منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - استفسار
الموضوع: استفسار
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-12-27, 18:10   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

قال الشيخ العلامة الفقيه محمد الأمين الشنقيطي المالكي رحمه الله :

اعلم أن من منع أكل لحم الخيل احتج بآية وحديث: أما الآية فقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} . فقال: قد قال تعالى {وَالاٌّنْعَـمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَـفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فهذه للأكل. وقال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} فهذه للركوب لا للأكل، وهذا تفصيل من خلقها وامتن بها، وأكد ذلك بأمور:

أحدها: أن اللام للتعليل، أي خلقها لكم لعلة الركوب والزينة، لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر، فإباحة أكلها يقتضي خلاف ظاهر الآية.
ثانيها: عطف البغال والحمير عليها، فدل على اشتراكها معهما في حكم التحريم.
ثالثها: أن الآية الكريمة سيقت للامتنان، وسورة النحل تسمى سورة الامتنان. والحكيم لا يمتن بأدنى النعم، ويترك أعلاها، لاسيما وقد وقع الامتنان بالأكل في المذكورات قبلها.
رابعها: لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان من الركوب والزينة.
وأما الحديث: فهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود، والنسائي وابن ماجه، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: «نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لُحُوم الخيل والبغال والحَمِير».
ورد الجمهور الاستدلال بالآية الكريمة. بأن آية النحل نزلت في مكة اتفاقاً، والإذن في أكل الخيل يوم خيبر كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين، فلو فهم النَّبي صلى الله عليه وسلم المنع من الآية لما أذن في الأكل، وأيضاً آية النحل ليست صريحة في منع أكل الخيل، بل فهم من التعليل، وحديث جابر، وحديث أسماء بنت أبي بكر المتفق عليهما. كلاهما صريح في جواز أكل الخيل. والمنطوق مقدم على المفهوم كما تقرر في الأصول.
وأيضاً فالآية على تسليم صحة دلالتها المذكورة، فهي إنما تدل على ترك الأكل، والترك أعم من أن يكون للتحريم أو للتنزيه، أو خلاف الأولى، وإذا لم يتعين واحد منها بقي التمسك بالأدلة المصرحة بالجواز.
وأيضاً فلو سلمنا أن اللام للتعليل، لم نسلم إفادة الحصر في الركوب والزينة. فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما، وفي غير الأكل اتفاقاً، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل.
ونظيره حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت: «إنا لَم نخلق لهذا. إنا خلقنا للحرث» فإنه مع كونه أصرح في الحصر لم يقصد به إلا الأغلب، وإلا فهي تؤكل وينتفع بها في أشياء غير الحرث اتفاقاً. وأيضاً فلو سلم الاستدلال المذكور للزم منع حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير للحصر المزعوم في الركوب والزينة. ولا قائل بذلك.
وأما الاستدلال بعطف الحمير والبغال عليها. فهو استدلال بدلالة الاقتران، وقد ضعفها أكثر العلماء من أهل الأصول. كما أشار له في (مراقي السعود) بقوله: أما قران اللفظ في المشهور فلا يساوي في سوي المذكور

وأما الاستدلال بأن الآية الكريمة سيقت للامتنان: فيجاب عنه بأنه قصد به ما كان الانتفاع به أغلب عند العرب. فخوطبوا بما عرفوا وألفوا، ولم يكونوا يألفون أكل الخيل لعزتها في بلادهم، وشدة الحاجة إليها في القتال، بخلاف الأنعام: فأكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال، وللأكل. فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به فيه.
فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق للزم مثله في الشق الآخر كما قدمنا.
وأما الاستدلال بأن الإذن في أكلها. سبب لفنائها وانقراضها:
فيجاب عنه: بأنه أذن في أكل الأنعام لئلا تنقرض، ولو كان الخوف عن ذلك علة لمنع في الأنعام لئلا تنقرض، فيتعطل الانتفاع بها في غير الأكل.
قاله ابن حجر، وأما الاستدلال بحديث خالد بن الوليد رضي الله عنه: فهو مردود من وجهين:
الأول: أنه ضعفه علماء الحديث. فقد قال ابن حجر في (فتح الباري) في باب «لحوم الخيل» ما نصه: «وقد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون، والدارقطني، والخطابي، وابن عبد البر، وعبد الحق، وآخرون.
وقال النووي: في «شرح المهذب» واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم. على أن حديث خالد المذكور حديث ضعيف، وذكر أسانيد بعضهم بذلك. وحديث خالد المذكور مع أنه مضطرب. في إسناده صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب. ضعفه غير واحد، وقال فيه ابن حجر في «التقريب»: لين. وفيه أيضاً: والده يحيى المذكور الذي هو شيخه في هذا الحديث. قال فيه في «التقريب»: مستور.
الوجه الثاني: أنا لو سلمنا عدم ضعف حديث خالد. فإنه معارض بما هو أقوى منه كحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل»، وفي لفظ في الصحيح «وأذن في لحوم الخيل»، وكحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: «نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه» متفق عليهما.
ولا شك في أنهما أقوى من حديث خالد، وبهذا كله تعلم أن الذي يقتضي الدليل الصريح رجحانه إباحة أكل لحم الخيل، والعلم عند الله تعالى، ولا يخفى أن الخروج من الخلاف أحوط، كما قال بعض أهل العلم. وإن الأورع الذي يخرج من خلافهم ولو ضعيفاً فاستبن


من تفسيره الماتع أضواء البيان .

منقول

المصدر










رد مع اقتباس