أخر ماكتب في جريدة الشروق :
بالرغم من كل ما يثار هذه الأيام من مخاوف مزعومة عشية الانتخابات الرئاسية، وبالرغم مما أفرزته الحملة الانتخابية من حراك سياسي واجتماعي وأمني، وصل إلى حد استعمال العنف اللفظي من طرف المترشحين ومن ينوبون عنهم، واستعمال العنف المادي والجسدي في بعض التجمعات داخل الوطن وخارجه، إلا أن تداعيات الموعد الانتخابي لم تحمل في رحمها هذه المرة السلبية والتعاسة فقط، بل أنتجت وعيا ناضجا وإبداعا مستفيضا في أوساط الجزائريين، الوعي والإبداع تجليا في تواصلهم الفعال عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي التي عبّروا فيها عن خيالهم الواسع اقتباسا من الواقع، وبرهنوا للجميع سعة صدورهم وقدرتهم على التمييز وحتى قراءة الأحداث والأفعال بعيون جزائرية متفتحة على من يفهمها، ومنغلقة على من يتبنّى استغباءها.. شبكات التواصل المختلفة التي تعتمد على سرعة نقل المعلومة والصورة والصوت، صارت مصدرا رئيسيا للخبر لكل الجزائريين، ووسيلة للتعبير وللتواصل، وتبادل الآراء بين الجميع بكل حرية وشفافية، وأغنتهم عن متابعة بعض وسائل الإعلام التقليدية الأخرى التي ازداد بالمقابل بعضها رداءة وتخلّفا بسبب اعتمادها التحيّز الفادح، والمفضوح خطا افتتاحيا، فلم تصبح المهنية مبدأ الخدمة العمومية، بل صارت هذه الوسائل الإعلامية أكثر اقترابا من أصحاب المال والنفوذ حفاظا على مواردها المشبوهة وتموقعها. قنوات وجرائد ومنابر فقدت مصداقيتها إن كانت موجودة أساسا، وتحولت إلى أضحوكة كبيرة ومصدرا للتنكيت من قبل الجزائريين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
لقد أصبح "الفايسبوك" و"التويتر" و"اليوتيوب" متنفسا لأبنائنا الذين يفتقدون للكثير من وسائل الترفيه والفضاءات الرياضية والثقافية لممارسة هواياتهم، وتفجير طاقاتهم الفكرية والعلمية، وأصبحت الوسائط الاجتماعية جزء من يومياتهم يعبّرون فيها عن آرائهم ولو بالافتراض هروبا من رقابة مقيتة وغابرة.
الوسط الافتراضي أصبح مساحة حرة لأبنائنا يعلقون من خلالها على الأخبار والصور لإثراء خيالهم وتفكيرهم، واتخاذ مواقف مستقلة من كل المستجدات.
"الفايس بوك" وشقيقاه "التويتر" و"اليوتيوب" أصبحوا وسيلة يبدع فيها أبناؤنا في صناعة الرأي العام سواء بتركيب الصور أو التعليق عليها، ساحبين البساط من تحت أرجل الساسة والشخصيات العامة في صناعة الرأي العام، إن كان معظم أهل السياسة يعرفون معناه، فبراعة هؤلاء تجلت في صناعة الزيف لا الرأي العام، توزيع الخداع بشتى أشكاله بوعود بالمناصب والمكاسب ، وهدم القيم والمبادئ والأخلاق التي تهاوت إلى الأسفل في مجتمع أفقدته هشاشته توازنه.
لقد تحولت شبكات التواصل الحديثة من عالم افتراضي إلى واقع ملموس يصنع الرأي، ويخيف حتى المستبدين من دعاة العهدة الرابعة الذين يخططون لقطع أوصال "الفايس بوك" وعائلته الافتراضية على أبنائنا عشية الانتخابات الرئاسية، مثلما قطعوا عليهم ـ رحمة الله ـ وأغرقوهم في الوعود الكاذبة، وراحوا يخيفونهم من الإفراط في استعمال التكنولوجيات الحديثة وهم لا يعرفون حتى أبسط أبجدياتها، تكنولوجيا كانت رقيبا غير متوقع فضح أعمالهم، وفتحت عيون أبنائنا على عديد الفضائح والكوارث، وجعلتهم أكثر نضجا ووعيا بالمخاطر التي تهدد الوطن دون الحاجة إلى استعمال العنف بكل أشكاله، ودون الحاجة إلى تأطير سياسي أو اجتماعي يوضح لهم الغث من السمين، فأصبح "اليوتيوب" و"الفايس بوك" و"التويتر" أعداء افتراضيين بلسان واقعي.
عهد الحزب الواحد والقناة التلفزيونية الوحيدة، والفكر الأوحد والرأي الوحيد، والخطاب الواحد صار من الماضي، والجزائر صارت قرية صغيرة يتداول أبناؤها المعلومات والصور في حينها، ويشاركون في صناعة الرأي دون الحاجة إلى وصاية من أناس تجاوزهم الزمن، ولم يعد بمقدورهم الانسجام والتناغم مع التكنولوجيات الحديثة، والاستجابة لحاجتنا الماسة إلى بناء الإنسان الجزائري فكريا وعلميا وأخلاقيا، قبل بناء السكنات وإنجاز الطرقات والمرافق العامة تقنينا لسرقة المال العام، وتسهيلا لممارسة كل أنواع الاحتيال على شعب يرفض الاستبداد والاضطهاد والجمود، والتخلّف لكنه لن ينساق وراء من يدفعونه للانتحار أو الانفجار، بل سينساق وراء إبداعه الخلاّق بما وهبه الله من عقل وأخلاق. إنتهى كلامه
أتذكر يوم كنت في التلفزيون الجزائري رئيسا للقسم الرياضي وتمت ترقيتك لرئيس قسم الأخبار ، طبعا ممن كنت مقربا إليهم وكانوا يسيطرون على هذه المؤسسة الإعلامية الثقيلة ، هل كنت من المعارضين السياسيين ؟ وهل كنت تجرأ أن تنطق ببنت شفة وتخوض في كلام لا يعجبهم ؟
إن من تعارضهم اليوم وأنت في الخارج ، هم من أكدوا على الحكومة الإلكترونية التي تتيح للمواطن أن يدلي بدلوه في المواقع والمنتديات ، وهم من رخصوا بإنشاء قنوات تلفزيونية تسمح للمعارضين بقول أرائهم غير مقصوصة بمقص الرقيب كما كنتم تفعلون ، لذا فالعب على وتر أخر.