منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - بحث حول جماعة الديوان ومظاهر التجديد في شعرهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-01-29, 01:15   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

https://www.marefa.org/index.php/%D8%...B2%D9%86%D9%8A

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::

صفحات من حياة عبد القادر المازني...
لعله من ابرز الشخصيات المبدعة والنجوم الساطعة فى تاريخ الأدب المصري إنه (عبد القادر المازنى) الشاعر و الروائى والناقد المحلل بل ورسام الشخصيات البارع الذى يجمع بين الواقعية و الخيال السخرية و الفكاهة و الحزن, لم يعش ببرج عاجى بل اندمج بمجتمعه وعبر عن آماله سواء فى ابداعاته الأدبية أو مقالاته الصحفيه تاركَاَ تراثاَ سوف يظل يمجد ذاكراه.

محيط: هبة رجاء الدين

في سيرة أديب

ولد ابراهيم عبد القادر المازنى فى يوم الثلاثاء 19أغسطس 1890 بقرية (كومو مازن) بمحافظة المنوفية وترجع جذوره إلى قبيلة بنى مازن وهى من اشهر القبائل العربية بأرض الحجاز,وهاجر فرع من هذه القبيلة إلى مصر واندمج بالسلالة المصرية لتصبح عائلة المازنى مصرية تماماَ, فأصبح المازنى بذلك مصرى الجنسية.

وقد اتم ابراهيم دراسته الإبتدائية بالقرية التى كان يقطن بها, ثم التحق بالتعليم الثانوى فى التوفيقية الخديوية ثم التحق بكلية الطب ولكنه لم يستطع الاستمرار بها حيث كان مرهف الحس ولم يستطع تحمل مناظر التشريح وما إلى ذلك وقد كان وترك كلية الطب والتحق بكلية الحقوق ولكنه تركها أيضا لأن مصروفاتها كثيرة ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين وقد تخرج منها عام 1909 ليعمل فى التدريس لمدة عشرة سنوات قضى منها خمسة فى مدارس الوزارة وخمساَ فى المدارس الحرة.

أبيه زير نساء وأمه "سيدة الدنيا"
كان والد عبد القادر المازنى مدرساَ للغة العربية ثم عمل محاميا شرعياَ كما كان مسئولاَ عن الشئون الشرعية فى القصر الملكى كما كان يتسم بأنه مزواج يعشق النساء وخاصة التركيات لجمالهن, ولأنه كان دائم السفر إلى اسطنبول أتاح له ذلك الزواج من عدد كبير من هؤلاء النساء التركيات وقد توفى الوالد عندما كان إبراهيم فى التاسعة من العمر , اما عن والدة إبراهيم فعلى الرغم من أن زوجها توفى وهى تناهز الثلاثين عاماَ إلى أنها رفضت أن تتزوج مرة أخرى وعاشت فترة كبيرة من الزمن تقدر ب32سنة باقية على ذكرى زوجها والذى ألمها كثيراَ بكثرة زواجاته, وقد كان يصفها المازنى كثيراَ بأنها (سيدة الدنيا) حيث أن لها مواقف مشرفة ومؤثرة فى حياته فقد أصرت أن يستكمل تعليمه وذلك بعد أن إقترح أخيه الأكبر أن يترك إبراهيم دراسته ليذهب للعمل حيث أن وضعهم المادى كان متأزماً وذلك لأن اخيه الأكبر ورث عن والده حب النساء فبدد ثروة أبيه فى أقل من عام لتعيش أسرة المازنى على الستر و الكفاف.

جميع ما سبق أثر في شخصية أديبنا حيث تعذب بعد أن بدد (أخوه الأكبر ثروة أبيهم ).. وكان ينظر إلى المرفهين فى أسى ويقول (ما ضر لو زادت الدنيا مرفها مدللا آخر.. أكانت تخرب ؟ .. أكان لابد لصلاحها أن أشقى وأتعذب هذا العذاب الغليظ ؟).. ويعترف المازنى بأن أستاذه الأول كان الفقر الذى أمده بالقوة والقدرة على الكفاح وعلمه التسامح والرفق والعطف وإيثار الحسنى، كما عوده ضبط النفس وحبب إليه الفقراء ..

