منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-09-16, 14:44   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الى halhm



ج التصنيف الفلسفى عند الفارابى
3- منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى (ت 339 هـ) ([1]):

أ- أصالة فلسفة الفارابى
ب- السعادة والجميل والنافع والفضيلة كمدخل لفلسفة الفارابى
ج- نظرية المعرفة عند الفارابى
د- تصنيف العلوم عند الفارابى
هـ- التوفيق بين الفلسفة والدين عند الفارابى
و- النـزعة الصوفية عند الفارابى
ز- نظرة عامة على منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى
ح- ملاحظات حول منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى

يعتبر كثير من المؤرخين للفكر الفلسفى الإسلامى أن الفارابى هو المؤسس الحقيقى للدراسات الفلسفية فى العالم العربى، والمنشىء الأول لما نسميه الآن ((الفلسفة الإسلامية))، فقد شيد بنيانها، ووضع الأساس لجميع فروعها، ولا نكاد نجد فكرة عند من جاءوا بعده من فلاسفة الإسلام إلا لها أصل لديه، وهو أعرف فلاسفة الإسلام بتاريخ الفلسفة ونظريات الفلاسفة، ويتحدث فى مؤلفاته حديث الخبير عن المدارس اليونانية ويبين الفوارق بينها([2]).
إن أولى خطوات الفارابى (259 هـ - 339 هـ) – والذى يعتبر عند بعض الدارسين فيلسوف المسلمين بالحقيقة([3])، وأول مفكر مسلم بكل ما فى الكلمة من معنى([4]) - فى التفلسف أنه قد آمن إيمانا مطلقا بوحدة الفلسفة فى ذاتها، وما كان أمام الفارابى وقد داخل روعه أن الفلسفة معصومة من الخطأ إلا أن يعمد إلى فكرة وحدة الفلسفة فيدافع عنها دفاعا يمكنه من الانتقال من فكرة وحدة الفلسفة إلى فكرة التوفيق بين الشريعة والحكمة (بناء على وحدة الحق)، فبدأ أولا بإزالة ما قد يتوهم من خلاف داخل النطاق الفلسفى، حتى إذا ما أصبحنا أمام حقيقة فلسفية واحدة انتقل ثانيا إلى التوفيق بين الدين والفلسفة باعتبارهما مظهرين لحقيقة واحدة([5]).
يقول ابن سبعين([6]) فى الفارابى: وهذا الرجل أفهم فلاسفة الإسلام وأذكرهم للعلوم القديمة، وهو الفيلسوف فيها لا غير، وهو مدرك محقق.
إلا أنه يمكن وصف فلسفة الفارابى بأنها فلسفة تلفيقية حاول فيها – على ما سبق الحديث عنه - الجمع بأى صورة بين رأى الحكيمين، ولقد كان لذلك الخلط العجيب والشنيع فى تاريخ الفكر الفلسفى بين آراء الفلاسفة والذى حدث فى مدرسة الإسكندرية الفلسفية أثره الخطير والسيىء على مصير الفلسفة الإسلامية([7]).
وإذا كان الشائع عن فلسفة الفارابى أنها فلسفة مثالية، فالحقيقة أن الفلسفة كلها مثالية، لأنها محاولة لتغيير الواقع فى الآراء والسلوك، فى المعتقدات وفى الأخلاق، فهى تصوير لفكرة الفيلسوف عن المثل الأعلى للفرد وللإنسانية، فكل فلسفة إذن هى مثالية بهذا الاعتبار، فالمذهب الذى يرسمه الفيلسوف إنما هو مذهب يؤمن بأن من الممكن تحقيقه، وفى هذا الإطار يمكننا فهم فلسفة الفارابى وخاصة فى مدينته الفاضلة([8]).
ويرى بعض الباحثين أنه لا يفهم الفارابى إلا من خلال معرفتنا لنظرية الفيض، فالفلسفة الفيضية هى أساس كل تفكير فارابى، فالمعرفة الإنسانية عنده مرتبطة مباشرة بنظام الوجود العام، وهى مرتبطة أيضا بتسلسل الموجودات عن الأول، فكما أن الوجود بدأ بالوحدة وينتهى إلى الكثرة، كذلك تبدأ المعرفة الإنسانية النظرية وفى حركة معاكسة لحركة الفيض من الكثرة إلى الوحدة، لأن المعرفة رجوع من أدنى إلى أعلى، رجوع من الكثرة إلى الوحدة، فدرجات الإدراك عند الفارابى ليست فى الواقع سوى مراحل هذا الصعود من المحسوس إلى غير المحسوس أى من الكثرة إلى الوحدة ([9]).
أ- أصالة فلسفة الفارابى: تطرقنا إلى الفارابى بصفة عامة عند تناولنا قضية أصالة الفلسفة الإسلامية([10])، ونميل إلى الجانب الذى يرى تمتع الفارابى بالقدر الكافى من النظر والحرية والتفلسف الذى يمنحه الحكم بالأصالة الفلسفية، وأنه - على ما تؤكد أ/د فوقية حسين - لم يكن أرسططاليسيا، أو أفلوطينيا وإنما صدر فيما قدمه من كتابات فلسفية عن أصول إسلامية وطيدة، استقاها من واقع احتكاكه بمفاهيم الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة([11])، ولهذا نتفق مع أ/د حسن حنفى على ضرورة إرجاع الفارابى إلى حضارته الإسلامية بعد أن أخرجه الباحثون منها وعلى رأسهم المستشرقون، وجعلوه شارحا لأرسطو، وهو فى حقيقة الأمر حكم بين الشراح وبين أرسطو، وهو أيضا حكيم مثل أرسطو يعيد النظر ويكشف عن الحقائق، سواء اتفق مع أرسطو أم اختلف، مكملا ما نقص، ومستبعدا ما زاد، ومحولا أقواله إلى نظرية خالصة فى العقل، وهو بحث اجتهادى قد يخطئ ويصيب([12]).
ومن جهة أخرى فإننا إذا استقرأنا مؤلفات الفارابى لوجدنا أن التأليف يعادل الشرح من حيث الكم، فإذا كان للفارابى حوالى مائة مؤلف أو أكثر بقليل، فإن التأليف يوازى نصفها تقريبا، وهذا يدل على أن الفارابى كان مؤلفا كما كان شارحا، وأن لقب المعلم الثانى لا يعنى فقط شارح أرسطو، بل يعنى أيضا أنه مؤلف مثل أرسطو([13]).
على أن الفارابى موقفا نقديا واضحا عند تعرضه بالشرح لأرسطو، فيطلع أولا على شروح السابقين عليه، ويقارن بين ما يقوله أرسطو وبين ما يقولونه، ويوازن بينهما، ويكشف أخطاء الشراح ويبين أسبابها، ويعيب عليهم أن لم يغوصوا فى أعماق الذهن الأرسطى، وكما يوجه نقده إلى الشراح يوجه نقده إلى أرسطو نفسه، ومن ذلك قوله: ((والمفسرون أيضا لم يذكروها، كذلك لم يضع أرسطوطاليس المقدمات المتضادة هاهنا، ولا ذكر مناسباتها، ولا ذكر المفسرون السبب فى تركه أيها))، ويقول أيضا: ((قصدنا فى هذا القول إثبات أقاويل وذكر معان يقضى بها بمن عرفها إلى الوقوف على ما أثبته الحكيم فى صناعة الشعر، من غير أن تقصد إلى استيفاء جميع ما يحتاج إليه فى هذه الصناعة، وترتيبها إذا الحكيم لم يكمل القول فى صناعة المغالطة فضلا عن القول فى صناعة الشعراء))، فما يفعله الفارابى مع الشراح فإنه يفعله مع أرسطو نفسه، فقد كان الفارابى باحثا عن الحق مثل أرسطو، ومقارنا آراء أرسطو بما يبدو له أنه الحق، فنجده خلال الشروح ينتقد أرسطو ويصحح أخطاءه، فهو شرح وتقويم، عرض ونقد، نقل وحكم، إكمال للنقص([14]).
لقد قدم الفارابى شروحه من خلال نسق كلى شامل هو المذهب الأرسطى، وهذا أقرب إلى إعادة البناء منه إلى الشرح، والبناء هو دخول المنطق والطبيعيات والإلهيات فى نسق فلسفى واحد هو نسق الفارابى، ويحاول إخضاع مؤلفات أرسطوطاليس نفسه إلى نسق عقلى واحد، وذلك أن أرسطو ترك مؤلفاته بلا نظام أو ترتيب، وهو ما حاول تلاميذه وشراحه من بعد تلافيه، ونبه عليه الفارابى فى رسالته فيما ينبغى تقديمه قبل تعلم الفلسفة، واضعا نسقا عقليا آخر للأشياء التى يحتاج إليه فى تعلم كتب أرسطو([15]).
ومما يؤكد أصالته - على سبيل المثال – أن أكثر مؤلفاته عمقا ودراسة للغة وفقهها، وهو كتاب الحروف يعد أيضا من أكبر مصنَّفاته فى الفكر العربى عامة، والفلسفة الإسلامية وفقه اللغة العربية خاصة، ورغم أن الكتاب يعد تفسيرا لكتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطو، إلا أن بين الكتابين فروقا ظاهرة، ترجع إلى استفادة الفارابى من علوم العربية، فلم يتكئ على الألفاظ والمعانى التى جاء بها أرسطو فى ما بعد الطبيعة، بل اعتمد على الشواهد العربية، وأهمل أبوابا من كتاب أرسطو لم يتناولها بالشرح([16]).
والفارابى حين يهتم بأرسطو لا يهتم به من الناحية الشخصية بل باعتباره واضع العلوم، فيسميه صاحب المنطق، فهدف الفارابى هو العلم وليس العالم، الموضوع وليس الشخص، وسواء كان العالم والشخص أرسطو أم غيره، فإن ما يهم الفارابى هو علم المنطق، وهو علم مستقل عن واضعه وقائم بذاته، ويتعامل الفارابى مع الفلسفة اليونانية كلها على هذا النحو اللاشخصى فيتحدث عن أصحاب العلم الطبيعى، وأصحاب التعليم، وأصحاب العدد... إلخ([17]).
لقد بلغ الفارابى بالفكر العربى فى كتابه الحروف أَوُجَّه فى تفهم أمور العلم واللغة، وضرورة التعبير الصحيح عما ينظر الإنسان فيه ويعقله، فلا يستغنى عنه قراءته من يشتغل فى تأريخ الفلسفة واللغة، ويجب أن يمعن النظر فيه من يقصد فهم الصلة بين نمو العلوم واللغة التى يعبر بها عن العلوم والمجتمع الذى تنمو فيه([18]).
ونعتقد أن اطلاع الفارابى الواسع على لغته العربية وفقهه بها هو أحد وجوه الأصالة التى تمتع بها، والذى انعكس على فكره الفلسفى والمنطقى، ((ولقد ظهر أثر إتقانه وولعه باللغة العربية فى مصنَّفاته المنطقية والفلسفية، ككتاب الألفاظ المستعملة فى المنطق، وكتاب القياس الصغير، وكتاب المدخل، وكتاب التنبيه على سبيل السعادة، ففى معظم هذه المؤلفات وغيرها عرض الفارابى لمباحث منطقية وفلسفية يبدو فيها أثر العلم اللغوى فى صناعة الفكر والفلسفة... إن التحليل الفارابى للغة لفت الانتباه إلى العلاقة التى لا تنفصل بين أبعاد ثلاثة: اللفظة كوعاء نظرى، والمعنى الذى تثيره هذه اللفظة فى الذهن، والجانب الدلالى للفظة فى العالم الخارجى)) ([19]).
على أن فقه اللغة عند الفارابى يتسع إلى غير اللغة العربية، فهو لا يحلل العربية وحدها بل يضم إليها الفارسية واليونانية وغيرها، مما يؤكد على أن الرأى الشائع بأن المسلمين شراح اليونان رأى مبتسر، لأن المسلمين تمثلوا الحضارات المجاورة كلها يونانية أو فارسية أو هندية أو رومية، والفارابى يتجاوز اللغات ويتحدث عن علم اللغة العام كبناء وراء اللغات المتعددة، ويسميه علم اللسان([20])، وهذا التجاوز لحضارة اليونان يدل على البعد الحضارى العام للفكر الإسلامى، وأن الحضارة الإسلامية لم تكن متلهفة على التراث اليونانى بل كانت متفتحة على تراث الحضارات كلها، بصرف النظر عن مصدره، فما يهم هو الفكر لا المصدر، فى حين أن حكم الاستشراق يقوم على إعطاء الأولوية للمصدر على الفكر بسبب العنصرية الحضارية الدفينة فى أعماق الوعى الأوربى([21]).
لقد كان الفارابى هو الأبعد أثرا فى تطور الفكر الفلسفى عند المسلمين، ونكاد أن نمسك فى مذهبه بمفاتيح أغلب المشكلات الحقيقية التى عالجها الفلاسفة المسلمون من بعده، سواء فى الطبيعة أو ما بعد الطبيعة أو الأخلاق وغيرها([22]).
ورغم ما تقدم فإنه فى الحقيقة يمثل وجهة نظر الباحثين والدارسين لفلسفة الفارابى، ولا يمثل وجهة نظر الفارابى نفسه، أما هو نفسه فيرى أن الفلسفة تدوولت وتطورت إلى أن استقرت على ما هى عليه أيام أرسطو تناهى النظر العلمى إلى ذلك، بحيث لا يمكن المزيد عليها ولا المراجعة، وإنما فقط صناعة تعلم وتعليم، وهكذا حصر الفارابى دوره الفلسفى – بل ودور غيره أيضا – فى التعلم والتعليم، واستيعاب ما وضعه أرسطو، يقول الفارابى بعد أن استعرض تطور الأساليب الفلسفية من الطرق الخطبية والإقناعية إلى السوفسطائية إلى الجدلية: ((... فلا تزال تستعمل إلى أن تكمل المخاطبات الجدلية، فتبين بالطرق الجدلية أنها ليست هى كافية بعد فى أن يحصل اليقين، فيحدث حينئذ الفحص عن طرق التعليم والعلم اليقين، وفى خلال ذلك يكون الناس قد وقعوا على الطرق التعاليمية وتكاد تكتمل أو تكون قد قاربت الكمال، فيلوح لهم مع ذلك الفرق بين الطرق الجدلية وبين الطرق اليقينية... ثم يتداول ذلك إلى أن يستقر الأمر على ما استقر عليه أيام أرسطوطاليس، فيتناهى النظر العلمى، وتميز الطرق كلها، وتكمل الفلسفة النظرية والعامية الكلية، ولا يبقى فيها موضع فحص، فتصير صناعة تُتعلَّم وتُعَلَّم فقط، ويكون تعليمها تعليما خاصا، وتعليما مشتركا للجميع، فالتعليم الخاص هو بالطرق البرهانية فقط، والمشترك الذى هو العام فهو بالطرق الجدلية أو بالخطيبة أو بالشعرية، غير أن الخطبية والشعرية هما أحرى أن تستعملا فى تعليم الجمهور ما قد استقر الرأى فيه ويصح بالبرهان من الأشياء النظرية والعملية)) ([23]).
إذن فالفارابى يرى أن الفلسفة قد بلغت كمالها، ولم يعد موضع فحص فيها، وأنه لم يبق إلا استيعابها تعلما وتعليما على الوجه الصحيح، ومن الظاهر أن هذه الغاية هى بالفعل التى تحكم اتجاهات الفارابى الفلسفية، وهى التى وجهته فى عامة مصنَّفاته، وأدت به إلى ما أدت به من أنظار نقدية أثناء محاولته للفهم الصحيح للفلسفة بالتعلم، وتوصيلها على الوجه الصحيح بالتعليم، من ثم أتى نقده لشراح أرسطو فيما أخطأوا فيه فى الفهم، وأتى تعديله لبعض المباحث والأمثلة الشارحة بما يليق باللغة العربية. وأيضا فى هذا الإطار الواحد الذى وضع فيه الفلسفة تأتى محاولته للجمع بين رأيى الحكيمين.
إن تأمل عامة مصنَّفات الفارابى يصل بنا إلى تأكيد هذا التصور، حيث يأتى كثير منها كمداخل للفهم، وكيفية ترتيب علوم الفلسفة، ومن أين يبدأ بتعلمها، ووضع تصور عام للفلسفة تعلما وتعليما وتأثيرا فى المجتمع ككل جمهوره وخاصته، بحيث تؤتى الفلسفة ثمرتها بحصول السعادة للجميع.
يتراءى من خلال ذلك أن الفارابى بدا كأصيل رغم أنفه، وأنه بالفعل تجاوز دورَه الذى وضعه لنفسه محجما لقدرته على التفلسف.
وبالإضافة إلى ما تقدم من وجوه لأصالة الفارابى، فقد قدم بالفعل من المفاهيم الفلسفية الجديدة ما هو جدير بالحكم بأصالته، مثل مفهوم (واجب الوجود النسبى) الذى - من حيث هو - يدخل فى مقولة الممكن، وهو الذى سيسميه فلاسفة الإسلام بعد ذلك بواجب الوجود بالغير([24]).
