منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - درس / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-05-04, 08:40   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثامن عشر من /الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 7/ من شهر جمادى الثاني 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن عشر
مذاكرة:
* ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:9].
في هذه الآية الثناءُ على الأنصار وأن من صفاتهم الحميدة محبة من هاجرَ إليهم ,وكان الوالد رحمه الله يذكِّر هذه الآية أهلَ البلاد أنهم يحبون الطلاب ويحسنون إليهم ولا يتعرضون لهم بالأذى.
* ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
الإمام مالك رحمه الله يستنبط من هذه الآية أن الرافضة ليس لهم حق في الفيء؛ لأنهم يسبون صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .وفي صحيح مسلم (3022) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي «أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبُّوهُمْ».يراجع تفسير ابن كثير سورة الحشر.
* ينبغي لنا أن يكون درسُنا عونًا لنا على الهمة العالية ،وعلينا بكثرة الاستغفار والدعاء لتصلح قلوبُنا ،ولينبعث فيها حبُّ العلم والخير.
****************************
فصل [غزوة ذات الرقاع]
وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على الذين قَتلوا القُرَّاء أصحاب بئر معونة.
ثم غزا صلى الله عليه وسلم غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة نجد فخرج في جُمادى الأولى من هذه السنة الرابعة يريد محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري.
فسار حتى بلغ نخلاً، فلقي جمعاً من غطفان فتوقفوا، ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى يومئذ صلاة الخوف فيما ذكره ابن إسحاق وغيرُه من أهل السير، وقد استُشكل لأنه قد جاء في رواية الشافعي وأحمد والنسائي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حبسه المشركون يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً، وذلك قبل نزول صلاة الخوف، قالوا وإنما نزلت صلاة الخوف بعُسْفان كما رواه أبو عياش الزرقي قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلى بنا الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد.
فقالوا: لقد أصبنا منهم غفلة، ثم قالوا: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم فنزلت ـ يعني صلاة الخوف ـ بين الظهر والعصر.
فصلى بنا العصر ففرَّقَنا فريقين.. وذكر الحديث. أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلاً بين ضَجْنَان وعُسفان، محاصراً المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاةً هي أحب إليهم من أبنائهم وأَبكارهم، أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة. فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين ... وذكر الحديث. رواه النسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.
وقد عُلم بلا خلاف أن غزوةَ عُسفان كانت بعد الخندق، فاقتضَى هذا أن ذاتِ الرقاع بعدها، بل بعد خبير، ويؤيِّد ذلك أن أبا موسى الأشعري وأبا هريرة رضي الله عنهما شهدها، أما أبو موسى الأشعري ففي الصحيحين عنه أنه شهد غزوة ذات الرقاع، وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لَمَّا نقبت، فسميت بذلك، فأما أبوهريرة فعن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال: نعم. قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد وذكر صفة من صفات صلاة الخوف، أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وقد قال بعض أهل التاريخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة واحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها، قلت: إلا أنه لا يتجه أنه صلى في الأولى صلاة الخوف إن صح حديث أنها إنما فرضت في عُسفان.

****************************
هذه الفصل في غزوة ذات الرقاع ويقال لها (غزوة نجد)ويقال لها غزوة محارب قال الحافظ في فتح الباري شرح تبويب حديث (4125):جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَغَازِي عَلَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ هِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبٍ كَمَا جزم بِهِ ابن إِسْحَاق .وَعند الْوَاقِدِيّ أَنَّهُمَا اثْنَتَانِ وَتَبِعَهُ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ السِّيرَةِ .وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .اهـ. وقداختلف أهلُ العلم متى كانت غزوة ذات الرقاع؟ فمنهم من قال: كانت في السنة الرابعة .وجزم به هنا الحافظ ابن كثير في أول مطلع كلامه على غزوة ذات الرقاع فقال (فخرج في جُمادى الأولى من هذه السنة الرابعة)، وجزم به أيضًا الحافظ في فتح الباري(2718)وقال.. لِأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ . ومنهم من قال: كانت بعد خيبر .وهذا قول الإمام البخاري واستدل لذلك الإمام البخاري بأن أبا موسى وأباهريرة قدما أيام خيبر، أي وقد شهدا غزوة ذات الرقاع ، فقال رحمه الله في صحيحه(4125): بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلًا، وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ، لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ.
وقال البخاري تحت رقم (4137)وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ خَيْبَرَ .
قال الحافظ في فتح الباري: يُرِيدُ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ خَيْبَرَ .

