظف،وتزييف عملة لم تستعمل أو تروج،تزوير أوراق رسمية دون استعمالها.وبناء على ما تقدم فان هناك مفهومين للنتيجة،مفهوم مادي يقوم على الأثر المادي الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي،كإزهاق الروح في جريمة القتل،و إخراج المال من ملك المجني عليه إلى ملك الجاني كما في السرقة و يطلق على الجرائم المرتبطة بهذا المفهوم بالجرائم المادية،أما المفهوم القانوني فيتمثل فيما يسببه سلوك الجاني من ضرر أو خطر يصيب أو يهدد مصلحة محمية قانونا(3).


--------------------------------------------------
1-سمير عالية المرجع السابق ص 206-207
2-نفس المرجع.
3-د.عبد الله سليمان-المرجع السابق- 126-
والفرق بين الجريمتين المادية و الشكلية يكمن في كون رابطة السببية لا توجد في الجرائم الشكلية بسبب انعدام النتيجة كما لا توجد محاولة لان مجرد الفعل يعتبر جريمة،فلا يمكن القول بمحاولة حمل السلاح بغير رخصة، وكذلك لا مجال في الجريمة الشكلية للعدول الطوعي.
ثانيا:الضرر في النتيجة :
و الضرر المعتبر قانونا هو ما نص عليه القانون،فهو في جريمة القتل إزهاق روح المجني عليه ،بغض النظر عن الضرر الذي يلحق الورثة بعد دلك سواء كان ماديا أو نفسيا،فلا يفرق القانون –كما أسلفنا-بين مجني عليه و أخر ،وأما في الجريمة السرقة فان الضرر هو حرمان صاحب المال من ماله،و لا يفرق القانون بين أن يكون المجني عليه ثريا لا يتأثر بالسرقة،أو فقيرا أدت السرقة إلى فقدانه جميع أمواله ، و كما يكون الضرر ماديا يكون معنويا كما هو الحال في الب،كما قد يكون مزيجا من المادي و المعنوي، كالقذف الذي يلحق أضرارا باعتبار و نفسية المجني عليه،و قد يمتد دلك إلى أمواله بانصراف الناس عن التعامل معه بسبب ما قذف به.
كما يقسم الضرر أيضا إلى ضرر واقع، و أخر محتمل الوقوع،و الضرر الواقع مثل إزهاق الروح بفعل سلوك إجرامي ،و انتقال المال بالسرقة،ففي هذه الأحوال حقق السلوك الإجرامي نتيجة الضارة، بيد أن هناك أموالا لم يقع عليها الضرر بعد لسبب من الأسباب ،و لكن لو ترك الجاني أو صارت الأمور على تقدير السير العادي للأمور لوقع الضرر ،و القانون قد تعامل مع الضرر المحتمل مثل الضرر الواقع تماما ،ولذلك عاقب على الشروع و المحاولة و الجريمة المستحيلة و الخائبة التي لم تتحقق نتيجتها رغم انف الجاني ،فقد ورد في المادة 30من قانون العقوبة الجزائري منصه :كل المحاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها آدا لم توقف أو لم يخب أثرها الا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها، و قد حكمت محكمة الآيات في الملف رقم 49143 قرار بتاريخ 16/02/1988م على المتهم الذي قام بإلحاق ضربات بواسطة خنجر التي أصابت المتهم و لم يتوقف الا بعد فرار الضحية، واقتنعت بجريمة محاولة القتل ألعمدي،و متى كان كذلك استجوب رفض الطعن الذي تقدم به المتهم مع الإشارة هنا إلى أن المحاولة في الجنحة لا يعاقب عليها القانون الا بناء على نص صريح في القانون، و لا يعاقب على المحاولة في المخالفات إطلاقا (م31).
و لم يول القانون أي اهتمام بما يحققه الجاني من وراء النتيجة الضارة التي أحدثاهن فلا يفرق القانون بين أن تكون النتيجة الضارة قد عادت على الجاني بالفائدة أو الخسارة، كما أسلفنا- لا ينظر إلى النتيجة التي يريدها الجاني ، بل إلى النتيجة التي يحميها القانون.






المطلب الثالث:
الرابطة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة الضارة:

يعتبر موضوع السببية أو العلية الباب الذي ينفذ منه العقل إلى رحاب المعرفة بمختلف أشكالها و ميادينها و لذلك فلا عجب أن يهتم الفلاسفة قديما و حديثا بالعلة و مسالكها ، و أهتم بذلك أيضا الأصوليون المسلمون، كما اهتم بها رجال العلم التجريبي المحدثون، و كانت السبب وراء كثير من الاكتشافات و الاختراعات، و لم يشذ رجال الفقه و القانون الجنائي عندما بحثوا هذا الموضوع ، ذلك أن وجود السلوك الإجرامي و النتيجة الضارة قد يكفيان لدلالة على قيام الجريمة ، و لكنهما لا يكفيان في تحديد المسؤولية الجنائية التي تقضي نسبة النتيجة الضارة إلى السلوك الإجرامي ، ونسبة السلوك الإجرامي إلى شخص معين.
و لا تثار أية مشكلة حول موضوع السببية إذا كان ظاهرا أن فعل الجاني و سلوكه الإجرامي هو سبب النتيجة الضارة، كمن يطلق النار على غيره فيرديه قتيلا،و كن الأمر يصبح صعبا إذا تداخلت عدة أسباب في إحداث النتيجة الضارة ، فالشخص الذي يطلق النار على غيره و لكن لم يمت في حينه بل يبقى مدة من الزمان قبل وفاته ففي هذه الحالة تدخل عدة أسباب محتملة لإحداث الوفاة، فقد يكون إطلاق النار، كما قد يكون إهمال المجني عليه أو إهمال الطبيب أو خطأه في العلاج، أو مرض أخر أو فعل أخر ساهم في إحداث الوفاة، ففي مثل هذه الحالة يثور السؤال التالي ،
-هل يعتبر الجاني الذي أطلق النار هو المسؤول عن إحداث النتيجة رغم ما تبع فعله من أسباب معاصرة أو تالية لفعله ؟.
و هذا التساؤل كان و لا يزال محل عناية الكثير من شراح القانون، خصوصا في بعض البلاد كألمانيا و ايطاليا حين يرى أغلب الشراح الفرنسيين أنه يحسن ترك تقدير السببية لقاضي الموضوع دائما دون تقييده مقدما بافتراضات معينة لتعذر و ضع قاعدة مطلقة فيها (1) ، و نتعرض فيما يلي لأهم النظريات التي تناولت موضوع السببية، و الكفيلة بالإجابة عن السؤال السابق.










أولا:النظريات التي تحكم السببية:
1-نظرية تعادل الأسباب:
ندى بهذه النظرية فريق من الفقه الألماني ، و هي تضع جميع الأسباب التي ساهمت في إحداث النتيجة في كفة واحدة، فلا فرق بين سبب مهم و سبب تافه، فكل ذي سبب يسأل مسؤولية كاملة عن النتيجة، كما لو أنه الفاعل الوحيد،و عليه فان الذي ضرب أخر فدخل المستشفى، ثم مات فيه بسبب خطأ طبي، فانه يسأل عن الوفاة، و إذا ضربه فمات من فعل الضرب من جهة، و المرض الذي كان يعاني منه المضروب يسأل أيضا بنفس المقدار ،ولا تفرق هذه النظرية بين الأفعال الألوفة و الناذرة، و لا بين أفعال الإنسان و أفعال الطبيعة، و هي تعتبر أن الفعل الأول هو المحرك للأفعال المتتالية بعد ذلك، و حتى و لو مات المجني عليه في الحريق الذي شب في المستشفى، فانه يسأل مسؤولية كاملة على اعتبار أن سلوكه هو السبب في دخول المجني عليه المستشفى ثم و فاته فيه، و إنما لا يسأل الجاني إذا كانت الوفاة مثلا حادثة لا محالة بغض النظر عن سلوك الجاني الأول، فالذي يضرب شخصا، و أثناء سفر مألوف للمجني عليه مات في حادث مرور فلا يسأل الجاني في هذه الحالة لانقطاع رابطة سببية.
و العامل المعتبر سببا في النتيجة هو الذي لا يحقق النتيجة بتخلفه، و لذا فان كل عامل ساهم في إحداث النتيجة، يعد ضروريا و لو كان أقل أهمية من العوامل الأخرى من حيث الواقع، و نظرا لضرورة لزوم كل عامل من العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة ، فقد اعتبرت كلها متساوية أو متعادلة في إحداث النتيجة، و لذا سميت نظرية تعادل الأسباب(1).
هذا مجمل القول في نظرية تعادل الأسباب، و لقد تعرضت النظرية للنقد شديد بسبب يناقضها في القول بالتعادل من جهة، و تحميل النتيجة لسبب شاذ من جهة أخرى يقطع الرابطة ، و هي تتوسع في مسألة السببية فتسأل الفاعل عن الأسباب الناذرة الحصول عادة(2).
و الحقيقة أن هذه النظرية قد رتبت رؤيتها في نظرة منطقية لا يجادل فيها ، ذلك أن سلوك الجاني هو محرك جميع الأسباب المتلاحقة بعد ذلك، فالذي جرح غيره جرحا بسيطا، اقتضى نقله إلى المستشفى ثم وقع له حادث في الطريق فمات، أو خطأ الطبيب فمات، أو احترق المستشفى، أو أهمل العلاج، فهذه الأسباب كلها لم تكن لتحدث لولا الجرح الأول و عليه حماة هذه النظرية صاحب السلوك كامل المسؤولية، حتى و لو كان سلوكه كما رأينا في المثال لا يؤدي الوفاة العادة ، الا أن النظرية و إن كانت منطقية من الناحية الطبيعية و الموضوعية،فإنها تجافي العدالة من هذه الناحية ، و ليس من المعقول أو العدل أن يسأل الجاني المسؤولية الكاملة ، و سلوكه قليل الأثر ليس أهلا لإحداث تلك النتيجة ، و لو عملنا بمنطق هذه النظرية لوقعنا في سلسلة غير متناهية من الأسباب ، فيمكن أن نجد لسلوك الجاني الأول سببا هو المحرك للسلوك الإجرامي الذي ترتبت عليه الأسباب الأخرى، كما نجد لذلك السبب سببا أخر تقدمه و هكذا ، و عليه كان بالأحرى الوقوف على الحقيقة اثر هذا السلوك بالنسبة للنتيجة التي حدثت.
2-نظرية السبب الفعال أو الملائم:
قال بها الألمان أيضا، و قد وضعها بوجه خاص الفقيه الايطالي أنتوليزي عندما دهب إلى ضرورة توافر عاملين لازمين لقيام السببية كرابطة مادية، أولهما ايجابي و ثانيها سلبي ، فالعامل الايجابي يتمثل في تداخل نشاط إنسان في تتابع الحوادث التي قد تسفر عن تحقيق نتيجة معاقب عليها في النهاية، و العامل السلبي يتمثل في عدم إسناد هذه النتيجة إلى عامل أخر غير هذا النشاط، و من ثم كانت رابطة السببية كرابطة مادية معناها ارتباط النتيجة بنشاط إنساني معين في المقام الأول ، و هو الذي ينبغي أن يكون سببا


