حينما جاءت الأنباء عن أن التتار على أبواب مصر الشرقية، كان علماء الدين في هذه الأوقات منقسمين إلى صنفين؛ صنف قرر الصمت لأن الأمر فتنة، فالتتار لم يهزمهم أحد من قبل، والدعوة إلى قتالهم هو شيء من قبيل إلقاء النفس في التهلكة، وصنف آخر وجد أن احتلال مصر من التتار أمر محسوم، فقرر أن يستمر في الوعظ و التنظير، من أجل بناء جيل، من الشباب يستطيع أن يحرر مصر من التتار بعد احتلالها المحسوم، وأطلق على نفسه (علماء التجديد).
إلا أنه كان هناك عالم واحد دون هؤلاء و هؤلاء، وجد أن ترك البلاد للتتار خيانة، و أنه لا يجوز الحديث عن أي شيء في الدين في هذه اللحظة إلا فيما يدفع الناس للجهاد دون خوف. فجهادهم فريضة عينية على كل مصري مسلم.
وقاد هذا العالم وحده تلك الحرب الفكرية والنفسية لينتزع من ضمائر الناس الخذلان، ومن قلوبهم الخوف، ومن عقولهم حب الدنيا.
وها هو التاريخ يتجاهل هذه "الحثالة" من العلماء كما يقول الداعية خالد أبو شادي، بينما يخلد ذكر ذلك العالم الواحد. إنه العز بن عبد السلام الذي لقب بـ "عز الدين" و"سلطان العلماء" و"بائع الملوك".
مثل "العز بن عبد السلام"، كمثل المفكر "سيد قطب" قبل اعدامه فجر الاثنين الموافق 29 أغسطس 1966، عرضوا عليه أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه، فكان رده "لن أعتذر عن العمل مع الله، إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفًا واحدًا يقر به حكم طاغية".
قالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس، فقال: "لماذا أسترحم؟ إن كنت محكومًا بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكومًا بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل".
وقبل الإعدام جاءه من يلقنه الشهادتين ، فقال له "قطب": حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يا أخي نعدم لأجل لا إله إلا الله، وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله.
هذا هو دور العلماء وقدرهم فهم ورثة الأنبياء ، على عكس آخرين، بيضاء عمائمهم طويلة لحاهم، إن رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لهم، لكنهم في حقيقة الأمر، علماء سلطان، عبيد سلطة. وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان، كما جاء في الحديث الصحيح.
منقول