منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - بحث حول جماعة الديوان ومظاهر التجديد في شعرهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-01-29, 00:49   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحـــمـد لله رب العــالميـن، والصــلاة والســـلام على أشـــرف الأنبياء والمرســـلين، ســــيدنا محمـد وعلى آله وصحبه أجمين، ســـــبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، رب اشــــرح لي صدري ويسر لي أمري.

أما بعد:

أقدم هذا البحث دراسة حول جماعة الديوان بصفتها مدرسة نقدية هامة شاركت النهضة الأدبية الحديثة في مرحلة التجديد، واعتبارها المساهمة الفعالة في إرساء المقومات النقدية للشعر العربي المعاصر. في هذه الدراسة لمدرسة الديوان وحركتها التجديدية، يجدر العودة إلى مرحلة سابقة عنها لمعرفة كيف كان الشعر والنقد وحالة الأدب بصفة عامة قبلها، ليسهل التعرف على مظاهر التجديد في دعوتها، ومدى فعاليتها في تطبيق الأسس الجديدة على الشعر، وإلى أي مدي يصل هذا التجديد بالشعر العربي التقليدي.

فعلى هذا الأساس تم تقسم البحث إلى فصول ثلاثة، فالفصل الأول تمهيد ضروري للموضوع، وفيه إشارة إلى حال الأدب في عصر ما قبل النهضة، ثم بيان مظاهر النهضة الحديثة، وبوادر التجديد للأدب، والفصل الثاني التعرف على مدرسة الديوان: أعضائها وتكوينها وثقافتها ومجال دعوتها وجذورها، وأهمية دورها في التطور الأدبي، والفصل الثالث عرض شامل لدعوتها ونقدها للأساليب القديمة، وما وضعت من مقومات وأسس نقدية جديدة، وإلى أي مدى كان التطبيق الفعلي لها. ثم خاتمة البحث خلاصة لما سبق عرضه، وأهم النتائج المتحصلة من دراسة الموضوع.

وبالله التوفيق والهداية


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأول

الأدب العربي الحديث

أولاً: الأدب العربي قبل عصر التجديد:

" النهضة الأدبية في أي عصر من العصور مرتبطة إلى حد كبير بالنواحي السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والقومية للشعب، ومدينة إلى حد كبير بقيمة الفرد ومدى إحساسه بذاته وشعوره بنفسه كعنصر بشري مؤثر في جميع هذه النواحي ومتأثر بها، والأدب العربي قد عايش هذه الظروف وتأثرت بها على مختلف صورها في عصور مختلفة:

العصر التركي: قد كان الأدب العربي في مصر تحت الحكم المملوكي هامد خامد، وظل في مجتمع أعجم لا يُحفَل به، ولم تكن له ثمة هزات فكرية تؤثر أو هزات اجتماعية أو سـياسية توقظ أو دعوات إصلاحية ترود، وكانت اللغة بقايا مبهمة من تعابير سقيمة، ولم يعد في استطاعة كثير من كتاب أن يسـلموا من اللحن الفاحش، أو يأتوا بالفهم المقبول بل عز عليهم اللفظ الجزل والأسلوب القوي فلجئوا للزخارف والمحسنات.

أيام الحملة الفرنسية: لم تكن حياة الفن أيام الحملة الفرنسية بأحسن مما كان عليه، فلم تؤثر في عواطف الناس وإن كانت قد أثرت في عقولهم، ولم يخرج الشـعر عن حالته السابقة، فبقي مطموراً في أضابير التخلف والتأخر والانعزالية عن مسايرة الركب.

عصر محمد علي: لم يكن بعصر ازدهار للشعر ولا للأدب بنوع عام، فلم يتجه بالنهضة اتجاهاً ثقافياً بقدر ما يكون اتجاهاً مادياً علمياً يهدف إلى التطوير العسكري، وقد استولت الصناعة والسخافة على دواوين شعراء هذا العصر من تأريخ وتطريز وتخميس وتربيع وتضمين ليس فيه قليل معنى ولا عظيم غرض، ولا له بالخيال معرفة، ولا في اللغة نصيب مفيد، إنما هو نماذج قرأوها من عصور قريبة منهم وأخذوها وكأنها غاية الفن وقمة الشعر.

عصر إسماعيل: اهتم بالتعليم والحياة النيابية، وأنشئ دار العلوم وسرت روح الإصلاح في الأزهر، ونهض فن الطباعة، وظهرت حركة إحياء التراث القديم، وانتشرت كتب التراث، وكثرت المدارس الأجنبية وظهرت الدعوات الإصلاحية على يد الأفغاني ومحمد عبده، وتطورت العلوم وتطورت اللغة لتفي بالحـاجة، كما كان النمو القومي، والاتصال بالغرب والاحتكاك عن طريق البعوث، وبدأت الصحافة تتنوع، وتخصص بعضها في الأدب والشعر ونهض بهما ".


--------------------------------------------------------------------------------

ثانياً: النهضة الأدبية الحديثة:

بدأت النهضة الأدبية الحديثة مصاحبة بتطور الشعور القومي تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، والرغبة في الاستقلالية الذاتية بالعودة والدعوة إلى إحياء التراث، فكان من العوامل الهامة للنهضة الأدبية الحديثة:

"ظهور المطبعة، إذ أتاحت للباحثين والدارسين أن يطلعوا على كثير من الدواوين الشعرية للشعراء القدامى في العصور الذهبية، ورواد العصر العباسي، وأتيح لهم الوقوف على المؤلفات العلمية والأدبية القديمة التي تدور حول علوم التفسير والحديث والفقه وصناعة الشعر والنثر.

ظهور فن الصحافة، وتمثلت في الصحف اليومية أو مجلات أسبوعية أو شهرية، وكانت تحوي مواد متعددة منها ما يتصل بالسياسة والاقتصاد، وما يتصل بالأدب والنقد، مما رأى فيها الأدباء متنفساً وطريقاً يذيعون من خلاله أدبهم شعراً ونثراً.

إنشـاء المدارس المتخصصة، والمعاهد العلمية النظامية، والمجامع الأدبية واللغوية، إلى جانب ما كان موجوداً وقتئذٍ، فأخرجت طائفة كثيرة من المتخصصين، الذين كان لهم دور بارز في النهوض بالأدب، والرقي في المقاييس النقدية، مما سـاعد على أن تتوارى تدريجياً الثقافة الهابطة الضعيفة التي كانت تعيش معهم إلى عهد قريب.

ظهور جيل من الشـعراء أحيوا في شـعرهم صورة الأدب العربي القديم في عصر ازدهاره وقوته، وهذا العمل تم أولاً على رائد الشعر العربي الحديث محمود سامي البارودي.

تطور حـركة النقد الأدبي، بقيام الأدباء والنقاد ببعث الكتابة النثرية الأدبية في كتاباتهم، إلى جانب بعث طريقة القدماء في تحليل النصوص الأدبية ونقد الأدب".

"في نهاية القرن التاسع عشر قام فريق من الشعراء الذين ورثوا صناعة الشـعر من البارودي بالمناداة إلى ضرورة التجديد استجابة لدواعي العصر، لأن الزمان قد تغير، إذ ليس زمان المحدثين مماثلاً لزمان الأقدمين، فظهر بعض النداءات لشعراء هذه المرحلة، في المرحلة الأخيرة من مراحل شعرهم تدعوا إلى ضرورة الإتيان بشيء جديد يعكس حاجة العصر، من مثل: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة الانتقال إلى محاولات التجديد"، "إذ كانوا يترسـمون هذا المثل الذي ضربه البارودي، مثل الاحتفاظ بجزالة الأسـلوب ورصانته، أما بعد ذلك فهم يفرضون ثقافتهم وعصورهم على شعرهم وما ينظمون منه".


--------------------------------------------------------------------------------

ثالثاً: المحافظة والتجديد:

( أ ) المحافظون: مفهوم المحافظة:

"تقوم منهجهم على تقليد الشعر العربي في المنحى والأسلوب من شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ واستقامته ونصاعة التركيب، وتعلقت بكل مقوماته. والعودة إلى الآداب العربية القديمة هي مبدأ النهضة الأدبية المعاصرة، وينتظم للمذهب طائفة كبيرة من شعراء النهضة في مقدمتهم: شوقي وحافظ وخليل مطران والرافعي، وكان روادها يتفقون في أن يلتزموا بسلامة الأسلوب وصحته من حيث اللغة والإعراب، ولم يشذوا عن نهج القصيدة العربية، ثم هم بعد ذلك لا يكاد يجمعهم جامع آخر، فإن كلاً منهم يمضي مع ثقافته وفهمه لحقيقة الشعور على حسب ما أتيح له من شاعرية وإبداع".

"فبعضهم فهم المحافظة فهما خاطئاً على أنها الاستناد إلى تراث الأقدمين الحضاري، وترديد مضامين شعرهم وأفكارهم، ولا يخرج الشعر عن سننهم في الأسلوب والتعبير والوزن، فحفظ قاموسهم اللغوي، وفهم بعضهم على أنها سير على نهج من سبق، فألغى نفسه وراح يستفتح الدمن، واستعمل النسيب فتشكا الوجد وبكى الفراق، وبعضهم فهمها على أنها نقل صور الماضي بما فيه، سهوله ونوقه وخيامه وليلاه، فحاكاهم في ذلك كله، ولم يدر أن ذلك هو الجمود والتكرار والفقر والضحالة، وأنه كرر نفس المواقف، ولم يزد، ودعا نفس العواطف ولم يجدد، فهموها من زاوية ضيقة، فحجر على عواطفه وإحساسه وخياله وتجاربه، ليظل محجوزاً بين أحاسيس الأقدمين".

"كانت مدرسة (المحافظين) امتداداً لمدرسة البعث التي رادها البارودي بكل ما يعنيه الامتداد من احتذاء وبعث وتطوير، قد أطلق هذا المصطلح عليها ليس لأن شعراءها مجرد ظلال باهتة أو قوية لمن سبقهم من الشعراء الغابرين أو المحدثين، ولكن لأنهم قد استطاعوا المحافظة على العناصر الصياغية، والشكل الهيكلي للقصيدة، كما هي في عصور تألق الشعر وازدهاره، وعلى الروح العربي المنتمي إلى تراثه الحضاري والفني، ولعل هذه المحافظة على الشكل والروح والانتماء هي التي أعاقت شعرائها عن عالم آخر جديد، ولكنهم مع ذلك قد أعطوا للحركة الشعرية الحديثة من حضورهم التاريخي، ومن ثقافتهم المتنوعة، وإطلالهم بالشعر إلى عوالم جديدة وأجناس أدبية مستحدثة".

(ب) المجددون: ثورة على الجمود والتكرار:

"في العقد الثاني من القرن العشرين، أمام أحداث عالمية ومحلية، الحرب العالمية الأولى، والاحتلال الأجنبي في البلاد العربية، كان لها أثر في إحداث روح متمردة قلقة عند الأدباء، فعبروا عن روح القلق والتمرد والإحساس بالظلم فيما صـاغوه من أدب، فنادوا بضرورة أن يكون الأدب معبراً عنها، غير منفصلة عن أحداث العصر، فانتقدوا شعراء القرن التاسع عشر الذين امتدت بهم الحياة إلى مطلع قرنهم، إضافة إلى ما حصلوه من ثقافات أجنبية، إنجليزية أو فرنسية، كان له أثر في تكوين روح التمرد، ورأوا أن الأدب الأجنبي يؤدي أهدافاً وغايات أوسع مما كان بين أيدي أدباء الجيل السابق، وكذلك فإن الروح الذاتية التي تشيع في الأدب الأجنبي أوحت إليهم أن الأدب هو الذي يكوّن شخصيةً مستقلة للأديب". ولهذا ظهرت عدة اتجاهات مختلفة يمثلها أدباء وشعراء ومدارس.

(ج) المدارس الأدبية الحديثة: تيارات لتعدد المذاهب وتنوع الثقافات:

"ظهرت بوادر التجديد منذ بدأ الشعور القومي يملأ الصدور، وتلفت الشعراء إلى ألوان الشعر العربي وضروبه، فشاركوا في تصوير هموم الشعب وموقعهم من الركب الإنساني، فانتقوا ألواناً تلائم العصر وأسلوب الحياة الجديدة، ويستسيغها طبع التغيير. وتنوعت دعوات التجديد بألوان من المذاهب الفلسفية والنفسـية الغربية وتأثرت بها، وبدأت تطبق بحق أو باطل على الأدب العربي، وراح الشـعراء يفكرون في التجديد ويحاولونه ويدعون إليه. وأول من فكر في التجديد شوقي، إذ نعى على الشعراء تسخير أشعارهم للمديح الذي يغل المواهب، وعاب نجيب الحداد فقدان الشعر العربي للوحدة العضوية، ودعا إلى الوحدة العضوية ومجاراة الطبع، ودعا نجيب شاهين إلى أن يكون الشـعراء عصريين ويدرسوا الشعر الأجنبي، وينبذوا القديم وأغراضه الباطلة،كالمدح والهجاء وبكاء الأطلال وديار الأحبة، وكثيرون غيرهم، ولكن تبدوا هذه الدعوات في هذه الفترة ساذجة.

وظهرت مدرسة (الديوان) تصدر دواوينها الشعرية حاملة بذرة التجديد الحقيقية، ومفهومه الواعي للشعر وغايته ووسائله وصلته بالفنون والحياة، وتجسيده لحس الشاعر، وتصويره لأفكاره وانطباعاته وأعماقه في اتصاله المباشر بالحياة"،"وظهر بعدها أدباء المهجر، وجماعة أبولو، وجماعات أخرى في الساحة الأدبية لا ينتمون إلى مدارس معينة، خاصة النقاد الذين ينتمون للحقل التعليمي". ونظراً للمصادر الثقافية لأدباء ونقاد فترة التجديد "التي تعود إلى منبعين: الثقافة العربية الأصيلة، والثقافة الأجنبية"11،فإن للأخيرة أثرها عند بعض أنصاره بدعوتهم إلى الاحتذاء بالأدب الغربي والتغيير الشامل في الأدب العربي مبتعداً عن الأصول العربية، فبدت ظواهر جديدة تدعوا إلى الواقعية، وامتد إلى الأدب ولغته المظاهر السلبية من التجديد. والفصل التالي نستقل بمدرسة الديوان لما لها السبق في حركة التجديد المنظم في الأدب العربي، وعملها الدأب في الرقي به، والدفاع عن شخصية الأدب العربي وملامحه المستقلة، الذي يعبر عن الحياة بالروح العصرية، والمستمد من المنبع العربي الأصيل.


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثاني:

الديوان: مدرسة التجديد

أولاً: مدرسة الديوان:

( أ ) التسمية والتأسيس وأعضاء المدرسة:

" جماعة الديوان مصطلح يُطلق على مجموعة من الشعراء النقاد، هم: عبد الرحمن شكري، وعباس العقاد، وإبراهيم المازني،وهذا المصطلح إنما هو نسبة إلى هذا الكتاب النقدي المعنون باسم: "الديوان في النقد"، وهو كتاب ألفه العقاد والمازني فحسب، وإن كانت التسمية تشمل الثلاثة معا".

"عباس محمود العقاد: ولد بأسوان سنة 1889م لأسرة مصرية متوسطة، ولم يكمل دراسته في المدارس الرسمية، بل أخذ يكملها بنفسه، رحل عن بلدته وهو في السادسة عشرة، والتحق ببعض الوظائف الحكومية، ثم تركها إلى القاهرة وعمل بالصحافة، وكتب في جريدة البلاغ الوفدية، فنهض فيها بالمقالة السياسية، مقتبساً كثيراً من آراء المفكرين والفلاسفة الغربيين، وخاصة في مجال الحرية وحقوق الشعب والسياسة، وينقل إلى قرائه مباحث الأدب والنقد الغربية ويشفعها بنظرات تحليلية. أخرج أول دواوينه سنة 1920م، ونال سنة 1960م جائزة الدولة التقديرية في الآداب تنويهاً بأعماله الأدبية، وأهم ما يميزه مواقفه الثابتة في الحياة وفي الآراء الأدبية، توفي سنة 1964م.

إبراهيم عبد القادر المازني: ولد بالقاهرة سنة 1889م، عمل في التعليم والصحافة، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، نظم الشعر أولاً ثم كتب القصة بأسلوب ضاحك تغلب فيه على كآبته الأصلية، يميل في أسلوبه إلى الدعابة والسخرية وإبراز المفارقات، يؤدي مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وانطباعاته بالروح المصرية. توفي بالقاهرة سنة 1949م.

عبد الرحمن شكري: ولد بمدينة بورسعيد سنة 1886م، درس الثانوية، والتحق بمدرسة الحقوق ولكنه فصل منها لتحريضه الطلاب على الإضراب استجابة لزعماء الح** الوطني، فاتجه إلى دراسة الآداب التي كانت تتفق وميوله، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا، وتخرج سنة 1909م، التزم فيها الدرس الصارم في الأدبين العربي والغربي، وذهب في بعثة إلى إنجلترا، عمل في صحيفة الجريدة، كتب فيها عن علاقة الشعر بالفنون ونحوه من الموضوعات التي كانت تعد حينئذٍ جديدة، توفي بالإسكندرية سنة 1958م".

(ب) الخلفية الثقافية للمدرسة:

"حظهم من الثقافة العربية يكاد يكون متفقاً، فالعقاد يقول عن شكري: (لم أعرف قبله ولا بعده أحداً من شعرائنا وكتابنا أوسع منه إطلاعاً على أدب اللغة العربية، وأدب اللغة الإنجليزية، وما يترجم إليها من اللغات الأخرى، ولا أذكر أنني حدثته عن كتاب قرأته إلا وجدت عنده علماً به، وإحاطة بخير ما فيه، وكان يحدثنا عن كتب لم نقرأها ولم نلتفت إليها). ولقد كان إطلاع العقاد مضرب المثل في وسعه، فكان يحيط إحاطة بفروع اللغة العربية وآدابها، عارفاً بدقائقها. والمازني هو اللآخر حظه من العربية أقوى من حظه من الثقافة الإنجليزية.

أما ثقافتهم الأجنبية فهي الأخرى مستوعبة (أوغلت في القراءة الإنجليزية، ولم تقصر قراءتها على أطراف من الأدب الفرنسي، ولم تنس الألمان والطليان والروس والأسبان واليونان واللاتين الأقدمين، ولعلها استفادت من النقد الإنجليزي فوق فائدتها من الشعر وفنون الكتابة الأخرى".

(ج) الاختلاف بين أعضاء المدرسة:

"كان عزم العقاد والمازني أن يصدر الديوان في عشرة أجزاء، ولكن لم يصدر منه إلا جزءان، وكانت خطتهما تقضي بأن يبدأ بتحطيم الأصنام مثل شوقي والمنفلوطي وغيرهما بنقدهم تفصيلياً، حتى إذا تم الهدم بدأوا في نشر آرائهما النقدية البناءة، لكن لماّ لم يظهر من الديوان إلا جزءان فقد ظلت آراؤهما النقدية البنائية مجهولة. ولكن العلاقة فسدت بين شكري والمازني بعد أن عاب شكري على المازني انتحاله لبعض الأشعار الإنجليزية، وكان الرد من جانب المازني فقط، ووقف العقاد إزاء هذه المعركة حيران صامت، خوفاً من فرحة صرعى المذهب القديم، ومن ثم لم يطب نفساً بتلك الجفوة التي حدثت بين صاحبيه فجمعهما ورأب الصدع وعاهدها على أن يكفا، فرضيا بحكمه"، "وانزويا بعدها عن الساحة النقدية وبقي العقاد وحده إلى نهاية عمره يباشر عمله النقدي في صبر ودأب، إلى جانب نشاطه العلمي المتعدد الجوانب".


--------------------------------------------------------------------------------

ثانياً: دور مدرسة الديوان وأثرها:

( أ ) الأهداف:

"حُددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان: (وأوجر ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي). إذاً فقد كان هدفهم أن يكون لمصر أدب يعبر عن الروح الأصيلة لها يترجم عن طبع الإنسان فيها بلسان عربي وأدب مصري، وعلى نحو ما صور المازني: لقد عز على العقاد وقد رجع إلى مصر القديمة فلم يجد لها شاعر أو واحداً عظيما، يقول: (ونظراً إلى العصور الحديثة بعد الإسلام فلم أعثر بشاعر واحد من مصر)..".

(ب) مجالات الدعوة:

"تنوعت مجالات الدعوة لمدرسة الديوان على النحو التالي:

دراسات نقدية: كما يبدوا في دراسات المازني النقدية في الربع الأول من هذا القرن.

النماذج الشعرية: التي حملت في أطوائها هذه القيم الجديدة.

كتاب الديوان في النقد والأدب: وقد صدر سنة 1921م.

مقالات العقاد وبحوثه".

(ج) الأثر الأدبي:

"لهم آراء نقدية مذكورة في كتب أخرى غير الديوان:

فللعقاد: مقدمات دواوينه الشعرية، ومقدمته لديوان المازني، ومنها كتبه: ساعات بين الكتب، بين الكتاب والناس، مطالعات في الكتب والحياة، يسألونك، اليوميات، اللغة الشاعرة، الشذوذ، أشتات مجتمعات، مراجعات في الآداب والفنون، ابن الرومي حياته وشعره، ودواوينه: يقظة الصباح، وهج الظهيرة، أشباح الأصيل، أشجان الليل، وحي الأربعين، هدية الكروان، عابر سبيل، أعاصير مغرب، ما بعد الأعاصير، وغير ذلك دراسات متعددة حول الأدب والنقد والشعراء.

وللمازني: آراء نقدية كذلك فيما كتبه عن بشار وابن الرومي وحافظ إبراهيم، والمعروف أنه لم يتابع مسيرة النقد الأدبي بعد حدة الاختلاف بينه وبين شكري، إذ انصرف عن الشعر والنقد واتجه إلى الكتابة القصصية والاجتماعية.وله كتب أخرى أهمها: حصاد الهشيم، قبض الروح،الشعر غاياته ووسائله.ومن قصصه:إبراهيم الكاتب،إبراهيم الثاني،صندوق الدنيا،عود على بدء،قبض الريح.

ولشكري: مقدمات لدواوين شعره، ومقالات متفرقة يرسلها بين الحين والحين بعد هجر الجماعة بسبب الخلاف، وانطوى على نفسه بعيداً معتزلاً عن الأضواء، وهذه المقالات مع ما كتبه في مقدمات دواوينه الشعرية تمثل رصيده من النقد الأدبي، وهو رصيد لا بأس به. فمن دواوينه: ضوء الفجر، لآلئ الأفكار، أناشيد الصبا، زهر الربيع، خطرات، الأفنان، أزهار الخريف".

وما يهمنا أكثر الآن هو تلك الآراء النقدية التي دعت إليها مدرسة الديوان، وهو ما ســندرســه في الفصل التالي من هذا البحث.


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثالث:

مدرسة الديوان: الآراء النقدية وجذورها

أولاً: مبدأ التمرد على الأساليب القديمة:

"قد عملت مدرسة الديوان منذ نشأتها على التمرد في وجه القصيدة العربية التقليدية شكلاً ومضموناً وبناءً ولغة، وربما لأن روادها فتنوا بنماذج الشعر الغربي الذي لا يغرق في هذه القيود، والتي كانت القصيدة العربية اصطنعتها لنفسها أو اصطنعتها لها عصور التخلف والانحطاط والتقليد:

( أ ) في الشكل: ثاروا على نظام القصيدة الطويلة ذات النسق الموحد، وجنحوا إلى شعر المقطوعات، وشعر التوشيح، وشعر تعدد الأصوات، وثاروا على نظام القافية الموحدة، فنوعوا فيها على فترات متقاربة تتردد بين البيتين والأبيات القليلة، بل امتد (شعر شكري) على القافية بكاملها، فألغاها في عديد من قصائده.

(ب) في المضمون: تمردوا على محدودية الفضاء المتناول عن بقية آفاق الوجود، ومحدودية الطموح والانحصار في توافه الأمور. وتمردوا على رضوخ الشاعر حيال ما يراه في الكون من تناقض ونقص، ودعوا إلى ضرورة التعبير عنها، وعن إيقاعها في ذهن الشاعر. وتمردوا على تعالي موضوعات الشعر عن الواقع التاريخي الذي تحياه الجماهير، ورفضوا التفاهة التي غلبت على الحياة والشعر، وخلو الشعر من عناصر التفكير والإحساس، ورفضوا شعر المناسبات، ووصف الأشياء وتعديد أشكالها وألوانها، وعدم الشـعور بجوهرها ونقل هذه الشعور. وتمردوا على بقاء الشعر قيمة لسانية وليس قيمة إنسانية. وتمردا على ضياع المواقف الشخصية في الشعر، وفقدان ذاتية الرؤية وخصوصية الأسلوب، وتمردوا على الغموض وفرقوا بينه وبين العمق، وتمردوا على فساد المعنى بما ينطوي عليه من تعسف وشطط ومبالغة ومخالفة للحقائق، أو الخروج بالفكر عن المعقول، أو قلة جدواه وخلو مغزاه.

(ج) في البناء: رفضوا التفكك الذي يحيل القصيدة إلى مجموع مبدد، لا تربطه وحدة معنوية صحيحة، فنادوا بالوحدة العضوية.

(د) في اللغة: تمردا على ما سمي بلغة الشـعر أو القاموس الشعري، ودعوا إلى تحرير اللغة الشعرية من القوالب الجاهـزة، والأنماط القبلية، وضرورة التعبير عن المضامين الجديدة بلغة قادرة على التحليل والتركيب، واسـتبدال معجم مهجور أو خطابي أو مبتذل أو مكرور بمعجم آخر مأنوس ومتعال على الدلالات الوضعية المحدودة للألفاظ، وتقرب العمل الشعري من حركة العصر وحيوية المعاناة وتأمل الفكر وإشعاء الوجدان".

ثانياً: الآراء النقدية لمدرسة الديوان:

"سجل كل من أعضاء الديوان آراءه النقدية نحو بعض الشعراء والكتاب، إذ نرى العقاد ينقد أحمد شوقي في جزء كبير من الكتاب، كما ينقد مصطفي صادق الرافعي. أما المازني فإنه ينقد زميل له في مدرسته عبد الرحمن شكري، كما ينقد مصطفي لطفي المنفلوطي".

وهذه بعض القضايا النقدية التي دعت إليها مدرسة الديوان:

قضية التشبيه: "يدلي العقاد برأيه في التشبيه الأدبي بصفة عامة: (إن الشاعر هو من يشعر بجوهر الأشياء، لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها، وليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه، وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به… إن الناس جميعاً يرون الأشكال والألوان محسوسـة بذاتها كما تراها، وإنما ابتدع لنقل الشعور بهذه الأشكال والألوان من نفس إلى نفس)…(الديوان). وقد انتقد شوقي في بعض صور التشبيه في شعره.

الطبع والصنعة: نادى المازني بأن يتحرر الأدب من الصناعة اللفظية، وأن يكون المضمون هو الذي ينبغي أن يعني به الأديب أولاً، لأنه إذا اتضحت له المعاني استقامت له الألفاظ. وقد اتهم المنفلوطي بالصنعة الأسلوبية وبالتكلف في التعبير، ولا يجري على الطبع والسليقة، شاع في أسلوبه كثير من المحسنات البديعية المتكلفة.

صدق الوجدان: ومن آراء شكري ما نادي به بأن يكون الشعر ترجمة عن النفس والوجدان، دون أن يكون الشاعر مشغولاً بغيره مردداً لأقوال سابقيه في معاني شعره: (الشعر هو ما أشعرك، وجعلك تحس عواطف النفس إحساساً شديداً، فالمعاني الشعرية هي خواطر المرء وآراؤه وتجاربه وأحوال نفسه)…".

وحدة القصيدة:"أن تكون القصيدة عملاً فنياً تاماً يكمل فيه تصوير خاطر أو خواطر متجانسة كما يكمل التمثال بأعضائه والصورة بأجزائها واللحن الموسيقي بأنغامه، بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها. وفيها انتقد العقاد شوقي.

التجربة الشعرية: أن تكون التجربة الشعرية مكوناً من مكونات البناء العام للقصيدة المعاصرة بكل ما تنحني عليه التجربة الشعرية من عناصر العاطفة والحس والعقل والتفكير، والحلم والخيال والإيقاع الموسيقي وبكل ما تعنيه التجربة الشعرية من معايشة واقعها الموضوعي والنفسي والفكري واللغوي". "وترتب على ذلك أن تكون لكل شاعر تجربته الذاتية الخاصة، وذلك حتى يتجنب التقليد والأخذ من الآخرين"22ب.

الوزن والقافية: "نادوا بالتحرر من قيد الوزن والقافية، لأن الالتزام بذلك يؤدي إلى الملل بسبب تكرر نغمة واحدة على الأذن، وإن كان العقاد قد عدل عن ذلك وأصبح من أكبر المناصرين للشعر العامودي مع إباحة التنويع في القصيدة ذات المقطوعات"."أما شكري فقد ألغي القافية في عديد من قصائده، وراد بذلك حركة (الشعر المرسل)، والتي ربما تكون أساساً لحركة (الشعر المتحرر) التي رادها بعد (أبو شادي)، ثم لحركة (الشعر الحر) التي رادها أخيراً جيل الأربعينات".

ثالثاً:جذور المذهب:

"الواقع أن هذا المذهب له جذور عربية في العصر العباسي، وجذور غربية في القرن التاسع عشر في أوروبا. فأما جذوره في الأدب العربي ففي محاولات أبي تمام وابن الرومي، إذ حاولا أن يعمقا النظرة الشعرية في مجال الفكرة كما صنع أبو تمام، وفي مجال التوليد والإصابة في التشبيهات واستنكاره خفايا الطبيعة كما فعل ابن الرومي.كما أن اكثر القضايا النقدية التي أثارها هذه المدرسة ضد شوقي وحافظ لها جذورها في النقد العربي القديم والحديث، فالتفكك والإحالة والتقليد والولوع بالأعراض دون الجواهر قد التفت إليها النقاد كالآمدي والجرجاني وغيرهما، وقضية وحدة القصيدة التي تكلم فيها السابقون مثل: ابن خلدون والحاتمي (من علماء القرن 14ً) والشيخ المرصفي وخليل مطران".

رابعاً: ما قصرت فيه مدرسة الديوان:

"وقفت آراء هذه المدرسة عند باب الشعر الغنائي، ولم تتعد أسوار الشعر الموضوعي أو تقتحمه لتبين لنا رأيها فيه، ولتحدد له أصولاً ومعايير ومناهج تطوره وتنهض به. والمنهج النفسي الذي حاولت مدرسة الديوان تطبيقه في كل شعر وشاعر والاهتمام بظهور شخصية الشاعر في الشعر يعتبر بعداً عن الشعر الموضوعي وقاعدة لا يصح إطلاقها في كل حالة.".

"إن الدعوة الجارفة للقيم النقدية ربما تكون قد نمت من خلال التأصيل النظري لها فحسب، وهم شعراء بالدرجة الأولى لم يستطيعوا -إلا قليلاً- تجسيدها في واقع شعري ممتاز يغري بمتابعتها أو التشيع لها، فانصرفوا يدعون لها دعوة نقدية هائلة حتى استقرت كأساس راسخ من أسس قيمنا النقدية المعاصرة، ولقد حاولوها شعراً، ولكن قامتهم الشعرية كانت أقل من حجم الدعوة المغامرة، ومهما يكن من شيء، فإن مدرسة الديوان نهضت قضية تطور شعرنا المعاصر لأخطر الأدوار شكلاً ومضموناً وبناءً ولغة".


--------------------------------------------------------------------------------

الخاتمة:

ظهر في الأدب العربي الحديث جيل من الشعراء أحيوا صورة الأدب العربي القديم، يترسمون خطا البارودي رائد حركة البعث في المحافظة على الشكل والروح والانتماء، فحال ذلك عن تقديم الجديد في المضمون الأدبي، وتطورت بعدها حركة النقد، فنودي بضرورة التجديد استجابة لدواعي العصر. وللأدب الغربي أثره، فأدخل ألواناً من المذاهب الفلسفية والنفسية الغربية إلى الساحة العربية، كما أوحت الروح الذاتية التي قد شاعت فيه إلى أن الأدب هو الذي يكوّن شخصيةً مستقلة للأديب، فظهرت عدة اتجاهات مختلفة يمثلها أدباء وشعراء، تبعاً لاختلاف مستوى الفكر والإبداع.

وظهرت مدرسة (الديوان) تدعوا إلى التجديد بمفهومه الواعي للشعر وغايته ووسائله، فعملت منذ نشأتها على التمرد في وجه القصيدة العربية التقليدية، فثاروا على نظام القصيدة الطويلة في وحدة النسق والقافية، وتفكك الموضوع أو تعدده في القصيدة الواحدة، وانتقدوا تعالي الشعر عن الواقع التاريخي للحياة، أو بعد عن الروح العصرية وحاجة المجتمع، أو خلوه من عناصر التفكير والشـعور بجواهر الأشياء، أو الغموض وفساد المعنى، أو فقدان المواقف الشخصية وذاتية الرؤية وخصوصية الأسلوب، وبقاء الشعر لغة قديمة مضى عصرها وانزوى.

وضعت المدرسة أسساً قيمة للنقد الأدبي، فدعت إلى التجربة الشعرية والمجاراة للطبع والصدق في الوجدان والإصابة في التشبيه والوحدة في القصيدة والموضوع، ولتعدد المصادر الثقافية لأدباء ونقاد فترة التجديد بين العربية الأصيلة والأجنبية، فقد لقيت الثقافة الغربية بعض الأنصار، تأثروا بها، ودعوا إلى الاحتذاء بالأدب الغربي والتغيير الشامل في الأدب العربي تقليداً بالأدب الغربي بكل ما يحتويه، فبدت ظواهر تدعوا إلى الواقعية والانحلال، وامتدت إلى الأدب ولغته المظاهر السلبية من التجديد. فكما كان لمدرسة الديوان دور مهم في حركة التجديد المنظم في الأدب العربي، كانت هي الواجهة في الدفاع عن شخصية الأدب العربي وملامحه المستقلة المستمد من المنبع العربي الأصيل.

كان عزمها أن يصدر كتاب الديوان في أجزاء عشرة، وخطتها أن تبدأ بالهدم أولاً، ثم تشرع في البناء، لكن لماّ لم يظهر منه إلا جزءان فقد ظلت آراؤها النقدية البنائية مجهولة، ووقفت آراؤها عند الشعر الغنائي، ولم تتعد إلى الشعر الموضوعي لتحدد له أصولاً ومعايير ومناهج، ودعوتها الجارفة للقيم النقدية قد نمت نظرياً، ولكن قَلّمَا استطاعت تجسيدها في واقع شعري بَيّن. وإن كان قد قصرت قامتها الشعرية عما بلغت إليه الدعوة التجديدية، إلا أن آراءها ظلت أسساً راسخة من أسس القيم النقدية الأدبية المعاصرة، وأضحت مدرسة الديوان قضية هامة في نهضة وتطور الشعر العربي الحديث، والأدب العربي المعاصر بشكل عام. والله أعلم.أهـ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


--------------------------------------------------------------------------------

المراجع:

_ أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، الطبعة الرابعة والعشرون، بدون تاريخ، القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر.

_ د.أحمد هيكل، تطور الأدب الحديث في مصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ أ.د.سعد عبد المقصود ظلام، مدخل إلى النقد الحديث، الطبعة الأولى، 1404هـ-1989م، القاهرة: دار المنار.

_ د.شوقي ضيف، الأدب العربي المعاصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ د.شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، الطبعة السابعة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ أ.د.طه أبو كريشة، في النقد العربي الحديث تاريخه وقضاياه، بدون تاريخ، القاهرة: جامعة الأزهر.

_ د.طه عبد الرحيم عبد البر، قضايا النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى، 1403هـ-1983م،



بحث آخر :
تدفق الينبوع

قراءة نقدية في مدرسة الديوان

أ. د . كريم الوائلي



1

لقد أيقظت المجتمع العربي صدمة اللقاء بالحضارة الغربية إبان الاحتلال الغربي للوطن العربي، وكان رد الفعل الأولي مواجهة عسكرية خسرها الثوار، لأنهم واجهوا جيوشا معدة، وأجهزة متطورة، ومن ثم دفعت المواجهة الحضارية إلى تأمل الذات والآخر، والحاضر والماضي، والواقع والواقع الآخر، فكانت المواقف متفاوتة ومتباينة على النحو الآتي :

مواجهة الحضارة الغربية، وذلك بالعودة إلى التراث، بمعنى استلهامه وإعادة نشره وبعثه من جديد، وكانت هذه المواجهة تعني الاعتداد بالذات الجماعية وبالهوية التراثية، ولكنها تعي التراث بوصفه كتلة مصمتة، وتحاول صياغة الحاضر في ضوئه، دون الأخذ بعين الاعتبار ما طرأ عليه من تغير، وكان لنشر التراث أهمية لأنه دفع إلى وعي جوانب منه، مهدت السبيل إلى دراسته في ضوء رؤى جديدة، بمعنى تجاوز البعث والنشر إلى التأمل والرصد والتطوير .

الاقتباس من الحضارة الغربية، وذلك بالانسلاخ من التراث، والسعي نحو التقدم بمتابعة الحضارة الغربية، في ضوء رؤية علمانية، وتعمد هذه المحاولة إلى إلغاء الماضي بكل ما ينطوي عليه من تصورات، والسعي نحو صياغة الحاضر والمستقبل في ضوء إنجازات حضارة الآخر، لدرجة ظهرت آراء تنادي بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية، وقد رافق ذلك دعوات قطرية وإقليمية، يدعو بعضها إلى المصرية، ويدعو بعضها الآخر إلى الفينيقية ونحوهما .

المجاورة بين إنجازات التراث العربي والحضارة الغربية المعاصرة، بحيث نجدل منهما ضفيرة، وهذه الدعوة ذات طبيعة تلفيقية، لأنها تحاول التوفيق بين الماضي العربي والحاضر الغربي، ويحاول أنصارها تطويع النصوص التراثية لإنجازات الحضارة الغربية .

