تقنيات ضبط تلاميذ القسم
تحية تربوية للجميع:
سوف أطرح - في هذه المشاركة - بعض الخطوات العملية، التي توصلت إليها طوال مساري المهني في ميدان التربية والتعليم، فيما يخص التعامل مع التلاميذ، وهذه المشاركة موجهة إلى كل الأساتذة الذين يعانون من مشاكل مع تلاميذهم، وخاصة إلى الأساتذة الجدد. وهي أرضية أرجو أن يساهم كل من لديه خبرة في هذا الميدان أن يغنيها ويضيف إليها من خبرته وتجربته..
وأقدم لكم، فيما يلي، الخطوات الأساسية من أجل التحكم في الفصل:
1- لا تكن ليناً فتعصر: يعتقد بعض الأساتذة أنه بمجرد أن يكون لطيفا ومرنا مع تلاميذه، سيضمن احترامهم له، ويضمن بذلك انتباههم وتركيزهم أثناء الشرح. هذا وهْمٌ يجب أن نزيحه من أذهاننا، فالتلميذ لا يحترم إلا الأستاذ الذي يكون حازما وذو شخصية قوية، ومتحكما في مجموعة القسم، وباختصار: الأستاذ الذي يملك السلطة.
2- لا تمزح..!!: من الأوهام النظرية كذلك، التي تلقيناها في مراكز التكوين وفي كتب علم النفس التربوي، أنه يجب أن يتخلل درسك نوع من الفكاهة بين الفينة والأخرى، ترويحا عن التلاميذ، وإبعادا للملل عنهم. إنه كلام جميل ورائع، قد يصدق لو كنا ندرس تلاميذ في كندا أو سويسرا.. لكن الأمر لا يصلح في وسط لا يفرق بين الجد والهزل، وتنقصه التربية السليمة، فبمجرد أن يفتح الأستاذ قوسا بسيط - بغاية الترويح عن التلاميذ - إلا وجد صعوبة جد كبيرة في إعادة الهدوء إلى القسم، وعليه أنصح الأستاذ الجديد في المهنة أن يركز على درسه دون الاسترسال في مواضيع لا علاقة لها بالدرس ولو على سبيل الفكاهة.
3- لا تتنازل: أحيانا يبدأ تلميذ بالحديث مع زميل له أثناء شرحك للدرس، فتطلب منه تغيير المقعد بعد تنبيهه للمرة الأولى، فيبدأ التلميذ في التفاوض مع الأستاذ من أجل البقاء في مقعده، فإذا رضخ الأستاذ لرغبة التلميذ فقد ارتكب خطأً فضيعًا سوف يترك لدى التلاميذ الآخرين انطباعًا بأنك أستاذ متساهل أو ضعيف الشخصية، وغير قادر على اتخاذ القرار، وبالتالي فمن الواجب على الأستاذ أن يتخذ القرار المناسب وأن لا يتنازل عنه بأي حال من الأحوال.
4- لا تستعن بالإدارة: من الأخطاء القاتلة التي يرتكبها الأساتذة الجدد، هي نظرتهم المثالية التي يشكلونها في مرحلة التكوين عن الطاقم الإداري، حيث يعتقدون أن الإدارة - في أي زمان ومكان- هي في خدمة الأستاذ وتسانده مهما لحقه من ظلم أو غبن، ولكن من خلال الخبرة والتجربة، يتضح للجميع أن بعض المؤسسات الثانوية، تضم بعض الإداريين الذي يحملون الضغينة للأطر التربوية، بل ويحاولون تشويه صورة الأستاذ وتكسير سلطته أمام التلاميذ، وأنا هنا لا أعمم الحكم، لكن التعامل المهني، يقتضي من الأستاذ أن يتخذ لنفسه طريقة واحدة في التعامل مع الجميع، وهذه الطريقة هي الحزم والصرامة وعدم التنازل عن حقك في اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا. ولأقربك زميلي الأستاذ من الصورة سأعطيك بعض الأمثلة الواقعية: لنفرض أنك الآن داخل الفصل على الساعة الثامنة والربع، تمهد لدرس من الدروس، وفجأة جاء ثلاثة تلاميذ برفقة أحد الإداريين، طالبا منك السماح لهم بالدخول، فهنا يجب على الأستاذ أن يتخذ موقفا ثابتا لا يتزعزع، وأن لا تنازل عن سلطة لفائدة هذا الإداري، لأنه ربما يرغب أن يلمع صورته أمام التلاميذ لاغير، فانتبه لذلك...
علاوة على ذلك، على الأستاذ أن يبتعد قدر المستطاع عن الاستعانة بالإدارة إلا في الحالات القصوى التي تتطاير فيها شرارات المشكل إلى خارج الفصل أو يكون هناك مشكل من الصعب حله إلا باللجوء الى الإدارة، أما في الحالات البسيطة كالحديث الثنائي بين التلاميذ أو الشغب فيجب على الأستاذ أن يحل المشكل بأي وجه كان، وهنا لا بأس من التذكير بأن حل المشاكل داخل الفصل مرتبط بشخصية الأستاذ السلطوية التي يبنيها منذ الحصة الأولى من الموسم الدراسي.
5- لا تشبع التلميذ كلاما: من التلاميذ من يحاول - عمدا - إلى استنزاف طاقة الأستاذ داخل القسم أثناء الدرس، من خلال إستدراجه إلى كلام لا فائدة منه، وهناك من يقضي الساعات الطوال أمام التلاميذ يلقي عليهم خطبا عنترية في الأخلاق والجد والمثابرة وغير ذلك، هذا خطأ جسيم يقوم به الأستاذ، فالغلاف الزمني المخصص للدروس محدد، والبرنامج طويل، وداخل الفصل هناك من يرغبون فعلا في النجاح والاستفادة من دروسك، وهناك من لا يرغبون في شيء إلا إفشال درسك وكسر سلطتك لذلك لا تساهم في إنجاح خطة الفريق الثاني، ولا تضع وقت المنضبطين في الخطب البتراء، بل كن مقتصدا في الكلام، واستخدم الإشارات والإيماءات باقتصاد، ولا تستنزف طاقتك في كلام لا قيمة له....
6- لا توزع النقط مجانا: من بين الأخطاء التي تكسر سلطة الأستاذ داخل القسم وصورته أيضا طوال الموسم الدراسي، هو اعتقاد البعض بأن توزيع النقط المرتفعة على التلاميذ يمكن أن يجلب لك احترامهم وتقديرهم، وينسى الأستاذ أن سلطته المادية والمعنوية هي التي تجلب الاحترام وليس محاباة التلميذ والرغبة في إرضائه، لذا لا تعط ميزة إيجابية إلا للتلميذ المجد المواظب أما المتهاون فلا تعطه نقطا لا يستحقها لان العكس سيشعر التلاميذ المتميزين أنك غير عادل في التنقيط وهذا مشكل كبير.
7- ليكن رد فعلك سريعا: عندما تكون بصدد إلقاء الدرس أمام تلاميذ، وتلاحظ أن تلميذا يتحدث (ولو همسا) مع صديقه، لا تتردد في التوقف عن الشرح وتوجيه الإنذار إليه مع نظرات حادة، وتحذره من عاقبة التمادي في الكلام وسط الفصل، ولا تتأخر عن فعل ذلك، فإذا تغاضيت عن محادثة بسيطة بين تلميذين، فكن على يقين بأن الثرثرة والشغب سوف ينتشر بين بقية التلاميذ، لذلك ليكن رد فعلك سريعا وقويا ولا تتردد ولا تؤجل العقاب....
8- اترك مسافة بينك وبين تلاميذك: خلال مساري المهني المتواضع، كنت أحاول أن أتقرب إلى حد كبير من تلامذتي، ظنا مني بأن ذلك سوف يجعلهم يحبون المادة التي أدرسها، وبالفعل تمكنت إلى حد ما من استقطاب نسبة لا يستهان بها من التلاميذ إلى حظيرتي، ولكن جانبا آخر من المسألة كان يبدو لي غير إيجابي، حيث إن التلميذ هو إنسان مراهق لديه خصائص محددة لا يجب إغفالها، وبالتالي يجب التعامل معه على أساس أنه مراهق وليس إنسانا راشدا، وبمعنى آخر يجب أن تترك مسافة بينك وبينه سواء الذكر أو الأنثى، وأحذر من محاباة التلميذات على حساب التلاميذ الذكور، فبذلك ستفتح أبواب جهنم في وجهك، حاول أن لا تكسر ذلك الجدار السميك بينك وبين التلاميذ، لأن ذلك سوف يجعلك تخسر هيبنك، وسوف تصبح عرضة للاقتحام من طرف جميع التلاميذ، فحافظ إذن على هيبتك ولا تسمح للتلميذ أن يقترب منك كثيرا...
9- راقب تلاميذك باستمرار: لابد من مراقبة أعمال التلاميذ وإحضارهم للمقررات والدفاتر بشكل مستمر، مع التنويع في اشكال المراقبة، بحيث يحس التلميذ بأنه مراقب باستمرار، ولا تقبل داخل الفصل تلميذا لا يحضر كتابه المدرسي أو دفتره، وكن حاسما في ذلك منذ الحصص الأولى، رغم أن الإدراة توزع مذكرات تمنع من إخراج التلميذ بسبب ذلك، فيمكنك تحرير تقرير بذلك وإرساله إلى إلإدارة على أساس عدم قبول التلميذ إلا بإحضار لوازمه لأن عدم إحضاره يتعارض مع بنود النظام الداخلي للمؤسسة، وكن على يقين بأن النصوص النظرية لا تحل الإشكال دائما والمعول عليه هو سلطتك وشخصيتك فكن لبيبا ويقظا....
10- اقتن مسطرة صلبة !! : سيندهش معظم السادة الأساتذة من هذه الخطوة، وعن علاقتها بضبط التلاميذ، لاشك أننا - نحن الأساتذة- نقضي أغلب أوقاتنا في الفصل، بحثا عن الهدوء والسكينة داخل القسم، ونستخدم أيادينا في الضرب على الطاولة أو السبورة، وهذا من شأنه أن يسبب للأستاذ أو الأستاذة الأذى البليغ، وعليه أقترح أن يقوم الأستاذ باقتناء مسطرة طويلة صلبة، وأن يستعملها في إعادة الهدوء إلى الفصل بالضرب بقوة على السبورة، ولابأس في أن يستعملها أحيانا في نهر تلميذ أو إخافته بها وضربه ضربا خفيفا غير مبرح على سبيل التخويف لا إحداث الأذى الجسدي.
11- كن مبدعا : يعتقد معظمنا أن الأستاذ مجبر على تطبيق المقرر الدراسي بشكل جامد، دون إمكانية الإبداع والاجتهاد فيه، وهذا من بين العوامل التي يمكن أن تنتج عدم الرضى النفسي سواء لدى الأستاذ أم لدى التلميذ، وخاصة لدى الطرف الثاني الذي سوف يشعر بالملل والسأم من جراء اعتماد الأستاذ على طريقة واحدة في إلقاء الدرس، لذلك أقترح أن ينوع المدرس في الأنشطة، وأن يدمج التقنيات الجديدة في الدرس ( باوربوانت، الفيديوهات، مسابقات ثقافية، جوائز، عروض فردية وجماعية...) وأن يتحرر من عقدة المفتش، لأنني أعتقد بأن المرشد التربوي أو المفتش سيكون مسرورا إذا وجد التلاميذ متفاعلين مع الأستاذ اعتمادا على أشكال تعليمية جديدة، إذن، لتكن مبدعا، وحاول أن تجعل حصتك ممتعة بالنسبة للتلميذ، دون الإفراط في هذا الجانب...
12- لا تنه عن خلق.... : التناقض بين القول والفعل في شخصية الأستاذ، وللأسف أرى - في بعض الأحيان - بعض الزملاء الأساتذة - يقومون بسلوكات غير مشرفة في المؤسسة كالتدخين، أو الحديث عن الأساتذة الآخرين في الفصل، وغير ذلك، لذلك يجب على الأستاذ الذي يريد أن يحافظ على صورته وهيبته أن ينأى بنفسه عن مثل هذه السلوكات اللاتربوية...
13- تكيف مع جو الفصل: من الأشياء التي تثير الانتباه، والتي تساهم في تشتيت انتباه التلميذ وخلق جو غير ملائم لإلقاء الدرس، هو أن بعض النظراء أثناء إعدادهم لجداول الحصص للأساتذة، يجعلون بعض المواد الأساسية التي تتطلب مجهودا كبيرا مباشرة بعد حصة التربية البدنية، وهذا ما ينهك التلميذ ويجعله غير قادر على التركيز على المادة، وبالتالي تصبح الحصة بالنسبة إليه فرصة للترويح والاستراحة وليس للتحصيل، في مثل هذه الحالات إما أن يطالب الأستاذ بتغيير في جدول الحصص، وإذا قوبل طلبه بالرفض، يجب أن يكيف درسه مع أجواء القسم، فإذا رأى بأن التلاميذ على أتم الاستعداد فيلق درسه بشكل عادي، وإذا أحس بأن التلاميذ غير مستعدين لتلقي الدرس، فيمكنه الاعتماد على الإلقاء حفاظا على طاقته وجهده..
14- لا تصرخ: الكثير منا يفقد سلطته أمام التلميذ من خلال المبالغة والإفراط في الصياح والصراخ طوال السنة الدراسية، وهذا ليس شيئا مرغوبا فيه، لأن المدرس بذلك يصبح "فرجة" أمام التلاميذ، وكثيرا ما كنا نستمتع بمشاهدة الأستاذ وهو يزمجر ويزبد ويرعد، عندما كنا ندرس في الثانوية، وكنا نشفق على الأساتذة الذي لا يرحمون أنفسهم بهذا الشكل. لذلك أنصح الأستاذ أن يحافظ على طاقته وهدوئه ما أمكنه ذلك، رغم أن العملية صعبة شيئا ما، لكن ذلك ممكن إذا وضعنا نصب أعيننا السنوات العديدة التي سوف نقضيها في هذه المهنة الشاقة، وهل يمكننا الاستمرار فيها بمعنويات عالية إذا اعتمدنا فيها على الصراخ والصياح والعويل.....
15- كن ممثلا بارعا: كلام غريب شيئا ما لكنه صحيح وواقعي إلى حد بعيد، إذا كنت تنوي قضاء سنوات عديدة في هذه المهنة الشاقة والممتعة في آن واحد، فيجب عليك أخي الأستاذ أن تكون ممثلا وفنانا بارعا في قسمك، بمعنى أن تكون كفءا من الناحية العلمية والمعرفية، فليس من المقبول أن يجد التلاميذ ثغرات أو أخطاء ترتكبها في دروسك، أو أن تسأل عن جزئيات في درسك ولا تتمكن من الإجابة عنها فهذا من شأنه أن يمس سلطتك المعرفية خاصة وأن التلميذ الذي يجلس أمامك يمتلك نظرة مثالية عنك فأنت أستاذ وما أدراك ما أستاذ فحافظ على الصورة التي يحملها عنك. علاوة على الجانب المعرفي، يجب على الأستاذ أن يكون ممتعا في إلقاء درسه، لا أن يكون مملا، فطبيعة التلميذ من الناحية النفسية يجب أن يراعيها الأستاذ أثناء تقديم الدروس، فالتلميذ - الطفل بطبيعته ميال إلى كل ما هو ممتع ومشوق وجديد، فحاول أخي الأستاذ أن تستهل درسك بقصة ممتعة لها اتصال بالدرس، أو بحادثة واقعية، او بمستجد من الواقع، او بشيء من الشبكات الاجتماعية.... بمعنى آخر يجب أن تمس كل ما يدخل في اهتمامات التلميذ وأن تربط درسك مهما كان مجردا بواقع التلميذ، لأن السؤال الذي يراود كل تلميذ في بداية كل درس هو : في ماذا سينفعني هذا الدرس في حياتي الشخصية؟؟؟ إذن، لابد أن تجيب عن هذا السؤال خلال درسك إذا أردت أن تشد انتباهه طيلة الحصة....
16- كن مقتصدا: من النصائح التي أقدمها لكل أستاذ سواء كان حديث الالتحاق بالمهنة أو من "قدماء المحاربين" أن يكون الأستاذ مقتصدا في ممارسته المهنية من حيث: إعداد الجذاذات أو الوثائق التربوية، أو الكتابة على السبورة، أو أثناء تصحيح دفاتر التلاميذ.... إلخ، بمعنى أن يحافظ على طاقته لأنه سيحتاج إليها سنوات وسنوات، وبالتالي إذا قام باستنزافها خلال سنة فلا أضمن أنه سيكون قادرا على تقديم أداء جيد خلال السنوات التالية، وهذا لا يجب أن يفهم على أنه تقاعس أو تهاون في أداء الواجب المهني، كلا إنه نوع من التدبير المتوازن للعمل، فهناك بعض المدرسين يرهقون التلاميذ بكم هائل من الدروس، ويعتقدون بأن التلميذ سوف يستوعب كل هذه المعلومات المدونة على الدفاتر، لا أعتقد ذلك، خاصة في ضوء بيداغوجيا الكفايات التي تلح على تعليم التلميذ المهارات والأدوات، دون التركيز كثيرا على المحتويات لأنها مقدمة له سلفا في الكتاب المقرر وفي الشبكة العنكبوتية.
17- أيقظ التلميذ من سباته: من الخطوات التي جربتها فيما يخص ضبط تلاميذ القسم، هو أنك عندما تلاحظ بأن تلميذا يتحدث مع زميل له أثناء شرحك للدرس، فقم بمفاجأته عن طريق سؤال، أو بأن تطلب منه الخروج إلى السبورة من أجل الإجابة عن تمرين معين، وإذا لم يرتدع عن الحديث مع زميله، يمكنك تغيير مكان جلوسه، دون أن تتنازل عن طلبك كما سبق القول، وإذا استمر في الحديث رغم تغيير مقعده يمكن أن تطالبه بمغادرة القاعة بضع لحظات ويمكن أن يقف بجانب الفصل بضع دقائق ثم تطلب منه العودة بعد ذلك.
أرجو من الله أن يكون الموضوع الذي اخترته لكم في مستوى تطلعاتكم والله الموفق والسلام عليكم