-------------------
1-عبد الله سليمان –شرح قانون العقوبات – القسم العام دار الهدى عين مليلة الجزائر.
2-سمير عالية-شرح قانون العقوبات-القسم العام-المؤسسة الجامعية للدراسات بيروت.
مناسبا أو ملائما بصرف النظر عما عداه من شتى العوامل(1).
و تعتبر هذه النظرية من أفضل النظريات، حيث أخدت بمبدأ النظرية السابقة ، في ما ينتج عن السبب الأول من عوامل و تفادت التعميم الذي وقعت فيه، حيث أن النظرية السابقة نصت على مسؤولية الجاني مسؤولية كاملة مهما كان فعله الأول تافها بجانب الأسباب التي حاولت بعض ذلك ، و ساهمت في إحداث النتيجة بشكل كبير، و بمقتضى هذه النظرية فان الجاني يسأل عن النتيجة الضارة التي حدثت إذا كانت محتملة الوقوع أثناء السير العادي للأمور ، حتى و إن لم توصف بأنها نتيجة مباشرة لفعله فمادام إن فعل الجاني يلاءم و يناسب حدوث تلك النتيجة فانه يكون مسؤولا بغض النظر عن العوامل الأسباب التي حدثت بعد ذلك، فالشخص الذي ضرب مريضا وهو عالم بمرضه بما لا الأصحاء عادة فمات فانه يسأل و إن كان يوجد إلى جانب عامل الضرب عامل أخر و هو المرض ، و الذي يضع نعيره بخنجر يؤدي حسب المجرى العادي للأمور إلى الوفاة ، و يناسب هذه النتيجة،أما من جرح غيره في أحد أطرافه و أثناء تنقله إلى المستشفى توفي في حادث مرور فانه لا يسأل في هذه الحالة لأن هذا السبب لا يؤدي في العادة إلى إحداث نتيجة الوفاة، و المقياس الذي نميز بين السبب الملائم و الغير الملائم مبني على هذا السؤال،هل يمكن أن يؤدي فعل الجاني ضمن العوامل العادية و المألوفة إلى إحداث تلك النتيجة؟فإذا كان الجواب بالا جاب معناه أن رابطة السببية متوفرة و الا فهي منعدمة .
مع الإشارة إلى أن العوامل الشاذة تقطع رابطة السببية، فالمجني عليه الذي نقل إلى
المستشفى فاحترق هذا الأخير، و مات من جراء ذلك المجني عليه، لا يسأل الجاني عن نتيجة الوفاة، و الفرق بين العوامل الشاذة و المألوفة، أن العوامل المألوفة يعلم بها الجاني أو يستطيع أن يتوقعها حسب المجرى العادي للأمور، فان لم يتوقعها الجاني لظروف
--------------------
1-رؤوف عبيد – المرجع السابق ص 244.