ب- السعادة والجميل والنافع والفضيلة كمدخل لفلسفة الفارابى: ما دامت السعادة – فى فلسفة الفارابى - هى الغاية القصوى التى نسعى إلى تحقيقها فلا بد أن نبحث فى السبل والأمور التى بها يمكن الوصول إليها، ويمكن إجمال ذلك بأن الحصول على السعادة إنما يكون بفعل الجميل خلقيا، يقول الفارابى: ((أما أن السعادة هى غاية ما يتشوقها كل إنسان، وأن كل من ينحو بسعيه نحوها فإنما ينحوها على أنها كمال ما؛ فذلك مما لا يحتاج فى بيانه إلى قول إذ كان فى غاية الشهرة... ولما كنا نرى أن السعادة إذا حصلت لنا لم نحتج بعدها أصلا إلى أن نسعى بها لغاية ما أخرى غيرها ظهر بذلك أن السعادة تؤثر لأجل ذاتها، ولا تؤثر فى وقت من الأوقات لأجل غيرها، فتبين من ذلك أن السعادة هى آثر الخيرات وأعظمها وأكملها... وكل واحد يعتقد فى الذى يراه (كالثروة والتمتع باللذات والرياسة) سعادة على الإطلاق أنه هو الآثر والأعظم... لكن إنما تنال به (بفعل الجميل) السعادة متى اختاره الإنسان على أنه جميل فقط ولأجل ذاته، لا أن يقصد به نيل ثروة أو نيل رياسة، ولا لشىء مما أشبه ذلك، فهذه التى قيلت هى الشرائط التى إذا كانت فى الأفعال الجميلة نيلت بها السعادة لا محالة، وهى: أن يفعل طوعا وباختيار، وأن يكون اختيارنا لها لأجل ذواتها، وأن يكون ذلك فى كل ما نفعله، وفى زمان حياتنا بأسره... والمقصود الإنسانى: اللذيذ والنافع والجميل،... فقد حصل أن مقصود الصنائع كلها إما جميل وإما نافع، فإذن الصنائع صنفان: صنف مقصوده تحصيل الجميل، وصنف مقصوده تحصيل النافع، فالصناعة التى مقصودها تحصيل الجميل فقط هى التى تسمى الفلسفة، وتسمى الحكمة الإنسانية على الإطلاق والصناعات التى يقصد بها النافع فليس منها شىء يسمى حكمة على الإطلاق، ولكن ربما سمى بعضها بهذا الاسم على طريق التشبيه بالفلسفة … ولما كان الجميل صنفين: صنف هو علم فقط، وصنف هو علم وعمل، صارت صناعة الفلسفة صنفين: صنفًا به تحصل معرفة الموجودات التى ليس للإنسان فعلها، وهذه تسمى الفلسفة النظرية، والثانى به تحصل معرفة الأشياء التى شأنها أن تفعل، والقوة على فعل الجميل منها، وهذه تسمى الفلسفة العملية والفلسفة المدنية. والفلسفة النظرية تشتمل على ثلاثة أصناف من العلوم: أحدها: علم التعاليم، والثانى: العلم الطبائع، والثالث: علم ما بعد الطبيعيات، وكل واحد من هذه العلوم الثلاثة يشتمل على صنف من الموجودات التى شأنها أن تعلم فقط، فيكون ما شأنه أن يعلم فقط من الموجودات ثلاثة أصناف....
والفلسفة المدنية صنفان: أحدهما يحصل به علم الأفعال الجميلة، والأخلاق التى تصدر عنها الأفعال الجميلة، والقدرة على اقتنائها، وبه تصير الأشياء الجميلة قنية لنا، وهذه تسمى الصناعة الخلقية. والثانى يشتمل على معرفة الأمور التى بها تحصل الأشياء الجميلة لأهل المدن والقدرة على تحصيلها لهم وحفظها عليهم وهذه تسمى الفلسفة السياسية وعلم السياسة؛ فهذه جمل أجزاء صناعة الفلسفة، ولما كانت السعادة إنما ننالها متى كانت لنا الأشياء الجميلة قنية، وكانت الأشياء الجميلة إنما تصير لنا قنية بصناعة الفلسفة فلازم ضرورة أن تكون الفلسفة هى التى تُنال بها السعادة... فقد تبين بهذا القول كيف السبيل إلى السعادة، وكيف السلوك فى سبيلها، ومراتب ما ينبغى أن نسلك عليه، وأيما منها أول مراتبها، وأن أول مراتبها تحصيل صناعة المنطق...))([25]).
فالفارابى ينطلق هنا من الجمال الذى هو سبب السعادة كأساس للفلسفة، وليس الوجود كما فى كلامه فى الجمع بين رأيى الحكيمين، وإن كان العلم بأصناف الموجودات الثلاثة على حسب تقسيم الفارابى لها هو أحد ثمرات هذه التصنيف.
ومذهب الفارابى فى السعادة والجميل منسجم تمام الانسجام مع مذهبه فى الحقيقة، فليست الفلسفة عنده ولا التصنيف فيها من أجل الوصول إلى معرفة الحقيقة كما هى عند بعض الفلاسفة، بل من أجل معرفة الجميل ومعرفة كيفية تحصيله وصولا إلى السعادة، أما ((الوقوف على حقائق الأشياء فليس فى قدرة البشر، ونحن لا نعرف من الأشياء إلا الخواص واللوازم والأعراض ولا نعرف الفصول المقومة لكل منها الدالة على حقيقته، بل إنها أشياء لها خواص وأعراض، فإنا لا نعرف حقيقة الأول، ولا العقل، ولا النفس، ولا الفلك، والنار والهواء والماء والأرض (اقرأ: ولا النار ولا... إلخ) ولا نعرف حقائق الأعراض... ولذلك يقع الخلاف فى ماهيات الأشياء، لأن كل واحد أدرك لازما غير ما أدركه الآخر فحكم بمقتضى ذلك اللازم...)) ([26])، ويؤكد على ذلك فى موضع آخر بقوله: ((الإنسان لا يعرف حقيقة الشىء البتة، لأن مبدأ معرفته الأشياء هو الحس، ثم يميز بالعقل بين المتشابهات والمتبائنات، ويعرف حينئذ بالعقل بعض لوازمه وذاتياته وخواصه...))([27]).
كما نرى أن هذا لا ينافى أن الحكمة على الإطلاق عنده ((معرفة الوجود الحق، والوجود الحق هو واجب الوجود بذاته))، لأنه لا يتصف بذلك عند إلا واجب الوجود نفسه، إذ يقول بعد ذلك مباشرة: ((والحكيم هو من عنده علم الواجب بذاته بالكمال، وهو ما سوى الواجب لذاته ففى وجوده نقصان عن درجة الأول بحسبه، فإذن يكون ناقص الإدراك، فلا حكيم إلا الأول لأنه كامل المعرفة بذاته)) ([28])، فليس من الصواب قطع تعريف الحكمة على الإطلاق السابق عن بقية السياق، والتى يظهر منه أنه لا حكيم بالحقيقة إلا الله عز وجل، وأنه إنما أراد تعريف الحكمة على الإطلاق، وليس تعريف الحكمة الإنسانية – كما تقدم فى عبارته – والتى هى بمعنى اللقب على العلم المخصوص والمرادف للفلسفة، والتى هى تحصيل الجميل.
كما نرى أن ذلك متسق مع مذهبه فى الخير والشر، فــ ((الخير ما تشوقه كل شىء فى حده ويتم وجوده أى رتبته وحقيقته من الوجود، كالإنسان والفلك مثلا فإن كل واحد منهما إنما يتشوق من الخير ما ينبغى له وما ينتهى إليه حده، ثم سائر الأشياء على ذلك)) ([29])، إذ الجميل عنده كما تقدم ((معرفة الموجودات التى ليس للإنسان فعلها (= الفلسفة النظرية) أو معرفة الأشياء التى شأنها أن تفعل (= الفلسفة العملية)...))، أو الجميل ((هو الشىء الذى يستحسنه العقلاء)) ([30])، إذ الجميل - على أى تعريف منهما – المعرفة أو المستحْسَن هو نوع من الكمال، وسعى نحوه، ويتشوق به الإنسان إلى الوصول إلى حده.
وكما يفرق الفارابى بين الحكمة بإطلاق، والحكمة الإنسانية، يفرق بين الخير بإطلاق أو بالحقيقة، والخير الإنسانى الذى تقدم ذكره، أما ((الخير بالحقيقة فهو كمال الوجود، وهو واجب الوجود، والشر عدم ذلك الكمال)) ([31]).
ويحصل من هذا أن مفاهيم السعادة والنافع والجميل والحكمة والخير تتكامل مع بعضها البعض فى فلسفة الفارابى مكونة غاياتها العليا التى تتغياها، ومن ثم يصير غاية منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى هو الوصول إليها أيضا.
ولا يتناقض هذا أيضا – فى تصورنا – مع الطرح الآخر الذى يقدمه الفارابى فى كتابه تحصيل السعادة حيث يستبدل الفضائل بالجميل، فالجميل نوع من الفضائل، والفضائل أمر جميل، يقول الفارابى: ((الأشياء الإنسانية التى إذا حصلت فى الأمم وفى أهل المدن، حصلت لهم بها السعادة الدنيا فى الحياة الأولى، والسعادة القصوى فى الحياة الأخرى: أربعة أجناس: الفضائل النظرية، والفضائل الفكرية، والفضائل الخلقية، والصناعات العملية))([32])، ثم أخذ فى بيان ذلك فى الكتاب كله، مما سنعرض له بصورة أكثر تفصيلا عند عرض ملاحظاتنا حول منهجه فى التصنيف الفلسفى فيما سيأتى([33]) حيث قدم فى هذا الكتاب أول محاولة صريحة وقفنا عليها لمنهج التصنيف الفلسفى.
ج- نظرية المعرفة عند الفارابى: اهتم الفارابى بمشكلة المنهج وإحصاء العلوم والمنطق، وغيرها مما يدخل أو يمهد لنظرية المعرفة، ولنظرية النفس دورا أساسيا فى نظرية المعرفة لأن كل فيلسوف يتأسس مذهبه فى المعرفة بناء على مذهبه فى النفس تأسيسا ذاتيا، وتنقسم المعرفة عند الفارابى إلى ثلاثة أقسام: المعرفة الحسية، والمعرفة العقلية، والمعرفة الذوقية أو الإشراقية([34]).
وقد سبق تناول علاقة نظرية المعرفة بمنهج التصنيف وأثرها فيه، وبخصوص نظرية المعرفة الفارابية، فالتقسيم السابق لا يعنى أن هناك انفصالا بينها، بل هى متصلة ومتكاملة، وكل قسم منها يشكل درجة من درجات الارتقاء فى سلم المعرفة، ((فالإدراك إنما هو للنفس، وليس للحاسة إلا الإحساس بالشىء، وليس للمحسوس إلا الانفعال، فالنفس تدرك الصور المحسوسة بالحواس، وتدرك الصور المعقولة بتوسط صورها المحسوسة، إذ تستفيد معقولية تلك الصور من محسوسيتها... وإلا لم يكن معقولا لها وذلك لنقصان نفسه فيه، واحتياجه فى إدراك الصور المعقولة إلى توسط الصور المحسوسة، بخلاف المجردات فإنها تدرك الصور المعقولة من أسبابها وعللها التى لا تتغير، وحصول المعارف للإنسان يكون من جهة الحواس، وإدراكه للكليات من جهة إحساسه بالجزئيات، ونفسه عالمة بالقوة، فالطفل نفسه مستعدة لأن تحصل لها الأوائل والمبادئ، وهى تحصل له من غير استعانة عليها بالحواس، بل تحصل له من غير قصد من حيث لا يشعر به... والحواس هى الطرق التى تستفيد منها النفس الإنسانية المعارف، والنفس ما دامت ملابسة للهيولى لا تعرف مجرداتها ولا شيئا من صفاتها التى تكون لها وهى مجردة، ولا شيئا من أحوالها عند التجرد لأنها لا يمكنها الرجوع إلى خاص ذاتها)) ([35])، إذن فاتجاه المعرفة الإنسانية عند الفارابى اتجاه صاعد يبدأ من الكون وإدراكه بالحواس، وهذا الإدراك الحسى يعتبر مقدمة ضرورية للمعرفة العقلية التى لا يمكن لها أن تصل إلى الكليات إلا من خلال إدراك الحواس للجزئيات.
والوجه الآخر من نظرية المعرفة الفارابية، هى حركة نازلة تبدأ من النفس المشرقة التى يفاض عليها بالمعرفة الكلية، التى يدركها العقل، ويبدأ من خلال إدراكه للواقع عن طريق الحس تنـزيل هذه المعرفة الكلية على جزئياتها.
إن هذا الترتيب لحصول المعرفة لا بد أن يراعيه الفارابى عند ترتيب المعارف، التى يريد أن ينظمها من خلال منهجه فى التصنيف الفلسفى، والذى قد يسير فى أحد اتجاهين إما حركة صاعدة من الوجود إلى العقل إلى النفس، أو بالعكس فى حركة نازلة من النفس إلى العقل إلى الحس، وسنرى عند عرض ملاحظاتنا حول منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى أنه قد استعمل حركتى النـزول والصعود جميعا فى منهجه التصنيفى الفلسفى.
د- تصنيف العلوم عند الفارابى: للفارابى – على ما يذكر ابن صاعد - كتاب شريف فى إحصاء العلوم، والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه، ولا يستغنى طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به، وتقديم النظر فيه([36]). وقد كان هذا الكتاب معروفا عند علماء الغرب فى القرون الوسطى، وترجم غير مرة إلى اللاتينية، كما كان معروفا أيضا فى المدارس اليهودية([37]).
وقد قام الفارابى بمحاولته فى تصنيف العلوم وإحصائها انطلاقا من إدراكه لأهمية هذا التصنيف وصلته بالمنهج العلمى([38])، ورغم أنها المحاولة الأولى عند المسلمين فإن بعض كبار الباحثين يرى أنها ترقى إلى أن تكون نظرية فى تصنيف العلوم، وذلك لأنها تحتوى على الجانبين النظرى والتطبيقى معا، فالجانب النظرى قدمه الفارابى فى رسالته (التنبيه على سبيل السعادة)، والجانب التطبيقى يتمثل فى كتابه الشهير (إحصاء العلوم)([39]).
أما الجانب النظرى الذى تناوله فى كتابه التنبيه على سبيل السعادة، وراعاه فى كتاب الإحصاء والذى جاء على سبيل التطبيق العملى لنظريته العامة فى تقسيم العلوم والذى يتمثل فى تقسيمها إلى قسمين كبيرين([40]):
أ- قسم تحصل به معرفة الموجودات التى ليس للإنسان فعلها، وهو العلوم النظرية.
ب- وقسم تحصل به معرفة الأشياء التى شأنها أن تفعل، والقوة على فعل الجميل منها، وهو العلوم العملية والفلسفة المدنية([41]).
وقد شرح الشنب غازانى (ت 919 هـ) قوله (التى شأنها أن تفعل): ((بأنها الموجودات التى لقدرتنا واختيارنا تأثير فى وجودها))([42]). والموقف الفلسفى الفارابى هنا يبدأ فى تصنيف العلوم من موقف مركب ليس من الوجود وحده، بل من الوجود حال كونه مقدورا لنا، أو غير مقدور، فبحث الموجودات المقدورة لنا ينتظمها علوم خاصة بها، والموجودات غير المقدورة تبحثها علوم أخرى خاصة بها.
أما عن الجانب التطبيقى فيقول الفارابى: ((قصدنا فى هذا الكتاب (إحصاء العلوم) أن نحصى العلوم المشهورة علما علما، ونعرف جمل ما يشتمل عليه كل واحد منها، وأجزاء كل ما له أجزاء، وجمل ما فى كل واحد من أجزائه... وينتفع بما فى هذا الكتاب لأن الإنسان إذا أراد أن يتعلم علما من هذه العلوم وينظر فيه، علم على ماذا يقدم، وفيماذا ينظر، وأى شىء سيفيد بنظره، وما غناء ذلك، وأى فضيلة تنال به، ليكون إقدامه على ما يقدم عليه من العلوم على معرفة وبصيرة لا على عمى وغرر، وبهذا الكتاب يقدر الإنسان على أن يقايس بين العلوم، فيعلم أيها أفضل، وأيها أنفع، وأيها أتقن وأوثق وأقوى، وأيها أوهن وأوهى وأضعف، وينتفع به أيضا فى تكشيف من ادعى البصر بعلم من هذه العلوم ولم يكن كذلك... فلم يضطلع به (يعنى بمعرفة إحصاء العلوم) تَبَيَّنَ كذبُ دعواه وتَكَشَّف تمويهُه، وبه يتبين أيضا فيمن يحسن علما منها هل يحسن جميعه أو بعض أجزائه... وينتفع به المتأدب المتفنن الذى قصده أن يشدو جمل ما فى كل علم)) ([43]).
فالقصد المنهجى من وراء عمله (إحصاء العلوم) واضح للغاية، ويمكننا أن نضيف إلى ما قصده من فوائد منهجية تترتب على معرفة إحصاء العلوم: الثمرة المرجوة من ذلك فى مجال منهج التصنيف، حيث يساعد معرفة تصنيف العلوم – بحسب نظرية الفارابى بمعرفة علم علم، وما لكل علم من أجزاء، وجملة كل جزء – على تبلور منهج التصنيف فى أى علم منها، بمعرفة موضع العلم المراد من خريطة العلوم، ومعرفة خريطة الفارابى المقترحة لأجزاء هذا العلم، وجملة كل جزء، بما يمكن معه من تعديله بالإضافة والحذف، بحيث يأتى العمل شاملا ومحيطا بأجزاء العلم وجملتها.
وقد كان لتصنيف الفارابى للعلوم وإحصائها([44]) أثره الواسع فيمن بعده كالخوارزمى وابن سينا وأخوان الصفا والأكفانى وابن خلدون وطاش كبرى زاده، بل امتد أثره إلى المؤلفين والمصنِّفين من أهل القرون الوسطى فى العالم الغربى([45]).
ويمكن القول بأن المنهج العلمى عند الفارابى يقوم على أساس نظريته فى تصنيف العلوم، والتى تكمن فيها نظرته الكلية والشاملة للفلسفة كعلم كلى يرسم لنا صورة كاملة للكون فى مجموعه، ويقوم على أسس طبيعية ومعرفية وأخلاقية ودينية ثابتة، وليس مجرد تعداد للعلوم القائمة فى زمانه وإحصائها([46]).
أما العلم الذى ينبغى أن يبدأ به قبل تعلم الفلسفة عند الفارابى، فقد ذكر أن العلم الذى ينبغى أن يبدأ به قبل تعلم الفلسفة موضع خلاف بين الحكماء، فمنهم من يرون أنه علم الهندسة، ومنهم من يقولون علم إصلاح الأخلاق، ومنهم من يرون الابتداء بعلم الطبائع، ومنهم من يذكرون علم المنطق.
يقول الشيخ مصطفى عبد الرازق: وظاهر أن هذه العلوم التى دار عليها القول فى ما ينبغى أن يقدم قبل تعلم الفلسفة لا تكون أقساما من الفلسفة([47]).
ولا يخفى أنه على كل قول يكون سائر العلوم فى الأقوال الأخرى داخلة فى الفلسفة، ويخرج منها العلم الذى يبدأ به قبل تعلم الفلسفة، وهذه الفكرة عند اختبارها ستكون - فيما نظن - شديدة التأثير فى منهج التصنيف فى الفلسفة الإسلامية، فمن المفترض أن الفيلسوف يبنى مذهبه الفلسفى انطلاقا من عدة أمور أحدها ما هو: الذى قبل الفلسفة، وما هو الفلسفة.
لكن يذكر ظهير الدين البيهقى نصا مهما عن الفارابى أن ما ينبغى لمن أراد الشروع فى دراسة الفلسفة هو دراسة القرآن واللغة العربية والشريعة الإسلامية، يقول الفارابى: ((ينبغى لمن أراد الشروع فى علم الحكمة أن يكون شابا، صحيح المزاج متأدبا بآداب الأخيار، قد تعلم القرآن واللغة وعلم الشرع أولا، ويكون صينا عفيفا متحرجا صدوقا، معرضا عن الفسق والفجور والغدر والخيانة، والمكر والحيلة، ويكون فارغ البال عن مصالح معاشه، ويكون مقبلا على أداء الوظائف الشرعية، غير مخل بركن من أركان الشريعة، بل غير مخل بأدب من آداب السنة، ويكون معظما للعلم والعلماء، ولم يكن عنده لشىء قدر إلا العلم وأهله، ولا يتخذ علمه من جملة الحرف والمكاسب)) ([48]).
فهذه جملة من الآداب العامة لطالب الفلسفة يأتى ضمنها: أهمية دراسة القرآن الكريم واللغة العربية وعلم الشرع قبل الدخول فى الفلسفة، وهو ما يؤكد على الوجهة الإسلامية لفلسفة الفارابى، وأنه لا يقدم الفلسفة كبديل للعلوم الإسلامية، كما لا يقدم الأخلاق الفلسفية كبديل للأخلاق الإسلامية.
على أننا نجد الفارابى فى إحصاء العلوم يقسمه إلى خمسة فصول تحتوى على ثمانية علوم حيث يبدأ بعلم اللسان، فعلم المنطق، وعلم التعاليم، والعلم الطبيعى، والعلم الإلهى، والعلم المدنى، وعلم الفقه، وأخيرا علم الكلام، فقد قدم علم اللسان وفروعه وأعقبه بعلم المنطق، لأن علم اللسان عند كل أمة أداة لتصحيح ألفاظها وتقويم عبارتها، فوجب تقديمه على سائر العلوم، ثم إن علم اللسان مما لا يستغنى عنه فى دراسة أوائل صناعة المنطق، لأن موضوعات المنطق هى المعقولات من حيث تدل عليها الألفاظ، والألفاظ من حيث هى دالة على المعقولات([49]).
والفلسفة على الحقيقة هى القسم الإلهى عند الفارابى فى بعض كتبه، وإلى هذا ينحو الفارابى فى التعليقات إلى اعتبار الفلسفة على الحقيقة هى القسم الإلهى فيقول: الحكمة معرفة الوجود الحق، والوجود الحق هو واجب الوجود بذاته، والحكيم هو من عنده علم الواجب بذاته بالكمال، وما سوى الواجب بذاته ففى وجوده نقصان عن درجة الأولى بحسبه فإذن يكون ناقص الإدراك فلا حكيم إلا الأول، لأنه كامل المعرفة بذاته([50]).
هـ- التوفيق بين الفلسفة والدين عند الفارابى: الموقف التوفيقى بين الحكمة والشريعة وثيق الصلة بنظرية المعرفة لدى كل فيلسوف، وينطلق الفارابى([51]) أيضا فى محاولته التوفيقية من أساس الإيمان المطلق بوحدة الحق، وينتج عن هذا وحدة الفلسفة أولا، ثم التوفيق بين الدين والفلسفة على أساس أنهما مظهرين لحقيقة واحدة([52])، ولعل المنهج الكلى الذى يفيد العموم والشمول، وينطلق من رؤية تسقط الكثير من الاختلافات الجزئية فى سبيل رؤية الحقيقة التى تصدق فى كل زمان ومكان هو جوهر التوفيق عند الفارابى([53])، وليؤثر موقفه من هذه القضية تأثيرا مباشرا على التصنيف عنده لينتج لنا تحت تأثيرها أحد كتبه الشهيرة، وهو (الجمع بين رأيى الحكيمين أفلاطون وأرسطو)، وإذا كان هذا الكتاب – وقد اعتنى عامة الباحثين فى فلسفة الفارابى بنقد ما سقط فيه من أخطاء فى فهم مذهب أرسطو أوقعه فيها المترجمون كما سبقت الإشارة لذلك - يصور جهده وعمله العقلى فى الجمع بين الآراء الفلسفية على العموم، فإن كتابه الآخر (فصوص الحكم) يعطى المثل على توفيق الفارابى الخاص به، والذى يتميز عن طريقه عن أى فيلسوف إسلامى آخر، بحيث يبدو أن معنى الفلسفة هو معنى ما جاء فى الإسلام فى إطار فهمه الخاص لنص الإسلام، فالتوفيق عند الفارابى يأتى بمعنى الضم، والشرح بمعنى التأويل، وتأخذ القضية برمتها طابعا بسيطا أن الفلسفة والدين تعبيران عن معنى واحد([54]).
وإن كنا لسنا فى حاجة إلى الإشادة بالإبداع العقلى للفارابى فى هذا الصدد، حيث كانت محاولته المضنية فى سبيل التوفيق من حيث الإبداع الفلسفى أمرا يدعو إلى الإعجاب والتقدير، ولكن يرى بعض الباحثين أنه فى ميزان الحق من حيث هو حق أن هذه المحاولة غير حقيقية ولا صادقة لاعتمادها على آراء مقطوع الآن بنسبتها خطأ لأرسطو وهى فى الحقيقة لأفلوطين، فمحاولته للتوفيق بين الحكيمين غير موفقة، ولا يزال الخلاف قائما بين أفلاطون وأرسطو، ومن ثم لم يزل الخلاف بين الفلسفة والدين، فادعاء الفارابى وحدة الفلسفة لتصبح فى مستوى الحقيقة الواحدة، ولتمكن مقارنتها بالدين بعد ذلك ادعاء غير حقيقى، وقد عاد مجرد دعوى لا دليل عليها، ولو تنـزه الفارابى من نـزعة التقديس إزاء الفكر اليونانى لاستطاع أن يدرك زيف هذه الآراء على أرسطو، ولأدرك أن الخلاف بينه وبين أفلاطون حقيقى وواقع بالفعل، ولأدرك أيضا أن التوفيق بين الدين والفلسفة هو توفيق بين جانبين غير متكافئين([55])، وكان ينبغى عليه قبل أن يسعى إلى التوفيق أن يقيم الفلسفة الإغريقية تقييما موضوعيا قبل أن يحاول التوفيق بينها وبين الإسلام، إذ لو قيم هذه الفلسفة من الوجهة الموضوعية لانكشف له أنها وثنية – بحسب رأى الدكتور البهى - فى صورة عقلية غلفت بها([56]).
نعم لم تخل محاولة الفارابى – وإن لم يصاحبه التوفيق على ما يرى بعض الباحثين - من فكرة سليمة فى نفسها، وهى أن الحقيقة لا تخترع ولا تبتدع، وإنما يكشف عنها، وسبيل الكشف عنها ليس مقصورا على شخص معين بالذات، كما لم تخل محاولته من أصالة حيث انتهى به البحث إلى آراء خاصة به فى الفلسفة فسر على ضوئها كلام أفلاطون وكلام أرسطو([57]).
وفى الجهة المقابلة يقف بعض الباحثين – ونتفق فى الرأى معه – يرى أن القول بأن الفلسفة الإسلامية لا خلق فيها ولا إبداع أنه هذا وضع خاطئ للمشكلة من عقلية واحدية الطرف، هى العقلية الأوربية الاستشراقية أو امتداداتها فى أذهان الباحثين، وأن الجمع بين رأيى الحكيمين ليس خلطا بين أفلاطون وأرسطوطاليس، وليس جمعا لما لا يمكن الجمع بينهما يدل على سوء فهم كل منهما، واعتمادا على المؤلفات المنتحلة، لأن مهمة الفيلسوف المسلم لم تكن التحقق التاريخى، بقدر ما كانت التعامل مع الأفكار بصرف النظر عن قائلها، أى أن منهجه كان عقليا مثاليا، وليس تاريخيا استقصائيا، وما ظنه المستشرقون ومقلدوهم خطأ أنه توفيق قد يكون قمة الفكر بحثا عن الشامل، واتجاها إلى المحور، وإعادة التوازن بين أطراف الموقف الفلسفى، وتجاوزا لأحادية الطرف، فهدف الفارابى رفع الشك والارتياب عن تاريخ الفكر، وتصحيح الفهم الفلسفى ومعرفة الحقيقة، وهو هدف كل فيلسوف موضوعى محايد([58]).
لقد حاول الفارابى الكشف عن الجانب المنهجى فى المذاهب الفلسفية، وفى التأليف على أسس منهجية مقارنة، وهو أهم مميزات الباحث الأصيل([59]).
و- النـزعة الصوفية عند الفارابى: كان الفارابى – على ما يصفه المؤرخون - صوفيا فى قرارة نفسه، يعيش عيشة الزهد والتقشف ويميل إلى الوحدة والخلوة، وإذا كان الفارابى أول من صاغ الفلسفة الإسلامية فى ثوبها الكامل ووضع أصولها، ومن أهم أجزاء هذا المذهب نرى نظرية صوفية امتازت بها الفلسفة الإسلامية عن كثير من الفلسفات الأخرى، فالتصوف إذن قطعة من مذهب الفارابى الفلسفى، وله رباط وثيق يربطه بالنظريات الفارابية الأخرى نفسية كانت أو أخلاقية أو سياسية، وقد أثر هذا التصوف تأثيرا عميقا فيمن جاء بعد من فلاسفة الإسلام، ولعل أخص خصائص النظرية الصوفية عند الفارابى أنها قائمة على أساس عقلى، فليس تصوفه بالتصوف الروحى القائم على محاربة الجسم والبعد عن اللذات، بل هو تصوف نظرى يعتمد على الدراسة والتأمل([60]).
إن هذه الصورة عن فلسفة الفارابى نجد لها أثرها الواسع على مناهج التصنيف فى الفلسفة الإسلامية بداية من الفارابى فمن بعده، فقد نفذ – كما يقول البارون كارادى فو - تصوف الفارابى إلى كل شىء فى فلسفته، والتصوف يتخلل جميع مذهبه، والألفاظ الصوفية منتشرة فى كل ناحية من مؤلفاته، وعبارات الصوفية شائعة تقريبا فى كل أقواله، ونشعر جيدا أن التصوف ليس مجرد نظرية من النظريات اعتنقها بل حالا نفسية ذاتية([61])، فتصوف الفارابى – كما يقول الدكتور إبراهيم مدكور – يعبر عن عاطفة صادرة من القلب([62])، كما عنى الفارابى كل العناية بموضوع السعادة علما وعملا، فخصه بكتابين من كتبه شرح فيهما مختلف آرائه الصوفية، وبين الوسائل الموصلة إلى السعادة، وهما: (تحصيل السعادة)، وكتاب (التنبيه على السعادة)([63]).
ومما قاله الفارابى فى هذا الصدد: ((الروح القدسية لا تشغلها جهة تحت عن جهة فوق، ولا يستغرق الحس الظاهر حسها الباطن، وقد يتعدى تأثيرها من بدنها إلى أجسام العالم وما فيه، وتقبل المعلومات من الروح والملائكة بلا تعليم من الناس))([64]).
ونجد امتدادا لهذا التصوف فى النظريات الفلكية والميتافيزيقية عند الفارابى، والذى يتخيل نظاما فلكيا أساسه أن فى كل سماء قوة روحية أو عقلا مفارقا يشرف على حركتها ومختلف شئونها، وآخر هذه القوى هو العقل العاشر الموكل السماء الدنيا والعالم الأرضى، فهو نقطة اتصال بين العالمين العلوى والسفلى، وكلما اتسعت معلومات المرء اقترب من العالم العلوى ودنت روحه من مستوى العقول المفارقة، فإذا وصل إلى درجة العقل المستفاد أصبح أهلا لتقبل الأنوار الإلهية وأضحى على اتصال مباشر بالعقل العاشر...([65]).
ونظرية الفارابى الصوفية تصعد بجذورها إلى نصين لأرسطو عن الخير الأسمى ونظرية الاتصال والآخر عن وظيفة العقل الفعال، وكلا النصين أثر تأثيرا عميقا فى فلاسفة الإسلام وآرائهم الصوفية والنفسية، بالإضافة إلى أثر مدرسة الإسكندرية الفلسفية وخاصة كتاب الربوبية لأفلوطين، وبقدر تأثر هذه النظرية بميول الفارابى الشخصية وبقدر تأثرها بالبيئة الفكرية المحيطة حيث عاصر الفارابى أمثال الجنيد والحلاج والشبلى، فإن تكوينها العلمى يخضع لنظرية الخير الأسمى الأرسطية، ونظرية الجذب (الاكتساسيس) الأفلوطينية، فقد جمع الفارابى كل ذلك وأخرج منه نظرية فلسفية أثرت فيمن بعده. ومن جهة أخرى فإن النـزعة الروحية النامية والاتجاه الصوفى الواضح لدى الفارابى قد نفذا إلى أعماق المدرسة الفلسفية الإسلامية، وظهرا لدى فلاسفة الإسلام بدرجات متفاوتة([66]).
سنجد الأثر المباشر لهذه القضية – النـزعة الصوفية عند الفارابى – على مناهج التصنيف الفلسفية يظهر جليا فى الإشارات والتنبيهات، والذى يعد يتيمة العقد بين مؤلفات ابن سينا خليفة الفارابى الأعظم وشارحه الوفى، على ما سيأتى الحديث عنه بالتفصيل عند منهج التصنيف الفلسفى عند ابن سينا([67]).
ز- نظرة عامة على منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى: قدم لنا ابن صاعد – والذى كان يرى فى الفارابى أنه فيلسوف المسلمين بالحقيقة – تقويما عاما ومتميزا لمنهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى، حيث يقول: ((أخذ (يعنى الفارابى) صناعة المنطق عن يوحنا بن جيلانى... فبذ جميع أهل الإسلام فيها...: 1- فشرح غامضها، 2- وكشف سرها، 3- وقرب تناولها، 4- وجمع ما يحتاج إليه منها، 5- فى كتب صحيحة العبارة، 6- لطيفة الإشارة، 7- منبهة على ما أغفله الكندى وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعليم، 8- وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس، 9- وإفراد وجوه الانتفاع بها، 10- وعرف طرق استعمالها، 11- وكيف تُعْرَف صورة القياس فى كل مادة منها، 12- فجاءت كتبه فى ذلك الغاية الكافية، والنهاية الفاضلة)) ([68]).
وهكذا يمكننا من خلال تحليل عبارة ابن صاعد السابقة أن نقف على (12) فكرة مهمة قوَّم من خلالها ابنُ صاعد منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى والذى تمثله فى منطقياته.
ويكمل ابن صاعد ببراعته المعهودة وفى عبارات مختصرة تقويمه العام لبقية مؤلفات الفارابى فيقول: ((وله كتابه فى أغراض فلسفة أفلاطون وأرسطاطاليس يشهد له بالبراعة فى صناعة الفلسفة، والتحقق بفنون الحكمة، 1- وهو أكبر عون على تعلم طريق النظر وتعرف وجه النظر، 2- اطلع فيه على أسرار العلوم وثمارها علما علما، 3- وبيَّن كيفية التدرج من بعضها إلى بعض شيئا فشيئا. 4- ثم بدأ بفلسفة أفلاطون فعرف بغرضه منها وسمى تآليفه فيها، ثم أتبع ذلك فلسفة أرسطاطاليس، فقدم له مقدمة جليلة عرّف فيها بتدرجه إلى فلسفته، 5- ثم بدأ بوصف أغراضه فى تواليفه المنطقية والطبيعية كتابا كتابا، حتى انتهى به القول فى النسخة الواصلة إلينا إلى أول العلم الإلهى، والاستدلال بالعلم الطبيعى عليه. 6- فلا أعلم كتابا أجدى على طالب الفلسفة منه، 7- فإنه يعرف بالمعانى المشتركة لجميع العلوم، 8- والمعانى المختصة بعلم علم منها، 9- ولا سبيل إلى فهم معانى قاطاغورياس (= المقولات) وكيف هى الأوائل الموضوعة لجميع العلوم إلا منه، 10- ثم له بعد هذا فى العلم الإلهى وفى العلم المدنى كتابان لا نظير لهما، أحدهما المعروف بالسياسة المدنية، والآخر المعروف بالسيرة الفاضلة، عرف فيهما بجمل عظيمة من العلم الإلهى على مذهب أرسطاطاليس فى المبادئ الستة الروحانية، وكيف تؤخذ عنها الجواهر الجسمية على ما هى عليه من النظام، واتصال الحكمة، وعرف فيها بمراتب الإنسان وقواه النفسانية، وفرق بين الوحى والفلسفة، ووصف أصناف المدن الفاضلة وغير الفاضلة، واحتياج المدينة إلى السير الملائكية والنواميس النبوية...)) ([69]).
لكن مع هذا فهناك مساحة من الاستقلال عن أرسطو نجدها واضحة عند الفارابى، فقد كتب مثلا عددا من الرسائل فى صناعة المنطق بالإضافة إلى رسالة طويلة عن الصناعة كلها، لكن لا يمكننا أن نعتبر أن كتابات الفارابى تفسيرات أو شروح لأرسطو بالمعنى الحرفى، وإنما هى شرح لأفكاره، وبيان للمعنى اللائق لقول أرسطو وإن خالف ما يقول به المفسرون الآخرون. كما أنه خالف أرسطو فى ترتيب فنون صناعة المنطق، فبينما تأتى المقولات أولا عند أرسطو، جعلها الفارابى القسم الرابع، وقد قدم لذلك بالقول فى الأقاويل التى بها يسهل الشروع فى صناعة المنطق، وذلك من خلال رسالتين أولهما فى صناعة المنطق وعلاقتها بالصنائع الأخرى، والثانية فى فحص معانى الألفاظ والاصطلاحات المستعملة فى المنطق، كما أنه جعل إيساغوجى مدخلا للمنطق، ويرى أن إصلاحه يعد من الضروريات، ومن جهة أخرى نراه يغير ترتيب نص أرسطو ويعدل فى نصوصه، ويخرج كثيرا عن مذهب أرسطو المحدد، فقد حذف الفارابى مثلا من كتاب المقولات القول فى الأسماء المتفقة والمتواطئة والمشتقة، وهى الأقوال التى بدأ بها أرسطو كتابه. كما أضاف الكلام بالتفصيل عن الفرق بين الجوهر والعرض، وعن الأسباب الضرورية، وعن الفرق بين المعقول والمقول طبقا لقواعد المنطق، وعن التباين بين الحمول على الطريق الطبيعى، والمحمول على الطريق غير الطبيعى، وبينما تعرض أرسطو فقط للمقولات الخاصة بالجوهر والكم والإضافة والكيفية فقط، فإن الفارابى فصّل القول فى كل المقولات العشر. وأخيرا فقراءة رسالة الفارابى تفيد دارس المنطق – بصفة عامة لا خصوص مذهب أرسطو - فائدة كبرى حيث يعرض بوضوح شديد للمفاهيم الأساسية المستعملة فى المناقشات المتقدمة للمنطق([70]).
وختاما فقد كان الفارابى فيلسوفا مسلما بأجمل ما لهذه الكلمة من معان، رجل جمع بين مزيتين: الإخلاص للفلسفة، والإيمان بالدين، وبهاتين المزيتين حاول أن يوفق بين لغتين: لغة العقل ولغة القلب، وهما عنده مفهومتان ضروريتان للإنسانية التى تريد أن تتخطى نفسها ساعية إلى الكمال، وكأن الفارابى قد جاء إلى العالم ليؤدى رسالة جليلة خلاصتها أن الفلسفة والدين هما المعين الصافى للحياة الروحية، التى بها يكون المجتمع الإنسانى فاضلا([71]).
ورغم ما تقدم فإن عقلية مثل عقلية الفارابى لا ينتهى عجبنا من عدم التفاتها إلى ما فى نظريته عن الفيض من تناقض ذاتى، وضعف تفسيره لكيفية صدور الكثرة عن الواحد، الذى استشكل صدوره عن الواجب الوجود الأول، ومنحه للعقل العاشر، وحديثه عن الكواكب والأفلاك وعقولها([72]).
ح- ملاحظات حول منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى: وفى ضوء ما سبق يمكننا رصد العديد من الملاحظات التى تساعدنا على ترسُّم منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى، فمن ذلك:
1) يرى الفارابى أن حد الفلسفة وماهيتها: ((أنها العلم بالموجودات بما هى موجودة... حتى إنه لا يوجد شىء من موجودات العالم إلا وللفلسفة فيه مدخل... فإن المقسّم يروم أن لا يشذ عنه شىء موجود من الموجودات... ومن تدرب فى علم المنطق وأحكم علم الآداب الخلقية، ثم شرع فى الطبيعيات والإلهيات، ودرس كتب هذين الحكيمين يتبين له مصداق ما أقوله حيث يجدهما قد قصدا تدوين العلوم بموجودات العالم، واجتهدا فى إيضاح أحوالها على ما هى عليه، من غير قصد منهما لاختراع وإغراب وإبداع وزخرفة وتشوق...)) ([73])، ويرتب على ذلك الحد جوهر مذهبه الفلسفى القائم على التوفيق، حيث لا يصح أن يقع الخلاف فى الفلسفة لأنها مجرد إدراك للموجود بما هو موجود، وبنى على ذلك محاولته فى الجمع بين رأيى الحكيمين، والطابع التوفيقى الذى يسرى فى فلسفته كلها. ولا يدرى الباحث – كوجهة نظر شخصية - كيف غفل الفارابى عن المغالطة التى اشتمل عليها كلامه، لأن كون الفلسفة العلم بالموجودات بما هى موجودة لا ينفى وقوع الاختلاف ناتج عن وقوع الخطأ فى إدراك الموجود، فكون الموجود هو هو (بفرض عدم تغيره) لا يعنى أننا كلنا سندركه إدراكا واحدا صحيحا لا خلاف فيه ولا خطأ، كما يدخل الاختلاف من جهة أخرى بعدم التنبه إلى اختلاف وتعرض للتغير والفساد، فربما أدركه فيلسوف على حال غير التى أدركه عليه الآخر، فيختلفان دون أن ينتبها إلى وجه الاختلاف، إلى غير ذلك، من ثم فإن الفلسفة لا تعدو أن تكون محاولة إدراك الموجودات بما هى موجودة.
2) يمكننا القول أن الفارابى فى كتابه تحصيل السعادة قد قدم لنا طرحا واضحا لمنهج التصنيف الفلسفى عنده، والكتاب كله لا يعدو أن يكون كلاما فى منهج التصنيف، فهو لم يتناول قضايا فلسفية، ولم يقدم نظريات فى الفلسفة بقدر ما قدم منهجا فى التصنيف فى الفلسفة، وجعل الكتاب كله كالتمهيد للبدء فى التصنيف فى الفلسفة كما وعد فى خاتمته، وبين صدر الكتاب الذى بدأه بطرح أساس التصنيف وخاتمته التى يصرح بعزمه على التصنيف فى ضوء منهجه يطرح الفارابى منهجا كاملا فى التصنيف الفلسفى، يقول الفارابى فى صدر الرسالة: ((الأشياء الإنسانية التى إذا حصلت فى الأمم وفى أهل المدن، حصلت لهم بها السعادة الدنيا فى الحياة الأولى، والسعادة القصوى فى الحياة الأخرى: أربعة أجناس: الفضائل النظرية، والفضائل الفكرية، والفضائل الخلقية، والصناعات العملية، فالفضائل النظرية...))([74])، ثم أخذ فى بيان ذلك وكيفية تفرع علوم الفلسفة من أنواع هذه الفضائل الأربعة حتى يصل إلى خاتمة الرسالة فيقول: ((والفلسفة التى هذه صفتها إنما تأدت إلينا من اليونانيين عن أفلاطن وأرسطوطاليس... ونحن نبتدئ أولا بذكر فلسفة أفلاطن، ثم نرتب شيئا فشيئا من فلسفته حتى نأتى على آخرها، ونفعل مثل ذلك فى الفلسفة التى أعطاناها أرسطوطاليس...)) ([75])، ومن خلال ذلك يتبين كيف يبدأ النظر الفلسفى – ومن ثم التصنيف الفلسفى – حتى تترتب العلوم الفلسفية من العلوم المنطقية والعلم الطبيعى وما بعد الطبيعى والعلم الإنسانى والعلم المدنى....
3) كما يمكننا اعتبار مقالته (الإبانة عن غرض أرسطوطاليس فى كتاب ما بعد الطبيعة)([76])، هى حديث مباشر فى منهج التصنيف فى علم ما بعد الطبيعة خاصة، والعلوم الفلسفية عامة، فقد اهتم فيه الفارابى ببيان الغرض من هذا العلم، والفرق بينه وبين التوحيد حيث اختلط غرضهما فى أذهان بعض الناس، واعتنى الفارابى بعد ذلك بتقسيم العلوم إلى علم جزئى وعلم كلى، وأن العلم الكلى لا يمكن – بحسب نظريته - أن يتعدد، وضبطها بما يوضحها ويساعد على التصنيف فيها دون أن تختلط بغيرها، ويأتى بعد ذلك بيان كامل لخطة تصنيف أرسطو لعلم ما بعد الطبيعة.
4) وقد اهتم الفارابى اهتمام خاصا بالمنهج (بمعنى جملة الوسائل المحددة التى توصل إلى غاية معينة)، وأدرك ضرورته قبل البدء فى أية محاولة علمية أو فلسفية، ولذا جاء مذهبه متسقا ومحكم الترابط، لأنه أسس على قواعد منهجية محددة، وليس على مجرد الفروض والاحتمالات([77])، ومن هنا كان اهتمامه الواضح بالمنطق وبتصنيف العلوم.
5) ويحاول الفارابى أن يقدم فلسفته من خلال منهج كلى، ينطلق من رؤية شاملة تسقط الكثير من الاختلافات الجزئية فى سبيل رؤية الحقيقة التى تصدق فى كل زمان ومكان، وربما كان هذا هو جوهر التوفيق عنده، فالتوفيق عنده عملية إبداعية أصيلة، وليس مجرد مزج تعسفى للأفكار والموضوعات([78])، وهذا المنهج الكلى يشيع فى مصنَّفات الفارابى، ويمثل إطارا عاما لمنهجه فى التصنيف، فمن خلال ذلك المنهج الكلى ينطلق الفارابى فى محاولته لإحصاء العلوم، ويحاول دراسة المدن الفاضلة ومضادتها على سبيل الحصر، وهكذا تتحكم الرؤية الكلية أو محاولته الدؤوب للوصول إليها فى منهجه فى التصنيف. بل ربما نجده – كما لاحظ بعض الباحثين - يبحث عن أصول موضوع ما ومنهجه فى مؤلف مستقل، ويتناوله بعد ذلك فى ضوء هذه الأصول والمنهج الذى فحصه، وهو ما قام به الفارابى فى كتابه (الملة) حيث بحث فى الأصول التى بنى عليها تركيب المدينة الفاضلة والسياسة المدنية، وبحث المنهج الذى استخدمه فى هذين الكتابين([79]).
6) والغاية من الفلسفة تمثل أحد أسس منهج التصنيف الفلسفى، حيث تتحكم الغاية فى توجيه خطة التصنيف، وغاية الفلسفة عند الفارابى ((معرفة الخالق تعالى وأنه واحد غير متحرك، وأنه العلة الفاعلة لجميع الأشياء، وأنه المرتب لهذا العالم بجوده وحكمته وعدله))، ويترتب على هذه الغاية عند الفارابى أن ((الأعمال التى يعملها الفيلسوف هى التشبه بالخالق بمقدار طاقة الإنسان)) ([80])، ومن الجلى أن الفلسفة التى تبنى على أن غايتها هى معرفة الخالق، سيكون منهج التصنيف فيها وترتيب موضوعاتها وطبيعة هذه الموضوعات نفسها مختلفة عن الفلسفة التى غايتها مادية محضة، أو لا تؤمن بوجود إله أصلا.
7) اعتنى الفارابى بمحاولة تصنيف العلوم وإحصائها، انطلاقا من إدراكه لأهمية هذا التصنيف وصلته بالمنهج العلمى([81])، وقد تقدم الحديث عن ذلك تحت عنوان مستقل([82])، وبناء عليه فيمكن القول بأن الفارابى جعل تصنيف العلوم أداة منهجية أساسية فى التمييز بين العلوم، وتحصيلها، والحكم على مدى صدق من ادعاها، ويمكننا أن نضيف أيضا أنه أداة أساسية أيضا فى التصنيف فى علم من هذه العلوم أيضا، بحيث يدرك من خلال هذا التصنيف فضيلة العلم المقدم عليه، وأجزاءه التى ينبغى أن يحيط بها فى تصنيفه، وجمل ما فى كل واحد من أجزائه كما يقول الفارابى([83]).
8) يؤكد الفارابى على تميز كل صنف من أصناف الصنائع الفلسفية بأسئلة خاصة بها، تميز بالتالى أجوبتها موضوع كل صنعة عن أختها فيقول: ((كل صناعة من الصنائع القياسية الخمس فيها ضرب أو ضروب من السؤال الخاص بها، ففى الفلسفة سؤال برهانى، وفى الجدل سؤال جدلى، وفى السفسطة سؤال سوفسطائى، وفى الخطابة سؤال خطبى، وفى الشعر سؤال شعرى، والسؤال الذى فى كل صناعة هو على نوع ونحو وبحال ما على غير ما هو عليه فى الأخرى، وللسؤال فى كل صناعة أمكنة أن ينجح فيها، وأمكنة لا ينجح فيها، فلذلك إنما يصير ذلك السؤال نافعا وفى تلك الصناعة متى استعمل فى الأمكنة التى فيها ينجح، وعلى النحو الذى ينجح...)) ([84]).
9) الطابع العام لفلسفة الفارابى هو الطابع الإنسانى، وقد أثر ذلك بشكل واضح فى منهجه فى التصنيف الفلسفى، بحيث لا يخلو فيها باب واحد من اهتمام بالإنسان أو تحليل لسلوكه ومعاشه وعلاقته بالأغيار، بل إن آراء الفارابى الرئيسية فى مختلف فروع الفلسفة نجدها متضمنة فى كتبه الإنسانية، فآراؤه فى الله وصفاته والكون وصدوره معروضة فى كتبه السياسية مثل (آراء أهل المدينة الفاضلة) ([85])، و(السياسة المدنية)، وآراؤه فى تصنيف العلوم وإحصاؤها موجودة فى كتب الأخلاقية كـ (تحصيل السعادة – والتنبيه على أسباب السعادة)، زد على ذلك غزارة المؤلفات التى خصصها الفارابى للإنسان، لا كحقيقة فردية مقصورة على بحث مشكلة النفس وارتقائها فى سلم المعرفة فحسب – كما فعل سائر الفلاسفة – بل كحقيقة اجتماعية تبحث عن علاقته بالآخرين([86]).
10) لا يعتنى الفارابى فى بعض الأحيان بكتابة مقدمة لعمله توضح مقصوده أو منهجه بل يشرع مباشرة فى المقصود، وهو ما نجده مثلا فى كتابه العبارة بعد البسملة: ((القول فى بارى أرمينياس وهو القول فى العبارة. الألفاظ الدالة منها مفردة تدل على معانى مفردة ومنها مركبة...)) ([87])، ومثله فى كتاب الخطابة والذى صدره بتعريفها فقال: ((الخطابة صناعة قياسية غرضها الإقناع فى جميع الأجناس العشرة...)) ([88])، على أننا نجده يقدم لكتابه الجمع بين رأيى الحكيمين بمقدمة مختصرة يذكر فيها مشكلة البحث وخلاصة رأيه فيها والذى سيدلل عليه بالتفصيل فى ثنايا الكتاب([89])، وربما وجدنا فى بعض كتب الفارابى ما يشبه خطة البحث فى مفهومنا المعاصر، وخير مثال على ذلك كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة)، والذى نجد فى أوله: ((اختصار الأبواب التى فى كتاب المدينة الفاضلة تأليف أبى نصر... الفارابى))، يختصر فى عبارات موجزة أهم مسائل الكتاب نحو: ((القول فى الشىء الذى ينبغى أن يعتقد فيه أنه هو الله تعالى، ما هو، وكيف هو، وبماذا ينبغى أن يوصف، وبأى وجه هو سبب سائر الموجودات، وكيف تحدث عنه، وكيف يفعلها، وكيف هى مرتبطة به، وكيف يعرف ويعقل، وبأى الأسماء ينبغى أن يسمى، وعلى ماذا ينبغى أن يدل منه بتلك الأسماء. القول فى الموجودات التى ينبغى أن يعتقد فيها أنها هى ملائكة...)) وهكذا يمضى من فقرة إلى أخرى يصدرها بلفظة: القول فى كذا وكذا، حتى يأتى على آخر مباحث الكتاب. والظاهر أن هذا الاختصار قديم لوقوعه فى الأصول الخطية للكتاب، كما يظهر من فروق النسخ([90])، ويحتمل أن يكون الفارابى قد عمله بنفسه أو عمله أحد تلامذته محافظا على عبارات الأصل، إلا أن الظاهر أنه عمل مستقل عن الكتاب نفسه([91])، والذى يبدأ بالبسملة، ثم عبارة: ((هذا كتاب ألفه أبو النصر الفارابى فى مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة)) ([92]).
11) ورغم هذا فإن الفارابى على المستوى النظرى – لا التطبيقى العملى - يؤكد على أهمية المقدمة، ويحدد لنا ما ينبغى أن يذكر فيها، وذلك فى ثنايا كتابه الألفاظ المستعملة فى المنطق، فيقول بعد أن يذكر العديد من التمهيدات والقواعد المهمة فى تعلم المنطق: ((وبعد هذا ينبغى أن نعدِّد الأمور التى ينبغى أن يعرفها المتعلم فى افتتاح كل كتاب... وهى: غرض الكتاب، ومنفعته، وقسمته، ونسبته، ومرتبته، وعنوانه، واسم واضعه، ونحو التعليم الذى استعمل فيه، ويعنى بالغرض الأمور التى قصد تعريفها فى الكتاب، ومنفعته هى منفعة ما عُرف من الكتاب فى شىء آخر خارج عن ذلك الكتاب، ويُعنى بقسمته عدد أجزاء الكتاب، مقالات كانت أو فصولا أو غير ذلك مما يليق أن يؤخذ ألقابا لأجزاء الكتاب من فنون أو أبواب أو ما أشبه ذلك، وتعريف ما فى كل جزء منه، ونسبة الكتاب يعنى بها تعريف الكتاب من أى صناعة هو، والمرتبة يعنى بها مرتبة الكتاب من تلك الصناعة أى مرتبة هى، هل هو جزء أول فى تلك الصناعة أو أوسط أو أخير أو فى مرتبة منها أخرى. وعنوانه هو: معنى اسم الكتاب. وأما اسم واضع الكتاب فمعناه بين... وكل واحد من هذه متى عرف كان له غناء فى تعليم ما فى الكتاب...))، ثم يفسر لنا الفارابى السبب الذى جعله يهمل عمليا مراعاة هذا الذى أكد على أهميته نظريا فيقول: ((ومعرفة غنائها (يعنى هذه الأشياء السابق ذكرها) فليس تعدمها فى تفاسير الحدث (=المصنِّفين المعاصرين له) فإن عناية أكثرهم مصروفة إلى التكثير بأمثال هذه الأشياء، ونحن فقد خلينا أمثال هذه الأشياء لهم، وأرسطاطاليس والقدماء من شيعته يستعملون من هذه الأشياء فى افتتاح كل كتاب مقدار الحاجة وربما لم يستعملوا منها شيئا أصلا، وفى أكثر الكتب فلا يكاد أرسططاليس يخل بمعظم ما يحتاج إليه من هذه، وذلك هو الغرض والمنفعة، وكثيرا ما يذكر النسبة والمرتبة، وربما ذكر معها نحو التعليم الذى يستعمله فى الكتاب...)) ([93])، وهذا يفسر لنا سبب إهماله للمقدمات عمليا.
12) على أنه ربما بدا لنا أن الفارابى يتعامل مع كتبه جميعا كأنها كتاب واحد أو سلسلة واحدة، وما ينبغى أن يذكره فى مقدمة كتاب قد يجعله فى خواتيم الكتاب السابق عليها بحسب الترتيب الصناعى له، ونظن أنه يقصد بذلك حمل الطالب حملا على أن يتعلم على أنحاء التعليم الصحيحة، ويأخذ فى التلقى بناء على الترتيب الصناعى، ولا يشرع فى جزء من العلم قبل الفراغ مما قبله، بحيث لا يبدو كل كتاب كوحدة مستقلة مقطوعة الصلة بما قبله وما بعده، إلا لمن بدأ بكتاب من أثناء العلم بغير ترتيب، فلا يجد مقدمة ترشده، ومن أمثلة ذلك كتابه الألفاظ المستعملة فى المنطق يقول الفارابى بعد أن ينتهى مما كان فيه: ((وقصدنا الآن الشروع فى صناعة المنطق، فينبغى النظر فى هذه الصناعة بما قد قيل إن العادة قد جرت أن يفتتح به فى كل كتاب)) ثم أفاض فى بيان الغرض من صناعة المنطق، ومنفعتها، وعدد أجزائها، ونسبتها، ومرتبتها، والمنشىء لها ([94])، وبما يصلح أن يكون مقدمة لرسالة فى علم المنطق، لكنه يذكرها فى خواتيم رسالة هى نفسها كالتوطئة لعلم المنطق، أما كتبه المنطقية نفسها كالعبارة والخطابة التى بين أيدينا، فتبدأ بلا مقدمة.
13) فالفارابى وإن لم تطرد عنايته بمقدمة توضيحية، فإن بعض كتبه لا تخلو من خاتمة توضح موضع الكتاب الذى يتناوله من خريطة العلم الذى هو فيه، تجعله كالتوطئة أو المقدمة للكتاب التالى له فى خريطة العلم، فمثلا فى خاتمة كتاب الألفاظ المستعملة فى المنطق يورد نصا طويلا عما ينبغى أن يفتتح النظر به فى صناعة المنطق ويختمه بقوله: ((فقد أتى هذا القول على الأقاويل التى بها يسهل الشروع فى صناعة المنطق، فينبغى الآن أن نشرع فيها، ونبتدئ بالنظر فى الكتاب الذى يشتمل على أول أجزاء هذه الصناعة وهو كتاب المقولات))([95])، وهو ما نجده أيضا فى خاتمة كتابه التنبيه على سبيل السعادة فيقول منبها على كيفية تحصيل الصناعة المنطقية وأهمية علم النحو لتحصيلها: ((ولما كانت صناعة النحو هى التى تشتمل على أصناف الألفاظ الدالة وجب أن تكون صناعة النحو لها غناء ما فى الوقوف والتنبيه على أوائل هذه الصناعة، فلذلك ينبغى أن نأخذ من صناعة النحو مقدار الكفاية... ومن سلك غير هذا المسلك فقد أغفل أو أهمل الترتيب الصناعى، ونحن إذا كان قصدنا أن نلزم فيه الترتيب الذى توجبه الصناعة فقد ينبغى أن نفتتح كتابا من كتب الأوائل التى بها سهل الشروع فى هذه الصناعة بتعديد أصناف الألفاظ الدالة فيجب أن نبتدئ فيه ونجعله تاليا لهذا الكتاب)) ([96])، وكذلك فى خاتمة تحصيل السعادة يقول: ((والفلسفة التى هذه صفتها إنما تأدت إلينا من اليونانيين عن أفلاطن وأرسطوطاليس... ونحن نبتدئ أولا بذكر فلسفة أفلاطن، ثم نرتب شيئا فشيئا من فلسفته حتى نأتى على آخرها، ونفعل مثل ذلك فى الفلسفة التى أعطاناها أرسطوطاليس...))([97])، فكأن الفارابى – كما قلنا - يتعامل مع كتبه جميعا كأنها كتاب واحد أو سلسلة واحدة، وما ينبغى أن يذكره فى مقدمة كتاب قد يجعله فى خواتيم الكتاب السابق عليها بحسب الترتيب الصناعى له، حملا للطالب على أن يتعلم على أنحاء التعليم الصحيحة، ويأخذ فى التلقى بناء على الترتيب الصناعى، ولا يشرع فى جزء من العلم قبل الفراغ مما قبله.
14) والنصوص السابقة للفارابى تعطينا قاعدة أخرى هامة من قواعد منهج التصنيف عند الفارابى، وهى: مراعاة الترتيب الصناعى، ليس فقط فى تحصيل العلم وطلبه. إن حرص الفارابى الشديد على مراعاة ذلك جعله لا يضع المقدمات فى مواضعه المعتادة كما تقدم إيضاحه، ولكن أيضا فى التصنيف فيه، فالفارابى تحكمه هذه القاعدة (مراعاة الترتيب الصناعى) فى ترتيب أجزاء الصناعة، وترتيب التأليف فيها بحسب ما يقتضيه منطق كل صناعة من الصناعات الفلسفية، بحيث يأتى تصنيفه فيها مرتبا متفقا مع ما ينبغى مراعاته.
15) ومن الممكن أن نربط هذه القاعدة السابقة بقاعدة أخرى يقررها الفارابى وهى مراعاة (أنحاء التعليم)، والتى يقصد بها الفارابى ثلاثة أحوال للمتعلم على المعلم – بله المصنِّف – أن يراعى حصولها للطالب: ((أحدها: أن يتصور ذلك الشىء ويفهم معنى ما سمعه (أو قرأه) من المعلم، وهو المعنى الذى قصده المعلم (والمصنِّف) بالقول. والثانى: أن يقع له التصديق بوجود ما تصوره أو فهمه عن لفظ المعلم. والثالث: حفظ ما قد تصوره ووقع له التصديق به. وهذه الثلاثة التى لا بد منها فى كل شىء يتعلَّم بقول... وأنحاء التعليم تختلف بحسب اختلاف الأمور التى تستعمل فى التعليم... وهذه الأمور كثيرة: منها استعمال الألفاظ الدالة على الشىء، وحدّ الشىء، وأجزاء حده، وجزئياته، وكلياته، ورسوم الشىء، وخواصه، وأعراضه، وشبيه الشىء، ومقابله، والقسمة والمثال، والاستقراء، والقياس، ووضع الشىء بحذاء العين، وهذه كلها ما عدا القياس فتنفع فى تسهيل الفهم والتصور، وأما القياس فإن شأنه أن يوقع التصديق بالشىء فقط...)) ([98])، وكل هذه الأمور على المصنِّف – كما على المعلِّم – أن يراعيها حتى يسهل الفهم والتصور والتصديق للمعانى التى يقصدها بالتصنيف.
16) ربما أورد الفارابى المباحث المقصودة إيرادا دون أن يشير إلى مصدره فيها، فمثلا نجده لا يصرح بالإشارة إلى أرسطو فى كتاب العبارة إلا فى موضعين، كما لا يشير إلى غيره من الفلاسفة إلا نادرا فقد أشار إلى الإسكندر مرة واحدة فى كتابه هذا([99])، وربما عرض لآراء القدماء، واعتنى بالتأريخ لتطور الفكر الفلسفى وتراكمه حول القضايا التى يتناولها([100]).
17) يميل أسلوب الفارابى أحيانا كثيرة إلى السهولة فى العبارة، وسلاسة الفكر، والانتقال بين أفكار الموضوع فى سهولة ويسر، كما نرى ذلك فى كتبه كالعبارة والخطابة والتنبيه على سبيل السعادة، والألفاظ المستعملة فى المنطق مثلا، ((والحق أن أسلوب الفارابى فى الكتابة فيه وضوح وإشراق، وهو من نوع السهل الممتنع، فلم يجنح فيه نحو التراكيب اللغوية الصعبة، والصيغ المعقدة، وإذا بدا أن فيه صعوبة أو غموضا فى بعض الأحيان فما هو إلا من تعقد الموضوعات نفسها، بحيث يصبح التعبير عنها بلغة جزلة سهلة فيه شىء من الصعوبة)) ([101])، وهذا هو الأمر الظاهر من مطالعة مصنَّفات الفارابى، ومن ثم فلسنا نوافق أ/د وافى على رأيه حين يقول: ((ولغة الفارابى فى هذا الكتاب (المدينة الفاضلة) كلغته فى جميع كتابه لغة معقدة ركيكة تبين بصعوبة عما يقصده)) ([102]).
18) كما أن أسلوب الفارابى فى أحيان أخرى يميل إلى أن يكون دقيقا مركزا، ليس فيه تكرار ولا ترادف، وهو يعتنى باللفظ والعبارة، ويعطى أغزر المعانى فى جمل مختصرة، وهو شغوف بالمتقابلات، فعندما تخطر له فكرة لا بد أن يذكر مقابلها، كما نراه فى رسالة ((فى جواب مسائل سئل عنها))، كما يتمتع أسلوبه بالمرور على الأمور التى يفترض أنها معروفة دون أن يطيل فى شرحها، ولا تستوقفه الموضوعات العادية، لكنه عند الحديث عن أساس نظرية ما يجلى ما غمض، ويدلى فيه برأيه، كما نراه فى رسالة ((فى أغراض الحكيم فى كل مقالة من الكتاب الموسوم بالحروف)) ([103]).
19) لكنه فى كل الأحوال سواء أخذ بجانب السهولة والوضوح أو بجانب الدقة والتركيز، يسعى إلى جلاء المعانى جلاء تاما([104])، وواقعة ابن سينا المشهورة تؤكد على هذه السمة فى المنهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى، ففى القصة المشهورة التى يحكيها ابن سينا عن نفسه أنه طالع كتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطو أكثر من أربعين مرة، ولم يفهمه، حتى يأس من ذلك، ثم وقع له كتاب الفارابى (فى أغراض ما بعد الطبيعة) فلما قرأه فتح له ما كان مغلقا، واتضح ما كان مغمضا، وصارت تنكشف له معان هذا العلم انكشافا([105]).
20) ومن خصائص منهج التصنيف عند الفارابى: الجمع، والتعميم، والترتيب، والتأليف، والتحليل، والتركيب، والتفريع، والتركيز، كل ذلك يعتبر خاصة من خصائص الفارابى، وهدف من أهدافه فى التصنيف، وخير شاهد على ذلك رسالته المسماة ((ما ينبغى أن يقدم قبل تعلم الفلسفة)) ([106])، وهى تسعة أشياء أخذت عن أرسطو نفسه كما يصرح بذلك الفارابى: 1- أسماء الفرق التى كانت فى الفلسفة. 2- معرفة غرضه فى كل واحد من كتبه. 3- المعرفة بالعلم الذى ينبغى أن يبدأ به فى تعلم الفلسفة. 4- معرفة الغاية التى يقصد إليها تعلم الفلسفة. 5- معرفة السبيل التى يقصد إليها من أراد الفلسفة. 6- المعرفة بنوع كلام أرسطو كيف يستعمله فى كل واحد من كتبه. 7- معرفة السبب الذى دعا أرسطو إلى استعمال الإغماض فى كتبه. 8- معرفة الحال التى يجب أن يكون عليها الرجل الذى يوجد عنده علم الفلسفة. 9- الأشياء التى يحتاج إليها من أراد تعلم كتب أرسطو([107])، ثم أخذ الفارابى فى بقية الرسالة يتكلم عن هذه التسع بالتفصيل. كما لا يخفى فإن هذه الأمور التسع، كما ينبغى على طالب الفلسفة تعلمها، فينبغى على المصنِّف فى الفلسفة – بحسب نظرية الفارابى - أن يراعيها أيضا، حتى يأتى تصنيفه فيها موافقا للخطة التى وضعها الفارابى لما ينبغى أن يقدم قبل تعلم الفلسفة.
21) يعتنى الفارابى ببيان مصطلحه([108]) وشرح مراده به، وهو ما نجد واضحا فى كتابيه العبارة والخطابة مثلا، ((وقد توسع الفارابى فى هذا كل التوسع، وكأنما أحس بأن البحث الفلسفى فى الإسلام فى حاجة ماسة إلى توضيح معالمه وشرح مصطلحاته... وعناية الفارابى بالمصطلح الفلسفى كبيرة، تفوق دون نـزاع عناية زملائه الآخرين من المشائين العرب، وأهّله لذلك تمكنه من العربية وعلومها... والفارابى فوق هذا كله منطقى، بل المنطقى العربى الأول، والمنطق يعنى بالوضوح والدقة، وصلته باللغة وثيقة، ومن أبوابه مبحث فى الألفاظ ودلالتها... وقد الفارابى (مجاراة لأرسطو) كتاب الألفاظ المستعملة فى المنطق وعرض فيه للكلى والجزئى، وللعام والخاص، وللجنس والنوع...، ووضع أيضا كتاب الحروف وهو من أكبر مصنَّفاته الفلسفية التى وصلت إلينا، ومن أشدها عناية بالمصطلح الفلسفى([109])، وحاول خاصة أن يدرس المصطلح الفلسفى دراسة موضوعية ولغوية فبين كيف نشأ وكيف تطور، وأعانه على ذلك فقهه اللغوى([110]) وإلمامه بعدة لغات)) ([111])، ويمكن القول بأن الفارابى له تأثير كبير فى تأسيس المصطلح الفلسفى العربى، ولهذا اعتنى بعض كبار الباحثين المعاصرين بعمل معجم للمصطلح الفلسفى عند الفارابى([112]).
22) يعى الفارابى بالعلوم الحضارية ومناهجها، وهو ما نجده فى حديثه عن نشأة العلم الفلسفية بنشأة الألفاظ عند الأمم، وذلك فى كتابه الحروف، حيث عاصر الفارابى هذه الفترة التى التقت فيها الحضارة الإسلامية الناشئة بالحضارة اليونانية، وقام بالحديث عن نشأة العلوم من خلال الألفاظ محللا ذاته، وواصفا تجاربه، فالحضارة لا تكشف عن نفسها إلا من خلال الوعى الفردى، فالحضارة وعى جماعى، والوعى الفردى وعى حضارى، فلم يكن مصادفة أن يأخذ الفارابى لقب المعلم الثانى، لأنه هو الذى قام بعمليات الفهم والتمثل، والاحتواء والعرض، ثم التقييم والنقد والإعادة، ثم الدراسة والتحليل والوصف للحقائق ذاتها بصرف النظر عن قائلها ومكتشفها([113]).
23) وكملاحظة عامة حول منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى: فإن للفارابى حوالى مائة مؤلف أو أكثر بقليل، والتأليف فيها يوازى نصفها تقريبا، وهذا يدل على أن الفارابى كان مؤلفا كما كان شارحا، وأن لقب المعلم الثانى لا يعنى فقط شارح أرسطو، بل يعنى أيضا أنه مؤلف مثل أرسطو، على أن المنطق فى الشروح الفارابية هو الغالب إذ يمثل حوالى نصف شروحه، فذلك لأن المنطق يحتوى على النظرية الخالصة والعقل النظرى، وهو ما يمكن للفارابى تحويله بسهولة إلى فكر نظرى عام يتجاوز حدودة اليونانية الأولى، ففى شروح الفارابى يأتى المنطق أولا من حيث الكم ثم السياسة ثم ما بعد الطبيعة، ثم الطبيعة فاللغة فالهندسة فالموسيقى([114])، بل يرى بعض الباحثين أن قيمة الفارابى الحقة تقوم على ما صنف لا على ما شرح([115])، ويذكر بعض الباحثين أنه من ((المعروف أن مشروع الفارابى الفلسفى قد مر فى مرحلتين زمنيتين، وقد تمثلت المرحلة الأولى فى الكتابات الفلسفية والمنطقية، عرضا وتلخيصا وشرحا، بينما تمثلت المرحلة الثانية والمتأخرة زمنا فى الكتابات الاجتماعية والسياسية ))([116])، وينتهى من محاولته للوصول لمؤلفات الفارابى الأخيرة والتى تتمثل فيها فلسفته وأفكاره النهائية إلى أنها: رسالة فى العقل (بعد 320 هـ) - إحصاء العلوم (أشار إليه فى التنبيه على سبيل السعادة) – آراء أهل المدينة الفاضلة (ابتدأ فيه قبل 330 هـ، وفرغ منه بمصر 337 هـ) السياسة المدنية (بدأه قبل سنة 330 هـ وأكمله بمصر سنة 337 هـ أيضا)– الملة (بعد سنة 331 هـ) – "فصول المدنى" أو "فصول منتزعة" (نشر تحت هذين العنوانين، ألفه فى مصر بين عامى 335 هـ: 337 هـ) – التنبيه على سبيل السعادة (ألفه بعد "فصول منتزعة"حيث نقل منه، وبعد هذه الكتب السابقة جميعا، ربما بين عامى 336 هـ: 338هـ)([117]).
