منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لماذا يصلي المسلم ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-08-17, 22:19   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الصلاة مدرسة خلقية:


إن الصلاة مع كونها صلة بين العبد, وربه يجني منها العبد كل خير, فهي مدرسة خلقية لها أعظم التأثير في حث الإنسان على الالتزام بالأخلاق الحميدة, وصرفه عن الأخلاق الرذيلة؛ لأنها تصرف صاحبها من حال إلى حال, ومن ذوق إلى ذوق, ومن سفساف الأمور إلى معاليها, وقد تكلفت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ببيان هذه الحقيقة وإبرازها في أجلى صورها واظهر معانيها.


1- قال الله جل وعلا: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّالصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِأَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}([1]).


فالصلاة تنهى المصلي وتحول بينه وبين إتيان الفواحش والمنكرات, وتحثه على فعل الخيرات.



قال ابن عطية – رحمه الله تعالى -: وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجب من الخشوع والإخبات وتذكر الله تعالى والتحقق من الوقوف بين يديه, وأن قلبه وإخلاصه مطلع عليه مرقوب, صلحت لذلك نفسه وتذللت وخامرها ارتقاب الله تعالى, فاطرد ذلك في أقواله وأفعاله وانتهى عن الفحشاء والمنكر, ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حاله... فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر([2]).


وقال فخر الدين الرازي – رحمه الله تعالى-: من معاني الآية الكريمة: أن من يكون بعيدًا عن الملك كالسوقي ونحوه لا يبالي بما فعل من الأفعال, يأكل في دكان الهراس والرواس, ويجلس مع أحباش الناس, فإذا صارت له قربة يسيرة من الملك كما إذا صارا واحدًا من القواد لم تمنعه تلك القربة من تعاطي ما كان يفعله, فإذا زادت قربته ارتفعت منزلته حتى صار أميرًا حينئذ تمنعه هذه المنزلة عن الأكل في ذلك المكان, والجلوس مع أولئك الخلان, كذلك العبد إذا صلى وسجد صار له قربة ما, لقول الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}([3]), فإذا كان ذلك القدر من القربة يمنعه من المعاصي والمناهي, فبتكرر الصلاة والسجود تزداد مكانته, حتى يرى على نفسه من آثار الكرامة ما يستقذر معه من نفسه الصغائر فضلًا عن الكبائر([4]).


2- قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا *إِلَّا الْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}([5]).


الهلع جزع واضطراب يعتري الإنسان عند المخاوف وعند المطامع, فهو أشد الحرص واسوأ الجزع وأفحشه, وهلوع للتكثير, فالهلوع البخيل, الحريص, الضجور, الشحيح, الضيق القلب, الشديد الجزع([6]).


قال ابن كثير – رحمه الله تعالى-: يقول تعالى مخبرا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}, ثم فسره بقوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا}, أي: إذا مسه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب, وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير, {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً}, أي: إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره, ومنع حق الله تعالى فيها([7]).


ثم استثنى الله سبحانه وتعالى المصلين من هذه الأخلاق الذميمة, مما يدل على الأثر البليغ الذي تحدثه الصلاة في نفوس المصلين؛ لأن الصلاة غذاء روحي يعين المصلي على مقاومة الجزع والهلع عند مسه الضر, والعطاء عند حصول الخير, والتغلب على جوانب الضعف الإنساني, فقال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}, وقد وصف الله المصلين في السورة الكريمة بصفات بدأها بالمداومة على الصلاة,وختمها بالمحافظة على الصلاة, فالدوام يرجع إلى أنفس الصلوات, أي: يواظبون على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل, والمحافظة ترجع إلى أحوالها أي: يحافظون على أوقاتها وشروطها وأركانها وآدابها([8]).


قال ابن جرير – رحمه الله تعالى -: قوله: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} أي: إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة, وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا, فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا([9]).


3- قال الله عز وجل: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُآبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَلَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}([10]).


أمر شعيب عليه الصلاة والسلام قومه بالتوحيد, ونهاهم عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل, ثم أمرهم كذلك بالإيفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على أنه لا يكفيهم الكف عن تعمدهم التطفيف, بل يلزمهم السعي في الإيفاء, ثم نهاهم عن الفساد في الأرض([11]).


وكان شعيب عليه الصلاة والسلام كثير الصلوات, مواظبًا عليها, فلما أمر قومه ونهاهم عيروه بما رأوه يستمر عليه من كثرة الصلاة, وقالوا له على سبيل الإنكار والتهكم: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُآبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}, أي: أصلواتك التي تداوم عليها في ليلك ونهارك تأمرك بأن نترك عبادة الأوثان, وأن نترك فعل ما نشاء في أموالنا, فدل ذلك على أنهم أدركوا أن الصلاة تأمر بالجميل والمعروف, وتبعث عليه, وتنهى عن ضده([12]).


قال ابن جرير – رحمه الله تعالى – معناه: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام, أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء من كسر الدراهم وقطعها, وبخس الناس في الكيل والوزن([13]).


4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:« إنَّ فلانًا يصلي بالليل, فإذا أصبح سرق, قال: (إنه سينهاه ما تقول), وفي رواية: (ستمنعه صلاته)»([14]).
معناه: أنه ما دام محافظًا على الصلاة, فإن صلاته لا محالة ستنهاه فيتوب عن السرقة قريبًا؛ لأن الصلاة تذكر بالله وتورث النفس خشيته, فبمزوالتها والاستمرار على أدائها سيجد منها حالة في قلبه تمنعه عن ارتكاب الإثم([15]).


قال الطحاوي – رحمه الله تعالى -: فتأملنا هذا الحديث فوجدنا أن الله سبحانه قد قال في كتابه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}, أي: أنها تنهى عن أضدادها إذا كان أهلها يأتونها على الأحوال التي أمروا أن يأتوا بها عليها, من الطهارة لها, ومن ستر العورة عندها, ومن الخشوع لها, وتوفيتها ما يجب أن توفاه,... وفي ذلك ما يدل على أنه عز وجل بمنه ولطفه وسعة رحمته يبرئ ذلك السارق مما كان سرق, ويرده إلى أهله حتى يلقاه يوم يلقاه, لا تبعة عليه تمنعه من دخول جنته([16]).


فهذه النصوص صحيحة وصريحة في أن الصلاة مدرسة خلقية, تأمر المصلين بالمعروف, وتحثهم على الطاعات والتخلق بمكارم الأخلاق, وتنهاهم عن المنكر, وتصرفهم عن المعاصي, والأخلاق الدنيئة, فهي آمرة ناهية لمن يؤديها على الصفة التي أمر الله تعالى بها.

****

([1])سورة العنكبوت, الآية: [45].

([2])ينظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 4/319.

([3])سورة: العلق, من الآية: [19].

([4])ينظر: مفاتيح الغيب: 25/61.

([5])سورة: المعارج, الآيات: [19, 20, 21 , 22, 23].

([6])ينظر: النكت والعيون:6/94, ومعالم التنزيل في التفسير: 8/23, والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 5/368, والجامع لأحكام القرآن: 21/236.

([7])ينظر: تفسير ابن كثير: 8/240.

([8])ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: 4/612, ومفاتيح الغيب: 30/644

([9])ينظر: تفسير الطبري: 23/267.

([10])سورة: هود, الآية: [87].

([11])ينظر: انوار التنزيل وأسرار التأويل: 3/144

([12])ينظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: 2/194, ومفاتيح الغيب: 18/387, والجامع لأحكام القرآن: 11/193.

([13])ينظر: تفسير الطبري: 12/544.

([14])خرجه الإمام أحمد في المسند: 15/483 ح9776, والبزار في مسنده: 16/130ح9217, والطحاوي في شرح مشكل الآثار: 5/300ح2056و وقال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد والبزار, ورجاله رجال الصحيح, ينظر: مجمع الزوائد: 2/258ح3555, وقال الشيخ الألباني: رواه احمد والبزار والطحاوي بإسناد صحيح, ينظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1/58.

([15]3ينظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:3/931.

([16])ينظر: شرح مشكل الآثار: 5/300ح2056.









رد مع اقتباس