لخاصة، كأن تكون حالته النفسية سيئة أو كان مستواه العقلي ضعيفا فان ذلك لا ينزع عنها كونها أنها عوامل مألوفة ، من كان يعلم بمرض المجني عليه، أو كان هناك إمارات يعرفها الرجل العادي تدل على المرض إن جهلها أو لم يتفطن لها الجاني ثم أقدم على فعله فانه يسأل عن النتيجة التي حدثت ، و لو ساهم فيها مرض المجني عليه بقسط كبير ، أما العوامل الشاذة فتقع عن النقيذ من دلك فهي العوامل التي لا يعلمها الجاني و لا يمكن أن يتوقعها الرجل العادي ، فإذا كان المريض لا تبدو عليه أي أثار للمرض، و لم يعلم الجاني بمرضه فانه لا يسأل عن نتيجة الوفاة إذا نتجت عن المرض(1).
و على الرغم من حسنات هذه النظرية و توسطها بين النظريتين الاخريتين ، و اعتدالها الا أن النقد قد وجه إليها فيما يخص إمكانية حدوث النتيجة من عدمها حسب المجرى العادي للأمور، و من جهة أخرى مدى علم و توقع الجاني للمرض كما في المثال السابق، و قالوا بأنها لا تخلو من تحكم، فحدوث النتيجة من عدمه يخدع لتقدير الناس و مدى علم و توقع الجاني يخدر للتقدير أيضا، و لا يصح أن تبنى أحكام القانون الجنائي على التقدير.
3-نظرية السببية المباشرة:
و هي النظرية الأصح للمتهم، و لا تقوم بنظرها رابطة سببية الا إذا كانت النتيجة متصلة اتصالا مباشرا بفعل الجاني، أو كان فعله هو الأساس في إحداث النتيجة، فإذا تداخلت عوامل أخرى فإنها تقع الرابطة السببية، و لو كانت تلك العوامل مألوفة، وأثرها هين غير مقطوع به في تحقيق النتيجة، فإذا أجهز الجاني على المجني عليه بسلاح، ثم نقل إلى المستشفى و بسبب خطأ طبي توفي المجني عليه، فتماشيا مع هذه النظرية فان المتهم يفلت من المسألة لتوسط أخر بين فعله و النتيجة و لم يعد فعله مباشرا.و يأخذ القضاء الفرنسي –في السائد من أحكامه-بمعيار السببية المباشرة و لعل ذلك تحت
1-عبد الله سليمان المرجع السابق ص 133
تأثير قاعدة التفسير الضيق للنصوص الجنائية، و تفسير الشك بما فيه الأصلح للمتهم، مادام هناك عامل أجني في سلوك الجاني قد تداخل بقسط ما في إحداث النتيجة النهائية بجانب هذا السلوك فقد توافر الشك الذي ينبغي أن يفسر لمصلحة المتهم من ناحية الربط بين سلوكه الآثم و النتيجة النهائية، بما يقضي أن تنقطع رابطة السببية بينهما فلا يسأل المتهم الا عن القدر المتيقن في حقه فحسب، و هو هذا السلوك وحده دون النتيجة النهائية(1).
وانتقدت هذه النظرية بسبب اهتمامها بجانب الجاني و إهمالها للضحية، و هي تمكن الجاني من الإفلات حال وجود عوامل أخرى إلى جانب سلوكه، كما انتقدت بسبب قصر النتيجة الضارة على عامل واحد، فقد تضافر عوامل متعددة بعضها أخف من بعض في إحداث نتيجة واحدة، بالإضافة إلى التمييز بين الشاذ و العامل الخفيف ليس من السهولة بمكان.









-----------------------------------
1-عبد الله سليمان –المرجع السابق-135.


ثانيا:رابطة سببية في الجرائم ذات السلوك السلبي (جرائم الامتناع):
سبقت الإشارة إلى أن الجرائم باعتبار السلوك قسمان، جرائم ذات سلوك ايجابي، و جرائم ذات سلوك سلبي، و هي ما يطلق عليه جرائم الامتناع، و عند تطرقنا لرابطة السببية كان الحدث عن علاقة سببية في جرائم الامتناع كأن نقول ها كان امتناع الجاني عن نجدة الغريق هو السبب في إحداث نتيجة الوفاة؟.
ينكر البعض علاقة السببية في مثل هذه الجرائم ، و يرى أن حل هذا الإشكال يكمن في ضرورة أن ينص القانون صراحة على العقاب عليها، فالامتناع ما هو الا فراغ أو عدم و لا ينشأ عن العدم الا العدم أي أنه يمكن للامتناع أن ينتج شيئا(1)، و بتعبير أخر فهم يرون أن الامتناع موقف سلبي، و النتيجة الضارة ظاهرة مادية ملموسة، و لا يمكن أن ينتج الوجود عن العدم ، فيما ذهب أغلب الفقه إلى أن الامتناع ليس عدما، و الجاني بامتناعه عما أمر به يعتبر قد اتخذ موقفا له وجود قانوني تترتب عليه أثار و نتائج، و عليه فيمكن الحديث عن رابطة السببية مثلها تماما في الجرائم ذات السلوك الايجابي لا فرق بينهما البتة ، فلا فرق بين من ترك طالب النجدة حتى يغرق، و بين من دفعه ليغرق، و لا فرق بين الأم التي امتنعت عن إرضاع ابنها حتى مات و بين من قتلته خنقا أو ضربا مثلا، فكل منها أراد النتيجة و كان بإمكان تفاديها و لكنه لم يفعل، و لمن لا ينبغي مساءلة الجاني الممتنع إذا كان امتناعه لا يؤثر في النتيجة، فإذا كان تدخل الجاني ينقذ الغريق من الموت و مع ذلك لم يفعل في هذه الحالة تكون رابطة السببية قد توفرت بين الامتناع و النتيجة،أأما إذا كانت الوفاة حادثة لا محالة ، و أن تدخله لا يمكن أن ينقذ حياة الغريق، فلا تتوفر رابطة السببية، كأن يكون البحر هائجا، و الجاني لا يستطيع السباحة، و تدخله قد يؤدي به إلى الغرق فضلا عن إنقاذ الغريق، ففي هذه الحالة لا يمكن الحديث عن توافر رابطة السببية.