24) لا يوجد عند الفارابى أسلوب واحد فى الشرح، فهناك الأسلوب الشائع بإعادة عرض المادة عرضا نظريا خالصا من أجل إطلاق المعانى، وهناك باقى الأساليب من المقالة والمختصر والتعليق والرسالة والإحصاء والصدر والفصل، وهى كلها تبين تعامل الفارابى مع المادة المعروضة أمامه واختلاف وسائله، فالفارابى يتعامل مع أرسطو إما شارحا لكتاب كما هو الحال فى (المقولات والعبارة)، أو مبينا قصد كتاب آخر، كما هو الحال فى (الإبانة عن غرض أرسطو طاليس فى كتاب ما بعد الطبيعة)، أو توضيح علم معين أو فرع من علم ما مثل (كتاب القياس أو الجدل)، أو عارضا مذهب أرسطو ككل إما من داخله أو من خارجه بمقارناته مع غيره داخل الفلسفة اليونانية([118]).
25) يستعمل الفارابى طريقة الشرح الكبير، والتى يسميها هو (على جهة التعليق) أى ذكر نص ثم التعليق عليه، وهى الطريقة التى استعملها ابن رشد أيضا فيما يسمى بالتفسير الكبير، وتدل هذه الطريقة على احترام نصوص القدماء، لا على تبعيتها وتقليدها وتقديسها، وهى طريقة تعلمها المسلمون من شروحهم للقرآن الكريم، كما تدل على التمايز الحضارى بين الموقفين، فالنص المشروح نص القدماء، والشرح هو نص جديد من حضارة أخرى تفهم وتفسر وتؤول وتتمثل، ثم تراجع وتعيد النظر وتكمل النقص، وتدل هذه الطريقة ثالثا على إمكانيات المقارنة والحكم بين النصين، حيث كثيرا ما يكون الشرح أقرب فهما من النص، وأكثر عقلانية، وأقرب إلى الصدق([119]). ويستعمل الفارابى الشرح بثلاثة مستويات: الشروح، والشروح الكبيرة، والشروح على جهة التعليق، كما يستعمل طريقة التلخيص بمستويات متعددة – صغير وأوسط وكبير – كما نجد عنده الحديث عن الجوامع، مما يعنى أن الفارابى لخص الكتب الأرسطية وخاصة المنطقية أو الكثير منها خمس مرات أو أكثر، ويميل الفارابى فى تلاخيصه الوسطى مثلا إلى طريقة الجوامع التى اتبعها ابن رشد، حيث لا يعطى شيئا من النص الأصلى، بل يبحث فى المواضيع التى يبحثها النص الأصلى بأسلوب جديد، يتوسع فى البحث فيه ويتعمق أكثر مما عمل فى الجوامع الصغيرة، على أن هذه المستويات هى مجرد احتمالات وفروض يمكن استنتاجها من كلام المؤرخين ومفهرسى كتبه، ولا يمكن التأكد منها قبل العثور على كتب الفارابى المفقودة ودراستها([120]).
26) تدل طريقة الفارابى فى الشرح على أن الغرض من الشرح تحويل النص الأرسطى إلى نظرية خالصة فى العقل، بصرف النظر عن بيئته الثقافية الأولى التى نشأ فيها، فهو يعرض للموضوعات وليس للنصوص، ويتناول المسائل وليس العبارات ويحول مقصد الكتاب إلى تحليل عقلى خالص، وينتقل من التاريخ إلى العقل، ومن تاريخ الفلسفة إلى الفلسفة العامة، ويسقط الفارابى كل التاريخ البيئى الخاص، ولا يبقى إلا النظرية العامة، وبالتالى تقوى براهنيه الداخلية عند الفارابى، وتكثر حججه العقلية، ويصبح واضحا بذاته، ويتحول إلى حكمة بعد أن كان تاريخا، ويصبح حقيقة بعد أن كان رأيا، فإذا كانت القسمة العقلية ناقصة كملت، وإذا كانت عامة فصلت، وإذا كانت مفصلة عمت، فالفارابى لا يشرح بمعنى أنه يتبع عبارة بعبارة، ولفظا بلفظ، بل إنه يحكم ويحذف ويضيف ويقابل اللغة العربية باللغة اليونانية، أى إنه شرح إيجابى يحقق ويدقق ومن ثم فهو تأليف غير مباشر، يغير الأمثلة إلى ما هو أشهر، ويحذف الزائد للتركيز على الجوهرى، ويعيد عرض موضوعاته بناء على أساليب اللغة العربية، ولا يقتصر الفارابى فى شرحه على الفقرة التى يشرحها، بل ينظر إلى العمل الواحد على أن له وحدة عضوية واحد ويضع نصب عينيه ما سبق وما سيلحق مبينا تلك الوحدة العضوية للعمل، بل ربما تخطى نظره إلى الأعمال الأخرى، مما يعنى أن وحدة المذهب هى التى نصب عينى الفارابى يحللها ويرجع عناصرها إلى مختلف الأعمال الأرسطية، وهو بصدد شرح عمل منها، حتى يبدو العمل الواحد كجزء من نسق كلى شامل هو المذهب الأرسطى، وهذا أقرب إلى إعادة البناء منه إلى الشرح، والبناء هو دخول المنطق والطبيعيات والإلهيات فى نسق فلسفى واحد هو نسق الفارابى، ويحاول إخضاع مؤلفات أرسطو طاليس نفسه إلى نسق عقلى واحد([121]).
27) يظهر بوضوح من خلال جوامع الفارابى الصغيرة أو التلخيص نوعية الحضارتين الإسلامية واليونانية فى مادة البحث وأمثلته سواء اللغوية أو الأدبية أو الدينية، فتظهر العربية فى مقابل اليونانية، ويظهر الأدب العربى فى مقابل اليونانى، تظهر العلوم الإسلامية فى مقابل اليونانية، مما يدل على أن الفارابى يتعامل مع المعانى، وليس مع النصوص، وأنه ليس مجرد شارح نص، بل هو عاقل معان، خاصة فى حضارة تعطى المعنى استقلالا عن اللفظ، فالفارابى لا يسير وراء أرسطو الحذو بالحذو، ولكنه يعرض لموضوعاته ومعانيه، ويتعامل معها ككليات وماهيات مستقلة عن عباراتها وألفاظها ومصطلحاتها وبيئاتها الخاصة التى منها صدرت، وهذا هو ما سمى بالجوامع الصغيرة أو التلخيص، ولم يكن تقليدا سبق الفارابى فى الأدب اليونانى والسريانى واستمر بعده فى الأدب العربى، بل كان ضرورة حضارية بيئية خاصة فى التعبير عن المعانى الكلية فيما وراء الألفاظ والعبارات، وما دام المعنى قد استقل عن اللفظ فإنه بالإمكان عمل تلخيص أصغر وأوسط وأكبر تبعا لمادة العرض وضرب الأمثلة، وليست طريقة التلخيص هى البحث فى مواضيع النص بأسلوب جديد، بل إعادة التعبير عن موضوع النص بعد أن يتحول إلى معنى عقلى خالص بلغة البيئة الحضارية الجديدة([122]).
28) لا يكتفى الفارابى بنصوص أرسطو، ولكنه يذهب لتأويلاتها المختلفة لدى الشراح سواء أجمعوا عليه أم اختلفوا فيه، سواء ما فهموه أو ما أساءوا فهمه، ويقف الفارابى حكما بين الجميع، فيخطئ الشراح فى معرفة قصد أرسطو، ويصحح مزاعمهم، ويكشف أخطاءهم ويبين أسبابها، والفارابى فى وسط كل هذا على وعى عميق بأن الفكر يتكون من اللفظ والمعنى والشىء، وأن الشراح وإن استعملوا ألفاظا متباينة قد تتفق أو تختلف، ولكنها لا تؤثر كلها فى المعانى ذاتها، فالمهم هو المسميات لا الأسماء، بل إنه فصل بين معانى أرسطو نفسه وألفاظه، فالشروح للألفاظ من أجل توضيح المعانى، ولهذا فالأمثلة التى يستعملها أرسطو ليست هى الحقائق بل يمكن ضرب أمثلة أخرى لتوضيح نفس الحقائق، ويعيب الفارابى على الشراح عدم دخولهم فى الذهن الأرسطى ([123]).
29) يؤكد الفارابى على أهمية معرفة قوانين كل صناعة، وأن كل صناعة إنما تكون كذلك بقوانينها الكلية، ومن هنا لا بد على كل مصنِّف أن يعتنى عناية تامة بالقوانين الكلية، يقول الفارابى: ((والقوانين فى كل صناعة أقاويل كلية، أى جامعة، ينحصر فى كل واحد منها أشياء كثيرة مما تشتمل عليه تلك الصناعة وحدها حتى يأتى على جميع الأشياء التى هى موضوعة للصناعة أو على أكثرها، وتكون معدة إما ليحاط بها ما هو من تلك الصناعة، لئلا يدخل فيها ما ليس منها، أو يشذ عنها ما هو منها، وإما ليمتحن بها ما لا يؤمن أن يكون قد غلط فيه غالط، وإما ليسهل بها تعلم ما تحتوى عليه الصناعة وحفظها، والأشياء المفردة الكثيرة إنما تصير صنائع أو فى صنائع بأن تحصر فى قوانين تحصل فى نفس الإنسان على ترتيب معلوم)) ([124])، ونستخلص من ذلك: أن العناية بالقوانين الكلية أحد الأسس المهمة فى منهج التصنيف عند الفارابى، وبالقوانين الكلية تتحول المفردات الجزئية الكثيرة إلى صنائع كاملة، ومسلك الفارابى فى كتابه العظيم إحصاء العلوم يضع أيدينا بوضوح وبصورة تطبيقية على تلك الفكرة، حيث يحاول الفارابى دائما أن يعطى فى كل صناعة أو علم وقف عليه القوانين الكلية التى تحكمه والتى صار بها صناعة([125]).
30) ويقدم الفارابى من خلال فكرة القوانين الكلية الخطوط العريضة لمنهج تصنيف فى العلوم الفلسفية وغيرها التى شملها كتابه إحصاء العلوم، فمنهج التصنيف فى العلم الطبيعى مثلا يعتمد على أنه علم ينظر فى الأجسام الطبيعية وفى الأعراض التى قوامها فى هذه الأجسام، ويعرف الأشياء التى عنها والتى بها والتى لها توجد هذه الأجسام والأعراض التى قوامها فيها، والأجسام منها صناعية ومنها طبيعية، وحال الأجسام الطبيعية فى هذه الأمور (كالغاية والغرض والعرض والمادة والفاعل والمكون) كالأجسام الصناعية، ومواد الأجسام وصورها وفاعلها والغايات التى لأجلها وجدت تسمى مبادئ الأجسام، وإن كانت لأعراض الأجسام تسمى مبادئ الأعراض التى فى الأجسام، والعلم الطبيعى يعرف من كل جسم طبيعى مادته وصورته وفاعله والغاية التى لأجلها وجد ذلك الجسم، وكذلك فى أعراضها، والأجسام الطبيعية منها بسيطة ومنها مركبة، فالبسيطة هى الأجسام التى وجودها لا عن أجسام أخر غيرها، والمركبة هى التى وجودها عن أجسام أخر، وبناء على هذا ينقسم العلم الطبيعى ثمانية أجزاء عظمى: 1- الفحص عما تشترك فيه الأجسام الطبيعية كلها البسيطة والمركبة. 2- الفحص عن الأجسام البسيطة والاسطقسات، هل هى موجودة، وإن كانت موجودة فأى أجسام هى.... 3- الفحص عن كون الأجسام الطبيعية وفسادها. 4- الفحص عن مبادئ الأعراض والانفعالات التى تخص الاسطقسات وحدها. 5- النظر فى الأجسام المركبة من الاسطقسات، وتنقسم إلى متشابهة الأجزاء ومختلفتها. 6- النظر فيما تشترك فيه الأجسام المركبة والمتشابهة الأجزاء. 7 – النظر فيما يشترك فيه أنواع النبات من الأجسام المركبة المختلفة الأجزاء. 8 – النظر فيما يشترك فيه أنواع الحيوان من الأجسام المركبة المختلفة الأجزاء([126]). وهكذا أعطانا الفارابى منهجا متكاملا للتصنيف فى العلم الطبيعى، والذى عرضنا له كنموذج فحسب([127])، وقد حاول الفارابى القيام بالأمر نفسه بطول كتابه إحصاء العلوم وعرضه فى كل ما عرض له من علوم سواء أكانت فلسفية أو غيرها.
31) ويقوم منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى على محاولة الوصول إلى الموضوعية، فهو قبل أن يخوض فى أى مشكلة فلسفية يرسم الطرق، ويحدد الأهداف، ويضع جميع الاحتمالات الممكنة، ويرجع إلى آراء السابقين والمعاصرين له، ولا يصدر رأيه إلا بعد أن يكون قد أوسع الفكرة بحثا وتحليلا، ورسالته المسماة (ما ينبغى أن يقدم قبل تعلم الفلسفة) أشبه ما تكون بفهرس مقسم مبوب لعرض المدارس الفلسفية اليونانية، حتى يكون دارس الفلسفة على بينة من أمره قبل أن يخوض فيها([128]).
32) ويتنوع المنهج الجدلى الذى يستخدمه الفارابى بتنوع الموضوع، فنستطيع أن نميز استخدامه لمنهج (الجدل النازل) بشكل خاص فى الإلهيات، ومنهج (الجدل الصاعد) بشكل خاص فى الإنسان والمجتمع، وتكاد فلسفة الفارابى أن تكون حوارا مستمرا بين الاثنين، وسعيا دءوبا للتقريب بين ما هو مفارق وما هو إنسانى، ففى كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة) يستعمل الجدل النازل، حيث يبدأ من الموجود الأول ثم فى صدور الموجودات عنه، ويستمر فى النـزول بشكل تدريجى، ويقرر الفارابى هذا المنهج الجدلى بقوله: ((لك أن تلحظ عالم الخلق فترى فيه أمارات الصنعة، ولك أن تعرض عنه وتلحظ عالم الوجود المحض، وتعلم أنه لا بد من وجود بالذات، وتعلم كيف ينبغى أن يكون عليه الوجود بالذات، فإن اعتبرت عالم الخالق فأنت صاعد، وإن اعتبرت عالم الوجود المحض فأنت نازل)) ([129])، ونلاحظ أنه بنى أبواب كتابه هكذا بناء على الجدل النازل، فأتى ترتيب أبوابه على النحو التالى: 1- القول فى الموجود الأول. 2 – القول فى نفى الشريك عنه تعالى. 3- القول فى نفى الضد عنه. 4- القول فى نفى الحد عنه سبحانه. 5- القول فى أن وحدته عين ذاته، وأنه تعالى عالم حكيم وأنه حق وحىٌّ. 6- القول فى عظمته وجلاله ومجده تعالى. 7- القول فى كيفية صدور جميع الموجودات عنه. 8- القول فى مراتب الموجودات. 9- القول فى الأسماء التى ينبغى أن يسمى بها الأول تعالى مجده. ومن الأبواب 10: 19 يبدأ النـزول إلى الكلام فى الموجودات فيتكلم فى الموجودات الثوانى، والمادة والصور، وما تشترك فيه الأجسام، والحركة، والأحوال، والأسباب، ومراتب الحدوث، وتعاقب الصور على الهيولى. وبداية من الباب (20: 25) ينـزل الكلام إلى النفس، فيتكلم فى أجزاء النفس البشرية وقواها، ثم أخيرا ينـزل بداية من الباب (26) إلى الباب الأخير (37) فى بيان احتياج الإنسان إلى الاجتماع، وما هى المدينة الفاضلة ومضاداتها. وهكذا يتضح لنا من خلال هذا المثال أثرا جليا للمنهج الجدلى عند الفارابى وتجليه على منهج التصنيف الفلسفى عنده، حيث انبنى عليه خطة التصنيف فى كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة).
33) يمتاز الفارابى بالإلمام، ليس فقط بتخصصه الدقيق الفلسفة، ولكن بمعارف عصره عامة، سواء اللغوية أو الشرعية، ((ويدل كتابه هذا (يعنى إحصاء العلوم) على مدى تمكنه من مختلف فروع المعرفة السائدة فى عصره، فقد عرض كل فرع من هذه الفروع عرض الخبير بحقائقه، الملم بما وصل إليه الباحثون فى مختلف مسائله)) ([130]).
34) تعرض الفارابى فى الجمع بين رأيى الحكيمين إلى المقارنة بين موقف أفلاطون وأرسطو من التدوين([131])، ومن الواضح من خلال هذا النص وعى الفارابى العميق بمشكلات منهج التصنيف، ووقوفه الدقيق على مناحيه، ووجوه التصرف فيه.
35) يرى الفارابى فى منهجه فى التصنيف أن الأقاويل المشهورة لا داعى لذكرها استغناء بشهرتها، والأهم هو منهج تناولها والتعامل الصحيح معها، وفى ذلك يقول: ((ومن ذلك الصور والمثل التى تنسب إلى أفلاطون وأرسطو على خلاف رأيه فيهما... وبين ما يلزمها من الشناعات... ينطق بها فى تلك الأقاويل ما يطول بذكرها هذا القول، وقد استغنينا لشهرتها عن الإعادة، مثل ما فعلنا بسائر الأقاويل حيث أومأنا إليها وإلى أماكنها وخلينا ذكرها بالنظر فيها والتأويل لها لمن يلتمسها من مواضعها، فإن الغرض المقصود من مقالتنا هذه إيضاح الطرق التى إذا سلكها طالب الحق لم يضل فيها، وأمكنه الوقوف على حقيقة المراد بأقاويل هذين الحكيمين من غير أن ينحرف عن سواء السبيل إلى ما تخيله الألفاظ المشكلة))([132])، ويؤكد الفارابى على أن المقصود المعانى وحقائق المذاهب، دون الألفاظ ولهذا يوجه نصيحته لطالب الحق أن ((لا يتبع الألفاظ متابعة تامة)) ([133]).
36) ومن الملاحظات المهمة حول منهج التصنيف الفلسفى عند الفارابى هو تناوله لبعض الموضوعات فى أكثر من كتاب بصورة شديدة التقارب وربما التكرار أيضا، كما نراه فى كتبه: التنبيه على سبيل السعادة – تحصيل السعادة – السياسة المدنية، وكما نراه بين بعض فقرات كتابيه الملة، وإحصاء العلوم([134])، وربما رجع ذلك إلى كونها رسائل أرسل بها إلى بعض أصحابه، فيكرر فيها الموضوع بحسب السؤال، وبغض النظر عن كونه سبق فى موضع آخر، حتى تحصل الفائدة للسائل.
37) وقد يكون مدخله فى تناول الموضوعات الفلسفية مدخلا لغويا، وقد فعل هذا فى كتابه الحروف، فأتى الباب الأول – بحسب تقسيم المحقق – فى الحروف وأسماء المقولات، من خلال (18) فصلا تتناول: حرف إن – متى – وجعل الكلام عليهما مدخلا للكلام عن الموضوعات الفلسفية التالية: المقولات – المعقولات الثوانى – الموضوعات الأول للصنائع والعلوم، ثم انتقل بعد ذلك إلى أشكال الألفاظ وتصريفها تناولا فلسفيا لهذه الظواهر اللغوية، ومنها انتقل إلى الكلام على النسبة والإضافة وأنواعها، فى الفلسفة واللغة، ويربط ذلك بالكلام عن الحرف (أين)، ويتناول العلاقة بين النسبة والمقولات، ليعود مرة أخرى إلى بعض مباحث المقولات فيتحدث عن العرض والجوهر، ويفضى به ذلك إلى الكلام عن الذات والفرق بينه وبين الجوهر، وعن الموجود، وعن عملية الاصطلاح من خلال تحليل لغوى وفلسفى شيق لكيفية اشتقاق مصطلح الهوية، وعن الشىء، والمقصود بـ (الذى من أجله)، ثم يتكلم عن الحرف (عن) وبه يختم الباب الأول. أما الباب الثانى – بحسب عنونة المحقق – فعن حدوث الألفاظ والفلسفة والملة وصناعة الكلام والفقه، وحدوث الحروف، وأصل اللغة، وكيفية تطورها، ونشأة الألفاظ والأساليب الخطابية والأشعار، وحدوث الصنائع العملية ثم الصنائع القياسية حتى تكتمل الفلسفة. أما الباب الثالث – بحسب المحقق – فتناول فيه الفارابى حروف السؤال حرفا حرفا وماذا يسأل عنه فى اللغة عن الجواهر أو الأعراض أو المقولات، منبها على مفهوم كل ذلك فلسفيا، وتناول فيه أنواع المخاطبات تناولا فلسفيا، موضحا السؤالات التى تطلب بها المطلوبات فى الصناعات الفلسفية والمنطقية، وحروفها اللغوية.
38) وختاما فإن الفارابى مع كل ما تقدم عن منهجه فى التصنيف الفلسفى، فإن من من أروع كتبه الفلسفية – فى رأينا - هو كتابه التعليقات، والذى كتبه بطريقة الكناش، أو المنتخبات والمختارات، وضمنه خلاصة فكره الفلسفى، فى صورة فقرات قصيرة تبدأ بقوله قال، ولا يجمعها ترتيب ظاهر إلا أنها فى مجال الفلسفة والحكمة تبدأ بالموجودات وصدروها عن ذاته تعالى، وتتنوع بعد ذلك بالكلام عن واجب الوجود، وقوى النفس، ونظرية المعرفة، وحقائق الأشياء، والحدود، فى عبارات رشيقة موجزة حاسمة تذكرنا بالقواعد الأصولية، يذكر فيها خلاصة موقفه الفلسفة من القضية التى يتناولها، ورغم أن الكتاب لا تشمله وحدة موضوعية ظاهرة، إلا أن ذلك يجعل القارئ فى حالة توهج واشتياق دائم للقاعدة التالية التى لا يتوقع موضوعها، دون أن يتسلل السأم إلى نفسه.
39) وعلى النهج نفسه صار الفارابى فى كتاب (النكت فيما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم)، وهو وإن كان موضوعا بالأصالة فى علم النجوم، إلا أنه مزدخر بشتى أنواع الحكم والنظرات العميقة فى النفس البشرية والكون ونظرية المعرفة ومنهج البحث، وغير ذلك، وقد ابتدأه الفارابى بفائدة فى فضيلة العلوم والصناعات بأى أمر تكون، ومن لطائف ما ذكر كلامه على ضرورة وجود الأمور الاتفاقية (الصدف) وأنه لولاها لاختل نظام العالم: ((لو لم يكن فى العالم أمور اتفاقية ليس لها أسباب معلومة لارتفع الخوف والرجاء، وإذا ارتفعا لم يوجد فى الأمور الإنسانية نظام إلبتة لا فى الشرعيات، ولا فى السياسيات؛ لأنه لولا الخوف والرجاء لما اكتسب أحد شيئا لغده، ولما أطاع مرءوس لرئيسه، ولما عنى رئيس بمرءوسه، ولما أحسن إلى غيره، ولما أطيع الله، ولما قدم معروف، إذ الذى يعلم أن جميع ما هو كائن فى غد لا محالة على ما سيكون ثم سعى سعيا فهو عابث أحمق يتكلم بما يعلم أنه لا ينتفع به)) ([135])، وهكذا يمضى الفارابى فى نكته تلك، مدليا بخبرته، وهذه النكت – البالغ عددها ثلاثون - فى جميعها تعتبر انتقادا منهجيا لهذا علم، فتلك النكتة السابق ذكرها عن الأمور الاتفاقية تعبر عن هذا النقد المنهجى لموضوع علم النجوم القائم على معرفة الحوادث والنوازل عن طريق حساب النجوم، فانتقد ذلك بأنه يعنى أنه لا يمكن ألا توجد أمور اتفاقية (تكون كذلك بالنسبة لنا) وإلا اختل نظام العالم، فماذا يجدى إذن علم النجوم، وفى نكتة أخرى ينتقد دعوى أن علم النجوم مبنى على التجارب الصادقة، فينتقد هذا بأنه بفرض تسليمه فإن الخبرة المبنية على التجارب الصادقة لا تفيد فى كل الأحيان فيقول: ((التجارب إنما تنفع فى الأمور الممكنة على الأكثر، فأما الممكنة فى الندرة، والممكنة على التساوى فإنه لا منفعة للتجربة فيها، وكذلك الروية وأخذ التأهب والاستعداد إنما ينتفع بها فى الممكن على الأكثر لا غيره، وأما الضروريات والممتنعات فظاهر من أمرهما أن الروية والاستعداد والتأهب والتجربة لا تستعمل فيهما، وكل من قصد لذلك فهو غير صحيح العقل، وأما الحزم فقد ينتفع به فى الأمور الممكنة فى الندرة والتى على التساوى)) ([136])، ويمكن من خلال تحليل هذه النكت استكشاف طرفا من الموقف النقدى عند الفارابى، وهو منهج قائم على الفهم العميق لأسباب الظواهر العلمية، واحتياجات البحث، والبنية العلمية للعلم، والغرض والغاية من ورائه، والتفريق بين ما يصلح للتعميم وما يبقى على خصوصه، والنظرة العميقة للفرق بين الأشياء والتمييز بين خواصها المؤثرة فيها وفى أحكامها([137]).
40) وتابع نهجه هذا فى كتابه فصوص الحكمة الذى يتناول فى أغلبه موضوعات من العلم الإلهى أو علم ما بعد الطبيعة، فى صورة نكات علمية أو قواعد علمية منثورة يترجم لكل منها بقوله (فص)، والفص الأول يتكلم فى الفرق بين الماهية والهوية، ويترك الفصوص يفضى بعضها إلى بعض عن الماهية، لينتقل بعد ذلك إلى الكلام فى الوجود ووجوبه، ثم صفات واجب الوجود، ثم فى النفس وقواها ونظرية المعرفة، والملائكة، كل منها فى عدة فصوص يسلم بعضها إلى بعض فى سلاسة ويسر، لكن أيضا فى عمق وتقديم لخلاصة الفكر الفلسفى، وفص الشىء – كما يقول الشنب غازانى – ((عبارة عن خلاصة الشىء، وزبدته، ولما كانت المباحث المذكورة فى هذه الرسالة عين الحكمة وخلاصة مسائلها، عنون كل طائفة مخصوصة منها بالفص ليشعر فى أول الأمر بجلالة مكانتها، نفاسة شأنها، حتى يرغب الطالبون فى تحصيلها رغبة كاملة)) ([138]).
41) لقد استعمل الفارابى إذن هذا النوع من منهج التصنيف فى عدة كتب له، تمتاز رغم عدم اتخاذها أيا من مناهج التصنيف الفلسفى السابقة عند الفارابى بالعمق والأهمية فى التعبير عن المذهب الفلسفى عند الفارابى، وكأنه الجهد الذى كان يستفرغه فى صناعة التأليف والتصنيف اتجه به بكليته إلى تعميق الأفكار، بحيث استوعب جمام جهده فيها دون أن يبقى شيئا للتصنيف، لكن يغطى على ذلك الأهمية التى اكتساها الكلام، بحيث تشفع لغياب التصنيف المنطقى الصارم، وتصير ذات منطق خاص بها سنجد روحه كثيرا بعد إشراقا وتصوفا.

([1])وللاستزادة بخصوص الفارابى وفلسفته وأهم أفكاره وآرائه راجع: - ابن صاعد، طبقات الأمم (ص 72 – 74). - ظهير الدين البيهقى، تاريخ حكماء الإسلام، (ص 30 - 35). - ابن أبى أصيبعة، طبقات الأطباء، (ص 603 - 609). - دى بور، تاريخ الفلسفة فى الإسلام، مع تعليقات د/ أبى ريدة (ص 192 - 237). - أ/ سعيد زايد، الفارابى، وهى دراسة قيمة موجزة عن الفارابى. - أ/د عثمان أمين، مقدمة تحقيقه لكتاب (إحصاء العلوم للفارابى)، وفيها دراسة ضافية عن أثر هذا الكتاب ومنهجه (ص 7 - 50). - د/ إبراهيم مدكور، فى الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه، (1/35 – 45، 69 - 99، 2/80 – 82، 144-145). - أ/د محمد البهى، الجانب الإلهى من التفكير الإسلامى، (ص 267 - 320). – أ/د محسن مهدى، مقدماته الضافية لتحقيقاته بعض نصوص الفارابى مثل: الألفاظ المستعملة فى المنطق، الحروف، الواحد والوحدة، كتاب الملة ونصوص أخرى. – أ/د ألبير نصرى نادر، مقدماته لتحقيق بعض نصوص الفارابى مثل آراء أهل المدينة الفاضلة، والجمع بين رأيى الحكيمين، وفيها معلومات تاريخية مهمة عنها ومقدمة تحليلية لكل كتاب منها. - أ/د محمد كمال إبراهيم جعفر، تأملات فى الفكر الإسلامى، (ص 299- 344). - أ/د عاطف العراقى، ثورة العقل فى الفلسفة العربية، (ص 81 - 118). - أ/د محمد الأنور السنهوتى، أ/د عبد الحميد مدكور (بالاشتراك)، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (ص 159 - 179). - أ/د محمد على أبو ريان، تاريخ الفكر الإسلامى، (ص 325 – 362)، وله أيضا دراسة نشرت فى الكتاب نفسه كملحق (ص 509 - 533) بعنوان: دراسة تحليلية مقارنة بين المنطق والنحو ورأى الفارابى فيها. - أ/د عبد الحليم محمود، التفكير الفلسفى فى الإسلام، (ص 236 - 263). - د/ محمد سليم سالم، ومقدمات تحقيقه لبعض مؤلفات الفارابى مثل كتاب العبارة، والخطابة. – أ/د جعفر آل ياسين ومقدمات أعماله عن الفارابى، مثل: الفارابى فى حدوده ورسومه، ومقدمة تحقيقه لرسالتى: مقالة فيما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم – جوابات لمسائل سئل عنها، للفارابى. - أ/د على عبد الواحد وافى، المدينة الفاضلة للفارابى. – وحول نفس الموضوع (المدينة الفاضلة) دَارَ عملُ فاروق سعد (مع الفارابى والمدن الفاضلة)، مع التعريف بالفارابى وبمؤلفاته، وعرض للمدن الفاضلة عند الآخرين. - أ/د عبد الفتاح الفاوى (بالاشتراك)، فى الفلسفة الإسلامية – أعلامها ومعالمها، (ص 188 - 212). - تشارلس بترورث، مقدمة تحقيقه لتلخيص كتاب المقولات لابن رشد، (ص 22 - 25) وفيه ملاحظات قيمة حول مؤلفات الفارابى المنطقية مقارنة بمؤلفات ابن رشد. - د/ ألفت كمال الروبى، نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين – من الكندى حتى ابن رشد. - أ/د ماجد فخرى، مقدمة تحقيق كتاب ابن باجه، تعاليق على منطق الفارابى، (ص 7-20) وفيها مقارنات موجزة قيمة عن منطق الفارابى وابن باجه، وعن موقف الفارابى من ترتيب الصناعة المنطقية وموضع علم المقولات، وتعليق ابن باجه على ذلك. - مجموعة من كبار الباحثين، الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية لوفاته 950 م، تصدير د/ إبراهيم مدكور، ويشمل تسعة بحوث مهمة حول فلسفة الفارابى تناولت فى الباب الأول منهجه، وفى الثانى آراءه، وفى الثالث أثره، من خلال تسعة فصول، فى كل فصل بحث. – أ/د سحبان خليفات، دراسته القيمة للفارابى ولكتابه التنبيه على سبيل السعادة، والتى جعلها مقدمة لتحقيق الكتاب، ووقف فيها عند مصادر الفارابى وأثره فيمن بعده، وأهمية هذا النص باعتباره من أواخر ما ألف الفارابى وغير ذلك من القضايا (ص 5 – 176). – أ/د زينب عفيفى، فلسفة اللغة عند الفارابى. - د/ مصطفى سيد أحمد صقر، نظرية الدولة عند الفارابى – دراسة تحليلية تأصيلية لفلسفة الفارابى السياسية. - د/ منير سغبينى، نظرية الفضيلة عند الفارابى. - د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى. - موزة أحمد رشد العبار، البعد الأخلاقى للفكر السياسى الإسلامى عند الفارابى والماوردى وابن تيمية – دراسة تحليلية نقدية فى فلسفة السياسة، وما يخص الفارابى منه (ص 181– 218). أ/د يمنى طريف الخولى، من منظور فلسفة العلوم: الطبيعيات فى علم الكلام من الماضى إلى المستقبل، (ص 106 - 109) وتشمل إشارة مهمة عن فلسفته الطبيعية. - عبد المنعم حمادة، من رواد الفلسفة الإسلامية، (ص 115-168).
([2]) أ/د على عبد الواحد وافى، المدينة الفاضلة للفارابى، (ص 11).
([3]) ابن صاعد، طبقات الأمم (ص 72).
([4]) أ/د محمد على أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفى فى الإسلام، (ص 328).
([5]) أ/د أحمد الطيب، الجانب النقدى فى فلسفة أبى البركات البغدادى، (ص 64).
([6]) ضمن مجموع نصوص لم تنشر متعلقة بتاريخ التصوف فى بلاد الإسلام، لماسنيون. نقلا عن:.
([7]) أ/د أبو ريان، تاريخ الفكر الإسلامى، (ص 329).
([8]) أ/د عبد الحليم محمود، التفكير الفلسفى فى الإسلام، (ص 247).
([9]) د/ منير سغبينى، نظرية الفضيلة عند الفارابى، (ص 118 - 119) باختصار وتصرف. وانظر أيضا بخصوص الفلسفة الفيضية عند الفارابى: أ/د ألبير نصرى نادر، مقدمة تحقيق (كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة) للفارابى، (ص 17 - 22).
([10]) انظر هنا: (ص 146).
([11]) اعتنت أ/د فوقية حسين، ببيان جوانب أصالته فى مقالة (الفارابى بين الإيجاد والإبداع)، ضمن كتاب (مقالات فى أصالة المفكر المسلم)، (ص 98 - 135).
([12]) أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 67).
([13]) أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 69).
([14])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 76، 79، 80)، بتصرف واسع، وقد ذكر فى الهوامش العديد من نصوص الفارابى المؤيدة لذلك، والنصان المذكوران منقول من كتاب العبارة (ص 117)، مقالة فى قوانين صناعة الشعراء (ص 194، مؤلفات الفارابى ج2).
([15])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 95 - 98) باختصار وتصرف.
([16]) أ/د زينب عفيفى، فلسفة اللغة عند الفارابى، (ص 44).
([17])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 80 - 81) باختصار وتصرف، وقد ذكر شواهد عدة لذلك من نصوص الفارابى.
([18]) أ/د محسن مهدى، مقدمة تحقيق الحروف للفارابى، (ص 27).
([19]) أ/د زينب عفيفى، فلسفة اللغة عند الفارابى، (ص 45، 68)، وللتوسع راجع: المصدر نفسه (ص 37 – 94).
([20]) انظر بخصوص هذا: الفارابى، إحصاء العلوم، (ص 57 - 66).
([21])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 88 - 89) باختصار وتصرف.
([22]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 8). وكمثال انظر تأثير كتابه (الواحد والوحدة) فيمن بعده كالتوحيدى وابن باجه وابن رشد: أ/د محسن مهدى، مقدمة تحقيق كتاب الواحد والوحدة للفارابى، (ص 19، 22).
([23]) الفارابى، الحروف، (ص 151 - 152).
([24]) أ/د أبو ريدة، تعليقاته على كتاب دى بور، تاريخ الفلسفة فى الإسلام، (ص 237).
([25]) الفارابى، التنبيه على سبيل السعادة، (ص 177 – 184، 222 – 226، 232) باختصار واسع وإضافات يسيرة بين الأقوس للتوضيح. وانظر بخصوص هذه القضية: مصطفى الشيخ مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، (ص52-53)، ومقدمة أ/د سحبان خليفات لتحقيقه للكتاب، (ص 167 – 168).
([26]) الفارابى، التعليقات، (ص 4 - 5).
([27]) الفارابى، التعليقات، (ص 13).
([28]) الفارابى، التعليقات، (ص 9).
([29]) الفارابى، التعليقات، (ص 12).
([30]) الفارابى، النواميس، (ص 54)، نقلا عن: أ/د جعفر آل ياسين، الفارابى فى حدوده ورسومه، (ص 185).
([31]) الفارابى، التعليقات، (ص 11).
([32]) الفارابى، الحروف، (ص 25).
([33]) انظر هنا: (ص 233).
([34]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 127 - 128)، ولمزيد من التوسع حول نظرية المعرفة عند الفارابى: راجع المصدر نفسه (ص 128 - 207)، مع المقارنة مع غيره من الفلاسفة.
([35]) الفارابى، التعليقات (ص 3-5) باختصار، وانظر: د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 128).
([36]) ابن صاعد، طبقات الأمم (ص 73).
([37]) د/ عثمان أمين، مقدمة تحقيقه لإحصاء العلوم للفارابى، (ص 8).
([38]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 36).
([39]) أ/د حامد طاهر، مدخل إلى علم المنهج (ص 144).
([40])انظر: د/ عثمان أمين، مقدمة تحقيقه لإحصاء العلوم للفارابى، (ص 16).
([41]) د/ عثمان أمين، مقدمة تحقيقه لإحصاء العلوم للفارابى، (ص 16 - 17).
([42]) السيد إسماعيل الحسينى الشنب غازانى، شرح فصوص الحكمة، ط طهران (ص 7).
([43]) الفارابى، إحصاء العلوم، (ص 53 – 55).
([44]) لمزيد من التوسع بالتحليل والمقارنة والنقد لنظرية تصنيف العلوم عند الفارابى راجع: أ/د حامد طاهر، مدخل إلى علم المنهج (ص 144 - 184).
([45]) راجع بخصوص ذلك: د/ عثمان أمين، مقدمة تحقيقه لإحصاء العلوم للفارابى، (ص 19 - 28).
([46]) للتوسع حول هذه الفكرة: د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 35 - 45).
([47]) الشيخ مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 54.
[48])) ظهير الدين البيهقى، تاريخ حكماء الإسلام، (ص 34 - 35).
([49]) الفارابى، إحصاء العلوم، (ص 74)، د/ عثمان أمين، مقدمة تحقيقه لإحصاء العلوم للفارابى، (ص 17- 18).
([50]) ص 9 طبع مجلس المعارف العثمانية، نقلا عن: الشيخ مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 54.
([51])للتوسع بخصوص قضية التوفيق عند الفارابى راجع على سبيل المثال: البحوث التالية المنشورة الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية: أ/د محمد البهى، الفارابى الموفق والشارح، (ص 30- 63). أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، (ص 98 – 114) ويقدم فيها رؤية متميزة عن الشائع بخصوص هذه القضية، أ/ سعيد زايد، الفارابى والتوفيق، (ص 154- 170). البروفسير لويس جارديت، التوفيق بين الدين والفلسفة عند الفارابى، (171- 188، وهو بالفرنسية).
([52]) أ/د أحمد الطيب، الجانب النقدى فى فلسفة أبى البركات البغدادى، (ص 64).
([53]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 54).
([54])أ/د محمد البهى، الفارابى الموفق والشارح، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 33- 34) باختصار وتصرف.
([55]) أ/د أحمد الطيب، الجانب النقدى فى فلسفة أبى البركات البغدادى، (ص 68 – 69) باختصار وتصرف.
([56])أ/د محمد البهى، الفارابى الموفق والشارح، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 57).
([57])أ/د عبد الحليم محمود، التفكير الفلسفى فى الإسلام، (ص 249). وللتوسع حول محاولة الفارابى التوفيقية انظر: أ/د محمد يوسف موسى، بين الدين والفلسفة فى رأى ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط (ص 54 – 63). أ/د محيى الدين أحمد الصافى، قضية التوفيق بين الدين والفلسفة، (ص 24 – 65، 96 - 106).
([58])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 98 - 100) باختصار وتصرف.
([59]) أ/د عبد اللطيف العبد، دراسات فى الفكر الإسلامى، (ص 211). ولمزيد من التوسع حول هذه القضية عند الفارابى وعلاقتها بنظرية المعرفة عنده، انظر: د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 54 - 62).
([60]) د/ إبراهيم مدكور، فى الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه، (1/35، 38)، وللتوسع فى هذه الفكرة وبيان مدى تأثيرها على الفلاسفة الإسلاميين بعد الفارابى، انظر: -المرجع السابق نفسه، (1/35 – 68). - أ/د محمد الأنور السنهوتى، أ/د عبد الحميد مدكور (بالاشتراك)، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (ص 170 – 179).
([61]) أ/د عبد الحليم محمود، التفكير الفلسفى فى الإسلام، (ص 242). د/ إبراهيم مدكور، فى الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه، (1/49).
([62]) د/ إبراهيم مدكور، فى الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه، (1/49) بتصرف.
([63]) د/ إبراهيم مدكور، فى الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه، (1/37).
([64]) الفارابى، الثمرة المرضية فى بعض الرسالات الفارابية (ص 75)، نقلا عن د/ إبراهيم مدكور، المرجع السابق، (1/37 – 38).
([65]) د/ إبراهيم مدكور، فى الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه، (1/36).
([66]) د/ إبراهيم مدكور، فى الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيقه، (1/ 38، 40، 42 - 45) باختصار وتصرف واسعين.
([67]) انظر هنا: (ص 258).
([68]) ابن صاعد، طبقات الأمم (ص 72-73).
([69])ابن صاعد، طبقات الأمم (ص 73- 74).
([70]) تشارلس بترورث، مقدمة تحقيقه لتلخيص كتاب المقولات لابن رشد، (ص 22 - 25)، بتصرف واختصار.
([71]) د/ عثمان أمين، مقدمة تحقيقه لإحصاء العلوم للفارابى، (ص 47).
([72]) انظر مثلا: الفارابى، التعليقات، (ص 9-10، 14 - 16).
([73]) الفارابى، كتاب الجمع بين رأيى الحكيمين، (ص 80 - 81) باختصار واسع.
([74]) الفارابى، تحصيل السعادة، (ص 25).
([75]) الفارابى، تحصيل السعادة، (ص 99).
([76]) نشرت هذه المقالة ضمن رسائل الفارابى (ص 93 – 100) وأُشير فى صدرها إلى أنها منتزعة من كتابه الحروف حيث ذكر ما نصه: ((مقالة شريفة للحكيم الفيلسوف المعلم الثانى... فى أغراض الحكيم فى كل مقالة من الكتاب الموسوم بالحروف، وهو تحقيق غرض أرسطوطاليس فى كتاب ما بعد الطبيعة).
([77]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 35).
([78]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 54).
([79]) انظر: أ/د محسن مهدى، مقدمته لتحقيق كتاب الفارابى، (الملة)، (ص 13).
([80]) الفارابى، رسالة ما ينبغى أن يقدم قبل تعلم الفلسفة، ضمن الرسائل، (ص 125).
([81]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 36).
([82]) انظر هنا: (ص 228).
([83]) الفارابى، إحصاء العلوم، (ص 53).
([84]) الفارابى، كتاب الحروف، (ص 226)، وانظر بخصوص هذا النص: أ/د عاطف العراقى، ثورة العقل فى الفلسفة العربية، (ص 45).
([85]) يعتبر هذا الكتاب من أواخر ما ألف الفارابى (ت 339 هـ)، حيث بدأ تأليفه قبل سنة (330)، واستمر فى تحريره وفرغ من تأليفه وتحريره والنظر فيه سنة (337 هـ) قبل وفاته بعامين، وفيه أخذ المذهب الفكرى والفلسفة للفارابى شكله الناضج والنهائى، راجع: ابن أبى أصيبعة، طبقات الأطباء (ص 608)، أ/د على عبد الواحد وافى، المدينة الفاضلة للفارابى، (ص 18). د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 206).
([86]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 8-9).
([87]) الفارابى، كتاب العبارة، (ص 7).
([88]) الفارابى، كتاب العبارة، (ص 7).
([89]) الفارابى، كتاب الجمع بين رأيى الحكيمين، (ص 79).
([90]) الفارابى، آراء أهل المدينة الفاضلة، (ص 32 - 36).
([91]) انظر فيما يؤكد كون اختصار الأبواب التى فى كتاب المدينة الفاضلة عملا مستقلا عن الكتاب نفسه: أ/د محسن مهدى، مقدمة تحقيقه كتاب الفارابى، (الملة)، (ص 28).
([92]) الفارابى، آراء أهل المدينة الفاضلة، (ص 37). والسياق بهذه الطريقة يجعل احتمال كون هذا الاختصار المتقدم على الكتاب ليس من صنع الفارابى نفسه احتمالا قائما ليس ببعيد، رغم أنه وقع فى أصول الكتاب الخطية، مما يعنى أنه من صنع أحد تلاميذ الفارابى، أو ناسخ الأصل العتيق منه، وهو على أية حال قارئ ممتاز لنص الكتاب وقد حافظ فى اختصاره على عبارات الأصل، ثم انتشرت النسخ على ذلك. والترجيح موقوف على تكرر هذا الصنع فى مصنَّفات الفارابى الأخرى، أم تفرد هذا الكتاب به، وهذا يحتاج إلى استقراء تام لمؤلفاته، على أن ما تيسر منها أثناء الدراسة يؤكد على تفرد المدينة الفاضلة بذلك النهج.
([93]) الفارابى، الألفاظ المستعملة فى المنطق، (ص 94 - 95).
([94]) الفارابى، الألفاظ المستعملة فى المنطق، (ص 104 - 116).
([95]) الفارابى، الألفاظ المستعملة فى المنطق، (ص 116).
([96]) الفارابى، التنبيه على سبيل السعادة، (ص 236 - 237).
([97]) الفارابى، تحصيل السعادة، (ص 99).
([98]) الفارابى، الألفاظ المستعملة فى المنطق، (ص 87)، مع زيادة إيضاح بين الأقواس ( ).
([99]) الفارابى، كتاب العبارة، (ص 40، 47).
([100]) انظر مثالا لذلك حول تطور أسلوب الاستدلال الفلسفى من الخطابة إلى البرهان: الفارابى، كتاب الخطابة، (ص 16 - 24).
([101]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 22).
([102]) أ/د على عبد الواحد وافى، المدينة الفاضلة للفارابى، (ص 20).
([103])سعيد زايد، الفارابى، (ص 23).
([104]) من أمثلة ذلك كتاب الفارابى، (الواحد والوحدة)، حيث حاول تتبع معانى الواحد والوحدة تتبعا تاما مستقصيا معانيهما اللغوية والفلسفية، ويوضح مقابلهما وهو الكثير والكثرة، لينجلى المعنى جلاء تاما.
([105]) انظر: بخصوص هذه القصة: ابن أبى أصيبعة، طبقات الأطباء (ص438).
([106])سعيد زايد، الفارابى، (ص 23)، والرسالة منشورة ضمن رسائل الفارابى (ص 119 – 127).
([107]) الفارابى، رسالة ما ينبغى أن يقدم قبل تعلم الفلسفة، ضمن الرسائل، (ص 119).
([108]) اعتنى د/ إبراهيم مدكور، بتناول موضوع (الفارابى والمصطلح الفلسفى)، وهو بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى فى الذكرى الألفية للفارابى. وأيضا: أ/د زينب عفيفى، فلسفة اللغة عند الفارابى، (ص 95 - 135).
([109]) انظر على سبيل المثال بخصوص كيفية انتقال المصطلحات وتعريبها واشتقاقها عنده: كتاب الحروف، (ص 157 - ).
([110]) اهتم أ/د زينب عفيفى بدراسة ((فلسفة اللغة عند الفارابى)) دراسة مستفيضة نشرت تحت العنوان ذاته، حيث أبرزت الأصول اللغوية لفكر الفارابى المنطقى والفلسفى، ومشكلة المصطلح الفلسفى ودلالته اللغوية ودور الفارابى ومنهجه فى صياغته، ورؤية الفارابى لمشكلة المعنى والعلاقة بين المنطق واللغة، وغير ذلك من قضايا.
([111]) د/ إبراهيم مدكور، الفارابى والمصطلح الفلسفى، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى فى الذكرى الألفية للفارابى (ص 22 - 24) باختصار وتصرف.
([112]) جعفر آل ياسين، الفارابى فى حدوده ورسومه، وقد اعتمد فيه على (49) مؤلف للفارابى بين مخطوط ومطبوع، مبين موضع كل مصطلح فى مؤلفات أرسطو، وفى (11) كتابا من كتب الحدود والمصطلحات العربية.
([113])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 65 - 66) باختصار.
([114])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 69 - 70) باختصار وتصرف، وقد ذكر أمثلة لذلك من نصوص الفارابى بالهامش.
([115]) أ/د ألبير نصرى نادر، مقدمة تحقيق (كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة) للفارابى، (ص 12).
([116]) أ/د سحبان خليفات، مقدمة تحقيق كتاب الفارابى، التنبيه على سبيل السعادة، (ص 29).
([117]) أ/د سحبان خليفات، مقدمة تحقيق كتاب الفارابى، التنبيه على سبيل السعادة، (ص 31 - 38).
([118])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 70 – 71، 73)، وقد ذكر أمثلة لذلك من نصوص الفارابى بالهامش.
([119])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 71 - 72)، وقد ذكر أمثلة لذلك من نصوص الفارابى بالهامش.
([120]) راجع: أ/د محسن مهدى، مقدمة تحقيقه لكتاب الفارابى، الألفاظ المستعملة فى المنطق، (ص 20 - 21)، وقد أشار إلى وجود صعوبة فى تحديد المستوى الذى ينسب إليه كثير من كتب الفارابى، خاصة وأن بعضها منتزع من كتابه الأصلى ونسخ على حدة ككتاب مستقل، أو وضع فى مجموع آخر يشتمل على مقالات أخرى للفارابى، مما يحيط عملية تحديد هوية كتاب ما للفارابى ومن أى الشروح أو التلاخيص أو الجوامع هو بصعوبات جمة، راجع: المرجع السابق نفسه (ص 19 – 24).
([121])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 72، 85، 94، 95، 97) باختصار وتصرف، وقد ذكر أمثلة لذلك من نصوص الفارابى بالهامش.
([122])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 72 - 73)، وقد ذكر أمثلة لذلك من نصوص الفارابى بالهامش.
([123])أ/د حسن حنفى، الفارابى شارح أرسطو، بحث منشور ضمن الكتاب التذكارى - أبو نصر الفارابى فى الذكرى الألفية (ص 73 - 79) باختصار واسع، وقد ذكر أمثلة لذلك من نصوص الفارابى بالهامش.
([124]) الفارابى، إحصاء العلوم، (ص 57).
([125]) انظر مثلا: الفارابى، إحصاء العلوم، (ص 67-69) بخصوص القانون الكلى لعلم المنطق، و (ص 93 - 98) بخصوص علم التعاليم، (ص 111 وما بعدها) بخصوص العلم الطبيعى والعلم الإلهى.
([126]) الفارابى، إحصاء العلوم، (ص 111 - 120) باختصار وتصرف.
([127]) وانظر كنموذج آخر: منهج التصنيف الكلامى عند الفارابى، وقد عرضنا له فى مناهج علم الكلام، انظر هنا: (ص 343).
([128]) د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 49 - 50) باختصار.
([129]) الفارابى، فصوص الحكم، مع شرح الشنب غازانى (فص رقم 17،ص 89 - 93)، وللتوسع حول المنهج الجدلى عند الفارابى، راجع: د/ إبراهيم عاتى، الإنسان فى الفلسفة الإسلامية – نموذج الفارابى، (ص 51 – 54).
([130]) أ/د على عبد الواحد وافى، المدينة الفاضلة للفارابى، (ص 17).
([131]) الفارابى، كتاب الجمع بين رأيى الحكيمين، (ص 84 - 85).
([132]) الفارابى، كتاب الجمع بين رأيى الحكيمين، (ص 105 ).
([133]) الفارابى، كتاب الجمع بين رأيى الحكيمين، (ص 109).
([134]) للوقوف على بعض التفاصيل والمقارنات بخصوص ذلك انظر مثلا: أ/د محسن مهدى، مقدمة تحقيق كتاب الملة، (ص 11 – 12، 30). وقد عقد أ/د سحبان خليفات مقابلة كاملة لما فى كتاب التنبيه على سبيل السعادة بما فى مؤلفات الفارابى الأخرى، وذلك فى مقدمة تحقيقه لكتاب التنبيه (ص 14 – 29). وراجع د/ على بوملحم فى مقدمة نشرته لكتاب السياسة المدنية حيث عقد مقارنة مختصرة بين هذا الكتاب وكتاب آراء أهل المدينة الفاضلة (ص 5 – 20).
([135]) الفارابى، النكت فيما يصح من أحكام النجوم، ضمن الرسائل، (ص 148).
([136]) الفارابى، النكت فيما يصح من أحكام النجوم، ضمن الرسائل، (ص 149).
([137]) وبناء عليه - إن صح ما ذكرناه بخصوص تحليل هذه الرسالة – فلا نتفق فى الرأى مع الدكتور جعفر آل ياسين باعتبار هذه الرسالة من أعمال الفارابى المبكرة (ص 18 من مقدمة تحقيقه لها)، لأن العمق والخبرة اللتان تتمتع بهما الرسالة لا يأتيان عادة إلا فى مرحلة النضج الفكرى والفلسفى، وهى مرحلة تأتى متأخرة لا مبكرة.
([138]) السيد إسماعيل الحسينى الشنب غازانى، شرح فصوص الحكمة، ط طهران (ص 35- 36).
https://sites.google.com/site/esamanas/home










رد مع اقتباس