ولقد أسهمت هذه التيارات في بلورة الوعي وتطويره في مراحله الأولى، وما تبعها من تغيرات، ولقد ترافقت مع بواكير هذه الأفكار أحداث وتطورات هزت المجتمع، فلقد ثار الشعب في سنة 1919 في مصر، وفي سنة 1920 في العراق، إضافة إلى الثورات التي أسهم فيها الثوار في بلاد الشام .

وتزامنت مع هذه التغيرات الفكـرية والأحداث تغيـرات في أنساق المجتمع، توحي بظهور طبقة جديدة « البرجوازية » بسبب نمو بعض القطاعات الصناعية، وانتشار بعض المظاهر الفكرية التي تدل على نمو هذه الطبقة، كما قد بدأت حركات أدبية تجديدية، تدعو إلى التمرد على محاكاة القديم، وتحث على إبداع جديد، كما هو الحال في حركة الشعر المهجري الذي يمثله : جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا أبو ماضي وغيرهم، ومدرسة الديوان التي يمثلها : عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري.[1]



2

إن الأساس الذي تصدر عنه مدرسة الديوان تأكيد دعامتين جوهريتين، وهما الفردية والحرية [2] وليس الحديث عن هذين البعدين جديدا على التفكير الرومانسي، في الحضارتين الغربية والعربية، فلقد آمنت الرومانسية بأهمية الفرد، وجعلته حجر الزاوية في تفكيرها، لأن الدعوة إلى الفردية تعني تمردا على حركة الجماعة التي يعلي من شأنها التفكير الإحيائي، ولقد انحاز كل تفكير إلى طبقة معينة، ففي الوقت الذي انحاز فيه التفكير الإحيائي إلى الطبقة الإقطاعية بقيمها ومثلها وآدابها، انحاز الرومانسيون إلى الطبقة البرجوازية بدعوتها إلى الحرية الفردية، ونـزوعها إلى الاقتصاد التنافسي، وتأكيدها أن الحقيقة تكمن في عوالم الإنسان الداخلية . [3]

وقد أكد عباس محمود العقاد أهمية الفرد ودوره في الحياة والآداب والفنون، وتتجلى مظاهر الفردية في تعبير الأديب عن عالمه الداخلي، وان يكون لهذا الأدب أهمية وقيمة، وإن « الأديب الذي لا يمكن العثور على شخصه المفرد الأصيل في أدبه لا يستحق أن يدرسه الدارسون » [4] ويقود هذا التفكير إلى التأكيد على نمط من الأدب وبخاصة في الشعر الغنائي .

أما الحرية فقد أولاها عباس محمود العقاد أهمية خاصة واعتبرها أحد الأركـان الأسـاسية المكـونة لتصـوره، وان قيمة الحرية ترتبط عنده «ارتباطا متينا بقيمة الجمال، بل إنَّ هاتين القيمتين هنا قيمة واحدة » [5] وليس غريبا في ضوء هذا أن نجد الأديب في هذه المرحلة يطالب بحرية، قد تكون محدودة، أو مطلقة لا يخضع فيها الإنسان للأخلاق أو العرف، لأنها تساعده على خلق نظام اجتماعي وسياسي يكسر الثابت من قيم الطبقة الإقطاعية، ويضمن للفرد حقوقه في ديمقراطية ليبرالية، ومن شأن هذه الحرية أن تفسح المجال للذات الفردية في إبداع الأدب « في كل شيء في طريقة التفكير وفي أسلوب التعبير وفي اختيار الموضوع » [6] وتقود الحرية في أحد أبعادها إلى الإيمان المطلق بإمكانات الفرد في ضوء قاعدة البقاء للأصلح، لأنه في « جو هذه الحرية ينمو السامي النبيل ويضـعف المنـحط الهزيل، فيعيش الأصلح، ويموت من ليس أهلا للحياة » [7] .

ولقد أدركت الحركة الرومانسية ـ ومنها مدرسة الديوان ـ أن هناك تطوراً حاصلاً في الأدب، وأن هناك أجيالاً أدبية مختلفة، ولذلك كان العقاد يميز بين ثلاثة أجيال أدبية، يمثل أحمد شوقي مركزها، فهناك جيل سابق لشوقي تتفشى فيه ركة الأسلوب وضعف الصياغة، وان نبوغ الأديب فيه في مدى توفيقه في صياغة «جملة مستوية النسق أو بيت سائغ الجرس فيسير مسير الأمثال وتستعذبه الأفواه لسهولة مجراه على اللسان . وكان سبك الحروف ورصف الكلمات ومرونة اللفظ أصعب ما يعانيه أدباء ذلك العهد لندرة الأساليب ووعورة التعبير باللغة المقبولة » [8] وهو بخلاف الجيل اللاحق الذي تمكن من الاطلاع على دواوين شعراء العربية الكبار ،وقراءة الرسائل الأدبية القديمة، زد على ذلك أن أساليب التعبير طرأ عليها تغير أخذ يميل إلى البساطة و« الحلاوة » بسبب ما فعلته الصحافة، فضلا عن أثر ما تركته النتاجات الغربية المترجمة ولذلك «سهلت الأساليب لكثرة ما وردت على الأسماع فلم تعد مرونة اللفظ معجزة ذات بال، فتعود القارئ أن يبحث عن المعنى بل لا يكفي القارئ المطلع أن يجد المعنى حتى يبحث عن وجهته ومحصله» [9] .

وكان شوقي واحدا من هذا الجيل، ولكن عيبه فيما يرى العقاد أنه بقي محافظا على أسلوب يكرره، ولم يستطع تطوير إنتاجه مع تطور الحياة، وتطور أذواق الناس ،فلقد « تغير جلة القراء فأصبح لا يرضيهم اليوم ما كان فوق الرضى قبل ثلاثين أو عشرين سنة، لا بل قبل عشر سنين، ولا عجب في ذلك ولا في بقائهم على إحلال شوقي محله الأول مع انحدار شعره في نظرهم » [10] .

ومن الطريف في هذا السياق أن يقرن العقاد الإبداع في مرحلة زمنية من حياة الشاعر ،إذ « قلما يرتقي الشاعر بعد الأربعين فإنَّ أخصب أيام الشعر أيام الشباب، إذا ارتقى فإنما يكون ذلك باجتثاث الطبع وإدمان الإطلاع والتزيد من المعرفة » [11] .

وإذا كان للبيئة أثرها في تغير الأذواق فإنَّ ما ينظمه شاعر ـ مثل أحمد شوقي ـ يعد مرفوضا حين يحاكي فيه القدماء، لأن الشاعر القديم قد عبر عن حياته وظروفه وواقعه فكان شعره شعوراً أو تعبيراً عن سليقة، فلقد «كان الرجل في الجاهلية يقضي حياته على سفر : لا يقيم إلا على نية الرحيل، ولا يزال العمر بين تخييم وتحميل . بين نؤى تهيج ذكراه، ومعاهد صبوة تذكي هواه، هجيراه كلما راح أو غدا حبيبة يحن إلى لقائها أو صاحبة يترنم بموقف وداعها . فإذا راح ينظم الشعر في الأغراض التي من أجلها يتابع النوى ويحتمل المشقة ثم تقدم بين يدي ذلك بالنسيب والتشبيب فقد جرى لسانه بعفو السليقة لا خلط فيه ولا بهتان » [12]أما أحمد شوقي فقد جشم نفسه ـ كما يرى العقاد ـ تقليد الشاعر الجاهلي، محاكيا أساليبه وتعابيره وتشبيهاته واستعاراته، بل ان شوقيا يعد متخلفا إذا قورن بأدباء القرنين الثاني والثالث الهجريين، لأن أولئك قد رفضوا تلك السُنة القديمة التي تفرض على الشاعر البكاء على الدمن والطلول [13] وفي ضوء هذا يرفض عباس محمود العقاد التقليد ويتبنى التجديد، ويلخص مفهوم التجديد بعبارة تتصل اتصالا مباشرا بمفهوم التعبير، فالتجديد هو « اجتناب التقليد، فكل شاعر يعبر عن شعوره ويصدق في تعبيره فهو مجدد وإن تناول أقدم الأشياء »[14]وبهذا يضع العقاد العالم الداخلي معيارا لتحديد التقليد والتجديد معا .

ويتعرض عباس محمود العقاد من هذه الزاوية لقضية كانت شائعة في زمانه وهي الشعر العصري، وينقد التصورات التي ترجع عصرية الشاعر إلى معارضة الشاعر القديم أو كونه يلجأ إلى مماثلة القديم « فإن كانت العرب تصف الإبل والخيام والبقاع وصف هو البخار والمعاهد والأمصار، وإن كانوا يشببون في أشعارهم بدعد ولبنى والرباب، ذكر هو اسما من أسماء نساء اليوم، ثم يحور من تشبيهاتهم ويغير من مجازاتهم بما يناسب هذا التحدي » [15] . إن أحمد شوق بفعله هذا يشبه ما كان يفعله الشعراء المقلدون حين يقصد أحدهم الأمير في المدينة « وإنه لعلى خطوات من داره فكأنما قدم عليه من تخوم الصين لكثرة ما يذكر من الفلوات التي اجتازها والمطايا التي انتضاها وحقوق الصبابة التي قضاها . وكان الواحد من هؤلاء يزج بغزله في مطلع كل قصيدة حتى في الكوارث المدلهمة والجوائح الطامة . هؤلاء هم المقلدون الجامدون » [16] .

إن عباس محمود العقاد يرد على أولئك الذين يرون أن الحداثة هي التي تتضمن ذكر المخترعات الحديثة في الشعر، لأن الوصف هنا إنما هو أداء عقلي يصف فيه الشاعر الأشياء الكائنة في الخارج، في حين يرى العقاد أنَّ الإبداع إنما هو تعبير عن تجربة متخلقة في أعماق الشاعر، ولذلك فإنَّ الحداثة الحقيقية عند عباس محمود العقاد تتحقق « عندما يشعر الشاعر أن له شيئا يقوله، ويستحق هذا الشيء أن يقال ،وإن الشاعر الذي يصف الطائرة ليس بالضرورة شاعرا عصريا، والذي يصف الجمل ليس شاعرا قديما . والذي يهمنا حقيقة في تحديد مفهوم الحداثة في الشعر هو كيفية الوصف ورؤية الشاعر إلى الحياة » [17].

إن المعضلة الجوهرية في أداة الوصف التي تفصل الموضوعي عن الذاتي، بل تجعل الذاتي متحكما في الموضوعي، وهو يختلف عن الشيء الموصوف وهو واقع خارج الذات، ولكن العقاد يريد من الشاعر أن يسقط ذاته على الموضوع، ومن ثم يتلون بما هو ذاتي «إن السمة الجوهرية للشعر الحديث هي وصف الشاعر لمشاعره هو وأفكاره » [18] وليس وصفاً للمظاهر الحديثة ،لأنه لا فرق بين من يصف الجمل وبين من يصف الطائرة فكلاهما يصف مظهرا خارجا عن ذاته .



3

يكتنف « مفهوم الشعر » عند الناقد الرومانسي العربي بعدان : أحدهما : يتصل بمبدع النص الأدبي، وثانيهما : يتصل بالنص الأدبي ذاته، ويتداخل هذان البعدان إلى حد كبير، فالشعر ما هو الا تعبير عن الذات، وإن تجليات الذات تنعكس ملامحها وخصائصها في الشعر، ولذلك ألفينا النقاد الرومانسيين يؤكدون هذين المنحيين في أثناء تحدثهم عن الشعر وماهيته، مرة بما يتصل بمنشئ النص ومبدعه، ومرة بما يتميز به النص من خصائص .

فللشعر ـ عند إبراهيم عبد القادر المازني ـ مجال ومدى لا يتجاوزه، وله مادة تحـدده، أما مجاله فهو «العواطف لا العقل والإحساس لا الفكر » [19] فالعاطفة والإحساس صفتان تنتميان إلى العالم الداخلي للمبدع، فهما المجال الذي يصدر عنه الشاعر، ونحن في هذا إزاء تحديد الشعر بمدى اتصاله بالمبدع . وعلى الرغم من أنه يؤكد الخاصية الذاتية في الإبداع فإنه ينفي عن النص الأدبي خصائص الصنعة التي يتميز بها الأدب الإحيائي، وتتجلى في العناية البالغة بالشكل، من حيث الصياغة والتشبيهات والاستعارات المقصودة لذاتها، ومن حيث العناية ببنية لغوية ترجع في جذرها إلى صيغ متكررة تراثية، وإذا كان هذا يوحي بأن النص الأدبي سيكون مرتبطا بنوازع الأديب الذاتية، فإنه سيكون خاليا من الأفكار التي نجدها واضحة لدى الأدباء الإحيائيين ،وبخاصة حين يؤكدون على المناحي الأخلاقية والتعليمية، غير أن الناقد الرومانسي يربط أفكار الأديب بخصوصيته الفردية، وتكون حينئذ معبرة عن عالمه الداخلي ولذلك كان الأدب الرومانسي « يعنى بالفكر على قدر ارتباطه بالإحساس » [20]وكأن المازني يقرن الشعر بالإحساس لدرجة يعده شعرا، فإنَّ الفـكر من أجـل الإحساس شعر أيضا، أما « الفكر لذاته فذلك هو العلم » [21] .

وتحتل « العاطفة » مكانة متميزة لدى المازني فهي مادة الحياة ومادة الشعر أيضا [22]، ولا بد ـ في هذا السياق ـ من « عاطفة يفضي بها إليك الشاعر ويستريح ،أو يحركها في نفسك ويستثيرها » [23] فإذا كانت العاطفة مادة الشعر فإنها غايته، لأنه تتشكل منها الحياة والشعر على السواء، ويزيح من خلالها الشاعر ما يتوقد في أعماقه من انفعال، وإن إفراغه يحقق له تفريجا عن هذا الانفعال . ويرى المازني أن للأشياء حقيقتها الموضوعية، ولها وجودها المستقل عن الوعي، وليست وظيفة الشاعر أن يسوق لك هذه الحقائق بما هي عليه ،إنما يعبر عنها كما تحسه « روحه » .

ويتكئ عباس محمود العقاد على الدلالة اللغوية للشعر لتحديد ماهيته، إذ يرفض أن يكون شاعرا من يزن التفاعيل، فذلك الناظم، وليس الشاعر « من يأتي برائع المجازات وبعيد التصورات، ذلك رجل ثاقب الذهن حديد الخيال، إنما الشاعر من يشعر ويشعر » [24]ان الشعر ليس تشكيلا لغويا مقصودا لذاته، وإنما هو تعبير عن انفعال متوقد في أعماق الشاعر، ولذلك أرجع العقاد الشعر للشعور، وهو خاصية كائنة في الذات الإنسانية.

ويحاول العقاد تجلية مفهوم الشعر من خلال عقد المقارنة بين أداتي الوصف والتعبير، لأن الوصف أداة الأديب التقليدي التي يعمد من خلالها إلى وصف الأشياء، دون أن يكون للذات أو الانفعال أدنى تأثير، أي أن العقل يتدخل بقدر أكبر في تحديد الأشياء، ويميل الأديب ـ من ثم ـ إلى الصياغة الشكلية . إن الشعر التقليدي يتكئ على الحواس في رصد الحياة والطبيعة والموضوعات التي يتعرض لها، سواء أكانت هذه الحواس سمعية أم بصرية، ولذلك كانت عناية الأديب الإحيائي بجزالة الألفاظ ،أي العناية البالغة بوقع الألفاظ الجلي في الأذن، أو أنه يعتمد الصور البصرية الواضحة في المخيلة، ولذلك قال العقاد « إن المحك الذي لا يخطئ في نقد الشعر هو إرجاعه إلى مصدره . فإن كان لا يرجع إلى مصدر أعمق من الحواس فذلك شعر القشور والطلاء، وإن كنت تلمح وراء الحواس شعورا حيا ووجدانا تعود إليه المحسوسات كما تعود الأغذية إلى الدم ونفحات الزهر إلى عنصر العطر فذلك شعر الطبع القوي والحقيقة الجوهرية » [25] .

وإذا كان يشيع لدى المازني مفردات الإحساس والعاطفة فإنَّ عباس محمود العقاد يستخدم مصطلح الشعور ومشتقاته، فالشاعر عنده « من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها » [26]ولذلك فإنَّ الشاعر يجعل الشعور متحدا بالأشياء ما دام يسعى إلى الكشف عن جواهرها، وليس مجرد واصف لها، ولذلك كان العقاد يعيب على من يقول لك إن هذا الشيء يشبه هذا الشيء، ويتبنى الشاعر الذي يقول لك ما هو الشيء، أي أنه « يكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به » [27]ولا يتم هذا إلا بالشعور فهو الذي يمكن الشاعر من إدراك الأشياء وتمثلها ونقلها إلى الآخرين، لأنه « بقوة الشعور وتيقظه وعمقه واتساع مداه ونفاذه إلى صميم الأشياء يمتاز الشاعر على سواه، ولهذا لا لغيره كان كلامه مطربا مؤثرا، وكانت النفوس تواقة إلى سماعه واستيعابه لأنه يزيد الحياة حياة كما تزيد المرآة النور نورا » [28] .



4

ويطلع العقاد على آراء الفيلسوف المتشائم آرثر شوبنهور ويتابعه في «تفضيله الرسم على الصورة ،لأن الأخير يمثل الشيء كما تراه العيون، بينما يظهر الأول السمات الداخلية كما يشعر بها الفنان الماهر والذي يغفل القضية المحسوسة ويتوغل إلى معانيها المجردة »[29] .

ويتوقف عباس محمود العقاد عند موقف شوبنهور من الجمال الفني الذي تتركز مهمته في فصل الشكل « القالب » عن المادة لا أن يحكي لنا الشكل والمادة معا حكاية صحيحة محكمة، لأن الفن موكل بالصور الباقية والنماذج الخالدة لا بالكائنات التي توجد في الحياة مرة واحدة، ثم تمضي لطيتها غير مكررة ولا مردودة ،فإذا أراد المصور أن يمثل إنسانا لفت نظره فليس الذي يعنيه من ذلك الإنسان أنه فرد من أفراد نوعه مستقل بمادته وشكله وعمره ،ولكن الذي يعنيه أنه « قالب » يصلح أن يكون نموذجا عاما لأفراد كثيرين أو للنوع كله » [30]وهذا يعني أن الجمال عند شوبنهور إنما يمثل فكرة سابقة على الوجود المادي، ويعني لديه مفهوما كليا يشمل الجنس ولايعنى بالجزئي والفردي، ويضرب شوبنهور بتماثيل الشمع مثالا على ذلك . لأنها « تنقل لنا الشكل والمادة معا، ومن ثم توهمنا أن الشيء المحكي ذاته ماثل أمام أعيننا، فتختلف بذلك عن أعمال الفن الصادقة التي تبعد بنا عن الشيء الذي يوجد مرة واحدة، ثم لا يعود إلى الوجود أبدا، أعني الفرد، وتقترب بنا إلى الشيء الذي يوجد بلا انقطاع في الزمن الباقي الذي لا نهاية له وفي العدد المطلق الذي لا حصر له وهو « الشكل » أو فكرته » [31] .

وهذا يعني أن الجمال عند شوبنهور يمثل فكرة مجردة وشكلا كليا عن الجزئي والفردي، وإن الذات الإنسانية تتحسس هذا المعنى وتتأمله وتتذوقه، ويتفق العقاد مع شوبنهور في أن هناك فرقا جوهريا بين الصورة الفوتوغرافية واللوحة التي يرسمها الفنان لأن الأولى تنقل صورة الشيء دون أن يكون للفنان أدنى تأثير فيها، في حين تمر الثانية من خلال ذات المبدع، أي أن الصورة الفوتوغرافية « تنقل لنا الشيء الحقيقي كما يبدو في نفس عبقرية واعية تنظر إلى معاني الأشكال المجردة لا إلى مادتها المحسوسة » [32] وعلى الرغم من هذا الاتفاق فإنَّ العقاد يرى أن الجمال حرية وليس « فكرة بعيدة عن عالم الإرادة » والذي يرجح ذلك في تصور العقاد «أن الجمال يتفاوت في نفوسنا ويتفاضل في مقاييس أفكارنا، ولو كان المعول على إدراك «الفكرة »وحدها في تقدير الجمال لوجب أن تكون الأشياء كلها جميلة على حد سواء » [33] .

ويؤكد عباس محمود العقاد « معنوية » الجمال لا« شكليته » لان الأشكال بذاتها لا قيمة لها، إن لم تكن تعبر عن المعاني التي تختفي وراءها، ولذلك يقول « إن الأشكال لا تعجبنا وتجمل في نفوسنا إلا لمعنى تحركه أو لمعنى توحي به، لا فرق في ذلك بين أشكال الوجوه الآدمية والأعضاء الحية وبين مادون ذلك من الصور التي تخفى فيها معاني الحسن أو تبعد الشقة بينها وبين ما تومئ إليه » [34] وهذه الفكرة لا تعدو أن تكون تعديلا لمقولات التراثيين العرب الذين يجعلون المعنى متقدما على اللفظ، وان اللفظ وعاء يحمل المعنى غير أن العقاد يحاول تجلية تصوره من خلال معطيين أحدهما : وظيفة الشيء، وثانيهما : معناه، وهو يرى أن الوظيفة في الحياة تسبق العض والذي يمثلها، والجسم الإنساني نفسه لا يسعك أن تتصوره إلا معبرا عن فكرة أو وظيفة مجردة، و لا قيمة للأعضاء في ذاتها بغير الفكرة التي تعبر عنها والوظيفة التي تؤديها، « فلا فرق في الشكل بين بروز الحدبة على ظهر الأحدب وبروز النهد على صدر الكعاب ! ولكن الحدبة معيبة والنهد مستجمل مرغوب، وما ذاك إلا لاختلاف المعنـى بينهما لا لاختلاف الشكل والصورة ولتباين الوظيفة التي يمثلها كلاهما لا لتباين الحجم والبروز » [35] .

ويحدد المعنى طبيعة الشكل وخصائصه لأن الشكل الجميل « أداة المعنى إلى الظهور ... وأحسن الأشكال وأوفقها هو الشكل الذي تتخطاه إلى دلالته » [36]وإذا كان المعنى يحدد ماهية الشكل ومن ثم تحديد خصائصه الجمالية، فإنَّ المعاني هي التي تحدد الفن وليس الأشكال الملموسة . إن عالم الفن والآداب إنما هو عالم المعاني المجردة، وليس عالم الأشكال المحسوسة، كما أن المعاني وكيفية توظيفها هي التي تحدد إمكانية الإبداع لدى الفنان، فالفنان المبدع قادر بفضل خصائص فطرية « اختيار أشكال تبرز المعاني وتخلو من العيوب التي تحجبها عن الخواطر، أو هو ذلك الإنسان الملهم الذي يوفق لاختيار الأشكال التي تنسينا الأشكال وتؤدي عملها، وما عملها إلا أن تساعد المعنى على الظهور، لا أن تشغل الناظرين بالظواهر عما وراءها من المعاني والدلالات » [37]، وبهذا لا يكون للتناسب والتناسق أثر في تحديد ماهية الجمال في الأجسام والفنون، وإنما يرجع جوهر الجمال إلى حرية الوظيفة وحركة الحياة في الجسم والفن، ويؤكد العقاد أن صفة الجمال قرينة الحرية، ولا يعني هذا أن الحرية لا قيود تحدها، لأننا سنكون إزاء الفوضى، ولذلك فإنَّ سر الجمال في الحياة والفنون محدد بالحرية التي « تظهر بين قيود الضرورات » [38] بمعنى « إنه ليس صحيحاً أن الجمال تناسق، ففي الجسم الإنساني يخضع التناسق لوظيفة الحياة . وهذا هو السبب في أن العضو الجميل هو الذي يلبي متطلبات الحياة، وبذلك يؤكد حرية التوظيف » [39] إن العقاد قد ركز مناقشته هنا على أصل طبيعة الجمال في الحياة والفن وهو « يبدو قد طور نظرية جمال فريدة تتأسس على قـواعد رومـانسية متنوعة وتتأسس على بديهيات مستعارة من العلوم الطبيعية » [40] .

وفي ضوء هذا يرفض العقاد تصور شوبنهور الذي يجعل الجمال منحصرا في الفكرة ويستبدل عبارته « الجمال هو الفكرة » بعبارة «الجمال هو الحرية »، ويؤكد العقاد أننا نستمتع في أثناء النظر إلى الموضوع الذي يظهر الحرية، ونحزن لمظاهر الخضوع تلك، إن حرية الاختيار هي التي تجعل النوع الإنساني أرقى من الحيوان، والحيوان أرقى من النبات، والنبات أرقى من الجماد، وفي الفن فالمحاكاة أمر قبيح مثير للاشمئزاز لأنه نوع من الرق « العبودية »، ويعتقد العقاد أنّ جوهر الجمال في الأدب والحياة متطابق تقريبا، وفي كلتا القضيتين ان الحرية مقوم جوهري لكن الحرية ينبغي الا تعتبر وكأنها غياب الموانع والقواعد . انه لا حرية بدون إعاقات، كما يوضح ذلك العقاد . إن الفنان ينبغي ألا يهمل القيود الإجبارية بل يتغلب عليها وأنْ يستخدمها كنوع من الزخرفة الفنية، إن الجمال هو انتصار الحرية على القيود »[41].

ومن الجدير بالذكر ان العقاد ومعه مدرسة الديوان قد تابعت إنجازات الرومانسية الإنجليزية، فلقد كان عبد الرحمن شكري « متمكنا في اللغة الإنجليزية بحكم دراسته منذ السنة الأولى الابتدائية ... وقد أعجب شكري كل الإعجاب بشعراء الرومانسية الإنجليزية، وردسورث وكولردج وشيلي وبيرون وكيتس وسكوت ،وأخذ يلتهم كل ما أنتجوه في نهم وشراهة » [42] ولا يختلف عنه المازني والعقاد، فلقد تأثر المازني بالأدب الإنجليزي واقتبس منه، كما أن العقاد كان معجبا بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية، « وهي مدرسة بيرون ووردسورث، فهي المدرسة التي عنيت بالحياة الإنسانية في أبسط مظاهرها تاركة كل ما يتألق في صفحات التاريخ وهي التي اغرمت بالطبيعة وتذوقها بحدة وحرارة، ووقفت طويلا أمام أقل نتاج للطبيعة تتأمل جماله وتتملى محاسنه، وتستوحيه وتستلهمه ودعت إلى البساطة متجنبة الزخرف والألفاظ الضخمة الرنانة »[43]

ولعل أكثر المفاهيم تكرارا تلك التي تتصل بالتعبير الأدبي، وهم يتابعون فيها مقولات جون كيتس في أن «الشعـر إذا لم ينبعث بصـورة طبيعية كما تنبعث الأوراق من الشـجـرة فمن الخيـر ألا ينبعث على الإطلاق » [44] وكذلك مقولة وردزورث « إن الشعر فيض تلقائي لمشاعر قوية، يتخذ أصولا من عاطفة تستذكر في هدوء، ويتأمل الشاعر تلك العاطفة بنوع من رد الفعل حتى يتلاشى الهدوء تدريجيا وتتولد بالتدريج عاطفة صنو لتلك التي كانت قبل التأمل، وهذه العاطفة الثانية هي نفسها ماثلة في الذهن . وفي هذه الحالة يبدأ النظم متواليا، وفي حال مشابهة لها يستمر مريرة، ولكن مهما يكن نوع العاطفة ودرجتها فإنَّ المسرات المتنوعة الناشئة من عدة أسباب، تعدلها، حتى إن الذهن إذ يصف أية مشاعر، يكون وصفه لها إراديا، إنما يكون على الجملة في حال ابتهاج وسرور » [45] .

ويميز العقاد ـ في هذا السياق ـ بين الشاعر المطبوع والشاعر المقلد، لأن المقلد إنما يحاكي ما سبق أن وصفه القدامى، أو أنه يستخدم أداة ليصف المظاهر والأشياء ،أما الشاعر المبدع أو « المبتدع » على حد تعبيره فهو « من يكون له ينبوع يستقى منه كما استقوا » [46] فقد كان « شعر العرب مطبوعا لا تصنع فيه ،وكانوا يصفون ما وصفوا في أشعارهم، ويذكرون ما ذكروا، لأنهم لو لم ينطقوا به شعرا لجاشت به صدورهم زفيرا، وجرت به عيونهم دمعا، واشتغلت به أفئدتهم فكرا » [47] .

ويؤكد العقاد أهمية العالم الداخلي لإبداع الشعر، فهو يرجع الشعر إلى الإنسان، يقول العقاد : « والشعر الصحيح في أوجز تعريف هو ما يقوله الشاعر، والشاعر في أوجز تعريف هو الإنسان الممتاز بالعاطفة والنظر إلى الحياة وهو القادر على الصياغة الجميلة في إعرابه عن العواطف والنظرات » [48] وبهذا يؤكد العقاد بعدين : أحدهما : الانفعال، وثانيهما : القدرة على الأداء في التعبير، وبهذا يكون الشاعر متميزا على الإنسان العادي بدرجة ما، ولعل هذا التصور الذي أرساه العقاد لا يختلف كثيرا عن تصور وردزورث في قوله : « ما الذي تعنيه كلمة شاعر ؟ ... الشاعر إنسان يتحدث إلى أناسي، إلا أنه إنسان وهب قسطا من الحساسية الحية أكثر من سائر الناس، وحاسة أشد ورقة أعظم، ومعرفة بطبيعة الإنسان أشمل وروحا أوسع إحاطة مما وهبه سائر الناس العاديين » [49] .

ولا يختلف عبد الرحمن شكري عن العقاد في إرجاعه الإبداع الشعري وتحديد ماهيته إلى خاصية كائنة في الذات المبدعة، وإذا كانت عند العقاد ينبوعا يتدفق من ذاته، فإنَّ الشعر عند شكري «كلمات تخرج من النفس بيضاء مشبوبة، وكما أن العاطفة تنطق الشاعر كذلك قد تخرسه شدتها ومن أجل ذلك كانت ذكرى العاطفة والتفكير بها شعرا، وإنما نعني الذكرى التي تعيد العاطفة والتفكير الذي يحييها » [50] .

ويعمد عبد الرحمن شكري إلى تفصيل ذلك حين يحدد ماهية الشعر في ثلاث مكونات هي : العواطف، والخيال، والذوق السليم، « فمن كان ضئيل الخيال أتى شعره ضئيل الشأن، ومن كان ضعيف العواطف أتى شعره ميتا لا حياة له، فإنَّ حياة الشعر في الإبانة عن حركات تلك العواطف وقوته مستخرجة من قوتها وجلاله من جلالها ومن كان سقيم الذوق أتى شعره كالجنين ناقص الخلقة » [51] .

أما المازني فإنه يؤكد خاصية لا تنأى بعيدا عن ينبوع العقاد أو التدفق الطبيعي عند عبد الرحمن شكري، إذ يمثل الشعر بوحا أو إفضاء، إذ يؤكد إبراهيم عبد القادر المازني أنه « لا بد في الشعر من عاطفة يفضي يها إليك الشاعر ويستريح » [52] .

إن هذه التصورات لا تختلف في الحقيقة عن تصورات الرومانسيين الإنجليز، مما دفع ناقدا إلى القول بأن العقاد قد تابع « في تنظيره للشعر الشعراء الرومانسيين الإنجليز الذين أسسوا سيادة « تفوق » الخيال، ـ وعلى حد تعبير شيلي ****ly ـ ويهدف العقاد إلى إزالة غشاوة من تألفه عن إدراكنا الداخلي، ويلزم العقاد مع عبد الرحمن شكري بالجمال الكولردجي ويعتمد على تميز كولوردج بين الخيال والوهم وبين الملاحظة والتأمل »[53] .



5

يصدر عباس محمود العقاد عن رؤية تؤمن بوحدة التجربة الشعورية، وهي جزء من وحدة الذات المتسمة بخصوصيتها واستقلالها، ويعقد العقاد مقارنة بين الأديب الرومانسي الذي تتجلى عنده وحدة التجربة هذه والأديب الإحيائي الذي يفتقر إلى هذه التجربة الشعورية الموحدة، ومن ثم تظهر آثار ذلك واضحة على مستويات عديدة في النصوص الأدبية الرومانسية والإحيائية .

إن الأديب الرومانسي يسقط ذاته على الواقع الذي يعيش فيه، وينفعل به، وتكون تجربته صورة لتفاعل الأديب الذاتي مع موضوعه، وتتميز التجربة بأنها تجربة فردية خاصة، أي أنه لم يقتبس تجربته تلك من آخرين وما دام الأمر كذلك فإنَّ عمله الأدبي يحمل خصائص هذه التجربة الموحدة ويشتمل على قدر أكبر من التوحد والتماسك، وهو بخلاف الأديب الإحيائي الذي لا يعنى بواقعه بمقدار عنايته بمحاكاة تجارب الشعراء السالفين، وتعني المحاكاة تجاور تجارب شعورية متعددة، ليس منها تجربة الشاعر الإحيائي، أي تجربته الفردية الخاصة، ومن ثم يكون النص الأدبي صورة لهذه التجارب المتعددة، ومن الطبيعي أن يكون النص الأدبي مفتقرا إلى الوحدة والتماسك .

ويميز عباس محمود العقاد بين نمطين من أنماط وحدة القصيدة [54] : الوحدة الشكلية، والوحدة المعنوية، أما الأولى فتتصل اتصالا مباشرا بالوزن والقافية، وتنحصـر في إطاريـهما، ويـرى العقـاد أن « القصائد ذات الاوزان والقوافي المتشابهة أكثر من أن تحصى، فإذا اعتبرنا التشابه في الأعاريض وأحرف القافية وحدة معنوية جاز إذن أن ننقل البيت من قصيدة إلى مثلها دون أن يخل ذلك بالمعنى أو الموضوع وهذا ما لا يجوز » [55] في حين تتمثل الوحدة المعنوية بالقصيدة في كونها « عملا فنيا تاما يكمل فيها تصوير خاطر أوخواطر متجانسة كما يكمل التمثال بأعضائه والصورة بأجزائها واللحن الموسيقي بأنغامه بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبه أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها » [56] .

إن وحدة الشكل وحدة خارجية تؤكد مفهوم « الصنعة » الذي بالغ الأدب الإحيائي في العناية بها، وهي وحدة تعنى بتماثل الجانب الشكلي المتمثل في الوزن والقافية، دون العناية بطبيعة التعبير وخصائص الصورة ومدى تناغم ذلك مع التجربة الشعورية، لأن الشاعر هنا ينثر الفكرة ثم يلبسها ما يلائمها من وزن وقافية وتشبيه، ويكمن جمال ذلك بمدى ما يحدثه النص من دهشة بالجرس الموسيقي أو الغرابة في التشبيه والاستعارة، سواء أكان ذلك منسجما مع التجربة الشعورية أم لم ينسجم.

إن وحدة التجربة الشعورية تقود إلى وحدة العمل الأدبي في حين لا تقود محاكاة التجارب الشعرية المختلفة إلا لهذا التراكم للأبيات الشعرية، أي « تفكك » القصيدة على نحو يمكنك أن تقدم بيتا، أو أبيات، وتؤخر بيتا ،أو أبيات، دون أن يحدث ذلك خللا يذكر في القصيدة .

ويسعى العقاد إلى تأكيد التماثل بين القصيدة والكائن الحي لإضفاء سمات التكامل والحياة على القصيدة، وهذا يعني أن أجزاء القصيدة لا تمثل عناصر مستقلة عن بعضها، وإنما تمثل بناء كليا متفاعلا تشبه تماما الكائن الحي .« فالقصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته ولا يغني عنه غيره في موضعه إلا كما تغني الأذن عن العين أو القدم عن الكف أو القلب عن المعدة . أوهي كالبيت المقسم لكل حجرة منه مكانها وفائدتها وهندستها، ولا قوام لفن بغير ذلك .... ومتى طلبت هذه الوحدة المعنوية في الشعر فلم تجدها فاعلم أنه ألفاظ لا تنطوي على خاطر مطرد أو شعور كامل الحياة » [57] إن التجربة الشعورية فردية وخاصة، وحين يعبر عنها الأديب تنعكس أثارها الواضحة على العمل الأدبي ذاته ،فيكون ذا سمات فردية خاصة، من جهة أسلوبه وصوره وإيقاعه ونحو ذلك، ولذلك يتميز النص الأدبي لشاعر عن نصوص الشعراء الآخرين، ويتجلى ذلك لدى المبدعين في العصور المختلفة، إذ تتفاوت أساليب الأدباء وتتفاوت صورهم وإيقاعاتهم لاختلاف تجاربهم الشعورية وتباينها، أما لدى الأديب الإحيائي، والمقلدين بعامة ،فإنه يفتقر إلى تجربة شعورية ويعمد إلى محاكاة تجارب المبدعين الآخرين، ومن ثم يتماثل هذا النص الشعري مع النصوص الأدبية الأخرى، ولذلك تتشابه النصوص الأدبية في فترات الاضمحلال )) تشابها في الأسلوب والموضوع والمشرب وتماثلا في روح الشعر وصياغته ... ورأيتهم يحسبون البيت من القصيدة جزءا قائما بنفسه لا عضوا متصلا بسائر أعضائها، فيقولون أفخر بيت وأغزل بيت وأشجع بيت، وهذا بيت القصيد، وواسطة العقد ،كأن الأبيات في القصيدة حبات عقد تشترى كل منها بقيمتها فلا يفقدها انفصالها عن سائر الحبات شيئا من جوهرها وهذا أدل دليل على فقدان الخاطر المؤلف بين أبيات القصيدة وتقطع النفس فيها وقصر الفكرة وجفاف السليقة » [58] .

إن وحدة التجربة الشعورية قادت في تصور العقاد إلى وحدة القصيدة لا تفككها، والى الانسجام بين أبياتها لا التنافر، والى تكامل القصيدة وحياتها، لا نقص القصيدة وموتها، وقاد أخيرا إلى اختلاف النصوص الأدبية لا تماثلها .

6

يدرك الناقد الإحيائي لغة الشعر في ضوء العلاقة بين اللفظ والمعنى، كما يدركها سلفه القديم بأنها علاقة الثوب بالجسم « فالثوب الطويل للقوام الطويل، والثوب العريض للجسم السمين، والمتفنن العبقري يعطي كلا ما يخصه من الصورة أو الألفاظ » [59] أو تأكيد الناقد الإحيائي خصائص معينة في الألفاظ كأن تكون سلسة في النطق وخالية من التنافر والغرابة وأن «يألف بعضها بعضا حتى تكون الكلمات المتوالية منـزلة كلمة واحدة » [60]وهذا التصور لا يختلف في جوهره عن التصورات المطروحة في التراث النقدي، بل إنها صدى لها، فابن طباطبا العلوي « 322 هـ » يرى « أن للمعاني ألفاظا تشاكلها فتحسن فيها وتقبح في غيرها، فهي كالمعرض للجارية الحسناء، التي تزداد حسنا في بعض المعارض دون بعض » [61] أو قوله « يجب أن تكون القصيدة كلها ككلمة واحدة في اشتباه أولها بآخرها، نسجا وحسنا، وفصاحة، وجزالة ألفاظ ودقة معان وصواب تأليف » [62]كما أنَّ قدامة بن جعفر « 326 هـ » يرى « أن المعاني كلها معرضة للشاعر وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر، من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه، إذ كانت المعاني للشعر بمنـزلة المادة الموضوعة والشعر فيها كالصورة » [63] .

ويمايز عباس محمود العقاد بين لغة الإحيائين ولغة الرومانسيين، إذ تتجلى في الأولى ملامح الصنعة بكل أبعادها وخصائصها، ويطلق عليها العقاد « الزخرف اللفظي » الذي يدل على « التزويق الذي لا يمت إلى الحياة بسبب ولا يعمل فيه غير المسطرة والبركار وذهن هو في الأذهان ضرب من المسطرة والبركار » [64]وهو بهذا يجعل الزخرف وليد صنعة عقلية تتحكم في أبعاده، ومن أجل توضيح ذلك يعقد العقاد مقارنة بين الزخرف اللفظي في الفنون القولية والزخرفة في العمارة العربية في بناياتها القديمة، وعلى الرغم من أنه يؤكد جمال الزخرفة لما فيها « من الرونق ما يجتذب العيون ويستدعي التأمل » [65]فإنه يرى أن الزخرفة والسجع والجناس متماثلة، أحدهما سمعي زماني يتبدى في التماثل والتقابل والتناظر في الجوانب الصوتية في السجع والجناس، والآخر بصري مكاني يتبدى في تمـاثل وتقابـل وتناظر في الزخرفة، وكلا الزخرفين الزماني «السجع و الجناس »، والمكاني « الـزخـرفة » إنما يخلـو من مظـاهـر« الحيـاة النامية من زهر أو ثمر أو قسمات وجه أو مشابه عضو من الأعضاء » [66] .

وعلى الرغم من هذا فإنَّ العقاد يرى أن اللفظ يمثل رمزا للمعنى، وهو بهذا يؤكد ـ على نحو من الأنحاء ـ المقولات التراثية التي تفصل بين اللفظ والمعنى، ولكنه يميز بين دلالات المترادفات لأنها في رأيه لا تتشابه في المدلول[67] .

أما ابراهيم عبد القـادر المازني فيرى أن الألفاظ رموز مجردة « تمر بالسمع فيكتفي العقل منها بلمحة دالة تغنيه عن ( الصورة) ـ إلا أن تريد ذلك فيكون ما أردت ـ ولكن فرقا بين أن تكره الخيال على التصوير وبين أن يجيء ذلك عفوا لا إكراه فيه ولا إجبار (( [68]وعلى الرغم من أنه يحاول إغفال مصطلح « المعنى » فإنَّ النص يتضمنه، بل أكد ذلك بمقولة تتطابق مع مقولات التراثيين حيث اعتبر «الألفاظ أوعية للمعاني فأحسنها أشفها وأشرفها دلالة على المعنى » [69]وهذه تتطابق مع مقولة ابن جني حين تحدث عن الوعاء « اللفظ » والموعى عليه « المعنى » مؤكدا أن العناية من أجل الإبانة والوضوح عن الموعى عليه، أو من أجل ألا تتكدر المعاني الفاخرة بسوء الألفاظ المستخدمة [70] .

ويعمد إبراهيم عبد القادر المازني إلى تقسيم الألفاظ إلى ثلاثة أنماط هي على النحو التالي :

الأول : ويطلق عليه الألفاظ الجامعة، وهي « ألفاظ موضوعة للدلالة على ما هو واقع تحت الحس » [71]، وتتميز بأنها رموز بسيطة « غير مركبة يدركها الذهن على غير كلفة أو مشقة » [72].

الثاني: الألفاظ الموضوعة لوصف الأشياء المحسوسة آنفة الذكر وتتميز بأنها « رموز لأشياء مركبة، أو هي رموز موضوعة لوصف حالات بعينها لا بد للذهن في تصورها من جمع شتيت أجزائها » [73] .

الثالث : ألفاظ موضوعة للجمع بين النوعين المتقدمين، وللدلالة على صلاتها مثل الشرف والحرية والفضيلة وهي « أعوص الجميع وأشدها إعناتا للذهن إذ هو تكلف تفصيل مجملها وبسط موجزها، وما لفظ الشرف إن تأملته إلا عبارة « مختزلة » لو عمدت إلى بسطها وتحليلها لما وجدت مندوحة من ردها إلى النوع الثاني، ثم الأول، قبل أن تستطيع الكشف عن دقائقها وفتح مقفلها، فإنه مما لا شبهة فيه أن أول من قال من الناس « أحب الشرف » إنما كان يعني )) أحب الرجل الشريف » [74] .

إن الألفاظ بأنماطها المختلفة تلك تمثل رموزا للمعاني الكائنة في الذهن، ويرى المازني أن الألفاظ « قاصرة عن العبارة عما في النفس والإحاطة بجميع ما يختلج في الصدر ويدور في الذهن من المعاني .... فإنَّ الألفاظ ليست إلا كإشارات الخرس، تتخيل فيها أغراض صاحبها، وإذا كان هذا كذلك فكيف يمكن أن تكون فيها صور واضحة في الذهن، وهي على ما وصفنا من العجز والقصور ؟ وحسبك دليلا على أن العقل ليكتفي بالإشارة ويجتزيء بيسير الإبانة، إن النظرة قد تقوم مقام اللفظة في نقل المعنى من ذهن إلى ذهن، وإن التلميح قد يكون أبلغ في العبارة من التصريح، واعلم أن إحلال الرموز محل الصور أمر لا بد منه ولا محيد عنه، ولا سيما في العلوم بأنواعها من طبيعة وكيمياء ورياضة وغير ذلك، بل في الشعر والكتابة أيضا »[75].

ويؤكد المازني ضرورة اختيار الألفاظ وحسن اتساقها، لأن المتلقي يقبل ما يرد إليه عند ما يعمد الشاعر إلى حسن اختيار ألفاظه واتساق نظامها، وليست الألفاظ هي بذاتها معيار التفاضل بين الأدباء، لأن « اللفظ من حيث هو لفظ مفرد لا شيء في ذاته ولا معنى له في نفسه، ولكن يكون المعنى وتحصل الفائدة بالتأليف وبضم الألفاظ بعضها إلى بعضـها كاللون في ذاتـه لا يفيدك صـورة ولا يعطيـك شيـئا إلا بعد أن يأتلف مـع سواه » [76] أو « الكلام لا قيمة له من أجل حروفه فإنَّ الألفاظ كلها سواء من حيث هي ألفاظ، وإنما قيمته وفصاحته وبلاغته وتأثيره تكون من التأليف الذي تقع به المزية في معناه لا من أجل جرسه وصداه ....إن الألفاظ ليست إلا واسطة للأداء فلا بد أن يكون وراءها شيء، وإن المرء يرتب المعاني أولا في نفسه ثم يحذو على ترتيبها الألفاظ » [77] إن هذه التصورات تتصل ببعض أبعادها بالتراث النقدي العربي وبخاصة لدى عبد القاهر الجرجاني حيث يقول: « إن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة، وإن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلـمة تـروقـك وتـؤنسـك في مـوضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر » [78] كما ان هذه التصورات تتصل على نحو وآخر بالحضارة الغربية وبالذات عند ريتشاردز الذي يؤكد أن « الكلمات بمفردها لا « تعني » شيئا ... فهي إذن مجرد أدوات « يشير » بها الشخص المفكر إلى الأشياء ولكن فضلا عن وظيفة الإشارة هذه ،أو الوظيفة الرمزية التي يجب أن تقتصر عليها لغة التفكير العقلي أو الاستدلالي نلاحظ أن للغة وظائف أخرى يمكن جمعها تحت الوظيفة الانفعالية » [79] .

ومن الجدير بالذكر أن إبراهيم عبد القادر المازني يؤكد أن كثرة المحفوظ لا يدل )) على قوة الكاتب أو الشاعر ولكنه قد يكون أيضا من بواعث ضعفه وتخلفه »[80] وكأنه بهذا يكرر مقولة ريتشاردز « إن كمية الألفاظ التي في متناول الشاعر لاتحدد منـزلته بين الشعراء وإنما الذي يحدد مكانته الطريقة التي يستخدم بها هذه الألفاظ، فالمهم هو مدى إحساس الشاعر بطاقة الألفاظ على تعديل بعضها البعض، وتجميع تأثيراتها المتصلة في العقل واتخاذها موضعها المناسب في الاستجابة ككل » [81] .

ويقود الحديث عن اللفظ والمعنى إلى قضية « التوصيل » التي تعرض له القدامى والمحدثون، إذ يكرر المازني ـ هنا ـ مقولة القدامى، فالكلام عنده « مجعول للإبانة عن الأغراض التي في النفوس، وإذا كان كذلك وجب أن يتخير من اللفظ ما كان أقرب إلى الدلالة على المراد وأوضح في الإبانة عن المعنى المطلوب (([82]ك كما أن اللغة لديه )) ليست أكثر من أداة للتعبير عن المعاني والخواطر والخوالج، وإن المرء يتلقاها عن الجماعة التي هو فيها كما يتلقى النسيم الذي يستنشقه، بلا تفكير أو عناء » [83] .

ويميز المازني بين التوصيل والتأثير لأنه يرى أن الغموض ليس غاية يتحقق بها التأثير بالمتلقي، بل يرى أن التأثير يتحقق بالوضوح، ولذلك قال : « إن « التأثير » لا يتأتى الا ببراعة اللفظ ورشاقة العبارة، فقد يكون الكلام حسنا « مؤثرا » ويتفق له ذلك من غير رشاقة ولا نضارة وإنما الألفاظ أوعية للمعاني فأحسنها أشفها وأشرفها دلالة على ما فيها . فقد تبلغ بالعبارة العاطلة مالا تبلغة بالكلام المفوف، بل قد يكون التأنق إذا أسرف فيه الشاعر أو الكاتب أو جهل مواضعه وأخطأ مواقعه، أو تكلف له على غير الحاجة إليه حائلا بينه وبين ما يريد من نفس القارئ » [84] .

إن التحديد السابق للألفاظ إنما يمثل المادة الخام التي يتفاعل معها الأديب لأن التشكيل اللغوي يرتبط بانفعال الشاعر ويكون صورة له، فإن تطابق التشكيل اللغوي مع الانفعال كان الشاعر مبدعا وإلا سيكون فيه نقص وضعف، ولذلك يرى المازني « أن كل عاطفة تستولي على النفس وتتدفق تدفقا مستويا لا تزال تتلمس لغة مستوية مثلها في تدفقها، فإما وفقت اليها واطمأنت، والا أحست بحاجة ونقص قد يعوقان تدفقها الطبيعي، وربما دفعاها إلى مجرى غير طبيعي فيضر ذلك بالجسم والنفس جميعا، كالحامل لا تزال تتمخض حتى تلد » [85] كما يرتبط إلقاء القصيدة بهذا الانفعال الذي كل ما كان عميقا كان « الوزن أظهر وأوضح وأوقع »[86] .



مصادر البحث :

إبراهيم عبد القادر المازني :

بشار بن برد ، عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1944 .

الديوان ، دار الشعب ، القاهرة ، د . ت . بالاشتراك مع عباس محمود العقاد .

الشعر غاياته ووسائطه ، مطبعة البوسفور ، القاهرة ، 1915

أحمد الهواري :

نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر ، دار المعارف ، مصر ، 1983 .

آرسطو :

فن الشعر ، مع الترجمة العربية القديمة ، وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد ، ترجمة وتحقيق عبد الرحمن بدوي ، دار الثقافة ، بيروت ، 1973 .

أفلاطون :

محاورة )) أيون (( ترجمة صقرخفاجة ، ومراجعة سهير القلماوي ،مكتبة النهضة ، القاهرة ، 1956

الفت كمال الروبي :

نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين ، دار التنوير ، بيروت ، 1983 .

جابر عصفور :

الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، دار المعارف ،القاهرة ، 1980 .

المرايا المتجاورة ، دراسة في نقد طه حسين ، الهيئة المصرية العامة لكتاب ، القاهرة ، 1983 .

جبر ضومط :

فلسفة البلاغة ، المطبعة العثمانية ، بعبدا ، 1898 .

الجرجاني ( علي بن عبد العزيز ) :

الوساطة بين المتنبي وخصومه ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، وعلي محمد البجاوي ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1966.

ابن جني ( أبو الفتح ) :

الخصائص ، تحقيق محمد علي النجار ، دار الكتب المصرية، القاهرة ، 1952 ـ 1956 .

جلال فاروق الشريف :

الرومانتيكية في الشعر العربي المعاصر في سوريا ، اتحاد الكتاب العرب في سوريا ، دمشق ، 1980 .

ابن خلدون :

تاريخ ابن خلدون ، مؤسسة جما ل، بيروت ، د . ت .

داود سلوم :

اثر الفكر الغربي في الشاعر جميل صدقي الزهاوي ، دراسة ونصوص ، معهد البحوث والدراسات العربية ، بغداد ، 1984 .

ديتشس ( ديفد ):

مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق ، ترجمة : محمد يوسف نجم ، مراجعة : إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت ، 1967 .

رفائيل بطي :

سحر الشعر ، المطبعة الرحمانية ، مصر ، 1922 .

ريتشاردز آ . آ:

العلم والشعر ، ترجمة :مصطفى بدوي ، مراجعة : سهير القلماوي ، مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ، د. ت.

مباديء النقد الأدبي ، ترجمة : مصطفى بدوي ، مراجعة : لويس عوض ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة ، 1963

ابن طباطبا العلوي :

عيار الشعر ، تحقيق ،محمد زغلول سلام، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، مصر ، 1984 .

عاطف جودة نصر ، الخيال مفهوماته ووظائفه ، الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة ، 1984 .

عباس محمود العقاد :

الديوان، دار الشعب ، القاهرة ، د . ت . بالاشتراك مع إبراهيم عبد القادر المازني .

مراجعات في الآداب والفنون ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1966 .

ساعات بين الكتب والناس ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1969 .

عبد القاهر الجرجاني :

أسرار البلاغة ، صححه السيد محمد رشيد رضا ، دار المعرفة ، بيروت ، 1981 .

دلائل الإعجاز ، تحقيق : محمد رضوان الداية ، وفايز الداية ، مكتبة دمشق ، 1984 .



علي عباس علوان :

تطور الشعر العربي الحديث في العراق ، وزارة الاعلام العراقية ، بغداد ، 1975 .

عمر الدسوقي :

في الأدب الحديث ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، د .ت .

ابن قتيبة )) عبد الله بن مسلم (( :

الشعر والشعراء ، تحقيق محمد أحمد شاكر ، دار المعارف ، مصر ، 1982 م .

قدامة بن جعفر :

نقد الشعر، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د . ت .

كريم الوائلي :

الخطاب النقدي عند المعتزلة ، مصر العربية للنشر ، القاهرة ، 1997 .

المواقف النقدية ، دار العربي ،مصر ، 1986 .

مجدي وهبة وكامل المهندس :

معجم المصطلحات العربية ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1984

محمد غنيمي هلال :

النقد الأدبي الحديث ، دار العودة ، بيروت ، 1984 .

محمد مندور :

النقد والنقاد المعاصرون ، دار القلم، بيروت ، د . ت .

محمود الربيعي :

في نقد الشعر ، دار المعارف ، مصر .



SEMAH , DAVID ;

FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS , LEIDEN ,E.J BRILL,1974 .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ اطلقت مدرسة الديوان على النقاد الثلاثة، لأن العقاد والمازني أصدرا كتابهما الديوان في الأدب والنقد وفيه يسعيان الى هدم القديم، وتأصيل الجديد، وعلى الرغم من أن عبد الرحمن شكري لم يشترك معهما في هذا الكتاب، بل هاجمه المازني فيه، فإنه يعد من مدرسة الديوان لأنهم يصدرون جميعا عن رؤية تكاد تكون مشتركة .

[2] ـ محمد مندور، النقد والنقاد المعاصرون، ص 70 وما بعدها، ود. أحمد الهواري، نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر، ص 124 وما بعدها

[3] ـ انظر: كريم الوائلي، المواقف النقدية بين الذات والموضوع، ص 61 وما بعدها، وأحمد الهواري، نقد الرواية العربية الحديثة في مصر، ص 107 ـ 117 . وجلال فاروق الشريف، الرومانتيكية في الشعر المعاصر في سوريا، ص 123 ـ 135 .

[4] ـ محمد مندور، النقد والنقاد المعاصرون، ص 70 .

[5] ـ أحمد الهواري، نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر، ص 127 .

[6] ـ كريم الوائلي، المواقف النقدية، ص 127 .

[7] ـ نفسه، ص 6 .

[8] ـ عباس محمود العقاد، وابراهيم عبد القادر المازني، الديوان، ص 12 .

[9] ـ نفسه، ص 13 .

[10] ـ نفسه .

[11] ـ نفسه، ص 13 ـ 14 .

[12] ـ نفسه، ص 40 .

[13] ـ نفسه ،ص 41، ولم يقتصر العقاد على ذلك فحسب إذ أخذ يعدد مظاهر أخرى تقليدية كتكرار القوالب اللفظية والمعاني المسروقة ونحوها، انظر ص 148 وما بعدها .

[14] ـ عباس محمود العقاد، حياة قلم، ص 369 .

[15] ـ روفائيل بطي، سحر الشعر، ص 135 .

[16] ـ عباس محمود العقاد، الديوان، ص 42 .

[17] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 6 .

IBI[18] ـ D , p 7 .

[19] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 20 . وقال أيضا « وهل الشعر إلا مرآة القلب، وإلا مظهر من مظاهر النفس، وإلا صور ما ارتسم على لوح الصدر وانتقش في صحيفة الذهن، وإلا مثال ما ظهر لعالم الحس وبروز لمشهد الشاعر » ص 32.

[20] ـ نفسه .

[21] ـ نفسه .

[22] ـ نفسه ص 4 .

[23] ـ نفسه، ص 21 .ويقول في مكان آخر « إن العاطفة هي الأصل » ص 22 .

[24] ـ روفائيل بطي، سحر الشعر، ص 160 .

[25] ـ عباس محمود العقاد، الديوان، ص 21 .

[26] ـ نفسه ،ص 21 ـ 22 . وقد أكد في موضع آخر أن الشعر الحقيقي هو « المترجم عن النفس الانسانية في أصدق علاقاتها بالطبيعة والحياة والخلود » نفسه، ص 129.

[27] ـ نفسه ص 21 .

[28] ـ نفسه ص 22 .

[29] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 8 .

[30] ـ عباس محمود العقاد، مراجعات في الآداب والفنون، ص 56

[31] ـ نفسه ص 57 .

[32] ـ نفسه، ص 58 .

[33] ـ نفسه، ص 57 . وقال « إن الحرية والجمال معنيان لا ينفصلان، ولا يتم أحدهما بمعزل عن الآخر » ص 39 .

[34] ـ عباس محمود العقاد، مراجعات في الأداب والفنون، ص 37 .

[35] ـ نفسه .

[36] ـ نفسه، ص 43،

[37] ـ نفسه .

[38] ـ نفسه ص 49، وقد تحدث العقاد عن الضمور واليبس في كونهما معيبين في عامة الأحياء غير « أننا لا نعيبهما في *** الصيد الهزيل، لأننا إنما ننظر الى ما وراء ذلك من خفة الحركة وسهولة العدو ورشاقة الخطو » ص 38 .

[39] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 5.

_[40] 8 IBID , P

[41] ـ IBID , P 4 .

[42] ـ عمر الدسوقي، في الأدب الحديث، 2 / 242 .

[43] ـ نفسه، 2 /252 ـ 253 .

[44] ـ نقلا من محمود الربيعي، في نقد الشعر، ص 93 ـ 94 و وقد اغنانا عن الحديث المفصل لمظاهر تأثر مدرسة الديوان بالرومانسية الانجليزية، نفسه 10، وانظر : ابراهيم عبد الرحمن، تراث جماعة الديوان النقدية، مجلة فصول، العدد الرابع، 1983، ص 13 وما بعدها.

[45] ـ ديفيد ديتشس، مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ص 526 .

[46] ـ انظر النص في كتاب سحر الشعر، لرفائيل بطي، وقد أكد هذا المعنى ابراهيم عبد القادر المازني الذي يرى أن الشعر « يفجر في النفس ينابيع الفزع والسرور والألم » ديوان المازني، 2 / 18، نقلا عن : علي عباس علوان، تطور الشعر العربي الحديث في العراق ،ص 374 .

[47] ـ انظر النص في كتاب : سحر الشعر، ص 136

[48] ـ عباس محمود العقاد، ساعات بين الكتب والناس، ص 179 .

[49] ـ ديفيد ديتشس، مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ص 524 .

[50] ـ انظر النص في : سحر الشعر سحر الشعر، ص 136، ويقول شكري : « وليس شعر العاطفة بابا جديدا من أبواب الشعر كما ظن بعض الناس، فإنه يشمل كل أبواب الشعر وبعض الناس يقسم الشعر الى أبواب منفردة فيقول باب الحكم وباب الغزل وباب الوصف الخ ولكن النفس إذا فاضت بالشعر أخرجت ما تكنه من الصفات والعواطف المختلفة في القصيدة الواحدة » انظر : سحر الشعر، ص 220 .

[51] ـ نفسه، ص 219 .

[52] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 21 .

[53] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 8 .

[54] ـ يرجع وحدة القصيدة تاريخيا الى افلاطون « حين ابرز التشابه بين وحدة الكلام والوحدة العضوية في الأحياء » انظر: مجدي وهبة، وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربية، ص 431 . وانظر الوحدات الثلاثة عند ارسطو ص 431 وما بعدها، وانظر حديثا عن الوحدة العضوية في التراث النقدي عند الحاتمي وابن طباطبا العلوي : احسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 133 وما بعدها، وص 253 وما بعدها، وانظر عن الوحدة العضوية، محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث ،ص 394.

[55] ـ عباس محمود العقاد ،الديوان، ص 130 .

[56] ـ نفسه، ص 130 .

[57] ـ نفسه، ص 130 .

[58] ـ نفسه، ص 131 .

[59] ـ قسطاكي الحمصي ،منهل الوراد في علم الانتقاد، 2 / 131 . ويقول روحي الخالدي، « الأصل في الكلام للمعاني لا للألفاظ، لأن اللفظ قالب أو ظرف للمعنى يتخذه المتكلم أو الكاتب لسبك ما يصوره من نفسه ويشكله في قلبه، فينقل بذلك مقصوده للسامع أو القاريء » انظر كتابه : تاريخ علم الأدب عند الافرنج والعرب وفيكتور هوكو، ص 31 . ومثله ما ذهب اليه جبر ضومط في نصائحه التي يقدمها للشاعر في أن « يناسب بين الألفاظ ومعانيها ما أمكن » انظر كتابه : فلسفة البلاغة، ص 138 .

[60] ـ حسين المرصفي، الوسيلة الأدبية، 2 / 475 .

[61] ـ ابن طباطبا العلوي، عيار الشعر، ص46 .

[62] ـ نفسه، 167 .

[63] ـ قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص 65 .

[64] ـ عباس محمود العقاد، مراجعات في الآداب والفنون، ص 167

[65] ـ نفسه، ص 10 .

[66] ـ نفسه .

[67] ـ انظر : سحر الشعر ص 157 .

[68] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 10 .

[69] ـ نفسه، ص 11 .

[70] ـ ابن جني، الخصائص، 1 /312 .

[71] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 12 .

[72] ـ نفسه، ص 13 .

[73] ـ نفسه .

[74] ـ نفسه .

[75] ـ نفسه، ص 15 .

[76] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الديوان، ص107 .

[77] ـ نفسه، ص 103 ـ104 .

[78] ـ عبد القاهر الجرجاني، دلائل الاعجاز، ص 40 .

[79] ـ مصطفى بدوي، مقدمته لكتاب : مباديء النقد الأدبي، لريتشاردز، ص 6 .

[80] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 37 .

[81] ـ ريتشاردز، العلم والشعر، ص 46 .

[82] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، بشار بن برد، ص 27 .

[83] ـ نفسه .

[84] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 27 .

[85] ـ نفسه، ص 24 .

[86] ـ نفسه، ص 24 .