ثالثا: علاقة السببية كعنصر في الركن المادي للجريمة
تقوم علاقة السببية بالربط بين النشاط الإجرامي والنتيجة ، ولذلك تعتبر عنصرا في الركن المادي ، ويعتد في هذا الصدد بالنتيجة المادية للنشاط الإجرامي دون النتيجة القانونية ، وفى هذه الحالة تحقق علاقة السببية الصلة بين النشاط الإجرامي والتغيير الذي يقع في العالم الخارجي والذي يعتبره القانون محققا للنتيجة القانونية للعلاقة بوصفه اعتداء على المصلحة المحمية
وقد قضى أنه من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وكانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً ونفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه مادام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه ، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه أحدث بالمجني عليه عمداً إصابة بالعين اليمنى بأن ضربه بقطعة من الحديد ، ودلل على توافر رابطة السببية بين الإصابة والوفاة بما حصله من تقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المجني عليه بالرأس رضية تنشأ عن المصادمة بجسم صلب راض أيا كان ويكفى لحصول إصابة الرأس ضربة واحدة بمثل قطعة حديد على منطقة العين اليمنى في وقت معاصر لدخوله المستشفى وإن كان هذا لا ينفى احتمال حصول ضربة أخرى غير شديدة على الرأس اقتصرت على كدم رضى بالفروة زال أثره بمرور الوقت وتعزى الوفاة إلى إصابة العين اليمنى بما أدت إليه من تجمع دموي خلف المقلة اليمنى وتكدم ونزيف بالمخ والسحايا وما ضاعف الحالة من تقيح أدى إلى خراج في مقدم الفص الجبهي للمخ على الجانب الأيمن والتهاب رئوي رقاوى مزدوج ، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أن المجني عليه كان يتعمد التجسيم في المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له في الأوراق ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد
العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر :

معناها أن توجد علاقة مباشرة ما بين الخطأ و الضرر الذي ارتكبه المسئول و الضرر الذي أصاب المضرور. والسببية هي الركن الثالث من أركان المسئولية . وهي ركن مستقل عن ركن الخطأ. وآية ذلك أنها قد توجد ولا يوجد الخطأ. كما إذا أحدث شخص ضرراً بفعل صدر منه لا يعتبر خطأ وتحقق مسئوليته على أساس تحمل التبعة، فالسببية هنا موجودة والخطأ غير موجود. وقد يوجد الخطأ ولا توجد السببية.ويسوق أحد الفقهاء لذلك مثلاً : يدس شخص لآخر سماً وقبل أن يسري السم في الجسم المسموم يأتي شخص ثالث فيقتله بمسدس . فهنا خطأ وهو دس السم، وضرر هو موت المصاب ولكن لا سببية بينهما إذ أن الموت سببه إطلاق المسدس لا دس السم. فوجد الخطأ ولم توجد السببية. ونورد مثلين آخرين يوجد فيهما الخطأ ولا توجد السببية: بعد أن يتم البيع يكشف المشترى عما عسى أن يثقل العقار الذي اشتراه من رهون. فيتبين من الكشف أن العقار غير مرهون. ثم يتضح أن هذا الكشف غير صحيح وأن العقار مثقل مرهن. وينزع الدائن المرتهن ملكية العقار فهنا خطأ وهو الكشف الغير الصحيح. وضرر وهو نزع ملكية العقار. ولكن السببية غير موجودة فإن الكشف غير الصحيح لم يظهر إلا بعد تمام البيع فلم يكن هو السبب في وقوع الضرر. وشخص يقود سيارة دون رخصة. وضرر وهو إصابة أحد المارة. ولكن الخطأ ليس هو السبب في الضرر بل هناك سبب أجنبي هو خطأ المصاب، فوجد الخطأ دون أن توجد السببية.كما في المسئولية العقدية فانه
لا يكفي لقيام المسؤولية العقدية الخطأ والضرر بل يجب أيضاً ان تكون هناك علاقة سببية ما بين الخطأ والضرر . أي بين فعل المدين والضرر الذي أصاب الدائن.والمفروض ان علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر قائمة ، فلا يكلف الدائن باثباتها، بل يكفي ان يثبت ان الضرر الذي أصابه هو نتيجة معقولة لخطأ المدين، وان اثبت ذلك قامت قرينة قضائية على علاقة السببية ، ويكون على المدين ان ينفي علاقة السببية بإثبات السبب الأجنبي

