(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفرالذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). .
يالسماحة هذا الدين !
إن الله - سبحانه - لا يدعو الناس إلى السماحة فيما بينهم حتى يطلعهم على جانب من سماحته - سبحانه وتعالى - معهم .
ليتذوقوا ويتعلموا ويقتبسوا:
إن المتقين في أعلى مراتب المؤمنين . .حسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفىء ,
وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف ,
وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل ,
وأنه يعرف أنه عبد يخطىء وأن له ربا يغفر . .
وإذن فما يزال هذا المخلوق الضعيف الخاطىء المذنب بخير . .
إنه سائر في الدرب لم ينقطع به الطريق ,
ممسك بالعروة لم ينقطع به الحبل ,
فليعثر ما شاء له ضعفه أن يعثر .
فهو واصل في النهاية ما دامت الشعلة معه ,
والحبل في يده .
ما دام يذكر الله ولا ينساه ,
ويستغفره ويقر بالعبودية له ولا يتبجح بمعصيته .
إنه لا يغلق في وجه هذا المخلوق الضعيف الضال باب التوبة ,
ولا يلقيه منبوذا حائرا في التيه !
ولا يدعه مطرودا خائفا من المآب . .
إنه يطمعه في المغفرة ,
ويدله على الطريق ,
ويأخذ بيده المرتعشة ,
ويسند خطوته المتعثرة ,
وينير له الطريق ,
ليفيء إلى الحمى الآمن ,
ويثوب إلى الكنف الأمين .
شيء واحد يتطلبه:
ألا يجف قلبه ,
وتظلم روحه ,
فينسى الله . .
وما دام يذكر الله .
ما دام في روحه ذلك المشعل الهادي .
ما دام في ضميره ذلك الهاتف الحادي .
ما دام في قلبه ذلك الندى البليل . .
فسيطلع النور في روحه من جديد ,
وسيؤوب إلى الحمى الآمن من جديد ,
وستنبت البذرة الهامدة من جديد .
إن طفلك الذي يخطىء ويعرف أن السوط - لا سواه - في الدار . .
سيروح آبقا شاردا لايثوب إلى الدار أبدا .
فأما إذا كان يعلم أن إلى جانب السوط يدا حانية ,
تربت على ضعفه حين يعتذر من الذنب ,
وتقبل عذره حين يستغفر من الخطيئة . .
فإنه سيعود !
وهكذا يأخذ الإسلام هذا المخلوق البشري الضعيف في لحظات ضعفه . .
فإنه يعلم أن فيه بجانب الضعف قوة ,
وبجانب الثقلة رفرفة ,
وبجانب النزوة الحيوانية أشواقا ربانية ..
فهو يعطف عليه في لحظة الضعف ليأخذ بيده إلى مراقي الصعود ,
ويربت عليه في لحظة العثرة ليحلق به إلى الأفق من جديد .
ما دام يذكر الله ولا ينساه ,
ولا يصر على الخطيئة وهو يعلم أنها الخطيئة !
والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يقول:" ما أصر من استغفر , وإن عاد في اليوم سبعين مرة "
والإسلام لا يدعو - بهذا - إلى الترخص ,
ولا يمجد العاثر الهابط ,
ولا يهتف له بجمال المستنقع !
كما تهتف "الواقعية" !
إنما هو يقيل عثرة الضعف ,
ليستجيش في النفس الإنسانية الرجاء ,
كما يستجيش فيها الحياء !
فالمغفرة من الله - ومن يغفرالذنوب إلا الله ؟ -
تخجل ولا تطمع ,
وتثير الاستغفار ولا تثير الاستهتار .
فأما الذين يستهترون ويصرون ,
فهم هنالك خارج الأسوار ,
موصدة في وجوههم الأسوار !
وهكذا يجمع الإسلام بين الهتاف للبشرية إلى الآفاق العلى ,
والرحمة بهذه البشرية التي يعلم طاقتها .
ويفتح أمامها باب الرجاء أبدا ,
ويأخذ بيدها إلى أقصى طاقتها .