وكان يقول «لو وسعنى أن أملأ الدنيا سروراً واغتباطاً لفعلت، فإنى عظيم الرثاء للخلق وأحسب أن هذا تعليل ميلى للفكاهة» وكان حلم حياته أن يربح من الكتابة مبلغاً يكفى لبناء دار لأولاده ولكنه لم يستطع تحقيق هذا الحلم البسيط ، وظل طوال الوقت يسكن وسط المقابر فى مدافن الإمام الشافعى وذلك طلباً للعزلة ولضيق ذات اليد . وقيل إنه سقط ليلاً فى مقبرة مفتوحة فاصطدم بالجثث مما أصابه بحالة من الفزع الرهيب . وقد دفعه الفقر إلى العمل الدائم والدائب حيث يقول «أقوم من النوم لأكتب وآكل وأنا أفكر فيما أكتب فألتهم لقمة وأخط سطرا أو بعض سطر وأنام فأحلم أنى اهتديت إلى موضوع وأفتح عينى فإذا بى قد نسيته وأشتاق أن ألاعب أولادى فيصدنى أن الوقت ضيق لا ينفسح للعب وأن على أن أكتب» . ولذلك فقد عاش دائم الخوف على نفسه ودائم الخوف من الناس.

يقول النقاد أنه اجتمع الفقر مع إعاقاته الجسدية والنفسية ليجعلوا كتاباته سوداوية حيث لايرى إلا الجانب القاتم كما كان عدميا لا تستوقفه غير النهايات؛ حيث كان الموت هو موضوعه الأثير فى قصائد ديوانه وفى عناوين كتبه وقد غلف كل هذا بالسخرية والفكاهة لدرجة أنه قد كتب رثاء لنفسه قال فيه :

أيهـــا الزائــر قبـرى اتل ما خط أمامـك
ها هنا فاعلم عظامى ليتها كانت عظامك


المرأة والحب بحياة المازنى

لعبت المراءة دور كبير فى حياة المازنى بدءاَ من والدته والتى كان لها دوراَ كبير ومؤثر بحياته حيث كانت صامدة قوية, وقد وضعها فى مرتبة (النموذج الأعلى) لمل يجب ان تكون عليه المرأة , ونرى ايضاَ أن زوجته قد أثرت بحياته وأثرت على ملامح شخصيته حيث أنه تزوج فى عام 1910 أى بعد تخرجه بعام واحد وبعد 11 عام رحلت زوجته بشكل مفاجئ وتركت له آلاما كبيرة وصدمة لا توصف كما تركت له ابنة اسمها (مندورة) كان يحبها إلى درجة العشق والوله وقد تفرغ لرعايتها لمدة سبع سنوات كاملة ثم رحلت هذه البنت بشكل مفاجئ ليدخل الرجل فى شرنقة من الحزن والشجن وكتب فى هذه الابنة الراحلة رثاء كثيراً أدمى القلوب وفجر أنهار الدموع.

تزوج المازنى بعد رحيل ابنته وتمنى أن ينجب بنتاً أخرى إلى جانب أولاده الذكور ، وقد جاءت الابنة بالفعل ولكنها رحلت مثل أختها لتترك قلب أبيها أطلالاً. وكان المازنى يؤكد أن المرأة أقوى من الرجل بقوة حيلتها وقوة جمالها وكان يرى الجمال روحاً وليس جسماً ورغم كثرة ما تردد عن غزواته النسائية إلا أنه لم يقل لأي امرأة (أحبك) اعتقاداً منه بأن هذه الكلمة سوف تجعله عبداً للمرأة التي ستسمعها منه. قد كان يستعذب التحدث عن شعوره بالضعف والنقص أمام النساء وكان يستعذب الحط من نفسه وليس هذا على سبيل (الماسوشية) أو (لذة تعذيب الذات) ولكنه كان يفعل ذلك لأنه على ثقة من قدراته .

أما عن الحب فى حياة المازنى فقد عرف الحب لأول مرة وهو فى الثالثة عشرة من عمره مع بنت الجيران فى السيدة زينب بعد أن أنقذ لها قطتها من فوق الشجرة وأصيب نتيجة هذه المغامرة ببعض الجروح البسيطة ، وكان يجاهر بحب هذه الصبية وسط الأهل والجيران .. وعندما شب عن الطوق راح يكثر من مغامراته النسائية حتى ولو من باب (الصيت ولا الغنى) وذلك كسلاح جديد يؤكد به لنفسه وللآخرين أنه ليس (أقل) من غيره بل إنه يتفوق عليهم .. وقد أحصى العقاد حبيبات المازنى ووجد أنهن 17 حبيبة.

-
يقول:


مرَّتْ عشاءً بيَ فتّانةٌ.. يا حُسنَها لو أنَّ حسناً يدومْ
والجوُّ ساجٍ شاحبٌ بدرُهُ.. كأنّما أضناه طولُ الوجوم
فقلتُ يا غادةُ: أذكرتِني .. أحلامَ عيشٍ نسختْها الهموم
أمثلُ هذا الحسنِ لمّا يزلْ .. في عالم الشرِّ القديم العميم؟
ألم يزل (كوبيدُ) ذا صولةٍ .. يرمي فيُدْمي كلَّ قلبٍ سليم؟
قالتْ: ومَنْ (كوبيدُ) هذا الذي .. تذكره مقترناً بالكُلوم؟
فقلتُ: هذا ولد مولعٌ .. بصيدِ أكبادِ الورى كالغريم
فتمتمتْ عائذةً باسمِهِ .. من كلِّ شيطانٍ خبيث رجيم !

ومن الطريف بحياة المازنى العاطفية مغامرة عجيبة تعرض لها حيث استطاع شاب اسمه عبد الحميد رضا أن يوقع المازنى فى (فخ عاطفى) عندما أعطاه رسالة ادعى أنها من فتاة اسمها (فاخرة) وقد انطلت الحيلة على المازنى وظل يتبادل الرسائل العاطفية الساخنة مع هذه السيدة المزعومة ورغم أنه تشكك بعض الشىء إلى أنه تمادى فى هذه المغامرة حتى أخذ عبد الحميد رضا رسائل المازنى إلى إحدى المجلات ونشرها وكانت فضيحة مدوية .. ورغم هذا فقد كان المازنى يعتبر نفسه (دونجوانا) لا يبارى وقد كتب العقاد قصيدة عن المغامرات العاطفية مطلعها :


أنت فى مصر دائم التمهيد
بين حب عفى وحب جديد


أصدقاء المازني

أما عن الصداقة بحياة المازنى فقد كان له أصدقاء كثيرون أمثاله كتاب ونقاد ومبدعون وكانت علاقاته بهم متواترة فكان من أصدقائه شوقى والعقاد وعبد الرحمن شكرى وكتب ذات مرة مجموعة من المقالات فى جريدة السياسة عن مسرحيات شوقى الشعرية وقد قسا كثيراً على شوقى وقال عنه (قطعة متلكئة من قديم الزمن) .. كما اختلف هو والعقاد مع عبد الرحمن شكرى وهاجماه بعنف لدرجة أن المازنى وصفه بـ (صنم الألاعيب) مما دفع شكرى إلى الهرب إلى الإسكندرية ليعيش فى عزلة تامة .

كما أنه اشترك مع العقاد سنة1921فى كتاب"الديوان"وهاجم فيه شعر حافظ و شوقى وهاجمه عبد الرحمن شكرى فى مقدمة الجزء الخامس من ديوانه واتهمة بالاختلاس من الشعراء الغربيين وعندما اخرج المازنى كتاب الديوان مع العقاد هاجمه وكتب فيه فصلين بعنوان "صمم الألاعيب ".

