صورة لالة فاطمة نسومر حقيقية أم زائفة؟

أبو المهاجر · 2014-06-01, 06:39

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الكل يعرف المجاهدة البطلة و الشهيدة اللالة فاطمة نسومر التي تعد من أبرز وجوه المقاومة الشعبية الجزائرية في بدايات الغزو الاستعماري الفرنسي للجزائر.
ولدت فاطمة نسومر في أسرة تنتمي إلى الطريقة الرحمانية، أبوها محمد بن عيسى مقدم زاوية الشيخ سيدي أحمد أومزيان شيخ الطريقة الرحمانية.و أمها لالا خديجة، وقد نشأت نشأة دينية. آثرت حياة التنسك والانقطاع والتفرغ للعبادة، كما تفقهت في علوم الدين وتولت شؤون الزاوية الرحمانية بورجة. تأثرت لالة فاطمة نسومر بأخيها الذي ألم بمختلف العلوم الدينية والدنيوية مما أهله لأن يصبح مقدما للزاوية الرحمانية في المنطقة وأخدت عنه مختلف العلوم الدينية، ذاع صيتها في جميع أنحاء القبائل.

و هذه هي صورتها الشائعة كثيرا

و في صفحة ويكيبيديا الخاصة بفاطمة نسومر نرى صورة تبدو أكثر وضوحا

و اعتمادا على هذه الصورة قام فنانون برسم لوحات للالة فاطمة مثل هذه اللوحة المشابهة للصورة أعلاه

لكن السؤال الذي من أجله فتحت هذا الموضوع هو:

هل هذه الصورة هي فعلا للالة فاطمة نسومر أم هي صورة لامرأة أخرى؟

قد لا نستطيع إثبات إن كانت المرأة في الصورة هي فاطمة نسومر بالفعل لكن إثبات أنها ليست فاطمة نسومر ممكن جدا.
هناك العديد من المواقع التي نجد فيها الكثير من الصور القديمة للجزائر و الملتقطة في القرن التاسع عشر. فيها نجد صور للمناظر الطبيعية و المباني و المدن بالإظافة إلى صور الناس و الأشخاص. من بين هذه الصور نجد صور نساء بالزي التقليدي الجزائري لمختلف مناطق الوطن فنجد مثلا صور نساء أولاد نائل و أخريات من الصحراء أو بلاد القبائل و هكذا... و بالطبع نجد صور نساء من العاصمة.

أثناء تصفح هذه الصور العديدة لفتت انتباهي صورة امرأة بالزي العاصمي

هذه بطاقة بريدية مثل الكثير من البطاقات البريدية القديمة من ذلك العصر لكن ما لفت انتباهي أكثر هو العقد على الرقبة و في أعلى الرأس بالإظافة إلى ملامح الوجه المشابهة لصورة فاطمة نسومر الشائعة.
لاحظوا إخوتي أن في أسفل الصورة مكتوب و بخط طباعي - Belle Fatma - فاطمة الجميلة - مما يدفعني للاعتقاد أن اسم المرأة في الصورة هو فاطمة. كلمة Belle بمعنى "جميلة" هي كلمة شاع إرفاقها بأسماء النساء في هذا النوع من البطاقات البريدية.
استعملت اسم Belle Fatma في عملية البحث ووجدت مجموعة من البطاقات البريدية و الصور لنفس المرأة بنفس الزينة و الحلي:

و أخيرا وجدت هذه الصورة و التي هي صورة طبق الأصل للصورة المنسوبة للالة فاطمة لكن بدقة أكبر

و هنا نرى الصورتين بجانب بعض لغرض المقارنة. الصورة المنسوبة لفاطمة نسومر -يسار- و بطاقة بريدية للمسماة فاطمة الجميلة -يمين-

و هنا تظهر بنفس الزينة أيضا:

و هنا صورة كاملة:

و هذه أكبر و أكثر وضوحا. لاحظ اللباس العاصمي القديم:

أريد أن أضيف أن الصور و البطاقات أعلاه هي كلها موجودة بعدة نسخ و معروضة للبيع في مواقع مثل ebay و delcampe.net يكفي أن تبحث باستعمال الكلمات المفتاحية: « Belle Fatma » و « Carte postale ancienne »... في معلومات هذه البطاقات المعروضة للبيع كتب أن المرأة في الصورة هي راقصة وبغي
دقق النظر في الصور أعلاه تلاحظ أن في بعض هذه البطاقات كتب J.Geiser في أسفل البطاقة و أظنه اسم المصور.
بدأت البحث عن Geiser ووجدت أن اسمه الكامل هو جان جيسر Jean Geiser لديه صفحة في الويكيبيديا باللغة التشيكية (تحذير : صور ماجنة). بعد ترجمة المقال وجدت أنه مصور سويسري ولد سنة 1848 و توفي في 1923. بدأ التصوير منذ 1868 (تذكر أن لالة فاطمة نسومر استشهدت عام 1863). يبدو أن هذا المصور مشهور بتصوير النساء من الجزائر و المغرب و تونس. من الجدير بالذكر أن كثيرا من صوره هي لنساء عاريات – بغايا و راقصات على الأرجح.

ليس لدي أدنى شك أن المرأة صاحبة الصورة المنسوبة للالة فاطمة نسومر هي ليست فاطمة نسومر الحقيقية للأسباب التالية:
أولا. إن كانت الصورة الأولى فعلا للالة فاطمة نسومر فهذا يعني أن بقية الصور الكثيرة –كما ترون- أيضا لها و هنا نسأل أنفسنا لماذا لا نرى الصور الأخرى عند الحديث عن لالة فاطمة نسومر؟ لماذا نرى فقط صورة واحدة غير واضحة و يقال أنها الوحيدة؟
ثانيا. لو كانت هذه الصور كلها فعلا للالة فاطمة نسومر لكان صاحب الصورة جان جيسر كتب ذلك في الصورة. فاطمة نسومر كانت مشهورة في وقتها. لماذا يكتب فاطمة فقط (و هو اسم شائع) بدلا من كتابة فاطمة نسومر و ترويج البطاقة بشكل أفضل؟
ثالثا. على الأرجح أن المصور جان جيسر –مصور تلك الصور- لم يتقابل مع لالة فاطمة نسومر أبدا في حياته. و إن فعل فإن ذلك كان عندما كان صغيرا و قبل أن يبدأ مشواره في ميدان التصوير.
رابعا. من قراءتنا لحياة فاطمة نسومر نعلم أنها نشأت نشأة دينية و تفقهت في أمور الدين فهل من المعقول أن تظهر في هذه الصور مظهرة رقبتها و أذنيها بدلا من لباس أكثر سترا مثلما كانت نساء العصر يلبسن؟
خامسا. لا نستطيع رؤية التفاصيل جيدا في صورة فاطمة نسومر الشائعة. لكن بقية الصور أعلاه تظهر بوضوح أن المرأة تلبس لباسا من الجزائر العاصمة. لكننا نعلم أن فاطمة نسومر كانت من بلاد القبائل. ألا نتوقع منها أن ترتدي لباسا قبائليا؟
هناك العديد من الصور القديمة لنساء جزائريات من منطقة القبائل و التدقيق في هذه الصور يجعلنا نستنتج أن اللباس في الصورة المنسوبة لفاطمة نسومر ليس قبائليا مطلقا.
و إليكم بعض الصور:

لاحظوا الحلي القبائلية على الجبين و في أعلى الرأس مختلفة عن الطراز العاصمي الذي يظهر في الصورة المنسوبة لفاطمة نسومر.
و هنا لاحظوا كيف أن الملابس القبائلية القديمة ساترة للعورة بشكل أفضل. ألا نتوقع من امرأة ذات نشأة دينية أن تلبس بشكل مماثل؟

و عن سبب نسبة هذه الصورة الزائفة للالة فاطمة نسومر لدي احتمالان:
- أولا: ربما قرأ أحدهم اسم فاطمة على تلك البطاقة البريدية القديمة و بدون تفكير ظن أنها فاطمة نسومر المشهورة فزعم ذلك. و أتى بعده أناس نشروا زعمه بدون تحقيق و تأكد.
برأيي هذا الاحتمال ضعيف لأن اسم فاطمة لا يظهر على الصورة الشائعة غير الواضحة فكيف يتمكن أحد من قراءته هناك؟ ربما قرأه في الصورة التي تظهر بوضوح (الصورة التاسعة في هذا المقال) ثم قام بعمل مؤثرات على الصورة لتختفي تفاصيلها و لا يقدر أحد على ملاحظة الزي العاصمي بوضوح. عمل مؤثرات على الصورة و جعلها تبدو قديمة ممكن جدا بواسطة بعض البرامج أمثال فوتوشوب
- ثانيا: ربما تعمد أحدهم نسبة هذه الصورة للالة فاطمة نسومر بقصد تشويه صورتها. و هذا غير مستبعد لأن المشوهين لتاريخ الجزائر و أعلام المقاومة ضد المستعمر كثيرون و المشوهين للإسلام و عظماء الإسلام أكثر
الاستنتاج النهائي مما سبق هو أن الصورة الشائعة في الكتب التاريخية و على الإنترنت على أنها الصورة الوحيدة و النادرة للالة فاطمة نسومر هي في الواقع صورة لامرأة أخرى ليست فاطمة نسومر – راقصة أو بغي على الأرجح - و التقطت من طرف مصور يدعى جان جيسر Jean Geiser مشهور بصوره الماجنة. و في هذه الحالة علينا أن نعي الأمر و نصحح هذه المعلومه التاريخية الخاطئة و نتوقف عن نسبة هذه الصورة الزائفة للبطلة المجاهدة فاطمة نسومر. كما علينا أن نساهم في نشر هذه المعلومة حتى يعرف الجميع الحقيقة.
و إن كانت فعلا للالة فاطمة نسومر فما هو الدليل على ذلك و ما هو تفسير التشابه الكبير مع تلك المرأة في الصور السابقة؟

الموضوع مفتوح للنقاش. و ربما فاتني أمر ما. فأخبروني برأيكم في ما ذكرت.