المسح على الخفين للشيخ ابن تيمية رحمه الله - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المسح على الخفين للشيخ ابن تيمية رحمه الله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-08-02, 13:11   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ام مصعب111
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي المسح على الخفين للشيخ ابن تيمية رحمه الله




سُئِلَ ـ رَحمه الله ـ عن أقوال العلماء في المسح على الخفين‏:‏ هل من شرطه أن يكون الخف غير مخرق حتي لا يظهر شيء من القدم‏؟‏ وهل للتخريق حد‏؟‏ وما القول الراجح بالدليل كما قال تعالى‏:‏ ‏{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏]‏، فإن الناس يحتاجون إلى ذلك‏؟‏



فأجاب‏:‏



هذه المسألة فيها قولان مشهوران للعلماء، فمذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم‏:‏ إنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير مع اختلافهم في حد ذلك، واختار هذا بعض أصحاب أحمد‏.‏
ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما‏:‏ أنه لا يجوز المسح إلا على ما يستر جميع محل الغسل‏.‏ قالوا‏:‏ لأنه إذا ظهر بعض القدم كان فرض ما ظهر الغسل، وفرض ما بطن المسح، فيلزم أن يجمع بين الغسل والمسح، أي‏:‏ بين الأصل والبدل، وهذا لا يجوز؛ لأنه إما أن يغسل القدمين، وإما أن يمسح على الخفين‏.‏
والقـول الأول أصـح، وهو قياس أصول أحمد ونصوصه في العفو عن يسير العورة وعن يسـير النجاسة ونحو ذلك، فإن السنة وردت بالمسح على الخفين مطلقا، قولا من النبي صلى الله عليه وسلم وفعلا، كقول صَفْوَان بن عَسَّال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان سفراً ـ أو مسافرين ـ ألا ننزع أخفافنا ثلاثـة أيـام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن لا ننزع من غائط وبول ونـوم‏)‏‏.‏ رواه أهـل السنن وصححـه الترمـذي ؛ فقد بين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمته ألا ينزعوا أخفافهم في السفر ثلاثة أيام من الغائط والبول والنوم، ولكن ينزعوها من الجنابة‏.‏
وكذلك أمره لأصحابه أن يمسحوا على التساخين والعصائب‏.‏والتساخين هي الخفان فإنها تسخن الرجل، وقد استفاض عنه في الصحيح أنه مسـح على الخفـين،وتلقي أصحابه عنـه ذلك فأطلقوا القـول بجـواز المسـح على الخفـين، ونقلوا ـ أيضاً ـ أمره مطلقا، كما في صحيح مسلم عن شـريح بن هانئ قال‏:‏ أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت‏:‏ عليـك بابن أبي طالب فاسأله فـإنه كـان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقـال‏:‏ ‏(‏جعـل النبي صلى الله عليه وسلم ثـلاثـة أيام للمسافـر ويومـًا وليلــة للمقـيم‏)‏‏.‏ أي‏:‏جعل له المسح على الخفين، فأطلـق‏.‏ ومعلـوم أن الخفاف في العـادة لا يخلـو كثير منها عن فتق أو خرق لاسيما مع تقادم عهـدها‏.‏ وكـان كثـير مـن الصحابـة فقـراء لم يكن يمكنهم تجديد ذلك‏.‏ ولما سـئل النبي صلى الله عليه وسلم عـن الصـلاة في الـثوب الواحد فقال‏:‏ ‏(‏أو لكلكم ثوبان‏؟‏‏!‏‏)‏ وهـذا كما أن ثيابهم كان يكثر فيها الفتق والخرق حتي يحتاج لترقيع، فكذلك الخفاف‏.‏