المازنى فكاهى ساخر ولكن ......

كان المازنى قصير القامة جداَ حيث كان طوله لا يتجاوز 150سم مما جعله أقرب الى القزم وذلك غير أنه كان غير مستقبم فى مشيته بسب كسر مضاعف أصاب ساقه وترك له عاهة مستديمة جعلته (يعرج) فى مشيته مما استلزم (تفصيل حزام) بشكل معين حتى لايظهر هذا العرج بوضوح, ولهذا لجأ لسلاح آخر وهو السخرية اللاذعة من هذه الأشياء التى يعانى منها , فكان دائم الحديث عن تشويهاته الجسدية فى محاولة منه لمنع الآخرين من السخرية منه ، ونجده أيضاَ يصادق العقاد طويل القامة ويظل يذكر ذلك الوضع المضحك ويسخر منه فقد كان يصف نفسه بجوار العقاد بالرقم (10), ومع كل هذه السخرية والفكاهة فقد اتسمت كتاباته باليأس والحزن والرومانسية وكان يعزى نفسه بالتأكيد على أن الكاتب والفنان يجب أن يكون على يقين بأنه (ناقص) وسوف يبقى كذلك ومع هذا فقد كانت السخرية الوجه الآخر لروحه القلقة المعذبة .

السياسة لا تخدم الأديب

ورغم أن المازنى كان شخصية مرحة ساخرة الا أنه كان لديه قضيته التى يؤمن بها وهى انتماؤه وحسه الوطنى وقد اشترك مع د. محمد حسين هيكل ومحمد عبدالله عنان فى وضع كتاب اسمه (السياسة المصرية والانقلاب الدستورى) يهاجمون فيه الحكم الديكتاتورى لصدقى باشا . رغم هذا الحس الوطنى الواعى إلا أنه لم ينجح فى استثمار السياسة كما أن السياسة لم تخدمه، ففى الوقت الذى اختار العقاد أن يكون وفديا وأن يصبح كاتب الوفد الأول ..

وقف المازنى فى الجانب الذى لا يربح حيث وقف فى خندق الأحرار الدستوريين وهو ملىء بكبار المثقفين مثل أحمد لطفى السيد - طه حسين - محمد حسين هيكل - محمود عزمى وغيرهم إضافة إلى أنه لم يشارك فى معاركهم السياسية ورغم أنه كتب كثيراً فى جريدة (السياسة) لسان حال الأحرار الدستوريين إلا أنه كتب فى البلاغ وهى وفدية، ولكن المحصلة أن السياسة لم تخدمه كما خدمت العقاد وطه حسين ورغم هذا فقد كانت بعض آرائه السياسية (سابقة للعصر) حيث كان من أوائل الذين دعوا للوحدة العربية واعتبرها ضرورة محتمة لسلامة الشعوب العربية وأمنها وقد كتب فى عام 1935 مقالا بعنوان (القومية العربية) .. ولذلك فإن المازنى - عكس كثير من معاصريه - قد استمد شهرته من الأدب والكتابة فقط . كما كان المازني واحداً من أهم أعمدة النهضة الثقافية العربية وأهم الأصوات التى نادت بتجديد الثقافة العربية بتحويلها إلى عملة تنفع الناس .

روائى مبدع وصحفى بارع

بدأت إبداعاته بالشعر والصحافة حيث قرر فى عام 1919 بالتوقف عن التدريس والتفرغ للعمل بالصحافة.. ولم تكن الصحافة جديدة عليه فقد نشر مقالاته وقصائده فى العديد من الصحف منذ أن كان طالباً فى المعلمين - وعندما عمل بالتدريس لم ينقطع عن الصحافة وواصل النشر فى صحف كثيرة مثل الدستور ، الجريدة ، البيان ، عكاظ الأسبوعية ، الأفكار ، وادى النيل ، الأهالى ، وقد عين محرراَ بجريدة الأخبار ثم محرراَ بجريدة "السياسة الاسبوعية" ثم رئيساَ لتحرير جريدة السياسة اليومية ثم رئيساَ لتحرير جريدة "الأتحاد" كما انتخب وكيلاَ لمجلس نقابة الصحفين عام1941.