ونصره ابن القيم . ولأجل هذا الخلاف اختلف العلماء متى شرعت صلاة الخوف؟
فمنهم من يرى أنها شرعت في غزوة ذات الرقاع السنة الرابعة قبل وقعة الخندق، ووضعُ الحافظ ابن كثير لها هنا على طريقة من قال :غزوة ذات الرقاع قبل الخندق ولكن يردُّ هذا القول أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة الخندق ما صلى العصر حتى غربت الشمس مما يدلُّ أنَّ صلاة الخوف لم تكن قد شُرِعت إذ لو كانت قد شُرِعت لصلَّوها ،وقد ثبت في الصحيحين البخاري (6396) واللفظ له ومسلم (627) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَقَالَ: «مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» وَهِيَ صَلاَةُ العَصْر». وفي روايةٍ لمسلم في صحيحه «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ.. ».
فعلمنا أن من قال :شُرِعت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع قبل الخندق غير صواب إذ لو كانت مشروعة لصليت صلاة الخوف في الخندق .
وتقدم استدلال البخاري على أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر. وقصة أبي هريرة أنه شهد غزوة ذات الرقاع وهو ما قدم المدينة إلا أيام خيبرهي عند أبي داود في سننه (1240)وأحمد (14/ 12)من طريق أَبِي الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلْ صَلَّيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ، قَالَ مَرْوَانُ: مَتَى؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «عَامَ غَزْوَةِ نَجْدٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَامَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مُقَابِلَ الْعَدُوِّالحديث .
وفي رواية أبي داود ما يدل أن عروة بن الزبير قد سمعه من أبي هريرة فقد أخرجه (1241)من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَجْدٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ .الحديث .وقد صرَّح ابنُ إسحاق بالتحديث عند ابن خزيمة في صحيحه (1362).
ومما يدل على تأخر غزوة ذات الرقاع عن وقعة الخندق حديثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في البخاري (2664) ومسلم (1868) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي». ودل هذا الحديث أن أول مشاهد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقعةُ الخندق.

وقد شهد عبدالله بن عمر ذات الرقاع فدلَّ على تأخر ذات الرقاع عن غزوة الخندق ثبت في صحيح البخاري (4132) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ».

فهذه بعض الأدلة في تأخر غزوة ذات الرقاع عن وقعة الخندق .

ومما يدل على أن صلاة الخوف شرعت بعد الخندق ما رواه أبو داود في سننه (1236)عن أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً، لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً، لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ، فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَفٌّ، وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ، وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى هَؤُلَاءِ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا، سَجَدَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الْآخَرِينَ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْأَخِيرُ إِلَى مَقَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، سَجَدَ الْآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ
وهو في الصحيح المسند للوادعي (1243) .
وعُسْفان كانت بعد الخندق. قال ابنُ الأثير في النهاية: عسفان وَهِيَ قريةٌ جامعةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وفي معجم البلدان(4/ 121): عُسْفَانُ:
بضم أوله، وسكون ثانيه ثم فاء، وآخره نون، فعلان من عسفت المفازة وهو يعسفها وهو قطعها بلا هداية ولا قصد، وكذلك كل أمر يركب بغير روية، قال: سميت عسفان لتعسف السيل فيها كما سميت الأبواء لتبوّء السيل بها، قال أبو منصور:عسفان منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة...".
أما على القول أن غزوةَ ذات الرقاع كانت قبل الخندق فيقول
الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا: (وقد استشكل..) هذا مشكل أن تكون غزوة ذات الرقاع متقدمة على الخندق سنة أربع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما صلى صلاة الخوف في الخندق ولو كانت مشروعة لصلَّاها . ، ثم ذكر حديث أبي سعيد في حبس المشركين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة يوم الخندق مما يدل على أن صلاة الخوف لم تكن شرعت.
ووقعة الخندق المشهور عند أهل السير أنها كانت سنة خمس، وقال بعضهم: كانت سنة أربع.
وحديث أبي سعيد صحيح .والذي في الصحيحين تأخير صلاة العصر وحدها كما تقدم في الشرح من حديث علي ابن أبي طالب . وهنا حديث أبي سعيدفيه أنها أربع صلوات وقد أجاب عن ذلك الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (5/130) وقال : وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَيْرُهَا وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ أَخَّرَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌ مِنَ اللَّيْلِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ أَيَّامًا فَكَانَ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَهَذَا فِي بَعْضِهَا .اهـ.
عرفنا أن صلاة الخوف شُرعت بعسفان لحديث أبي عياش الزرقي وعسفان بعد الخندق، وغزوة ذات الرقاع متأخرة بعد خيبر، ووقعة خيبر في السنة السابعة ومن قدَّم غزوة ذات الرقاع على خيبر فالصحيح خلافه وقد بين ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
ومن الأجوبة التي أجيب بها عن تاريخ غزوة ذات الرقاع تعدد الوقعة يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا في الفصول: (وقد قال بعض أهل التاريخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة واحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها) وهذا رده الحافظ ابن كثيرٍهنا بقوله: (قلت: إلا أنه لا يتجه أنه صلى في الأولى صلاة الخوف إن صح حديث أنها إنما فرضت في عسفان) في الأولى أي: غزوة ذات الرقاع ،لا يتجه لأنه جاء النص أنه نزل صلاة الخوف بعسفان.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/226)بعد أن ذكر شهود أبي موسى وأبي هريرة غزوة ذات الرقاع قال: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ بَعْدَ خَيْبَرَ، وَأَنَّ مَنْ جَعَلَهَا قَبْلَ الْخَنْدَقِ فَقَدْ وَهِمَ وَهْمًا ظَاهِرًا، وَلَمَّا لَمْ يَفْطُنْ بَعْضُهُمْ لِهَذَا ادَّعَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ مَرَّتَيْنِ، فَمَرَّةً قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَمَرَّةً بَعْدَهَا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي تَعْدِيدِ الْوَقَائِعِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا أَوْ تَارِيخُهَا، وَلَوْ صَحَّ لِهَذَا الْقَائِلِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا يَصِحُّ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ عُسْفَانَ، وَكَوْنِهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَلَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ تَأْخِيرَ يَوْمِ الْخَنْدَقِ جَائِزٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَأَنَّ فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهَا، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي قِصَّةِ عُسْفَانَ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لِلْخَوْفِ بِهَا، وَأَنَّهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ. فَالصَّوَابُ تَحْوِيلُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى مَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ بَلْ بَعْدَ خَيْبَرَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا هَاهُنَا تَقْلِيدًا لِأَهْلِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا وَهْمُهُمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.اهـ.

هذه المسألة لها علاقة بالسيرة،ولها علاقة بالتفسير في آيات الخوف، ولها علاقة بالفقه في كتاب صلاة الخوف، فهذه الفنون يُذكَرُ فيها هذه المسألة متى شُرع صلاة الخوف؟ . والعلمُ يخدمُ بعضه بعضًا ،فقد تمرُّ المسألة في أكثر من كتاب ،وإذا هُضِمَتِ وفُهِمت المسألةُ هذه أو غيرها ،إذا مرَّتْ مرَّة أخرى يكون عبارة عن مذاكرة وتثبيت ،ونسأل الله من واسع فضله العظيم.

سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم جاء في صحيح البخاري (4128) وصحيح مسلم (1816) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا»، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ .
كان أبو موسى رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث ثم ترك التحديث به لأنه خشي من تزكية النفس وخشى على عمله.
معنى (نَعْتَقِبُهُ) قال النووي في شرح صحيح مسلم (12/197): نَعْتَقِبُهُ) أَيْ يَرْكَبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَوْبَةً فِيهِ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَرْكُوبِ . وقال الحافظ في فتح الباري (7/421): أَيْ نَرْكَبُهُ عُقْبَةً عُقْبَةً وَهُوَ أَنْ يَرْكَبَ هَذَا قَلِيلًا ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَرْكَبَ الْآخَرُ بِالنَّوْبَةِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى سَائِرِهِمْ . اهـ. بخلاف الإرداف، فإنه يُرْدف صاحبه خلفه.
****************************
وقد ذكروا أنه كانت من الحوادث في هذه الغزوة قصة جمل جابر وبيعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك نظر، لأنه جاء أن ذلك كان في غزوة تبوك، إلا أن هذا أنسب لِمَا أنه كان قد قتل أبوه في أُحد، وترك الأخوات، فاحتاج أن يتزوَّج سريعاً من يكفلُهن له.
ومنها: حديث جابر أيضاً في الرجل الذي سَبَوا امرأته فحلف ليهريقن دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء ليلاً ـ وقد أرصد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلين ربيئةً للمسلمين من العدو، وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر رضي الله عنهما ـ فضرب عباداً بن بشر بسهم وهو قائم يصلي، فنزعه ولم يبطِل صلاتَه، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلَّم، وأنبَه صاحبَه، فقال: سبحان الله هلا أنبَهتني؟ ! فقال: إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها. ومنها حديث غورث بن الحارث الذي هم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائل تحت الشجرة، فاستلَّ سيفه وأراد ضربه، فصدَّه الله عنه، وحُبست يده، واستيقظ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من نومه، فدعا أصحابه فاجتمعوا إليه، فأخبرهم عنه وما همَّ به غورث من قتله، ومع هذا كلِّه أطلقه وعفا عنه صلى الله عليه وسلم.
وهذا كان في غزوة ذات الرقاع، إلا أنها التي بعد الخندق كما أخرجاه في الصحيحين، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ السيف، فاخترطه، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا، قال فمن يمنعك مني؟ قال: الله. قال: فتهدَّده أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيفَ وعلَّقه، قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكانت لرسول الله أربع ركعات، وللقوم ركعتان. واللفظ لمسلم.

****************************
هذه بعض الأمور التي وقعت في غزوة ذات الرقاع .أحدها: قصة جمل جابر، وجاء في بعض الروايات أنه في غزوة تبوك .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وفي ذلك نظر) .وهذا في رواية معلَّقة عند البخاري تحت رقم(2718) وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ: اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ .
وله طريقٌ أخرى إلى جابرفي مسند أبي يعلى (1793) من طريق عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ فَتَخَلَّفَ الْبَعِيرُ الحديث.وعلي بن زيد :ابن جُدْعان ضعيف.
وقد أخرجه البخاري (2861)من وجهٍ آخر من طريق أَبِي عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ - قَالَ أَبُو عَقِيلٍ: لاَ أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً الحديث.وهذا يضعِّف رواية ابن جدعان .
وقد ردَّ هذه الرواية-أنه كان في غزوة تبوك- الحافظ ابن كثيرهُنا بقوله (وفي ذلك نظر)وبقوله (إلا أن هذا أنسب لِمَا أنه كان قد قتل أبوه في أُحد، وترك الأخوات، فاحتاج أن يتزوَّج سريعاً من يكفلُهن له).
هذا أنسب أن يكون شراءُ جابر للجمل متقدمًا على غزوة تبوك؛ لأنه جابرًا توفي أبوه في غزوة أُحد فبادر وتزوج امرأة لتقوم برعاية أخواته. قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/ 227): وَلَكِنْ فِي إخْبَارِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثَيِّبًا تَقُومُ عَلَى أَخَوَاتِهِ، وَتَكْفُلُهُنَّ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ بَادَرَ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهِ، وَلَمْ يُؤَخَّرْ إِلَى عَامِ تبوك، واللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ. فكان أنسب أن يكون في غزوة ذات الرقاع ،وهذا على القول أن غزوة ذات الرقاع في السنة الرابعة ،وقد صرَّح بذلك الحافظ ابن حجرٍ في فتح الباري (2861)وقال في سياق بيع جابر لجمله في أي غزوةٍ كان: لَكِنْ جزم ابن إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ فِي رِوَايَتِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا قَبْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ جَابِرٍ وَهِيَ الرَّاجِحَةُ فِي نَظَرِي لِأَنَّ أَهْلَ الْمَغَازِي أَضْبَطُ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَأَيْضًا فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَن ذَلِكَ وَقَعَ فِي رُجُوعِهِمْ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَتْ طَرِيقُ تَبُوكَ مُلَاقِيَةً لِطَرِيقِ مَكَّةَ بِخِلَافِ طَرِيقِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ .وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ طُرُقِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ هَلْ تَزَوَّجْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا الْحَدِيثَ. وَفِيهِ اعْتِذَارُهُ بِتَزَوُّجِهِ الثَّيِّبَ بِأَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَتَرَكَ أَخَوَاتِهِ فَتَزَوَّجَ ثَيِّبًا لِتُمَشِّطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهِ فَيَكُونُ وُقُوعُ الْقِصَّةِ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ أَظْهَرَ مِنْ وُقُوعِهَا فِي تَبُوكَ لِأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَتَبُوكُ كَانَتْ بَعْدَهَا بِسَبْعِ سِنِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا جَرَمَ جزم الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل بِمَا قَالَ ابن إِسْحَاقَ.اهـ.
والحاصل : أن بيع جابررضي الله عنه للجمل كان قريبًا من وفاة أبيه لاحتياجه إلى من يكفل أخواته ويقوم برعايتهن .
(ومنها حديث جابر أيضاً في الرجل الذي سبوا امرأته فحلف ليهريقن دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم...)
وهذا إسناده ضعيف فيه عقيل بن جابر وهو مجهول عين.
قال ابن أبي حاتمٍ في الجرح والتعديل(6/ 218): سمعت أبى يقول عقيل بن جابر لا أعرفه.
وفي ميزان الاعتدال (3/ 88): عقيل بن جابر بن عبد الله الأنصاري. عن أبيه. فيه جهالة. ما روى عنه غير صدقة بن يسار.

(ومنها حديث غورث بن الحارث الذي هم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائل تحت الشجرة، فاستلَّ سيفه وأراد ضربه، فصدَّه الله عنه، وحُبست يده، )
هذا فيه اسم الرجل الذي همَّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه غورث وقد جاء في صحيح البخاري (4136) :وَقَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،

اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الحَارِثِ ..

(ومع هذا كلِّه أطلقه وعفا عنه صلى الله عليه وسلم)
وهذا من تمام حِلْمه وعفوه ، وقد وُصِف بذلك في الكتب المتقدمة كما في صحيح البخاري (4838) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي القُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: 45]، قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا». وهذه طريق أنبياء الله ورسله العفو والصفح، ومن أمثلة ذلك قصة يوسف عليه الصلاة والسلام لما كان في السجن وعبَّر الرؤيا للرجلين اللذين سجنا معه، وقال للناجي: إذا خرجت من السجن اذكر أمري عند ربك. فخرج الناجي ونسي ﴿...فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ [يوسف:42]، وهذا من عداوة الشيطان كاد ليوسف فأنسى الناجي أن يذكرأمر يوسف أنه في السجن، فلما رأى الملك الرؤيا وأرعبته وأقلقته تذكَّر الناجي أن يوسف في السجن فاستأذن في الإرسال ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)﴾ [يوسف]. بعد ذلك عبَّر يوسف وقال له ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ [يوسف:47]. هذا من عفو يوسف، وصفحه ما عاتبه وقال: أنت نسيتني،وبعض الناس يقول :فلان ما يذكرنا إلا وقتَ الحاجة ، وما اشترط لا أعبر لكم الرؤيا إلا بشرط إخراجي من السجن عبَّرلهم الرؤيا مباشرة ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ [يوسف:47]. وفي آخر سورة يوسف أيضًا بعد أن جمع الله بينه وبين إخوته، قال يوسف: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف:92]. أي: لا لوم ولا عتاب. وهذا خُلُق عزيز من مكارم الأخلاق ،وهو من أسباب نيل العزة في الدارين.وفي صحيح مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ».
وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الآتي في الفصول هومن أدلة العفو والصفح.وقد قال تعالى فاصفح الصفح الجميل .
(قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ السيف، فاخترطه فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا)
وفي مستدرك الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غُرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «مَنْ يَمْنَعُكَ؟» قَالَ: كُنْ خَيْرَ آخِذٍ، قَالَ: «تَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ، وَلَا أَكُونُ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، قَالَ: فَخَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبِيلَهُ فَجَاءَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ الحديث .
(وهذا كان في غزوة ذات الرقاع، إلا أنها التي بعد الخندق)
أي أن هذا الذي حصل كان في غزوة ذات الرقاع التي بعد الخندق .
وقد تقدم انتقاد ابن القيم لقول من قال غزوة ذات الرقاع كانت مرتين مرة قبل الخندق ومرة بعدها .
****************************
فصل [غزوة بدر الصغرى]
وقد كان أبو سفيان يوم أحد عند منصرفه نادى: موعدكم وإيانا بدر العام المقبل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان شعبان في هذه السنة نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى بدراً للموعد، واستخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي، فأقام هناك ثماني ليال، ثم رجع ولم يلق كيداً، وذلك أن أبا سفيان خرج بقريش، فلما كان ببعض الطريق بدا لهم الرجوع لأجل جدب سنتهم فرجعوا، وهذه الغزوة تسمى بدراً الثالثة وبدر الموعد.

****************************
هذه غزوة بدر الثالثة في السنة الرابعة ، وقد تقدم لنا غزوة بدر ثلاث:
الأولى: وسببها إغارة كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طلبه ولم يلق كيدا.
غزوة بدر الثانية: وهي غزوة بدر العظمى وكان سببها خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتعرض قافلة أبي سفيان.
وهنا غزوة بدر الثالثة: ويقال لها غزوة بدر الموعد؛ لأن أبا سفيان عند رجوعهم من غزوة أحد، قال: موعدنا وإياكم بدر في العام المقبل، ثم خرج لملاقاتهم إمضاءً للوعد. ويقال لها غزوة جيش السويق لأن أبا سفيان وأصحابه لما خرجوا من مكة مشوا قليلًا ثم عرض عليهم أبو سفيان، فقال لهم: نحن في زمن جدب فننتظر إلى عام خصب، فأكلوا السويق ثم رجعوا إلى مكة.
وهنا يذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى بدر لملاقاة قريش وأقام ثمانية ليالٍ، ثم رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
****************************
فصل [غزوة دُومة الجندل]
وخرج صلى الله عليه وسلم إلى دُومة الجندل في ربيع الأول من سنة خمس، ثم رجع في أثناء الطريق ولم يلق حرباً، وكان استعمل على المدينة سباع بن عرفطة.

****************************
غزوة دُومة الجندل في السنة الخامسة .وسببها أنه بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن جمعًا من الكفار يتجمعون لقتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي أثناء الطريق بلغه أنهم قد هربوا وتفرَّقوا فرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يلق حربًا.










رد مع اقتباس