مثال عن الرابطة السببية في جريمة القتل:
جريمة القتل ألعمدي من جرائم النتيجة التي يتطلب فيها الركن المادي توافر رابطة سببية بين فعل الجاني و النتيجة، فلكي يتوافر الركن المادي في جريمة القتل العمد يجب أن تكون الوفاة نتيجة لفعل الجاني.
و تأسيسا على ما سبق، لا تقوم مسؤولية الفاعل عن القتل العمد لمجرد إسناد فعل القتل إليه، بل يجب علاوة على ذلك إسناد النتيجة إلى الفعل إذا توفر القصد.
فإذا انتفت الرابطة السببية بين الفعل و النتيجة، أي الوفاة، وقفت مسؤولية الفاعل عند حد الشروع، إذا صدر الفعل عن قصد و كان بنية القتل.
و يثار التساؤل حال تعدد العوامل التي تساهم في إحداث الوفاة ، حول الظرف الذي يعتبر فيه فعل الجاني سببا في إحداث الوفاة؟.
نوجز فيما يأتي أهم النظريات التي ظهرت في هذا المجال ثم نبرر موقف القضاء الجزائري.
أولا : عرض النظريات:
1-نظرية تعادل الأسباب:
ظهرت هذه النظرية في نهاية القرن التاسع عشر في ألمانيا و دافع عليها الفقيه فون بوري.
تنطلق هذه النظرية من التسليم بتعادل الأسباب و تساويها في القيمة. فسبب نتيجة من النتائج هو مجموع العوامل التي أدت إلى إحداثها بصرف النظر عن قيمة كل منها منفردا، ما دام هذا العامل كان لازما لوقوع النتيجة، و يكون العامل لازما لوقوع النتيجة إذا كانت لم تكن لتقع لو لم تكن هذا العامل موجودا.
و على هذا الأساس يكون فعل الجاني سببا للنتيجة لمجرد كونه أحد عواملها اللازمة أي مادامت النتيجة ما كانت لتقع لو لا هذا الفعل.
و تطبيقا لما سبق، فلو أطلق النار على أخر بقصد قتله فأصابه إصابة استدعت نقله إلى المستشفى لاستخراج الرصاصة من جسمه فأعطاه الطبيب من البنج ما يفوق القدر اللازم فمات المصاب من جرائه، أو حدث انقطاع في التيار الكهربائي تعطلت إثره الأجهزة الطبية فمات المريض بسبب تعطلها، ففي مثل هذه الحالة، و عملا بنظرية تعادل الأسباب تنسب الوفاة إلى فعل الجاني و خطأ الطبيب و انقطاع الكهرباء و مع ذلك الجاني عن هذه النتيجة لأن فعله(إطلاق الرصاص على المجني عليه) كان السبب الأول الذي أثار العوامل الأخرى التي تضافرت مع فعله في إحداث الوفاة،(خطأ الطبيب و انقطاع التيار الكهربائي) لأنه لو لاه ما دخل المستشفى فأخطأ الطبيب أو تعطلت الأجهزة الطبية.
2-نظرية السبب المباشر و الفوري:
ظهرت هذه النظرية في انجلترا، و يعد الفقيه فرنسي باكو أشهر دعائها.
مجمل هذه النظرية أنه حال تعدد العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة، ينبغي تجاهل الأسباب البعيدة بحيث تتوقف مسؤولية الفاعل على وجود فعله ضمن الأسباب التي لعبت دورا مباشرا و فوريا في إحداث النتيجة.
وعلى هذا الأساس يكون الجاني مسؤولا عن الوفاة التي حدثت إذا كان فعله الإجرامي هو السبب الأساسي ذو الكفاية و الفاعلية في إحداثها، أما سائر العوامل الأخرى التي انضافت إلى الفعل فيسرت أو ساعدت على الوفاة فتعتبر ظروفا لا أسبابا لأن فعل الجاني كان كافيا بذاته لإحداث النتيجة.
3-نظرية السبب النشط:
تقوم هذه النظرية على وجوب التفرقة، في حالة تعدد العوامل التي أحدثت النتيجة، بين الأسباب التي تبدو في حالة حركة، و تلك التي تبدو في حالة سكون و جمود.
و طالما أن الأسباب الأولى هي وحدها التي يحدث ارتكابها تغيرا حقيقيا في العالم الخارجي فان النتيجة الإجرامية تصبح من نتائجها أما الأسباب الثانية فلا يتعدى دورها التهيئة و التدليل و بالتالي لا تكون في القانون سببا.
و تطبيقا لذلك، فلو صفع شخص أخر بصفعة قوية و كان هذا الأخير مريضا بالقلب فمات على إثرها، فالموت هنا يرجع إلى السببين الاعتداء الذي وقع على المجني عليه ( صفعة) و هذا هو السبب النشط أو المتحرك، و مرض القلب، و هو السبب الساكن أو الجامد.
4-نظرية السبب الملائم:
تقوم هذه النظرية على أساس أنه عند تعدد العوامل التي أدت إلى إحداث النتيجة ينبغي أن نعتمد فقط العامل الذي ينطوي في ذاته و عند اتخاذه على احتمال ترتب النتيجة عليه تبعا للمألوف في المجرى العادي للأمور، هذا حتى و لو تضافرت مع هذا العامل في إحداث النتيجة عوامل أخرى سابقة عليه أو معاصرة أو ملاحقة له، ما دامت هذه العوامل مألوفة و متوقعة وفق ما تجري به تجربة الحياة.
و على هذا الأساس تظل الرابطة بين فعل الجاني و الوفاة قائمة لا تنقطع و لو ساهمت في إحداثها مع فعل الجاني ظروف أخرى مادامت تلك الظروف المتوقعة و مألوفة بينما تنقطع هذه الرابطة على عكس إذا كانت تلك الظروف شاذة غير متوقعة.
ويقاس التوقع أو الاحتمال بمعيار موضوعي لا شخصي، بمعنى أنه لا عبرة بما يتوقعه الجاني شخصيا و إنما العبرة لما يتوقعه الرجل العادي لو وجد في ذات ظروف الفاعل.
و تطبيقا لذلك لا تنقطع رابطة السببية بين فعل الجاني و بين الوفاة إذا المجني عليه مريض أو ضعيف البنية أو شيخا هرما (ظرف سابق و معاصر للفعل) أو إهمال المجني عليه علاج نفسه إهمالا متوقعا لمن في مثل ظروفه و خطأ الطبيب في علاج المريض (ظرف لاحقا).
فحين تنقطع رابطة السببية إذا كانت الظروف غير عادية ولا متوقعة كسائق القطار الذي يقتل شخصا كان نائما على سكة الحديد الذي يسير عليها القطار و تعمد المجني عليه الامتناع عن العلاج للإساءة بمركز المتهم و الخطأ الجسيم للطبيب و وفاة المجني عليه بسبب لا صلة له بالإصابة كالسكتة القلبية أو انقطاع التيار الكهربائي في المستشفى الذي نقل للعلاج فيه .
و قد لقيت هذه النظرية أكثر إقبالا في الأوساط الفقهية و القضائية.
-موقف القضاء الجزائري من المسألة:

يبد من خلال استقرائنا لبعض أحكام القضاء الجزائري أن القضاء الجزائري أخد بنظرية السبب المباشر و الفوري، و هكذا قضت المحكمة العليا يشترط لتحقق جريمة القتل العمد توفر رابطة السببية بين نشاط الجاني و وفاة المجني عليه بحث إذا تدخل عامل خارجي بين نشاط المتهم و موت الضحية انقطعت رابطة السببية و هكذا لا تقوم جريمة القتل العمد في حق صاحب بندقية صيد لم يخفيها في مكان أمن الأمر الذي سهل لأخيه الصغير أخدها و استعملها في واقعة قتل عمد إن عدم إخفاء السلاح و إن كان إهمالا الا انه لم يمن سببا مباشرا في وفاة المجني عليه .
كما قضت في قرار أخر : يكون الجاني في جريمة القتل العمد مسؤولا عن وفاة المجني عليه متى كانت النتيجة و هي الوفاة مرتبطة بنشاط ارتباطا الموت سواء حصل القتل بالترك أو بالامتناع كالأم التي امتناع عن قطع الحبل السري ليموت طفلها حدث العهد بالولادة فمات لأن وفاة المولود مرتبطة بامتناع أمه عن القيام بواجبها ارتباط السبب بالمسبب.



---------------------
الدكتور أحمد بوسقعية – الوجيز في القانون الجنائي الخاص الطبعة الثالثة 2006 الجزء

الخاتمة:
لقد قمنا في بحثنا هذا المتواضع محاولة تفسير نوعا ما الرابطة السببية بين نشاط المجرم و إحداث النتيجة الضارة مبينين معظم النظريات التي تتكلم في هذا الشأن و موقف المشرع الجزائري منها، و النظرية المتداولة في المحاكم الجزائرية و هي نظرية السبب المباشر و الفوري، حيث أعطينا مثال على جريمة القتل العمد، كما بينا أن هناك نشاط ايجابي و نشاط سلبي للمجرم ، و هناك بعض الجرائم التي يعاقب عليها القانون و لو لم تكون هناك نتيجة كالمحاولة و الشروع و المساعدة و غيرها من الجرائم التي لا يمكن الوصول إلى النتيجة كالجريمة المستحيلة و الجريمة الخائبة و هناك بعض الجرائم التي تتطلب اجتهاد الفقه في حالها.
و الجريمة دوما في تطور تتطلب من المشرع مسايرتها و تطور القوانين و العقوبات من اجل إيجاد الحلول و القضاء على معظم السلوكيات السلبية في المجتمع.









المراجع:
1-المارودي-الأحكام السلطانية-الباب التاسع عشر .
2-دكتور رامسيس بهنام-الوجيز في علم الإجرام- منشأة المعارف بالإسكندرية .
3-القهوجي علي عبد القادر-علم الإجرام و علم العقاب-.
4-دكتور محمد زكي ابو عمار-دكتور فتوح عبد الله الشاذلي-مبادئ على الإجرام و العقاب-منشأة المعارف بالإسكندرية.
5-دكتور سمير عالية-شرح قانون لعقوبات-القسم العام-المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع-بيروت.
6-رؤوف عبيد-مبادئ القسم العام من التشريع العقابي-دار المكر العربي 1979م
7-دكتور عبد الله سليمان-شرح قانون العقوبات-القسم العام-دار الهدى عين مليلة الجزائر.
8-دكتور لانده يوسف-قانون العقوبات –دار هومة الجزائر 2001م.
9-بن شيخ لحسن-مبادئ القانون الجزائي العام.
10-الطاهر حسين- الوجيز في شرح قانون الإجراءات الجزائية-دار المحمدية.
11-جيرار كورنو-معجم المصطلحات القانونية-ترجمة منصور قاضي المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع-بيروت.




الفهرس:
الموضوع الصفحة
مقدمة............................................. ............................. 3-4
خطة البحث............................................. ....................... 5
المبحث الأول: الجريمة و تقسيماتها و أركانها...................................6
المطلب الأول: تعريف الجريمة........................................... ......7-8-9
المطلب الثاني: تقسيمات الجريمة........................................... .....10
أولا تقسيم الجرائم باعتبار وضعها............................................. ..11
ثانيا: تقسيم الجرائم بحسب امتدادها في الزمن....................................11
-الجريمة المستمرة.......................................... ...............11
-الجريمة الآنية أو الوقتية........................................... .......11
ثالثا: تقسيم الجرائم باعتبار مساسها لسيادة الدولة.................................12
رابعا: تقسيم الجرائم من حيث اعتدائها على المصالح العسكرية...................13
-جرائم عسكرية............................................ ................13
-جرائم عادية............................................. ..................13
خامسا:تقسيم الجرائم باعتبار العود............................................. ...14
المطلب الثالث: أركان الجريمة........................................... .........15
أولا: الركن الشرعي............................................ ................15-16
ثانيا: الركن المادي............................................ ...................17
ثالثا: الركن المعنوي........................................... .................17-18
المبحث الثاني: الركن المادي و اشكالية العلاقة السببية بين نشاط المجرم
واحداث النتيجة الضارة............................................ ..............19
المطلب الاول: السلوك الاجرامي.......................................... ......20
السلوك الايجابي.......................................... .........20
-السلوك السلبي............................................ ...21-22-23
التفسير الاسلامي للسلوك الاجرامي........................................24-25-26
المطلب الثاني: النتيجة الضارة............................................ .....27
مفهوم النتيجة........................................... ............27
الضرر في النتيجة........................................... ...28-29
المطلب الثالث: الرابطة السببية بين السلوك الاجرامي و النتيجة الضارة......30-31
أولا: النظريات التي تحكم السببية........................................... ......32
-نظرية تعادل الاسباب........................................... ...32
-نظرية السبب الفعال أو الملائم.................................33-34
- نظرية السبب المباشر.........................................35-36
ثانيا: رابطة السببية في الجرائم ذات السلوك السلبي(الامتناع).....................37
ثالثا: العلاقة السببية كعنصر من الركن المادي للجريمة...........................38
رابعا: العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر........................................39
مثال عن الرابطة السببية في جريمة القتل...........................40-41-42-43
الخاتمة........................................... .............................44









 


قديم 2011-04-16, 15:35   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله في أخي ياسين على هذا العمل الممتاز.










قديم 2011-04-21, 22:33   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-11-08, 20:46   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عبد الاله 48
عضو جديد
 
الصورة الرمزية عبد الاله 48
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تستهل كل خير بارك الله فيك أخي الكريم تحياتي










قديم 2011-11-11, 14:21   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










M001

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الاله 48 مشاهدة المشاركة
تستهل كل خير بارك الله فيك أخي الكريم تحياتي
بارك الله فيك أرجو ان تكون قد استفدت منه هذا الموضوع









 

الكلمات الدلالية (Tags)
الجريمة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc