النبوءات القرآنية تتحقق طبق ما جاء سواء بسواء
تحقق وعد الله عزَّ وجلَّ بظهور الروم على الفرس في بضع سنين
قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿أَلم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وهذا الوعد وقع كما أخبر به الباري جلت قدرته وذلك أنه لمَّا غلبت فارس الروم فرح المشركون واغتم بذلك المسلمون لأن النصارى أقرب إلى الإسلام من المجوس فأخبر الله عزَّ وجلَّ رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الروم ستغلب الفرس بعد هذه المدة في أقل من تسع سنين وكان من أمر مراهنة الصديق رضي الله عنه رؤوس المشركين على أن ذلك سيقع في هذه المدة ما هو مشهور ومبسوط في كتب التفسير فوقع الأمر كما أخبر به الله تعالى، غلبت الروم فارس بعد غلبهم غلبًا عظيمًا جدًا وأسلم عند ذلك ناس كثير. فسبحان الله علَّام الغيوب, ولله الحمد والمنة.
ولقد كان الإخبار بهذا النصر وبأنه كائن في وقت معين إخبارًا بأمرين كل منهما خارج عن متناول الظنون وإحاطة العلماء والأُميين، ذلك أن دولة الروم كانت قد بلغت من الضعف حدًا يكفي من دلائله أنها غُزيت في عُقر دارها وهُزمت في بلادها فغلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم واضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية وحصره فيها مدة طويلة فلم يكن أحد يظن أنها تقوم لها بعد ذلك قائمة فضلًا عن أن يحدد الوقت الذي سيكون لها فيها النصر ولذلك كذب به المشركون وتراهنوا على تكذيبه، على أن القرآن لم يكتف بهذين الوعدين بل عززهما بثالث حيث يقول: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.
إشارة إلى أن اليوم الذي يكون فيه النصر هنالك للروم على الفرس سيقع فيه ها هنا نصر للمسلمين على المشركين وإذا كان كل واحد من النصرين في حد ذاته مستبعدًا عند الناس أشد الاستبعاد فكيف بالظن بوقوعهما مقترنين في يوم؟ لذلك أكده تعالى أعظم التأكيد بقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
ولقد صدق الله عزَّ وجلَّ وعده فتمَّت للروم الغلبة على الفرس بإجماع المؤرخين في أقل من تسع سنين, وكان يوم نصرها هو اليوم الذي وقع فيه النصر للمسلمين على المشركين في غزوة بدر الكبرى كما رواه الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «لمَّا كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس» فلله الحمد والمنة ولله الأمر من قبل ومن بعد وسبحان الله علَّام الغيوب.
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾.
يقول المؤرخ إدوارد جيبون في كتابه "تاريخ سقوط واندحار الأمبرواطورية الرومانية".
"في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة لم تكن آية نبوءة يظن أنها أبعد وقوعًا منها لأن السنين الإثنتي عشرة الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية"([1]).
([1]) الإسلام يتحدى (201).