وقد علا نجم المازني عندما شارك صديقيه العقاد وعبد الرحمن شكرى فى الإعلان عند مدرسة الديوان فى الشعر؛ تلك المدرسة التى قامت على مهاجمة القديم المتمثل فى شعر حافظ وشوقى، وقد ألف المازنى والعقاد كتاب (الديوان) لوضع الأسس النظرية لهذه المدرسة التى تعد ثورة فى الشعر وتدعو إلى تنوع القوافى لتنوع الموسيقى ، كما تدعو إلى أن يكون الشعر تعبيراً عن الشاعر وأن تكون القصيدة ذات وحدة موضوعية بدلا من وحدة البيت كما يجب ألا تكون القصيدة تقليداً أو معارضة لشاعر قديم مهما كان شأنه).

تأثر المازنى كثيراً بأشعار ابن الرومى وعارضه فى بعض قصائده كما تأثر كثيراً بعدد من شعراء الغرب مثل شيلى - بيرنز - ميلتون - هينى .. وكان دائم التطوير والتجديد فى الأفكار والموضوعات مع الالتزام التام بالصدق فى التعبير ، وذلك على حساب الشكل الفنى والأساليب والعبارات ، ورغم هذا فقد كان يجد صعوبة فى تطويع الشعر لأفكاره خصوصاً قوافيه التى كانت تضطره إلى استخدام ألفاظ غريبة ومشتقات شاذة مما ألجأه إلى شرحها فى ديوانيه الأول والثانى ويرجع ذلك إلى تمسكه باللغة التقليدية فى بداية حياته ..

إلا أنه كان يرى الشعر ترجمة حميمة عن النفس وكشفا عن مكنوناتها ورغم أنه قد هجر الشعر فى سن السادسة والعشرين وهى سن صغيرة إلا أن (إنجازه الشعرى) لا يستهان به ؛ حيث أصدر ديوانه فى ثلاثة أجزاء ، صدر الجزء الأول منها عام 1914 كما كتب العديد من الكتب عن الشعر والشعراء مثل (شعر حافظ) ثم حصاد الهشيم - قبض الريح ، وفى هذين الكتابين دراسات عن العديد من الشعراء مثل المتنبى - ابن الرومى .. وله كتاب عن الشاعر (بشار بن برد) .. وفى كل هذه الكتب كان يقدم دراسات نفسية واجتماعية وتاريخية أى أنه كان يقدم العصر بكامله وكان هذا لوناً جديداً فى الدراسات الأدبية .

ساهم المازني كثيرا في تحديث الأدب المصرى والعربى وكانت السياسة التي رسمها وآخرون أن يكون الأدب تعبيراً عن الكاتب وتصويراً لما يجول فى نفسه وعقله ، والأهم أن المازني كان صاحب أسلوب لم يستطع أحد أن يستنسخه بعد أن استطاع أن يجعل من اللهجة المصرية لغة عربية فصيحة ؛ حيث وضع علامات الإعراب على حروف هذه اللهجة وجعل من ألفاظها اللينة الجميلة كلمات ناصعة فى معجم جديد للغة ليتكلم بها الناس كما كان حريصا على استخدام الفصحى بعد أن جعل العامية مطية لها وخادماً فى موكبها ، وكان أسلوبه خالياً من كل العثرات و(الكلكعة) .


تراث لا يستمع للاتهامات

ورغم تميز وتفرد المازنى فيما أبدعه إلا أن بعض النقاد قد اتهموه بسرقة بعض أجزاء روايته "إبراهيم الكاتب" من رواية (سانين) للأديب الروسى (يباشيف) كما اتهمه بعض النقاد بسرقة مسرحيته الوحيدة التى كتبها بعنوان (غريزة امرأة) من مسرحية (الشاردة) للأديب الإنجليزى (جو لسور ذى) . ولكن مثل هذه الاتهامات لم تؤثر كثيراً على المحصلة النهائية لإنجاز المازنى الذى كان من أبرع كتاب النصف الأول من القرن العشرين خاصة فى مقدرته على السخرية من الدنيا ومن الناس ومن نفسه .

كما كان من أوائل الذين قاموا بتعريف الأدب الغربى إلى قراء العربية وذلك نتيجة إجادته الرائعة للترجمة وقد ترجم العديد من الكتب المهمة مثل رباعيات الخيام - الآباء والأبناء لتور جنيف - سانين لآرتز يباشيف ، كما قدم ملخصات لروائع الأدب العالمى ونشرها فى مجلة (الصباح) لصاحبها مصطفى القشاش . وإضافة إلى كل هذا فقد كان صاحب الدعوة إلى إيجاد منهج جديد فى دراسة الأدب العربى والدعوة إلى نظرة جديدة إلى الأدب المصرى وقد توج دعوته بدراسة الأدب العربى وتاريخه دراسة متأنية بترتيب العصور وذلك عندما كان فى الخمسين من عمره .

- أخرج المازني أكثر من أربعين كتاباَ فى الإبداع والنقد من أشهرها :

(
فى الطريق - صندوق الدنيا - الشعر غاياته ووسائله - من أحاديث المازنى - رحلة الحجاز - ميدو وشركاه - أقاصيص - من الناقد - ع الماشى - حديث الإذاعة) والغريب أن كل هذا الإبداع لم يشفع للمازنى لكى يحصل على أية جائزة !! ومن الواضح أنه كان مستشعراً لهذا الوضع الغريب فكتب يقول «عصرنا عصر تمهيد يقوم أبناؤه بقطع هذه الجبال التى سدت الطريق وتسوية الأرض لمن يأتون بعدهم .. وبعد أن تسوى الطريق يأتى نفر من بعدنا ويسيرون إلى آخره ويقيمون على جانبه القصور شامخة باذخة فيذكرون بقصورهم وننسى نحن الذين شغلوا بالتمهيد عن التشييد» .

عندما قدمه العقاد لكى يتبوأ مكانه فى مجمع اللغة العربية وصفه بالعبقرية فى النثر والشعر ، كما كان المازنى يكتب لأنه يحب الكتابة لذاتها وكان يرى الفن تعبيراً عن الحياة بما فيها من فردية وحرية وإبداع... وباختصار فقد كان المازنى فيلسوف الحياة والفردية والحرية .. وكان يتعامل مع الإنسان على أنه حيوان (فنى) يهتم بالجمال إلى جوار المنفعة .


وإذا كان المازنى (النموذج) لما يمكن أن تفعله العقد النفسية والجسدية مع المبدع الموهوب إلا أنه قد كسر بعض المسلَّمات فى سلوكيات أصحاب هذه العقد حيث كان من سماته الجميلة (التواضع) الشديد فرغم أن الذين يعانون من عقد نفسية لا بد وأن يصيبهم الغرور والتعالى كنوع من التعويض إلا أن المازنى كان شديد التواضع ، وكان ضد النجومية وشعبوى الهوى ولذلك تحققت له الجماهيرية الواسعة .

"ومات الفتى المازنى"
بعد رحلة مثيرة من العطاء أصيب المازنى فى سنواته الأخيرة بهاجس الموت ثم مات بعد انتشار البولينا فى الدم .. ورحل فى عام 1949 عن عمر يناهز التاسعة والخمسين .
كتب يقول ذات مساء :


مات الفتى المازنى ثم أتى من مـازن غيره على الأثر

وكان يعنى ولادته مرة أخرى بعد اليأس فلاشك أننا بصدد شخصية عظيمة مبدعة تستحق منا كل تقدير وتستحق أن يذكرها التاريخ دوما.