القبض والرد على من أنكر مشروعيته في النفل والفرض و فهم فول الامام مالك رحمه الله - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

القبض والرد على من أنكر مشروعيته في النفل والفرض و فهم فول الامام مالك رحمه الله

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-10-20, 22:14   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
شعب الجزائر مسلم
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية شعب الجزائر مسلم
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي القبض والرد على من أنكر مشروعيته في النفل والفرض و فهم فول الامام مالك رحمه الله

القبض والرد على من أنكر مشروعيته في النفل والفرض

بسم الله الرحمن الرحيم

الـمـقـــــــدمـــــــــــــة
إن الحمـــد للـــــه نحمـــــده ، ونستعـينـــه ، ونسـتـغـفــره ، ونعــــوذ بالله مــن شــرور أنـفـسـنـــا ، وسـيـئات أعمــــالـنا ، مـن يهــدي الله فـهــو الـمهـتـدي ، ومــن يضــلل فـلـن تـجــد لــه وليــا مــرشــدا ، وأشهـــد أن لا إلــه إلا الله وأشـهــد أن مـحـمــدا رســول الله صلى الله عليه وسلم .
أمـا بــعـــد :
فـلـما وقــع في هــذه الأعـصــار التي هـطـلت فيهـا سحـائب الرحمـــة على الـبــوادي والأمـصــار ، وأخـص بالذكـر بــلاد شمــال إفــريقـيـا ، الجــزائـر تونــس والمـغــرب الجــار الـذين اشــتــد إنـكـارهــم على مـن فـعـل سنة الـقـبــض وبُــولـغ في الـتشـنيـــع عـلـيـه حتى نـسـب إلى مـالا يحب أحــد أن ينـسـب إلـيــه ، وقد كنت ضُربت من بعض كبار السن المتعصبة جدا لمذهب الإمام مالك يوم رآني أصلي وأنا أقبض ، وكنت حينها صغير السن حدث هذا قبل أكثر من ربع قرن من الزمن ، ودارت الأيام وازددت تعلما – والحمد لله - وبقيت متمسكا بذلك ، أدعو إليه ، وإلى إحياء السنن ، وإماتة البدع ، وخاصة بدع الخرافات الصوفية ، إلى أن جاءت الفرصة فرسمـت في ذلك هــذا الـتقـيـيــد ، والذي يمكن أن يكون عليه المزيد من بعض مشايخنا الفضلاء أهل القول السديد فغن طالب العلم مهما تضلع في العلم فإنه تغيب عليه بعض المسائل ، وحقائق العلم ، والله يفتح على من يشاء من عباده ..
وقد اقتصرت في الغالب على نصوص أئمة المالكية حتى أحاجج به المتعصبة منهم فإنهم لا يقبلون إلا ما كان من رجال المذهب ، أو من كتبهم ، بل بعضهم يقبل قول المالكية ولا يقبل أن تقول له قال الله تعالى، قال رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتهمك بالجرأة على القرآن والسنة ، ويقول : ليس لكم الحق أن تقولوا قال الله قال رسوله ، فأنتم لا تفهمون معنى ذلك ، وكأن الله خاطبنا بالألغاز ، أو أن العلماء الذين شرحوا الكتاب والسنة من غير المذهب لا يفهمون ما قاموا بشرحه وتعليمه ، ألا قاتل الله التعصب ، ومع مرور الوقت مع الصبر وجهود المشايخ- حفظهم الله - عندنا في الجزائر وطلبة العلم أثمرت تلك الجهود وأحييت كثير من السنن وماتت كثير من البدع - والحمد لله – بعد أن كان الحال على ما ذكرت .
وهذا جزء من رسالتي التي ضمـنـتــها ثـــلاثــة مـبـاحـث ، الأولان مـنـهــا توطــئة للـثــالـث ، وسميتـــها ب (( رســالـة الـقـبـض والـرد على مــن أنــكر مـشــروعـيتــه في الـنـفـل والـفــرض )) واقتصر هنا على إنزال مبحث واحد ، وهو القبض في الصلاة ، وأما المبحث الثاني والثالث وهما : التقليد وحكم التمذهب بمذهب واحد ، ومناقشة ما اشتملت عـليــه حجـج القوم الواهـيــة مــن الإخــلال . والإهمال لفقه الدليل فهذا طويل وأرجيه إلى وقت لاحق - إن شاء الله تعالى - لعل الله أن يمد في العمر وأنزله إتماما للفائدة واللــه ولي الإعـــانـة، والـمــوفــق للـصــواب والإبــانــــــة، وحـــده سـبــحـانــه.
الـمـبحــث الأول في حكــــم القـبــض في صــلاتي الـنـفــل والـفـرض :
اعلـــم أخـي ــ يرحـمــك الله ــ أن قـبــض الـيـســرى بالـيمــنى في قـيــام الـصــلاة هــو الثــابث عــن الـنبي الـكريم صلى الله عليه وسلم، ولـم يـذكــر أحــد مــن أصـحــابــه ولا الـتابعـين ، ولـم ينقــــــل لـنــا أحـــد مــن أصـحــاب الـســنن الـمـعـتمــدة سـنــة الإرســال أو الـســـدل ، وقـــد نقـــلـوا لنا كـل خيـر حـثنــا عـلـيـه الـمـصـطـفـى صلى الله عليه وسلم فـقــد نـقــلــوا لـنا قــولــه صلى الله عليه وسلم : << ما بعـث الله مـن نبي إلا كان حـقـا عـلـيـه أن يـدل أمـتـه على خيـر ما يعـلمــه ، ويحــذرها شــر ما يـعـلـمـه>> (1) ونـقـلـوا لـنا قــول عـمــر يصف بيان النبي صلى الله عليه وسلم : << قـام فـينـا رســول الله صلى الله عليه وسلم مـقـاما فـذكـر بــدء الخـلــق حتى دخـل أهــل الجـنـة مـنــازلهــم ، وأهــل النــار مـنــازلهــم ، حـفــظ ذلك مـن حـفــظه ونـسيــه مــن نسـيــه >> (2).
وعــن سلمــان الـفارسي t قـال :>> قال بعــض المـشـركين وهــو يـسـتهـزئ : إني أرى صاحـبــكم يعـلمـكــم كل شيء حتى الـخــراءة.قال سلمان: أجــل << (3).
ومـن حـديث أبي ذر الـغـفــاري رضي الله عنه قال :<< لـقــد تـوفي رســول الله eوما مـن طـائر يقـلب جـناحـيـه في الـسمــاء إلا ذكــر لـنـا مـنــه عـلمــا >>(4). فإذا كان هــذا في الأمــور الـدنـيـويــة كما في حديث أبي ذر ،فـكيــف بما تعـبــدنا الله بـه ، وعـلى هــذا يسـتحيــل أن يكــون الســراج المـنيــر الــذي أخــرج الله بـه الأمــة مــن الظـلـمـات الى النــور قــد أهـمـل شـيئــا أوحــاه الله لـه ليـتعـبدنا بــه ، والـصــلاة بكـل أركانهاوواجباتهــا، وشروطها ومـسـتـحـبـاتـها مـن أهــم الأمــور التي تعـبــدنا الله بهــا.
ويـسـتـحيــل كـذلك أن تــكـون الـقــرون المـفضــلـة الـذيـن أختـارهــم الله لصحبــة نـبيــه ثـم الــذيـن شهــد لهــم الرســول eبالأفـضلـيـــة والـخيـريــة تــركــوا شـيئــا تـعـبــدنا الله بــه ، أو سـنــة سـنـهــا لنا رســول الله e، ولايعـتــقـد مـسلــم عاقـل عــرف حـال الـقـوم ، وقــدرهــم خــلاف هــذا .
والــذي نـقــلــوه لـنـا في هــذا الـبـاب ، والمــوجود في الـصحــاح كما سـنذكــره إن شــاء الله تعـالى هـو الـقـبــض ، ولم ينقــل لنا غـيــره ، بل نـقـلـوا لـنـا الـنهي عــن الإرســال أو الـســدل كما سنبينه، ولـم يظـهــر الـخــلاف في هــذه الـمــسـألــة إلا بـعــد عـصــر إمـام دار الهـجــرة الـقــائل : كل يؤخــذ مـنــه ويـرد عليــه إلا صاحـــــب هــذا الـقـبـر، وأشار بيده إلى قبر النبي صلى الله عليك وسلم .(5)وقال غــيـره مـن أرباب الـمــذاهــب:خــذوا مـن الـذي أخــذنا، ولم يقــل أحــد مـنــهم هــذا مــــذهـبي ألــزم بـه أحـدا، بل قـد صـح عــن مـالك نـفـســه أنــه قـال : لهـارون الرشـيــد لما طـلـب مـنــه أن يجـعــل الـمــوطـأ في جمـيـع الأمـصــار ، لا تفـعـل ، وعــلل ذلك بقـولـه : أن صـحــابة مـحـمــد رضي الله عنهم تفــرقــوا وكـل واحــد مـنــهم أخــذ عـلمـا لم يأخــذه غـيــره ، ولـعــل مـع بعـضهــم ما لم يبلغـنــا ، فاتـرك الـنــاس يعملــون بمـا وصلهــم وصــح عـنــدهـم مــن حــديث رســول الله صلى الله عليه وسلم.(6) وهاهــو –رحمه الله - يعـمـل بهــذا الـمـبــدأ ، فـقــد كان يـومـا يتوضــأ والليث بـن سـعــد-رحمه الله- ينظــر إلـيـه ، فـلمـا أتى عـلى غـســل الرجـلـيــن لم يخــلل بيـن أصابــع رجلـيــه ، فـقــال لـه اللـيـث : إنا عـنــدنا سـنــة في ذلك . فأخــذ بهــا مـالك –رحمه الله - وأصـبــح يـقــول بـها . وهـكــذا قال الـشــافـعي رحمــه الله : إذا صــح الــحديث فـهــو قـولي أقــول بـه ، وأديـن الله بـه بل كل واحــد مـــن هـؤلاء أصحاب الـمـذاهـب يحــذر طــلابه أن ينتصــروا لـقــولـه خـوفا أن يـكــون خــلاف الــصــواب .
وهــذا الإمــام أحمــد إمــام أهــل الـسـنــة رحمـه الله يـقــول لأصـحــابـه: إذا وجـدتم قـولي يخـالـف الحــديـث فاضـربـوا بقـولي عـرض الحــائط وخــذوا بالحــديث .
ومـن أسـباب الخـلاف بيــن الـعــلمـاء أن بعضهـم لما كانـت تـعـرض لـه قـضـيـة يرجح قـول المـذهب ؛ولو كان خلاف الحـق في تلك المـسـألـة لأنه يرى إما أن القول الآخر ضعيف، أو لـيـس في المــســألـة نـص، أو لم يصـلــه القول الآخـر الـذي مـعـه الدليـل، أو وصلــه ولكـنـه يعارض العـقـل والقـيـاس عنده، أو وصلــه الـدلـيل ولكـن توقـف فـيـه، أو وصلـه القـول الثـاني بالدليل ولكن تعصب لأنـه لايقـبـل غـير قـول مـذهـبـه،(7).
وهـذا الأخيــر هــو أكبــر شــر وقـع فيـه كثيـر مـن طلبـة الــعلـم فـضلا عـن العــامـة، وقدتعجـبت كثيـرا لبعض هـؤلاء الـطـلـبــة الـذيـن درســوا الـشريـعـة وتحصـلـوا على شهـادات جامعية عاليـة،وتبيـن لهم الحق كالـشـمــس في ضحاهـا أثناء دراسـتهــم لكنهــم تعصـبــوا لخــلافـــه ، ورموا به وراء ظهورهم ،خوفا على تفويت مكسب، أو ضياع منصب ،أو انتقاد متعصب متحزب .
لقــد ظهــر في عصرنا تحزب المســاجـد وتسييسهــا تبعا للحزبية المقيتة ، كما ظهر تحجيم الإسلام على القومية أو الجهوية على غرار الطائفية أو المذهبية القديمــة ، فإذا جاءهـم مـن ينصحهــم ويعـلمـهــم فإن كان على طريقـتهــم ومـنخرط في حزبهــم قبلـوه وجلســوا لـه يستمعــون في خضوع وخشــوع حتى لو جاءهــم بمـنكر من القــول ،والأحاجي ، والقصص ، أما إن كان يخالفهـم في حزبيتهــم وطريقتهـم نبـذوه ، ووقـفــوا لـه بالمرصــاد وافـتــروا عـليـه الأكاذيب، وأشاروا إليه بأصابــع الاتهــام ، ليشـوهوا بذلك سمعتـه ، وينفــروا النــاس مـن دعــوته ولــو كان من العلماء وطلاب العلم المعروفين بالعلم ، فإنه لا يمكن لسلفي أن يقوم بدرس في مسجد للإخوان المسلمين ، ولا للصوفيين ، ولغيرهم كل ذلك خــوفـا أن ينصـرف عنهـم الأنصـــار، ووجوه الناس للسنة ، ويظـهــر للناس أنهــم مخالـفــون للسنـن والأثار، فـينكـشف بذلك عن باطلهـم الـقـنــاع ، ويظـهــر عليهم ناصــر الحــق بكـثرة الأتبــاع - زعمــوا- فـيسـيـطر على المـسجــد ويبــدل طـريقـتهــم ودينهــم وحق فيهم قول الله تعالى مخبرا عن فرعــون لملأه عن موسى قال : {{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}} (26) سورة غافر.
ومــن خالفهــم في مـنهجهــم ذلك ، وعمـل بما تبيـن لـه مـن الحــق مـتبـعا أو مـنتسبـا للـسـلف الصـالـح ســواء في باب الاعـتقـــاد أو الـعـبادات التي تخـالـف الـمـذهـب ،قالوا وهابي ، أو ظاهري غال متشدد ، أو خالفهم في بعض المعاملات التي تخالف سبيلهم وطريقهم المنتهج، عادوه ونسبــوه إلى ما لا يحب أحــد أن ينسـب إليه، فـطـالب الحــق مـن مـظانـه لديهـم مـفـتــون ، ومؤثـره عـلى ما ســواه مـغـبـــون ، نصبــوا لمـن خالفـهــم في طريقـتـهـم الحـبــائل وبغــوا لـه الـغــوائـل ، ورمـوه عــن قـوس الجهــل والعـنــاد ، وقالــوا لإخــوانهــم ومن على طريقتهم أجمعوا أمركم لا يفسدون عليكم دينكم كما قـال فـرعــون لمــلأه في مـوسى : {{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}} (26) سورة غافر.
وعـلى هــذا نتــج الــخــلاف واحـتــدم الـنـزاع حـتى في الـمـذهــب الـواحـــد ، فأين الذين ينادون بوجوب التقليد بحجة الحفاظ على وحدة الأمة الواحدة في القطر الواحد والعلماء يذكرون في المسألة الواحدة أكثر من أربعة أقوال في نفس المذهب ، بل إن بعض المسائل فيها أكثر من عشرة أقوال في مذهب مالك ، وعلى سـبيــل المـثــال لا الحصر هــذه المســألــة ،" الـقـبـض أو وضــع اليمـنى على الـيـســرى في الـصــلاة" .
إن هؤلاء الذين ينادون بهذا المطلب ،(( وجوب التقليد حفاظا على وحدة الأمة )) يناقضون أنفسهم فهاهم يخالفون مذهب مالك في عقيدته ، وسلوكه ، ففي العقيدة ينتهجون عقيدة الأشعري قبل رجوعه إلى مذهب السلف ، وفي السلوك ينتهجون طريقة الجنيد ، فهل تتحقق الوحدة بهذا الخلط ، وإن كنا حقا نريد الوحدة فلماذا لا نأخذ بعقيدة مالك ، وسلوكه وأخلاقه ، وقد كان حريصا جدا على الأخذ بكتاب ربنا وسنة نبينا وذلك ما تعبدنا الله به ؟ فهل كانت عقيدة مالك مخالفة للعقيدة الصحيحة ؟ وهل كان سلوكه وخلقه منحرف عن منهاج النبوة حتى لا ترتضونه ، وهذا واضح في قول ابن عاشر : في فقه مالك وعقد الأشعري ، وطريقة الجنيد السالك ..
وهنا أقول: لا أجد كلمة أصف بها عملهم هذا أحسن من كلمة قالها إمام المفسرين ابن جرير الطبري في كتابه التفسير (ج1 / 213 ) يصور بها تناقض من يرد عليه قال: (( ثم نقض من قوله فأسرع نقضه ** وهدم ما بنى فأسرع هدمه )).
وهذه المسألة ( القبض في الصلاة ) هي من دين الشيعة الروافض الذي يقوم دينهم على محض البدعة والضلالة ، ويرون أنه ناقض للصلاة ، والمسألة فـيهــا أربعـــة أقــوال في مــذهــب مالك مـذكــورة في مـشـاهـير كـتب أئمــة المـذهــب ، كـمخـتـصــر ابن الـحاجـب ، والـتمـهيــد والاستذكار لحافــظ المـغرب ابن عـبد البــر ، والمدونة الكبرى لابن القاسم ، والمنتقى للباجي، والدخيرة للقرافي وغـيرهـــم، واليك هــذه الأقــوال على سبيل الإجمال ، ونكتفي بالقول الأول وبالله الـتـوفـيـــق .
القــول الأول: الاسـتحــاب ، بمعنى السنة.
الـثــاني : الـكـــراهـــة والتفريق بين النفل والفرض .
الــثالـث : الجـــواز بمعنى الإباحة.
والـرابــع : المـنــع .
1 ــ الاسـتحــباب أو السنية : اسـتـحـبـاب الـقـبـض في الـفـرض والـنـفـــل وترجـيحـــه فـيهـمـا عـلى الإرسـال أو الســـدل (8).وهــذا الـقــول نسـبـــوه لمـالك في الواضحـــة ، واخـتاره غـير واحــد مــن المـحــقـقـيــن: كالإمــام أبي الحــسـن اللخمي، والحــافـظ الإمـام الـفـاضل أبي عمــر بن عـبد الـبــر، والـقـاضيين أبي بكــر بن العــربي، وأبي الولـيــد بن رشـد وعـده في مـقــدماتــه مــن سـنــن الـصــلاة ، وتبعــه في ذلك الـقـــاضي عـيــاض في قــواعـــده .
وكذا الــقـرافي في كـتاب الـدخيــرة (9) قال فـيـه: بأنــه مــن السنــن المـشـهــورة ثــم ذكــر بعــض ما فـيــه مــن الخــلاف ومــن اصـطـلاحــه فـيــه تقـديــم المـشهـــور على غـيــره ، والمـشهــور هو ما اشـتهــر بيـن الـمحـــدثيــن والـفـقـهـــاء ، والأصــولييــن مــن حديث رســول الله صلى الله عليه وسلم .
وكذلك مـثل ما في الدخيرة ونسـبـه لابن جزي في قـوانينــه ، ونسـبــه القـاضي عياض في الإكمال للجمهـــور ، وهــو أيــضا في الدخيـــرة للقــرافي والمـيـزان للشعـراني أن هــذا الـقــول هــو قول الأئمـــة الثـــلاثــة :الشــافعي ، وأبي حـنيفــة وأحمــد بن حنبـــل ، وزاد ابن عـبــد الــبــر في الاسـتــذكار نسـبتــه لـسـفـيــان الـثــوري وإسحــاق بن راهويه وأبي ثــور وداود بن علي وأبي جعفر الطبري ، وجمـيــع أهــل الحديث ، وغـيرهــم مــن أئمــة الـمـذاهـــب التي ظـهرت في ذلك الوقت .بل عليه الإجماع ولم يعرف عند المتقدمين ذلك في أثر ثابت صحيح ، ولكن القوم لا يقبلون إلا ما كان من رجال المذهب وكتبهم ، فهذه كتبهم تخالف ما أنت عليه .
قال ابن عبد البر-رحمه الله -: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف ، وهو قول الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره .(10).قلت : وهذا إجماع .
قـال الـقـبــاب في شــرح قــواعـــد القــاضي عـياض : قـال اللخمــي : إن الـقـبــض مـسـتحب للحديث الثابث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في الـبخـــاري ومـســلم والمـوطأ. قلت : والسنن والمسانيد ،وسيأتي أن شاء الله .
و إذا كان هــذا الحديث ثابث في الـبخــاري ومـسلم والمــوطأ ،وغـيرهــم مـن الصحــاح فـكيف نتــرك الثابث عن الرسول المـبلــغ عــن الله ونعمــل بخــلافــه ولـو كان هذا اجـتهــــاد مــن إمــام عظـيــم مهمــا كانت مكــانتــه في الـعلــم ، وعـلـيــه فإننا لا نسـتــطـيع أن نتــرك سنـــة رســول الله صلى الله عليه وسلم إلى قــول أحـــد من الناس، وصــدق الإمام مالك إذ قال: أو كلمـــا جاء رجــل أجـــدل مــن رجــل تركنا ما جاء بــه جـبــريل لرســول الله صلى الله عليه وسلم إلى جـــدل هــؤلاء .(11) قال اللخمــي : إنــهــا وقـفــة العـبــد الـذلـيــل لـربـــه .
وحـديث البــخـاري المـشــار إلـيــه هــو مـا رواه في باب وضــع الـيمـنى عـلى الـيـســرى في الصـــلاة عــن عـبـد الله بن مـسـلمــة عـن مـالك عـن أبي حـازم عـن سـهــل بن سـعـــد قـال : كان الـنّاس يؤمــرون أن يضــع الرجــل الـيــد الـيمـنى على ذراعــه الـيســرى في الصــلاة .(12) قال أبو حازم : لا أعـلمــه إلا ينمي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
قـال: وقـولـه كـان الــنّاس يؤمــرون. هــذا حـكمــه الـرفــع لأنــه محمــول على أن الآمــر لهـــم بـذلك هــو النبي e. وأما قـول أبي حـازم : لا أعـلمـــه أي سهــل بن سعـــد إلا يَنمي .. بفـتــح اليــاء وسكــون الـنــون وكسر المـيــم ، وفي روايـة إسمــاعيل بن أبي أوس عـن مالك بالبنــاء للمـفعـــول : < يُـنمـي > والحــديث على هــذا مرســل لأن أبا حازم لم يعـيــن مــن رواه قال أهــل اللغـــة نمـيت الحديث إلى غـيري رفـعـتـــه وأسـنــدتــه إلـيــه .
قـال ابن حجــر رحمــه الله (13): وفي اصطــلاح أهــل الحـديث إذا قـال الــراوي نمـيت فمــراده يرفــع ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقـيـــده .


واعـتــرض بعـضهــم على هــذا الحـديث وقـال : إنــه معــلول لأنــه ظــن أبي حـازم .

قال ابـن حجــر : ورُد بأن أبا حازم لو لـم يقــل لا أعلمــه .. الخ لكــان في حكــم المـرفــوع لأن قــول الصحــابي كنا نؤمــر بكــذا يصــرف بـظــاهـره إلى مــن لـه الأمــر والنــهي وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن الصحــابــي في مـقــام تعـريــف الشــرع فـيحمـــل على مــن صــدر عـنــه الـشـــرع ، ومـثلـه قـول عائشــة رضي الله عـنهــا : كـنا نؤمــر بقـضــاء الصــوم ولا نؤمــر بقضــاء الصــلاة ،فإنــه محمــول على أن الآمــر بذلك هــو النبي صلى الله عليه وسلم . وروى البيهقي أنــــه لا خـــلاف في ذلك بــيــن أهــل الــنـقــل .والله أعـلــــــم .(14).
ثــم قال ابن حجــر: فإن قـيـــل لــو كان مــرفــوعا ما احتاج أبو حازم إلى قــولـه لا أعلمــه .. الخ فالجـــواب : أنــه أراد الانتــقـال إلى التـصريـــح فالأول لا يـقال لــه مـرفــوع ، وإنمــا يقــال لــه في حــكم المـرفـــوع .(15).
وحديث مـســلم هــو ما أخــرجــه في باب وضــع اليمـنى على الـيــســرى في الـصــلاة ، عــن وائل بن حُــجــر رضي الله عنه أنــه : << رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وضــع يــده اليمـنى عـلى الـيـســرى .. >> بعد تكبيرة الإحــرام .(16)
وحــديث مالك في المــوطــأ هـو ما أخــرجـه في باب وضـع الـيـديـن إحداهـمـا على الأخــرى في الصــلاة من حديث أبي المـخارق البصــري أنـه قال : مــن كــلام النبـوة : << إذا لم تستح فافـعــل ما شئت ، ووضــع الـيــدين إحــداهما على الأخــرى في الصــلاة يضــع اليمـنى على اليسرى ... >> (17).
قال ابن عــرفــة: يســتحـب أن يقــبض في الـفـريـضـة والـنــافـلــة .
وقال ابـن رشـــد: وهــو الأظـهـــر لأن النّــاس كانــوا يؤمــرون بــه في الــزمـن الأول، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفـعـلــه.أهـ .
ونـقــل ابن عــرفــة أيضــا عـن ابن العــربي أنـه قال : كــره مالك وضــع الـيــدين إحداهمـا على الأخــرى في الصــلاة وقـال أنــه ما سمــع بشئ في تفـسـيــر قــولـه تعالى : }{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}} (2) سورة الكوثر { (18).
قلت : يقـصـد وضــع الـيدين إحداهما على الأخــرى عـنــد النحــر في الصــلاة أو فوق النحر.(19) ونسبه للشافعي.قـال ابن العـربي : والصحـيــح أن ذلك ــ يعـني الـقـبــض ــ يفـعــل في الـفـريـضـة ومـسـتحــب .
وذكــر في سـنــن المهـتــدين عـن ابن عـبــد البــر أنــه قال : لا وجــه لكــراهـة وضــع اليمـنى على الـيســرى في الصــلاة ، لأن الأشيـــاء أصلهـــأ الإبــاحـة (20) ولم ينــه الله ولا رســوله عــن ذلك فلا مـعـنى لمــن كــره ذلك هــذا لو لم ترو سـنيتــه عن رســول الله صلى الله عليه وسلم ، فـكيف وقـد صــح عـنــه فـعــلـه ، والحــث عـلـيــه والأمـــر بــه (21).
قال ابن حـجــر : قـال ابن عـبد الـبــر : لم يأت غـيـــر القـبـــض عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تثبت سـنــة ســـواه ، وهـو إجمـــاع الصحــابـة وجمـهــور التابعـيــن وهـو الــذي ذكره مالك في المــوطأ ولم يحــك ابن المـنــذر في إجماعـه وغـيره ممــن لم يحـك غـير الـقـبــض عـن مالك ، يرون أن غيره لم يصــح عـن مالك ، والله أعلـــم .
قال أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق المغربي في رسالته " الحجة المبينة لصحة فهم عبارة المدونة "(37 – 43).إذا أراد شخصا أن يفهم كلاما فهما صحيحا موافقا لغرض المتكلم به فلينظر إلى دلالة السياق والسباق .قلت : ولفهم ما أراد مالك لابد من ذكر كلامه كاملا تحت الباب المعنون له .فقد ذكره تحت باب :>> الاعتماد في الصلاة والاتكاء ووضع اليد على اليد << وهذه عبارة المدونة كاملة (ج1/74): قال ابن القاسم :وسألت مالكا عن الرجل يصلي إلى جنب حائط فيتكئ على حائط ؟ قال : أما في المكتوبة فلا يعجبني ، وأما في النافلة فلا أرى بذلك بأسا.قال ابن القاسم : والعصا تكون في يده بمنزلة الحائط ، قال : وقال مالك : إن شاء اعتمد ، وإن شاء لم يعتمد ، وكان يكره الاعتماد ، وقال في ذلك على قدر ما يرتفق به ، فلينظر ما هو أرفق به فليصنعه .قال : وقال مالك: في وضع اليمنى على اليسرى في الفريضة .قال : لا أعرف ذلك في الفريضة ، ولكن في النوافل إذا طال القيام ، فلا بأس بذلك يعين به على نفسه .

قال أبو الفضل :هذه عبارة المدونة بتمامها التي منها فهم المالكية كراهية وضع اليمين على الشمال في المكتوبة ، واختلفوا في سببها على أقوال حكها صاحب المختصر-ويقصد به خليل بن إسحاق في قوله في مختصره (ص18)-:وهل يجوز القبض في النفل أو إن طوّل ، وهل كراهته في الفرض للاعتماد ، أو خيفة اعتقاد وجوبه ،أو إظهار خشوع ، تأويلات- وسيأتي بيانها- إن شاء الله – ثم قال أبو الفضل : ولا بد أن أحد متقدمي شراح المدونة فهم منها الكراهة ، ثم تبعه المتأخرون تقليدا من غير تمحيص ، ثم تعصبوا لارسال اليدين في الصلاة ، حتى زعم زاعم منهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسلها في صلاته ، وهو كذب يستوجب لعنة الله ،وعذابه ،وزعم آخر منهم : أن وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة منسوخ ، وهذا أيضا كذب بحت .

