نشأة فن النقائض
النقائض من الفنون الشعر القديمة لأنها عرفت منذ العصر الجاهلي ، فقد كان شعراء القبائل المتحاربة يتراشقون بالشعر كما يتراشقون بالسّهام ، وكانوا يهجون ويناقضون بعضهم بعضاً، فينتصر الشاعر بقومه ويرد عليه شاعر القبيلة المعادية ، ثم جاء الإسلام فدارت النقائض بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين فدافع شعراء المدينة عن الإسلام والمسلمين ودافع شعراء مكة عن دينهم الوثني ، وعلى الرغم من أن النقائض أيام الرسول صلى الله عليه وسلم تعدّ امتداداً للنقائض في الجاهلية إلا أن تغيراً قد أصابها من حيث الغاية إذا أصبحت دفاعاً عن عقيدة ومبادئ دينية بعد أن كانت دفاعاً عن أعراض القبيلة.
ونقائض الإسلام لم تشتمل على فحش وجرح للأعراض وانتهاك للحرمات كالتي نتلمسّها بشكل واضح في نقائض جرير والفرز دق والأخطل .
ثم ازدهر هذا الفن ازدهاراً كبيراً وواسعاً في العصر الأموي وتحوّل إلى فن مستقل بذاته له أصوله وعناصره وأساليبه ومراميه وأبعاده الاجتماعية والسياسية فأحتلّ مكانة عزيزة وتبوأ منزلة في لوحة الشعر.
وكانت الحياة في العصر الأموي صالحة لقيام مثل هذا الفن ، واستطاع أن يرجع إلى ما كان عليه في الجاهلية الأولى ، لذلك عاشت النقائض في ظله وسايرته إلى النهاية وبلغت في درجتها الفنية وآثارها الأدبية الاجتماعية منتهى ما بلغت في تاريخ الشعر العربي جمعيه ، وهذا ما يقودنا لأن نتبين أسباب النقائض في هذا العصر .