والعادة في الفتق اليسير في الثوب والخف أنه لا يرقع، وإنما يرقع الكثير، وكان أحدهم يصلي في الثوب الضيق حتي أنهم كانوا إذا سجدوا تقلص الثوب فظهر بعض العورة، وكان النساء نهين عن أن يرفعن رؤوسهن حتي يرفع الرجال رؤوسهم، لئلا يرين عورات الرجال من ضيق الأزر، مع أن ستر العورة واجب في الصلاة وخارج الصلاة، بخلاف ستر الرجلين بالخف، فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة، ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب؛ وجب حمل أمره على الإطلاق، ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي‏.‏
وكان مقتضي لفظـه‏:‏ أن كل خف يلبسـه الناس ويمشون فيـه، فلهم أن يمسحـوا عليه، وإن كـان مفتـوقا أو مخـروقـا مـن غـير تحـديـد لمقدار ذلك، فإن التحديد لابد له من دليل‏.‏ وأبو حنيفة يحده بالربع كما يحد مثل ذلك في مواضع، قالوا‏:‏ لأنه يقال‏:‏ رأيت الإنسان إذا رأيت أحد جوانبه الأربع، فالربع يقوم مقام الجميع، وأكثر الفقهاء ينازعون في هذا ويقولون‏:‏ التحديد بالربع ليس له أصل من كتاب ولا سنة‏.‏
وأيضاً، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بلغوا سنته وعملوا بها، لم ينقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفين مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعلم أنهم كانوا قد فهموا عن نبيهم جواز المسح على الخفين مطلقاًَ‏.‏
وأيضاً، فكثير من خفاف الناس لا يخلو من فتق أو خرق يظهر منه بعض القدم، فلو لم يجز المسح عليها بطل مقصود الرخصة، لاسيما والذين يحتاجون إلى لبس ذلك هم المحتاجون، وهم أحق بالرخصة من غير المحتاجين، فإن سبب الرخصة هو الحاجة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الواحد‏:‏ ‏(‏أو لكلكم ثوبان‏؟‏‏)‏ بين أن فيكم من لا يجد إلا ثوبا واحدا، فلو أوجب الثوبين لما أمكن هؤلاء أداء الواجب‏.‏
ثم إنه أطلق الرخصة، فكذلك هنا ليس كل إنسان يجد خفاً سليما، فلو لم يرخص إلا لهذا لزم المحاويج خلع خفافهم، وكان إلزام غيرهم بالخلع أولي‏.‏ ثم إذا كان إلى الحاجة فالرخصة عامة، وكل من لبس خفاً وهو متطهر، فله المسح عليه، سواء كان غنيًا أو فقيرا، وسواء كان الخف سليمًا أو مقطوعا، فإنه اختار لنفسه ذلك، وليس هذا مما يجب فعله للّه ـ تعالى ـ كالصدقة والعتق ـ حتي تشترط فيه السلامة من العيوب‏.‏
وأما قول المنازع‏:‏ إن فرض ما ظهر الغسل وما بطن المسح، فهذا خطأ بالإجماع، فإنه ليس كل ما بطن من القدم يمسح على الظاهر الذي يلاقيه من الخف، بل إذا مسح ظهر القدم أجزأه‏.‏ وكثير من العلماء لا يستحب مسح أسفله، وهو إنما يمسح خططاً بالأصابع، فليس عليه أن يمسح جميع الخف كما عليه أن يمسح الجبيرة، فإن مسح الجبيرة يقوم مقام غسل نفس العضو، فإنها لما لم يمكن نزعها إلا بضرر، صارت بمنزلة الجلد وشعر الرأس وظفر اليد والرجل، بخلاف الخف، فإنه يمكنه نزعه وغسل القدم، ولهذا كان مسح الجبيرة واجباً ومسح الخفين جائزاً، إن شاء مسح، وإن شاء خلع‏.‏
ولهذا فارق مسح الجبيرة الخف من خمسة أوجه‏:‏
أحدها‏:‏ أن هذا واجب وذلك جائز‏.‏
الثاني‏:‏ أن هذا يجوز في الطهارتين‏:‏ الصغرى والكبرى، فإنه لا يمكنه إلا ذلك، ومسح الخفين لا يكون في الكبري بل عليه أن يغسل القدمين كما عليه أن يوصل الماء إلى جلد الرأس والوجه، وفي الوضوء يجزئه المسح على ظاهر شعر الرأس وغسل ظاهر اللحية الكثيفة، فكذلك الخفاف يمسح عليها في الصغري، فإنه لما احتاج إلى لبسها صارت بمنزلة ما يستر البشرة من الشعر الذي يمكن إيصال الماء إلى باطنه، ولكن فيه مشقة، والغسل لا يتكرر‏.‏
الثالث‏:‏ أن الجبيرة يمسح عليها إلى أن يحلها، ليس فيها توقيت فإن مسحها للضرورة، بخلاف الخف، فإن مسحه موقت عند الجمهور، فإن فيه خمسة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ لكن لو كان في خلعه بعد مضي الوقت ضرر ـ مثل‏:‏ أن يكون هناك برد شديد متي خلع خفيه تضرر كما يوجد في أرض الثلوج وغيرها، أو كان في رفقة متي خلع وغسل لم ينتظروه فينقطع عنهم فلا يعرف الطريق، أو يخاف إذا فعل ذلك من عدو أو سبع، أو كان إذا فعل ذلك فاته واجب ونحو ذلك ـ فهنا قيل‏:‏ إنه يتيمم‏.‏ وقيل‏:‏ إنه يمسح عليهما للضرورة، وهذا أقوى لأن لبسهما هنا صار كلبس الجبيرة من بعض الوجوه، فأحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوماً وليلة وثلاثة أيام ولياليهن، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم، والمفهوم لا عموم له، فإذا كان يخلع بعد الوقت ـ عند إمكان ذلك ـ عمل بهذه الأحاديث‏.‏
وعلى هذا،يحمل حديث عقبة بن عامر لما خرج من دمشق إلى المدينة يبشر الناس بفتح دمشق ومسح أسبوعاً بلا خلع، فقال له عمر‏:‏ أصبت السنة‏.‏ وهو حديث صحيح‏.‏ وليس الخف كالجبيرة مطلقاً، فإنه لا يستوعب بالمسح بحال؛ ويخلع في الطهارة الكبري، ولابد من لبسه على طهارة‏.‏ لكن المقصود أنه إذا تعذر خلعه فالمسح عليه أولي من التيمم، وإن قدر أنه لا يمكن خلعه في الطهارة الكبري فقد صار كالجبيرة، يمسح عليه كله كما لو كان على رجله جبيرة يستوعبها‏.‏
وأيضاً، فإن المسح على الخفين أولي من التيمم؛ لأنه طهارة بالماء فيما يغطي موضع الغسل، وذاك مسح بالتراب في عضوين آخرين‏.‏ فكان هذا البدل أقرب إلى الأصل من التيمم؛ ولهذا لو كان جريحاً وأمكنه مسح جراحه بالماء دون الغسل‏:‏ فهل يمسح بالماء أو يتيمم‏؟‏ فيه قولان، هما روايتان عن أحمد، ومسحهما بالماء أصح؛ لأنه إذا جاز مسح الجبيرة ومسح الخف وكان ذلك أولي من التيمم فلأن يكون مسح العضو بالماء أولي من التيمم بطريق الأولى‏.‏









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-08-02, 13:12   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ام مصعب111
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


الرابع‏:‏ أن الجبيرة يستوعبها بالمسح كما يستوعب الجلد؛ لأن مسحها كغسله، وهذا أقوي على قول من يوجب مسح جميع الرأس‏.‏
الخامس‏:‏ أن الجبيرة يمسح عليها ـ وإن شدها على حدث ـ عند أكثر العلماء،وهو إحدي الروايتين عن أحمد، وهو الصواب‏.‏