وبلغني عن شيخنا بالإجازة الشيخ أبي شعيب الدكالي : أنه قال متحديا لمن يتعصب لارسال اليدين : من وجد حديثا ولو ضعيفا يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرسلا يديه ،* فلينقشه على رخامه وأنا أعطيه بوزنها نصبا* .
وهذا أشد ما يكون في التحدي .ثم بين المراد بعبارة المدونة فقال : وإذا تأملنا عبارة المدونة ، مع ملاحظة السياق وجدناها معنونة بعنوان الاعتماد في الصلاة والاتكاء ووضع اليد على اليد .
فهذا موضوع بحثها ، وجرى الكلام فيها عن المصلي يتكئ على حائط ، وعن الاعتماد في الصلاة عموما وقول مالك : إن شاء اعتمد وإن شاء لم يعتمد إلى قوله : وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الفريضة : << لا اعرف ذلك في الفريضة >> فهم منه بعض شراح المدونة كراهة وضع اليمنى على اليسرى في المكتوبة ، وهذا باطل لوجهين .
أحدهما : أن سياق الكلام وموضوع البحث الاعتماد والاتكاء في الصلاة، فإدخال حكم الكراهة هنا يأباه السياق ، ولا يقبله ، إذ يصير تقدير الكلام على هذا الفهم الباطل : وقال مالك : إن شاء اعتمد وإن شاء لم يعتمد ، وكان لا يكره الاعتماد ، وقال في ذلك على قدر ما يرتفق به ، فلينظر ما هو أرفق به فليصنعه ، وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الفريضة قال : لا أعرف ذلك الوضع في الفريضة من سننها فهو مكروه . والكلام على هذا التقدير يكون في غاية الركاكة ، لأنه لا رابط يربط بين الاعتماد في الصلاة ، وبين الحكم على القبض بالكراهة .
والآخر : أن مالكا يعرف القبض مشروعا في الصلاة ، وروى فيه حديثين في الموطأ ، فكيف يقول هنا لا أعرفه ؟ هذا تهافت لا يليق بمقام مالك ، ولا يصح أن يفهم من كلامه أو ينسب إليه .
إذن فالمعنى الذي أراده مالك بقوله : لا أعرف ذلك في الفريضة ، أي لا أعرف الاعتماد على القبض في الفريضة ، لأنه يفعل استنانا فيكره قصد الاعتماد معه أيضا ، يؤيد هذا قوله : ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك أي بقصد الاعتماد يعين به على نفسه ، لأن النوافل يتوسع فيها .قلت : قصده يتجوز فيها ما لا يتجوز في الفريضة / أما التوسع بحيث يأتي بشيء غير مشروع فلا كالاعتماد فإنه غير مشروع وهو يقدر على الوقوف ، إلا عند فقدان الاستطاعة عليه .
لم يقصد مالك إلا هذا بدلالة السياق التي هي أساس في فهم أي كلام ، وعلى هذا لا يجوز أن ينسب إلى مالك كراهة القبض في الفريضة اعتمادا على هذه العبارة التي فُهمت على غير ما قصد بها ، ويؤيد ما قلناه أن سحنونا ختم الترجمة بما رواه عن ابن وهب عن سفيان الثوري عن غير واحد من الصحابة أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة ، ليبين أن الإمام مالكا قصد الاعتماد ، لا وضع اليمين على الشمال .
وقـد ذكـرت فـيما سبـق نـص مـالك في الـمـوطـأ، مـن حـديث عبد الكريـم بن أبي الـمخارق الـبصـري، وهو وإن كان ضعـيـفـا حتى قيل أنـه أضعـف رجال المـوطـأ فقد توبـع على هذا في الـمـوطأ أيـضا،والحـديث لـه شـواهد أخرى، ذكــرها مالك في المـوطأ وغـيره كحديث وائل ابن حجر عند مسـلم، ـوأبو حازم في البخاري والموطأ، وحديث وهـلب الـطـائي عنـد الـتـرمـذي فـقد قال: كـان رســول الله صلى الله عليه وسلم يؤمـنــا فيأخـذ شمـالـه بيـمـيـنــه.(22).
قال ابـن حـجــر- رحمــه الله-( الفتح (ج2/ 262-263 ): قـال الـعـلمـــاء : الحكمــة في هــذه الهـيئــة أنــه يحــصــل بـهــا عـــدم اشـتغــال الـيـدين وهــو أقــرب الى الـخـشـــوع وأمـنــع مــن العـبــث وهــذا ما نقـلـــه الـنــووي رحمـه أيـضا ، وكأن البــخــاري لاحــظ ذلك فـعـقـبــه بالخـشــوع ، ومــن اللـطـائف قـول بعضهــم القـلب موضـــع النيــة ، والعــادة أن مــن أحـترز على شـيء جــعـل يـديـه عـليــه يعـني عـلى الـقـلـب .
وقال القـاضي عـياض -رحمــه الله - في الإكمــال 23)ذهـب جمهــور الـعـلمــاء مــن أئمــة الفـتــوى إلى أخــذ الـشمــال باليمـيــن في الـصــلاة ، وأنــه مــن سـننــهـا وتمــام خـشوعهــا وضـبطـهــا عن الحــركــة والعـبـث ، ورأت طائفـة إرســال الـيـديـن في الصــلاة مـنـهم الليث وهــو الـقـول الآخـر لمـالك في الـمـدونــة، ثم قـال : والآثـار بـفـعــل النبي صلى الله عليه وسلم والحـث عـليــه صحـيـحـة. ثم قال : والاتـفــاق حاصــل على أنــه لـيــس بواجـب.
وعـن عـلي رضي الله عنه أنـه قال في قولـه تعالى: }{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}} (2) سورة الكوثر {. مـعـنــاه وضـع اليمـنـى عـلى الـيـســرى في الـصــلاة على الـصــدر عـنـــد الـنـحـــر . وهــذا مـعـنى قـول ابن الـعــربي : أن مـالكا ما سمــع بشيء في هــذه الآيـــة ، وهـنـا تتقــرر لدينــا قـاعــدة هـامـة مـن قـواعــد الخــلاف بيــن الأئمــة آلا وهي : عــدم بلــوغ الحـديـث أو الـسـنــة أو الآثار لجمـيــع الأئمــــة ، فـمـنهــم مـن بلـغــه فـعـمــل بـه ومـنـهـم مـن لم يبلــغـه فـإما اجـتــهـد رأيـه أو قـاس عـلى عمــوم مـن العمــومـات أو بلغــه لكـنــه توقـف فـيـه ، وقـيل : في مـعـنـى النحــر غـيـر هــذا مـن نحـر الأضحيـة وصــلاة الـعـيـد ، وقـيـل نحــر البـُـدن بمـنى وصــلاة الصـبــح بجمــع . انـتهى كلامــه رحمه الله .
ويرجــح الـقـبــض على الـســدل أيـضا نــص الأئمــة كما في الــمـواق لابـن عرفــة على أن ما اختـلـف في مـشـروعـيتــه هــو أرفـع درجـة مـن المـباح .
قال عـزالـديـن بن عـبـد الـســلام رحمــه الله في قـواعــده : إن كان الـخــلاف في الـمـشروعـية فالـفـعــل أفـضــل ممــا كرهــه أحــد الأئمــة ورآه غـيــره ، فـفـعـلــه أفـضــل كرفــع الـيــدين في التـكـبيـرات ، قال : وإنما قـلنـا هـذا لأن الـشــرع يحـتاط لـفـعــل المـنــدوبات كما يحـتــاط لفـعــل الـواجـبــات .
وهــذا مـقـتضى قــول مالك وغـيــره ، فإن مالك نــص في الـمـوطـأ على أن نـذر المـباح لا يوفي بـه ، وذهـب فـيمــا كـرهــه هــو واسـتحـبـه غـيـره أنــه يلزم الـوفاء بـه ، وألا تــراه كــره هــدي المـعـيـب ونــذره والإجــارة على الحــج مـع قــولـه يلزم نـذره ، وتنفـيــذ الوصـيـة بالحــج ترجـيــحا للمخـتــلف في مـشـروعـيتــه على المـبــاح .
ومـقـتضى هــذا كما قال الشـيــخ عـلي الأجهــوري : مـوافـقــة قـول مالك لما ذكــره عـز الديــن بن عبد الـســـلام ، كما أن مـقـتضــاه أيـضا أن فـعــل الـقـبـــض أفـضــل مـن تركـه لانــدراجــه في هــذه الـقـاعـــدة الأصـولـيــة .
ومما يرجحه أنه رواية الجمهور من أصحاب مالك ، وراية الجماعة مقدمة على رواية الواحد كما هو مقرر لأن الواحد مهما كان حافظا فهو عرضة للوهم والنسيان الذي هو طبيعة الإنسان ولأنه قد تدخل عليه مسألة في أخرى بخلاف الجماعة المتعددة .
ومما يرجحه أيضا أن الوضع هو الذي كان عليه مالك في نفسه فإنه كان يقبض إلى أن لقي الله تعالى كما ذكره الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر ، وما كان عليه الإمام في نفسه يقدم على غيره .
ومما يرجحه : أنه الموافق ليهئة الصلاة وموضوعها من الخضوع والتذلل كما ورد الحديث وما كان موافقا للشيء يقدم على غيره كما هو مقرر في محله ومن أجل هذا بل من أجل صحة الدليل وحده رجحه أئمة المذهب المفتى بقولهم على اختيارهم وترجيحهم .فممن رجحه سحنون صاحب المدونة فأنه عقب النص بالحديث الوارد في ذلك كما سبق إشارة منه إلى الترجيح على عادته المعروفة عند الفقهاء .
قلت : فلا معني للكراهة مع ثبوت الدليل ممن صاحب الشريعة الذي أمرنا بإتباعه وحده والاقتداء به ، في كل صغير وكبير ، وإذا جرى نهر الله بطل نهر معقل ، وإذا ثبت الأثر بطل النظر ، ولا اجتهاد مع النص ، إنما هو الاتباع وترك الرأي والابتداع .
ولا معني للتفريق بين الفريضة والنافلة ، إذ لا دليل على التفريق ، وما ذكروه كله تخمينات لا تقوم على حجة ،والحجة في كتاب الله وسنة رسوله ، وقد قضت السنة بالقبض في الصلاة ، فريضة كانت أو نافلة ، ولو قالوا بتركه في النافلة ومشروعيته في الفريضة من باب التجوز في النافلة مما لا يجوز تركه في الفريضة لكان له وجه ، ولكن القوم عكسوا القضية فكرهوه في الفريضة واستحبوه في النافلة ، فهذا التفريق باطل إذ الاستحباب والكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل ، ولا دليل عند القوم وإنما هي الآراء ، والتقليد بالتعصب مع قلة الإنصاف .




والقوم ليس بهم الغيرة على مذهب مالك ، فالسلفيون هم أسعد الناس بمالك ، وإنما هي الأهواء تتجارى بهم لأنهم إذا ضاق عليهم المذهب خرجوا إلى غيره ، وتتبعوا الرخص من كل مذهب .. ولو جئتَ لتحصيَ عليهم مخالفاتهم للمذهب لجمعت مجلدا ..

وهذا القاضي منور بن سعيد البلوطي رحمه الله يقول معرضا بمثل هؤلاء : عذيري من قوم يقولون كلما طلبت دليلا هكذا قال مالك ، فإن قلت : قال رسول الله . قالوا : وقد قاله ابن القاسم الثقة الذي على قصد منهاج الهدى هو سالك ، فإن عدت ، قالوا : هكذا قال أشهب وقد كان لا تخفى عليه المسالك ، قلت : هذا هو طريق التعصب والتقليد الأعمى ومذهب كل هالك .
والقوم في دعواهم هذه – الأخذ بمذهب مالك وحمل الناس عليه- متناقضون غير صادقين ، والدليل على ذلك قولهم : في فقه مالك وعقد الأشعري ... وطريقة الجنيد السالك .
فهم يقولون مذهب مالك لكن لا يأخذون منه إلا الفقه ، أما عقيدة مالك فهي غير مرضية عندهم ، وكذلك سلوك وأخلاق مالك . ولا يفوتني أن أطرح عليهم هذا السؤال وهو : على أي قول تحملون الناس إذا وجدتم في المذهب أكثر من عشرة أقوال كما هو الحال في كثير من المسائل ؟ فهل تحملون الأمة على قول واحد ؛ أم ستقولون اختلاف علماء المذهب رحمة ؟ فإذا كان الحال هكذا فلما لم تجعلوا اختلاف الصحابة رحمة تسع الأمة ، قال ابن عبد البر في التمهيد : ألا ترى أن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا وهم الأسوة فلم يعب واحد على مخالفه ، ولا وجد عليه في نفسه ، إلى الله الشكوى وهو المستعان على أمة نحن بين أظهرها تستحل الأعراض إذا خولفت في أمر يسوغ الخلاف يه.. قلت ما أجمل هذا الكلام الذي نختم به هذا المقام . وصلى اللهم على محمد وآله الكرام ، وأصحابه خير الأنام ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى دار السلام . آمين . آمين . آمين .
الهوامش :
1- رواه مـســلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2 - رواه الـبخــاري.
3 - رواه مـســلم وأحمـــد.
4 - رواه مـســلم
5 - السير (ج8/93).
6 – نفس المصدر.
7 – أنظر رفع الملام عن الأئمة الأعلام فإنه مفيد.لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-
8-وذكر بعض المالكية رواية سنية القبض في الفرض والنفل :أنها الأظهر ، لأن الناس كانوا يؤمرون به في الصدر الأول .والمشهور في كتب المتأخرين من المالكية : أن وضع اليدين تحت الصدر ، فوق السرة ، مندوب للمصلي المتنفل ، وكذا للمفترض ، إن قصد بالوضع الاتباع ، أو لم يقصد شيئا ، أما إن قصد الاعتماد والاتكاء على يديه بوضعهما كره له ذلك.
9 - الذخيرة (ج 2/229).
10 – أنظر الفتح (ج2/ 224)ونيل الأوطار (ج2/ 201).
11 – ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج8 / 99).
12 – الفتح (ج2/ 262 /ح رقم 740 )وأحمد في السند (ج5/336 )ومالك في الموطأ وشرحه تنوير الحوالك (ج1/ 133).
13– الفتح (ج2 /263 ).
14- الفتح (ج2/262 ).
15-نفسص المصدر.
16 – صحيح مسلم (ج1/ 301 /ح 401 )ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي .
17 – موطأ مالك وشرحه تنوير الحوالك للسيوطي (ج1/ 133)عبد الكريم ضعيف متروك باتفاق أهل الحديث قاله ابن عبد البر في التمهيد ، وعنه الزرقاني في شرح الموطأ (ج1/320 )وأخرج البخاري الجملة الأولى منه (ك الأنبياء ،وك الأدب (ج7/ 100)كما رواها أو داود أنظر صحيح أبي داود للألباني (ح3012)وصحيح ابن ماجة (ح4183)والصحيحة (ح684)وصحيح الجامع (ح2226)، ورواه ابن حبان في صحيحه (ج3/13-14 ) مع الإحسان عن ابن عباس رضي الله عنهمابلفظ :<< إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا ، ونعجل فطورنا ، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة >>وراه الطبراني في الكبير بلفظ :<< ثلاث من أخلاق النبوة … وضع اليمين على الشمال في الصلاة >> كما في المجمع (ج2/105)وقال روي مرفوعا والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه )). قلت: الموقوف كما هو ظاهر ، له حكم الرفع أيضا .
18 ـ فقد ورد تفسير هذه الآية عن علي ، فقد ذكر القرطبي في تفسيره (ج20/220) عن علي قال فيها : >> وضع اليمين على الشمال في الصلاة << أخرجه الدارقطني ،قال ابن كثير في تفسيره لا يصح ،وقد رأيت الشيخ ناصر في بعض كتبه أو سمعته في بعض فتاويه يصحح هذا الأثر عن علي . وقد ذكر ابن جرير الطبري ثلاثة أقوال في الآية وقال: أصحها أولها وهو أن النحر معناه ذبح المناسك ،وهذا ما رجحه ابن كثير أيضا (ج4/559).
19- أنظر الذخيرة (ج2/229).
20 – وقوله الأصل الإباحة بل يقال :الأصـل في الـعبـادة المـنـع والتوقف، ولم يأت دليـل يرفــع المـنـــع ويجيز مشروعية الــسـدل.
21 - قـلــت: إذا لا معنــى لمــن خــالف الـصحيــح الثابت عــن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن الـقــاســم عــن مـالك الإرســال وعـنــه التـفـرقــة بيــن الـفريــضة والـنـافـلـة قال: وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة قال : لا أعرف ذلك في الفرضة ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به على نفسه
* - بل ثبت عنه النهي عن السدل.
* -هكذا وردت نصبا بالنون ، ولعل الصواب ذهبا بالذال المعجمة .
22- حسن صحيح ، صحيح الترمذي (ج1/80/ح252)وصحيح ابن ماجة(ح809)، وقال أبوعيسى الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة .
23 - المثنوني والبتار لأبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق المغربي (ص16-17).
وكتب: محب العلم والإنصاف على طريقة صالح الأسلاف
أبو بكر يوسف لعويسي
جيجل: المرة الأولى / 1415هـ
والثانية على الحاسوب 29/ رمضان/1428 هـ منقول










 


آخر تعديل شعب الجزائر مسلم 2011-10-20 في 22:17.
قديم 2011-10-26, 15:32   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سآجدْ للهْ
عضو ذهبي
 
الأوسمة
وسام التميز سنة 2012 المرتبة الثانية وسام العطاء في منتدى التعليم الثانوي 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على الطرح المفيد اخي










قديم 2011-10-26, 17:30   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
moussa salim
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي أدلة سنية السدل في الصلاة عند أئمتنا المالكية

