بصائر في الفتن الأخيرة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

بصائر في الفتن الأخيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-11-23, 10:56   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أم أمة الله الجزائرية
✧معلّمة القرآن الكريم✧
 
الصورة الرمزية أم أمة الله الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي بصائر في الفتن الأخيرة

بصائر
في الفتن الأخيرة
(الحلقة الأولى)


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾([1]).
هذه الآية الكريمة هي خير ما يستحضره المسلم في هذه الأيام؛ فقد عشنا في فتن الخروج ما يناهز ثلاث حِجَج، ما زال الله -تعالى- يرينا فيها الآية تلو أختها، ويظهر لنا عجائب قدرته ودلائل عزته وحكمته، ومن أَجَلِّ ذلك: تصرفه -سبحانه وتعالى- في العطاء والمنع، والخفض والرفع، وإيتاء الملك ونزعه.
فرأينا الله -سبحانه وتعالى- نزع الملك من أناس، ما كان يُتصور أن يُنتزع منهم، فأخرجهم من العز إلى الذل، ومن الرفاهية إلى القهر، ومن القصور إلى السجون؛ حتى صاروا عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتعظ.
ثم إن الله -تعالى- آتى الملك أناسًا قد يئسوا منه -كما يئس الكفار من أصحاب القبور-، فأخرجهم من السجون إلى القصور، ومن الذل إلى العز، ومن الصغار إلى صنع القرار؛ حتى صاروا -أيضًا- عبرة وعظة لكل معتبر متعظ.
وها قد رأى الناس أن الله -تعالى- نزع الملك منهم، فأعادهم -مرة أخرى- إلى سابق عهدهم، وألحقهم بالأولين، حتى صاروا في سجونهم على مرمى حجر منهم!!
فيا لله! ما أحقر الدنيا! وما أشد زيفها! وما أعظم غرورها! صدق رب العزة - سبحانه وتعالى- إذ قال فيها: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾([2]).
فخاب من رضي بالدنيا، وخسر من ركن إليها؛ لا يركن إليها إلا كل جاهل غافل، ولا يعتمد عليها إلا كل خائب خاسر، ولا يأمن مكر الله -تعالى- إلا القوم الخاسرون، لاسيما إذا خلت من قبلهم الَمثُلَات، ورأوا أمام أعينهم أناسًا يذلون بعد العز، ويأمنون مكر الله -تعالى-، فيمكر بهم ويذلهم، ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ ﴾([3]).
ها قد سقط النظام «الإخواني»، في ضَجَّة كبيرة، وفتنة شديدة، ومستقبل غامض؛ نسأل الله أن يكشف الكربة، ويرفع الغمة، وينصر دينه ودعوته، ويرحم عباده المستضعفين.
وقد تعرضنا في هذه الأحداث الأخيرة -ولا نزال- لمسائل شتى، وقع فيها الكثير من الإشكال والالتباس؛ فرأيتُ أن أتعرض لها في هذه المقالات، والله الموفِّق والمستعان.
وأول ما نتكلم فيه من ذلك: سبب السقوط «الإخواني»، وحصول الفرح به من عدمه.
فاعلم -رحمك الله- أن الله -جل وعز- أحكم لنا شرط التمكين في آيتين جامعتين من كتابه:
إحداهما: قوله -سبحانه-: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾([4]).
والثانية: قوله -تعالى-: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾([5]).
فأما الآية الأولى؛ ففيها شرط ما قبل التمكين، وهو: التوحيد، والإيمان، والعمل الصالح.
وأما الآية الثانية؛ ففيها شرط ما بعد التمكين، وهو: الأمر بالمعروف -وأعظمه التوحيد-، والنهي عن المنكر -وأعظمه الشرك([6])-، وإقامة الدين والملة.
فأين هذا وذاك في واقع «الإخوان» ومن شايعهم؟!
هل كانوا -قبل تولِّي الملك- على جادة التوحيد، والإيمان، والعمل الصالح؟! أم كانوا متلبسين بالشركيات، غارقين في البدع والمحدثات، متضمِّخين بالمعاصي والسيئات؟!
وهل كانوا -بعد تولِّي الملك- آمرين بالمعروف -وأعظمه التوحيد-، ناهين عن المنكر - وأعظمه الشرك-، مقيمين للدين والملة؟! أم حُفظ عنهم تضييعهم لذلك كله -و«دستورهم» (!) خير شاهد-؟!
إذن: فلا عجب أن تسقط دولتهم، ويزول ملكهم، ويصيروا للناس آية.
واعلم -رحمك الله- أن البدع -خاصة- من أعظم أسباب زوال الدول؛ وللإمام ابن القيم -رحمه الله- في ذلك كلام طويل نفيس، أنقل لك قطعة منه:
قال -قدس الله روحه-: «فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين؛ كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي، ومع هذا كانوا قليلين -أولا- مقموعين مذمومين عند الأئمة، وأولهم شيخهم الجعد بن درهم، وإنما نفق عند الناس بعض الشيء؛ لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه، ولهذا كان يسمى «مروان الجعدي»، وعلى رأسه سلب الله بني أمية الملك والخلافة، وشتتهم في البلاد، ومزقهم كل ممزق؛ ببركة شيخ المعطلة النفاة» اهـ([7]).
إلى أن قال: «إلى أن جاء أول المائة الثالثة، ووُلِّي على الناس عبد الله المأمون، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامرا بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حب المعقولات، فأمر بتعريب كتب يونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد، فعُرِّبت له، واشتغل بها الناس -والملك سوق، ما سُوِّق فيه جلب إليه-؛ فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية، ممن كان أبوه الرشيد قد أقصاهم، وتبعهم بالحبس والقتل؛ فحشوا بدعة التجهم في أذنه وقلبه، فقبلها، واستحسنها، ودعا الناس إليها، وعاقبهم عليها؛ فلم تطل مدته» اهـ([8])، ثم أطال الكلام.
فاعتبر بهذا -رحمك الله-، وقارنه بشأن «الإخوان» المعروف في البدع والمحدثات؛ وأي جريمة أعظم من تمكينهم للرافضة، وتقويتِهم قلوبَهم وشوكتَهم؟! والرافضة حمير البشر، ونَجَسُ بني آدم؛ ما قعدوا في دار إلا بَارَ، وما تمكنوا من بلد إلا خرب! فذوقوا فتنتكم أيها «الإخوان»؛ هذا يومكم الذي كنتم توعدون!
ولْتتصوَّرْ -عافاك الله- مدى الفساد الكبير، الذي كان سيضرب بأطنابه في البلاد؛ لو سيطر القوم على مفاصلها!
وخُذْ مثالا: ما تردد -بقوة- أن وزارة الأوقاف «الإخوانية» (!) كانت ستمتحن أئمة المساجد الجُدُد في موقفهم من «الإخوان»([9])! بل كانت ستعيد امتحان القدامى -بناء على ذلك-!! فمن نجح ثُبِّت، ومن فشل أُبْعِد!! فيا لله! أمحنةٌ أخرى بعد محنة القرآن؟!!
وقد بلغ من عقوبة الله لهم: أنه أفشلهم -حتى على المستوى الإداري-، مع أنهم معروفون بالبراعة في ذلك؛ فكانت قرارات «مرسي» متخبطة، وكانت إدارته فاشلة، وقد ظهر هذا لِأَبْلَدِ العامة! فانظر -رعاك الله- كيف حِيلَ بينهم وبين ما يحسنون -ببدعتهم وضلالهم-!!
فلا شك أننا نفرح بزوال هذه الدولة الخائبة، ونعوذ بالله من أمثالها وأشكالها.
إلا أن السلفي الراسخ لا بد أن يقدر الأمور قدرها، ويضع الأشياء في نصابها، وينظر إلى الحوادث نظرة جامعة شاملة.
وذلك أن ترك الصبر على الحكام لا يأتي إلا بالشر والفساد، فلا تزال الفتن باقية، ولا تزال الفوضى منتشرة، ولا تزال الدماء مُسْفَكَة، ولا يزال الشقاق مستمرا بين أطراف «الثورة» الجديدة!!
وأعظم ما نكابده من الفتن: أن «الإخوان» -للأسف- ينتسبون إلى التدين والاستقامة، ووجودهم كان -في الظاهر- تمثيلا لما يسمَّى «المشروع الإسلامي السياسي»؛ فانقسم الناس -حيال سقوطهم- قسمين:
أحدهما: أتباعهم وأشياعهم من أهل البدع والغواية، الذين يعتقدون ويذيعون أن سقوط «الإخوان» سقوط للدين -جملة-، فلا بد -إذن- من مقاومة الصائلين على الملة، ومجاهدتهم مجاهدة الكفار المشركين! ولا بد من استنقاذ الإمام من براثنهم، وإعادته إلى منصبه مظفَّرا مؤزَّرا!!
والثاني: عامة المسلمين، الذين سحبوا كراهيتهم لـ«الإخوان» وأشياعهم على المتدينين -جملة-، فظنوهم -جميعا- في خندق الطائفة المرذولة، ولم يفرقوا بين أحد منهم، فكرهوا الجميع، وحَاصُوا عنهم حَيْصَة الحُمُر، وما عادوا يطيقون لحية ولا نقابا؛ بل منهم من تعدَّى على بعض ذوي اللِّحَى وذوات النقاب!! وإنا لله، وإنا إليه راجعون.
وقد عظمت الفتنة بالقسم الأول؛ لأنهم يتكلمون باسم الدين، وينسبون مذاهبهم إلى السنة، ويصيحون على مخالفهم بالضلال -وربما الكفر-؛ وعُتُوُّهم هذا قد يدفعهم إلى جمع الجموع، وسَلِّ السيوف؛ جهادا في سبيل الله -بزعمهم-!! فيقضون -بذلك- على البقية الباقية من الدين، ويوردون الجميع مورد الهلكة والبوار؛ والله المُسْتَجَار.
وهذا المسلك المبير -مع فضائح القوم السابقة وفشلهم الكبير- قد يسبب فقدان الثقة بالإسلام نفسه، ويرسخ الاعتقاد العلماني الخبيث بفصل الدين عن الدولة، ويؤكد للجهال المفتونين أن السياسة لا يقدر عليها إلا العلمانيون، مما قد يدفع أصحاب السلطة -الآن- إلى الدفع بالبلاد في اتجاه علماني إباحي بغيض، يقضي على الدين -حقا-، وينسف القيم -صدقا-.
وأيضا: فإن «الثورة» الأخيرة ليست نهاية المطاف؛ فإن أعداءنا لن يهدءوا حتى يدمروا بلادنا، ويغرقوها في أوحال الفوضى، ويقضوا عليها -اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا-؛ فما يؤمنِّنا ألا تأتي ثورة أخرى -بل ثورات-؟! وقد أَلِفَها الناس -وواحُزْناهُ-، وترسخت فيهم ثقافة الاعتراض، وتمكنت منهم حرية الغرب المنتنة؛ وبعد «تمرُّد» (!): تأتينا «تفلُّت» (!)، و«تعنُّت» (!)، وهَلُمَّ جَرًّا!!
فكل هذه الاعتبارات لا تجعلنا نطمئن بما حدث؛ بل نفرح بسقوط «الإخوان» -من حيث هو-؛ ولكننا نكره الفتن والدماء، ونتوجَّس قلقا على مستقبل البلاد والتديُّن فيها؛ وهذه قاعدة الشريعة في الأمور التي يتنازعها الخير والشر.
وهذا يدفعنا إلى البَدَار باللجوء إلى الله، وإدمان التضرع له والاستغاثة به، مع إصلاح أنفسنا -بالتوبة والاستقامة-، وبذل الجهد في دعوة الناس وتبصيرهم بالحق؛ عسى أن يجعلنا ربنا من الناجين المفلحين، ولا يصطلمنا مع المصطَلَمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-؛ نسأل الله أن يهدينا للتي هي أقوم، ويجنبنا التي هي أظلم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.


كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الأربعاء 1/رمضان/1434

([1]) آل عمران: 26.

([2]) الكهف: 45.

([3]) الأعراف: 99.

([4]) النور: 55.

([5]) الحج: 41.

([6]) روى الطبري في تفسير هذه الآية عن أبي العالية: «كان أَمْرُهم بالمعروف: أنهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده، لا شريك له؛ ونَهْيُهم عن المنكر: أنهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان؛ فمن دعا إلى الله -من الناس كلهم-؛ فقد أمر بالمعروف، ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان؛ فقد نهى عن المنكر».

([7]) «الصواعق المرسلة» (3/1070-1071).

([8]) «الصواعق المرسلة» (3/1072).

([9]) وأكبرُ ظني -الآن-: أن بعض الإخوة أخبرني بوقوع ذلك -حقا-.









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-11-23, 11:17   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أم أمة الله الجزائرية
✧معلّمة القرآن الكريم✧
 
الصورة الرمزية أم أمة الله الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الثانية)

بصائر
في الفتن الأخيرة
(الحلقة الثانية)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فلا يزال حديثنا موصولا عن الفتن الأخيرة، وموضوع هذا المقال: التنديد بالمخالفين الضُّلَّال، وإظهار جهلهم وتناقضهم في الثورتين المشئومتين.
وذلك أنهم فرحوا بالثورة الأولى، ومجَّدوها -وأهلَها-، وادَّعوا -كذبا على الله- أنها من دين الله، وحشدوا لذلك من الشبهات ما حصل تتبُّعه ونقضه في غير هذا الموضع -ولله الحمد([1])-.
ثم ها هم أولاء ينكرون الثورة الثانية! ويقولون: هي خروج محرم على الحاكم!! ويذمون أهلها -وهم عينهم أهل الثورة الأولى-!!!
ومهما زعموا من الفوارق بين الثورتين؛ فما التفريق بينهما بمُسْتَطَاع، والتناقض لهم لازم لا محيص عنه.
فإنهم إن قالوا: كان «مبارك» كافرا.
قلنا: ما من سبب تكفرونه به إلا وهو موجود في صاحبكم: فإن كفرتموه بالقوانين الوضعية؛ فقد حكم بها صاحبكم! وإن كفرتموه ببعض الألفاظ الكفرية؛ فكذلك قد قال صاحبكم([2])! وإن كفرتموه بإقرار المعاصي العامة -كالربا، والزنا، والخمر، ونحو ذلك-؛ فقد أقرها صاحبكم! وإن كفرتموه ببعض المواد «الدستورية»؛ فقد أتى بمثلها صاحبكم! إلا أن يكون الفارق -عندكم- (!): أن صاحبكم يحفظ شيئا من كتاب الله، وقد «وعد» (!) بتطبيق الشريعة([3])، ولم يتعقبكم بالسَّجن والتشريد!! ولا تعليق!!
وإن قالوا: لم يتأمَّر «مبارك» بطريقة شرعية.
قلنا: وكذلك الانتخابات التي تأمَّر بها صاحبكم([4])، وكثير منكم يعترفون بذلك([5])!! و«مبارك» تولَّى حكمه -في البداية- بعد مقتل «السادات»؛ بوصفه نائبا له، وهذا لا إشكال فيه -عند الجميع-، وإنما تَرْمُون إلى ما كان يحدث في عهده من تزوير الانتخابات، ولم يكن عليه إجراؤها -أصلا-؛ فإن المشروع الذي جرى عليه عمل المسلمين: أن الحاكم يبقى في حكمه -مدة حياته-، وتحديد فترة الحكم: بدعة غربية ديمقراطية.
وإن قالوا: قد كان نظام «مبارك» ظالما فاسدا.
قلنا: وكذلك نظام صاحبكم قد ظهر فشله لِأَبْلَدِ العامة؛ والفشل، وسوء الإدارة، وأَخْوَنة البلاد، والتمكين لأعداء الله الرافضة: كل ذلك داخل في حد الظلم والفساد، المناقضَيْن لمقصود الولاية وثمرتها.
وإن قالوا: قد سقط «مبارك» بإجماع شعبي.
قلنا: كذبتم! بل كان له أنصار كُثُر -وهذا معلوم-، والذين ثاروا على صاحبكم لا يقلون عن الذين ثاروا على «مبارك»؛ بل هم عينهم -كما تقدمت الإشارة إليه-!! فالظروف واحدة، والثورة هي هي.
أَلَا قد ظهر تناقض المخالفين، وانكشف تلوُّنهم وتحكُّمهم؛ فأَوْلَى بهم: أن يلزموا بيوتهم، ويكفُّوا أيديهم وألسنتهم، ويبكوا الدم على خطيئتهم، وجنايتهم على الدين، وسوء أثرهم على المسلمين.
وأما أهل السنة؛ فأَنْعِمْ بهم وأَكْرِمْ من طائفة ثابتة راسخة، لا تتلون ولا تتنقل؛ وكيف لا، وهم أهل الحق -حقا-، وأتباع الهدى -صدقا-، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
كان «مبارك» -عندنا- حاكما شرعيا، وكذلك كان «مرسي».
وكنا نعتذر لـ«مبارك»، ونقول: لم تقم عليه الحجة؛ وكذلك شأن «مرسي».
وأنكرنا خروج الناس على «مبارك»، وندَّدنا بالمظاهرات وأخواتها؛ وكذلك فعلنا بشأن «مرسي».
وقلنا: إن الخارجين على «مبارك» لهم حكم البغاة، لا تُستباح دماؤهم -ابتداء-، ولا طاعة لـ«مبارك» إن أمر بقتلهم؛ وكذلك قلنا في الخارجين على «مرسي»، وفي الخارجين على من جاء بعده -أيضا-.
ولما سقط «مبارك»؛ لم ندَّع فيه الإمامة، ولم نعامله بأحكامها، ولم نطالب بإعادته؛ وكذلك شأننا مع «مرسي» -كما سيأتي تفصيله إن شاء الله-.
فأي الفريقين أهدى سبيلا، وأقوم قيلا؟!
إنها عبرة أخرى، يعرف بها العامي البليد أهل الحق، ويميزهم عن أهل الباطل؛ فإن التناقض من أظهر علامات الآخِرين، والثبات من أوضح سمات الأولين؛ وهذا أمر يُدرك بمجرد الفطرة السوية، لا يحتاج إلى علم بأحكام الشريعة.
وبالرغم من ذلك: لا يزال من عباد الله من هو في حيرته يتخبط، وفي ريبه يتردد، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾.
وللحديث بقية -إن شاء الله-، والله المستعان.

كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الجمعة 3/رمضان/1434

([1]) راجع كتاب «النقض على ممدوح بن جابر» لراقمه -عفا الله عنه-.

([2]) هو صاحب العبارة المشهورة: «الخلاف بيننا وبين النصارى ليس دينيا، وإنما هو خلاف ديناميكي»!!! ولست أدري ما شأن «الديناميكا» و«الاستاتيكا» بهذا الأمر!!!

([3]) و«دستوره» (!) خير شاهد على تحقيقه لهذا الوعد!!

([4]) وتفصيل ذلك: في «النقض على القائلين بجواز العمل السياسي المعاصر» لراقمه -عفا الله عنه-؛ يسَّر الله إخراجه.

([5]) والمعول -عندنا- على التغلب -في كل حال-، وإنما المقصود: إلزام المخالفين.











رد مع اقتباس
قديم 2014-11-23, 11:28   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أم أمة الله الجزائرية
✧معلّمة القرآن الكريم✧
 
الصورة الرمزية أم أمة الله الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الثالثة)

بصائر
في الفتن الأخيرة
(الحلقة الثالثة)
الحمد لله حمدا يليق بجلاله، وأشهد أن لا إله إلا الله رب السماوات والأرض وما فيهما، وأشهد أن محمدا عبده المجتبَى ورسوله المصطفَى؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإننا نتناول في مقالنا هذا مسألة، هي أصل من أصول الفتن الكائنة -عجَّل الله زوالها-، وهي النظر في أصناف الخارجين عن الطاعة والمفارقين للجماعة، والتمييز بين القتال المشروع والقتال الممنوع -في هذا المقام-.
وهذه المسألة من أهم ما يجب تحريره في الفتن النازلة؛ فإن هذه الفتن دائما ما تبدأ من قِبَل أهل السوء، الذي يخرجون في المظاهرات وأخواتها، ثم يكون من أثرهم ما هو معلوم.
فتشتد الحاجة -إذن- إلى معرفة نوع هؤلاء، وحكمهم في الشريعة: هل هم خوارج أم بغاة؟ وهل يجوز قتالهم وتستباح دماؤهم -مطلقا-؟
وعلى شرطنا الذي ذكرناه في «الحلقة الأولى»: نعالج المسألة معالجة مختصرة جامعة؛ والله الموفِّق.
اعلم -علمني الله وإياك- أن كل من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة: يشمله اسم «الخروج» -بالمعنى العام-، فيقال: هذا خارج على الإمام، وشاقٌّ لعصا المسلمين.
وإنما فرق العلماء هنا بين طائفتين أساسيتين -من جهة الأحكام العملية-، وهما: «الخوارج»، و«البغاة».
وحاصل ما ذكروه من الفرق بينهما:
أن «الخوارج» هم الذين يخرجون عن عقيدة ومنهج، فيكفرون المسلمين، ويستحلون دماءهم.
وأما «البغاة»؛ فليس من شأنهم ذلك، وإنما هم خارجون عن طاعة إمام معين؛ لتأويل يسوغ مثله، ولهم شوكة ومنعة، تستوجب جمع الجيش لكفِّهم.
فإذا تبين ذلك؛ فلْنتعرف على صفة التعامل مع الطائفتين، وذلك في موضعين جامعين من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وأنا أنقلهما لك بطولهما.
* الموضع الأول:
سُئل -رحمه الله- عن «البغاة» و«الخوارج»: هل هي ألفاظ مترادفة بمعنى واحد؟ أم بينهما فرق؟ وهل فرقت الشريعة بينهما في الأحكام الجارية عليهما أم لا؟ وإذا ادعى مدع أن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهما إلا في الاسم، وخالفه مخالف مستدلا بأن أمير المؤمنين عليا -رضي الله عنه- فرق بين أهل الشام وأهل النهروان؛ فهل الحق مع المدَّعِي؟ أو مع مخالفه؟».
فأجاب: «الحمد لله؛ أما قول القائل: إن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهما إلا في الاسم؛ فدعوى باطلة، ومُدَّعيها مجازف؛ فإن نفي الفرق إنما هو قول طائفة من أهل العلم -من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم؛ مثل كثير من المصنفين في «قتال أهل البغي»-؛ فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، وقتال عليٍّ الخوارجَ، وقتاله لأهل الجمل وصفين، إلى غير ذلك من قتال المنتسبين إلى الإسلام: من باب «قتال أهل البغي».
ثم مع ذلك؛ فهم متفقون على أن مثل طلحة والزبير ونحوهما من الصحابة: من أهل العدالة؛ لا يجوز أن يُحكم عليهم بكفر ولا فسق؛ بل مجتهدون: إما مصيبون، وإما مخطئون، وذنوبهم مغفورة لهم؛ ويطلقون القول بأن البغاة ليسوا فساقا، فإذا جُعل هؤلاء وأولئك سواء؛ لزم أن تكون الخوارج وسائر من يقاتلهم من أهل الاجتهاد الباقين على العدالة: سواء؛ ولهذا قال طائفة بفسق البغاة؛ ولكن أهل السنة متفقون على عدالة الصحابة.
وأما جمهور أهل العلم؛ فيفرقون بين الخوارج المارقين، وبين أهل الجمل وصفين، وغير أهل الجمل وصفين -ممن يعد من البغاة المتأولين-؛ وهذا هو المعروف عن الصحابة، وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين، وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم -من أصحاب مالك، وأحمد، والشافعي، وغيرهم-.
وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تمرق مارقة على حين فُرقة من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق»([1])، وهذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة، ويبين أن المارقين نوع ثالث، ليسوا من جنس أولئك؛ فإن طائفة علي أولى بالحق من طائفة معاوية.
وقال في حق الخوارج المارقين: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة»([2])، وفي لفظ: «لو يعلم الذين يقاتلونهم ما لهم على لسان نبيهم؛ لنكلوا عن العمل»([3])، وقد روى مسلم أحاديثهم في «الصحيح» من عشرة أوجه، وروى هذا البخاريُّ من غير وجه، ورواه أهل السنن والمسانيد؛ وهي مستفيضة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، متلقاة بالقبول، أجمع عليها علماء الأمة -من الصحابة ومن اتبعهم-، واتفق الصحابة على قتال هؤلاء الخوارج.
وأما أهل الجمل وصفين؛ فكانت منهم طائفة قاتلت من هذا الجانب، وأكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا -لا من هذا الجانب، ولا من هذا الجانب-، واستدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ترك القتال في الفتنة، وبيَّنوا أن هذا قتال فتنة، وكان عليٌّ -رضي الله عنه- مسرورا لقتال الخوارج، ويروي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمر بقتالهم؛ وأما قتال صفين؛ فذكر أنه ليس معه فيه نص؛ وإنما هو رأي رآه، وكان أحيانا يحمد من لم ير القتال.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الحسن: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»([4])؛ فقد مدح الحسن، وأثنى عليه بإصلاح الله به بين الطائفتين -أصحاب علي، وأصحاب معاوية-.
وهذا يبين أن ترك القتال كان أحسن، وأنه لم يكن القتال واجبا ولا مستحبا؛ وقتال الخوارج قد ثبت عنه أنه أمر به وحض عليه؛ فكيف يُسوَّي بين ما أمر به وحض عليه، وبين ما مدح تاركه وأثنى عليه؟!
فمن سوَّى بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين، وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين والحرورية المعتدين؛ كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين، ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة، الذين يكفِّرون أو يفسِّقون المتقاتلين بالجمل وصفين؛ كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين؛ فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم على قولين مشهورين، مع اتفاقهم على الثناء على الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين، والإمساك عما شجر بينهم؛ فكيف نسبة هذا بهذا؟!
وأيضا: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتال الخوارج قبل أن يقاتِلوا، وأما أهل البغي؛ فإن الله تعالى قال فيهم: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾([5])، فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء، فالاقتتال ابتداء ليس مأمورا به؛ ولكن إذا اقتتلوا؛ أمر بالإصلاح بينهم، ثم إن بغت الواحدة؛ قوتلت.
ولهذا قال من قال من الفقهاء: إن البغاة لا يُبتدءون بقتالهم حتى يقاتِلوا، وأما الخوارج؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة»، وقال: «لئن أدركتهم؛ لأقتلنَّهم قتل عاد»([6]).
وكذلك مانعو الزكاة؛ فإن الصدِّيق والصحابة ابتدءوا قتالهم؛ قال الصديق: «والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لقاتلتهم عليه»، وهم يقاتَلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات -وإن أقروا بالوجوب-، ثم تنازع الفقهاء في كفر من منعها وقاتل الإمام عليها -مع إقراره بالوجوب-: على قولين، هما روايتان عن أحمد -كالروايتين عنه في تكفير الخوارج-.
وأما أهل البغي المجرد؛ فلا يكفرون -باتفاق أئمة الدين-؛ فإن القرآن قد نص على إيمانهم وأُخُوَّتهم -مع وجود الاقتتال والبغي-؛ والله أعلم» اهـ([7]).
* الموضع الثاني:
قال -رحمه الله-: «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القتال في الفتنة، وكان ذلك من أصول السنة، وهذا مذهب أهل السنة والحديث، وأئمة أهل المدينة -من فقهائهم وغيرهم-.
ومن الفقهاء من ذهب إلى أن ذلك يكون مع وجود العلم التام من أحدهما، والبغي من الآخر، فيجب القتال مع العادل -حينئذ-.
وعلى هذا: الفتنة الكبرى بين أهل الشام والعراق؛ هل كان الأصوب حال القاعدين، أو حال المقاتلين من أهل العراق؟
والنصوص دلت على الأول، وقالوا: كان ترك قتال أهل العراق أصوب -وإن كانوا أقرب إلى الحق وأولى به من الشام إذ ذاك-؛ كما بسطنا الكلام في هذا في غير هذا الموضع، وتكلمنا على الآيات والأحاديث في ذلك.
ومن أصول هذا الموضع: أن مجرد وجود البغي من إمام أو طائفة لا يوجب قتالهم؛ بل لا يبيحه؛ بل من الأصول التي دلت عليها النصوص: أن الإمام الجائر الظالم يؤمر الناس بالصبر على جوره وظلمه وبغيه، ولا يقاتلونه؛ كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك في غير حديث، فلم يأذن في دفع البغي مطلقا بالقتال؛ بل إذا كانت فيه فتنة؛ نهى عن دفع البغي به، وأمر بالصبر.
وأما قوله -سبحانه-: ﴿ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ﴾؛ فهو -سبحانه- قد بيَّن مراده؛ ولكن من الناس من يضع الآية على غير موضعها؛ فإنه -سبحانه- قال: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، فهو لم يأذن ابتداء في قتال بين المؤمنين؛ بل إذا اقتتلوا؛ فأصلحوا بينهما، والاقتتال هو فتنة، وقد تكون إحداهما أقرب إلى الحق، فأمر -سبحانه- في ذلك بالإصلاح.
وكذلك فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اقتتل بنو عمرو بن عوف، فخرج ليصلح بينهم، وقال لبلال: «إن حضرت الصلاة؛ فقدِّم أبا بكر»([8]).
ثم قال -سبحانه-: ﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾، فهو -بعد اقتتالهم- إذا أصلح بينهم بالقسط، فلم تقبل إحداهما القسط، بل بغت؛ فإنها تقاتَل؛ لأن قتالها هنا يُدفع به القتال الذي هو أعظم منه؛ فإنها إذا لم تقاتَل حتى تفئ إلى أمر الله، بل تُركت حتى تقتتل هي والأخرى؛ كان الفساد في ذلك أعظم.
والشريعة مبناها على دفع الفسادين بالتزام أدناهما، وفي مثل هذا: يقاتَلون حتى لا يكون فتنة، ويكون الدين كله لله؛ لأنه إذا أُمروا بالصلاح والكف عن الفتنة، فبغت إحداهما؛ قُوتلت؛ حتى لا تكون فتنة.
والمأمور بالقتال هو غير المبغي عليه، أُمر بأن يقاتل الباغية؛ حتى ترجع إلى الدين، فقاتلها من باب الجهاد، وإعانة المظلوم المبغي عليه.
أما إذا وقع بغى ابتداء بغير قتال؛ مثل أخذ مال، أو مثل رئاسة بظلم؛ فلم يأذن الله في اقتتال طائفتين من المؤمنين على مجرد ذلك؛ لأن الفساد في الاقتتال في مجرد رئاسة أو أخذ مال فيه نوع ظلم.
فلهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتال الأئمة -إذا كان فيهم ظلم-؛ لأن قتالهم فيه فساد أعظم من فساد ظلمهم.
وعلى هذا؛ فما ورد في «صحيح البخاري» من حديث أم سلمة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك؛ ليس هو مخالفا لما تواتر عنه من أنه أمر بالإمساك عن القتال في الفتنة، وأنه جعل القاعد فيها خيرا من القائم، والقائم خيرا من الماشي، والماشي خيرا من الساعي([9])؛ وقال: «يوشك أن يكون خيرَ مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن»([10])، وأمر فيها بأن يلحق الإنسان بإبله وبقره وغنمه([11])؛ لأن وصفه تلك الطائفة بالبغي هو كما وصف به من وصف من الولاة بالأثرة والظلم؛ كقوله: «ستلقون بعدي أَثَرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»([12])، وقوله: «ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها»، قالوا: «فما تأمرنا يا رسول الله؟»، قال: «أدُّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم»([13])، وأمثال ذلك من الأحاديث الصحاح.
فأمر -مع ذكره لظلمهم- بالصبر، وإعطاء حقوقهم، وطلب المظلوم حقه من الله، ولم يأذن للمظلوم المبغي عليه بقتال الباغي -في مثل هذه الصور، التي يكون القتال فيها فتنة- كما أذن في دفع الصائل بالقتال، حيث قال: «من قُتل دون ماله؛ فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه؛ فهو شهيد»([14])؛ فإن قتال اللصوص ليس قتال فتنة؛ إذ الناس كلهم أعوان على ذلك، فليس فيه ضرر عام على غير الظالم؛ بخلاف قتال ولاة الأمور؛ فإن فيه فتنة وشرا عاما أعظم من ظلمهم؛ فالمشروع فيه الصبر.
وإذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- طائفة بأنها باغية -سواء كان ذلك بتأويل أو بغير تأويل-؛ لم يكن مجرد ذلك موجبا لقتالها، ولا مبيحا لذلك؛ إذ كان قتال فتنة.
فتدبر هذا؛ فإنه موضع عظيم يظهر فيه الجمع بين النصوص؛ ولأنه الموضع الذي اختلف فيه اجتهاد علماء المؤمنين -قديما وحديثا-: حيث رأى قوم قتال هؤلاء مع من هو أولى بالحق منهم، ورأى آخرون ترك القتال -إذا كان القتال فيه من الشر أعظم من ترك القتال؛ كما كان الواقع-؛ فإن أولئك كانوا لا يبدءون البغاة بقتال حتى يجعلوهم صائلين عليهم، وإنما يكون ذنبهم ترك واجب؛ مثل: الامتناع من طاعة معين، والدخول في الجماعة؛ فهذه الفرقة إذا كانت باغية، وفي قتالهم من الشر -كما وقع- أعظم من مجرد الاقتصار على ذلك؛ كان القتال فتنة، وكان تركه هو المشروع؛ وإن كان المقاتل أولى بالحق، وهو مجتهد» اهـ([15]).
* قلت:
فالفرق العملي بين الطائفتين: أن الخوارج مأمور بقتالهم -ابتداء-، فقتالهم -وكذا قتال اللصوص والمحاربين- مشروع؛ وأما البغاة؛ فلا يقاتَلون إلا بعد استصلاحهم وخشية كَلَبِهم، وقتالهم -حينئذ- مشروع، وأما قبله؛ فممنوع، وهو من قتال الفتنة المأمور بالقعود عنه -وكذا القتال على الملك ونحوه-.
فمن فهم ذلك -في ضوء ما استدل به شيخ الإسلام-، وفهم ما تقدم ذكره من حقيقة البغاة؛ عرف أنه يدخل فيهم موضع النزاع -من الخارجين في المظاهرات وأخواتها-؛ فإنهم لا يكفرون المسلمين، ولا يستحلون دماءهم، وإرادتهم خلعَ الإمام إنما هي بداعي الظلم، أو سوء الإدارة، أو نحو ذلك -وهو معنى التأويل السائغ-، وأعدادهم كبيرة، لا تجري في دفعها مجرى الرجل أو الرجلين، ولهم -غالبا- رأس يتكلم باسمهم.
وعليه؛ فلا يجوز البدار بقتالهم؛ بل يجب استصلاحهم، ولو أمر الإمام بقتالهم قبل ذلك؛ فلا طاعة له، والقتال -حينئذ- قتال فتنة، يجب تركه -بموجَب النص والإجماع-، ولا أَظْهَرَ في ذلك من شأن عليٍّ مع معاوية -رضي الله عنهما-.
وفي ضوء هذا: تُفهم الأحاديث الآمرة بقتال الخارجين عن الطاعة والمفارقين للجماعة، فليس المراد بها الابتداء بالقتال -إذا كان الخارج على صفة البغاة-، وإنما المراد: ما بعد استصلاحه -إذا لم يندفع شره إلا بالقتال-.
وبهذا يُعلم القول فيمن ثار على «مبارك» من قبل، ومن ثار على «مرسي» مؤخرا، ومن يثور له الآن!! فالجميع على سمت البغاة، وقد عرفتَ حكمهم([16]).
ويجب التنبيه -أخيرا- على أن قتال الخوارج والبغاة إنما هو للإمام؛ لما ذكرنا في حقهما من المنعة والكثرة، فلو تصدى عامة الناس لقتالهم؛ لعظمت البلية، واشتدت الرزية، في الصورة التي يقال لها: «الحرب الأهلية» -عافانا الله وجميع المسلمين منها-؛ ولأن القتال المذكور من جملة العقوبات الشرعية، التي لا يتولاها إلا إمام المسلمين؛ كقتال الطوائف الممتنعة عن بعض الأحكام الواجبة.
وللحديث بقية -إن شاء الله-، والله المستعان.
كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

السبت 4/رمضان/1434

([1]) رواه البخاري (3344، ومواضع)، ومسلم (1064) -واللفظ له-، عن أبي سعيد -رضي الله عنه-.

([2]) حرف من الحديث السابق.

([3]) هذا الحرف لأبي داود وغيره، من حديث عليّ -رضي الله عنه-، وصححه الألباني في «ظلال الجنة» (917).

([4]) رواه البخاري (2704، ومواضع) من حديث أبي بَكْرَة -رضي الله عنه-.

([5]) الحجرات: 9.

([6]) حرف من حديث أبي سعيد السابق تخريجه.

([7]) «مجموع الفتاوى» (35/53-57).

([8]) الحديث أخرجه البخاري (684، ومواضع)، ومسلم (421)، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-.

([9]) الحديث أخرجه البخاري (3601، 7081، 7082)، ومسلم (2886)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

([10]) رواه البخاري (19، ومواضع) عن أبي سعيد -رضي الله عنه-.

([11]) الحديث أخرجه مسلم (2887) عن أبي بَكْرَة -رضي الله عنه-.

([12]) رواه البخاري (2376، ومواضع)، ومسلم (1059)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.

([13]) رواه البخاري (3603، 7052)، ومسلم (1843)، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.

([14]) رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم؛ من حديث سعيد بن زيد -رضي الله عنه-، وصححه الألباني في «الإرواء» (3/164).

([15]) «الاستقامة» (1/32-37).

([16]) إلا أن الفريق الأخير -أنصار «مرسي»- قد ينتقل إلى خانة الخوارج؛ فإنهم بدءوا يلوون ألسنتهم بتكفير الجيش، والدعوة إلى «الجهاد»!! ولكن هذا الأمر لم يصل إلى المستوى الظاهر، الذي نرتب عليه الأحكام، والقوم -حتى الآن- يتمسكون بالسلمية، ولا يسلُّون السيف على الأمة؛ فأحكامهم -إذن- لا تزال في دائرة البغاة.











رد مع اقتباس
قديم 2014-11-23, 11:35   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
خالد عنابي
عضو متألق
 
إحصائية العضو










افتراضي

جعلتم دينكم وديدنكم النسخ واللصق هكذا نعرفكم وهذا ما عهدناه منكم تحاربون كل من يدعو الى الاسلام وتطبيقه وتتخندقون للدفاع عن الحكام الظالمين العلمانيين مع ان العلمانية كفر مضادة للاسلام من كل وجه

الفتن الاخيرة هم انتم ومن على شاكلتكم ومن يمهد لكم ومن يؤلف لكم ما تنشرون فالعلمانية سقطت وافاقت الامة الاسلامية بقذارتها ونتانتها فلم يجد اعداء الاسلام سوى مناورة اخيرة يلجأون اليها عساها تبطئ المد الاسلامي القادم وهي الفرقة الجامية المدخلية التي شغلها وتخصصها التعطيل واشغال المسلمين بالصغائر عن الكبائر وتفريق الامة









رد مع اقتباس
قديم 2014-11-23, 11:38   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
أم أمة الله الجزائرية
✧معلّمة القرآن الكريم✧
 
الصورة الرمزية أم أمة الله الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الرابعة)

بصائر
في الفتن الأخيرة
(الحلقة الرابعة)

الحمد لله فاطر السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله مالك الملك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإن من المسائل التي أُثيرت في الفتن الأخيرة: إمامة الحاكم المعزول، فالمخالفون لا يزالون يعتدون بولاية «مرسي» -حتى بعد عزله-!!
وهذا الكلام -في الحقيقة- تغني حكايته عن تكلُّف رده؛ ولكن لا بأس بتوضيح مختصر، وتذكير مقتضَب، وهو ما نقوم به في هذا المقال -إن شاء الله-([1]).
اعلم -سلَّمك الله- أن من تغلب على البلاد؛ فهو إمام مطاع، فلو أتى شخص -من أهل الحل والعقد، أو غيرهم-، فأقصي الحاكم -بالقوة-، وتغلب على البلاد؛ فلا بد من لزوم طاعته، وترك الخروج عليه؛ حقنا للدماء، وتحقيقا للأمن والاستقرار، ولم يقل أحد من أهل العلم: إن الإمام المغلوب المقهور -في هذه الحالة- لا يزال على إمامته وسلطانه، وإنه لا بد من مقاومة المتغلب لإعادة الأمر إلى نصابه.
والأصل في تثبيت ولاية المتغلب: النص، والإجماع.
فأما النص؛ فهو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل حبشىٌّ كأن رأسه زبيبة»([2])، وفي رواية -من وجه آخر-: «مُجَدَّع الأطراف»([3]).
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «واستُدل به على المنع من القيام على السلاطين -وإن جاروا-؛ لأن القيام عليهم يفضى -غالبا- إلى أشد مما ينكر عليهم، ووجه الدلالة منه: أنه أمر بطاعة العبد الحبشي، والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش، فيكون غيرهم متغلبا، فإذا أمر بطاعته؛ استلزم النهى عن مخالفته والقيام عليه.
ورده ابن الجوزي بأن المراد بالعامل هنا: من يستعمله الإمام، لا من يلي الإمامة العظمى، وبأن المراد بالطاعة: الطاعة فيما وافق الحق. انتهى.
ولا مانع من حمله على أعم من ذلك؛ فقد وُجد من ولي الإمامة العظمى من غير قريش من ذوي الشوكة متغلبا، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأحكام([4]).
وقد عكسه بعضهم، فاستدل به على جواز الإمامة في غير قريش، وهو متعقَّب؛ إذ لا تلازم بين الإجزاء والجواز؛ والله أعلم» اهـ كلام الحافظ([5]).
وأما الإجماع؛ فقد نقله الحافظ -رحمه الله- أيضا، في قوله: «وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر([6])، وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك؛ بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها -كما في الحديث الذي بعده([7])-» اهـ([8]).
ونقله -أيضا- الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، في قوله: «الأئمة مجمعون -من كل مذهب- على أن من تغلب على بلد أو بلدان؛ له حكم الإمام -في جميع الأشياء-، ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل -قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا- ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم» اهـ([9]).
وهذا هو المنصوص عليه في كلام الأئمة، والمذكور ضمن مذهب أهل السنة.
قال عبد الله بن دينار -رحمه الله-: شهدت ابن عمر -حيث اجتمع الناس على عبد الملك- كتب: «إنى أقر بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين، على سنة الله وسنة رسوله -ما استطعت-، وإن بَنِىَّ قد أقروا بمثل ذلك»([10]).
والمراد: بيعة ابن عمر -رضي الله عنه- للمتغلب -عبد الملك بن مروان-، بعدما حُسم النزاع بينه وبين ابن الزبير -رضي الله عنه-([11]).
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: «والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين -البَرِّ والفاجر-، ومن ولي الخلافة، واجتمع الناس عليه، ورضوا به، ومن عَلِيَهم بالسيف؛ حتى صار خليفة، وسُمِّي أمير المؤمنين» اهـ([12]).
وقال في موطن آخر: «تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع المسلمون عليه، كلهم يقول: هذا إمام([13])» اهـ([14]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والقدرة على سياسة الناس إما بطاعتهم له، وإما بقهره لهم، فمتى صار قادرا على سياستهم -بطاعتهم أو بقهره-؛ فهو ذو سلطان مطاع -إذا أمر بطاعة الله([15])-» اهـ([16])، ثم استشهد بكلام الإمام أحمد المتقدم.
وقال الأصولي الشاطبي -رحمه الله-: «العلماء نقلوا الاتفاق على أن الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع، كما أنهم اتفقوا أيضا -أو: كادوا أن يتفقوا- على أن القضاء بين الناس لا يحصل إلا لمن رقي في رتبة الاجتهاد، وهذا صحيح -على الجملة-؛ ولكن إذا فُرض خلو الزمان عن مجتهد يظهر بين الناس، وافتقروا إلى إمام يقدمونه لجريان الأحكام، وتسكين ثورة الثائرين، والحياطة على دماء المسلمين وأموالهم؛ فلا بد من إقامة الأمثل -ممن ليس بمجتهد-؛ لأنا بين أمرين: إما أن يُترك الناس فوضى -وهو عين الفساد والهرج-، وإما أن يقدموه فيزول الفساد -بَتَّةً-، ولا يبقى إلا فَوْتُ الاجتهاد، والتقليد كاف -بحسبه-، وإذا ثبت هذا؛ فهو نظر مصلحي، يشهد له وضع أصل الإمامة، وهو مقطوع به؛ بحيث لا يفتقر في صحته وملائمته إلى شاهد» اهـ([17]).
وقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله-: «ثم هنا مسألة أخرى، وداهية كبرى، دها بها الشيطان كثيراً من الناس، فصاروا يسعون فيما يفرق جماعة المسلمين، ويوجب الاختلاف في الدين، وما ذمه الكتاب المبين، ويقضي بالإخلاد إلى الأرض، وترك الجهاد، ونصرة رب العالمين، ويفضي إلى منع الزكاة، ويشب نار الفتنة والضلالات؛ فتلطَّف الشيطان في إدخال هذه المكيدة، ونصب لها حججاً ومقدمات، وأوهمهم أن طاعة بعض المتغلبين -فيما أمر الله به ورسوله من واجبات الإيمان، وفيما فيه دَفْعٌ عن الإسلام وحمايةٌ لحوزته-: لا تجب -والحالة هذه- ولا تشرع» انتهى([18]).
قلت: فالقائل بدوام إمامة المغلوب: قائل بما لا يقره الشرع، ولا يقبله العقل، ولا يعرفه العلماء.
وقوله هذا من جنس قول الرافضة؛ فإنهم يدَّعون الإمامة فيمن لا وجود له ولا قدرة ولا شوكة؛ ولا عجب! فإن «الإخوان» أخدان الرافضة، فلا غرابة أن يكون قولهم في «مرسي» كقول الرافضة في إمامهم!!
وما أكثر ما عاب العلماء قول الرافضة هذا، لاسيما شيخ الإسلام -رحمه الله- في «منهاج السنة» خاصة، وقد تقدم شيء من كلامه، وإليك شيئا آخر:
قال -عليه الرحمة-: «إن كانت الإمامة أهم مطالب الدين، وأشرف مسائل المسلمين؛ فأَبْعَدُ الناس عن هذا الأهم الأشرف هم الرافضة؛ فإنهم قد قالوا في الإمامة أسخف قول، وأفسده في العقل والدين -كما سنبينه إن شاء الله تعالى إذا تكلمنا عن حججهم-، ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة: أن يكون لهم رئيس معصوم، يكون لطفا في مصالح دينهم ودنياهم.
وليس في الطوائف أبعد عن مصلحة اللطف والإمامة منهم؛ فإنهم يحتالون على مجهول ومعدوم لا يُرَى له عين ولا أثر، ولا يُسمع له حس ولا خبر، فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء.
وأي من فرض إماما نافعا في بعض مصالح الدين والدنيا كان خيرا ممن لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة؛ ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة يدخلون في طاعة كافر أو ظالم؛ لينالوا به بعض مقاصدهم، فبينما هم يدعون الناس إلى طاعة إمام معصوم؛ أصبحوا يرجعون إلى طاعة ظلوم كفور!! فهل يكون أبعد عن مقصود الإمامة وعن الخير والكرامة ممن سلك منهاج الندامة؟!
وفي الجملة: فالله تعالى قد علق بولاة الأمور مصالح في الدين والدنيا -سواء كانت الإمامة أهم الأمور، أو لم تكن-، والرافضة أبعد الناس عن حصول هذه المصلحة لهم، فقد فاتهم -على قولهم- الخير المطلوب من أهم مطالب الدين، وأشرف مسائل المسلمين» اهـ([19]).
وقال في موطن آخر: «قوله([20]): إنه نصب أولياء معصومين؛ لئلا يخلي الله العالم من لطفه ورحمته.
إن أراد بقوله: «إنه نصب أولياء» أنه مكنهم، وأعطاهم القدرة على سياسة الناس؛ حتى ينتفع الناس بسياستهم؛ فهذا كذب واضح، وهم لا يقولون ذلك؛ بل يقولون: إن الأئمة مقهورون مظلومون عاجزون، ليس لهم سلطان ولا قدرة ولا مُكْنة، ويعلمون أن الله لم يمكنهم، ولم يملِّكهم، فلم يؤتهم ولاية ولا ملكا -كما آتى المؤمنين والصالحين، ولا كما آتى الكفار والفجار-.
فإنه -سبحانه- قد آتى الملك لمن آتاه من الأنبياء، كما قال في داود: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾([21])، وقال -تعالى-: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾([22])، وقال -تعالى-: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ﴾([23])، وقال: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾([24])، وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾([25]).
فقد آتى الملك لبعض الكفار، كما آتاه لبعض الأنبياء؛ ومن بعد علي - رضي الله عنه -، والحسن: لم يؤت الملك لأحد من هؤلاء -كما أوتيه الأنبياء والصالحون، ولا كما أوتيه غيرهم من الملوك-، فبطل أن يكون الله نصب هؤلاء المعصومين على هذا الوجه.
فإن قيل: المراد بنصبهم: أنه أوجب على الخلق طاعتهم، فإذا أطاعوهم؛ هدوهم؛ لكن الخلق عصوهم.
فيقال: فلم يحصل بمجرد ذلك في العالم لا لطف ولا رحمة؛ بل إنما حصل تكذيب الناس لهم، ومعصيتهم إياهم.
وأيضا: فالمؤمنون بالمنتظَر لم ينتفعوا به، ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة -مع كونهم يحبونه ويوالونه-، فعُلم أنه لم يحصل به لطف ولا مصلحة، لا لمن أقر بإمامته، ولا لمن جحدها.
فبطل ما يذكرون أن العالم حصل فيه اللطف والرحمة بهذا المعصوم، وعُلم بالضرورة أن هذا العالم لم يحصل فيه بهذا المنتظَر شيء من ذلك، لا لمن آمن به، ولا لمن كفر به؛ بخلاف الرسول والنبي الذي بعثه الله، وكذبه قوم؛ فإنه انتفع به من آمن به وأطاعه، فكان رحمة في حق المؤمن به المطيع له، وأما العاصي فهو المفرط.
وهذا المنتظر لم ينتفع به لا مؤمن به، ولا كافر به، وأما سائر الاثني عشر -سوى علي-، فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أهل العلم والدين، من جنس تعليم العلم، والتحديث، والإفتاء، ونحو ذلك؛ وأما المنفعة المطلوبة من الأئمة ذوي السلطان والسيف؛ فلم تحصل لواحد منهم.
فتبين أن ما ذكره من اللطف والمصلحة بالأئمة: تلبيس محض، وكذب» اهـ([26]).
قلت: ومع وضوح قضية التغلب في صورتنا؛ إلا أن المخالفين الضُّلَّال يحيصون عنها إلى قضية أَسْر الإمام، وهو ما يأتي تناوله في الحلقة المقبلة -إن شاء الله-.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الأحد 5/رمضان/1434
[1])) وما سأذكره: مأخوذ من كتابي «النقض على ممدوح بن جابر»، مع زيادة يسيرة.
[2])) رواه البخاري (693، 696، 7142) عن أنس -رضي الله عنه-.
[3])) رواه مسلم (648، 1837) عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: «إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع -وإن كان عبدا مُجَدَّع الأطراف-».
[4])) ويمكن أن يقال -أيضا- في رد هذا التوجيه: إنه لا فرق -في المعنى- بين العامل والسلطان، فكلاهما مأمور بطاعته، وكلاهما له شروطه المقررة، فلئن عُفِيَ عن ذلك في حق العامل؛ فكذلك السلطان -ولا فرق-؛ بل هو أولى؛ لأن مفسدة القيام عليه -من جراء فقدانه للشروط- أعظم من مفسدة القيام على العامل.
وأيضا: فإن العلماء متفقون على إنفاذ ولاية المتغلب -كما سيأتي بيانه-، من غير تفريق بين سلطان وعامل؛ بل كلامهم في الأول -أصالةً-.
واعلم أن ابن الجوزي -عفا الله عنه- يرى الخروج على حكام الجور، وقد فصَّلتُ الكلام على ذلك في «النقض».
[5])) «فتح الباري» (2/187).
[6])) يعني: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى من أميره شيئا يكرهه؛ فليصبر عليه؛ فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات؛ إلا مات ميتة جاهلية».
[7])) يعني: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم فيه من الله برهان».
[8])) «فتح الباري» (13/7)، وأصل كلامه لابن بطال -رحمه الله-، وإنما لم أنقله؛ لأن فيه شبهة لمن يقول بالخروج على الحاكم الجائر، وقد فصَّلتُ الكلام على ذلك في «النقض».
[9])) «الدرر السنية» (9/5).
[10])) رواه البخاري (7203، 7205، 7272).
[11])) هذا خلاصة ما شرحه الحافظ في «الفتح» (13/194-195).
[12])) «أصول السنة» (64).
وبنحوه قال الإمام علي بن المديني -كما في «معتقده» الذي رواه اللالكائي (318)-، والإمام ابن قدامة المقدسي في «لمعة الاعتقاد» (40)، والإمام محمد بن عبد الوهاب في «عقيدته» -كما في «الدرر السنية» (1/33)-.
[13])) فالإجماع هنا على وصفه بالإمامة، ومخاطبته بمنصبها، لا الإجماع الحاصل عن الرضا، أو بيعة أهل الحل والعقد -كما دل عليه صريح كلامه السابق-.
[14])) «السنة» للخلال (10).
[15])) أي: إن الطاعة إنما تكون في الطاعة، لا في المعصية، وليس المقصود أن الطاعة تُنزَع -جملة- عند المعصية؛ بدليل استشهاد شيخ الإسلام بكلام الإمام أحمد المتقدم، وفيه الأمر بالطاعة -بَرًّا كان الإمام أو فاجرا-.
[16])) «منهاج السنة» (1/364-365).
[17])) «الاعتصام» (372-373).
[18])) «الدرر السنية» (8/377-378).
[19])) «منهاج السنة» (1/100-101).
[20])) يعني: ابن المطهر الرافضي.
[21])) البقرة: 251.
[22])) النساء: 54.
[23])) يوسف: 54.
[24])) الكهف: 79.
[25])) البقرة: 259.
[26])) «منهاج السنة» (1/131-133).









رد مع اقتباس
قديم 2014-11-23, 11:41   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أم أمة الله الجزائرية
✧معلّمة القرآن الكريم✧
 
الصورة الرمزية أم أمة الله الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الخامسة)

بصائر
في الفتن الأخيرة
(الحلقة الخامسة)

الحمد لله حمدا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله، خلق كل شيء فقدر تقديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه للناس بشيرا ونذيرا؛ صلى الله عليه وعلى آله، وسلم تسليما كثيرا.
فهذا أوان الكلام على مسألة أَسْر الإمام، وقد أوضحت في الحلقة السابقة أن ما حدث لـ«مرسي» إنما هو عزل؛ ولكننا نجاري المخالفين في دعواهم أَسْرَه، ونوضح الحكم الشرعي في ذلك؛ حتى يُعرف الفرق -في المسائل الشرعية- بين العلماء الحكماء، والجهلاء السفهاء.
قال القاضي الماوردي -رحمه الله-: «وأما القهر؛ فهو أن يصير مأسورا في يد عدو قاهر، لا يقدر على الخلاص منه، فيمنع ذلك عن عقد الإمامة له؛ لعجزه عن النظر في أمور المسلمين، وسواء كان العدو مشركا أو مسلما باغيا، وللأمة اختيار من عداه من ذوي القدرة.
وإن أُسِر بعد أن عُقدت له الإمامة؛ فعلى كافة الأمة استنقاذه؛ لما أوجبته الإمامة من نصرته، وهو على إمامته -ما كان مَرْجُوَّ الخلاص، مأمول الفكاك؛ إما بقتال أو فداء-.
فإن وقع الإياس منه؛ لم يَخْلُ حال من أسره من أن يكونوا مشركين أو بغاة المسلمين:
فإن كان في أسر المشركين؛ خرج من الإمامة؛ لليأس من خلاصه، واستأنف أهل الاختيار بيعة غيره على الإمامة.
فإن عهد بالإمامة في حال أسره؛ نُظِر في عهده: فإن كان بعد الإياس من خلاصه؛ كان عهده باطلا؛ لأنه عهد بعد خروجه من الإمامة، فلم يصح منه عهد؛ وإن عهد قبل الإياس من خلاصه وقت هو فيه مرجو الخلاص؛ صح عهده لبقاء إمامته، واستقرت إمامة ولي عهده بالإياس من خلاصه لزوال إمامته.
فلو خلص من أسره بعد عهده؛ نُظر في خلاصه: فإن كان بعد الإياس منه؛ لم يعد إلى إمامته؛ لخروجه منها بالإياس، واستقرت في ولي عهده، وإن خلص قبل الإياس؛ فهو على إمامته، ويكون العهد في ولي العهد ثابتا -وإن لم يصر إماما-.
وإن كان مأسورا مع بغاة المسلمين: فإن كان مَرْجُوَّ الخلاص؛ فهو على إمامته، وإن لم يُرْجَ خلاصه؛ لم يَخْلُ حال البغاة من أحد أمرين: إما أن يكونوا نصبوا لأنفسهم إماما، أو لم ينصبوا؛ فإن كانوا فوضى لا إمام لهم؛ فالإمام المأسور في أيديهم على إمامته؛ لأن بيعته لهم لازمة، وطاعته عليهم واجبة، فصار معهم كمصيره مع أهل العدل -إذا صار تحت الحجر-، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه ناظرا يخلفه -إن لم يقدر على الاستنابة-؛ فإن قدر عليها؛ كان أحق باختيار من يستنيبه منهم؛ فإن خلع المأسور نفسه، أو مات؛ لم يَصِر المستناب إماما؛ لأنها نيابة عن موجود فزالت بفقده.
وإن كان أهل البغي قد نصبوا لأنفسهم إماما، دخلوا في بيعته، وانقادوا لطاعته؛ فالإمام المأسور في أيديهم خارج من الإمامة بالإياس من خلاصه؛ لأنهم قد انحازوا بدار تفرَّد حكمها عن الجماعة، وخرجوا بها عن الطاعة، فلم يبق لأهل العدل بهم نصرة، وللمأسور معهم قدرة؛ وعلى أهل الاختيار في دار العدل أن يعقدوا الإمامة لمن ارتضوا لها؛ فإن خلص المأسور؛ لم يعد إلى الإمامة؛ لخروجه منها» اهـ([1]).
وقال الفقيه أبو المعالي الجويني -رحمه الله-: «إذا أُسر الإمام، وحُبس في المطامير، وبَعُدَ توقع خلاصه، وخلت ديار الإسلام عن الإمام؛ فلا سبيل إلى ترك الخطط شاغرة، ووجودُ الإمام المأسور في المطامير لا يغني، ولا يسد مسدا، فلا نجد -والحالة هذه- من نصب إمام بُدًّا.
قلت: لو سقطت طاعة الإمام فينا، ورَثَّتْ شوكته، ووهنت عدته، ووَهَتْ مِنَّته، ونفرت منه القلوب، من غير سبب فيه يقتضيه، وكان -في ذلك- على فكر ثاقب، ورأي صائب، لا يُؤتَى في ذلك عن خلل في عقل، أو عَتَهٍ وخَبَل، أو زلل في قول أو فعل، أو تقاعُدٍ عن نَبْل ونَضْل؛ ولكن خذله الأنصار، ولم تواته الأقدار، بعد تقدُّم العهد إليه أو صحيح الاختيار، ولم نجد لهذه الحالة مستدركا، ولا في تثبيت منصب الإمامة له مستمسكا، وقد يقع مثل ذلك عن مَلَل، أنتجه طول مَهَل، وتراخي أجل؛ فإذا اتفق ذلك، فقد حيل بين المسلمين وبين وزر يستقل بالأمر، فالوجه: نصب إمام مطاع -ولو بذل الإمام المحقق أقصى ما يستطاع-.
وينزل هذا منزلة ما لو أُسِر الإمام، وانقطع نظره عن الأنام وأهل الإسلام، فلا يصل إلى مظان الحاجات أثرُ رأي الإمام، إذا لم تكن يده الطولى، ولم تنبسط طاعته على خطة الإسلام عرضا وطولا، ولم يصل إلى المارقين صَوْلُه، ولم يَنْتَهِ إلى المستحقين طَوْلُه؛ والإمام لا يُعنَى لعينه، ولا يقتصر انقطاع نظره على موافاته حين حَيْنه» اهـ([2]).
قلت: فتحصل من كلامهم:
أولا: أن الأَسْر مُخْرجٌ عن منصب الإمامة -ابتداء-؛ لأنه منافٍ لأصلها، الذي هو القدرة والشوكة.
ثانيا: أن بقاء المأسور على إمامته مرتهن برجاء خلاصه، فإذا رُجي خلاصه؛ فهو إمام على شاكلته، وإذا وقع الإياس من الخلاص؛ فلا إمامة له، وعلى هذا ينبني النظر في تصرفاته -حال الأَسْر-.
ثالثا: أن تنصيب البغاة إماما لهم -بعد أَسْرهم للإمام- يُعَدُّ دليلا على الإياس من خلاصه، فيجب على الأمة -حينئذ- تولية غيره.
فأين المخالفون من هذا كله؟! وقد وقع الإياس من خلاص «مرسي»، وتأكَّد هذا بتولية الجيش حاكما على البلاد كلها -لا على أنفسهم فحسب-؛ فبطل -بذلك- موقفهم حتى في قضية الأَسْر.
فإن قيل: هَبْ أن الرجل عاد إلى منصبه -كَرَّةً أخرى-.
قلت: قد تقدم أن الإمام لو خلص من أَسْره -بعد الإياس منه-؛ لم يَعُدْ إلى الإمامة؛ لأنه خرج عنها بالإياس من رجوعه، لاسيما إذا كان قد وُلِّي مكانه أحد، فهو بتسلُّطه على الإمامة -مرة أخرى- يُعَدُّ خارجا على المتأمِّر الحالي.
هذا هو الأصل؛ ولكن لو فرضنا أن الجيش أعاد «مرسي» إلى منصبه حقا، بوصفه ممكَّنا متصرِّفا في البلاد، واستقر له الأمر على ذلك؛ فالعمل -حينئذ- بقاعدة التغلب لازم، والحكم يدور مع علته -وجودا وعدما-.
وللحديث بقية -إن شاء الله-؛ والله الموفِّق.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الاثنين 6/رمضان/1434

[1])) «الأحكام السلطانية» (47-48)، ونقله عنه: النووي في «روضة الطالبين» (10/49)، وكذا قال القاضي أبو يعلى في «الأحكام السلطانية» له (22-23)، ومعلوم ما بين كتابه وكتاب الماوردي من التشابه.

[2])) «غياث الأمم» (283-284).











رد مع اقتباس
قديم 2014-11-23, 12:00   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
أم أمة الله الجزائرية
✧معلّمة القرآن الكريم✧
 
الصورة الرمزية أم أمة الله الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة السادسة)

بصائر
في الفتن الأخيرة
(الحلقة السادسة)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإن من أعظم شبهات المخالفين -في الفتن الأخيرة-: استغلالهم لقضية الحرب على الإسلام، فيروِّجون أن خلع «مرسي» صورة لذلك، وكذا ما يحدث لـ«الإخوان» وأشياعهم من الملاحقة والتضييق.
ولا بد من كشف هذه الشبهة؛ لشدة ما تنطوي عليه من الإلباس، والتغرير بأهل الجهالة والعاطفة من الناس؛ لاسيما وأنها رُقْيَة التكفير والفساد في الأرض، فالقوم إنما يتوصلون بها إلى تكفير من شارك في خلع إمامهم -وعلى رأسهم الجيش-، فيمهدون السبيل -بذلك- إلى مقاومتهم وسَلِّ السيف عليهم -باسم الجهاد-!!
وكشف الشبهة المذكورة يحصل بثلاثة أوجه:
* الوجه الأول: أنه لا بد -ابتداء- من معرفة حقيقة «الإخوان» وأشياعهم، وأنهم لا يمثِّلون الإسلام الصحيح، الذي هو دين الله -سبحانه-.
وتفصيل ذلك لا يحتمله مقامنا هذا؛ فلْيُراجَع ما كُتِب في تفصيل حقيقة «الإخوان»، وبيان دينهم ومذهبهم؛ وبه يتبين أن القوم ليسوا على جادة التوحيد والسنة، وأن أكبر همِّهم: الوصول إلى الحكم، ولو بتضييع الدين، والتحالف مع أعدائه.
فالسلطات إنما تلاحق خوارج مفسدين في الأرض، يبتدعون بدعهم، ويكفِّرون من خالفهم فيها، ويستحلون دماءهم -بتنظيماتهم الشريرة، وتفجيراتهم واغتيالاتهم الحقيرة-.
وخلعُ حاكمهم -من الأصل- إنما كان خشيةً من التمكين لهذا المنهج الخبيث، مع ما عُرف من سوء إدارته، وتهديده لمصير البلاد، وتمكينه لأعداء الله الرافضة، الذين لا يبغون إلا القضاء على الإسلام وأهله([1]).
فلا بد من معرفة هذا -ابتداء-؛ حتى يُعرف الباعث الحقيقي على ما حدث، وأنه ليس عداوةً وبغضًا لدين الله -الذي هو دينه-.
ومن آيات ذلك: أن السلطات لم تتعقب جميع المنتسبين إلى ما يسمَّى «الإسلام السياسي»؛ بل لا يزال بعض أحزابهم مشاركا في العملية السياسية، ولا يزال المنتسبون إلى التدين -إجمالا- في عافية -ولله الحمد-؛ بل أبقى الرئيس المؤقت في «الإعلان الدستوري» على المادة المتعلقة بأهل السنة والجماعة([2])!!
* الوجه الثاني: أننا لا ننكر الحرب الإجمالية على الإسلام والتدين، ولا ننكر أن المنتسبين إلى الاستقامة والالتزام غير مرغوب فيهم -عموما-، وأنهم موصوفون بالتنطُّع والغلو وغير ذلك، لا يُستَثنَى من ذلك أهل الحق -أنفسهم-، وقد يأتي وقت نعاني فيه استضعافا عاما -لا قدَّر الله-؛ ولكن لا بد من النظر -في مقام التكفير، الذي يدندن حوله القوم- إلى قيام الحجة، واستيفاء الشروط، وانتفاء الموانع؛ كما هي جادة أهل السنة والحق.
فلا شك أن بُغْضَ شيء من الدين: كفر مجرد؛ ولكن ليس كل من وقع في الكفر صار كافرا، فلا بد من قيام الحجة على المعيَّن في أن هذا الذي أبغضه هو من دين الله -حقا-.
فالذي يبغض شيئا ندعو إليه من الدين؛ إنما يبغضه لظنه أننا نتنطَّع فيه، وأنه ليس من دين الله -أصلا-؛ فإذا قلنا -مثلا-: إعفاء اللحية واجب؛ قال: هذا تنطُّع؛ لأن العالم الفلاني يقول: هو مستحب، أو سنةُ عادة؛ ولأن هناك خلافا أصوليا في دلالة الأمر؛ إلى غير ذلك من الشبهات والتلبيسات؛ فلم يخرج الأمر -عنده- عن دائرة الإسلام؛ بل هو متمسك به، محبٌّ لدين الله، معظِّم له؛ولكنه يظن أننا نخالفه، فيبغضنا لذلك؛ كما نبغض -نحن- أهل البدع -مع انتسابهم إلى الدين-؛ ليقيننا بمخالفتهم له.
وقد يكون في الأمر شهوة وهوى -كما هو شأن العصاة-، فيكون الرجل عارفا بأن اللحية -مثلا- من الدين، وأن إعفاءها واجب؛ ولكن يشق عليه الانقياد لذلك؛ اتباعا لشهوته وهواه، وقد يقول لنا: أنتم متنطِّعون! يريد: لستم عليَّ بوكلاء؛ خلُّوني وربي! فهذه الكراهية ليست لنفس الدين وأحكامه، وإنما هي شهوة المعصية، وسلطان الهوى؛ كشأن عامة العصاة.
وعليه؛ فلو قُدِّر وقوع استضعاف عام للمتدينين -نسأل الله السلامة-؛ فلا بد من إعمال ما تقدم -في شأن التكفير خاصة-، وإن كان هذا يحقق أهداف الكفار؛ فإن منها: «أن يصبح كل عربي ومسلم مجردا من السلاح، وحليق الوجه، وغير متدين، ومسالما لأمريكا، ولا يغطي وجه امرأة»([3])؛ ولكنهم يسعون لذلك نكاية في دين الله -الذي هو دينه-، وأما من يوافقهم من جُهَّال المسلمين؛ فعندهم شبهات وأهواء تعصمهم من الكفر.
واعتبر هذا بقتال الكفار والمسلمين لـ«تنظيم القاعدة»؛ فإن الكفار يقاتلونه بغضا للإسلام، والمسلمين يقاتلونه دفعا لشره وفساده؛ فهل يستويان مثلا؟!
فتدبر هذا الوجه؛ فإنه من أعظم ما يكشف شبهة التكفير، ويرد باطل أهله؛ وله تأصيل أبسط من هذا، لا يحتمله المقام؛ وبالله التوفيق.
* الوجه الثالث: أننا لو سلَّمنا بتكفير الجيش؛ فإن ما يدعو إليه القوم من «جهاده» (!!) لا بد له من قدرة وإعداد؛ فأين هما؟! وأين القوم من واقع النبي -صلى الله عليه وسلم- في عهد الاستضعاف؟! أم تراهم سيواجهون الجيش كما يواجهون اليهود في فلسطين؟!
ليس ذا بمُستَغرَب؛ فإنهم يعدُّون عبثهم مع اليهود جهادا شرعيا، ولا يلتفتون إلى قواعد الشريعة وأحكامها في باب الجهاد؛ بل يزيدون -ضِغْثًا على إِبَّالَة!!- بعملياتهم الانتحارية -التي يسمونها زورا «استشهادية»-؛ فهل يتكرر هذا الواقع في مصر؟! وهل نعاين نسخة مكررة من تجربة الجزائر وسوريا؟!
إننا نسأل الله مسألة المستغيث، وندعوه دعاء المضطر؛ أن يعافينا من ذلك، وأن يفرِّج عن إخواننا المنكوبين -في كل مكان-، وأن ينتقم من كل من يريد ببلاد الإسلام سوءا؛ والرجاء بالله كبير، والأمل في رحمته وفضله عظيم؛ فاللهم لا تخيب فيك رجاءنا، ولا تسلط علينا -بذنوبنا- عقابا لا نطيقه؛ إنك وليُّنا ومولانا، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
هذا آخر ما أردتُ الكلام عليه من المسائل المطروحة في الفتن الأخيرة، وإن جَدَّ مزيدٌ؛ فلكل حادثة حديث، ولكل مقام مقال؛ والله المستعان.
وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وسلَّم.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الثلاثاء 7/رمضان/1434

[1])) ليس هذا إقرارا لما وقع، وإنما هو بيانٌ لسببه، من أنه لم يكن حربا على الإسلام -الذي هو دين الله-.

[2])) وإن كانت لا تؤدي إلى تحكيم الشريعة -كما بيَّنته في مقالي: «شبهة حول الدستور»-، وإنما المقصود الرد على «الإخوان» فيما يدَّعونه من الحرب على الإسلام.

[3])) قاله طاغوت الأمريكان بوش الابن -لعنه الله- في خطاب ألقاه أمام «الكونجرس» في 29/1/2003 -بواسطة: «الوثائق التآمرية» للشيخ محمد الإمام-.











رد مع اقتباس
قديم 2014-11-23, 12:32   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
zozo1977
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم أمة الله الجزائرية مشاهدة المشاركة
.
فاعتبر بهذا -رحمك الله-، وقارنه بشأن «الإخوان» المعروف في البدع والمحدثات؛ وأي جريمة أعظم من تمكينهم للرافضة، وتقويتِهم قلوبَهم وشوكتَهم؟! والرافضة حمير البشر، ونَجَسُ بني آدم؛ ما قعدوا في دار إلا بَارَ، وما تمكنوا من بلد إلا خرب! فذوقوا فتنتكم أيها «الإخوان»؛ هذا يومكم الذي كنتم توعدون!
اضغط هنا
اسلوب شتم وتشفي واحتقار الاخر........كارثة اخلاقية وفكرية ....ثم يقولون لك نحن نتبع السلف









رد مع اقتباس
قديم 2014-11-24, 14:17   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
أم أمة الله الجزائرية
✧معلّمة القرآن الكريم✧
 
الصورة الرمزية أم أمة الله الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي "موقف المسلم من الفتن"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن الموضوع الذي سنتحدث عنه إن شاء الله هو كما أُعُلن "موقف المسلم من الفتن" وقانا الله وإياكم شرها.
والفتن: جمع فتنة، وهي الابتلاء والاختبار، وسنة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يبتلهم، ولا يتركهم من غير ابتلاء لأنهم لو تركوا من غير ابتلاء لم يتميز المؤمن من المنافق، ولم يتبين الصادق من الكاذب ولحصل الالتباس كما قال الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، فالله سبحانه يجري الفتن ليظهر ويُعلم الصادق من الكاذب، ولولا ذلك لم يميز بين هذا وهذا ولتبس الأمر ووثق المسلمون بمن يظهر لهم الإيمان والإسلام وهو على خلاف ليخدع وليغش لأجل أن يحذروه ولا يثق به على أسراره وعلى أموره، ولو لم يكن هناك فتن ما عرفوه ولا، اختلط المؤمن بالمنافق، واختلط الصادق بالكاذب وحصل الفساد ولم يتميز هذا من هذا، ومن حكمته ورحمته أنه يجري هذه الفتن لأجل أن يمايز بين الفريقين.
فالله سبحانه وتعالى حكيم في صنعه، وفي ما يجريه بهذا الكون، فالله قال لنا: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)، (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من اختلاط المنافقين والكاذبين مع المؤمنين الصادقين لأن هذا يحصل به ضرر كبير على الدين والدنيا، (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ) وذلك بالفتن التي يجريها على عباده، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أنتم لا تعلمون ما في القلوب، فكثيرون بمن أظهر لكم الولاء والصدق والمصادقة والإيمان لأنكم لا تتطلعون على ما في قلبه وهو عدو متربص، فلما كان الناس لا يعلمون ما في القلوب جعل الله هذه الفتن مظهرة لما في القلوب من المحن والكذب والنفاق فإنها إذا جاءت الفتنة تكلم المنافقون فعرفوا وانحازوا إلى الكفار ولم يثبتوا، وأما في وقت الرخاء فهم لا يُعرفون ويخدعون ويكذبون ويمارسون أعمالهم الخبيثة، وأما قوله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي) أي يختار (مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) هذا استثناء من قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)، فإن الله يطلع على الغيب من شاء من رسوله على شيء من الغيب لأجل المعجزة الدالة على صدقهم، ولأجل أن يعالجوا هذا الخلال الذي يحصل في المجتمع وفي الأمم (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) كما قال الله جلَّ وعلا: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)، فالرسل قد يطلعهم الله على شيء من المغيبات لأجل مصلحة الدعوة وإثبات الرسالة، أما غير الأنبياء فإنهم لا يطلعون على الغيب ولا يطلعهم الله على الغيب: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، فهذه هي الحكمة في إجراء الفتن على العباد.
والفتن لا تكون في وقت دون وقت؛ بل الفتن في جميع أطوار الخليق كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هذه سنة الله في خلقه سبحانه وتعالى.
والفتن متنوعة:
تكون الفتن في الدين.
تكون الفتن في المال.
تكون الفتن في الأولاد.
تكون الفتن في المقالات والمذاهب الاختلاف، تكون متنوعة.
فالله سبحانه وتعالى يجريها على عباده لنصرة دينه وخذلان أعداءه المتربصين: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) يعني: ينتظرون بكم، (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً* إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، وما أكثر المنافقين في كل زمان ومكان.
والفتن على اختلاف أنواعها وتعددها ترجع على نوعين:
النوع الأول: فتن الشبهات: تكون في الدين وفي العقيدة.
النوع الثاني: وفتن الشهوات: تكون في السلوك والأخلاق والملذات والمشتهيات للبطون والفروج وغير ذلك من الشهوات كما قال جلَّ وعلا في سورة التوبة: (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) يعني: بشهواتهم (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) تشبهتم بهم في نيل الشهوات المحرمة وإن كانت على حساب دينكم وأخلاقكم، (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) أنظروا الابتلاء والامتحان (كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي: بنصيبهم من هذه الأمور، انطلقوا معها تاركين لدينهم في فروجهم، وفي بطونهم، وفي رئاساتهم، وفي ما يشتهون: (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) تشبه، ثم قال: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)هذه فتنة الشبهات الخوض في أمور الدين، ظهور المقالات المخالفة، ظهور الفرق المخالفة هذا من الفتن في الدين فتن الشبهات، منها نشأ ما نشاء من الفرق في الإسلام فرقة القدرية، فرقة الجهمية، فتنة الشيعة، وفتن كثيرة انحدرت من هذه الفتن، وهذه الفرق كما قال صلى الله عليه وسلم: "ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة"، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على ما أنا عليه" أو"على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" فرقة واحدة ناجية تسمى الفرقة الناجية، لأنها نجت من النار كلها في النار إلا واحدة نجت من النار بسبب أنها تمسكت بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وثبتوا على ذلك، وصبروا عليه رغم ما يعترضهم من الصعوبات ومن المشقات إلا أنهم صبروا، وثبتوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم ينجرفوا مع الفرق المنجرفة.
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، وفي رواية: "وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ"، الرسول ما ترك شيئا إلا وضحه لنا، وبينه لنا، ومن ذلك أنه بين موقف المسلم من هذه الفتن: أنه يكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ويلزم ذلك ويصبر عليه، ويكون على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا فيه النجاة من الفتن، وهذا موقف المسلم من الفتن أنه لا ينخدع ولا ينجرف معها وإنما يبقى على دينه، ويصبر عليه، وله قدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاسيما الخلفاء الراشدين المهديين.
وكذلك من المنجيات من هذه الفتن وموقف المسلم منها: أنه يلزم جماعة المسلمين وإمام المسلمين الموجودين في عهده، فيكون مع جماعة المسلمين وإمام المسلمين ويبتعد عن الفرق المخالفة، لأن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتن قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني من ذلك أنه سأله: ماذا يصنع؟ ما تأمرني إن أدركني ذلك؟ أي وقت الفتن الاختلاف قال: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" ما داموا موجودين ولو كانوا قلة، إذا كانوا على الحق تلزمهم وتكون معهم، وتكون تحت إمامهم، إمام المسلمين، لأن هذا منجاة من الفتن بإذن الله، "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" ولا تنجرف مع المنجرفين باسم الحرية أو باسم الديمقراطية أو باسم العلمانية أو باسم التعددية أو ما أشبه ذلك، لا ليس هذا عندنا، نحن نتمسك بديننا وننحاز مع جماعة المسلمين وإمام المسلمين هذا هو النجاة من الفتن عند حدوثها، ولا نغتر بالدعايات، ولا نعتر بزخرف القول، ولا نصغي إلى الشبهات التي تحاول أن تجتثنا من جماعة المسلمين وإمام المسلمين، قال حذيفة رضي الله عنه: فإِنْ لَمْ يكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ - ولا حول ولا قوة إلا بالله - جاءت فتن عظيمة وليس هناك جماعة ولا إمام للمسلمين، قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا" لا تدخل في الفتن، اعتزل هذه الفرق كلها لأنها ليس لبعضها ميزة على بعض، ليس فيها جماعة وليس فيها إمام، فهي كلها على ضلال تاءه لا تدخل معها، اعتزلها ولو أن تكون وحدك: "وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"، فهذا موقف المسلم من الفتن:
أولاً: يأخذ بكتاب الله عز وجل.
ثانياً: يأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه خلفاءه وأصحابه.
ثالثاً: يكون مع جماعة المسلمين أينما وجودوا ومع إمام المسلمين.
رابعاً: إذا لم يكن هناك جماعة ولا إمام فإنه ينجوا بنفسه وينحاز عن هذه الفرق كلها حتى يدركها الموت وهو ومتمسك بدينه وعلى سنة نبيه.
إن المنافقين في كل زمان ومكان وهم يعيشون بيننا وربما يكونون من أولادنا، ومن جماعتنا إنهم يتربصون بالمسلمين الدوائر، وينحازون مع العدو دائما، إذا جاءت الفتن انحازوا إلى العدو وتركوا المسلمين كما حصل منهم يوم الأحزاب في غزوة الأحزاب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لما تألف العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوا يريدون القضاء على الإسلام والمسلمين، يريدون القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، جاءوا وأحاطوا بالمدينة وهم كثرة كافرة من القبائل عند ذلك انحاز معهم اليهود ونقضوا العهد الذي أغرموه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظموا إلى صفوف الكفار وهم أهل كتاب يعرفون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم انحازوا مع أعداءه وصاروا مع الكفار وقال الله جل وعلا: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيد) ماذا كان موقف المؤمنين وما كان موقف المنافقين؟
(وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيد* وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُور) الرسول وعدنا أنه سينتصر وأنه سيبسط الأمن على الجزيرة ويسير الراكب من كذا وكذا آمنا والآن يقولون ما نقدر نذهب إلى قضاء حوائجنا، وين وعد الرسول؟ (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُور) هذا موقف المنافقين.
وأما المؤمنون: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً* مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً* لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) هذه النتيجة الآن لما حصل الامتحان وامتاز المنافقون عن المؤمنين وانحاز اليهود مع الكفار وهم أهل كتاب يعرفون أنه رسول الله: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً) وفي مطلع هذه الآيات يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) ماذا حصل؟ المسلمون ما قتلوا (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) أرسل الله ريحاً شديدة باردة فكفئت صدروهموحصبتهم وأنزل ملائكة من السماء تلقي الرعب في قلوبهم فرحلوا خائفين مهزومين (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزا* وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ) اليهود الذين أعانوهم وانحازوا معهم أنزلهم الله من حصونهم التي تحصنوا بها وظنوا أنها تمنعهم من الله عز وجل: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً* وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا) هذا في خيبر أول لم تطئوها هذه النتيجة، نتيجة الصبر؛ لكن بعد الامتحان بعدما (وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيد) (وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) لكنهم ثبتوا، ووجدوا وعد لله سبحانه وتعالى وصبروا هذه هي النتيجة، إذا تميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب عند هذه المحنة والفتنة وعند غيرها، هذه حكمة الله جل وعلا في إجراء الفتن.
واليوم كما تعملون الكفار أقبلوا على المسلمين بقبضهم وقضيضهم ومختلف مكرهم وأسلحتهم وكيدهم يردون القضاء على الإسلام والمسلمين بحجة أن الشعوب مظلومة، وأنها مقهورة، وأنها تريد حقوقها وبحجة الحرية والمطالبة بالحقوق والديمقراطية وإلى آخره، وانحاز إليهم من الكتاب المغرورين والمخدوعين من انحاز وصاروا يتكلمون بألسنتهم ويقولون ما يقولون؛ ولكن كل هذا لن يضر الإسلام والمسلمين، الآن ينادون بالتعددية الفكرية وبحرية المذاهب وحرية المقالات وإلى آخره، يعني ما لنا دين؟
ألم ينزل الله علينا كتابا من السماء ويرسل إلينا رسولاً ويأمرنا بتباع الكتاب والسنة، والالتزام بطاعة ولاة الأمور من: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، ينادون بحرية المرأة بكل ما تعنيه الحرية البهيمية ما هي بالحرية الطيبة التي تحرر المرأة من الخنوع والخضوع للشهوات ورغبات الكفار، وأن تكون مثل الرجل وهي ليست كرجل (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى)، يردون أن تكون مثل الرجل أن تتولى أعمال الرجال، أن تخرج من البيوت التي هي مقار عملها: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ) لا يردون هذا، يردون أن تكون المرأة المسلمة مثل المرأة الغربية الكافرة؛ بل وأحق منها ستكون أحق منها لأنها كفرة نعمة الله وتركت آداب الإسلام وصارت أحق من المرأة الكفارة التي لم تعرف الإسلام ولم تعش تحت ظلهِ فترة طويلة فتكون أذل منها بكثير هم يردون هذا، ويعلمون أنها إذا انجرفت النساء انجرف المجتمع لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"، قال صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ" لما عرفوا أن النساء بهذه المثابة جندوها ضد أخلاقها، وضد دينها، وضد مجتمعها لينالوا مأربهم بها بالمرأة، ركزوا عليها وناصرهم من ناصرهم من المنافقين من أبناءنا ومن حولنا ناصرهم على ذلك صاروا ينعقون بآرائهم ويعلون هذه الآراء التي لا يعرفون مغزاها ولا معناها وإنما لأنها جاءت من قبل دول متقدمة بزعمهم وهي متأخرة في الحقيقة، جاءت أفكار من دول الغرب فيرونها كمالاً وأننا متأخرون وأننا, وأننا، نحتاج إلى إصلاح يسمونها الإصلاح وهو الإفساد (إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) كما يقول المنافقونوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) فهذا موقف هؤلاء عند الفتن ولم يصبر على ذلك إلا أهل الإيمان واليقين والثبات الذين لا يغترون بالدعايات، نحن ولله الحمد لسنا في شك من ديننا ولسنا في شك من عقدتنا، فلماذا لا نتمسك بديننا ونصبر عليه؟
لماذا لا نتمسك بعقيدتنا؟
لماذا ننزل من أعلى إلى أسفل؟
هذا يردون به أن نتخلى عن عزتنا الله جلَّ وعلا يقول: (وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ) بشرط ما هو الأعلون المطلقة بشرط (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، (وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
فبالإيمان يعلوا المؤمنون، وبعدم الإيمان ينخذلون ويذلون، ولكن لابد من الامتحان والابتلاء فلا نستغرب،.
وسيأتي فتن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كلما تأخر الزمان أشدت الفتن وتنوعت كل فتنة أشد من التي قبلها، فتن يرقق بعضها بعضا، فتن يكون فيه "المؤمن القابض على دينه كالقابض على الجمر"، "بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، قالوا يا رسول الله: ومن الغرباء؟ قال:"الَّذِينَ يصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ"، وفي رواية: "الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسَ"، هؤلاء هم الغرباء في آخر الزمان، لماذا كانوا غرباء؟
لأن أكثر الناس ضدهم وعلى خلاف فهم غرباء.
والغريب: هو الذي يعيش بين أناس ليسوا من أهله، وليسوا من بلده هذا هو الغريب.
فالمؤمن يعيش في آخر الزمان بين أناس ليسوا من أهله، وليسوا من موطنه بأخلاقهم وثقافتهم وأفكارهم ليسوا من بلده، لمؤمن يصبر على ذلك: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). أسال الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل.
وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وأصحابه جمعين.
https://www.alfawzan.af.org.sa/node/13693









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الأخيرة, الفتن, بشائر


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:01

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc