عبر ودروس من الحدث الكروي الكبير - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم الخـــواطر

قسم الخـــواطر قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء النّثريّة.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

عبر ودروس من الحدث الكروي الكبير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-12-01, 11:50   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جمال الدين الأفغاني
مؤهل سابق
 
الأوسمة
أفضل موضوع في القسم العام 
إحصائية العضو










افتراضي عبر ودروس من الحدث الكروي الكبير



الأربعاء, 25 نوفمبر 2009 11:09 د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام

د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام
إنّ اللّيالي حُبالى يلدن كلّ عجيب، وإنَّ الدّهر أمّ العجائب يسفر عن كلّ غريب، هذا ما حدث بالأمس القريب. مباراة في كرة القدم تصنع العجب بين مواطني بلدين شقيقين, الجزائر ومصر. أنا لا أدخل في تفاصيل الأجداث، ولا في تقدير حجم مسؤولية كلّ طرف في تسيير الأحداث، وتصعيد المواقف، ولا أتدخّل في تقويم دور كلّ جانب في تمديد أمد هذه الأحداث...إنّما أريد أن أقف وقفة تأمّل فيما يهمّ إخواننا وأبناءَنا الجزائريّين، وما يجب أنْ نأخذه من دروس وعبر فيما حدث.


الجوانب الإيجابية في الحدث الكروي

1 – بيّن حقيقة الجزائري الذي يثور حين تمسّ شخصته، ويثأر حين تداس كرامته. ويَهبّ حين يشعر بالظّلم...فينتفض لِيَرُدَّ الاعتبار والهيبة لنفسه، وينذر كلّ من تحدّثه نفسه الولوغ في عرضه، ومن يتجرّأ على الاقتراب من حوضه. يتمثّل في هذا الموقف قول عنترة العبسي:



أَثْنِي َعَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فَإِنَّنِـــي سَمْحٌ مُخَالَقَتِي إِذَا لَمْ أُظْلَــــمِ

وَإِذَا ظُلِمْتُ فَإنَّ ظُلْمِيَ بَاسِــلٌ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كَطَعْمِ العَلْقَـــــمِ
2 – وحّد بين أبناء الوطن، كما هي العادة في المحن، رصّ صفوفهم، وجَمَع مشاعرهم، وألّف منهم كيانًا واحدًا، يتّجه اتّجاهًا واحِدًا، هو العمل بكلّ الوسائل والطّرق لمناصرة الفريق الوطني، الذي أهين في أرض الكنانة، وإعانته على تخطّي محنته، بإخراجه من أجواء الصّدمة النّفسية التي عاشها في أثناء أداء مباراته في القاهرة، والحطّ به في أجواء الأمل والسّلام، لإجراء المقابلة الفاصلة في الخرطوم. فتحرّكت الدّولة، وتبرّع المحسنون بالأموال السّخية، وتهاطل الجمهور يبحث عن أيّ سبيل توصله إلى السّودان الشّقيق، ويصعد مدرّجات ملعب المرّيخ بأمّ درمان، وتجنّد الإعلام يحمّس الشّعب، وجادت قرائح الشّعراء بالأناشيد المعبّرة، المغيّرة من أجواء الحزن والحسرة لما حدث لشعب أرض المليون ونصف شهيد، الذي تطاول على رموزه المتطاولون، وتفنّن الفنّانون في إبداع الأغاني المسجّلة لبطولة محاربي الصّحراء، وأبطال نوفمبر 2009، وربطوا بطولتهم وشجاعتهم وشهامتهم بما قام به أسلافهم من أسود نوفمبر 1954م، فكان لهذا الرّبط دلالاته النّفسية والتاّريخية والمستقبلية.

3 – كشف عن خبايا نفس الجزائري، الذي يبقى دائمًا مرتبطًا بدينه ومقوّماته وأصالته، رغم ظهور بعض الجنوح عنها في بعض مواقفه، وفي بعض محطّات حياته. هذا الحدث جعل الجزائري: مسؤولا ولاعبًا ومناصرًا، يرجع إلى ربّه، ينسب إليه النّصر المؤزّر على الفراعنة، ويردّ إليه الفضل في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل. بل كان الكلّ يلتجئ إلى الدّعاء إلى الله كي ينصر الكرة الجزائرية، ويصل بها إلى برّ الأمان، في أمّ درمان، وبرّ جنوب إفريقيا، بعد أن ضمنت مكانًا في أنغولا, وكان القرآن حاضرًا في يوميات اللاّعبين بخاصّة - حسب الرّوايات والشّهادات – . من الآيات القرآنية التي سمعناها من أفواه اللاّعبين، بعد انتهاء مباراة الحسم والعزم، ورفع الضّيم قوله تعالى: {...وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المومنونَ بنَصْرِ الله بَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وهو العزيز الرّحيم} (الرّوم/5). لقد كان الاختيار موفّقًا، إذ الآية سجّلت وعد الله بانتصار الرّوم على الفرس، بعد أن انهزمت أمامها. فالجزائر كان قد خبّئ لها النّصر في السّودان، بعد ما ضاع منها في مصر. فاختيار الآية توفيق من الله لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل.

إنّ هذا التّوجّه نصر لنفس الجزائري، الذي يجعله محلّ تقدير أصحاب الفضل، وهو في الوقت نفسه مؤشٍّر على العودة إلى صراط الله المستقيم، وإلى سواء السّبيل القويم، بمشيئة الله القدير العليم.

4 – أعاد اللّحمة بين الشّباب وتاريخه، وبخاصّة التّاريخ القريب، ملحمة ثورة نوفمبر الخالدة، التي حرّرت بلده من نير الاستعمار، نرجو أن يكون هذا منطبقًا على بقية حلقات التّاريخ الأخرى من تاريخه الإسلامي والوطني. فقد لاحظنا الالتفاف حول رمز الوطن وهو العلم الوطني، بشكلٍ لم يسبق له مثيل، في خرجات الشّباب بخاصّة، إلاّ ما كان في السّنوات الأولى من استقلال الجزائر. فكانت الرّايات ترفرف في كلّ مكان، وتلتصق بكلّ جسم، وتتدلّى من كلّ بناية، وتظهر بأشكال متنوّعة، وبأحجام متعدّدة، تعبّر عن العلاقة الحميمية بين الرّمز وما يسكن القلب من الحبّ الدّافئ، والودّ الدّافق. وسمعنا أناشيد بكلمات جديدة، تحمل سمات الحدث الكروي الآني، وبألحانٍ لأناشيد تتحدّث عن الثّورة التّحريرية المظفّرة، للقارئ أن يتأمّل في الموقف، ويعدّد النّتائج التي يراها مناسبة. فكان شهر نوفمبر شهر البطولات، إذ أضاف لاعبو إلى الفريق الوطني، المنتصر في هذا الشّهر ملحمة أخرى إلى ملاحم الشّعب الجزائري، فردّدوا مع مفدي زكرياء:
نُفَمْبَرُ جلّ جلالُكَ فينــــا ألستًَ الذي بثَّ فينا اليقينــــا
5 – تحوّل التّعلّق بنجوم الكرة العالمية كليّة، إلى فسح مجال للنّظر إلى نجوم الكرة الجزائرية بعين الإكبار والتّقدير. وفي ذلك استرجاع للثّقة في النّفس، والتّخلّص من عقدة التّفوّق الأجنبي غير المحدود. نرجو أن ينتقل هذا أيضًا إلى أبطال الإسلام والوطن والعلم والثّقافة وأصحاب القيم والأصول.

6 – عدم حسم التّأهّل في القاهرة، أتاح للشّعب الجزائري أن يرتاد أرض المغاوير وأصحاب الشّهامة، وأهل الأصول والكرم، بلاد السّودان الأشمّ، وموطن الشّمم والقيم..فيكون هذا فرصة للشّعب الجزائري لكي يوطّد علاقاته الإسلامية العربية الأخوية مع الشّعب السّوداني، التي نرجو أن تُثْمر ثمارًا يانعة في المجال العلمي والثّقافي والحضاري، بما يخدم الدّين واللّغة والحياة العامّة والمستقبل، ويقف جدارًا حاجزًا، وسدًّا منيعًا أمام كلّ مخطّطات التّدمير، ومشروعات التّذويب، ومؤامرات التّدليل والتّرهيب، ومسلسلات التّشويه والتّزييف...

ماذا بعد هذا الحدث الكروي؟؟

كلّ ما ذكرناه سابقًا إيجابيات، نحمد الله عليها، نحاول المحافظة عليها، ونجتهد في إضافة مكاسب أخرى إليها، فنجعل من الرّياضة مجالا للصّلاح والأرباح والنّجاح والفلاح، وبذلك تأخذ حيّزها الطّبيعي في حياة الفرد. وتتحوّل إلى عبادة من العبادات التي تحقّق أحد مظاهر عمارة الأرض، بصفة الإنسان حليفة الله في أرضه، يعمرها باستثماركلّ ما سخّر الله له فيها من نعم. لذا ندعو إلى ما يأتي:

1 – ما نأمله ألا يكون زمن هده الإيجابيات قصيرًا، أو محدود الفعالية في حياة كلّ فرد جزائري، فينتفي كلّ شيء بمرور الزّمن وتعاقب اللّيل والنّهار، وانقضاء فترة النّشوة بالانتصار، وارتفاع حرارة الشّعور بالقهر أو الضّيم، وزوال مرارة الإحساس بالظّلم، فتنسى كلّ تلك القيم، فنعيش الحسرة والنّدم...بمعنى نرجو ألا يكون ما جنيناه ردّة فعل قصيرة المفعول، بعيدة عن المأمول. لا ترضى أن يكون ما سجّلناه من نتائج مهمّة حصادًا، كأن لَمْ يَعْنَ بالأمس، تذروه الرّياح، بعد أن يتحوّل هشيم المحتظر، ونحن تريده أن يبقى في صنف النّبات المخضرّ.

2 – ما نرجوه هو أن تسري عدوى الاحتفاء بهذا الحدث الكروي إلى بقية مناحي البناء الحضاري، أي ما أظهرناه من تجّندٍّ وتضحية وبذل للأموال والأنفس ومختلف الثّمرات، وما قدّمناه للكرة والرّجل من دعم غير محدود، وسند جِدِّ محمود...أن يكون مثيله وأكثر منه للقلم والرّأس. وما رجوناه وباركناه من انتصارات للرّياضة، نطلب أن يكون النّصيب نفسه وأكبر للمجال الدّيني والاجتماعي والثّقافي والتّربوي... لتخدم مجتمعنا خدمة شاملة متوازنة، ولنسهم في النّهوض بشعبنا، وفي مساعدته ليرتفع من أوحال التّخلّف والتّردّي، ولنحفظه من الانزلاق الحضاري، بتصوير أنّ البطولة الحقيقية هي في الرّياضة فقط، وأنّ بوّابة النّجومية والتّفوّق والرّيادة والسّيادة...لن تكون إلاّ في الرّياضة، وأنّ العالم مختزن ومختصر في الرّياضة. فلنحذر هده النّتيجة الخطيرة المهلكة المخدّرة القاتلة.

إذا لم نَقم بهذا انقلب وضعنا سلبًا، فوجدنا من يشيد بالرّياضة فقط، ويتنكّر للجوانب العلمية والثّقافية، فيكون حاله حال الشّاعر الذي رأى في الفصاحة وبالا عليه، أورثه الفقر، فرضي أن يكون تيسًا، ليحصل على رزقه بسهولة:

تُؤتَى التّيوسُ رزْقَها بِسهولــــة وذوو الفصاحة رزقُهم مَسجـــونُ

إن كانَ حرماني منَ اجل فصاحـتي فما عليّ من التّيوسِ أكـــــون
إذًا لا حرج ولا غضاضة أن يبقى شبابنا في الرّياضة يرتع ويمرح، ولا يأخذ من الثّقافة والعلم بنصيب، ما دامت هي التي تحقّق الفوز والتّفوّق، وغيرها بعبد عن المبتغى والمرتجى.

3 – لنعلّم شبابنا ورجال مستقبلنا أنّ الإدمان على الرّياضة، والإسراف في الاشتغال بالكرة مرضٌ مزمن، يقضي على كلّ شيء في حياتهم، ويهدم مستقبلهم ومستقبل مجتمعهم، فليحذروا أن يتحوّل التّركيز على الرّياضة وحدها إلى فيروس يسقم الجَنان، ويأتي على الأذهان، و بنخر الكيان، ويصيب الأركان... فيكون في ذلك الخسارة والسّقوط الحرّ، فينقلب هذا النّصر الكبير في الكرة هزيمة نكراء في مجال البناء الحضاري.

4 – للدّولة والأسرة والمدرسة، والجمعيات مختلفة الأشكال والتخصّصات، والنّوادي متنوّعة النّشاط، وكلّ أفراد المجتمع، بمختلف مستوياهم ومسؤولياتهم...واجب القيام بهذا العمل الكبير المسؤول. وقد برهنوا جميعًا على قدرتهم على هذا في هذه الهبّة مع الفريق الكروي الوطني، فليفعلوا ذلك مع الفرق الوطنية الأخرى: العلمية، البحثية، الثّقافية، التّربوية... الشّبابية وغيرها، ممّن يحتاج إلى المساعدات والتّكفّل بها، والقيام بشؤونها. إنّها تنظر الآن إلى المسؤولين، وتنتظر من كلّ الجهات التي جاهدت وناضلت وكافحت وثابرت، فأعطت من مالها ونفيسها، ومن وقتها وإمكاناتها قصارى ما يمكن...فوفّقها الله في الحصول على الفوز المؤزّر في الكرة، تنتظر منها أن تصنع ذلك وأكثر في المجالات الأخرى حتّى ينصرنا الله على الآفات الاجتماعية، والرّكوض الثّقافي، والنّكوص الحضاري، والتّخلّف العلمي، والعجز البحثي، والتّقصير التّربوي... بذلك يكون لما قدّمناه من جهود كبيرة في هذا الحدث الكروي معنى ومعزى. وإلاّ اتّهمنا النّاس في عقولنا ومداركنا وتصرّفاتنا...

5 – إنّ الشّعار الأكثر تداولاً في كلّ الأوساط: تحريضًا للفريق وتشجيعًا له، وتهنئة له بالفوز... كان" وَانْ تُو ثْرِي فِيفَا لالْجيرِِي " هذا شعار متكوّن من لغات ثلاث: اللّغة الإنكليزية والإسبانية والفرنسية، ولا وجود للغة العربية في تكوينه، هل هذا عنوان على الخلل في الشّخصية؟ هل هو تجسيد لما يعيش في دواخل شبابنا؟ وهو أيضًا مؤشّر على مستقبل ناشئتنا؟

حتّى الأغاني التي ألّفت بالمناسبة، والتي تمجدّ للانتصار، وتسجّل الحدث، الذي يمثّل المروءة والشّهامة والأنفة والرّفعة والسّؤدد...كانت نسبة الكلمات الأجنبية فيها عالية جدًّا. وكثير من الاستجوابات التي أجريت مع مختلف الفئات، كانت إمّا باللّغة الفرنسية، أو خليطًا من الرطّانة الأجنبية، التي تضايق اللّغة العربية واللّهجات المحلية. إنّ هذا ينذر بخطر كبير على أصالتنا، وعلى مستقبل وجودنا أمّةً مسلمةً عربيةً؛ لأنّ اللّغة إذا أهينت وهمّشت، ضاعت وضاع معها فكرها الذي تنتمي إليه.

اعتبروا يا أولي الأبصار فيما حدث، واتّعظوا يا أولي الألباب بما حصل، واستفيدوا بكلّ النّتائج المكتسبة، وصحّحوا النّقائص المسجّلة، تكن لكلّ ما قدّمتموه من تضحيات، وما بذلتموه من أموال، وما صرفتموه من أوقات...تكن له مبرّرات وثمارٌ طيّبة مفيدة.
منقول








 


رد مع اقتباس
قديم 2009-12-01, 13:57   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
صَمْـتْــــ~
فريق إدارة المنتدى ✩ مسؤولة الإعلام والتنظيم
 
الصورة الرمزية صَمْـتْــــ~
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز المشرف المميز 2014 وسام التقدير لسنة 2013 وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام أفضل مشرف وسام القلم الذهبي لقسم القصة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال الدين الأفغاني مشاهدة المشاركة

الأربعاء, 25 نوفمبر 2009 11:09 د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام

د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام
إنّ اللّيالي حُبالى يلدن كلّ عجيب، وإنَّ الدّهر أمّ العجائب يسفر عن كلّ غريب، هذا ما حدث بالأمس القريب. مباراة في كرة القدم تصنع العجب بين مواطني بلدين شقيقين, الجزائر ومصر. أنا لا أدخل في تفاصيل الأجداث، ولا في تقدير حجم مسؤولية كلّ طرف في تسيير الأحداث، وتصعيد المواقف، ولا أتدخّل في تقويم دور كلّ جانب في تمديد أمد هذه الأحداث...إنّما أريد أن أقف وقفة تأمّل فيما يهمّ إخواننا وأبناءَنا الجزائريّين، وما يجب أنْ نأخذه من دروس وعبر فيما حدث.


الجوانب الإيجابية في الحدث الكروي

1 – بيّن حقيقة الجزائري الذي يثور حين تمسّ شخصته، ويثأر حين تداس كرامته. ويَهبّ حين يشعر بالظّلم...فينتفض لِيَرُدَّ الاعتبار والهيبة لنفسه، وينذر كلّ من تحدّثه نفسه الولوغ في عرضه، ومن يتجرّأ على الاقتراب من حوضه. يتمثّل في هذا الموقف قول عنترة العبسي:



أَثْنِي َعَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فَإِنَّنِـــي سَمْحٌ مُخَالَقَتِي إِذَا لَمْ أُظْلَــــمِ

وَإِذَا ظُلِمْتُ فَإنَّ ظُلْمِيَ بَاسِــلٌ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ كَطَعْمِ العَلْقَـــــمِ
2 – وحّد بين أبناء الوطن، كما هي العادة في المحن، رصّ صفوفهم، وجَمَع مشاعرهم، وألّف منهم كيانًا واحدًا، يتّجه اتّجاهًا واحِدًا، هو العمل بكلّ الوسائل والطّرق لمناصرة الفريق الوطني، الذي أهين في أرض الكنانة، وإعانته على تخطّي محنته، بإخراجه من أجواء الصّدمة النّفسية التي عاشها في أثناء أداء مباراته في القاهرة، والحطّ به في أجواء الأمل والسّلام، لإجراء المقابلة الفاصلة في الخرطوم. فتحرّكت الدّولة، وتبرّع المحسنون بالأموال السّخية، وتهاطل الجمهور يبحث عن أيّ سبيل توصله إلى السّودان الشّقيق، ويصعد مدرّجات ملعب المرّيخ بأمّ درمان، وتجنّد الإعلام يحمّس الشّعب، وجادت قرائح الشّعراء بالأناشيد المعبّرة، المغيّرة من أجواء الحزن والحسرة لما حدث لشعب أرض المليون ونصف شهيد، الذي تطاول على رموزه المتطاولون، وتفنّن الفنّانون في إبداع الأغاني المسجّلة لبطولة محاربي الصّحراء، وأبطال نوفمبر 2009، وربطوا بطولتهم وشجاعتهم وشهامتهم بما قام به أسلافهم من أسود نوفمبر 1954م، فكان لهذا الرّبط دلالاته النّفسية والتاّريخية والمستقبلية.

3 – كشف عن خبايا نفس الجزائري، الذي يبقى دائمًا مرتبطًا بدينه ومقوّماته وأصالته، رغم ظهور بعض الجنوح عنها في بعض مواقفه، وفي بعض محطّات حياته. هذا الحدث جعل الجزائري: مسؤولا ولاعبًا ومناصرًا، يرجع إلى ربّه، ينسب إليه النّصر المؤزّر على الفراعنة، ويردّ إليه الفضل في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل. بل كان الكلّ يلتجئ إلى الدّعاء إلى الله كي ينصر الكرة الجزائرية، ويصل بها إلى برّ الأمان، في أمّ درمان، وبرّ جنوب إفريقيا، بعد أن ضمنت مكانًا في أنغولا, وكان القرآن حاضرًا في يوميات اللاّعبين بخاصّة - حسب الرّوايات والشّهادات – . من الآيات القرآنية التي سمعناها من أفواه اللاّعبين، بعد انتهاء مباراة الحسم والعزم، ورفع الضّيم قوله تعالى: {...وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المومنونَ بنَصْرِ الله بَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وهو العزيز الرّحيم} (الرّوم/5). لقد كان الاختيار موفّقًا، إذ الآية سجّلت وعد الله بانتصار الرّوم على الفرس، بعد أن انهزمت أمامها. فالجزائر كان قد خبّئ لها النّصر في السّودان، بعد ما ضاع منها في مصر. فاختيار الآية توفيق من الله لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل.

إنّ هذا التّوجّه نصر لنفس الجزائري، الذي يجعله محلّ تقدير أصحاب الفضل، وهو في الوقت نفسه مؤشٍّر على العودة إلى صراط الله المستقيم، وإلى سواء السّبيل القويم، بمشيئة الله القدير العليم.

4 – أعاد اللّحمة بين الشّباب وتاريخه، وبخاصّة التّاريخ القريب، ملحمة ثورة نوفمبر الخالدة، التي حرّرت بلده من نير الاستعمار، نرجو أن يكون هذا منطبقًا على بقية حلقات التّاريخ الأخرى من تاريخه الإسلامي والوطني. فقد لاحظنا الالتفاف حول رمز الوطن وهو العلم الوطني، بشكلٍ لم يسبق له مثيل، في خرجات الشّباب بخاصّة، إلاّ ما كان في السّنوات الأولى من استقلال الجزائر. فكانت الرّايات ترفرف في كلّ مكان، وتلتصق بكلّ جسم، وتتدلّى من كلّ بناية، وتظهر بأشكال متنوّعة، وبأحجام متعدّدة، تعبّر عن العلاقة الحميمية بين الرّمز وما يسكن القلب من الحبّ الدّافئ، والودّ الدّافق. وسمعنا أناشيد بكلمات جديدة، تحمل سمات الحدث الكروي الآني، وبألحانٍ لأناشيد تتحدّث عن الثّورة التّحريرية المظفّرة، للقارئ أن يتأمّل في الموقف، ويعدّد النّتائج التي يراها مناسبة. فكان شهر نوفمبر شهر البطولات، إذ أضاف لاعبو إلى الفريق الوطني، المنتصر في هذا الشّهر ملحمة أخرى إلى ملاحم الشّعب الجزائري، فردّدوا مع مفدي زكرياء:
نُفَمْبَرُ جلّ جلالُكَ فينــــا ألستًَ الذي بثَّ فينا اليقينــــا
5 – تحوّل التّعلّق بنجوم الكرة العالمية كليّة، إلى فسح مجال للنّظر إلى نجوم الكرة الجزائرية بعين الإكبار والتّقدير. وفي ذلك استرجاع للثّقة في النّفس، والتّخلّص من عقدة التّفوّق الأجنبي غير المحدود. نرجو أن ينتقل هذا أيضًا إلى أبطال الإسلام والوطن والعلم والثّقافة وأصحاب القيم والأصول.

6 – عدم حسم التّأهّل في القاهرة، أتاح للشّعب الجزائري أن يرتاد أرض المغاوير وأصحاب الشّهامة، وأهل الأصول والكرم، بلاد السّودان الأشمّ، وموطن الشّمم والقيم..فيكون هذا فرصة للشّعب الجزائري لكي يوطّد علاقاته الإسلامية العربية الأخوية مع الشّعب السّوداني، التي نرجو أن تُثْمر ثمارًا يانعة في المجال العلمي والثّقافي والحضاري، بما يخدم الدّين واللّغة والحياة العامّة والمستقبل، ويقف جدارًا حاجزًا، وسدًّا منيعًا أمام كلّ مخطّطات التّدمير، ومشروعات التّذويب، ومؤامرات التّدليل والتّرهيب، ومسلسلات التّشويه والتّزييف...

ماذا بعد هذا الحدث الكروي؟؟

كلّ ما ذكرناه سابقًا إيجابيات، نحمد الله عليها، نحاول المحافظة عليها، ونجتهد في إضافة مكاسب أخرى إليها، فنجعل من الرّياضة مجالا للصّلاح والأرباح والنّجاح والفلاح، وبذلك تأخذ حيّزها الطّبيعي في حياة الفرد. وتتحوّل إلى عبادة من العبادات التي تحقّق أحد مظاهر عمارة الأرض، بصفة الإنسان حليفة الله في أرضه، يعمرها باستثماركلّ ما سخّر الله له فيها من نعم. لذا ندعو إلى ما يأتي:

1 – ما نأمله ألا يكون زمن هده الإيجابيات قصيرًا، أو محدود الفعالية في حياة كلّ فرد جزائري، فينتفي كلّ شيء بمرور الزّمن وتعاقب اللّيل والنّهار، وانقضاء فترة النّشوة بالانتصار، وارتفاع حرارة الشّعور بالقهر أو الضّيم، وزوال مرارة الإحساس بالظّلم، فتنسى كلّ تلك القيم، فنعيش الحسرة والنّدم...بمعنى نرجو ألا يكون ما جنيناه ردّة فعل قصيرة المفعول، بعيدة عن المأمول. لا ترضى أن يكون ما سجّلناه من نتائج مهمّة حصادًا، كأن لَمْ يَعْنَ بالأمس، تذروه الرّياح، بعد أن يتحوّل هشيم المحتظر، ونحن تريده أن يبقى في صنف النّبات المخضرّ.

2 – ما نرجوه هو أن تسري عدوى الاحتفاء بهذا الحدث الكروي إلى بقية مناحي البناء الحضاري، أي ما أظهرناه من تجّندٍّ وتضحية وبذل للأموال والأنفس ومختلف الثّمرات، وما قدّمناه للكرة والرّجل من دعم غير محدود، وسند جِدِّ محمود...أن يكون مثيله وأكثر منه للقلم والرّأس. وما رجوناه وباركناه من انتصارات للرّياضة، نطلب أن يكون النّصيب نفسه وأكبر للمجال الدّيني والاجتماعي والثّقافي والتّربوي... لتخدم مجتمعنا خدمة شاملة متوازنة، ولنسهم في النّهوض بشعبنا، وفي مساعدته ليرتفع من أوحال التّخلّف والتّردّي، ولنحفظه من الانزلاق الحضاري، بتصوير أنّ البطولة الحقيقية هي في الرّياضة فقط، وأنّ بوّابة النّجومية والتّفوّق والرّيادة والسّيادة...لن تكون إلاّ في الرّياضة، وأنّ العالم مختزن ومختصر في الرّياضة. فلنحذر هده النّتيجة الخطيرة المهلكة المخدّرة القاتلة.

إذا لم نَقم بهذا انقلب وضعنا سلبًا، فوجدنا من يشيد بالرّياضة فقط، ويتنكّر للجوانب العلمية والثّقافية، فيكون حاله حال الشّاعر الذي رأى في الفصاحة وبالا عليه، أورثه الفقر، فرضي أن يكون تيسًا، ليحصل على رزقه بسهولة:

تُؤتَى التّيوسُ رزْقَها بِسهولــــة وذوو الفصاحة رزقُهم مَسجـــونُ

إن كانَ حرماني منَ اجل فصاحـتي فما عليّ من التّيوسِ أكـــــون
إذًا لا حرج ولا غضاضة أن يبقى شبابنا في الرّياضة يرتع ويمرح، ولا يأخذ من الثّقافة والعلم بنصيب، ما دامت هي التي تحقّق الفوز والتّفوّق، وغيرها بعبد عن المبتغى والمرتجى.

3 – لنعلّم شبابنا ورجال مستقبلنا أنّ الإدمان على الرّياضة، والإسراف في الاشتغال بالكرة مرضٌ مزمن، يقضي على كلّ شيء في حياتهم، ويهدم مستقبلهم ومستقبل مجتمعهم، فليحذروا أن يتحوّل التّركيز على الرّياضة وحدها إلى فيروس يسقم الجَنان، ويأتي على الأذهان، و بنخر الكيان، ويصيب الأركان... فيكون في ذلك الخسارة والسّقوط الحرّ، فينقلب هذا النّصر الكبير في الكرة هزيمة نكراء في مجال البناء الحضاري.

4 – للدّولة والأسرة والمدرسة، والجمعيات مختلفة الأشكال والتخصّصات، والنّوادي متنوّعة النّشاط، وكلّ أفراد المجتمع، بمختلف مستوياهم ومسؤولياتهم...واجب القيام بهذا العمل الكبير المسؤول. وقد برهنوا جميعًا على قدرتهم على هذا في هذه الهبّة مع الفريق الكروي الوطني، فليفعلوا ذلك مع الفرق الوطنية الأخرى: العلمية، البحثية، الثّقافية، التّربوية... الشّبابية وغيرها، ممّن يحتاج إلى المساعدات والتّكفّل بها، والقيام بشؤونها. إنّها تنظر الآن إلى المسؤولين، وتنتظر من كلّ الجهات التي جاهدت وناضلت وكافحت وثابرت، فأعطت من مالها ونفيسها، ومن وقتها وإمكاناتها قصارى ما يمكن...فوفّقها الله في الحصول على الفوز المؤزّر في الكرة، تنتظر منها أن تصنع ذلك وأكثر في المجالات الأخرى حتّى ينصرنا الله على الآفات الاجتماعية، والرّكوض الثّقافي، والنّكوص الحضاري، والتّخلّف العلمي، والعجز البحثي، والتّقصير التّربوي... بذلك يكون لما قدّمناه من جهود كبيرة في هذا الحدث الكروي معنى ومعزى. وإلاّ اتّهمنا النّاس في عقولنا ومداركنا وتصرّفاتنا...

5 – إنّ الشّعار الأكثر تداولاً في كلّ الأوساط: تحريضًا للفريق وتشجيعًا له، وتهنئة له بالفوز... كان" وَانْ تُو ثْرِي فِيفَا لالْجيرِِي " هذا شعار متكوّن من لغات ثلاث: اللّغة الإنكليزية والإسبانية والفرنسية، ولا وجود للغة العربية في تكوينه، هل هذا عنوان على الخلل في الشّخصية؟ هل هو تجسيد لما يعيش في دواخل شبابنا؟ وهو أيضًا مؤشّر على مستقبل ناشئتنا؟

حتّى الأغاني التي ألّفت بالمناسبة، والتي تمجدّ للانتصار، وتسجّل الحدث، الذي يمثّل المروءة والشّهامة والأنفة والرّفعة والسّؤدد...كانت نسبة الكلمات الأجنبية فيها عالية جدًّا. وكثير من الاستجوابات التي أجريت مع مختلف الفئات، كانت إمّا باللّغة الفرنسية، أو خليطًا من الرطّانة الأجنبية، التي تضايق اللّغة العربية واللّهجات المحلية. إنّ هذا ينذر بخطر كبير على أصالتنا، وعلى مستقبل وجودنا أمّةً مسلمةً عربيةً؛ لأنّ اللّغة إذا أهينت وهمّشت، ضاعت وضاع معها فكرها الذي تنتمي إليه.

اعتبروا يا أولي الأبصار فيما حدث، واتّعظوا يا أولي الألباب بما حصل، واستفيدوا بكلّ النّتائج المكتسبة، وصحّحوا النّقائص المسجّلة، تكن لكلّ ما قدّمتموه من تضحيات، وما بذلتموه من أموال، وما صرفتموه من أوقات...تكن له مبرّرات وثمارٌ طيّبة مفيدة.
منقول
نقلُك قيّمٌ لما يحتويه من عبر نحن بحاجةٍ إلى معرِفتِها
ورجاؤنا أن نعتبِر من الأحداث الأخيرة و المداومة على روح الوطنيّة
التي أظهرها أبناء الجزائر والتي بيّنت للعالم بأسره شهامة الجزائريّ،
ووحدته..
حفظ الله بلادنا و كافّة الأمّة الإسلاميّة.
ـــــ
بورِك فيك أخي









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الحدث, الكثير, الكروي, ودروس


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:07

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc