امتناع اليهود من تمني الموت
وذلك أن اليهود عليهم لعائن الله تعالى كانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم هم أهل الجنة وأن من عداهم من أهل النار، فلما بعث الله عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق استكبروا وكذبوا واتبعوا أهواءهم، وهم إذ ذاك يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله جلَّ ثناؤه ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ فأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم كما أخبر ابن جرير رحمه الله أن يقول لفريق اليهود: إن كنتم محقين فتمنوا الموت فإن ذلك غير ضاركم إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا والفوز بجوار الله في جناته إن كان الأمر كما تزعمون، فامتنعت اليهود من إجابته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت فذهبت دنياها وصارت إلى خزي مقيم وعذاب أليم، فلما تأخروا ظهر كذب أحبارهم ووضع ضلال علمائهم.
ومثل هذا التحدِّي لا يمكن أن يصدر عن متقول و مثل هذا النكوص لا يكون من أُمَّة كتابية إلا أن تكون قد استيقنت بأن هذا المتحدي هو النبي الأُمِّي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، وظلت اليهود باقية على الامتناع فلم يقع تمني الموت ممن سلف منهم ولا خلف، كلهم يأبى تمني الموت, وهذا هو الإعجاز المستمر.
قال الله عزَّ وجلَّ في سورة البقرة: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.