منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح كتاب التوحيد : بابٌ في التوحيد وغُربة الدِّين
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-06-01, 00:57   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبوإبراهيــم
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الشيخ: يقول رحمه الله: باب قول الله تعالى:*أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ*۝*وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ*[الأعراف:191- 192] يقصد بهذه الترجمة بيان بطلان عبادة غير الله، وأن المعبودين من دون الله عاجزون، لا يملكون نفعًا ولا ضرًّا لعابديهم، ولا نصرًا ولا هزيمةً، ولا غير ذلك، كل شيءٍ بيد الله سبحانه وتعالى، فكيف يعبدونهم من دون الله؟! كيف يعبدون الأصنام والأموات والغائبين والملائكة وغير ذلك وكلهم مقهور مملوك ليس بيده ضرٌّ ولا نفعٌ؟! ولهذا قال سبحانه:*أَيُشْرِكُونَ*استفهام إنكار*أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ*المعبودون من دون الله لا تخلق شيئًا، وهم مخلوقون مربوبون،*وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا*يعني: لعابديهم،*وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ*لا هذا ولا هذا؛ لا خلقوا، وهم مخلوقون، ولا يستطيعون لأنفسهم نصرًا، ولا يدفعون عنها ضرًّا، ولا أنفسهم ينصرون، فكيف يُعبَدون من دون الله؟!
فعُلم بهذا أنَّ عباداتهم باطلة، وأن المستحق للعبادة هو الذي خلق الجميع، وهو الذي بيده الضر والنفع والنصر وغير ذلك سبحانه وتعالى، وهو جلَّ وعلا ربّ السماوات والأرض، وخالق كل شيءٍ، الإله الحق*، مالك الدنيا والآخرة، القائل سبحانه:*وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*[البقرة:163]، والقائل سبحانه:*إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا*[طه:98]، والقائل سبحانه:*وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ*[الإسراء:23]، والقائل*:*وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ*[البينة:5] إلى غير هذا من الآيات.
فالواجب على جميع الثَّقلين -الجن والإنس- أن يعبدوا الله وحده، وأن يخصُّوه بالعبادة جلَّ وعلا دون كلِّ ما سواه؛ لأن آلهتهم مهما كانت فهي موصوفة بهذه الصِّفات الأربع: مخلوقة لا تخلق، ولا تستطيع نصرًا لها ولا لداعيها وعابديها.
وقال تعالى:*ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ*[فاطر:13] والقطمير: اللفافة التي على النَّواة، كلهم لا يملكون من قطميرٍ إلا ما أعطاهم الله إياه:*إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ*[فاطر:14]، هذه حال المعبودات من دون الله: لا تملك، ولا تنفع، ولا تضرّ، ولا تملك لعابديها ضرًّا ولا نفعًا، ولا تستجيب دعاءه إذا دعاها؛ ما بين ميتٍ، وما بين جمادٍ، وما بين غائبٍ، وما بين عاجزٍ، لا يملكون شيئًا.
وتقدم أنَّ هذا كله لا يمنع الاستعانة بالحي الحاضر القادر، هذا غير داخلٍ في هذا، الأحياء القادرون الحاضرون لا بأس أن يُستعان بهم، كما قال تعالى:*فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ*[القصص:15] استغاث الإسرائيلي موسى على القبطي؛ لأنَّ موسى قادر، وهكذا تقول لأخيك: يا أخي، أعني على إصلاح بيتي، على إصلاح سيارتي، على حصاد زرعي، إلى غير هذا لا بأس، وهو يسمع كلامك، قادر، أو بالمكاتبة، أو من طريق التليفون تقول له لا بأس بهذا، الشرك والمنكر أن تدعو الميت أو الجماد أو الغائب الذي لا يسمعك تعتقد فيه أنه يسمع وأنه ينفع وهو غائب لا يسمع كلامك، تدعوه تعتقد فيه أنه ينفعك، أما مَن كان يسمع ومَن كانت عنده قُدرة -سواء كان حاضرًا أو من طريق الأمور العادية كالكتابة والهاتف ونحو ذلك- فهذا غير داخلٍ في مسائل الشرك عند أهل العلم جميعًا.
وفي الصحيح عن أنسٍ**قال: شُجَّ النبيُّ يوم أحد. شُجَّ يعني: ضُرب في رأسه عليه الصلاة والسلام، شجَّه بعضُ الكفَّار في رأسه، وكُسرت البيضة على رأسه يوم أحد، وكُسرت رباعيته، ما دافع عن نفسه وهو رسول الله، وهو أفضل الخلق، فقال عند هذا:*كيف يُفلح قومٌ شجُّوا نبيَّهم*استبعد فلاحهم مع ما فعلوا يوم أحد، فأنزل الله:*لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، الأمر بيده*:*أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ*[آل عمران:128].
وفي الصحيح عن ابن عمر*: أنه سمع النبيَّ يقول بعد الركوع في صلاة الفجر، يقنت على المشركين، على صناديدهم، وعلى زعمائهم بعد صلاة الفجر يقول:*اللهم العن فلانًا وفلانًا*بسبب شرِّهم العظيم.
وفي روايةٍ: يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام؛ لأنهم كانوا من صناديد الكفرة الذين آذوا الرسول وآذوا الصحابة، فدعا عليهم، قنت عليهم الرسولُ يدعو عليهم شهرًا، ومع هذا أنزل الله في حقِّهم:*لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ*يعني: الأمر إلينا لا إليك، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب، فإذا كان سيدُ الخلق وأفضل الخلق محمد ﷺ ليس له من الأمر شيء فالأمر إلى الله في النصر والتَّأييد، وفي عذاب الكفار، وفي غير ذلك، فغيره من باب أولى.
وفي الصحيح عن أبي هريرة*: أن النبي ﷺ قبل أن يُهاجر من مكة صعد الصَّفا فقال:*يا معشر قريش*لما أنزل الله عليه:*وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ*[الشعراء:214] صعد الصفا وقال:*يا معشر قريش، وفي لفظٍ:*يا صباحاه، فلما اجتمعوا إليه قال:*أرأيتكم لو كنت أخبرتكم أن جيشًا يُصبحكم أو يُمسيكم أكنتم مُصدقي؟*قالوا: نعم، ما جرَّبنا عليك كذبًا، فقال:*يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أُغني عنكم من الله شيئًا*يعني: وحِّدوا الله وادخلوا في الإسلام، فقال له أبو لهبٍ: تبًّا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلا لهذا! فأنزل الله:*تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*الآيات [المسد:1- 2].
ثم خصَّهم؛ خصَّ بعض أقاربه فقال:*يا عباس بن عبد المطلب، لا أُغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمّة رسول الله، لا أُغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد، لا أُغني عنك من الله شيئًا، اشتروا أنفسكم من الله، وفي اللفظ الآخر:*غير أنَّ لكم رحمًا سأبلها ببلالها، يقول لفاطمة:سليني من مالي ما شئتِ، لا أُغني عنكِ من الله شيئًا.
هذا بيانٌ أخبره الله به ليُبلغه الناس؛ أن الأمر بيد الله، وأن الواجب عليهم عبادة الله وحده، وإخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة الأصنام والأشجار والأحجار وغيرهم؛ ولهذا قال له:*وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ*[الشعراء:214]، أمره الله أن ينذر، وفي الآية الأخرى:*قُمْ فَأَنْذِرْ*[المدثر:2]، وفي الآية الأخرى:*يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*۝*وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا*[الأحزاب:45- 46]، وقال تعالى:إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ*[الرعد:7]،*فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ*[الرعد:40]، هذا الذي على الرسل: البلاغ*فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ*[النحل:35] عليهم الصلاة والسلام.
وهكذا الدعاة إلى الله والعلماء خلفاء الرسل عليهم البلاغ والبيان والدَّعوة إلى الله، والهداية بيد الله جلَّ وعلا، وليس بيد الناس، قال تعالى:*لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ*[البقرة:272]، وقال تعالى:*إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ*[القصص:56]، فالهداية التي بمعنى: التوفيق لقبول الحقِّ، وقذف النور في القلب وقبوله هذه بيد الله جلَّ وعلا، أما البلاغ والبيان بيد الرسل وأتباعهم، كما قال تعالى:*وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ*[الشورى:52] يعني: هداية البلاغ والبيان هذه بيد الرسل والعلماء، وهم الدعاة، أما الهداية التي بمعنى: قذف النور في القلب، ومعنى التوفيق إلى الحقِّ، ومعنى قبوله والخضوع له؛ هذه بيد الله جلَّ وعلا، ليست بيد الناس، لا بيد الرسل ولا غيرهم؛ ولهذا يقول سبحانه:*لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ*يُعزيه ويسليه*لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ*[البقرة:272].
ولما حاول إسلام عمه وقال:*يا عم، قل: لا إله إلا الله*عند موته،*قل: لا إله إلا الله كلمة أُحاجّ لك بها عند الله، قال عند موته: أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبيُّ ﷺ:*لأستغفرنَّ لك ما لم أُنهَ عنك، فأنزل الله:*إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ*[القصص:56]، وأنزل سبحانه:*مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ*[التوبة:113]، فالكافر لا يُستغفر له، ولا يُدعا له إذا مات على الكفر، والهداية بيد الله، ليست بيد الأنبياء ولا غيرهم، هو الموفق، هو الذي يقذف النور في القلب، وهو الذي يهدي لقبول الحقِّ سبحانه دون كلِّ ما سواه.
ففي هذا الباب والأحاديث المذكورة الدلالة على بطلان الشرك، وعلى وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأن الواجب عبادة الله وحده، وأن العبادة حقّ الله، لا يستحقها الرسل ولا غيرهم، بل هي حق الله*، يجب أن تُخلص العبادة لله وحده في دعائك وخوفك ورجائك وذبحك ونذرك وصلاتك وصومك، العبادة كلها لله، لا تجوز لغيره كائنًا مَن كان، كما قال*:*وَقَضَى رَبُّكَ*يعني: أمر ربك*وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ*[الإسراء:23]،*وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*[الذاريات:56]،*وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ*[البينة:5].
وفَّق الله الجميع.










رد مع اقتباس