أدلة سنية السدل في الصلاة عند أئمتنا المالكية

تأليف وجمع
أعمون مولاي البشير


أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
أما بعد..
فإنك أيها الأخ السائل الكريم، توجهت إليَّ بسؤال عن أدلة جواز السدل في الصلاة، وعن حكمه هل هو سنة أو مندوب أو مكروه أو ماذا؟
فاعلم –نوَّر الله بصيرتي وبصيرتك بنور الفهم- أنني لست من فرسان أهل هذا الميدان، ولا من أهل الرسوخ في هذا الفن، حتى تسألني عن مثل هذه المسائل العويصة الشائكة، والتي جرى فيها الخلاف بين المذاهب والعلماء، وتناظر فيها الفقهاء، وبحثوا فيها وألفوا، وحققوا ونقحوها وأجادوا وفصلوا وحكموا، فلم يبق لنا –معشر التلاميذ المتأخرين المقلدين- إلا فهم كلامهم، واستخلاص العبر من مناقشتهم، والأخذ بتوجيهاتهم، لا الإعراض عن تآليفهم، والضرب عنها صفحاً، والاستبداد دونهم؛ لأنهم أشياخنا وأساتذتنا ومعلمونا، وهم المجتهدون الذين نقحوا النصوص والأصول، وحققوا الفروع والنقول.
ولما أردتُ أن ألبي رغبتك أيها السائل الكريم، بجمع ما تيسر لي جمعه وتأليفه، وضعتُ أمامي ما ينيف عن بعضة عشر مؤلفاً حول هذا الموضوع؛ لأنتقي منه وأنتخب منها ما له صلة بمسألتنا باختصار.
وبدأتُ بعدم صحة أخذ المقلِّدِ الدليل مباشرة من الكتاب والسنَّة وأقوال العلماء في ذلك.
وسميت هذه النقول المنتقاة، بـ (أدلة سنية السدل في الصلاة).
ومن الله أرجو الإعانة وبلوغ المأمول، وأسأله القبول.
فقلتُ: قد أجمع العلماء المحققون أن المقلد لا يصح منه أن يستدل بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا بعد أخذها من الأئمة المقتدى بهم، فعدم صحة احتجاج المقلد على إثبات حكمٍ أو نفيه بآية أو حديث مجمعٌ عليه، وأمرٌ متفق عليه.
فالذي عليه الجمهور أنه تجب على من ليس فيه أهلية الاجتهاد أن يقلد أحد الأئمة المجتهدين.
وقال بعض الأئمة: لا يجوز لعامي أن يترك تقليد الأئمة الأربعة، ويأخذ الأحكام من القرآن والأحاديث؛ لأن ذلك له شروط كثيرة مبينة في الأصول، لا توجد تلك الشروط في أغلب العلماء، ولا سيما في آخر الزمان.
قال ابن عيينة: الحديث مضلَّة إلا للفقهاء، إلى آخر ما ذكره العلماء في ذلك. انظر نوازل سيدي المهدي الوزاني الكبرى والصغرى.
هذا وقد بنى الإمام مالك رضي الله عنه مذهبه على أربعة أشياء:
الأول: آية قرآنية.
والثاني: حديث صحيح سالمٌ من المعارضة.
والثالث: إجماع أهل المدينة.
والرابع: اتفاق جمهورهم، وهو العمل.
وقد سبقت الإشارة إلى إجماع العلماء على وجوب التقليد على من ليس فيه أهلية الاجتهاد، حتى صار معلوماً من الدين بالضرورة، اهـ.
[حكم السدل في الصلاة]
أما حكم السدل في الصلاة، فقد قال عليش في فتاويه: أما بعد، فاعلم أن سدل اليدين في الصلاة ثابت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به بإجماع المسلمين، وأجمع الأئمة الأربعة على جوازه فيها، واشتهر ذلك عند مقلديهم، حتى صار كالمعلوم من الدين بالضرورة، وأنه أول وآخر فعليه صلى الله عليه وسلم.
أما الدليل على أنه أول فعليه وأمر به، فالحديث الذي أخرجه مالك رضي الله عنه في الموطأ، عن سهل بن سعد واقتصر عليه البخاري ومسلم، من قوله: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة).
ووجه دلالته أن أمرهم بالوضع المذكور دليل نص على أنهم كانوا يسدلون، وإلا كان أمراً بتحصيل الحاصل، وهو عبثٌ محالٌ على الشارع صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يعتادوا السدل ولم يفعلوه إلا لرؤيتهم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، وأمرهم به بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وأما الدليل على أنه كان آخر فعليه وأمريه صلى الله عليه وسلم، فهو استمرار عمل الصحابة والتابعين عليه، حتى قال مالك في رواية ابن القاسم في المدونة: لا أعرفه، يعني الوضع في الفريضة، إذ لا يجوز جهلهم بآخر حالي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفته؛ لملازمتهم له بضبط أحواله واتباعه فيها، فلهذا ضمَّ مالكٌ عملهم للآية المحكمة والحديث الصحيح السالم من معارضة العلم به، والإجماع، وجعل الأربعة أصول مذهبه.
وأما القبض في الفرض، فاختلفوا في كراهته وندبه وإباحته، مع اتفاقهم على ثبوت فعله والأمر به من النبي صلى الله عليه وسلم، اهـ.
وقال الإمام الشعراني في الميزان، في جواب شرذمة من البطالين يقولون: كيف تترك الآيات والأحاديث الصحيحة وتقلد الأئمة في اجتهادهم المحتمل للخطأ، ما نصه:
إن تقليد الأئمة في اجتهادهم ليس تركاً للآيات والأحاديث الصحيحة، بل هو عين التمسك والأخذ بالآيات والأحاديث الصحيحة، فإن القرآن ما وصل إلينا إلا بواسطتهم، مع كونهم أعلم ممن بعدهم بناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، ومتشابهه ومحكمه، وأسباب نزوله ومعانيه، وتأويلاته ولغاته، وسائر علومه، وتلقيهم ذلك عن التابعين المتلقين ذلك عن الصحابة المتلقين ذلك عن الشارع صلى الله عليه وسلم، المعصوم من الخطأ، الشاهد للقرون الثلاثة بالخيرية.
وكذلك الأحاديث ما وصلت إلينا إلا بواسطتهم، مع كونهم أعلم ممن بعدهم بصحيحها وحسنها وضعيفها ومرفوعها ومرسلها ومتواترها وآحادها ومعضلها وغريبها وتأويلها وتاريخها المتقدم والمتأخر، والناسخ والمنسوخ، وأسبابها ولغاتها، وسائر علومها، مع تمام ضبطهم وتحريرهم لها، وكمال إدراكهم، وقوة ديانتهم، واعتنائهم وتفرغهم، ونور بصائرهم.
فلا يخلو أمر هذه الشرذمة من أحد الشيئين: إما نسبة الجهل للأئمة المجمع على كمال علمهم، المشار إليه في أحاديث الشارع الصادق عليه الصلاة والسلام.
وإما نسبة الضلال وقلة الدين للأئمة الذين هم من خير القرون، بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، (إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وقولهم أيضاً لمن قلد مالكاً مثلاً: نقول لك: قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: قال مالك، أو ابن القاسم أو خليل أو ابن عاشر!! إلى آخره.
جوابه: أن قول المقلد: قال مالك إلخ معناه: قال مالك فاهماً من كلام الله أو من كلام رسوله، أو متمسكاً بعمل الصحابة والتابعين الفاهمين كلام الله أو كلام رسوله، أو المتأسين بفعل رسوله.
ومعنى قوله: (قال ابن القاسم) أنه نقل عن مالك ما فهمها من كلام الله إلخ، أو أنه فهمه ابن القاسم نفسه من كلام الله إلخ.
ومعنى قوله: (قال خليل) مثلاً، أنه ناقل عمن ذكر، ومالكٌ وابن القاسم مجمع على إمامتهما ومن خير القرون.
أما التارك للتقليد يقول: قال الله، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقلاً بفهمه، مع عجزه عن ضبطِ الآية والحديث، ووصل السند، فضلاً عن معرفة ناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، وظاهره ونصه، وعامه وخاصه، وتأويله وسبب نزوله، ولغاته وسائر علومه، فانظر أيهما يقدَّم؟ قول المقلد: قال مالك الإمام بالإجماع، أو قول الجهول: قال الله تعالى قال رسول الله؟ (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
فتبين من هذا أن المشهور في مذهب مالك هو كراهة القبض في صلاة الفرض، ولاسيما والكراهة هي رواية ابن القاسم في المدونة، وعليها عمل أهل المدينة.
وفي سنن أبي داود قال: حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، قال: حدثنا حجاج، عن أبي جريح، قال: كثيراً ما رأيت عطاء يصلي سادلاً، اهـ.
قال الحفيد ابن رشد في بداية المجتهد: وسبب اختلاف العلماء في القبض في الصلاة، هو أنه وردت أحاديث صحيحة في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيها أنه كان يقبض في صلاته، وثبت أيضاً كما في صحيح البخاري أنهم كانوا يؤمرون بالقبض فيها، فذهب بعض العلماء إلى أن القبض في الآثار التي فيها القبض هي زيادة من ثقة مقبولة، معمول بها، وذهب آخرون إلى المصير إل الآثار التي ليست فيها تلك الزيادة، لكون تلك الزيادة ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنما هي من باب الاستعانة، ولذلك أجازه مالك رضي الله عنه في النفل، وكرهه في القبض، اهـ باختصار.
أما الأحاديث الواردة في القبض فليس أكثرها صحاحاً ولا حساناً ولا سالماً من الضعف، بل كلها إما بين موقوف ومضطرب وضعيف، وكل ما ورد في القبض ليس فيه خبر إلا وفيه مقال، فلا يحتج به بوجهٍ، غير حديث وائل عند مسلم، مع ما فيه من الخلاف في سنده وإرساله ومتنه، فبقي النظر فيه: هل هناك شيء يخالفه أصلاً، أو وجد ولكن دونه في المرتبة، وجب الرجوع إليه عند أهل الأصول بلا خلافٍ أعلمه.
وهنا قد عارض حديث وائل المذكور الأحاديث التي معه في القبض عند مالك أمران:
أحدهما: حديثان صحيحان، وليس فيهما ما في تلك الطرق التي في القبض من المقال.
أحد الحديثين: حديث المسيء في صلاته، قال ابن بطال في شرح البخاري: وحجة من كره ذلك، أي القبض، أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم المسيء صلاته الصلاة، ولم يذكر له القبض، نقله عن ابن القصار، ولعلهما –والله أعلم- أرادا حديث رفاعة بن رافع الذي أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق صحيحة عنه أنه كان جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد، فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل، قال: فرجع فجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعين منها، فلما قضى صلاته فجاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فإنك لم تصل، وذكر ذلك إما مرتين أو ثلاثاً، فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليَّ من صلاتي، قال صلى الله عليه وسلم: لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله عز وجل، يغسل وجهه ويديه للمرفقين، ويمسح رأسه بيديه، ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر ويحمد الله ويمجده، ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه، ثم يكبر فيركع، ويضع كفيه على ركبتيه، حتى تطمئن مفاصله، ويستوي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائماً، حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ثم يقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من السجود حتى تطمئن مفاصله ويستوي، ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعداً على مقعدته، ويقيم صله، وصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك.
قال الحاكم: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين، وساقه من طرق.
فبهذا –والله أعلم- احتج الإمام ابن القصّار، ولم يذكر له القبض، مع أنه ذكر له السنن والمندوبات، كيف يصح أن يكون القبض سنةً ولم يعلّمه لهبعد أن علمه السنن و....
وثاني الحديثين: حديث أبي حميد الساعدي الذي أخرجه البخاري في الجامع الصحيح، والنسائي وأبو داود وغيهم، واللفظ لأبي داود: حدثنا مسدد، أنبأنا يحيى، قال: أخبرني محمد بن عمر عن عطاء، سمعتُ أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة، وفي رواية وأبو هريرة ومحمد بن مسلمة وسهل بن سعد ويغرهم يقول: أنا أعلمكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلم؟ فوالله ما كنتَ بأكثرنا تبعاً ولا أقدمنا صحبة، قال: قالوا: فأعرض، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بيهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقرَّ كل عظمٍ في موضعه معتدلاً، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلاً، ثم يركع ويضع راحته على ركبتيه، ثم يعتدل ولا يصبو رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه، فيقول: سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليهما ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظمٍ إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم يقوم من الركعتين فيكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة، ويصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت الجلسة التي فيها التسلم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر.
قالوا: صدقتَ، هكذا كان يصلي.
وهذا حديث ابن حنبل، وهو كما ترى حجة واضحة في السدل؛ لأن أبا حميد في مقام الاحتجاج على الصحابة المنكرين عليه أنه أعلمهم وأعلم منهم بصفة صلاته صلى الله عليه وسلم، لكونهم ما سلموا له أول مرة حيث قالوا له: ما كنتَ بأكثرنا له تبعاً، كما جبلت عليه الأقران من التنافس وعدم التسليم للأتراب، إلا لمن وصف لهم صلاته صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقصاء للسنن والفرائض، ولم يترك منها شيئاً علمه، فقالوا له: صدقتَ، وسلموا له ما ادعاه، لكونهم أخبرهم بما عندهم، فحينئذ لو كان القبض من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم لأنكروا عليه قائلين له: يا أبا حميد، تركت أو نسيتَ أخذ الشمال باليمين؛ لأن المقام مقام الاحتجاج، والعادة قاضية بأنهم يناقشون فيه على أقل شيء، فحيث لم يناقشوه في ذلك علمنا أنهم متفقون على ترك القبض في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان سادلاً؛ لأن السدل هو الأصل، والأصل لا يُحتاج إلى ذكره، والتمسك به هو الحكم المتفق عليه.
قلت: هذا الحديث صرح فيه بالسدل واضحاً عند كل ذي لب سليم، وهو في قوله: حتى يقر كل عظم في موقعه معتدلاً، ولا شك أن موضع اليدين جنباه، وذلك هو السدل بعينه، وهو دليلنا في الحديث.
فإن قيل: أبو حميد وأصحابه وإن لم يذكروا القبض فقد ذكره غيرهم، فيكون زيادة ثقة، وهي مقبولة عند أهل الفن.
قلنا: المسألة ذات خلاف، وعلى التسليم فشرطها التساوي بين الراويين في الصوف، كما هو مقرر عندهم، وما هنا ليس كذلك؛ لأن أبا حميد وأصحابه لم يخالفهم من هو أعلم منهم، بل لم يخالفهم من طريقٍ ثابتٍ إلا وائل بن حجر الحضرمي، وهو شاسع الدار من أرض حضر موت باليمن، ولم يكن ملازماً له صلى الله عليه وسلم، بل إنما أتاه مرتين، بخلاف أبي حميد وأصحابه، فإنهم لم يفارقوه منذ صاحبوه، فهم أدرى بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وآخراً، وهذا من المرجحات عند أهل الأصول والأثر، ولا أعلم في ذلك خلافاً بينهم.
ومن عادة أهل الأثر والنظر إذا جاء حديث صحيح، وجاء شيء آخر مما يعد معارضاً له عندهم التمسوا له شاهداً من حديث آخر ضعيف، أو قراءة شاذة أو قياس جلي، أو غير ذلك، ليكون عاضداً له، وإذا كان لحديثٍ راوٍ واحد، التمسوا له متابعاً، وإن كان ضعيفاً، فقد فعل ذلك الشيخان في صحيحهما، فاستشهد البخاري في الصحيح برواية عبد الكريم بن أبي المخارق وغيره من الضعفاء، ولم يحتج بهم في الأصول، وعبد الكريم ضعيف باتفاق، واستشهد به أيضاً في باب التهجد في صحيحه، فإذا تقرر هذا فقد جاء ما يفسر حديث رفاعة، وحديث أبي حميد وأصحابه، وفيه نص، وهو ما رواه الطبراني في معجمه الكبير من طريق محبوب بن الحسن والخطيب بن جحدر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه قِبَل أذنيه، فإذا كبر أرسلهما، ثم سكت، وفي رواية: وربما أخذ الأولى بالثانية.
فهذا كما ترى نص في النزاع، ومعاذٌ لم يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبوب بن الحسن وثقه ابن معين وأخرج له البخاري في صحيحه، وأما ابن جحدر فهو وإن كان فيه مقال، إلا أنه غير متهم، فصح أن يكون هذا الحديث مفسراً أو عاضداً لحديث رفاعة، وحديث أبي حميد وأصحابه، به يزول الإشكال ويرتفع القيل والقال مما ورد في تلك الأخبار.
وهناك رواية أخرى في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن معاذ بن جبل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه، فإذا كبَّر أرسلهما، ثم سكت، وربما رأيته يضع يمينه على يساره.
ومن الأحاديث المصرحة بالإرسال ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن الحسن وإبراهيم وابن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير أنهم كانوا يرسلون.
وقال النووي في مجموعه: قال الليث بن سعد: يرسلهما، فإن طال عليه ذلك وضع اليمنى على اليسرى، وقال الأوزاعي: مخير بين الوضع والإرسال اهـ.
قلتُ: كلام الليث صريح في أن القبض عنده ليس من السنة، وإنما هو من باب الاستراحة، وهذا هو عين ما علَّل به مالك كراهيته لما فيه من الاعتماد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه قال حين سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله، فقال: إنما ذلك من أجل الروم.
وروي عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة، وهكذا أخرج عن أبي مجلز وأبي عثمان النهدي وأبي الجوزاء اهـ.
وهؤلاءكلهم من كبار التابعين وفيهم الحسن البصري الذي روى أبو داود في حديث وائل بن علقمة عن وائل بن حجر أن محمد جحادة قال: فذكرتُ ذلك للحسن بن أبي الحسن، فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعله من فعله، وتركه من تركه.
وما نقل عن جميعهم يفهم منه النسخ لأن نسبته لأحبار بني إسرائيل أو الروم، دالٌّ دلالة صريحة على أنه ليس من سنته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يقتدى بأخبار الروم، ولا يأمر بالاقتداء بهم، ولا ينسب إليهم شيئاً من السنة، بل لقد نهى صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم والاقتداء بهم والنظر في كتبهم.
وروى ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسلهما ولا يضع اليمنى على اليسرى.
وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن إبراهيم قال: سمعتُ عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه.
ومن الأحاديث الدالة على الإرسال: كل حديث وصفت فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وتعرض فيه ذلك لذكر المستحبات، ولم يذكر فيها القبض؛ لأن الإرسال هو الأصل كما لا يخفى، والقبض وصفٌ زائدٌ، فإذا لم يذكر بقي الحالُ على الأصل الذي هو الإرسال.
ومن أدلة الإرسال: ما عليه عمل أهل المدينة.
عمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد عند مالك، جاعلاً له كالناسخ لما عارضه من خبر الآحاد، وذلك لأن الصحابة رضوان الله عليهم يأخذون بالمتأخر من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يخفى عليهم المتأخر منها، فإذا وجد مالك رضي الله عنه عمل أهل المدينة المشحونة من التابعين على خلاف ذلك الخبر، عمل بعمل أهل المدينة، وترك الخبر لقرب عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة الذين تلقوا منه الشريعة، وتلقتها منهم التابعون، فلا يمكن التابعين أن يجدوا الصحابة على عمل ويعملوا بخلافه، فعلم أن هذا العمل مستندٌ إلى خبر متأخر ناسخ للخبر الذي قبله، فصار عمل أهل المدينة لهذا المعنى كالمتواتر، والمتواتر مقدمٌ قطعاً على خبر الآحاد.
وعمل أهل المدينة حجة عند مالك رحمه الله، والمقصود بعمل أهل المدينة مقصور على عمل الصحابة والتابعين بالمدينة خاصة؛ لأنهم هم الذين يتوفر فيهم ما مر من نقل خلفهم عن سلفهم ما كان يعمل به صلى الله عليه وسلم ويحصل فيهم شرط التواتر كما مر.
وإذا قال قائل: لم يثبت عندنا عمل أهل المدينة بالإرسال، ومن أين لنا ثبوته؟
فالجواب: أن قول مالك بالإرسال كافٍ في ثبوته؛ لأن القائلين بالقبض يزعمون أنه لا يوجد حديث يدل على الإرسال، مع ما قدمناه من الأحاديث الدالة عليه.
ومما هو دليل أيضاً على أن عمل أهل المدينة على الإرسال، كونه مذهب سعيد بن المسيب، وهو أحد كبار التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة، أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أفضل التابعين على الإطلاق كما قال الإمام أحمد.
فهذا وحده كافٍ في ثبوت كون عمل أهل المدينة على الإرسال.
ومن أشد العلماء تعصباً للقبض ابن عبد البر، وقد قال في كتابه الكافي الذي ألفه في فقه مالك، وذكر في خطبته أنه اعتمد فيه على عمل أهل المدينة، واقتصر فيه على الأصح عملاً والأوثق نقلاً من ذلك ما نصه: ووضع اليمنى منهما على اليسرى وإرسالهما، كل ذلك سنة في الصلاة.
قلنا: إن آخر الأمرين الإرسال، لما مر بيان ما عليه عمل أهل المدينة.
فمالك لم يترك العمل بالحديث إلا لترك الصحابة القاطنين بالمدينة، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة، العمل به، والتابعين لهم، فمالك رحمه الله جعل عمل أهل المدينة على خلاف خبر الآحاد مستنداً إلى ناسخ لذلك الخبر؛ لأن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم إنما يأخذون بالمتأخر من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم.
والإرسال في مذهب الإمام مالك هو المشهور والراجح، وذلك معلوم حتى عند علماء المذاهب الخارجة، فقد قال النووي في شرح مسلم: وعن مالك رحمه الله روايتان: إحداهما يضعهما تحت صدره، والثانية يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى، وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم، اهـ.
وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني: وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، اهـ.
وأما كونه هو الراجح في المذهب، فلأ، الراجح هو ما قوي دليله، وأحديث القبض كلها ضعيفة، وذكرنا أحاديث الإرسال الدالة دلالة صريحة أو التزامية، وأنها سالمة من الطعن الواقع في أحاديث القبض.
ومن تلك الأحاديث الدالة على سنية السدل حديث أبي حميد الساعدي، لصحته الصحة التامة، ودلالته على الإرسال دلالة صريحة.
وقد قال في فتح الباري: إنه أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد وابن خزيمة، نكرر هنا ذلك الحديث وإن سبق ذكره، ونسوق رواية أبي داود لما فيها الزيادة الدالة على الإرسال صراحة.
ولفظه: قال: حدثنا أحمد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد (ح)، وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى، وهذا حديث أحمد: أنبأنا عبد الحميد، يعني ابن جعفر، أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعتُ أبا حميدٍ الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فَلِمَ؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعاً، ولا أقدمنا له صحبه، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقرَّ كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم يقرأ ، ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل، فلا يصوب رأسه، ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه على جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام إلى الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر، قالوا: صدقت، هكذا كان يصلى صلى الله عليه وسلم، انتهى.
فانظر هذا الحديث الذي رجاله رجال الصحيح، صرح فيه بالسدل في قوله: (إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقرَّ كل عظم في موضعه معتدلاً).
قال في فتح الباري: وفي رواية هشيم عن عبد الحميد: ثم يمكث قائماً حتى يقع كل عظم في موقعه، ثم يقرأ، إلى آخره.
فغير خافٍ على عاميٍ، فضلاً عن عالمٍ، أن معنى (يقر) و(يقع) في الروايتين يثبتُ ويستقرُّ في محلِّه، ولا شك أن محل اليدين من الإنسان جنباه، وذلك هو الإرسال بعينه، لا ينازع في ذلك إلا مجنون أو مكابر في المحسوس، انتهى باختصار من كتاب (إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض) بتصرف يسير حسب الحاجة.
وبهذا الحديث الصحيح ختمتُ هذه العجالة المباركة، المختصرة من أقوال الأئمة المجتهدين، حول حكم السدل في الصلاة، فخذها أيها السائل المتعطش جواباً تاماً كافياً شافياً مختصراً.
فكن من أهل التسليم والاعتقاد، ولا تكن من أهل التعصب والانتقاد، فقد عرفت من خلال ما تقدم بإيجاز أن السدل سنَّةٌ ومندوب في الصلاة على مذهب إمامنا مالك، كما ذكره أئمة الفروع الفقهية، كالشيخ خليل وشراحه، وابن عاشر وشراحه وغيرهم، ومستندهم جميعاً هو هذا الحديث المذكور أعلاه المدعوم بما سبق ذكره من الدلائل، وبعمل أهل المدينة الذي اعتمده إمام الأئمة مالك بن أنس رضي الله عنه، فلم يبق للإنسان الذي يريد الحقيقة ويبحث عنها إلا أن يسلم ويستسلم، وينقاد للحقيقة، ويعترف بأن ما ذهب إليه مالك رحمه الله هو الأحوط والأجدر بالاتباع، وأن من صلى بكلتي الحالتين السدل أو القبض فصلاته صحيحة كاملة تامة غير ناقصة، غير أن السدل هو الأفضل والأحسن، وهو الأشهر والأرجح على مذهب الإمام مالك الذي اتبعه المغاربة قاطبة منذ رسوخ الإسلام في هذا الوطن العزيز، وتوحدت به كلمة المغاربة، واجتمع عليه صفهم ورأيهم وإجماعهم منذ دخول المولى إدريس الأول إلى المغرب، حتى ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الفرق التي قلدت المشارقة في كيفية صلاتهم وصيامهم وحجهم، بسبب ما يرون في الحرمين الشريفين أثناء زيارتهم في الحج والعمرة، وبسبب ما يروجه علماء المشرق من الكتيبات المطبوعة المشتملة على ما يخالف المذهب المالكي السائد في الحرمين الشريفين وبلاد الحجاز، قبل تولي الحكام السعوديين واستيلاؤهم على تلك البلاد، ومعلوم أن مذهبهم ودولتهم قامت على أسس المذهب الوهابي، الذي تزعمه محمد بن عبد الوهاب النجدي، الذي أجمع علماء الأقطار الإسلامية بأنه مخالف لجميع المذاهب الإسلامية.
ووصل هذا الداء إلى صفوف شباب المغرب في السنين الأخيرة، حتى استفحل الأمر واتسع الرتق على الراقع، رغم النداءات المتكررة والأوامر المتأكدة من طرف أمير المؤمنين جلالة الحسن الثاني نصره الله، الذي ما فتئ يصرح في كثير من خطبه وتوجيهاته السامية إلى وجوب اتباع المذهب المالكي والمحافظة عليه، والعمل به في مجموع بلاد المغرب، لكن الشباب يستهويه كل جديد، حتى ظنوا أن في الدين جديداً ما يقوم به مروجو الأفكار الوهابية من وسائل التشجيعات والإغراءات المادية والمعنوية، وذلك هوا لسبب فيما يلاحظ في وسط الساحة الاجتماعية من خلافات وصراعات فكرية، حتى يفقد الإنسان في بيته ومسجده مع من يصلي مطمئناً براحة باله، من أجل كثرة التكلفات في الصلاة، من تفريق الرجلين كثيراً، ومجافاة المرفقين حتى يسع المصلي الواحد مساحة صلاة رجلين أو ثلاثة، وكذلك تكرار (قد قامت الصلاة) في الإقامة، والسكتة بعد تكبيرة الإحرام هنيهة قليلة لا تفي حتى لقراءة دعاء الاستفتاح إن كان المقصود قراءته ولو كره عند مالك، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام حتى يقبض بهما أذنيه، وكذلك الجهر بالتأمين جهراً ينافي الخشوع لقوة النطق به، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الركوع وعند الهوي إلى السجود، وعند القيام من الركعة، وكذلك تقديم الركبتين عند السجود وتأخير وضع الكفين، عكس ما هو عند الإمام مالك، وكذلك تأخير الركبتين في القيام ن السجدة وإحداث جلسة زائدة أثناء ذلك، مثل جلسة الاستراحة بعد الركعة الأولى، وكذلك القيام بتكلف وانحناء الرأس إلى جهة اليمين مما ينافي الاعتدال المطلوب في الصلاة، وكذلك وطء المصلي برؤوس أصابع رجليه على رؤوس أصابع رجلي مصلٍّ آخر بجنبه، ولا أدري من أين لهم بذلك، وكذلك التسليم مرتين، إلى آخر ما أحدثوه في الصلاة، من كل ما يخالف المذهب المالكي.
فهذه الخلافات الفقهية كلها تقلق راحة المصلي، ويفقد فيها خشوعه في الصلاة، وتلك هي نتائج ما يروجه أهل المذاهب المختلفة بين صفوف الشباب الضائع الذي لم يجد من يأخذ بيده ويرشده إلى الصواب لأول وهلة، قبل أن يزرع في أفكاره أهل الأهواء ضلالاتهم وزريعتهم الفاسدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهناك مسائل خلافية أخرى في أبواب فقهية شتى، سيأتي وقت تبيينها وتوضيحها للقراء إن شاء الله تعالى.
وكتبه على عجل، العبد الضعيف، أعمون مولاي البشير، بن محمد، بن مبارك، الناصري التتنائي، وذلك بتاريخ 5 صفر الخير عام 1419 هجرية، موافق 31 مايو سنة 1998ميلادية، غفر الله ذنبه وستر عيبه، بجاه سيد الأولين والآخرين أجمعين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.










قديم 2011-11-01, 21:37   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ربوح ميلود
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ربوح ميلود
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم إخواني:
بعد قراءتي لهذا الموضوع الذي يحوي على نقولات قد تحتاج الى تأصيل في مسأله الاستدلال بالحكم الشرعي على مذهب مالك رحمه الله فأرتأيت الا أن ادلو بدلوي عله تتنتفع به الامة في عبادتها منطلقا من قول المطفى صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي .

هذه دراسة متواضعة في مسألة من المسائل الفقهية التي كثر عليها الكلام منذ سنين كثيرة، فأحببت أن اشارك إخواني فائدتها وهي عبارة عن اختصار كتاب لأحد أئمة المالكية في هذه المسألة التي كثر فيها الكلام والقيل والقال. فمع المبحث إخواني ولا تبخلوا علينا بنصائحكم المفيدة وجزاكم الله خيرا.
تنبيه: وهذا المبحث كنت قد كتبته منذ ما يزيد عن الثماني سنوات وهدانا الله وإياكم للحق..آمين
السلام عليكم: بسم الله الرحمان الرحيم:
اعلم أنّ مسألة القبض أو وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة هي من السنن الثابتة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ما ذهب إليه الجمهور محتجّ بأحاديث... وهي عشرون عن ثمانية عشر صحابيا وتابعيين (1) أكثرها صحاح وما قصر عن تلك الدرجة يرتفع بشواهده ومتابعاته كما يعرفه أهل فنّه، والعمدة على صحاحها وحديث واحد يثبت به الحكم(2)
ومن هذه الأحاديث حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال : { لأنظرنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف يصلّي، قال فنظرت إليه، قام فكبّر ورفع يديه حتّى حاذتا أذنيه ثمّ وضع يده اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى والرّسغ والساعد }(3) "والرّسغ بضمّ الرّاء وسكون السين ويقال : الرّصغ بالصاد وكلاهما فصيحتان وردت بهما السنّة، وهو المفصل بين الساعد والكف"(4)"والمراد أنّه وضع يده اليمنى على كفّه اليسرى ورسغها وساعدها" (5)
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال { إنّا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخّر سحورنا ونعجّل فطرنا وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا} (6). ففي هذا الحديث دليل على أنّ من السنّة القبض، وفي الحديث الأوّل الوضع فكلّ سنّة، ومن هذين الحديثين يتبيّن لنا خطأ من يرسل يديه (7) إذ أنّ وضع اليد اليمنى على اليسرى من هدي نبينا صلّى الله عليه وسلّم وهدي الأنبياء قبله(8) وقال ابن عبد البر رحمه الله { لم يأت عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنفل ومنهم من كره الإمساك ونقل ابن الحاجب أنّ ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الرّاحة }(9)
والمشهور في كتب المتأخرين من المالكية أن وضع اليدين تحت الصدر فوق السرّة مندوب للمصلي المتنفّل وكذا للمفترض إن قصد بالوضع الإتباع أو لم يقصد شيئا أمّا إن قصد الاعتماد و الاتكاء على يده بوضعهما كره له ذلك(10)
ولإيضاح هذه المسألة "" وهي مسألة القبض في الصلاة "" التي رواها الأئمة في كتبهم، وخاصّة عند المذهب المالكي الذي اشتهر عند الكثير من الناس بل حتّى عند طلبة العلم أنّ القبض أو الوضع مكروه عندهم مرجحين السدل عليه مدّعين بأنّ هذا هو مذهب الإمام مالك رحمه الله، وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ < معنى رواية الإرسال عن مالك أنّ الخليفة المنصور ضربه فكسرت يده فلم يستطع ضمها إلى أخرى لا في الصلاة ولا في غيرها، فرآه النّاس يرسل فرووه عنه، ذلك ولم يتفطّنوا لما هنالك، والحجّة رواية مالك لا فعله ولا رأيه >(11)
ولتبيين هذه المسألة وإزاحة الغبار عنها لنا عظيم الشرف أن ننقل لكم بعض النقول من كتاب هو في رأيي من أحسن الكتب المؤلفة في هذا الباب بل أحسنها، إذ عالج صاحبه هذه المسألة معالجة مقنعة، وجمع أقوال وأراء المشهورين من علماء المالكية وحججهم، وبيّن الحقّ فيها وأتى البيوت من أبوابها، وهو من علماء المالكية الأفذاذ، الذين دحضوا كلّ حجج المتأخرين من المذهب بُغية تبيين الحقّ للخلق وإحقاقه، دحضا للباطل المزعوم وهذا العَلَم هو الشيخ الإمام محمّد المكّي بن عزّوز أبو عبد الله الحسني الإدريسي المالكي التونسي، ولد في يوم خمسة عشر من شهر رمضان سنة 1270هـ ببلدة نفطة من أرض إفريقيا بالقرب من تونس وكتابه هو :
< هيئة النّاسك في أنّ القبض في الصلاة مذهب الإمام مالك>(12)
والنسخة المعتمدة في هذا الجمع المبارك هي طبعة دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى سنة 1417هـ _ 1996م دراسة وتحقيق د. نفل بن مطلق الحارثي، والتي سنقتطف منها بعض الفصول الطويلة والمفيدة من كلام المؤلف حرفيا ونرتبها حسب موضوعها مع ذكر مكانها ومرجعها إذ ظللت فترة ليست بطويلة وأنا أقرأ منها، أحذف هذا تارةً وأعيد ذلك تارةً وأربط بين جملة أو جمل في صفحة مع جمل أخرى تبعد عنها عدة صفحات راعين في ذلك قصد المؤلّف رحمه الله تعالى.
هذا... وما دعاني إلى دراسة هذه المسألة هو أننّي وجدتها مفيدة في بابها خاصّةً وهي صادرة من إمام مالكي المذهب هذا أوّلا، وثانيا أنّي لمّا عاشرت بعض الذين ينتمون إلى المذهب المالكي ووجدتهم لا يقرؤون لمن خالفهم في المذهب ولو كان معه الحقّ _ وذلك لسبب واحد فقط وهو أنّه ليس من مذهبهم _ لهذا وذاك تحمست لدراسة هذا الكتاب وما شجّعني كذلك في هذا هو ما وجدته من حسن استدلال مؤلّفه واتباعه للدليل وعدم تعصبه للمذهب فأيقنت عندها أنّ هذا الكتاب هو الذي يجب على من يبحث عن الحقّ في هذه المسألة أن يطالعه وخاصّة إذا كان من المالكية لأنّه مفيد جداً في بابه، وللفائدة أذكر بعض الفوائد التي ذكرها المؤلّف وهي بمثابة القواعد التي تعين طالب العلم على معرفة الحقّ وهي ثلاثة آراها مهمّة في بابها وهي :
القاعدة الأولى : أنّ القول لا يرجّح لفضل قائله، وإنّما يرجّح بدلالة الدّليل عليه.
< أمّا الإحتجاج للسدل بذكر مناقب ابن القاسم مع أنّه أهل لها، لا يزيد ذرّة في تقوية القول الذي قاله لأنّهم ما أوّلوا كلامه إلاّ لثبوت فضله وصدق لهجته، فتذكار فضائل المبحوث في مقاله ليس من أدب البحث في شيء إلاّ إذا كان البحث في سبيل الجرح والتعديل وهنا لا مساس لذلك،وقال ابن عبد البر رحمه الله (13) "لا يرجّح القول لفضل قائله وإنّما يرجّح بدلالة الدليل عليه >(14)
القاعد الثانية : أنّ القول إنّما يرجّح بالدّليل لا لمجرّد وجوده في كتاب معيّن.
< قال صالح العمري(15) : فقد بان بما ذكره ابن عبد البر ضعف ما أصّله المتأخّرون من المالكية أنّ قول مالك في المدوّنة مقدّم على قول غيره فيها وقول ابن القاسم فيها أولى من قول غيره إلى آخر ما أصّلوه فالقول إنّما يرجّح بالدّليل لا لمجرّد وجوده في كتاب معيّن كالمدونة.
وقد لهج المتأخّرون من المالكية بترجيح القول والرواية بمجرّد وجودها في المدونة ولو خالفت الأدلّة المجمع علي صحّتها كما في مسألة سدل اليدين في الصلاة... إلى أن قال : مع أنّ رواية القبض ثابثة عن مالك وأصحابه برواية ثقات أصحابه وغيرهم >(16)
القاعدة الثالثة : إذا تعارض الرّاجح مع المشهور قدّم الراجح على المشهور.
قال في الفرق بين الرّاجح والمشهور :< في الفرق بينهما أنّ المشهور ما كثر قائله، والرّاجح ما قوي دليله كما اعتمده القرافي. وقال بعده : مالك يراعي ما قوي دليله لا ما كثر قائله ومثله قاله ابن عبد السلام، فهذا أصل مهم من أصول مالك ينبغي أن لا يغفل عنه في الخلافيات ولذا قال المحقّقون : إذا تعارض الراجح والمشهور فالواجب العمل بالرّاجح. وقال المسناوي : وقد اجتمع في سنّة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة قوّة الدليل وكثرة القائل ثمّ ذكر الدّليل وأشار إلى أسماء جماعة من محقّقي المالكية القائلين به. وبذلك تعرف أنّه لم يبق في يد صاحب السدل قوّة دليل ولا كثرة قائل وقد حصحص الحق لمن كان له تثبّت وذوق عند طلب حقائق المسائل>(17)
هذا وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه على متابعة أمره، وإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والحمد لله أوّلا وآخرا.
< اعلم أنّ وضع اليدين في الصلاة ليس مختصّا بهذه الأمّة بل هو من شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم ولأهل العبادة من أممهم كما تفيد الأحاديث المرفوعة >(18)
منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال {إنّا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخّر سحورنا ونعجّل فطرنا، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة }(19)
فبهذا تكون < قد علمت أنّ هذه الهيئة من شعائر الصلاة اتفاقا منذ بعثت الرّسل واستضاءت الشرائع الحقّة وخاتمتها شريعتنا المحمّدية >(20)
هذا... < ومن المعلوم أنّ أصول التشريع النبوي ثلاثة : القول والفعل والتقرير، فإثبات هذه السنّة بالقول أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرهم بها كما في الحديث الصحيح(21) وإثباتها بالفعل أحاديث كثيرة أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله(22)... وبالتقرير أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلحه لهم كحديث جابر قال : مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجل وهو يصلّي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى(23) فالقول والفعل والتقرير كلّها بيد مثبت هذه السنّة وليس بيد من نفاها واحد من ثلاثة وهي ينابيع الشريعة المطهرة >(24)
< ومنذ البعثة النبوية إلى عصرنا لم ينسب أحد فعل السدل سنّة للنبي صلّى الله عليه وسلّم وما روى راو ولو ضعيفا أنّه صلّى الله عليه وسلّم فعله أوّلا ولا آخرا ولا أمر به، ولا تجد أثر من محدّث ولا نصا من فقيه يشعر بذلك لا بدليل ولا بغير دليل ولذلك لا يقدر القائل أن ينقل عن أحد ما يثبت ما ادعاه في نقطة النزاع ولو كلمة ومن خاض عباب علوم السنّة وأمهات الفقه ودواوين مسائل الخلاف عرف أن لا قائل أصلا بمشروعية السدل وسنيته من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم من لسان النبوة بالخيرية
وأيضا لم يرو القول به اجتهادا عن صحابي قط إلاّ رواية ضعيفة عن ابن الزبير ورواية القبض عنه أصحّ فقد روى ابن عبد البر(25) بسنده عنه أنّه قال " صفّ القدمين ووضع اليد على اليد من السنّة ">(26)
< والأحاديث الواردة في مسألة القبض نحو عشرين حديثا عن نحو ثمانية عشر صحابيا، أكثرها صحاح وما قصر عن تلك الدرجة يرتفع بشواهده ومتابعاته كما يعرفه أهل فنّه، والعمدة على صحاحها، وحديث واحد يثبت به الحكم، فمن الصحابة الذين حفظت عنهم هذه السنّة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم ابن عباس وبن عمر وعائشة وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبو هريرة وأبو الدرداء وجابر بن عبد الله وعبد الله بن الزبير وحذيفة وسهل بن سعد ووائل بن حجر ومعاذ بن جبل وغيرهم رضي الله عنهم >(27)
< فالعشرة الأوائل التي يقال لها أصول الإسلام وهي الصحاح الستّة وكتب الأئمّة الأربعة كلّها روت وضع اليدين سنّة قائمة وليست فيها ولا في غيرها من كتب الحديث حرف يدلّ على السدل>(28)
أمّا رواية ابن القاسم عن مالك رحمهما الله فهاهي كما جاءت:
قال ابن القاسم رحمه الله : وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة قال : لا أعرف ذلك في الفريضة، ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين نفسه
سحنون عن بن وهب عن سفيان الثوري عن غير واحد من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّهم رأوا النبي صلّى الله عليه وسلّم واضعا يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة"(29)
< وبه تعرف مراد بن القاسم بالكراهة إلى أين توجه ومراد ابن سحنون وهو المتلقي إملاء المدونة، لله درّه ما أدقّ نظره وما أبصره بحسن تنسيق الإفادة، حيث خشي أن تؤخذ الكراهة التي رواها عن ابن القاسم مطلقة مغفولا عن قيدها بقصد الاعتماد وقد وقع فأعقبها ثبوت سبيتها إشعارا بطرفي المسألة >(30)
وقد < ظهر بقصد الإعتماد الذي رجحوه أنّ قول مالك :" لا أعرف وضع اليدين" أي لا أعرف جواز الإعتماد به في الفريضة، وقال المسناوي " ومن الشيوخ من حمل ما روي عن مالك في القبض من قوله : لا أعرفه على أنّه لا يعرفه من لوازم الصلاة وواجباتها التي لا بدّ منها >(31) < وإلى هذا أشار ابن الحاج (32) في المدخل بقوله في فضائل الصلاة ما نصّه :" ويختلف في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة وقد كرّهها في المدونة، ومعنى كراهتها أن تُعد من واجبات الصلاة >(33)

< وتأويل الاعتماد " بالكراهة " هو المعتمد ولا يتّجه غيره وهذه نكتة يلزم إضاحها وعندها إن شاء الله يرتفع الإشكال وينزاح الإغفال، وذلك أنّ أكثر المتعاطين للفقه يسبق في هذا المحل إلى أفهامهم أنّ القبض في الصلاة على كلّ حال مكروه عندنا، ولكن اختُلِف في سبب الكراهة : قيل لما فيه من الإعتماد، وقيل خوف ظنّ الوجوب، وقيل خوف إظهار الخشوع
فالقارئ يقول : استفدت أنّ حكم القبض في مذهبنا الكراهة، ومعرفة الحكم غير معرفة علته، فالذي يعرف علّته فتلك زيادة فائدة، و إلاّ ففهم الحكم وهي الكراهة هنا كافٍ
والحق أنّ المؤلفين لم يريدوا ذلك، وهي غفلة بيّنة من قراء المختصر " أي مختصر خليل "
وبيان المراد من أصله أنّ التعليل قسمان : تعليل بالمظنّة، وتعليل بغير المظنّة
فأمّا التعليل بالمظنّة فحكم المعلل ملازم له سواء وجدت العلّة أم لا، كالقصر والفطر للمسافر والعلّة فيه مظنّة المشقّة
فسنّة المسافر القصر وله الفطر ولو لم تكن مشقّة كسفر المترفّه في سفره، والتعليل بغير المظنّة فهو الذي يدور فيه الحكم مع العلّة وجودا وعدما >(34)
< فمتى قصد الإعتماد و الإستناد بالقبض كره، ومتّى فقد قصد الإعتماد ارتفعت الكراهة ورجع الأمر إلى السنية والمؤلفون شروحا وحواشي لم يذكروا إلاّ ذلك >(35)
< انظر أقوال علماء المالكية بأنّه إذا لم يقصد الإعتماد بالوضع فإنّه يكره له الوضع، كقول عبد الباقي والخرشي والدردير والدسوقي والصاوي حيث قال " فلو فعله لا للإعتماد بل تسنّنا لم يكره " وقال الشبرخيتي في قسم الإعتماد " فلو فعله لا لذلك بل تسنّنا لم يكره "
وقال العدوي عند قول الخرشي " بل استنانا لم يكره " نفي الكراهة صادق بالجواز والاستحباب، وحيث كان له أصل في السنّة فهو مستحب، بقي إذا لم يصد شيئا لا اعتمادا ولا تسننا والظاهر حمله على التسنّن، لأنّه حيث ورد في السنّة فيحمل خال الذهن عليه
فالأحوال ثلاثة : قصد الإعتماد مكروه، وقصد التسنّن أو لم يقصد شيئا مندوب وهذا هو التحقيق والتأويلات بعده خلافه(36) أي خلاف التحقيق >(37)
< فبهذا عرفنا أنّه لا يجوز الإفتاء بكراهة القبض في الصلاة إلاّ مقرونا بقصد الإعتماد ولأنّه المرجّح من تأويلات الكراهة، بأن يقول المفتي مثلا لمن سأله إن كنت تقصد الإستناد على يديك في حالة إمساكها استراحة فهو مكروه، وإلاّ فهو سنّة في مذهب مالك وغيره، ولا شكّ أنّ الابتداء ببذر كراهته هو الذي زرع النفرة من هذه السنّة وصيرها منافية لمذهب مالك الذي جعله الله نقيّا من تقديم الآراء على الآثار نزيها عن شوائب البدع >(38)
< ووضع اليد اليمنى على اليسرى عند الصدر أو تحته في قيام الصلاة سنّة قائمة محكمة باتفاق المذاهب الأربعة وغيرهم، وإمامنا مالك من أوّلهم في ذلك نشرا وعملا وهو أسبق الأئمّة إليها، لأنّه نشأ في روضة الآثار النبوية وفيها تربّى منذ أن عرف اليمين من الشمال، وهذا مختصّ بمالك لا مشارك له في ذلك، ولهذا ما من شيء في الشريعة مؤَسَّس على الحديث النبوي والآثار الصحيحة إلاّ ومالك السابق إليه والمؤثّر له على غيره من السبل
ومن جملة السنن سنّة وضع اليدين لم يفارقها مالك إلى أن فارق الدنيا... ثمّ نشأ الخلاف في المالكية بعد القرون الأولى على ثلاثة أقوال : الاستحباب والكراهة والجواز كما حصّله ابن رشد في البيان نقله عنه الثعالبي في جامع الأمهات مفصّلا، وقد تبيّن لك رجوع القول بالكراهة والجواز إلى الاستحباب والسنية ولو على قول ابن القاسم >(39)
هذا... < ومالك أخذ عن تسعمائة شيخ ثلاثمائة من التابعين وستمائة من تابعي التابعين ليس عنهم من توجد عنه رواية في السدل
والذين أخذوا العلم عن مالك ألف وثلاثمائة عالم عدّ عياض منهم في المدارك نحو الألف مقتصرا على المشاهير، ليس فيهم من توجد له رواية في السدل عن مالك فيما جمعه المؤلفون لمسائل الخلاف، وكلمة ابن القاسم التي في المدونة زالت شبهتها بما بسطناه...فكيف ينسب عمل رجل أو رجلين في أهل القرن كلّهم أو جلّهم، وعلى فرض عمل الصحابة للسدل لا تجوز نسبته للنّبي صلّى الله عليه وسلّم بمجرّد عملهم له إلاّ بقول الصحابي أمرنا بكذا أو في السنّة كذا ومع ذلك لا يقال قاله أو فعله صلّى الله عليه وسلّم بل يقال : موقوف حكمه الرّفع، وقد تقدّم أنّ الصحابة لم يسدلوا فضلا عن أن يقولوا هو سنّة >(40)
ومع العلم < أنّ ابن القاسم فارق مالكا في حياته كما يفيده التاريخ بلا نزاع وتوطّن بلده مصر ويدل له قول سحنون متأسّفا على عدم لقاء مالك :" أنا عند ابن القاسم بمصر وكتب مالك تأتيه " وسحنون وصل إلى ابن القاسم بمصر قريبا من وفاة مالك فوصوله في نحو 178هـ ومالك توفي في ربيع الأوّل عام 179هـ والمدنيون أصحاب مالك الذين رووا عنه مشروعية هذه السنّة تفقها وعملا حاضرون لوفاته في المدينة كمطرّف بن أخت الإمام نفسه، وابن الماجشون وابن نافع وغيرهم، وابن نافع هو الذي صار مفتي المدينة بعد مالك وقد صحبه أربعين سنة، وقيل لمالك لمن هذا الأمر بعدك قال : لنافع >(41)
< فأردت بهذا معالجة الأفكار بمذاكرة تشفي الصدور حتّى لا يقول أحد بعد سماعها أنا معذور، نفرض أنّ رواية ابن القاسم الكراهة على ظاهرها لا تأويل فيها، ونفرض أنّ المسألة اجتهادية صرفا لا نصّ فيها من حديث ولا آثر فالفيصل في هذا أنّ الاجتهاد فيها لإمام دار الهجرة مالك
فمالك روى عنه جميع أصحابه مشروعيتها إلاّ ابن القاسم روى عنه الكراهة والكل ثقات، فنسكن عن ترجيح رواية الأكثر على رواية الأقل فضلا عن كون ذلك الأقل رجلا واحدا >(42)
السلام عليكم إخواني:
هذه دراسة متواضعة في مسألة من المسائل الفقهية التي كثر عليها الكلام منذ سنين كثيرة، فأحببت أن اشارك إخواني فائدتها وهي عبارة عن اختصار كتاب لأحد أئمة المالكية في هذه المسألة التي كثر فيها الكلام والقيل والقال. فمع المبحث إخواني ولا تبخلوا علينا بنصائحكم المفيدة وجزاكم الله خيرا.
تنبيه: وهذا المبحث كنت قد كتبته منذ ما يزيد عن الثماني سنوات وهدانا الله وإياكم للحق..آمين
السلام عليكم: بسم الله الرحمان الرحيم:
اعلم أنّ مسألة القبض أو وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة هي من السنن الثابتة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ما ذهب إليه الجمهور محتجّ بأحاديث... وهي عشرون عن ثمانية عشر صحابيا وتابعيين (1) أكثرها صحاح وما قصر عن تلك الدرجة يرتفع بشواهده ومتابعاته كما يعرفه أهل فنّه، والعمدة على صحاحها وحديث واحد يثبت به الحكم(2)
ومن هذه الأحاديث حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال : { لأنظرنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف يصلّي، قال فنظرت إليه، قام فكبّر ورفع يديه حتّى حاذتا أذنيه ثمّ وضع يده اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى والرّسغ والساعد }(3) "والرّسغ بضمّ الرّاء وسكون السين ويقال : الرّصغ بالصاد وكلاهما فصيحتان وردت بهما السنّة، وهو المفصل بين الساعد والكف"(4)"والمراد أنّه وضع يده اليمنى على كفّه اليسرى ورسغها وساعدها" (5)
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال { إنّا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخّر سحورنا ونعجّل فطرنا وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا} (6). ففي هذا الحديث دليل على أنّ من السنّة القبض، وفي الحديث الأوّل الوضع فكلّ سنّة، ومن هذين الحديثين يتبيّن لنا خطأ من يرسل يديه (7) إذ أنّ وضع اليد اليمنى على اليسرى من هدي نبينا صلّى الله عليه وسلّم وهدي الأنبياء قبله(8) وقال ابن عبد البر رحمه الله { لم يأت عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنفل ومنهم من كره الإمساك ونقل ابن الحاجب أنّ ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الرّاحة }(9)
والمشهور في كتب المتأخرين من المالكية أن وضع اليدين تحت الصدر فوق السرّة مندوب للمصلي المتنفّل وكذا للمفترض إن قصد بالوضع الإتباع أو لم يقصد شيئا أمّا إن قصد الاعتماد و الاتكاء على يده بوضعهما كره له ذلك(10)
ولإيضاح هذه المسألة "" وهي مسألة القبض في الصلاة "" التي رواها الأئمة في كتبهم، وخاصّة عند المذهب المالكي الذي اشتهر عند الكثير من الناس بل حتّى عند طلبة العلم أنّ القبض أو الوضع مكروه عندهم مرجحين السدل عليه مدّعين بأنّ هذا هو مذهب الإمام مالك رحمه الله، وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ < معنى رواية الإرسال عن مالك أنّ الخليفة المنصور ضربه فكسرت يده فلم يستطع ضمها إلى أخرى لا في الصلاة ولا في غيرها، فرآه النّاس يرسل فرووه عنه، ذلك ولم يتفطّنوا لما هنالك، والحجّة رواية مالك لا فعله ولا رأيه >(11)
ولتبيين هذه المسألة وإزاحة الغبار عنها لنا عظيم الشرف أن ننقل لكم بعض النقول من كتاب هو في رأيي من أحسن الكتب المؤلفة في هذا الباب بل أحسنها، إذ عالج صاحبه هذه المسألة معالجة مقنعة، وجمع أقوال وأراء المشهورين من علماء المالكية وحججهم، وبيّن الحقّ فيها وأتى البيوت من أبوابها، وهو من علماء المالكية الأفذاذ، الذين دحضوا كلّ حجج المتأخرين من المذهب بُغية تبيين الحقّ للخلق وإحقاقه، دحضا للباطل المزعوم وهذا العَلَم هو الشيخ الإمام محمّد المكّي بن عزّوز أبو عبد الله الحسني الإدريسي المالكي التونسي، ولد في يوم خمسة عشر من شهر رمضان سنة 1270هـ ببلدة نفطة من أرض إفريقيا بالقرب من تونس وكتابه هو :
< هيئة النّاسك في أنّ القبض في الصلاة مذهب الإمام مالك>(12)
والنسخة المعتمدة في هذا الجمع المبارك هي طبعة دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى سنة 1417هـ _ 1996م دراسة وتحقيق د. نفل بن مطلق الحارثي، والتي سنقتطف منها بعض الفصول الطويلة والمفيدة من كلام المؤلف حرفيا ونرتبها حسب موضوعها مع ذكر مكانها ومرجعها إذ ظللت فترة ليست بطويلة وأنا أقرأ منها، أحذف هذا تارةً وأعيد ذلك تارةً وأربط بين جملة أو جمل في صفحة مع جمل أخرى تبعد عنها عدة صفحات راعين في ذلك قصد المؤلّف رحمه الله تعالى.
هذا... وما دعاني إلى دراسة هذه المسألة هو أننّي وجدتها مفيدة في بابها خاصّةً وهي صادرة من إمام مالكي المذهب هذا أوّلا، وثانيا أنّي لمّا عاشرت بعض الذين ينتمون إلى المذهب المالكي ووجدتهم لا يقرؤون لمن خالفهم في المذهب ولو كان معه الحقّ _ وذلك لسبب واحد فقط وهو أنّه ليس من مذهبهم _ لهذا وذاك تحمست لدراسة هذا الكتاب وما شجّعني كذلك في هذا هو ما وجدته من حسن استدلال مؤلّفه واتباعه للدليل وعدم تعصبه للمذهب فأيقنت عندها أنّ هذا الكتاب هو الذي يجب على من يبحث عن الحقّ في هذه المسألة أن يطالعه وخاصّة إذا كان من المالكية لأنّه مفيد جداً في بابه، وللفائدة أذكر بعض الفوائد التي ذكرها المؤلّف وهي بمثابة القواعد التي تعين طالب العلم على معرفة الحقّ وهي ثلاثة آراها مهمّة في بابها وهي :
القاعدة الأولى : أنّ القول لا يرجّح لفضل قائله، وإنّما يرجّح بدلالة الدّليل عليه.
< أمّا الإحتجاج للسدل بذكر مناقب ابن القاسم مع أنّه أهل لها، لا يزيد ذرّة في تقوية القول الذي قاله لأنّهم ما أوّلوا كلامه إلاّ لثبوت فضله وصدق لهجته، فتذكار فضائل المبحوث في مقاله ليس من أدب البحث في شيء إلاّ إذا كان البحث في سبيل الجرح والتعديل وهنا لا مساس لذلك،وقال ابن عبد البر رحمه الله (13) "لا يرجّح القول لفضل قائله وإنّما يرجّح بدلالة الدليل عليه >(14)
القاعد الثانية : أنّ القول إنّما يرجّح بالدّليل لا لمجرّد وجوده في كتاب معيّن.
< قال صالح العمري(15) : فقد بان بما ذكره ابن عبد البر ضعف ما أصّله المتأخّرون من المالكية أنّ قول مالك في المدوّنة مقدّم على قول غيره فيها وقول ابن القاسم فيها أولى من قول غيره إلى آخر ما أصّلوه فالقول إنّما يرجّح بالدّليل لا لمجرّد وجوده في كتاب معيّن كالمدونة.
وقد لهج المتأخّرون من المالكية بترجيح القول والرواية بمجرّد وجودها في المدونة ولو خالفت الأدلّة المجمع علي صحّتها كما في مسألة سدل اليدين في الصلاة... إلى أن قال : مع أنّ رواية القبض ثابثة عن مالك وأصحابه برواية ثقات أصحابه وغيرهم >(16)
القاعدة الثالثة : إذا تعارض الرّاجح مع المشهور قدّم الراجح على المشهور.
قال في الفرق بين الرّاجح والمشهور :< في الفرق بينهما أنّ المشهور ما كثر قائله، والرّاجح ما قوي دليله كما اعتمده القرافي. وقال بعده : مالك يراعي ما قوي دليله لا ما كثر قائله ومثله قاله ابن عبد السلام، فهذا أصل مهم من أصول مالك ينبغي أن لا يغفل عنه في الخلافيات ولذا قال المحقّقون : إذا تعارض الراجح والمشهور فالواجب العمل بالرّاجح. وقال المسناوي : وقد اجتمع في سنّة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة قوّة الدليل وكثرة القائل ثمّ ذكر الدّليل وأشار إلى أسماء جماعة من محقّقي المالكية القائلين به. وبذلك تعرف أنّه لم يبق في يد صاحب السدل قوّة دليل ولا كثرة قائل وقد حصحص الحق لمن كان له تثبّت وذوق عند طلب حقائق المسائل>(17)
هذا وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه على متابعة أمره، وإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والحمد لله أوّلا وآخرا.
< اعلم أنّ وضع اليدين في الصلاة ليس مختصّا بهذه الأمّة بل هو من شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم ولأهل العبادة من أممهم كما تفيد الأحاديث المرفوعة >(18)
منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال {إنّا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخّر سحورنا ونعجّل فطرنا، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة }(19)
فبهذا تكون < قد علمت أنّ هذه الهيئة من شعائر الصلاة اتفاقا منذ بعثت الرّسل واستضاءت الشرائع الحقّة وخاتمتها شريعتنا المحمّدية >(20)
هذا... < ومن المعلوم أنّ أصول التشريع النبوي ثلاثة : القول والفعل والتقرير، فإثبات هذه السنّة بالقول أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرهم بها كما في الحديث الصحيح(21) وإثباتها بالفعل أحاديث كثيرة أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله(22)... وبالتقرير أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلحه لهم كحديث جابر قال : مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجل وهو يصلّي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى(23) فالقول والفعل والتقرير كلّها بيد مثبت هذه السنّة وليس بيد من نفاها واحد من ثلاثة وهي ينابيع الشريعة المطهرة >(24)
< ومنذ البعثة النبوية إلى عصرنا لم ينسب أحد فعل السدل سنّة للنبي صلّى الله عليه وسلّم وما روى راو ولو ضعيفا أنّه صلّى الله عليه وسلّم فعله أوّلا ولا آخرا ولا أمر به، ولا تجد أثر من محدّث ولا نصا من فقيه يشعر بذلك لا بدليل ولا بغير دليل ولذلك لا يقدر القائل أن ينقل عن أحد ما يثبت ما ادعاه في نقطة النزاع ولو كلمة ومن خاض عباب علوم السنّة وأمهات الفقه ودواوين مسائل الخلاف عرف أن لا قائل أصلا بمشروعية السدل وسنيته من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم من لسان النبوة بالخيرية
وأيضا لم يرو القول به اجتهادا عن صحابي قط إلاّ رواية ضعيفة عن ابن الزبير ورواية القبض عنه أصحّ فقد روى ابن عبد البر(25) بسنده عنه أنّه قال " صفّ القدمين ووضع اليد على اليد من السنّة ">(26)
< والأحاديث الواردة في مسألة القبض نحو عشرين حديثا عن نحو ثمانية عشر صحابيا، أكثرها صحاح وما قصر عن تلك الدرجة يرتفع بشواهده ومتابعاته كما يعرفه أهل فنّه، والعمدة على صحاحها، وحديث واحد يثبت به الحكم، فمن الصحابة الذين حفظت عنهم هذه السنّة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم ابن عباس وبن عمر وعائشة وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبو هريرة وأبو الدرداء وجابر بن عبد الله وعبد الله بن الزبير وحذيفة وسهل بن سعد ووائل بن حجر ومعاذ بن جبل وغيرهم رضي الله عنهم >(27)
< فالعشرة الأوائل التي يقال لها أصول الإسلام وهي الصحاح الستّة وكتب الأئمّة الأربعة كلّها روت وضع اليدين سنّة قائمة وليست فيها ولا في غيرها من كتب الحديث حرف يدلّ على السدل>(28)
أمّا رواية ابن القاسم عن مالك رحمهما الله فهاهي كما جاءت:
قال ابن القاسم رحمه الله : وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة قال : لا أعرف ذلك في الفريضة، ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين نفسه
سحنون عن بن وهب عن سفيان الثوري عن غير واحد من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّهم رأوا النبي صلّى الله عليه وسلّم واضعا يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة"(29)
< وبه تعرف مراد بن القاسم بالكراهة إلى أين توجه ومراد ابن سحنون وهو المتلقي إملاء المدونة، لله درّه ما أدقّ نظره وما أبصره بحسن تنسيق الإفادة، حيث خشي أن تؤخذ الكراهة التي رواها عن ابن القاسم مطلقة مغفولا عن قيدها بقصد الاعتماد وقد وقع فأعقبها ثبوت سبيتها إشعارا بطرفي المسألة >(30)
وقد < ظهر بقصد الإعتماد الذي رجحوه أنّ قول مالك :" لا أعرف وضع اليدين" أي لا أعرف جواز الإعتماد به في الفريضة، وقال المسناوي " ومن الشيوخ من حمل ما روي عن مالك في القبض من قوله : لا أعرفه على أنّه لا يعرفه من لوازم الصلاة وواجباتها التي لا بدّ منها >(31) < وإلى هذا أشار ابن الحاج (32) في المدخل بقوله في فضائل الصلاة ما نصّه :" ويختلف في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة وقد كرّهها في المدونة، ومعنى كراهتها أن تُعد من واجبات الصلاة >(33)

< وتأويل الاعتماد " بالكراهة " هو المعتمد ولا يتّجه غيره وهذه نكتة يلزم إضاحها وعندها إن شاء الله يرتفع الإشكال وينزاح الإغفال، وذلك أنّ أكثر المتعاطين للفقه يسبق في هذا المحل إلى أفهامهم أنّ القبض في الصلاة على كلّ حال مكروه عندنا، ولكن اختُلِف في سبب الكراهة : قيل لما فيه من الإعتماد، وقيل خوف ظنّ الوجوب، وقيل خوف إظهار الخشوع
فالقارئ يقول : استفدت أنّ حكم القبض في مذهبنا الكراهة، ومعرفة الحكم غير معرفة علته، فالذي يعرف علّته فتلك زيادة فائدة، و إلاّ ففهم الحكم وهي الكراهة هنا كافٍ
والحق أنّ المؤلفين لم يريدوا ذلك، وهي غفلة بيّنة من قراء المختصر " أي مختصر خليل "
وبيان المراد من أصله أنّ التعليل قسمان : تعليل بالمظنّة، وتعليل بغير المظنّة
فأمّا التعليل بالمظنّة فحكم المعلل ملازم له سواء وجدت العلّة أم لا، كالقصر والفطر للمسافر والعلّة فيه مظنّة المشقّة
فسنّة المسافر القصر وله الفطر ولو لم تكن مشقّة كسفر المترفّه في سفره، والتعليل بغير المظنّة فهو الذي يدور فيه الحكم مع العلّة وجودا وعدما >(34)
< فمتى قصد الإعتماد و الإستناد بالقبض كره، ومتّى فقد قصد الإعتماد ارتفعت الكراهة ورجع الأمر إلى السنية والمؤلفون شروحا وحواشي لم يذكروا إلاّ ذلك >(35)
< انظر أقوال علماء المالكية بأنّه إذا لم يقصد الإعتماد بالوضع فإنّه يكره له الوضع، كقول عبد الباقي والخرشي والدردير والدسوقي والصاوي حيث قال " فلو فعله لا للإعتماد بل تسنّنا لم يكره " وقال الشبرخيتي في قسم الإعتماد " فلو فعله لا لذلك بل تسنّنا لم يكره "
وقال العدوي عند قول الخرشي " بل استنانا لم يكره " نفي الكراهة صادق بالجواز والاستحباب، وحيث كان له أصل في السنّة فهو مستحب، بقي إذا لم يصد شيئا لا اعتمادا ولا تسننا والظاهر حمله على التسنّن، لأنّه حيث ورد في السنّة فيحمل خال الذهن عليه
فالأحوال ثلاثة : قصد الإعتماد مكروه، وقصد التسنّن أو لم يقصد شيئا مندوب وهذا هو التحقيق والتأويلات بعده خلافه(36) أي خلاف التحقيق >(37)
< فبهذا عرفنا أنّه لا يجوز الإفتاء بكراهة القبض في الصلاة إلاّ مقرونا بقصد الإعتماد ولأنّه المرجّح من تأويلات الكراهة، بأن يقول المفتي مثلا لمن سأله إن كنت تقصد الإستناد على يديك في حالة إمساكها استراحة فهو مكروه، وإلاّ فهو سنّة في مذهب مالك وغيره، ولا شكّ أنّ الابتداء ببذر كراهته هو الذي زرع النفرة من هذه السنّة وصيرها منافية لمذهب مالك الذي جعله الله نقيّا من تقديم الآراء على الآثار نزيها عن شوائب البدع >(38)
< ووضع اليد اليمنى على اليسرى عند الصدر أو تحته في قيام الصلاة سنّة قائمة محكمة باتفاق المذاهب الأربعة وغيرهم، وإمامنا مالك من أوّلهم في ذلك نشرا وعملا وهو أسبق الأئمّة إليها، لأنّه نشأ في روضة الآثار النبوية وفيها تربّى منذ أن عرف اليمين من الشمال، وهذا مختصّ بمالك لا مشارك له في ذلك، ولهذا ما من شيء في الشريعة مؤَسَّس على الحديث النبوي والآثار الصحيحة إلاّ ومالك السابق إليه والمؤثّر له على غيره من السبل
ومن جملة السنن سنّة وضع اليدين لم يفارقها مالك إلى أن فارق الدنيا... ثمّ نشأ الخلاف في المالكية بعد القرون الأولى على ثلاثة أقوال : الاستحباب والكراهة والجواز كما حصّله ابن رشد في البيان نقله عنه الثعالبي في جامع الأمهات مفصّلا، وقد تبيّن لك رجوع القول بالكراهة والجواز إلى الاستحباب والسنية ولو على قول ابن القاسم >(39)
هذا... < ومالك أخذ عن تسعمائة شيخ ثلاثمائة من التابعين وستمائة من تابعي التابعين ليس عنهم من توجد عنه رواية في السدل
والذين أخذوا العلم عن مالك ألف وثلاثمائة عالم عدّ عياض منهم في المدارك نحو الألف مقتصرا على المشاهير، ليس فيهم من توجد له رواية في السدل عن مالك فيما جمعه المؤلفون لمسائل الخلاف، وكلمة ابن القاسم التي في المدونة زالت شبهتها بما بسطناه...فكيف ينسب عمل رجل أو رجلين في أهل القرن كلّهم أو جلّهم، وعلى فرض عمل الصحابة للسدل لا تجوز نسبته للنّبي صلّى الله عليه وسلّم بمجرّد عملهم له إلاّ بقول الصحابي أمرنا بكذا أو في السنّة كذا ومع ذلك لا يقال قاله أو فعله صلّى الله عليه وسلّم بل يقال : موقوف حكمه الرّفع، وقد تقدّم أنّ الصحابة لم يسدلوا فضلا عن أن يقولوا هو سنّة >(40)
ومع العلم < أنّ ابن القاسم فارق مالكا في حياته كما يفيده التاريخ بلا نزاع وتوطّن بلده مصر ويدل له قول سحنون متأسّفا على عدم لقاء مالك :" أنا عند ابن القاسم بمصر وكتب مالك تأتيه " وسحنون وصل إلى ابن القاسم بمصر قريبا من وفاة مالك فوصوله في نحو 178هـ ومالك توفي في ربيع الأوّل عام 179هـ والمدنيون أصحاب مالك الذين رووا عنه مشروعية هذه السنّة تفقها وعملا حاضرون لوفاته في المدينة كمطرّف بن أخت الإمام نفسه، وابن الماجشون وابن نافع وغيرهم، وابن نافع هو الذي صار مفتي المدينة بعد مالك وقد صحبه أربعين سنة، وقيل لمالك لمن هذا الأمر بعدك قال : لنافع >(41)
< فأردت بهذا معالجة الأفكار بمذاكرة تشفي الصدور حتّى لا يقول أحد بعد سماعها أنا معذور، نفرض أنّ رواية ابن القاسم الكراهة على ظاهرها لا تأويل فيها، ونفرض أنّ المسألة اجتهادية صرفا لا نصّ فيها من حديث ولا آثر فالفيصل في هذا أنّ الاجتهاد فيها لإمام دار الهجرة مالك
فمالك روى عنه جميع أصحابه مشروعيتها إلاّ ابن القاسم روى عنه الكراهة والكل ثقات، فنسكن عن ترجيح رواية الأكثر على رواية الأقل فضلا عن كون ذلك الأقل رجلا واحدا >(42)
< فالإمام بريء من القول بالإرسال وابن القاسم كذلك، وكراهة الإعتماد والاستناد على قبض اليدين في الصلاة تشترك فيها جميع المذاهب >(43)
< ثمّ أقول حيث أنّ السادلين في الصلاة ليسوا محتجين بحديث حتّى نردّهم إلى الحقّ بأحاديث أصحّ ممّا في أيديهم بل يظنّون أنّ السدل مذهب مالك فكان يكفي في إرشادهم إثبات أنّ مالكا لم يفعله ولم يأمر به كما صنعنا في ما مضى وما يأتي ولكن زيادة العلم خير على خير، وممّا يدلّك على إلغاء نسبة السدل لمالك بالمرّة وكونه لا يعتبر من أقواله أصلا أن الكتب الجامعة لاختلافات أئمّة الدّين الأربعة وغيرهم المستوعبة لأقوالهم القوية والضعيفة
وأهمّها كتاب ابن المنذر النيسابوري الذي لم يصنّف مثله في هذا الباب ولم يحك هو ولا غيره من أرباب هذا الشأن عن مالك غير وضع اليدين ويؤيّده تعبير القاضي عبد الوهاب بأنّه هو المذهب، فتحقّق ما قدمناه أنّ السدل لا محلّ له في مذهب مالك فليعلم ذلك>(44)
بعض أقوال الأئمّة المالكية في هذه المسألة
قال البناني رحمه الله (45) { وإذا تقرّر الخلاف في أصل المسألة كما ترى وجب الرجوع إلى الكتاب والسنّة كما قال تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول }وقد وجدنا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد حكمت بمطلوبية القبض في الصلاة بشهادة ما في الموطأ والصحيحين وغيرهما من الأحاديث السالمة من الطعن، فالواجب الإنتهاء إليها والوقوف عندها والقول بمقتضاها }(46)
< وقال أيضا عند ذكره استحباب القبض في الفريضة والنافلة ما نصّه { وهو قول مالك في رواية مطرّف وابن الماجشون عنه في الواضحة وقول المدنيين من أصحابنا واختاره غير واحد من أصحابنا، واختاره غير واحد من المحققين منهم اللحمي وابن عبد البر وأبو بكر بن العربي وابن رشد وابن عبد السلام وعدّه ابن رشد في مقدماته من فضائل الصلاة وتبعه القاضي عياض في قواعده ونسبه في الإكمال إلى الجمهور وكذا نسبه لهم الحفيد ابن رشد>(47)
وقال ابن عبد البر رحمه الله في تمهيده(48) < { لا وجه لكراهة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة لأنّ الأشياء أصلها الإباحة، ولم ينه الله ورسوله عن ذلك، فلا معنى لمن كره ذلك، هذا ولم ترو إباحته عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
نقل هذا الكلام المسناوي ثمّ قال بعده " فكيف وقد صحّ عنه صلّى الله عليه وسلّم فعله والحضّ عليه >(49)
وقال ابن عبد البر رحمه الله < لم يزل مالك يقبض حتّى لقي الله تعالى >(50)
وقال الشيخ علي الأجهور < فعل القبض أفضل من تركه وقد جزم باستحبابه العلاماتان محقّقا متأخري المالكية بالديار المصرية علي العدوي محشي الخرشي والأمير في مجموعه... وكذلك القاضي عبد الوهاب وابن الحاجب وابن الحاج والشبرختي وعبد الباقي والخرشي وسالم السنهوري والدردير والدسوقي والصاوي وغيرهم من الذين اعتمدوا سنيّة القبض في الصلاة مذهبيا بلا شبهة >(51)
< ونقل المواق عن ابن رشد بعد حكايته رواية الاستحباب عن مالك في الفريضة والنّافلة ما نصّه { وهو الأظهر لأنّ النّاس كانوا يؤمرون به في الزمن الأوّل وأنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله }(52)
ومعلوم أنّ النّاس في الزمان الأوّل في هذا المحل المراد بهم الصحابة، والآمر لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم كما فسّره الزرقاني وغيره في هذه المسألة نفسها ويقرب من كلام ابن رشد الذي نقله المواق قول العدوي المتقدّم ونصّه " وحيث أنّ له أصلا في السنّة فهو مستحب، وكذا قول الدسوقي عند قول الدردير : إستنانا، أي اتباعا للنّبي صلّى الله عليه وسلّم في فعله ذلك >(53)
< وقال شيخ الجماعة ابن عبد السلام في شرح الحاجب تحت قول المتن :" وقبض اليمنى على كوع اليسرى " ما نصّه : ينبغي أن يُعد في السنن لصحّته عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم
وفي كتاب القباب قال اللخمي : القبض أحسن للحديث الثابت عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم في البخاري ومسلم ولأنّه وقفة العبد الذّليل لمولاه
وقال عياض في أخذ الشمال باليمين في الصلاة : إنّه من سننها وتمام خشوعها وضبطها عن الحكّة والعبث.
وقال العلاّمة السنوسي صاحب تصانيف علم التوحيد في شرح صحيح مسلم في وضع اليد اليمنى على اليسرى بما نصّه : اتفقوا على أنّ هذا الوضع ليس بواجب ثمّ اختلفوا فعن مالك والجمهور أنّه سنّة لأنّه صفة الخاشع.
ومن لطائف قول بعضهم : القلب موضع النية والعادة أنّ من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه >(54)
< وإجمال بعد تفصيل نجمع أسماء الرّاوين لهذه السنّة والمقيدين لها من ذوي المذهب المالكي الذين نقلنا عنهم على اختلاف عبارتهم والإفتتاح بالإمام مالك مثل إخوانه الأئمّة ثمّ بعده في مذهبه أشهب وابن نافع ومطرّف وابن الماجشون وابن وهب وابن زياد وابن عبد الحكم وابن حبيب وسحنون وعبد الوهاب وابن عبدوس وابن أبي زيد وابن بشير وابن عبد البر واللخمي وابن رشد وحفيده أبو الوليد وأبو بكر بن العربي وعياض وابن الحاجب والقرافي وأبو الحسن والقرطبي وابن عبد السلام وابن عرفة وابن الحاج والمواق والقلشاني وابن جزي والقباب والثعالبي والسنوسي وأحمد زروق والسنهوري والأجهوري والعياشي والخرشي والشبرخيتي وعبد الباقي ومحمّد ابنه والمسناوي والبناني والسوداني والعدوي والدردير والدسوقي والصاوي والأمير وحجازي وعليش وابن حمدون والسفطي ومثلهم كثير ممن لم تتأكّد المناسبة للنقل عنهم هنا من رجال المالكية وفيهم ضراغمة العلم حقيقة لا مجازا، فهل عرف النّاس المذهب إلاّ من هؤلاء ولا سيما الذين سميناهم وهم فوق الخمسين مؤلفا وينبغي أن يُعد ابن القاسم في الفريق الأوّل منهم لأنّه بتأويل روايته رجع قوله إلى قول مالك ورفقائه أصحاب مالك، فقد اتضح أنّ سادل يديه ما أمسك شيئا يستند إليه والرّجوع إلى الحقّ فريضة >(55)
< فقد بان لك أنّ المؤلفين في الفقه من زمن مالك إلى زماننا لم يكتب أحد منهم في استحسان السدل في الصلاة غير كلمة ابن القاسم.
وقد فرغنا من بيان تأويل الكراهة بقصد الإعتماد والاستناد معالجة لانفراد ابن القاسم بها نظرا إلى ظاهرها، وقد تحّقق بتشريح المسألة مآلها إلى رواية غيره من أصحاب مالك والتأويل عند كبار العلماء أشرف ما يعاملون به الكلام المشكل ظاهره
و بتأويل قول ابن القاسم تمّت نزاهته عن الشذوذ فاتفقت أقوال أهل السنّة على اتباع السنّة ولله الحمد والمنّة >(56)
< تنبيه : القرافي عبّر عن وضع اليدين في الصلاة بالمشهور وهو وعياض عبرا بأنّه قول الجمهور، وعبد الوهاب بالمذهب وابن العربي بالصحيح وابن رشد بالأظهر واللخمي بالأحسن والأجهوري بالأفضل والعدوي بالتحقيق والمسناوي أثبت أنّه الرّاجح وأنّه أيضا المشهور، وفي تعليقه الكراهة بقصد الإعتماد عبّر الدردير بالمعتمد والأمير بالأقوى والصاوي بالمعوّل عليه>(57)
< وبمجموع ما تقدّم سقط استدلال السادلين بقول المختصر(58) " وسدل يديه " وقول ابن عاشر(59) "سدل يد " وغيرهما، إذ المراد به إن كان قاصدا الإعتماد والإتكاء على يديه، ولم يبقى في المذهب من يقول بالكراهة المطلقة كما كان يفهمه بعض النّاس>(60)
< هذا وقد تلخّص من أقوال فقهاء المذهب وأساطينه الرّاسخين في العلم أنّ السدل بدعة، وأنّ وضع اليدين نحو الصدر في قيام الصلاة في فريضة كانت أو نافلة ليس فيه إلاّ السنية حتّى رواية ابن القاسم إلاّ إذا لم يقصد به إلاّ الإعتماد و الإستناد فيكره وقلّ من يقصده حتّى لا يكاد يوجد >(61)
< فائدة : والمرأة مثل الرّجل في محل وضع اليدين، وكذا المصلي من جلوس كالمصلي من قيام>(62)
< قال علاّمة عصره الشيخ محمّد سفر المدني وهو أستاذ الشيخ محمّد صالح الفلاّني الشهير في رجزه المسمّى رسالة الهدى
والوضع للكف على الكف ورد..... عن النبي الهاشمـي فلا يُـرد
رواه مالك وأصحاب السنن..... ومسلم مع البخاري فاعلـمن
ومن يقل هو بدعة فقد كذب .....دعـه لا تذهب لما هو ذهب
وحيثما وضعت تحت السّرة .....أو فوق أوفي الصدر ليس يُكره
لأنّه جـاءت به الروايــة .....وأخذت به ذوو الدرايــة
وصحّح الحفاظ فوق الصدر..... كما رواه وائل بن(63) حجر(64)
< من طالع هذه الورقات وظهر له رجحان سنّة وضع اليدين في مذهب مالك لا يجوز له أن يقول لمن يسترشده بعد ذلك فيه قولان فضلا عن أن يحسّن له السدل فإنّه انحراف عن راجح ومشهور مذهبه، وهذا جار في جميع ما يعلم العالم أرجحيته، ففتواه لغير الرّاجح حرام مردودة عليه كما قاله القرافي والهلالي والتسولي وغيرهم.
قال أبو إسحاق الشاطبي(65): عامّة الأقوال الجارية في الفقه إنّما تدور بين النفي والإثبات والهوى لا يعدوهما، فإذا عرض العامي نازلته على المفتي فهو قائل له : " أخرجني من هواي ودلّني على الحقّ فلا يقال له والحال هذه في مسألتك قولان فاختر أيّهما شئت فإنّ معنى هذه تحكيم للهوى دون الشرع وغش في النصيحة" ولا يقال كون المسألة خلافية يبيح لنا التساهل فيها كما يقول ضعفاء العلم >(66)
هذا < ثمّ أعتذر في الإطناب لذوي الألباب فسببه توفية حقّ الفقه من حلّ كلّ إشكال يحتمل وروده في المسألة، وغايته تنبيه أهل مذهبنا لفضيلة هي من حلية الصلاة، يعبد الله بها مرارا في اليوم، ويوقف بها على بساط قربه تعالى، وأكثرهم عنها غافلون وعلى تركها مصرّون، ظنّا من أكثرهم أنّ الإمام مالكا لم يقل بها، وهو من تركِها بريء، ولا نقص في الفاضل إذا نبّهه المفضول بل النّقص في الإستنكاف عن الحقّ، والكمال في القبول، ولا يخفى أنّ هذه الصحائف التي رقمنا لا تخلو من فوائد مدت رواقها على غير المسألة المقصودة وبذلك تستطاب(67) ، مع أنّي بحمد الله لم أفرغ فيها جميع ما خطر لي ممّا ينهض بهذه السنّة، ولا احتياج إلى المزيد على ما سطّرناه والأمر كلّه لله، وسئل الإمام مالك عن الرّجل يكون عالما بالسنّة أيجادل عنها ؟ قال: لا ولكن يخبر بالسنّة فإن قُبلت وإلاّ سكت.> (68)

وفي الختام إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان،
وسبحانك اللهم وبحمدك
أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.



(1) نيل الأوطار للشوكاني رحمه الله 2/186
(2) هيئة الناسك في أنّ القبض في الصلاة مذهب الإمام مالك للشيخ محمّد بن عزّوز المكّي رحمه الله ص 101
(3) أخرجه لبن خزيمة في الصحيح 1/243 رقم 480 والنسائي في المجتبى 2/98 وأبوداود في السنن 1/193 وغيرهم وصححه النووي وابن القيم انظر إرواء الغليل 2/69
(4) فتح العلام شرح بلوغ المرام للشيخ صديق حسن خان رحمه الله ص 176
(5) نيل الأوطار للشوكاني 2/186
(6) أخرجه ابن حبّان في الصحيح 3/13-14 رقم 1767 مع الإحسان
(7) القول المبين في أخطاء المصلين لمشهور حسن سلمان ص 111-112
(8) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم رحمه الله 1/202
(9)فتح الباري 2/224
(10) القول المبين في أخطاء المصلين ص 110
(11)فتح العلام شرح بلوغ المرام للعلامة صديق حسن خان رحمه الله ص 176
(12) هذا... وقد شنّع على الشيخ رحمه الله بعض علماء عصره بسبب تأليفه لهذا الكتاب بكتاب أسماه < نصرة الفقيه السالك على من أنكر مشهورية السدل في مذهب مالك>ومؤلفه هو الشيخ محمّد بن يوسف بن محمّد بن سعد الحيدري التونسي الكافي وهو فقيه مالكي
(13)جامع بيان العلم وفضله 2/144
(14)هيئة النّاسك ص 130 -131
(15)إيقاظ همم أولي الأبصار ص 89
(16)هيئة الناسك ص 128 -129
(17)هيئة النّاسك ص 133 - 134
(18)هيئة الناسك في أنّ القبض في الصلاة مذهب الإمام مالك 113
(19)أخرجه ابن حبان في الصحيح 3/13-14 رقم 1776 مع الإحسان
(20) هيئة الناسك 114
(21)عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال { كان النّاس يؤمرون أن يضع الرّجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة } البخاري رقم 740
(22)عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال { لأنظرنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف يصلّي، قال فنظرت إليه قام فكبّر ورفع يديه حتّى حاذتا أذنيه ، ثمّ وضع يده اليمنى على ظهر كفّه اليسرى والرّسغ والساعد } أخرجه ابن خزيمة في الصحيح1/243 رقم480 والنسائي في المجتبى2/98وأبو داود في السنن 1/193 وأحمد في المسند 4/318 وبن ماجه في السنن 1/266 مختصرا وغيرهم وصحّحة النووي وابن القيم أنظر إرواء الغليل 2/69
(23)ورد في سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن السكن عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : { رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى } وإسناده حسن انظر فتح الباري لابن حجر رحمه الله 3/194
(24)هيئة النّاسك ص 104-105
(25) التمهيد 20/83 ورواه أبو داود 1/479 والبيهقي في السنن الكبرى 2/30
(26) هيئة الناسك ص 107
(27)هيئة النّاسك ص 101
(28)هيئة النّاسك ص 103
(29) المدونة 1/74
(30) هيئة النّاسك ص 82
(31)هيئة الناسك ص 82
(32)المدخل لابن الحاج 1/55
(33)هيئة الناسك ص 86
(34) هيئة النّاسك ص 71-72
(35)هيئة النّاسك ص 73
(36) حاشية العدوي 1/286-287
(37)هيئة النّاسك ص 75-76
(38)هيئة النّاسك ص 91-92
(39)هيئة النّاسك ص 54-55
(40)هيئة النّاسك ص 109-110
(41)هيئة النّاسك ص 145
(42)هيئة النّاسك ص 144
(43)هيئة النّسك ص 160
(44)هيئة النّاسك ص 105-106
(45)حاشية البناني بهامش شرح الزرقاني 1/214
(46)هيئة الناسك ص 93-94
(47)هيئة النّاسك ص 60
(48)التمهيد 20/79
(49)هيئة النّاسك ص 95
(50) هيئة النّاسك ص 65
(51)هيئة النّاسك ص 65-66
(52) البيان والتحصيل 1/395
(53)هيئة النّاسك ص 94-95
(54) هيئة الناسك ص 95-97
(55)هيئة النّاسك ص 154-155
(56) هيئة النّاسك ص 88-89
(57)هيئة النّاسك ص 135
(58)مختصر خليل ص 30
(59) انظر الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين لابن عاشر وهو المسمّى بالشرح الكبير للشيخ ميارة رحمه الله 2/2
(60)هيئة الناسك ص 161
(61)هيئة الناسك ص 160
(62)هيئة الناسك ص 140
(63) قال وائل بن حجر صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره " صحيح بن خزيمة 1/243
(64) هيئة الناسك ص 139
(65) الموافقات 4/143-144
(66)هيئة الناسك ص 158
(67) والحقّ يقال أن الكتاب ممتلئ بالفوائد الممتعة سواء الفقهية أو الحديثية أو الأصولية بل حتّى المنهجية فجزاه الله عن الإسلام أحسن الجزاء.
(68) هيئة النّاسك ص 162










 

الكلمات الدلالية (Tags)
القرض و النفل


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:03

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc