ورد هذا السؤال مرات عديدة، من الأصدقاء، والحطابين في الجبال النائية، والفلاحين في مزارعهم، والعجائز حول نار المدفأة في ليالي الشتاء.
والحقيقة أن كاتب السؤال يعرف تمام المعرفة أن كلمة "خير" -ومثلها كلمة "شر"- لها استعمالان، الأول أنها اسم عاديّ، جَمعُه "خيرات"، والثاني أنه اسم تفضيل بمعنى "أفضل".
وبالمعنى الأول تكون العبارة ذَمًّا، وبالمعنى الثاني تكون العبارة مدحًا.
هذا إذا لجأنا فقط إلى معنى الكلمة.
ولكن إذا لجأنا إلى البلاغة وما تقتضيه من تقديم وتأخير حسب السياق والمعنى المراد، فسنعلم أن "ما رأيتُ خيرًا منك" هي عبارة مديح، لأنه إذا أراد هجاءها لقدَّم شبه الجملة (الذي يحتوي على المهجوَّة) فقال "ما رأيتُ منكِ خيرًا قط". لكنه أراد المديح فقدَّم التفضيل فقال "ما رأيتُ خيرًا منك".
ألا ترى أنه إذا استعمل "أفضل" بدلًا من "خيرًا" لقال: "ما رايتُ أفضل منك" ولم يقُل: "ما رأيتُ منك أفضل"؟
ألا ترى كذلك أنه إذا أراد المديح مستعملًا "شرًّا" لقال "ما رأيتُ منك شرًّا قط" كأنه يقول "ما رأيتُ منكِ سوءًا"؟
بالتأكيد يمكن أن يقول "ما رأيتُ سوءًا منكِ"، وستكون عبارته صحيحة فصيحة، لكنها ستكون نفيًا للسوء، ولن تكون مديحًا بعدم وجود السوء، لأنه قدَّم السوء على شبه الجملة (منكِ) الذي يشتمل على الممدوحة.
من ذلك أنك إذا أردتَ أن تحمد الله قلت "الحمد لله"، وإذا أردتَ إثبات الحمد لله وحده قلت "لله الحمد"؟ ومثل ذلك "الأمر لله" و"لله الأمر"...
باختصار، الاحتمالات كلها واردة وفصيحة، لكنها ليست دائمًا بليغة، فإذا افترضنا في العبارة البلاغة فإن العبارة مديح، وإذا افترضنا فيها عدم البلاغة فإنها ذَمّ...
وعلى كل حال، إذا افترضنا في الرجل الحرص على حياته، فإن العبارة بلا شكّ وبالتأكيد وبالطبع وsure وabsolutely مديح.