[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل
لبيـد بن ربيعـة العامـري:
لَبيد بن ربيعة بن مالك أبو عقيل العامِري (توفي 41 هـ/661 م) أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية. من أهل عالية نجد، مدح بعض ملوك الغساسنة مثل: عمرو بن جبلة وجبلة بن الحارث. أدرك الإسلام، ووفد على النبي (صلى الله عليه وسلم) مسلما، ولذا يعد من الصحابة، ومن المؤلفة قلوبهم. وترك الشعر فلم يقل في الإسلام إلا بيتاً واحداً. وسكن الكوفة وعاش عمراً طويلاً.
وهذا ما استهلت به معلقتـه :
عَفَتِ الدِّيـَارُ مَحَلّهَا فَمُقَامُهـَا .... بِمِنىً تـَأَبَّدَ غَوْلُهَا فرِجَامُهَـا
خَلَقاً كما ضـَمِنَ الوِحيُ سِلامُـهَا ..... فَمَدافـِعُ الرّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهـَا
حِجَجٌ خَـلَوْنَ حَلالُها وَحَرامُـها ..... دِمَنٌ تَجَـرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهـا
وَدْقُ الرَّوعِـدِ جَوْدُهَا فَرِ هَامـُها ..... رُزِقَتْ مَـرابِيعَ الْنُّجومِ وَصَابَهـا
وَعَشِيَّـةٍ مُتَجَاوِب إِرزَامُهـَا ...... مِنْ كُلِّ سارِيَـةٍ وغَادٍ مُدْجِـنٍ
بالَجلْهَـتَيْنِ ظِباؤُها وَنَعامُـها ....... فَعَلا فُرُوعُ الأَيْـهَقانِ وَأَطْفَلـَتْ
عُـوَذاً تَأجَّلُ بالفَضاءِ بِها مـُها ....... وَالْعـَيْنُ ساكِنَةٌ على أَطْـلائِها
شـرح الأبيــات :
عَفَتِ الدِّيَـارُ مَحَلّهَا فَمُقَامُهـَا .... بِمِنىً تَأَبَّـدَ غَوْلُهَا فرِجَامُـهَا
المحل من الديار : ما حل فيه لأيام معدودة ، والمقام منها ما طالت إقامته به ، منى : موضع يحمى ضرية غير منى الحرم ، تأبد : توحش ، الغول والرجام : جبلان معروفان .
يقول : عفت ديار الأحباب وانمحت منازلهم ماكان منها للحلول دون الإقامة وما كان منا للإقامة ، وهذه الديار كانت بالموضع المسمى منى ، وقد توحشت الديار الغولية والديار الرجامية منها لارتحال قطانها واحتمال سكانها .
خَلَقـاً كما ضَمِنَ الوِحيُ سِلامُهَـا ..... فَمَدافِـعُ الرّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُـهَا
الوحي : الكتاب ، السلام : الحجارة ، المدافع : أماكن يندفع عنها الماء من الربى والأخياف ، الريان : جبل
يقول : توحشت الديار الغولية والرجامية ، وتوحشت مدافع جبل الريان لارتحال الأحباب منها واحتمال الجيران عنها. ثم قال : وقد توحشت وغيرت رسوم هذه الديار فعريت خلقا وإنما عرتها السيول ولم تنمح بطول الزمان فكأنه كتاب ضمن حجرا ، شبه بقاء الآثار لعدة أيام ببقاء الكتاب في الحجر .
حِجَـجٌ خَلَوْنَ حَلالُها وَحَرامُـها ..... دِمـَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيـسِها
الحجج : جمع حجة وهي السنة ، الخلو : المضي ، وأراد بالحرام الأشهر الحرم ، وبالحلال أشهر الحل ، التجرم : التكمل والانقطاع ، العهد ، اللقاء: هي آثار ديار قد تمت وكملت وانقطعت إذ بعد عهد سكانها بها سنون مضت أشهر الحرم وأشهر الحل منها .
يقول : قد مضت بعد ارتحالهم عنها سنون بكمالها ، راجع إلى الحجج ، والسنة لا تعدو أشهر الحرم وأشهر الحل ، فعبر عن مضي السنة بمضيهما .
وَدْقُ الرَّوعِـدِ جَوْدُهَا فَرِ هَامُـها ..... رُزِقَتْ مَـرابِيعَ الْنُّجومِ وَصَابَـها
الودق : المطر ، الرواعد : ذوات الرعد من السحاب ، الرهام والرهم : جمع رهمة وهي المطرة التي فيها لين ، مرابيع النجوم : الأنواء الربيعية وهي المنازل التي تحلها الشمس فصل الربيع ، الصوب : الإصابة .
يقول : رزقت الديار والدمن أمطار الأنواء الربيعية فأمرعت وأعشبت وأصابها مطر ذوات الرعود من السحائب ما كان منه عاما بالغا مرضيا أهله وما كان منه لينا سهلا .
وَعَشِيـَةٍ مُتَجَاوِب إِرزَامُـهَا ...... مِنْ كُلِّ سـارِيَةٍ وغَادٍ مُدْجِـنٍ
الإرزام : التصويت ، السارية : السحابة الماطرة ليلا ، المدجن : الملبس آفاق السماء بظلامه لفرط كثافته ، والدجن إلباس الغيم آفاق السماء .
فسر تلك الأمطار فقال : هي كل مطر سحابة سارية ومطر سحاب غاد يلبس آفاق السماء بكثافته وتراكمه وسحابة عشية تتجاوب أصواتها ، أي كأن وعودها تتجاوب ، جمع لها أمطار السنة لأن أمطار الشتاء أكثرها يقع ليلا ، وأمطار الربيع يقع أكثرها غداة وأمطار الصيف يقع أكثرها عشيا .
بالَجلْهَـتَيْنِ ظِباؤُها وَنَعامُـها ....... فَعـَلا فُرُوعُ الأَيْهَـقانِ وَأَطْفـَلَتْ
المجلهتان : جانبا الوادي ، ظباؤها ونعامها ، يريد وأطفلت ظباؤها وباضت نعامها، الأيهقان : ضرب من النبت وهو الجرجير البري ، أطفلت أي صارت ذوات الأطفال .
قال : علت بها فروع هذا الضرب من النبت وأصبحت الظباء والنعام ذوات أطفال بجانبي وادي هذه الديار .
عـُوَذاً تَأجَّلُ بالفَضاءِ بِهامـُها ....... وَالْعَيْـنُ ساكِنَةٌ على أَطـْلائِها
العوذ : الحديثات النتاج ، الاجل أجلا ، الفضاء : الصحراء ، البهام :، وإذا اختلطت بأولاد الضأن أولاد الماعز قيل للجمع بهام ، ، العين : واسعات العيون ، الطلا : ولد الوحش حين يولد إلى أن يأتي عليه شهر .
يقول : والبقر الواسعات العيون قد سكنت وأقامت على أولادها ترضعها حال كونها حديثات النتاج وأولادها تصير قطيعا في تلك الصحراء فالمعنى من هذا الكلام : أنها صارت مغنى الوحش بعد كونها مغنى الإنس . [/align]