ماذا وراء المطالبة بسحب الجيش السوري؟
لا أدري أية سذاجة، وغباء سياسي واستظراف وسماجة من قبل مخالب العدوان الأطلسي النفطي على سوريا، وأدواته المحلية، في طلبهم سحب الجيش وعودته إلى ثكناته كما يقولون. ولا أدري كيف سيطيب له أن يعود إلى ثكناته والعصابات الطالبانية المسلحة، التي تم إدخالها ودعمها بالمال والعتاد تسرح وتمرح، وتصول وتجول، في أكثر من بؤرة تعج بهم ويقفون من خلالها وراء كل أعمال الشغب والتحريض والقنص التي تجري بها. كما لا أدري، بذات الوقت، أية بلاهة، وخيانة وطنية، وتهور سيكون في الامتثال السوري، أو في حال تنفيذ ذاك الطلب الذي بات هاجساً ووسواساً خناساً يوسوس قي صدور بعض الناس ويلح عليه كثيرون ليس لأسباب إنسانية وحقوقية ووجع وانفطار قلب ورهافة حس، كما يدعون ويطنطنون، ويلعلعون، أو حباً بأرواح السوريين من الجيش، أو من المغرر بهم والمتورطين بالمشروع، على حد سواء، بل لمحض أسباب إستراتيجية ولوجيستية تتعلق بإنجاح ذات المشروع الذي أفشله بالمقام الأول وجود الجيش عبر ولائه المطلق للوطن السوري، وتلك البراعة، والمهنية، والأداء العسكري البارع والباسل للجيش في استئصال شأفة تلك الجماعات الإرهابية، وردها على أعقابها.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال، ماذا لو لم يتواجد الجيش في بانياس، وتلكلخ، وجسر الشغور، والبوكمال، ودير الزور وحماه، وغيرها، وبعد إلقاء القبض على آلاف المسلحين ومصادرة أطنان من الأسلحة والذخائر....؟ أعتقد، في هذه الحال، ولأكثر المتفائلين، لن يكون هناك شيء اسمه سوريا، و كان سيمحى من الخارطة وسيمسي في خبر كان. ولا يكاد يخلو تصريح لأئمة الإثم والبغي والعدوان، من دعوة لعودة الجيش لثكناته، كما يصعب خروج أي بيان عما تسمى منظمات حقوقية سورية، وسوريا والسوريين الشرفاء منها براء، من دون إشارة وتذمر، وشكوى، وتململ، وامتعاض من وجود، وتواجد الجيش، ومطاردته لفلول العصابات الإجرامية.
وما إن يطلع لك فيلسوف متفذلك من إياهم، من بيادق وكراكوزات وكرارازايات وغليونات الردة أصحاب الوجوه الصفراء الكالحة، على الفضائيات إياها، حتى يبدأ يشكي ويبكي، ويلوح وينوح، ويرتـّل ذات الموشح الممل الحزين حول وجود الجيش، ويدعو لسحبه حفاظاً، ويا حرام، على أرواح المجرمين والعصابات والقتلة المأجورين والمرتزقة، الذين يسمونهم، ولا تقرفوا، ثواراً، والذين صرفت عليهم أدوات المخطط من دم قلبها الكثير، الكثير، وعولت عليهم كي ينجح المشروع.
في الواقع، إن أي انسحاب للجيش من بؤر تواجد العصابات الإرهابية المسلحة سيعني فراغاً أمنياً سيمهد لدخول هذه العصابات وملء ذات الفراغ الأمني والعسكري الذي سيخلفه خروج الجيش، وهذا ما سيعني عملياً، إعلان استقلال أو تحرير هذه المنطقة، والبؤرة وانفصالها عن سوريا، واستدعاء مجلس الكرازبايات الغليوني الجاهز للعودة إليها برعاية عواصم الردة المعروفة الإقليمية والدولية، التي ستعترف به كممثل للسوريين، وستتوالى الاعترافات بهذا المجلس الغليوني الكرازاوي على الطريقة الليبية، ما يعني بداية لتطبيق حلقات السيناريو الليبي، وبحذافيره، في سوريا.
لقد أغضب عواصم الردة، والقائمون على مشروع تفتيت وليبنة سوريا ما قام به الجيش من تصد بطولي نوعي ونادر للعصابات الإرهابية التي استباحت البلدان والمدن التي تواجدت فيها، تحت رايات الربيع العربي المزعوم، وخرّبت ودمرت ومثـّلـت بالجثث، وقامت بفظائع لمسناها لمس اليد من خلال أهلنا وأحبتنا وأخوتنا في سوريا الذين كانوا أنفسهم ضحايا لإجرام الجماعات المسلحة، أو من أخوانهم، وأهلهم، وأقربائهم، وجيرانهم الذين طاولتهم يد الغدر والإجرام، ورووا بكل صدق، وبعيداً عن أية دعاية وغايات وبهلوانيات إعلامية ما حدث بالضبط، ومن دون رتوش.
وقد كنت شخصياً، واحداً من شهود العيان، الحقيقيين، لا الخلبيين، على ما جرى من تخريب وتدمير وقتل في مدينة اللاذقية، ودونت ذلك في مقال بعنوان شاهد عيان من اللاذقية، بتاريخ 27/03/2011، حين كانت الأشياء ما تزال مبهمة ومشوشة لكثيرين ولما تنجل بعد غبارها، وفي الوقت الذي كان فيه البعض يطبـّل ويزمـّر ويهلل لهمروجة ثورة سورية. وعلى الجانب الآخر، وفي المقابل، وعلى المحور الشعبي، العفوي الطيب، وشرائحه العريضة التي تعيش الواقع وتعرف المعاناة وما يجري على الأرض، كنا نلمس مدى تأييدها لوجود الجيش الذي يعني لها الراحة والطمأنينة والأمان.
وظل الجيش الوطني السوري الباسل موضع تقدير وإعجاب وزهو وفخر لها، وتظهر حباً وتعلقاً بكافة ضباط وجنود هذا الجيش لدورهه في صون وحدة وتراب سوريا، والحفاظ على أمنها واستقرارها كوطن لعموم السوريين. وسلامة وأمن وحياة هؤلاء هي البوصلة والمعيار والأمانة في الأعناق وهي الغاية من وجود هذا الجيش وتلبيته النداء في هذه المحنة المصيرية والعدوان الذي تمر به سوريا، والجيش باق ما بقي هذا التهديد وهذا العدوان، وليذهب إلى الجحيم كل أولئك الكرازابات الغليونيين المسوخ الصغار، والشياطين، والتجار، وزبائن الفضائيات، والمزايدين، والأبواق، وسماسرة وغلمان كلينتون، وساركوزي، وكاميرون وأردوغان.
من قلم : نضال نعيسة