ومن قال‏:‏ لا يمسح عليها إلا إذا لبسها على طهارة ليس معه إلا قياسها على الخفين، وهو قياس فاسد‏.‏ فإن الفرق بينهما ثابت من هذه الوجوه، ومسحها كمسح الجلدة ومسح الشعر، ليس كمسح الخفين وفي كلام الإمام أحمد ما يبين ذلك وأنها ملحقة عنده بجلدة الإنسان لا بالخفين، وفي ذلك نزاع؛ لأن من أصحابه من يجعلها كالخفين ويجعل البرء كانقضاء مدة المسح فيقول ببطلان طهارة المحل، كما قالوا في الخف، والأول أصح، وهو‏:‏ أنها إذا سقطت سقوط برء كان بمنزلة حلق شعر الرأس وتقليم الأظفار، وبمنزلة كشط الجلد لا يوجب إعادة غسل الجنابة عليها إذا كان قد مسح عليها من الجنابة، وكذلك في الوضوء لا يجب غسل المحل ولا إعادة الوضوء، كما قيل‏:‏ إنه يجب في خلع الخف، والطهارة وجبت في المسح على الخفين ليكون إذا أحدث يتعلق الحدث بالخفين، فيكون مسحهما كغسل الرجلين، بخلاف ما إذا تعلق الحدث بالقدم فإنه لابد من غسله‏.‏
ثم قيل‏:‏ إن المسح لا يرفع الحدث عن الرجل، فإذا خلعها كان كأنه لا يمسح عليها فيغسلها عنـد مـن لا يشترط الموالاة، ومـن يشترط الموالاة يعيـد الوضـوء‏.‏ وقيـل‏:‏ بل حدثـه ارتفـع رفعاً مؤقـتاً إلى حـين انقضاء المدة وخلع الخف، لكن لما خلعه انقضت الطهارة فيـه، والطهارة الصغـري لا تتبعض لا في ثبـوتها ولا في زوالها، فإن حكمها يتعلق بغير محلها، فإنها غسل أعضاء أربعة والبدن كله يصير طاهراً، فإذا غسل عضو أو عضوان لم يرتفع الحدث حتي يغسل الأربعة، وإذا انتقض الوضوء في عضو، انتقض في الجميع‏.‏
ومـن قال هذا قال‏:‏ إنه يعيد الوضوء ومثل هذا منتف في الجبيرة، فإن الجبيرة يمسح عليها في الطهارة الكبرى ولا يجزئ فيها البدل، فعلم أن المسح عليها كالمسح على الجلد والشعر‏.‏
ومن قال من أصحابنا‏:‏ إنه إذا سقطت لبرء، بطلت الطهارة أو غسل محلها، وإذا سقطت لغير برء، فعلى وجهين‏.‏ فإنهم جعلوها مؤقتة بالبرء، وجعلوا سقوطها بالبرء كانقضاء مدة المسح‏.‏
وأما إذا سقطت قبل البرء فقيل‏:‏ هي كما لو خلع الخف قبل المدة‏.‏ وقيل‏:‏ لا تبطل الطهارة هنا؛ لأنه لا يمكن غسلها قبل البرء، بخلاف الرجل فإنه يمكن غسلها إذا خلع الخف، فلهذا فرقوا بينها وبين الخف في أحد الوجهين، فإنه إذا تعذر غسلها بقيت الطهارة بخلاف ما بعد البرء فإنه يمكن غسل محلها‏.‏
والقول بأن البرء كالوقت في الخفين ضعيف؛ فإن طهارة الجبيرة لا توقيت فيها أصلاً حتي يقال‏:‏ إذا انقضي الوقت بطلت الطهارة، بخلاف المسح على الخفين فإنه موقت، ونزعها مشبه بخلع الخف، وهو ـ أيضًا ـ تشبيه فاسد، فإنه إن شبه بخلعه قبل انقضاء المدة ظهر الفرق، وإنما يشبه هذا نزعها قبل البرء وفيه الوجهان، وإن شبه بخلعه قبل انقضاء المدة فوجود الخلع كعدمه، فإنه لا يجوز له حينئذ أن يمسح على الخفين؛ لأن الشارع أمره بخلعها في هذه الحال، بخلاف الجبيرة فإن الشارع لم يجعل لها وقتًا، بل جعله بمنزلة ما يتصل بالبدن من جلد وشعر وظفر، وذاك إذا احتاج الرجل إلى إزالته أزاله ولم تبطل طهارته‏.‏
وقد ذهب بعض السلف إلى بطلانها وأنه يطهر موضعه، وهذا مشبه قول من قال‏:‏ مثل ذلك في الجبيرة‏.
ومن الناس من يقول‏:‏ خلع الخف لا يبطل الطهارة‏.‏ والقول الوسط أعدل الأقوال، وإلحاق الجبيرة بما يتصل بالبدن أولى، كالوسخ الذي على يده والحناء، والمسح على الجبيرة واجب لا يمكنه تخيير بينه وبين الغسل، فلو لم يجز المسح عليها إذا شدها وهو محدث نقل إلى التيمم، وقد قدمنا أن طهارة المسح بالماء في محل الغسل الواجب عليه أولى من طهارة المسح بالتراب في غير محل الغسل الواجب؛ لأن الماء أولى من التراب، وما كان في محل الفرض فهو أولى به مما يكون في غيره‏.‏ فالمسح على الخفين وعلى الجبيرة وعلى نفس العضو، كل ذلك خير من التيمم حيث كان‏.‏ ولأنه إذا شدها على حدث مسح عليها في الجنابة ففي الطهارة الصغرى أولى‏.‏
وإن قيل‏:‏ إنه لا يمسح عليها من الجنابة حتي يشدها على الطهارة، كان هذا قولًا بلا أصل يقاس عليه، وهو ضعيف جدًا‏.‏
وإن قيل‏:‏ بل إذا شدها على الطهارة من الجنابة مسح عليها بخلاف ما إذا شدها وهو جنب‏.‏
قيل‏:‏ هو محتاج إلى شدها على الطهارة من الجنابة، فإنه قد يجنب ـ والماء يضر جراحه ويضر العظم المكسور ويضر الفصاد ـ فيحتاج حينئذ أن يشده بعد الجنابة ثم يمسح عليها‏.‏ وهذه من أحسن المسائل‏.‏
والمقصود هنا‏:‏ أن مسح الخف لا يستوعب فيه الخف، بل يجزئ فيه مسح بعضه كما وردت به السنة، وهو مذهب الفقهاء قاطبة، فعلم بذلك أنه ليس كل ما بطن من القدم مسح ما يليه من الخف، بل إذا مسح ظهر القدم كان هذا المسح مجزئًا عن باطن القدم وعن العقب‏.‏
وحينئذ، فإذا كان الخرق في موضع ومسح موضعًا آخر، كان ذلك مسحًا مجزئًا عن غسل جميع القدم، لاسيما إذا كان الخرق في مؤخر الخف وأسفله، فإن مسح ذلك الموضع لا يجب ولا يستحب، ولو كان الخرق في المقدم فالمسح خطوط بين الأصابع‏.‏
فإن قيل‏:‏ مرادنا أن ما بطن يجزئ عنه المسح،وما ظهر يجب غسله‏.‏
قيل‏:‏ هذا دعوي محل النزاع فلا تكون حجة، فلا نسلم أن ما ظهر من الخف المخرق فرضه غسله، فهذا رأس المسألة، فمن احتج به كان مثبتًا للشيء بنفسه‏.‏
وإن قالوا بأن المسح إنما يكون على مستور أو مغطي ونحو ذلك، كانت هذه كلها عبارات عن معني واحد، وهو دعوي رأس المسألة بلا حجة أصلًا، والشارع أمرنا بالمسح على الخفين مطلقًا ولم يقيده، والقياس يقتضي‏:‏ أنه لا يقيد‏.‏
والمسح على الخفين قد اشترط فيه طائفة من الفقهاء شرطين‏:‏
هذا أحدهما‏:‏ وهو أن يكون ساترًا لمحل الفرض‏.‏ وقد تبين ضعف هذا الشرط‏.‏
والثاني‏:‏ أن يكون الخف يثبت بنفسه‏.‏وقد اشترط ذلك الشافعي ومن وافقه من أصحاب أحمد، فلو لم يثبت إلا بشده بشيء يسير أو خيط متصل به أو منفصل عنه ونحو ذلك، لم يمسح، وإن ثبت بنفسه لكنه لا يستر جميع المحل إلا بالشد ـ كالزربول الطويل المشقوق، يثبت بنفسه لكن لا يستر إلى الكعبين إلا بالشد ـ ففيه وجهان أصحهما‏:‏ أنه يمسح عليه‏.‏ وهذا الشرط لا أصل له في كلام أحمد، بل المنصوص عنه ـ في غير موضع ـ أنه يجوز المسح على الجوربين وإن لم يثبتا بأنفسهما، بل بنعلين تحتهما،وأنه يمسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين‏.‏ فإذا كان أحمد لا يشترط في الجوربين أن يثبتا بأنفسهما بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما، فغيرهما بطريق الأولى، وهنا قد ثبتا بالنعلين وهما منفصلان عن الجوربين‏.‏ فإذا ثبت الجوربان بشدهما بخيوطهما كان المسح عليهما أولى بالجواز‏.‏
وإذا كان هذا في الجوربين‏:‏ فالزربول الذي لا يثبت إلا بسير يشده به متصلًا به أو منفصلًا عنه أولى بالمسح عليه من الجوربين‏.‏
وهكذا ما يلبس على الرجل من فرو وقطن وغيرهما‏:‏ إذا ثبت ذلك بشدهما بخيط متصل أو منفصل مسح عليهما بطريق الأولى‏.‏
فإن قيل‏:‏ فيلزم من ذلك جواز المسح على اللفائف، وهو‏:‏ أن يلف على الرجل لفائف من البرد أو خوف الحفاء أو من جراح بهما ونحو ذلك‏.‏
قيل‏:‏ في هذا وجهان، ذكرهما الحلواني‏.‏ والصواب أنه يمسح على اللفائف، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب، فإن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة وفي نزعها ضرر‏:‏ إما إصابة البرد، وإما التأذي بالحفاء، وإما التأذي بالجرح‏.‏ فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى‏.‏
ومن ادعي في شيء من ذلك إجماعًا، فليس معه إلا عدم العلم، ولا يمكنه أن ينقل المنع من عشرة من العلماء المشهورين فضلًا عن الإجماع والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره، وذلك أن أصل المسح على الخفين خفي على كثير من السلف والخلف، حتي أن طائفة من الصحابة أنكروه، وطائفة من فقهاء أهل المدينة وأهل البيت أنكروه مطلقًا، وهو رواية عن مالك، والمشهور عنه جوازه في السفر دون الحضر‏.‏
وقد صَنَّف الإمام أحمد كتابًا كبيرًا في ‏[‏الأشربة‏]‏ في تحريم المسكر ولم يذكر فيه خلافًا عن الصحابة، فقيل له في ذلك فقال‏:‏ هذا صح فيه الخلاف عن الصحابة بخلاف المسكر‏.‏ ومالك ـ مع سعة علمه وعلو قدره ـ قال في ‏[‏كتاب السر‏]‏‏:‏ لأقولن قولًا لم أقله قبل ذلك في علانية‏.‏ وتكلم بكلام مضمونه إنكاره‏:‏ إما مطلقًا، وإما في الحضر‏.‏ وخالفه أصحابه في ذلك، وقال ابن وهب‏:‏ هذا ضعف له حيث لم يقله قبل ذلك علانية‏.‏
والذين جوزوه منع كثير منهم من المسح على الجرموقين الملبوسين على الخفين‏.‏ والثلاثة منعوا المسح على الجوربين وعلى العمامة، فعلم أن هذا الباب مما هابه كثير من السلف والخلف، حيث كان الغسل هو الفرض الظاهر المعلوم، فصاروا يجوزون المسح حيث يظهر ظهورًا لا حيلة فيه، ولا يطردون فيه قياسًا صحيحًا ولا يتمسكون بظاهر النص المبيح، وإلا فمن تدبر ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطي القياس حقه، علم أن الرخصة منه في هذا الباب واسعة، وأن ذلك من محاسن الشريعة ومن الحنيفية السمحة التي بعث بها‏.‏
وقد كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تمسح على خمارها، فهل تفعل ذلك بدون إذنه‏؟‏‏!‏ وكان أبو موسى الأشعري وأنس بن مالك يمسحان على القلانس؛ ولهذا جوز أحمد هذا وهذا في إحدى الروايتين عنه، وجوز ـ أيضًا ـ المسح على العمامة ؛ لكن أبو عبد الله ابن حامد رأي أن العمامة التي ليست محنكة، المقتطعة، كان أحمد يكره لبسها، وكذا مالك يكره لبسها ـ أيضًا ـ لما جاء في ذلك من الآثار، وشرط في المسح عليها أن تكون محنكة‏.‏ واتبعه على ذلك القاضي وأتباعه، وذكروا فيها ـ إذا كان لها ذؤابة ـ وجهين‏.‏
وقال بعض أصحاب أحمد‏:‏ إذا كان أحمد في إحدى الروايتين يجوز المسح على القلانس الدنيات ـ وهي القلانس الكبار ـ فلأن يجوز ذلك على العمامة بطريق الأولى والأحرى‏.‏ والسلف كانوا يحنكون عمائمهم لأنهم كانوا يركبون الخيل ويجاهدون في سبيل الله، فإن لم يربطوا العمائم بالتحنيك وإلا سقطت ولم يمكن معها طرد الخيل؛ ولهذا ذكر أحمد عن أهل الشام أنهم كانوا يحافظون على هذه السنة لأجل أنهم كانوا في زمنه هم المجاهدون‏.‏ وذكر إسحاق بن راهويه بإسناده أن أولاد المهاجرين والأنصار كانوا يلبسون العمائم بلا تحنيك، وهذا لأنهم كانوا في الحجاز في زمن التابعين لا يجاهدون، ورخص إسحاق وغيره في لبسها بلا تحنيك‏.‏ والجند المقاتلة لما احتاجوا إلى ربط عمائمهم صاروا يربطونها‏:‏ إما بكلاليب، وإما بعصابة ونحو ذلك‏.‏ وهذا معناه معني التحنيك، كما أن من السلف من كان يربط وسطه بطرف عمامته، والمناطق يحصل بها هذا المقصود‏.‏ وفي نزع العمامة المربوطة بعصابة وكلاليب من المشقة ما في نزع المحنكة‏.‏
وقد ثبت المسح على العمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحيحة، لكن العلماء فيها على ثلاثة أقوال‏:‏
منهم من يقول‏:‏ الفرض سقط بمسح ما بدا من الرأس، والمسح على العمامة مستحب‏.‏ وهذا قول الشافعي وغيره‏.‏
ومنهم من يقول‏:‏ بل الفرض سقط بمسح العمامة ومسح ما بدا من الرأس، كما في حديث المغيرة‏.‏ وهل هو واجب لأنه فعله في حديث المغيرة، أو ليس بواجب لأنه لم يأمر به في سائر الأحاديث على روايتين‏.‏ وهذا قول أحمد المشهور عنه‏.‏
ومنهم من يقول‏:‏ بل إنما كان المسح على العمامة لأجل الضرر، وهو ما إذا حصل بكشف الرأس ضرر من برد ومرض، فيكون من جنس المسح على الجبيرة، كما جاء‏:‏ أنهم كانوا في سرية فشكوا البرد فأمرهم أن يمسحوا على التساخين والعصائب ـ والعصائب هي العمائم ـ ومعلوم أن البلاد الباردة يحتاج فيها من يمسح التساخين والعصائب ما لا يحتاج إليه في أرض الحجاز، فأهل الشام والروم ونحو هذه البلاد أحق بالرخصة في هذا وهذا من أهل الحجاز، والماشون في الأرض الحزنة والوعرة أحق بجواز المسح على الخف من الماشين في الأرض السهلة، وخفاف هؤلاء في العادة لابد أن يؤثر فيها الحجر؛ فهم برخصة المسح على الخفاف المخرقة أولى من غيرهم‏.‏
ثم المانع من ذلك يقول‏:‏ إذا ظهر بعض القدم لم يجز المسح، فقد يظهر شيء يسير من القدم كموضع الخرز ـ وهذا موجود في كثير من الخفاف ـ فإن منعوا من المسح عليها ضيقوا تضييقًا يظهر خلافه للشريعة بلا حجة معهم أصلًا‏.‏
فإن قيل‏:‏ هذا لا يمكن غسله حتي يقولوا‏:‏ فرضه الغسل‏.‏ وإن قالوا‏:‏ هذا يعفي عنه لم يكن لهم ضابط فيما يمنع وفيما لا يمنع‏.‏
والذي يوضح هـذا أن قولهم‏:‏ إذا ظهر بعض القدم إن أرادوا ظهوره للبصر فأبصار الناس ـ مع اختلاف إدراكها ـ قد يظهر لها من القدم ما لا يمكن غسله، وإن أرادوا ما يظهر ويمكن مسه بإلىد فقد يمكن غسله بلا مس وإن قالوا‏:‏ ما يمكن غسله فالإمكان يختلف، قد يمكن مع الجرح ولا يمكن بدونه، فإن سم الخياط يمكن غسله إذا وضع القدم في مغمزه وصبر عليه حتي يدخل الماء في سم الخياط، مع أنه قد لا يتيقن وصول الماء عليه إلا بخضخضة ونحوها، ولا يمكن غسله كما يغسل القدم، وهذا على مذهب أحمد أقوى؛ فإنه يجوز المسح على العمامة إذا لبست على الوجه المعتاد وإن ظهر من جوان الرأس ما يمسح عليه، ولا يجب مسح ذلك‏.‏










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-02, 19:39   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أبو هاجر التلمساني
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية أبو هاجر التلمساني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أحسنتم أحسن الله إليكم
رحم الله شيخ الإسلام بن تيمية ونفعنا بعلومه
.. آمين










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-03, 21:49   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ام مصعب111
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-03, 21:56   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك
موضوع في غاية الاهمية










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-04, 16:18   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
sallah eddine
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم . .










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-06, 13:41   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ام مصعب111
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيك بارك الله










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للشيخ, الأسد, الله, الخفين, تيمية, رحمه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:29

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc